الأخبار
(يسرائيل هيوم): هكذا حاولت حماس اختراق قاعدة سرية إسرائيلية عبر شركة تنظيفجندي إسرائيلي ينتحر حرقاً بعد معاناته النفسية من مشاركته في حرب غزةالهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينية
2025/7/7
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

التجربة الشعرية للشاعر الجزائري عبد الحميد شكيل بقلم:*جمانة محمد نايف الدليمي

تاريخ النشر : 2010-03-12
التجربة الشعرية للشاعر الجزائري عبد الحميد شكيل

مدخل:
الجزائر عاصمة الثقافة العربية لعام 2007، حدث مهم يسجل في تاريخ الجزائر الثقافي المعاصر، ولكن كيف ولماذا؟ هل هي معادلة سياسية أم هي مسالة ثقافية بحتة؟. وهل يمكن للجزائر أن تكون بحق عاصمة للثقافة العربية بكل ما يحمله هذا المنصب من متطلبات، أم تكون كباقي الدول التي خرجت من هذا المضمار وأنهت سنتها دون أن تضيف ما يلمس أو يحسب على الثقافة العربية عموما؟!.
ترددت هذه الأسئلة على الألسنة حين سماع الخبر للوهلة الأولى. وباتت العيون تترقب. ماذا ستضيف الجزائر للثقافة العربية؟. متناسين تاريخ الجزائر وما مرت به من ظروف قاسية قد تكون أحيانا باعثا قويا على الإقدام على الثقافة أو النأي عنها في حركتين كالمد والجزر.
تعددت الآراء والأقوال حول هذه المسالة. فمنهم من رأى أن : (الجزائر كانت ولا تزال وستظل وستبقى منارة ثقافية منفتحة على الأفق المتعدد للثقافات ليس العربية فحسب بل الثقافة الامازيغية والثقافة الفرانكفوتية . وأيضا ثقافات الشرق. من هنا أهمية هذا الحدث ناهيك على أن الجزائر هي معقل لرموز حركات التحرر الاممي .... كل هذه الشروط الموضوعية والمادية تفسح المجال أمام الجزائر لتكون سنتها كعاصمة للثقافة العربية مختلفة بكل المقاييس)
وفكر البعض الآخر في ماهية البرنامج الجزائري الثقافي لهذا العام المميز. ووضع بعض الاقتراحات والفرضيات (افترض أن هناك فقرة في البرنامج الجزائري، تتعلق بالكتاب: تأليفا وترجمة وطباعة ونشرا، لذا اقترح أن يكون هناك معرض دائم للكتاب طوال السنة، لا فقط على مؤلفات منتجينا الصادرة باللغة العربية فقط،بل ينبغي الالتفات إلى ثقافة الأقليات ونتاجها، لان الذي لا ينظر إلى تعددية مصادر ثقافتنا العربية يظلمها ويعيق تطورها اللاحق، ويجعلنا امة عاقة محدودة الأفق. حبذا لو يفرد البرنامج السنوي لنتاجات المرأة الثقافية والفنية والفكرية مجالا أوسع من ذي قبل، كما وارى أن على ثقافة الطفل وأدبه أن تحظى بقسط مهم...)
ومنهم من تحدث عن نضال الشعب الجزائري ومدى معاناته للوصول إلى الاستقلال وبالتالي محاولة التقدم بخطوات متأنية ومدروسة إلى الأمام في محاولة لمواكبة مسيرة الدول الأخرى فيعلق قائلا: ( ربما كانت الثورة الجزائرية وفترة الاستعمار الطويلة وانشغال ونضال الشعب الجزائري وفي مقدمته مثقفوه هي احد أسباب هذا الركود الثقافي في الابتعاد اللاإرادي القسري عن التواصل مع المشرق العربي إلى جانب الضغط الاستعماري لسلخ هذه الأمة عن جذورها وربطها بالجذر الاستعماري. وعليه حدث هذا الانقطاع في الارتباط والتواصل بين فروع امة لها تاريخها وارثها الثقافي المتجانس والمؤثر والمتأثر ببعضه من خلال التاريخ المشترك من لغة ودين و ثقافة وتقاليد... بالمقابل كانت هناك بالتأكيد ثقافة حاولت أن تحافظ على ذاتها رغم كل الضغوط والأهوال والنوائب ... وبعد الاستقلال بدأ صراع الإرادة للعودة إلى الجذور والتخلص من الثقافة المستعمرة من خلال أولا إحياء نشر اللغة الأم عمادا للتواصل واثبات الهوية العربية).
ومهما تعددت الآراء وإن تباعدت أو تقاربت وجهات النظر فهناك حقيقة واحدة لا يمكن التغافل عنها أو إنكارها ألا و هي أن الجزائر من العواصم العربية التي كان لها مكانتها الثقافية البينة التي ظهرت دوما وبإصرار من تحت ركام الرماد لتطل على عالمها العربي مهما كانت العوائق. ومن هذا المنطلق. آثرنا أن نسلط الضوء على الثقافة الجزائرية من خلال شاعر جزائري عاصر الثورة ولم تثنه سنوات الإرهاب وارتفع صوته. في وقت تسكت فيه الأصوات وتكافأ بالموت.
وفي الختام نود الاعتراف صراحة بوجود بعض القصور في تغطية موضوع البحث، وهذا القصور لم يكن بإرادة الباحث، وإنما كان سببه المباشر هو عدم توفر المصادر والدراسات التي تخص موضوع البحث والتي كنا نأمل الاستنارة بهديها والسير على خطاها في إكمال البحث،بل حتى أننا لم نعثر في مكتبتنا الزاخرة بالمصادر ولو على ديوان واحد للشاعر موضوع البحث لغرض اخذ نصوص منه ودراستها، فما كان منا إلا الاعتماد على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت) وعدد قليل من المجلات لإكمال الموضوع بالصورة التي هو عليها الآن.
عبد الحميد شكيل
المولد والنشأة:
من مواليد 2-2-1950م بالقل (سكيكدة)، بدا تعليمه بعد الاستقلال في الكتاب، ثم انتقل إلى مدينة قسنطينة فتعلم أولا في المدارس الليلية قبل أن يدخل مدرسة الكتائبة وذلك في العام الدراسي (1965- 1966)، وبعد أن تحصل على الشهادة الابتدائية التحق بالمعهد الإسلامي وبقي فيه خمس سنوات إلى أن تخرج منه فتحصل على الشهادة الأهلية وذلك عام 1970، وانتقل في 10 -10 – 1970 إلى مدينة عنابه حيث انتسب إلى المعهد التكنولوجي للتربية، والتحق بعد ذلك ومنذ سبتمبر 1970 بسلك التربية والتعليم بمدرسة هيبون للبنات. انتدب في بداية التسعينات للعمل في مديرية التربية لولاية عنابه مكلفا بالصحافة والإعلام.

الأدب والشعر:
يعد عبد الحميد شكيل من أعلام ( النثيرة )* في الجزائر ورائدا من روادها بلا منازع، والوحيد الذي ظل دائم الإبداع والنشر ولم تحد من عزيمته سنوات الإرهاب والتقتيل والتخريب، وربما اختفى آخرون واستهوتهم الماديات وما شاكلها، أما هو فقد ظل دائم العطاء وفيا لنفسه ولوطنه ولإبداعه ولقرائه أيضا، فاصدر جملة من الدواوين في وقت كان الأديب أو الكاتب أن قال كلمة يتلقى رصاصة في رأسه.
ومن دواوينه:
1- قصائد متفاوتة الخطورة.
2- تحولات فاجعة الماء، مقام المحبة.
3- مراتب العشق، مقام سيوان.
4- مرايا الماء، مقام بونه.
5- يقين المتاهة، مقام الشوق.
6- الحالات في عشق بونه
7- مجموعة غوايات الجمر والياقوت. وتضم 9 قصائد
وكما ذكرنا سلفا بان الشاعر عبد الحميد شكيل من الأصوات التي ظهرت بداية السبعينيات من القرن العشرين ويعد من أوائل الشعراء الذين كتبوا القصيدة النثرية في الجزائر قبل ركوب غيره موجتها فيما بعد، ورغم أن تجربته الشعرية ذات حضور دائم ومستمر، إلا أن الدراسات النقدية التي تناولت نتاجه الشعري قليلة قياسا بغيره، وقد يعود ذلك إلى أزمة النشر التي حرمت الشاعر من طبع دواوينه العديدة، ومن ثمة حرمان الباحث من الاطلاع عليها ومعرفة تطوره الفني، واعتماد إشعاره في الدراسات الأكاديمية
تميز الشاعر عبد الحميد شكيل بانتقاء لفظه والاعتناء بلغة شعره والتميز في موسيقاه التصويرية. وقد وصفته رجاء الصديق في محاورة أجرتها معه بأنه"صاحب اللغة الرقطاء والمفردة المنتقاة. انه باختصار صاحب الفن الرفيع".
عشق اللغة العربية وامتلك أدواتها وأسعفته قوة التعبير ووظف المعاني الرشيقة لخدمة أغراضه الشعرية وحين سئل عن سبب اللغة الشعبية الحزينة التي تلوح في نصوصه الشعرية أجاب قائلا: "اللغة في الشعر تمايز أساس للتفرقة بين شاعر وآخر، القصيدة التي لاتكون مؤثثة ومشبعة برواء اللغة وظلها هي قصيدة منقوصة من الماء والرواء.كلما دخلت بيت القصيدة إلا وحاولت أن ابتني داخل بنيته اللغوية أشياء تزيل الجهامة وتبعث البهجة وتجعل الحياة جميلة ومستساغة، اللغة عندي مقول الكتابة وهاجسي الذي يؤرقني ويذهب بي بعيدا في المساءلة والبحث والتقصي المضني الذي يجعلني في حالة من العشق والتيه والهيجان، عندما ادخل بيت اللغة اتطهر من أوزاري كيما أطوف في جنباتها الشجية وأنا خلو من الحقد والكراهية والاجتثاث الذي هو نبتة شيطانية مقيتة إذا دخلت حديقة المعنى والنص أورثته الحزن والقبح والتشوه، من خلال اللغة أقول ذاتي وأحلامي ومخيالي حتى أتواصل مع الحياة وهي تنأى في سماء المتاه".
إن كتابات الشاعر عبد الحميد شكيل عكست وبشكل جدي كل الآلام والأحزان التي كابدها الشعب الجزائري. وهو احد مواطني البلد الجريح بلد المليون شهيد. وحين تحدث عن كتاباته قال: "الذي يدفعني إلى الكتابة هو الذي يدفعني إلى الحياة.. الكتابة هي محاولة جمالية لتسويغ الحياة.. والذهاب بعيدا. وعميقا من اجل تحقيق المعنى، وتحفيز الدال الابستمولوجي وتوصيف اللحظة الأكثر إشراقا في تحولات الإنسان، وحيواته الضاجة بالكثير من الأخيلة، والمعاني والأشياء التي تعطل جاهزية التواصل... الكتابة هي كشط معرفي للعفونة، والدناءة، والقهر، واقتراب مجيد من روح الإنسان وأحلامه. وأمانيه، وسعيه الحثيث للعيش بعيدا عن طقس العتمة... وضبابية الرؤية، الكتابة بهذا المعنى تكون هي الحياة في تجلياتها العرفانية، وتحولاتها العقلانية، وبروقها الحداثية، التي تطرح الكثير من الأسئلة الحارقة، والجارحة، في سياق المعنى العام، الذي يعزز مدماك الحياة ويعطيها سمة التواصل، والتناغم والتواشج، والمتعة الباذخة، تحقيقا لحق العيش... والتمتع بمباهج الحياة وهنأتها".
ثم ينتقل إلى وصف الكتابة في موضع آخر يقول فيه: ( الكتابة محبة وعشق وفناء، أن تكتب يعني أن تمارس النزيف والقهر والبكاء الجميل، الكتابة إخلاص للذات والمعنى والموضوع والتحولات النوستالجية التي تعطينا دفق الحياة وضوءها كيما نذهب صوب نقطة الضوء التي تلوح في آخر النفق، إنما اكتب لأجمل قبح الواقع وأرمم ما انكسر من مرايا الذات وهي تخرج من اوجار البؤس والعدمية والمحو لتؤسس ذاتها ومقولها وهاجسها الذي يرسم الدرب ويقضي بنا إلى مسارب هي البهجة والمعنى الذي يحفزنا كيما ننشد أغانينا في اتساع المكان وخرائبه القائمة، الاستمرار في الكتابة نزف وخرق واحتراق ومراودة شجية وقاسية للمعطى الذاتي والموضوعي وهو يعلو ويشخب ويرن في فضاء النفس ومجاهلها وهي تتجلى في غير ما نحب ونرغب مخلفة اوشالنا على شرفات تطل على بحر الذات الصاخب وهو يمور بالأوجاع والأحزان والمرايا التي تلوح في أفق غائم)،
يتضح في اختيار الشاعر للكلمات التي تعبر عن وجهة نظره في ضرورة الكتابة كنوع من تجليات الروح واستخراج المكنون في النفوس أنها يسودها الحزن ومغلفة بجدار من التشاؤم. وتوحي للقارئ أو السامع بان هناك محاولة عقيمة للثورة على هذا الواقع المعتم إلى واقع أكثر إشراقا وتفاؤلا وآملا في غد بهيج.
إن من أهم وابرز الدواوين الشعرية للشاعر عبد الحميد شكيل ديوان " تحولات فاجعة الماء". الذي صدر خلال الثلاثي الثاني لسنة 2002، ضمن منشورات اتحاد الكتاب الجزائريين، وبدعم من الصندوق الوطني لترقية الفنون والآداب وتطويرها التابع لوزارة الاتصال والثقافة. وهو ثاني مجموعة شعرية لعبد الحميد شكيل
يقول الشاعر عن مجموعته "تحولات فاجعة الماء" أنها:" تومض بالكثير من مفردات الدم، والموت لأنها كتبت في خضم تلك التحولات المأساوية التي كادت أن تعصف بالجزائر ومنجزاتها ... اكرر القول بان مجموعتي "تحولات فاجعة الماء" هي توصيف مركب ودال على حالة الدمار والموت الذي عرفته الجزائر في تسعينيات القرن الماضي. بل ازعم بان القصيدة الجزائرية كانت تشير وتحذر من الزلزال الكبير الذي هز الأركان وكاد البناء يتداعى ويسقط. لان النظرة النقدية القاصرة والصيغة العاجزة لم يكن بمقدورها النفاذ إلى صميم الحالة، وتوصيفاتها، ووضع البدائل والحلول لتفادي تلك الحالة الدموية التي عصفت بالمجتمع الطيب وكادت آن تذهب به إلى الجحيم..".
من المسلم به ومن خلال حديث الشاعر عن تجربته الشعرية وعن ديوانه أو مجموعته – كما يسميها البعض- الشعرية الثانية. أن كتاباته ما هي إلا حالة من الرفض والاحتجاج فجرها الشاعر من خلال التلاعب بمفردات اللغة. ليصل إلى حالة من إظهار مكامن الروح. بطريقة عفوية وساذجة.
إن القراءة في "تحولات فاجعة الماء" لعبد الحميد شكيل تجر إلى التعلق بالجملة الشعرية التي تكشف في بعض مستوياتها عن تقارب شعري بين النص وتحولات الذات، حيث يصبح النص فضاء لانسراح قوي لهذه الأخيرة، متمثلا في لعبة استبدالية تمنح من الأواصر الوجدانية/المعرفية مع الآخر (الإنسان والمكان) من جهة ومن تخييم فجعائي لمفهوم الفقد والانهيار من جهة أخرى
إذا وقفنا قليلا عند عنوان هذا الديوان (تحولات فاجعة الماء) نرى أنه يحتمل معان متعددة. احدها :" إمكانية الإشارة إلى الذات و"تحولات" جاءت بصيغة الجمع و "فاجعة" جاءت بصيغة المفرد النكرة لكنها عرفت بالإضافة إلى الماء، وحالات الماء، إما إضفاء حالة خصب إذا كان في المستوى، ويفيض إذا زاد عن ذلك. فالتقسيم الدلالي يفصل بين حقلين معنويين : تحولات، وفاجعة الماء، بما يوحي إلى أن مسار النص تحكمه الفجعائية غير الثابتة بدلالة الحقل الأول "تحولات"، وإذا كانت عملية إنتاج النص تندرج ضمن مفهوم الدفق الذي تغذيه حالات الذات من حزن وفرح وتوتر (مابين الحزن والفرح)، فمفردة الماء تقدم نفس المفهوم الطبيعي الذي يماثل الذات في تحولاتها العاطفية والمعرفية، ومنه، يكون الماء على الأغلب إحالة إلى الذات"
إن القارئ لهذه المجموعة الشعرية يلمس قفزة نوعية من حيث الرؤية الفنية والبناء اللغوي للشاعر مقارنة مع مجموعته الأولى الموسومة "قصائد متفاوتة الخطورة" الصادرة عن مجلة آمال سنة 1985 والتي امتازت برؤية رومانسية حملت هموم الذات وآلامها في مرحلة السبعينيات من ذات الخطاب الأيديولوجي الذي ينزع منزع الواقعية الاشتراكية. إلا أن الشاعر عبد الحميد شكيل في هذه المجموعة الجديدة اكتسب ميزة أساسية جعلت لغة قصائده تحمل إيقاعات متوترة تميل إلى انكسارات الذات التي يعذبها الواقع المضطرب، ويحفر بؤسها اليومي حتى أصبحت هاجسه الذي يعمر وجدانه، خاصة وانه وظف بعض الاستهلال والجمل الإبداعية لكتاب وشعراء عالميين ( بوشكين، سان جون بيرس، ادوارد الخراط،...) حتى يعتقد القارئ أن القصيدة تذهب في هذا المعنى، دون فقدان لونها وطعمها، أي أن الشاعر يحاول استغلال ثقافته المتنوعة في تطوير النص، لهذا جاءت القصائد مثقفة تحمل جهدا إبداعيا وفكريا موصوفا، الشيء الذي يجعل المتلقي العادي يجد بعض الصعوبة عند الاقتراب من عوالمها، فهذه النصوص لا تكشف سرها العميق، ولا تمنح معناها الشعري إلا لمن كان متمكنا من أبجديات العمل الإبداعي ومتوفرا على أدوات إجرائية يستطيع بها فك هذه العوامل المتداخلة ومن الإنصاف القول أن الشاعر عبد الحميد شكيل أصبح يملك لغته الخاصة التي يعرف بها بعد استفادته من الطبيعة وعناصرها ومشتقاتها وتوظيف ذلك في قصائده القديمة والجديدة
في ديوان " تحولات فاجعة الماء". يرحل الشاعر بالقارئ في عوالم غريبة غير مألوفة على الأقل عند الذائقة الجمالية الكلاسيكية، ففي اللحظة التي يحاور فيها "شكيل" التراث نجده يتجاوزه، وفي اللحظة التي يكتب وجع الروح، نجده يدخل في أزقة المدينة وتعاريج الوطن بعيدا عن البساطة قريبا من الترميز، وكأننا به يدخل عوالم الجن، ثم عاد إلى عوالم الإنس، ليكتب النص الإبداعي، ومن ثمة يجد المتلقي ذاته مرغمة على القيام بذات الرحلة لكشف شفرات النص وفضح أسراره، مع التركيز الدائم _ وكان الشاعر يريد أن يصنع أسطورة جديدة من عمق مدينة بونه _ على صفاء الماء وسحره
الشاعر في كتاباته الأولى وظف النورس والبحر ومتفرعاتهما ما يحملانه من دلالات وإشارات. وانتقل في السنوات الأخيرة الى الماء، رمز العطاء والخصوبة، وما يحمله من دلالات صوفية فيزيقية لتوظيفه، كما جاء في نصوص هذه المجموعة التي تأخذ ملامح صوفية حداثية على عكس بعض الشعراء الشباب الذين استحسنوا الكتابة في هذا الاتجاه انبهارا بالشاعر اوديس مما يجعل في قصيدة شكيل عالما يضج بالأخيلة والمعاني الفنية التي تزين النص وتمنحه شعرية متميزة. فحين تقرأ بعض شعره الذي ينشده قائلا :
اعد له اللون، والزهور والمكابر،
لكل شيء قد يصير.
رهيبنة، قد يباع إلا الماء، والشعر المكابر.
وقوله:
صرختنا الأخيرة في مجرى الروح الزنجبيل،
عودة الطير في زبد الماء،
هديل الحمام المطوق باخضرار الفتون
نجد أن الماء عند الشاعر عبد الحميد شكيل هو الأرض بكل إشاراتها الأسطورية وعلاماتها الحضارية، انه تلك التعابير والطقوس الشعبية القادمة من الصدور ومن الوطن، من " وادي الزهور" إلى "بونه" مرورا بأوجاع التاريخ ويوميات الضياع، لكن هذا الماء لا يأتي في متن شعري تقليدي لكنه يحضر في متن حداثي وهذه الحداثة لا تنطلق من عبث إبداعي أو ترف جمالي، لكنها الروح الانقلابية، انقلابها الذكي العميق الواعد
وحين يسأل عن سبب تسرب الماء بل تفجره إلى حد الفاجعة في كل دواوينه يجيب قائلا:" الماء عندي مرادف لمعنى الحياة، بل قل هو الحياة ووجودها، بل هو الخلق، هو البداية والنهاية، خارج طقس الماء وكونه لا حياة، لا وجود ... انا ولدت في بيئة مائية النبع والنهر والساقية، البحر كان يلوح لي من بعيد مستلقيا في رحاب وادي الزهور، صوت الماء اقصد خريره كان هو الموسيقى التي تتردد في الوسط الذي أعيش فيه، ثم أن الحديث عن الماء، هو حديث عن الحياة والموت وكل ما يرتبط بالوجود الإنساني المتحقق، الاحتفاء بالطبيعة ومفرداتها في إبداعنا يكاد يكون منعدما، اعني انه غير مكرس بالقدر المطلوب، الجزائر – كما تعرف – لوحة ربانية ساحرة، تحتم عليك أن تغرف من مفرداتها ما يزن نصك الإبداعي، ويجعله قابلا للتحول والاستمرار. للماء في المصطلح الصوفي، والميثولوجي والديني الكثير من المفاهيم، والتأويلات. ويحيل إلى معاني الخصب، والحياة .. ذهابي في إبداعية الماء، محاولة جمالية لكتابة نص موشح بالزهو، والخيلاء. وفرح الطبيعة التي تحفل بمعنى الخلق، والجمال والمتعة..
لو انتقلنا إلى ديوان أو مجموعة ( مراتب العشق) – مقام سيوان – للمبدع الجزائري عبد الحميد شكيل لرأينا انه في هذه المجموعة الفنية التي تبحث عن الروح والجوهر ( في الكتابة وفي الإنسان ) يواصل بحثه الدؤوب عن الخلود والاستمرار على أنقاض الكتابة الساذجة والقيمة القاصرة، انه في هذه النصوص يكتب النص المفتوح، فلا هو شعر ولا هو سرد، ومن ثم فان القراءة لن تدخل إلى عوالمه بجماليات شعرية أو سردية ولكن بجماليات نصية
تتكون نصوص مراتب العشق من نصين كبيرين تترتب فيهما النصوص الجزئية النص الأول (حجريات) والنص الثاني (سيوانيات) وفيهما تتحرك قطرات الماء، وتتفتح علامات الخلق والإلوهية تدعو القارئ نحو مقامات التوحيد والإيمان.
ووصولا الى آخر مجموعة صدرت للشاعر عبد الحميد شكيل والتي بعنوان (روايات الجمر والياقوت ) التي تقع في مئة واثنين وثلاثين صفحة تضم تسعة قصائد يستهل الشاعر باقة قصائده المائية بإهداء رقيق يضمنه ورد محبته ووفائه إلى (س...) سناء القلب وسلوى الخاطر وسمائي التي فتحتها بيارق الوجد ... ثم يفتح لنا بوابات رواياته على مصراعيها في أشجان غبارية لشمعدان الماء يدخلنا جحيم الكلمة المتصهدة بوهج شاعريته الخالصة المتوجعة بلظى جمر صبواته المحقنة بالفواجع المغتبطة بالردى، بقبح الوشايا والرمز المرائي، ليختتم مجموعته بقصيدة مديح الهدهد

خاتمة:
من ابرز الأمور التي تمت ملاحظتها في هذا البحث:
1- مما يؤسف له أن الأدب الجزائري كأدب عربي لم يأخذ نصيبه من الدراسة والأبحاث كباقي الدول، ربما يكون ذلك بسبب تداعيات الظروف التاريخية التي حاقت بالمنطقة، أو أن ما وصلنا من ثقافة جزائرية جاء عبر الترجمة عن لغة أخرى وليس بقطار اللغة الواحدة. فخلقت إحساسا بان هذه الثقافة هي نتاج مجتمع مغاير وان كانت الروح هي نفس روح الشعب العربي. ويكاد ذلك يكون سببا واضحا في ابتعادنا عن الثقافة الجزائرية وابتعادها عنا. رغم وجود عدد كبير من المبدعين الذين اغنوا الثقافة في الجزائر بنتاجاتهم المميزة. التي تعبر عن روح وطنية عالية. تحدت كل الظروف ليخرج صوتها من تحت ركام الرماد ويعلو في سماء الجزائر العربية ويدوي ليصل إلى بقية أنحاء الوطن العربي.
2- الشاعر عبد الحميد شكيل صوت جزائري عبر بصدق عن الإنسان العربي الجزائري الأصيل الذي خاض تجربة شعبه المريرة، وعبر عنها بشعره وبكل ما يمتلكه من قوة تعبير دعمتها قوة إرادة وإيمان بقضية شعب ووطن.

* مركز الدراسات الاقليمية قسم الدراسات الاقتصادية والاجتماعية العراق جامعة الموصل
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف