الأخبار
(يسرائيل هيوم): هكذا حاولت حماس اختراق قاعدة سرية إسرائيلية عبر شركة تنظيفجندي إسرائيلي ينتحر حرقاً بعد معاناته النفسية من مشاركته في حرب غزةالهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينية
2025/7/7
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

اثر المسلسلات التركية في المجتمع العربي من الجانبين الاجتماعي واللغوي بقلم: جمانة محمد نايف الدليمي*

تاريخ النشر : 2010-03-11
اثر المسلسلات التركية في المجتمع العربي من الجانبين الاجتماعي واللغوي

مقدمة:
إن تلاقح الحضارات وتبادل المعارف بين المجتمعات أمر ضروري لتطور ونمو هذه المجتمعات، وانفتاح الدول على بعضها البعض له مزايا متعددة تساهم في خلق جو من التعاون والتبادل الثقافي والمعرفي، بل وحتى التجاري والصناعي بينها، ويعد الإعلام من أهم وسائل تبادل الثقافات ونشر العلوم والمعارف بين الدول.
يمتلك مجتمعنا العربي من مقومات الحضارة ما يؤهله لان يكون قدوة لباقي الأمم والشعوب في العالم، فضلا عما يمتلكه من قيم وعادات وتقاليد وأعراف وأخلاق، فهو إذا مجتمع يؤثر ويتأثر.
أضحت الأفلام والمسلسلات التلفزيونية والمسرحيات وما شابه أفضل وسيلة لأي دولة من دول العالم لنشر ثقافتها وأخلاقها وعاداتها الاجتماعية وقيمها بين دول العالم المختلفة، بل وأكثرها تقبلا لدى شعوب العالم، من التقارير التي تعرض على شاشات التلفاز.
حاولنا ومن خلال هذا المنطلق أن نركز اهتمامنا على المسلسلات التلفزيونية التركية التي لاقت رواجا منقطع النظير في أوساط مجتمعنا العربي الذي بات يقلدها ويحاكيها ويخصص لها الوقت الكافي لمشاهدتها والإنصات إليها، بل وشرع يؤجل أعماله إلى وقت غير الوقت الذي تعرض فيه هذه المسلسلات، فأصبح الإقبال الجماهيري العربي على هذه المسلسلات أمرا لم نشهد له مثيلا من قبل، حتى أن البعض وصفها بالحمى التي تنتاب القنوات الفضائية، والذي برره البعض بمبررات لا نجد فيها جانبا من الصحة أو خيطا من الحقيقة، فقد عد البعض هذا الإقبال نوعا من التعطش للعاطفة والرومانسية التي كادت تفقدها المجتمعات العربية، وقال البعض الآخر أن ما يعرض من مناطق سياحية لم نشاهدها من قبل وحب الاستطلاع من قبل المشاهدين للتعرف على ما هو موجود في هذه البلاد كان السبب وراء انتشارها بهذا الشكل، في حين يذهب البعض إلى أن سبب انتشار هذه المسلسلات هو احتواؤها على العادات والطقوس القريبة للبيئة العربية. وإنها عالجت قضايا اجتماعية تمثل الواقع العربي وحب المشاهد لهذا النوع من الدراما.
تناول البحث جانبين رئيسين هما الجانب الاجتماعي وتضمن بين طياته عددا من الأمور الدينية، والجانب اللغوي. من خلال أراء عدد من الكتاب والإعلاميين فضلا عن عدد من الأساتذة الجامعيين الذين طرحوا بعض الآراء القيمة عن فكرة المسلسلات وطريقة طرح المواضيع فيها. حيث تفاوتت أرائهم بين مؤيد ومعارض.

























أولا:الجانب الاجتماعي:-
شرعت القنوات الفضائية بتقديم عروض المسلسلات التركية على شاشاتها بدءا من عام 2006. وكأي مسلسل اعتيادي كانت نسبة المشاهدة لهذا النوع الجديد من المسلسلات نسبة ضئيلة مقارنة بغيرها من الأعمال الدرامية. وفجأة وبنسق زمني متسارع أخذت أعداد المشاهدين تتزايد وتتزايد حتى أصبحت هذه الدراما الشغل الشاغل لأذهان نسبة كبيرة من أبناء المجتمع العربي. وأخذت حيزا كبيرا من الاهتمام ومجالا واسعا في النقاشات. ولاقت رواجا منقطع النظير.حيث أكدت صحيفة حرييت التركية في تقرير نشرته يوم 15/9/2008 أن عدد الدول المستوردة للمسلسلات التركية بلغ 22 دولة منذ أن بدأت تركيا تصدير مسلسلاتها في عام 2006 مشيرة إلى أن هذه المسلسلات تحطم الأرقام القياسية في نسبة المشاهدة في العالم العربي واليونان والبرازيل، وان حصيلة بيع المسلسلات التركية بلغت 3ملايين دولار سنويا، وأشار التقرير إلى أن هناك 18 مسلسلا يعرض حاليا في شمال أفريقيا واليونان وإيران، ومعظمها يلقى رواجا كبيرا في مصر والإمارات وسوريا والعراق والأردن ولبنان وإيران(1).
كما أكدت شبكة تلفزيون الشرق الأوسط «إم بي سي» أن المسلسلات التركية المدبلجة إلى العربية التي عرضتها خلال السنتين الماضيتين حققت نسب مشاهدة قياسية غير مسبوقة وأن الملايين شاهدوها بحسب الدراسات الإحصائية.
ويقول مـازن حـايك (مدير التسويق والعلاقات العامة في المؤسسة): إن عدد مشاهدي مسلسل (نور) بلغ 85 مليون مشاهد عربي ممن تجاوزت أعمارهم 15 عاماً بينهم نحو 50 مليوناً من الإناث أي ما يعادل أكثر من نصف عدد النساء العربيات البالغات محققاً نسبة مشاهدة تفوق أي عمل درامي عرض على شاشات التلفزيون في العالم العربي خلال السنوات الماضية. وفيما يتعلق بنسب مشاهدة مسلسل (سنوات الضياع) فبلغت ما مجموعه 67 مليون مشاهد منهم نحو 39 مليوناً من الإناث وبذلك ينال المسلسل ثاني أعلى نسبة مشاهدة بعد (نور).
وأضاف حايك: إن الدراسة الإحصائية التي يستند إليها أجرتها شركة (أي بي إس أو إس) العالمية للأبحاث التسويقية المتخصصة مؤخراً وركزت على عينة ذات صفة تمثيلية إحصائية بحجم 2850 فرداً في تسع أسواق عربية رئيسة في بلدان الخليج والمشرق العربي وشمال إفريقية أضيفت إليها تقديرات إحصائية موازية في عدد آخر من الدول العربية(2).


إن المشكلة الحقيقية ليست في الرواج الذي لاقته هذه المسلسلات ولا في الإقبال الجماهيري العربي الكبير على مشاهدتها، إنما تكمن مشكلة الدراما (الدخيلة) في أمور عديدة. في مقدمتها أنها تمثل مجتمعا إسلاميا ليس من الإسلام في شيء في كثير من أفكاره وطروحاته وطريقة عرضه وإحداثه.
إن المتابع المثقف لهذه الدراما لا يلحظ أي مظهر من مظاهر الإسلام، بل على العكس من هذا نجد تجاهلا واضحا لكل ما يمت للإسلام بصلة. وتناقضا بين طاعة الله ومعصيته. فعلى سبيل المثال تناول المسكرات بعد الإفطار في شهر رمضان. والعلاقة المفتوحة بين الرجل والمرأة. والحمل قبل الزواج. وتجاهل الصلاة.وعقوق الوالدين والاستهانة بهما وعدم طاعتهما، وأمور كثيرة تتعارض مع ديننا الإسلامي.
لا يمكننا الإدعاء أن الدراما العربية بكل أشكالها هي دراما (معقمة) بل على العكس من ذلك فقد تكون أسوأ بكثير من الدراما التركية. فضلا عن أن الدراما العربية – المصرية تحديدا- تحمل في طياتها الكثير من مشاهد تخدش حياء الإنسان العربي المسلم. ولكن ما أثار الجدل حول الدراما التركية. والتي رغم ما تحمله من مساوئ ، إلا أن هنالك حقيقة لا يمكننا أن نغفلها ألا وهي خلوها من مشاهد مخلة بالأخلاق (إباحية). وأبعده عن الدراما العربية هو أن الأولى هي نوع جديد وطبيعة جديدة ووجوه جديدة لم يألفها المشاهد العربي. فانجذب إليها بشكل ملفت للنظر. وهذا يقودنا إلى مسلمة لا جدال فيها وهي أن الدراما التركية كان الغرض الأساس من ترويجها في المجتمع العربي إيجاد نوع من الدعاية للمناطق السياحية التركية، وبالفعل فقد نشطت وبعد عرض هذه المسلسلات حركة السياحة العربية إلى تركيا،فحسبما ذكرت صحيفة حرييت التركية أن عرض المسلسلات التركية في البلدان العربية أدى إلى زيادة التدفق السياحي إلى تركيا في الفترة الأخيرة،وتحول القصر الذي تم تصوير مسلسل (نور) فيه مثلا إلى مزار سياحي،وتم طبع تذاكر لزيارة القصر قيمتها 60 دولارا(3).
أما الأمر الثاني والذي يمثل لب مشكلة يتعلق بالمتلقي العربي نفسه والذي بات مقلدا ومحاكيا لكل ما تعرضه شاشات التلفاز من أمور دون التفكير بمردود هذا التقليد على المجتمع أن كان ايجابيا أم سلبيا. وهل أن هذا التقليد ينمي الشخصية العربية؟ أم يعمل على إلغائها ودخولها في مجالات قد لا تتلاءم مع واقعها وتقاليدها وأعرافها.فسرعان ما دخلت المسلسلات التركية عالم الأزياء ودوت في الأسواق صرخة ملابس لميس ونور،ومن ثم طبعت صور الممثلين الأتراك، على بعض قطع الملابس الرجالية والنسائية، بل وتعدى الأمر ذلك إلى ملابس الأطفال، ولم تسلم الأطعمة من هذه الحمى فظهرت انواع السكاكر والتشيبس والحلوى باسم نور ومهند أولميس ويحيي، وأدت هذه الموجة إلى ارتفاع أسعار البضائع بحجة أنها مستوردة من تركيا (بلد نور ومهند،لميس ويحيى،والأسمر) .
إن ردود الأفعال التي أثيرت حول المسلسلات التركية تدعو للتفكير والتأمل فمن جهة تحظى المسلسلات بنسبة متابعة عالية جدا وبتماه بين المشاهدين والأبطال وصل إلى مستويات مرتفعة جدا فقد سمعنا عن اسر سمت أبنائها على أسماء الأبطال(4). فقد ذكرت صحيفة الغد الأردنية أن إقبال الأردنيين على إطلاق أسماء أبطال المسلسلين التركيين (نور) و(سنوات الضياع) على المواليد الجدد، إقبال مثير للجدل. وقالت الصحيفة في تقريرها أن (مهند) و(نور) و(يحيى) و(لميس) لم تعد فقط أسماء عادية من بين آلاف الأسماء التي يختارها الأردنيون لأبنائهم من المواليد الجدد، فالأسماء الأربعة، التي يحملها أبطال مسلسلي (نور) و(سنوات الضياع) التركيين المدبلجين إلى العربية، باتت تلقى إقبالا كبيرا من الآباء والأمهات. وتشهد مكاتب الأحوال المدنية في مختلف أنحاء المملكة، وتحديدا العاصمة عمان، تهافتا لافتا على تسمية المواليد الجدد، بأسماء أبطال المسلسلين وحاز اسم (مهند) بطل مسلسل (نور)، على حصة الأسد لتسجيل مواليد أردنيين في الأحوال المدنية، من بين أسماء شخوص المسلسلين التركيين اللذين يشهدان نسبة مشاهدة عالية، فمن 29 تسجيلا باسم مهند في الشهر الأول من العام الحالي، ارتفع الرقم إلى 90 تسجيلا في (يونيو) الماضي، وبنسبة ارتفاع بلغت 210.3%.
وحقق اسم (لميس) بطلة مسلسل (سنوات الضياع) 13 تسجيلا في الشهر الأول من العام الحالي، ليصل إلى 106 تسجيلات في حزيران (يونيو) الماضي، أي بنسبة ارتفاع 715.3%.
أما اسم (يحيى)، بطل (سنوات الضياع)، فرغم أنه كان أقل حظا من (مهند) إلا أنه شهد إقبالا كذلك ارتفع معه عدد المسجلين بهذا الاسم من المواليد الجدد خلال الفترة نفسها من 19الى52مولوداوبنسبة ارتفاع بلغت 173.6%. والمثير للانتباه، هو انخفاض التسجيل باسم (نور) بطلة المسلسل الذي يحمل اسمها، مقارنة بالأبطال الثلاثة الآخرين في المسلسلين. . ورغم جاذبيتها التي يتحدث عنها المشاهدون وطغيان شخصيتها على أحداث المسلسل، لم يحقق اسم (نور) سوى ارتفاع بنسبة 107.2% ليصل مجموع المواليد الجدد الذين يسمون بـ (نور) إلى 228 مولودا ارتفاعا من 110 مواليد في الشهر الأول من العام الحالي.
ويعزو مراقبون في دائرة الأحوال المدنية والجوازات عدم ارتفاع التسجيل باسم "نور" مقارنة بالأسماء الثلاثة الأخرى، إلى أنه اسم منتشر قبل عرض المسلسل، كما أنه يطلق على الذكور والإناث على حد سواء(5).
كما سمعنا عن حالات طلاق نتجت عن تأثر الأزواج بالمسلسل، فقد رصدت بعض الصحف حدوث أربع حالات طلاق في سوريا بسبب المسلسل التركي نور، الحالة الأولى وقعت في حي (هنانو)، والثانية في حي (سيف الدولة)، والحالتين الأخريين لم يذكر مكان وقوعهما(6).
إن ما أثير من جدل حول أن الدراما التركية تسببت في العديد من حالات الطلاق في المجتمع العربي ومشاكل لا حصر لها بين الأزواج ، أمر مبالغ فيه إلى حد كبير ، فليس من المعقول أن علاقة زوجية قائمة على الود والاحترام والمحبة وفيها العديد من الأطفال يمكن أن تنتهي بتأثير مسلسل أيا كانت قوته. بل على العكس قد تكون هذه المسلسلات بما تحمله من مشاعر إنسانية حافزا للأزواج لتجديد علاقتهما وتوهج المحبة بينهما. إذ أن ما قيل من إن هذه المسلسلات قد تسببت في هدم عدد من العلاقات الزوجية_المقدسة_، فيمكننا في هذا المقام أن نجزم بان هذه المسلسلات كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير واللبيب بالإشارة يفهم. أوجدت هذه الضجة التي أثارتها المسلسلات التركية قراءات عديدة تحاول فهم ما يجري ومحاولات رصد لأخبار هذه التأثيرات من قبل الصحف والقنوات الفضائية. أيضا أصبح موضوع تأثير المسلسلات التركية يطرح نفسه من خلال أسئلة المستفتين ما أدى إلى إصدار فتاوى في هذا الخصوص(7). فقد وصف المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ المفتي ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء في السعودية مسلسل( نور) التركي بأنه: "مسلسل إجرامي وخبيث وضال وضار ومؤذ ومفسد "، وأشار إلى أنه يتحدث باسم هيئة كبار العلماء.وأضاف :" لا يجوز النظر إلى المسلسل ولا مشاهدته، فهو فيه من الشر والبلاء وهدم الأخلاق ومحاربة الفضائل".وقال موضحاً فتواه "أن المسلسل "يدعو إلى الرذيلة ويحبذها وينصرها ويؤيدها وينشر أسبابها، بين شباب الأمة"(8).
يمكن القول أن ما يحدث يثبت أن تأثير الفن لا يجاريه أي تأثير آخر، فالفن قريب جدا من الإنسان ويتلاقى مباشرة مع أحاسيسه وأفكاره وهذا سر علاقة الإنسان بالفن التي ابتدأت واستمرت منذ الوجود الأول. وتطورت الفنون مع الوقت وامتزجت مع بعضها البعض واستطاعت الرفع من قدرتها على التأثير على المتابعين للمسلسلات. فاليوم يجتمع فيها التمثيل مع الموسيقى مع عرض الأزياء مع الرقص مع فنون الديكور والتنسيق، مما يجعلها تمثل مزيجا من الفنون تتفاعل مع أكثر من مساحة لدى الإنسان(9).
كان لأساتذة الجامعات العربية آراءً حول تأثيرات الدراما التركية على القيم والعادات والتقاليد العربية،ومدى قوة هذا التأثير وامتداده فمنهم من وقف أمام هذه الضجة موقف المتيقن من محدودية تأثيرها الداعي إلى عدم التخوف منها، كونها مجرد شيء جديد جذب العرب وما أن تعتاد عليه العين حتى تمله، فضلا عن أن العرب أصحاب حضارة عريقة لايمكن لهذه الدراما أو غيرها أن تمحو تلك الحضارة، بينما تخوف آخرون من كونها تنخر في أخلاق المجتمع العربي وتسير به نحو الهاوية، كون طبقة الشباب والمراهقين انشدوا إليها بشكل لافت للنظر.
فقد أوضح عضو هيئة التدريس في قسم الإعلام، بجامعة الملك سعود، الأمير الدكتور نايف بن ثنيان آل سعود، أنه لا يوجد تأثير قوي في ثقافتنا المحلية، من خلال عرض المسلسلات المدبلجة (لما لثقافتنا من جذور راسخة وأسس ثابتة)، مضيفًا أنه ليس لمجرد عرض أعمال درامية وتلفزيونية، آتية من أقطار أخرى، وثقافات مختلفة، يمكن أن تتغير البنية الثقافية للمجتمعات، مع ما تمتلكه من مبادئ وقيم وإرادة. وأضاف الأمير الدكتور نايف بن ثنيان آل سعود، أن هذه الأعمال الدرامية المدبلجة، لا نستطيع وضعها في قالب واحد، فبعضها يكون طرحه مفيدا ويمثل قيمنا الإسلامية والمحلية، والآخر شيء خارج عن إطار ثقافتنا المحلية، سواء من حيث النص الدرامي، أو السيناريو، أو المحتوى الفني. ورأى أن الانبهار بهذه الأعمال المدبلجة، يكون محدودا ووقتيا، ومن فئات عمرية معينة، و"علينا ألا ندع الخوف يسيطر علينا، من أن ثقافتنا سوف يشوبها تغيير من خلال عرض بعض هذه المسلسلات"، داعياً في الوقت نفسه لأن تكون الدراما العربية ذات مستوى عال من المهنية والحرفية التقنية، حتى تصل إلى عموم المشاهدين في أقطار العالم(10).
وقد يتعارض رأي الدكتور فهد العسكر أستاذ قسم الإعلام، وعميد البحث العلمي، في جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، قليلا مع رأي الأمير الدكتور نايف بن ثنيان. حيث يرى أن أي منتج درامي سيكون له تأثير، سواء إيجابا أو سلبا، من خلال ما يحمله هذا المنتج من قيم وعادات وتقاليد وأعراف، خصوصا إذا كانت هذه الثقافة قادمة ومستمدة من خارج البيئة المحلية، التي منها المسلسلات المدبلجة، والتي قد ينعكس تأثيرها في الثقافة المحلية من خلال الأفكار، وأيضا من ناحية المأكل والمشرب، وغيرها من مناحي الحياة العامة. ويقول العسكر: "إن ما تم طرحه حول المسلسلين التركيين، وقبلهما من المسلسلات المكسيكية، غالبا ما يتركز حول المشاهد التي تتعارض مع القيم الإسلامية، كذلك ما يتصادم مع ثقافتنا المحلية". ويرى العسكر أن حالة الانبهار بالمسلسلات المدبلجة ناتجة عن ضعف الإنتاج الدرامي العربي، كذلك التغيير والتجديد في الفكرة والطرح وطريقة المعالجة، وأيضا الترجمة من خلال التأثيرات الصوتية، والإضاءة البراقة. ويشير إلى أن تأثير المسلسلات ينحصر خلال فترة عرضها على الشاشة، بعدها يتناسى الناس هذه المسلسلات مثلما حدث في المسلسلات المكسيكية، لكن الخوف على ثقافة المجتمع يكمن في حالة تراكم هذه التأثيرات وتزايد عرضها على القنوات العربية. إنه لا يمكن فصل السياق الدرامي الفني، كما يضيف العسكر، والأفكار والمفاهيم التي تتضمنها المسلسلات المدبلجة، ويرجع ذلك إلى حقيقة أن العملين الإعلامي والدرامي ينطلقان من أفكار ورؤى ثقافية خاضعة للمكان الذي تم فيه الإنتاج(11).
في حين يرى الأستاذ الدكتور إبراهيم أبو عرقوب أستاذ الإعلام في الجامعة الأردنية أن حجم الإقبال الكبير على مشاهدة المسلسلات مؤشر على "أزمة عاطفية" يبدو أن الأسرة الأردنية تعاني منها(12).
صفوة القول أن ما ذكرناه يمثل جزءا يسيرا من ما تحمله هذه المسلسلات من أفكار من المؤكد أنها لا تصب في مصلحة الإنسان العربي الذي عرف قبل الإسلام بالغيرة والنخوة والشهامة، ثم جاء الإسلام ليعزز هذه الصفات، ونحن في هذا المقام نحاول أن ننبه مجتمعاتنا العربية الإسلامية إلى المخاطر التي تواجه الدين الإسلامي أولا، والقيم والعادات والتقاليد السارية في عروق الإنسان العربي ثانيا، إذ أن هنالك محاولات لتحطيم هذا الدين وهدم العادات والقيم لدى الإنسان العربي، ومع الأسف أننا نجد الكثير من أبناء مجتمعنا العربي يتأثر بما يعرض عليه في شاشة التلفاز
في النهاية نحن بحاجة للتفكير بعمق بما يبثه الإعلام لان الأخير سلاح ذو حدين ففيه الصالح والطالح، فنأخذ منه ما يفيدنا ويخدم مجتمعنا العربي الذي فطر على العيب والحلال والحرام، وأخذت هذه المصطلحات حيزا كبيرا من حياة مكوناته على اختلاف فئاتهم ومشاربهم، ، لذا نحن مطالبون أمام الله أن نشهر ما هو مطابق لما فطرنا وخلقنا عليه، وان نعادي ما هو مخالف لديننا ولأعرافنا ولأخلاقنا.
ثانيا: الجانب اللغوي:-
أشار الكثيرون إلى أن أسباب نجاح المسلسلات التركية هي لهجة الدوبلاج : التي هي المحكية السورية أي اللهجة ذاتها التي قدمت الدراما السورية الناجحة من خلالها. ولعل في هذا التفسير ما يصلح لانطلاقة أكثر واقعية لمحاولة تحليل ظاهرة الرواج الجماهيري الذي لاقته حتى الآن الدراما التركية(13). الأمر الذي شجع العديد من القنوات الفضائية لكي تبدأ بعرض مجموعة من الأفلام الأجنبية الشهيرة مدبلجة باللهجة السورية معتبرينها عنصر جذب للمواطن العربي(14).
لقد اشرنا في ثنايا البحث إلى عوامل كثيرة اجتماعية ونفسية تجعل من المسلسلات التركية المدبلجة نمطا " فنيا" مقبولا في مجتمعات مثل مجتمعاتنا التي تعاني من الظلال الإعلامي في المجالات كافة. والعوامل التي اشرنا إليها هي ذاتها تندمج مع طبيعة اللهجة التي اعتمدت في نقل هذه المسلسلات إلى المتلقي العربي. لا ننسى أن الدراما السورية شرعت في السنوات الأخيرة تزاحم الدراما المصرية التي ظلت لسنوات طوال سيدة الموقف في ذاكرة المتلقي العربي ولذلك كانت اللهجة المصرية على الرغم من سماتها التي تفرقها عن كثير من اللهجات الشرقية في الوطن العربي مفهومة لدى المتلقي على مستويات مختلفة في المجتمع من المثقف العالي المستوى إلى الإنسان الأمي. ويبدو لنا أن الدور آل ألان إلى اللهجة السورية "الشامية" التي ظلت زمنا طويلا غير مألوفة لدى المتلقي العربي على الرغم من أنها كانت تدخل في قلوب الناس من خلال أعمال غوار الطوشي ومجموعته الدرامية، ولكن ظلت مساحتها محدودة، أما خلال السنوات الأخيرة فبدا الأمر كما قلنا هو رجحان كفة المسلسلات والدراما السورية ولاسيما أنها تركز على البطولات الشعبية والتاريخية وهذه من اشد الأمور تأثيرا في مجتمع كالمجتمع العربي الذي بات يعيش منذ زمن طويل في قلب الصراع من اجل البقاء.
لا شك في أن كل لهجة من اللهجات العربية القديمة والحديثة تختلف عن الأخرى أحيانا في منهج تطورها تحت تأثير ظروفها الخاصة وأخذت مسافة الاختلاف بين هذه اللهجات تكبر حتى أصبح بعضها غريبا عن البعض وعلى الرغم من ذلك نرى أن شبح الانقسام ظل بعيدا(15)، وذلك لبقاء العربية الفصحى حية بتحقيق التواصل بين القديم والجديد من خلال الحفاظ على مستوى لغوي يكاد يجتمع الجميع عليه هو لغة الكتابة والأدب وهي لغة عربية جامعة للشتات المخملي الدين والعقيدة الذي بقيت فيه اللغات المحلية محلية وضيقة أحيانا لا تستطيع أن تجاري تلك اللغة العربية المشتركة في التأثير وتعبر عن خلق الانقسام السلبي في المجتمع. وهناك من يرى أن المجتمع العربي يسير منذ زمن بعيد إلى التحول من العامية إلى الفصحى(16) ، ونضيف إلى ذلك أن شكل اللهجات المحلية التي تحدثنا عنها قد نراها أيضا باتت تقترب بعضها من بعض لزوال كثير من عوامل العزلة اللغوية بفضل هذه المسلسلات التي تلقى على الناس شرقا وغربا فبات العراقي قريبا من فهم لهجة المصري والليبي وربما الجزائري. إذن يبدو لنا أن هذه المسلسلات على الرغم من مساوئها الاجتماعية والنفسية لها محاسن وهي التي ذكرناها من وجوه التقارب اللغوي بين اللهجات المحلية.
أما لو أخذنا الوجه الثاني من القضية والذي هو خطورة العامية والخوف من منافستها للفصحى في الإعلام خاصة وأن الإعلام قد وصل بيوت كل الناس بأشكاله واجهزته المتنوعة.
فإن تلك المنافسة لن تقع للأسباب التي ذكرناها سابقا وحتى إذا بدا ذلك للبعض فخطورتها غير واقعة أو متوقفة لان العامية ليست لغة المسلسلات في أيامنا هذه فقط، بل منذ نصف قرن كانت العامية هي لغة معظم المسلسلات المحلية منها خاصة والدعوة إلى العامية قد سبقت هذا الوقت بكثير وتعود بداياتها الأولى إلى مطلع القرن العشرين(17).
يبدو لنا أن الدراما السورية لم تكتف بتوظيف المسلسلات المحلية فقط، بل لجأت إلى استقطاب المتلقي العربي عن طريق الترجمة والدبلجة، والدبلجة لا تنقل إلى المجتمع العربي اللهجة السورية كما تنقلها المسلسلات المحلية بحكم اختلاف قوة المضامين والقضايا المشتركة التي تؤدي إلى خلق تفاهم مشترك وتقارب للأدوات الدرامية.
أما الحديث عن أصول هذه اللهجة وجذورها فيصعب الحديث عن ذلك في هذه العجالة ولكن يمكن القول باختصار أن اللهجة السورية شانها شان كل اللهجات المحلية تستمد وجودها وغناها من مصادرها المحلية أي جذورها اللغوية الأولى التي كانت تحتل مجمل حضارتها وثقافتها الممتدة منذ الأصل "الجزري" ولا نستبعد أن نرى في هذه اللهجة من أصول الآرامية والكنعانية والفينيقية والابلوية والإغريقية ثم العربية القديمة(18).
أما المصادر الخارجية لتلك اللهجة فتعتمد على مدى تفاعلها مع الدوائر اللغوية المحيطة بها. فيبدو أن هذه اللهجة تفاعلت مع التركية وحالها في ذلك حال شقيقاتها من اللهجات العربية وربما كان ذلك أكثر من اللغة الفارسية بحكم القرب والبعد من دائرة التأثير والتأثر. وخلاصة القول أن المسلسلات المدبلجة خطورتها في الجانب الفكري والاجتماعي والنفسي أكثر بكثير من خطورتها في الجانب اللغوي.

التوصيات:
1- ادعى بعض المروجين لبعض البرامج التي تعرض على شاشات القنوات الفضائية، أن هنالك رغبة مستترة لدى المتلقي العربي لتعويض ما ينقصه من جمال سواء على صعيد البيئة أو العلاقات الإنسانية أو غيرها، وتزامن وجود هذه الرغبة بظهور برامج تلبي احتياجاته، فكانت له خير وسيلة للخروج من واقعه الأليم والعيش ولو لساعة من الزمن في عالم غير عالمه وواقع يختلف جذريا عن واقعه. ولكن ما مدى صحة هذه الادعاءات؟ وهل أن هذه البرامج هي الحل الأمثل أم انه يكون هنا كالمستجير من الرمضاء بالنار؟ وهذا يقودنا إلى نقطة في غاية الأهمية تتعلق بثقافة المتلقي، ومدى إدراكه للأمور، ووعيه، وقدرته على التمييز بين الجيد والرديء. ومن غير الممكن الجزم بتساوي المستوى الثقافي والإدراكي لكل المتلقين لأي عمل درامي، وهنا يبرز دور التوعية الاجتماعية والدينية لتنبيه المتلقي العربي لخطورة ما تحمله بعض هذه البرامج من أفكار هدامة وغير صالحة لتطبيقها في مجتمعنا العربي.
2- الدعوة إلى وجود رقابة فكرية لما يعرض من برامج على شاشات القنوات الفضائية التي تستقطب المشاهد العربي، وفي مقدمتها المسلسلات المدبلجة_عينة البحث_ كونها تحتوي في مضمونها أفكارا تناقض واقعنا العربي والإسلامي.
3- أن اللغة هي لسان الفكر، وبما أن اللغة العربية الفصحى هي لغة عالمية فلا بد أن تكون هي اللسان الناطق لهذه المسلسلات، لاسيما وان هنالك الكثير ممن اعتبروا أن احد أهم أسباب نجاح المسلسلات التركية، هي الدبلجة باللهجة السورية المحكية. والتي تحمل الكثير من المصطلحات التي لو عدنا إلى جذورها لوجدناها غير عربية الأصل، وهذا يشكل خطرا على اللغة العربية الفصحى.


*مدرس مساعد / مركز الدراسات الإقليمية / قسم الدراسات الاقتصادية و الاجتماعية
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف