ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سياسة الاستيطان والإبعاد الإسرائيلي
في الأراضي الفلسطينية المحتلة في ظل أحكام القانون الدولي الإنساني
المستشار/د.عبد الكريم خالد الشامي
رئيس إدارة الأبحاث والدراسات القانونية
ديوان الفتوى والتشريع-فلسطين
مقدمة
إن الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وما ينطوي عليه من مخاطر تؤدي إلى حقيقة هي أن الاستيطان يشكل أكبر خطر يهدد السلام في المنطقة، حيث تقوم إسرائيل منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967 " الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة " بإتباع سياسة بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي الخاصة والعامة وكذلك إتباع سياسة التهجير والإبعاد وخلق وقائع جديدة تجري في صورة تغييرات جغرافية وسكانية " ديمغرافية " الغرض من ورائها تهويد الأراضي العربية المحتلة والاعتداء الكامل على الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني في أرضه.
ومن الجدير بالذكر إن حكومات إسرائيل المتعاقبة قد خالفت بوضوح قواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب بشأن إقامتها للمستوطنات وإتباعها سياسة الطرد والأبعاد الفردي والجماعي للفلسطينيين.
وعلى الرغم من مناشدة المجتمع الدولي لإسرائيل بالالتزام بأحكام اتفاقية لاهاي 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وكذا قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي إلا أن إسرائيل أظهرت عدم احترامها الثابت للقانون الدولي ، وإصرارها على الاستمرار في سياسة الاستيطان والإبعاد ، وكأن قرار قبول عضويتها في الأمم المتحدة لم ينص على ضرورة التزامها بميثاق الأمم المتحدة والقرارات الصادرة عنها والاتفاقيات الدولية الموقعة عليها.
وعليه سنحاول في هذا البحث إلقاء الضوء على سياسة إسرائيل الاستيطانية من خلال حكوماتها المتعاقبة على الحكم، ومعالجة بناء المستوطنات من خلال قواعد القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 واثر المستوطنات على العملية السلمية وكذلك سياسة الاستيطان وحقوق الإنسان الفلسطيني مع الإشارة إلى الوضع القانوني للضفة الغربية وقطاع غزة وسياسات المصادرة المستمرة للأراضي العربية التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي وموقف الولايات المتحدة من سياسة بناء المستوطنات وأخيراً سيتعرض البحث إلى سياسة تنفيذ الاستيطان التي أدت إلى تهجير السكان العرب وإبعادهم عن الأراضي العربية المحتلة ومدى مخالفة إسرائيل لقواعد القانون الدولي.
سياسة إنشاء المستوطنات في مفهوم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
بدأت حكومة حزب العمل الإسرائيلي في أعقاب حرب 1967 بضم الأراضي المحتلة إلى إسرائيل بموجب سياسة استهدفت إنشاء المستوطنات شبه العسكرية سرعان ما تحولت إلى مستوطنات مدنية، وطرد العرب من أجزاء من المدينة القديمة وضم القدس بعد توسيع حدودها 1970(1)
وقد أعلن موشى ديان أن " المستوطنات المقامة في الأراضي المحتلة سوف تبقى إلى الأبد وسوف تضم الحدود المقبلة هذه المستوطنات كجزء من إسرائيل " (2) والمسألة بالنسبة له كما هو الحال بالنسبة لغيرة لم تكن مسألة أمن بل هي " أرض الوطن ".
أما زعماء حزب الليكود فيؤمنون بسيادة اليهود على إسرائيل الكبرى بكاملها واتبعوا سياسة بناء المستوطنات في جميع إنحاء الأراضي المحتلة كوسيلة لتأكيد هذه السيادة وشأنهم في ذلك شأن تحالف حزب العمل، وقد أعلن شمعون بيريز " ليس ثمة جدل في إسرائيل بشأن حقوقنا التاريخية في أرض إسرائيل، إن الماضي ثابت ومستقر كما أن التوراة هي الوثيقة الحاسمة في تحديد مصير أرضنا"(3) فإذا كان زعيم حزب العمل السابق على استعداد لقبول التسوية بالأراضي " في خطة ايغال ألون" فإن ذلك يكون من اجل تحرير إسرائيل من شعب عربي غير مرغوب فيه والذي يهدد في النهاية الشخصية اليهودية لإسرائيل(4).
إن الخطوات التي تقوم حكومة الليكود بتنفيذها هي جزء من سياسة حزب العمل الإسرائيلي على المدى البعيد، ويمثل ذلك كله امتداداً لخطة إسرائيل الكبرى التي يتفق عليها جميع الأطراف.
ومن ثم فإنه من الخطأ أن يتوهم البعض أن سياسة إسرائيل بشأن القدس والمستوطنات سوف تتغير إذا ما نجح حزب العمل في الوصول إلى السلطة مرة أخرى.
ومع تولى حزب الليكود السلطة في عام 1977 لم يكلّ بُيغن، من المطالبة تاريخيا وجغرافيا بأن يهودا والسامره " الضفة الغربية " هي أراض إسرائيلية تخص الشعب اليهودي وأن الاستيطان في هذه الأراضي حق وواجب(5).
إن حزب الليكود في عهد بيغن رئيس وزراء إسرائيل الأسبق لم يتوقف عن الإشارة إلى الضفة الغربية بعبارة " يهودا والسامره" كمناطق تضمها إسرائيل الكبرى(6)،وإلى جميع الأراضي العربية بعبارة الأراضي المحتلة على أساس أن هذه الأراضي قد استردت من الكفرة " الغوييم ، أي الأشخاص الذين ينحدرون من أمهات غير يهوديات ، لكي تبقى من الآن فصاعدا تحت القيادة اليهودية بشكل دائم (7).
وقد عملت حكومات الليكود على قدم وساق مع جماعة غوش اميونيم ( جماعة دينية متطرفة )، على تنشيط إقامة المستوطنات في جميع إنحاء الضفة الغربية بشكل موسع(8).
وعلى الرغم من انعقاد مؤتمر مدريد عام 1991 على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام وعلى قاعدة قراري مجلس الأمن 242، و338 إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على سدة الحكم سواء يمينية أو عمالية عملت على تكثيف الاستيطان بشكل مبالغ فيه تحت عنوان فرض وقائع جديدة على الأرض الفلسطينية تساهم في صياغة نتائج الحل النهائي.
وفي عام 1992 تولى حزب العمل الإسرائيلي الحكم في إسرائيل وأعلن إسحاق رابين عن تجميد الاستيطان لمدة عام واحد فقط في الضفة العربية (9). وعلى أية حال فإن سعي إسرائيل القوى باتباع سياسة الاستيطان ولا سيما في بداية الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي 1993 أعطى فكرة عما جاء به الاتفاق على الأقل وقف الاستيطان ، إلا أن إسرائيل أعطت لنفسها مفهوما يختلف تماماً عن المفهوم الفلسطيني حيث أنها تحاول إظهار أن الاتفاق أعطاها تفويضاً مطلقاً بالاستمرار في سياسة بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية .
وفي ظل الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي 1993 واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياسة مصادرة الأراضي العربية مستندة في ذلك إلى الذرائع الأمنية والأوامر العسكرية وبلغت مساحة الأراضي المصادرة من الأراضي الفلسطينية خلال ثلاث سنوات 1993-1996 حوالي 300 ألف دونم وصادرت منذ بداية الاحتلال أكثر من ثلاثة ملايين دونم من المساحة الكلية للضفة الغربية البالغة 5.8 مليون دونم .
وبعد اعتلاء حزب الليكود السلطة في صيف 1996 بزعامة بنيامين نتنياهو والذي كان أحد أهداف حملته الانتخابية إلغاء القيود على حركة الاستيطان في الضفة الغربية، حيث أقدمت هذه الحكومة على بناء مستوطنة في جبل أبو غنيم تشكل خطوة كبيرة لمشروع يطلق عليه " البوابة الشرقية " الغرض منها عزل القدس الشرقية وضواحيها عن باقي الضفة الغربية ومنع أي ارتباط أو تكامل مستقبلي لمدينة القدس مع باقي الأقاليم الفلسطينية الأخرى .
وفي عام 1999 عاد حزب العمل الإسرائيلي بزعامة ايهودا باراك لتسلم زمام الحكم في إسرائيل خلال فترة قصيرة من الزمن زاد عدد عطاءات البناء في المستوطنات على 4112 عطاء.
وفي عام 2001 تمكن ارييل شارون من تشكيل حكومة ائتلافية وأصبح رئيسا لمجلس الوزراء الإسرائيلي حيث استطاع تمزيق ما تبقى من اتفاقات أوسلو باجتياح مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية وتدمير البنية التحتية الفلسطينية وأية معالم سيادية إضافة إلى زيادة البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية مما أدى إلى قتل العملية السلمية تماما.
ومن ثم فليس هناك ما يدعو للعجب إذ لا نرى أي فرق جوهري بين الآراء السياسية لحزب العمل وكتلة الليكود أو كليهما بشأن موضوع القدس والمستوطنات.
ويعلق ناعوم نشومسكي في هذا الصدد قائلاً:
" على عكس الأوهام التي تجد دائماً من يغذيها هنا في الولايات المتحدة، فإن الحزبين السياسيين الرئيسين في إسرائيل لا يختلفان من حيث المبدأ فيما يتعلق بالأراضي المحتلة، فكلاهما يعتقد بأنه يتعين على إسرائيل أن تسيطر على هذه الأراضي بفعالية…كما أن كليهما يرفض بإصرار أي تعبير عن الحقوق الوطنية للفلسطينيين في الضفة الغربية (10)
المستوطنات الإسرائيلية في ظل القانون الدولي الإنساني.
إن سياسة إسرائيل في بناء المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة تقف حائلا في طريق إيجاد حل للمشكلة، في حين يوجد القانون الدولي بأحكامه وقواعده لوضع الحل القانوني الدولي في هذا الشأن ، حيث شكلت اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 القاعدة القانونية الدولية لتبين حقوق وواجبات السلطة المحتلة في الإقليم المحتل .
وإذا كان الغرض من اتفاقية جنيف الرابعة 1949 هو تجنب تكرار الفظائع وأشكال الحرمان الجماعي من حقوق الإنسان التي فرضت على السكان المدنيين أثناء الحرب العالمية الثانية من قبل النازيين في أوروبا والعسكريين اليابانيين في أسيا.
وبما أن إقامة المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية يتناقض مع القانون الدولي الإنساني وقرارات الشرعية الدولية، وعلى الرغم من حكم المحكمة العليا الإسرائيلية في قضية ايلون مورية ( قاضي المحكمة العليا 390/79 ، 22/10/ 1979 )
أن إسرائيل ملتزمة بمؤتمر لاهاي الرابع لأنه قد أصبح مقبول كقانون عرفي على الصعيد الدولي.
إن قوات الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية أعطت لنفسها صلاحيات تتجاوز تأمين المصالح الأمنية لها ويؤكد على ذلك ما ورد في المادة 3 من منشور رقم 2 الصادر عن القائد العسكري لمنطقة الضفة الغربية في 7/6/1967 حيث منح هذا المنشور الحاكم العسكري صلاحيات تشريعية وتنفيذية وإدارية بالمنطقة.
من المعروف في القانون الدولي أن طبيعة الحكم العسكري الاحتلالي تكون مؤقتة وتزول بزوال الاحتلال، كما أن الاعتبارات الشرعية والقانونية اعتمدت فقط المصالح الأمنية في المنطقة وتأمين مصالح السكان المدنيين فيها، ولا يجوز للقوة المحتلة اعتماد أية مصالح وطنية أو اقتصادية أو اجتماعية لها ، ما دامت هذه الاعتبارات لا تتطلبها المصلحة الأمنية ، من خلال هذه المبادىْ القانونية العامة فانه لا يجوز لقوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بناء أية مستوطنة مدنية على الإقليم المحتل أو حتى شق طريق لخدمة المستوطنة وإنما تنطبق عليه قواعد الاحتلال الحربي ، حيث تنص المادة 43من اتفاقية لاهاي الرابعة لسنة 1907 على ما يلي :
(حيث أن سلطة الحكم الشرعي قد انتقلت في الواقع بيدي المحتل، فعلى هذا الأخير أن يتخذ كل ما يستطيع من تدابير ليستعيد ويضمن إلى أقصى حد ممكن، النظام العام والسلامة مع احترام القانون الساري في البلد، إلا إذا منع من ذلك منعا مطلقا )
وعلى الرغم من ورود مبادىْ قانونية في متن قرارات محكمة العدل العليا الإسرائيلية إلا أنها قد أفرغت من محتواها بإتباع سياسة الأمر الواقع من خلال بناء المستوطنات لتخلق واقع سياسي على الأراضي الفلسطينية، مع أن هذه المستوطنات وفقا للقانون الدولي تشكل مواقع عسكرية ذات طبيعة مؤقتة تزول بزوال الاحتلال.
أما اتفاقية جنيف الرابعة 1949 فقد أعطت المادة 49 عناية خاصة للأراضي المحتلة من أجل حماية السكان المدنيين من سلطات الاحتلال حيث تحظر تماماً وبنصوص لا " تقبل أي لبس إقامة قوات الاحتلال المستوطنات المدنية في الأراضي المحتلة بغض النظر عن طبيعة هذه المستوطنات، فإشارات إلى أنه " لا يجوز للقوة المحتلة أن ترحل أو تنقل بعض أفراد شعبها من المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها ".
إن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة تتجاوز حقوق القوة المحتلة التي نصت عليها اتفاقية جنيف الرابعة 1949 وتشكل خرقاً صريحاً للقانون الدولي، وقد ساندت هيئات دولية عديدة الرأي القانوني القائل بانطباق اتفاقية جنيف على الأراضي المحتلة ومن بينها لجنة الصليب الأحمر الدولية والتي ترى أن اتفاقية جنيف الرابعة تنطبق على الأراضي العربية المحتلة(11)، واللجنة الدولية لفقهاء القانون الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ولجنة حقوق الإنسان واللجنة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان لسكان الأراضي المحتلة وكذا قرار مجلس الأمن رقم 465 المؤرخ في 1/3/1980 والذي اتخذ بالإجماع، وجاء فيه:
" إن كل ما تتخذه إسرائيل من تدابير لتغيير الطابع المادي أو التكوين الديمغرافى أو الهيكلي أو المركز المؤسس للأراضي الفلسطينية وسائر الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967م بما في ذلك القدس، أو أي جزء منها، ليس له أي صحة قانونية وأن سياسة إسرائيل وممارستها المتمثلة في توطين قطاعات من سكانها ومن المهاجرين الجدد في هذه الأراضي تشكل انتهاكها شديداً لاتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب، كما تشكل عقبة أمام تحقيق سلم شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط.
قرار لجنة للأمم المتحدة للمستوطنات البشرية رقم 10/13 لسنة 1987 والذي شجب سياسات الاستيطان التي تتبعها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وطالبت بوقف بناء المستوطنات الجديدة وإزالة المستوطنات القديمة، واعتبرها غير مشروعة وعقبة خطيرة تعترض سبيل السلم.
كما أكدت في قرارها رقم 12/11 لسنة 1989 على أن الممارسات الإسرائيلية تشكل انتهاكات واضحة للقوانين الدولية وعلى وجه التحديد اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب المؤرخة في آب /أغسطس 1949 والتي أعيد التأكيد عليها في قراراي مجلس الأمن 607 (1988 ) المؤرخ في 5 كانون الثاني /يناير 1988 و608 (1988 ) المؤرخ في 14 كانون الثاني يناير 1988 .
قرار لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان رقم 1984/3 (الدورة 40 ) 20 شباط /فبراير 1984 والذي أدانت فيه احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية بما فيها القدس وكذلك إمعان إسرائيل في التوسع في استعمار هذه الأراضي، بغرض تغيير التكوين الديمغرافي للأراضي المحتلة بما فيها القدس، وتغيير هيكلها المؤسسي ومركزها.
قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة رقم 1990/53 بتاريخ 24تموز /يوليو 1990 والذي شجب فيه السياسات والممارسات الإسرائيلية المتعلقة بالأراضي والمياه بما في ذلك الممارسات الاستيطانية في الأراضي المحتلة.
وعلى الرغم من المعارضة الدولية الواضحة، فإن سياسة الاستيطان الإسرائيلي قد زادت حدة في الأراضي المحتلة واتسعت إجراءات التعسف مما يدل على مخطط لفصل مدن الضفة الغربية عن بعضها البعض وجعلها تحت رحمة المستوطنات الإسرائيلية والدليل على ذلك شبكة الطرق الالتفافية التي أنشئت من أجل ربط المستوطنات الإسرائيلية على حساب الجانب الفلسطيني.
اثر استمرار بناء المستوطنات على العملية السلمية.
تشكل المستوطنات عائق كبير على حقوق الفلسطينيين السياسية المتمثلة في حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وحق العودة، ومن خلال هذه الثوابت كانت المجازفة التاريخية الفلسطينية التي أقدمت عليها م.ت.ف والمتمثلة بالاعتراف المتبادل وتوقيع اتفاق أوسلو1993، والاتفاقية المرحلية لقطاع غزة والضفة الغربية لعام 1995، ومذكرة (واي ريفر) لعام 1998 وكذلك مذكرة( شرم الشيخ)لعام 1999 كل ذلك كان من أجل تحقيق سلام شامل وكامل ودائم في المنطقة، بينما الجانب الإسرائيلي يراوغ ويماطل في تنفيذ الاتفاقيات الموقعة ويعلن المرة تلو الأخرى عن استعداده للتفاوض على أساس السلام مقابل السلام وهذا من الأمور التي تدعو للسخرية طالما أن حرب المستوطنات لم تتوقف والقدس تحاط من كافة الجهات بالاستيطان اليهودي.
إن استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات الغرض منه الحيلولة دون قيام الدولة الفلسطينية على أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، ولذا لن يكون هناك سلام بدون الثوابت الفلسطينية واعتراف الجانب الإسرائيلي بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
أن الحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني تتعرض للتخريب يومياً عن طريق سياسة بناء المستوطنات والإغلاق والحصار الاقتصادي وهدم المنازل والإبعاد بالإضافة إلى عدم الإفراج عن الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية هذه الحقوق التي طالما انتهكت بطريقة وحشية من قبل إسرائيل سوف تؤدي بالمنطقة مرة أخرى إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والعسكري.
أن المستوطنات تمثل تهديداً للحقوق المدنية والقانونية للشعب الفلسطيني لأنه لا يجوز قانوناً لقوة محتله إن تغير طبيعة الأراضي المحتلة بصفة دائمة أو أن تضم أو تطرد أو تنقل المدنيين من الأراضي التي تحتلها.
وفي الواقع فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتياهو أكد مراراً على عزم حكومته بناء المزيد من المستوطنات في الأراضي المحتلة وليس إلغاء المستوطنات، أن هذه النوايا ستؤدي إلى إلغاء أي أساس ذي معنى لسلام دائم وشامل في المنطقة.
سياسات المصادرة Expropriation policies
لجأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مدى سنوات الاحتلال إلى اغتصاب ملكية الأموال والأملاك في الأراضي العربية المحتلة سواء منها الملكية الخاصة أو العامة وخاصة في الأراضي التي استهدفت ضمها والمناطق التي قامت ببناء المستوطنات عليها، وقد استخدمت إسرائيل في ذلك أساليب ووسائل مختلفة من مصادرة و واستيلاء واستملاك " نزع الملكية " وأقامت على هذه الأملاك المستوطنات.
وقد كانت اخطر وسيلة استخدمتها إسرائيل في مصادرة الأراضي تلك التي تم تطويرها عام 1979 في ظل حكومة الليكود حيث أعلنت إسرائيل وفقاً لإحكام قانون صدر أثناء حكم الإمبراطورية العثمانية أن أراضي الضفة الغربية التي لم تكن مزروعة أو لم يتم تسجيلها قانوناً لدى السلطات الأردنية قبل عام 1967 تعتبر من أراضي الدولة (12).
إن إسرائيل عندما طالبت بإقامة مستوطناتها على أراضي الدولة أو الأراضي غير المأهولة فإنها قصدت بذلك " الأراضي الميري " أو الأراضي الموات " وعلى الرغم من أن القانون الأردني هو امتداد لقانون الأراضي العثماني يعترف بالأراضي الميري بشكل واضح (بأنها أراضِ خاصة ).
لقد بلغت العملية الاستيطانية (13) حداً بعيداً بحيث أنه يوجد الآن حوالي 175 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون في القدس وضواحيها في 9 مستوطنات و 150 ألف مستوطن يقيمون في أكثر من 156 مستوطنه في الضفة الغربية وقطاع غزة وبات الإسرائيليون يملكون أكثر من 65% من مساحة الضفة الغربية.
تقييم الإجراءات الإسرائيلية بشأن عمليات المصادرة والاستيلاء في ظل القانون الدولي الإنساني:
إن الأساس القانوني للاعتراض على الإجراءات الإسرائيلية فيما يتعلق باستملاك واستيلاء ومصادرة واكتساب العقارات في الأراضي العربية المحتلة هو مجموعة المبادئ وأحكام القانون الدولي التي أشارت إليها لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية والمتمثلة في الأتي:
1- تحريم ضم الإقليم ونقل أي جزء من سكان الدولة المحتلة المدنيين لاستيطان الأراضي المحتلة.
2- إن اتفاقية جنيف الرابعة 1949 مؤسسة على افتراض أن الاحتلال العسكري مؤقت وحالة واقعية لا تجيز التصرف بالإقليم المحتل.
3- إن المادة 46 من الأنظمة الملحقة باتفاقية لاهاي سنة 1907م تحظر مصادرة الأملاك الخاصة والمادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة 1949 تجعل السلطة المحتلة قاصرة على إدارة الأملاك العامة المملوكة للدولة المعادية.
وقد سبق أن قررت محكمة النقض الإيطالية في 12 /8/1947م أن سلطات الاحتلال مقيدة بالقوانين الدولية فيما يتعلق بالمصادرة ولا يجوز لها الاستناد إلى القانون المحلي القائم في الأراضي المحتلة(14).
وأثناء الحرب العالمية الثانية أصدرت دول الحلفاء إعلاناً بتاريخ 5/1/1943 أشارت فيه إلى بطلان كل أعمال نقل الملكية التي تمت في الأراضي المحتلة من قبل دول المحور سواء تلك التي تعود للأفراد أو الأشخاص القانونيين وسواء أخذت بشكل النهب أو كمعاملات أخذت الشكل القانوني (15).
4- إنه لا يجوز للسلطة المحتلة التصرف بالأملاك العامة بالبيع أو بأي تصرف آخر ، وتعتبر مصادرة الأملاك الخاصة وبيعها باطلة .
وقد اعتبرت اللجنة أن معاملات اكتساب الملكية(16) العقارية التي قامت بها إسرائيل وسكانها من جهة وبين سكان الأراضي المحتلة باطلة قانوناً ولا تنقل الملكية حتى في المجالات التي تم فيها دفع تعويضات لأصحاب الأراضي لأنه في غياب دولة الأصل التي تقوم بالحماية والتوجيه تصبح مثل هذه المعاملة باطلة حيث يفقد السكان حرية الاختيار وتزول القيود التي تفرضها الدولة عادة حماية لمواطنيها والمصلحة العامة.
الاستيطان وحقوق الإنسان الفلسطيني:
تأكدت حقوق الإنسان الفلسطيني من خلال الشرعية الدولية والمتمثلة في قرارات الأمم المتحدة ولا سيما القرار رقم ( 3623 ) لسنة 1974 والذي أكد على حق الإنسان الفلسطيني في العودة وتقرير المصير والاستقلال الوطني ، واعتبر الشعب الفلسطيني طرفا أساسيا لإقامة سلم عادل ودائم في منطقة الشرق الأوسط ، مقابل هذه الحقوق المعترف بها من قبل المجتمع الدولي فان إسرائيل باتباعها سياسة الاستيطان قد انتهكت حقوق الإنسان الفلسطيني ومخالفة لأحكام المادة 17/2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على انه ( لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفا ) إن هذا النص من الناحية العملية لم يحترم من قبل إسرائيل فالفلسطينيون عرضة في كل وقت لمصادرة ممتلكاتهم وأراضيهم لإقامة المستوطنات عليها ، ويكون ذلك خاضع لسياسة المصادرات التي تتبعها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية ، حيث تعلن إسرائيل من وقت لآخر عن خطة جديدة لإقامة المزيد من المستوطنات .
انتهجت إسرائيل سياسة عدم المساواة مما يعتبر انتهاكا لمبدأ المساواة المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث أن المستوطنات التي تقيمها على الأراضي الفلسطينية هي مستوطنات يهودية خالصة تقوم على العنصرية وتكون مفصولة عن السكان العرب ولا تسمح لغير اليهود أن يقيموا فيها، كما يطبق عليهم نظام قانوني وقضائي خاص بهم يختلف عما هو مطبق على العرب الفلسطينيين مما يعتبر انتهاك للتشريعات الوطنية الفلسطينية .
إن بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية يعتبر خرقا واضحا لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني الذي كرسته قرارات الشرعية الدولية والذي أكدت عليه الأغلبية العظمى من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي تعمل بشكل رئيسي من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة وهي الهيئة الدولية ذاتها التي قررت تقسيم فلسطين إلى دولتين (دولة عربية وأخرى يهودية ) وفقا لقرارها رقم (181 ) لسنة 1947 م .
الوضع القانوني للضفة الغربية وقطاع غزة:-
أنكرت حكومات إسرائيل المتعاقبة ومنذ 1967 أن الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية أراض محتلة بحجة مؤداها أن حيازة الأردن للضفة الغربية ومصر لقطاع غزة غير قانونية ولا تملكان عليها حق السيادة وقد حل الوجود الإسرائيلي محلهما نتيجة الغزو الدفاعي المشروع الذي تم في حزيران 1967م(17).
نرد على المزاعم الإسرائيلية من خلال مبادئ القانون الدولي والاتفاقيات الدولية ، ونؤكد بأن فلسطين لم تكن في أي وقت بلا سيادة ، فقبل الاحتلال البريطاني سنة 1917 كانت فلسطين جزءاً من الدولة العثمانية التي كانت دولة مستقلة ذات سيادة وكان سكان فلسطين على اختلافهم من رعايا الدولة العثمانية وطبقا لمعاهدة لوزان المؤرخة 24/7/1923 انسلخت السيادة العثمانية عن باقي الأقاليم العربية ومن ضمنها فلسطين ، وأنيطت السيادة للسكان الأصليين في فلسطين وهم الشعب الفلسطيني (18) وإثناء الانتداب البريطاني كان شعب فلسطين يتمتع بمركز دولي مستقل ويملك السيادة على أرضه حيث اعترفت المادة 22/4 من عهد عصبة الأمم بأن أقاليم انتداب فئة (أ) ومنها فلسطين قد وصلت إلى حالة من التقدم تسمح بالاعتراف مؤقتاً بوجودها كأمة مستقلة .
وقد أقرت هذه المادة الأساس القانوني لوجود كيان جغرافي ديمغرافي وسياسي في فلسطين ، ورغم الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني من جراء تقسيم الأمم المتحدة " الجمعية العامة " فلسطين إلى دولتين ، والأحداث التي أعقبت التقسيم والتي حرمت الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير ومنعته من ممارسة سيادته فوق أرضه (19) لم يفقد الشعب الفلسطيني سيادته على فلسطين .
وبعد عام 1948 تولت الأردن المسؤولية الإدارية عن الضفة الغربية والقدس الشرقية ومصر عن إدارة قطاع غزة وقد اعتبر الوجود الأردني والمصري عقب عام 1948 في فلسطين استناداً للقرار الذي اتخذته اللجنة السياسية بإجماع الدول الأعضاء في الجامعة العربية في 12/4/1948 تدبيراً مؤقتاً خالٍ من كل صفة من صفات الاحتلال(20).
إن السيادة على الإقليم الفلسطيني كامنة في الشعب الفلسطيني صاحب الإقليم الشرعي (21) وما الوجود الإسرائيلي إلا وجوداً احتلالياً مؤقتاً تنطبق عليه اتفاقية جنيف الرابعة 1949. أما الإدعاء الإسرائيلي الأخر القائل بمشروعية الغزو الدفاعي (22) ففيه مغالطة حيث أن إسرائيل استخدمت القوة المسلحة ليس دفاعاً عن النفس بل كان انتهاكاً لإحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة (23).
وقد شكك في وجهة النظر الإسرائيلية هذه مرجع في القانون الدولي هو الأستاذ كوينسى رايت حيث يقول " أن الاحتلال الحربي حتى ولو تم نتيجة لحالة الضرورة التي يقتضيها الدفاع عن النفس أو تم بإذن الأمم المتحدة لا يكسب الملكية ويمتنع على الدولة المحتلة أن تتخذ إجراءات وتفرض واقعاً لمصلحتها ، كما يعتبر الضم أثناء استمرار الحرب غير ساري المفعول ولا يكسب المنتصر أية امتيازات تتجاوز وضعة كطرف محارب محتل للإقليم (25).
ويعتبر أي اكتساب للإقليم نتيجة الغزو غير المشروع غير ساري المفعول باطلا لأن القانون الدولي يتطلب المعاقبة على الأعمال غير المشروعة وكذلك لا يجوز للمعتدى أن يستفيد من ثمار عدوانه.
وقد جاء اعتراف الجمعية العامة " للأمم المتحدة " بسيادة الشعب الفلسطيني على أرضه خطوة أخرى تعزز أحكام القانون الدولي. ويعتبر القرار رقم 3236 الصادر في 22/11/1974 من أهم القرارات التي أصدرتها الجمعية العامة التي أكدت فيه على حقوق الشعب الفلسطيني في فلسطين غير القابلة للتصرف وخصوصاً الحق في تقرير مصيره دون تدخل خارجي والحق في الاستقلال والسيادة الوطنية وحق العودة.
الموقف الأمريكي من إقامة المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة.
لقد اتبعت الولايات المتحدة سياسة غير ثابتة بشأن المستوطنات الإسرائيلية، فقد اعتبرت هذه المستوطنات غير شرعية في عهد الرئيس كارتر، بعد ذلك نلاحظ أن الولايات المتحدة لم تؤيد المستوطنات كنقط متقدمة خارجة عن الأراضي (26)
وعندما أعلن ريغان خطته للسلام في عام 1982 سارعت الحكومة الإسرائيلية إلى رفضها، وقد اقتصرت البيانات الأمريكية منذ ذلك الحين على دعم تحسين " نوعية المعيشة " للفلسطينيين تحت الاحتلال وقد أذعنت الولايات المتحدة لوجهة النظر الإسرائيلي (27).
وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس ريغان اعتبرت المستوطنات مجرد عوائق في طريق السلام، إلا أن إسرائيل نجحت في حصر النزاع حول هذا الموضوع (28) وتطويقه.
وقد بذلت الإدارة الأمريكية قصارى جهدها كي تضمن عدم استخدام أموال الحكومة الأمريكية في إقامة المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية ، ويقول " ارون ميلر " أحد المساعدين المقربين من جيمس بيكر " لقد خدعتنا إسرائيل حول موضوع المستوطنات وقد أعطت حكومة إسرائيل الولايات المتحدة أرقاماً غير صحيحة حول إقامة وتوسيع المستوطنات (29).
وفي عام 1992 تم تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل برئاسة اسحق رابين حيث تم اتفاق أولى مع أمريكا بشأن المستوطنات وهو أن واشنطن ستغض الطرف عن استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات في القدس الشرقية والاتفاق على استمرار البناء في الضفة الغربية ، شرط تزويد الولايات المتحدة بمعلومات وثيقة حول خطط البناء.
واستطاعت إسرائيل بأن تحصل من وراء الاتفاق على منحة مالية أمريكية قدرها 10 مليارات دولار لتكملة بناء 11.000 ألف وحدة سكنية في المناطق المحتلة وطبقاً لما أشارت إليه صحيفة هارتس فإن الاتفاقية شملت استيطانا غير محدود في القدس وعلى خطوط المجابهة (30).
وخلقت هذه الاتفاقية خطوطاً عامة لسياسة الولايات المتحدة حول بناء المستوطنات خلال مدة قيادة حزب العمل الإسرائيلي وكانت هذه هي المرة الأولى التي وافقت واشنطن رسمياً على بناء المستوطنات في المناطق المحتلة وخلقت حدوداُ واسعة لنشاطات البناء من قبل إسرائيل والتي تسمح بنمو طبيعي غير محدود وتوسع استيطاني ممول من قبل القطاعات الخاصة.
وفسرت إدارة كلينتون هذا التفاهم بين إدارة بوش ورابين أنه جيد، فالولايات المتحدة توفر دعماً مالياً وعسكرياً كبيراً لإسرائيل وكذلك دعماً سياسياً في المحافل الدولية إذ يتجلى ذلك من استعمال الولايات المتحدة مرات عديدة حق النقض في مجلس الأمن والتي كان أخرها استخدم حق النقض مرتين متتاليتين خلال أسبوعين من شهر مارس لعام 1997 على مشروع قراري مجلس الأمن الدولي بشأن إدانة سياسة إسرائيل الاستيطانية وعدم تنفيذ الاتفاقيات التي عقدت مع م.ت.ف وتنفيذ البرنامج الإسرائيلي في تهويد مدينة القدس.
هذا الانحياز الأمريكي الكامل لا يشجع على اعتبار الولايات المتحدة راعياً نزيهاً في العملية السلمية ولا يتوافر فيها دور الحياد مما يعرض العملية السلمية برمتها إلى الفشل.
تنفيذ سياسة الاستيطان أدت إلى تهجير السكان العرب وإبعادهم من الأراضي العربية المحتلة
التهجير الجماعي والأبعاد:
لجأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 إلى إتباع سياسة التهجير الجماعي والإبعاد للسكان العرب مستخدمه في ذلك عدة وسائل تمتد إلى العنف المباشر والطرد بالقوة المسلحة إلى أسلوب الإبعاد بالتهجير غير المباشر عن طريق الإرهاب الجماعي وتدمير المنازل والأحياء والقرى وترحيل أعداد كبيرة من مدن الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.
كما قامت بإبعاد العديد من الشخصيات والقيادات الفلسطينية البارزة في الأراضي المحتلة اثر اشتداد المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي وقد بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي باتباع سياسة الإبعاد منذ 1967م (31) حيث قامت بإبعاد رئيس المجلس الإسلامي الأعلى سماحة الشيخ عبد الحميد السائح والأستاذ روحي الخطيب أمين مدينة القدس وإبعاد رئيسي بلدية الخليل وحلحول والقاضي الشرعي للخليل (32) وفي الانتفاضة الأولى أبعدت إسرائيل مئات الفلسطينيين إلى جنوب لبنان وخاصة الإبعاد الجماعي الكبير إلى منطقة " مرج الزهور " عام 1992 ، أما في ظل الانتفاضة الثانية استمرت إسرائيل بإتباع سياسة الأبعاد بشكل خطير حيث قامت بإبعاد العديد من الفلسطينيين خارج الأراضي الفلسطينية وإبعاد أسر الشهداء من الضفة الغربية إلى قطاع غزة .
ولم تتوقف سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن إتباع سياسة تدمير المنازل ومصادرة الأراضي وسياسة العقاب الجماعي وسياسة الإغلاق والحصار الاقتصادي ضد السكان في الأراضي العربية المحتلة متجاهلة بذلك الاتفاقيات الدولية وأحكام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالأراضي العربية المحتلة.
سياسة تهجير السكان العرب وإبعادهم عن الأراضي المحتلة في ضوء أحكام القانون الدولي :
عالجت اتفاقية جنيف الرابعة 1949 المتعلقة بحماية المدنيين زمن الحرب عمليات الطرد والإبعاد والتهجير التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ، حيث نصت المادة 49/1 على أنه " يحظر القيام بعمليات نقل قسرية فردية أو جماعية وكذلك عمليات إبعاد الأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة إلى أراضي الدولة القائمة بالاحتلال أو إلى أراضي أي بلد أخر ، محتلاً كان أو غير محتل بغض النظر عن الدافع وراء هذه العمليات.
وقد أكدت اللجنة الخاصة بالتحقيق والتابعة للأمم المتحدة أن إتباع إسرائيل لسياسة الإبعاد والتهجير يعتبر إجراء غير إنساني ويعد خرقاً لحقوق الإنسان بالنسبة لسكان الأراضي المحتلة، وفسرت المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة بأنها تحظر أعمال الإبعاد حظراً مطلقاً مهما كانت دواعيه .
وهكذا أغلقت الباب أمام أية ادعاءات مهما كانت ومن ضمنها دواعي الأمن الذي طالما تشبثت بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتبرير أوامر الإبعاد .
ومن المعلوم أن قواعد وأحكام اتفاقية جنيف الرابعة والاتفاقيات الدولية التي تلتزم بها الدولة لها أولوية التطبيق بالنسبة لأية تشريعات محلية .
وقد تضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 13 (لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة و أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده وحق العودة إليها في أي وقت ) ، وكذلك نصت المادة 12/4 من الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسة على ما يلي (لا يجوز حرمان أحد بشكل تعسفي من حق الدخول إلى بلاده ).
إن سياسة الإبعاد التي تتبعها إسرائيل تعد من جرائم الحرب وجريمة ضد الإنسانية وتعتبر مخالفة لقوانين وتقاليد الحرب (34).
ومن جانب أخر يلاحظ أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي مارست سياسة العقاب الجماعي الممثلة في الإغلاق والحصار الاقتصادي ومنع التجول وهدم المنازل على سكان الأراضي المحتلة مخالفة بذلك أحكام القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة 1949 المادة 33 والتي تنص على " لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصياً وتحظر جميع العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب والسلب محظور، تحظر تدابير الانتقام من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم".
إن الإغلاق الذي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني هو شكل من أشكال الانتقام من السكان المدنيين الفلسطينيين أثر العمليات الفدائية التي تقع داخل دولة إسرائيل، ومما يؤكد ذلك حظر نقل البضائع والأفراد من وإلى الضفة الغربية وقطاع غزة .
إن هذه الإجراءات تفتقر إلى الأساس القانوني وتشكل انتهاكاً لإحكام اتفاقيه جنيف الرابعة 1949، التي أجمعت على تطبيقها على الأراضي المحتلة قرارات الأمم المتحدة والعديد من الهيئات الدولية نذكر منها جمعية الصليب الأحمر الدولية ولجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة .
كما أشارت لجنة دراسة الحالة المتعلقة بالمستوطنات في الأراضي العربية المحتلة في تقريرها إلى أن إسرائيل ، في تنفيذ سياسة الاستيطان التي تنتهجها تلجأ إلى طرق قسرية في كثير من الأحيان ، وفي بعض الأحيان أكثر خبثا تشمل السيطرة على الموارد المائية ، والاستيلاء على الأملاك الخاصة ، وتدمير المنازل ، وإبعاد الأشخاص ، متجاهلة حقوق الإنسان الأساسية تجاهلا تاما .
لقد أدت سياسة إسرائيل الاستيطانية إلى تشريد أعداد كبيرة من الفلسطينيين وتجريدهم من ممتلكاتهم ، مما أدى إلى تعاظم عدد اللاجئين المستمر وما يصاحب ذلك من عواقب .
خاتمة :
إن زرع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة غير شرعي ، ويشكل خرقاً صريحاً للقانون الدولي وفقاً لنصوص معاهدة جنيف الرابعة 1949، المتعلقة بحماية السكان وقت الحرب ،كما استقر القانون الدولي العرفي والإتفاقي وكذلك الهيئات الدولية على عدم شرعية هذه الممارسات والإجراءات وإدانتها حيث تشكل عقبة أمام تحقيق السلام في الشرق الأوسط .
إن هذه المستوطنات بحكم الواقع تعتبر ضماً لأراض محتلة من الواجب أن تخضع لقوانين الاحتلال الحربي والتي تعالجها كل من اتفاقية لاهاي 1907 واتفاقية جنيف الرابعة 1949.
إن التحليل القانوني لسياسة بناء المستوطنات الإسرائيلية وسياسة الإبعاد يركز على اتفاقية جنيف الرابعة والتي وقعت عليها إسرائيل في يوليو 1951م التي تؤكد في المادة 1 من الاتفاقية على : إن الأطراف السامية المتعاقدة على الاتفاقية ملزمة بتنفيذ أحكامها ، وحيث أن إسرائيل لا تفي بالتزاماتها بموجب تلك المادة ، فإن الدول المتعاقدة جميعها ملزمة بحكم القانون بضمان إن تقوم إسرائيل كقوة محتلة للأراضي العربية وكطرف متعاقد على الاتفاقية باحترامها الكامل ولا سيما ضمان الحماية للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة .
إن استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات وإتباع سياسة الإبعاد في الأراضي العربية المحتلة يعتبر تحدياً سافراً للقواعد والمعايير المطبقة في القانون الدولي ، وعلى الرغم من الدليل الساحق للانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة فإن سياسة إسرائيل لا تلين في بناء مستوطنات جديدة على الأراضي الفلسطينية .
لقد عالجت القرارات العديدة الصادرة عن الأمم المتحدة (الجمعية العامة ومجلس الأمن )والهيئات الدولية المعنية انتهاكات إسرائيل الخطيرة لاتفاقية جنيف الرابعة والممارسات الإسرائيلية المنافية لأحكامها مثل الاستيطان ،الإبعاد ، والتدابير غير الشرعية في الأراضي الفلسطينية وقد أدانت هذه القرارات الدولية الممارسات الإسرائيلية غير القانونية مطالبة إسرائيل الكف عنها والإذعان التام لأحكام اتفاقية جنيف ولما جاء في قرارات الشرعية الدولية .
كما أن الدعم الأمريكي المتواصل في استعمال حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن التي تدين إسرائيل أو حتى التي تنطوي على الشجب ، هذا الدعم أعطى الدولة العبرية وشجعها على تحدي القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة والرأي العام العالمي والذي يدعو إلى مزيد من القلق إن المستوطنات الإسرائيلية تبنى بأموال أمريكية .
ونعتقد أنه لا يمكن أن يكون هناك سلام عادل وشامل في ظل سياسة الاستيطان والإبعاد والإغلاق والجدار.
كما أن الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته وعاصمتها القدس وحق العودة يكون العامل الحاسم في تحقيق السلام.
Reference;
1- N.chomsky, The fateful Triangle: The united State, Israel and Palestinians (Boston: South End Press, 1983), p.103.
2- I bid.P.104.
3- Lorne kenny ,The Impact if settlements on peace Efforts, Present and Future ,Israel settlements, Secretariat General The league of Arab State,Dar AL-Afaq AL-jadidah , 1985,P.346.
4- Ibid ,P.346.
5- M.S Agwani {Goals, Means and patterns Israel Settlements} Secretariat General The League of Arab State, Dar-Al-Afaq Al jadida, 1985.P.96.
5- .6-Dr Joseph Algazy { Israeli policy in the west Bank and Gaza Strip } -delivered at a Seminar on the state Israel and the Palestine Question, Oslo , April.2-4,1984,P.5
6- 7-Israel Shahak, Chairman of the Israel League for human and Civil Rights, quoted by Paul A.Hopkins, Liaison officer for the united Presbyterian church U.S.A, in a typescript article: {peace for Galilee, Report and Reflection on Twenty Days in Lebanon, Israel. West Bank and Gaza} dated 23 November 1982.
8-Ariel Sharon quoted in Time (New Delhi ), 13-June 1979
9-Geoffrey Arson {Settlement and Israel – Palestinian Negotiations} Institute for Palestine studies, Washington, 1995,p, 10
10- Chomsky, op.cit PP.44f.
11- الأمم المتحدة " الوضع القانوني للضفة الغربية وغزة " نيويورك 1982،ص20.
12- د.برونركرايسكي " كلمة ألقاها بشأن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة " منشورات الأمانة العامة لجامعة الدول العربية . 1985.ص 26.
13- Palestine the U.N.Volume 2.Issue 3, Mid –March 1997.
14- A.D.Inzitoscaliciy. Fantani “ Italian Court of cassation August 12,1947,casw No.208.p.613 (london.1953).
15- د. تيسير النابلسي ( الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية ) بيروت ، 1975، ص 172.
16-Report of Special Committee to Investigate Israeli practices affecting the Human Rights of population of the occupied territories, UN General
Assembly: doc. No: A/914810.Oct, 1973,p10. ..
17-Schweber {what weight to conquest} 64.AJ.I.L. 1970.p 364.
18- Henry cattan {Sovereignty and Palestine} The Arab Israeli conflict. Vol., 1 (American Society Of International Law) printer Univ. press, 1974.p.203.
د.عبد الكريم خالد الشامي " اتفاقيات كامب ديفيد في ضوء قواعد القانون الدولي "
منشورات بانديوس –أثينا 1989-ص 169.
19- الأمم المتحدة " المرجع السابق ص5.
20- د.تيسير النابلسي ، المرجع السابق ، ص212.
21- أنظر قرار محكمة النقض الإيطالية الصادر بتاريخ 10/8/1954 بشأن السيادة على الإقليم الصومالي .
22- د.تيسير النابلسي . المرجع السابق.ص212.
23-أنظر نص المادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة.
24-Q-Wright {The Middle East crises proceedings} 64.A.J.I.L.
(September 1974). P74.
25-O’connel {International Law} vol.1.1965.p.497.
September 9., 1982.
26- Statement to Foreign Affairs committee (House of Representatives) September 1982.
27- Merle Thorrpe –jr. {The Impact of Israeli settlements on peace Efforts, present and future} secretariat General the league of Arab State, 1985,p.369.
28-Ibid., p.367.
29- Geoffrey Aronson, op, cit, p50.
30 Ibid .pp, 49f.
31- مارست سلطات الاحتلال الألماني أثناء الحرب العالمية الثانية سياسة الإبعاد الفردي والجماعي للسكان في الأراضي التي احتلتها ومن بينها بولندا.
32- الأمم المتحدة " المرجع السابق "ص.5
33- تقرير اللجنة الخاصة المكلفة بالتحقيق في الإجراءات الإسرائيلية المتعلقة بتمتع السكان بالأراضي المحتلة الإنسان والتابعة للأمم المتحدة " وثائق الأمم المتحدة 1/8888/1972.
34- The charter and Judgment of Nuremberg Tribunal, History and
Analysis UN .General Assembly, p., 93(N.Y.1949).
سياسة الاستيطان والإبعاد الإسرائيلي
في الأراضي الفلسطينية المحتلة في ظل أحكام القانون الدولي الإنساني
المستشار/د.عبد الكريم خالد الشامي
رئيس إدارة الأبحاث والدراسات القانونية
ديوان الفتوى والتشريع-فلسطين
مقدمة
إن الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وما ينطوي عليه من مخاطر تؤدي إلى حقيقة هي أن الاستيطان يشكل أكبر خطر يهدد السلام في المنطقة، حيث تقوم إسرائيل منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967 " الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة " بإتباع سياسة بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي الخاصة والعامة وكذلك إتباع سياسة التهجير والإبعاد وخلق وقائع جديدة تجري في صورة تغييرات جغرافية وسكانية " ديمغرافية " الغرض من ورائها تهويد الأراضي العربية المحتلة والاعتداء الكامل على الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني في أرضه.
ومن الجدير بالذكر إن حكومات إسرائيل المتعاقبة قد خالفت بوضوح قواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب بشأن إقامتها للمستوطنات وإتباعها سياسة الطرد والأبعاد الفردي والجماعي للفلسطينيين.
وعلى الرغم من مناشدة المجتمع الدولي لإسرائيل بالالتزام بأحكام اتفاقية لاهاي 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وكذا قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي إلا أن إسرائيل أظهرت عدم احترامها الثابت للقانون الدولي ، وإصرارها على الاستمرار في سياسة الاستيطان والإبعاد ، وكأن قرار قبول عضويتها في الأمم المتحدة لم ينص على ضرورة التزامها بميثاق الأمم المتحدة والقرارات الصادرة عنها والاتفاقيات الدولية الموقعة عليها.
وعليه سنحاول في هذا البحث إلقاء الضوء على سياسة إسرائيل الاستيطانية من خلال حكوماتها المتعاقبة على الحكم، ومعالجة بناء المستوطنات من خلال قواعد القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 واثر المستوطنات على العملية السلمية وكذلك سياسة الاستيطان وحقوق الإنسان الفلسطيني مع الإشارة إلى الوضع القانوني للضفة الغربية وقطاع غزة وسياسات المصادرة المستمرة للأراضي العربية التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي وموقف الولايات المتحدة من سياسة بناء المستوطنات وأخيراً سيتعرض البحث إلى سياسة تنفيذ الاستيطان التي أدت إلى تهجير السكان العرب وإبعادهم عن الأراضي العربية المحتلة ومدى مخالفة إسرائيل لقواعد القانون الدولي.
سياسة إنشاء المستوطنات في مفهوم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
بدأت حكومة حزب العمل الإسرائيلي في أعقاب حرب 1967 بضم الأراضي المحتلة إلى إسرائيل بموجب سياسة استهدفت إنشاء المستوطنات شبه العسكرية سرعان ما تحولت إلى مستوطنات مدنية، وطرد العرب من أجزاء من المدينة القديمة وضم القدس بعد توسيع حدودها 1970(1)
وقد أعلن موشى ديان أن " المستوطنات المقامة في الأراضي المحتلة سوف تبقى إلى الأبد وسوف تضم الحدود المقبلة هذه المستوطنات كجزء من إسرائيل " (2) والمسألة بالنسبة له كما هو الحال بالنسبة لغيرة لم تكن مسألة أمن بل هي " أرض الوطن ".
أما زعماء حزب الليكود فيؤمنون بسيادة اليهود على إسرائيل الكبرى بكاملها واتبعوا سياسة بناء المستوطنات في جميع إنحاء الأراضي المحتلة كوسيلة لتأكيد هذه السيادة وشأنهم في ذلك شأن تحالف حزب العمل، وقد أعلن شمعون بيريز " ليس ثمة جدل في إسرائيل بشأن حقوقنا التاريخية في أرض إسرائيل، إن الماضي ثابت ومستقر كما أن التوراة هي الوثيقة الحاسمة في تحديد مصير أرضنا"(3) فإذا كان زعيم حزب العمل السابق على استعداد لقبول التسوية بالأراضي " في خطة ايغال ألون" فإن ذلك يكون من اجل تحرير إسرائيل من شعب عربي غير مرغوب فيه والذي يهدد في النهاية الشخصية اليهودية لإسرائيل(4).
إن الخطوات التي تقوم حكومة الليكود بتنفيذها هي جزء من سياسة حزب العمل الإسرائيلي على المدى البعيد، ويمثل ذلك كله امتداداً لخطة إسرائيل الكبرى التي يتفق عليها جميع الأطراف.
ومن ثم فإنه من الخطأ أن يتوهم البعض أن سياسة إسرائيل بشأن القدس والمستوطنات سوف تتغير إذا ما نجح حزب العمل في الوصول إلى السلطة مرة أخرى.
ومع تولى حزب الليكود السلطة في عام 1977 لم يكلّ بُيغن، من المطالبة تاريخيا وجغرافيا بأن يهودا والسامره " الضفة الغربية " هي أراض إسرائيلية تخص الشعب اليهودي وأن الاستيطان في هذه الأراضي حق وواجب(5).
إن حزب الليكود في عهد بيغن رئيس وزراء إسرائيل الأسبق لم يتوقف عن الإشارة إلى الضفة الغربية بعبارة " يهودا والسامره" كمناطق تضمها إسرائيل الكبرى(6)،وإلى جميع الأراضي العربية بعبارة الأراضي المحتلة على أساس أن هذه الأراضي قد استردت من الكفرة " الغوييم ، أي الأشخاص الذين ينحدرون من أمهات غير يهوديات ، لكي تبقى من الآن فصاعدا تحت القيادة اليهودية بشكل دائم (7).
وقد عملت حكومات الليكود على قدم وساق مع جماعة غوش اميونيم ( جماعة دينية متطرفة )، على تنشيط إقامة المستوطنات في جميع إنحاء الضفة الغربية بشكل موسع(8).
وعلى الرغم من انعقاد مؤتمر مدريد عام 1991 على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام وعلى قاعدة قراري مجلس الأمن 242، و338 إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على سدة الحكم سواء يمينية أو عمالية عملت على تكثيف الاستيطان بشكل مبالغ فيه تحت عنوان فرض وقائع جديدة على الأرض الفلسطينية تساهم في صياغة نتائج الحل النهائي.
وفي عام 1992 تولى حزب العمل الإسرائيلي الحكم في إسرائيل وأعلن إسحاق رابين عن تجميد الاستيطان لمدة عام واحد فقط في الضفة العربية (9). وعلى أية حال فإن سعي إسرائيل القوى باتباع سياسة الاستيطان ولا سيما في بداية الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي 1993 أعطى فكرة عما جاء به الاتفاق على الأقل وقف الاستيطان ، إلا أن إسرائيل أعطت لنفسها مفهوما يختلف تماماً عن المفهوم الفلسطيني حيث أنها تحاول إظهار أن الاتفاق أعطاها تفويضاً مطلقاً بالاستمرار في سياسة بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية .
وفي ظل الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي 1993 واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياسة مصادرة الأراضي العربية مستندة في ذلك إلى الذرائع الأمنية والأوامر العسكرية وبلغت مساحة الأراضي المصادرة من الأراضي الفلسطينية خلال ثلاث سنوات 1993-1996 حوالي 300 ألف دونم وصادرت منذ بداية الاحتلال أكثر من ثلاثة ملايين دونم من المساحة الكلية للضفة الغربية البالغة 5.8 مليون دونم .
وبعد اعتلاء حزب الليكود السلطة في صيف 1996 بزعامة بنيامين نتنياهو والذي كان أحد أهداف حملته الانتخابية إلغاء القيود على حركة الاستيطان في الضفة الغربية، حيث أقدمت هذه الحكومة على بناء مستوطنة في جبل أبو غنيم تشكل خطوة كبيرة لمشروع يطلق عليه " البوابة الشرقية " الغرض منها عزل القدس الشرقية وضواحيها عن باقي الضفة الغربية ومنع أي ارتباط أو تكامل مستقبلي لمدينة القدس مع باقي الأقاليم الفلسطينية الأخرى .
وفي عام 1999 عاد حزب العمل الإسرائيلي بزعامة ايهودا باراك لتسلم زمام الحكم في إسرائيل خلال فترة قصيرة من الزمن زاد عدد عطاءات البناء في المستوطنات على 4112 عطاء.
وفي عام 2001 تمكن ارييل شارون من تشكيل حكومة ائتلافية وأصبح رئيسا لمجلس الوزراء الإسرائيلي حيث استطاع تمزيق ما تبقى من اتفاقات أوسلو باجتياح مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية وتدمير البنية التحتية الفلسطينية وأية معالم سيادية إضافة إلى زيادة البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية مما أدى إلى قتل العملية السلمية تماما.
ومن ثم فليس هناك ما يدعو للعجب إذ لا نرى أي فرق جوهري بين الآراء السياسية لحزب العمل وكتلة الليكود أو كليهما بشأن موضوع القدس والمستوطنات.
ويعلق ناعوم نشومسكي في هذا الصدد قائلاً:
" على عكس الأوهام التي تجد دائماً من يغذيها هنا في الولايات المتحدة، فإن الحزبين السياسيين الرئيسين في إسرائيل لا يختلفان من حيث المبدأ فيما يتعلق بالأراضي المحتلة، فكلاهما يعتقد بأنه يتعين على إسرائيل أن تسيطر على هذه الأراضي بفعالية…كما أن كليهما يرفض بإصرار أي تعبير عن الحقوق الوطنية للفلسطينيين في الضفة الغربية (10)
المستوطنات الإسرائيلية في ظل القانون الدولي الإنساني.
إن سياسة إسرائيل في بناء المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة تقف حائلا في طريق إيجاد حل للمشكلة، في حين يوجد القانون الدولي بأحكامه وقواعده لوضع الحل القانوني الدولي في هذا الشأن ، حيث شكلت اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 القاعدة القانونية الدولية لتبين حقوق وواجبات السلطة المحتلة في الإقليم المحتل .
وإذا كان الغرض من اتفاقية جنيف الرابعة 1949 هو تجنب تكرار الفظائع وأشكال الحرمان الجماعي من حقوق الإنسان التي فرضت على السكان المدنيين أثناء الحرب العالمية الثانية من قبل النازيين في أوروبا والعسكريين اليابانيين في أسيا.
وبما أن إقامة المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية يتناقض مع القانون الدولي الإنساني وقرارات الشرعية الدولية، وعلى الرغم من حكم المحكمة العليا الإسرائيلية في قضية ايلون مورية ( قاضي المحكمة العليا 390/79 ، 22/10/ 1979 )
أن إسرائيل ملتزمة بمؤتمر لاهاي الرابع لأنه قد أصبح مقبول كقانون عرفي على الصعيد الدولي.
إن قوات الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية أعطت لنفسها صلاحيات تتجاوز تأمين المصالح الأمنية لها ويؤكد على ذلك ما ورد في المادة 3 من منشور رقم 2 الصادر عن القائد العسكري لمنطقة الضفة الغربية في 7/6/1967 حيث منح هذا المنشور الحاكم العسكري صلاحيات تشريعية وتنفيذية وإدارية بالمنطقة.
من المعروف في القانون الدولي أن طبيعة الحكم العسكري الاحتلالي تكون مؤقتة وتزول بزوال الاحتلال، كما أن الاعتبارات الشرعية والقانونية اعتمدت فقط المصالح الأمنية في المنطقة وتأمين مصالح السكان المدنيين فيها، ولا يجوز للقوة المحتلة اعتماد أية مصالح وطنية أو اقتصادية أو اجتماعية لها ، ما دامت هذه الاعتبارات لا تتطلبها المصلحة الأمنية ، من خلال هذه المبادىْ القانونية العامة فانه لا يجوز لقوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بناء أية مستوطنة مدنية على الإقليم المحتل أو حتى شق طريق لخدمة المستوطنة وإنما تنطبق عليه قواعد الاحتلال الحربي ، حيث تنص المادة 43من اتفاقية لاهاي الرابعة لسنة 1907 على ما يلي :
(حيث أن سلطة الحكم الشرعي قد انتقلت في الواقع بيدي المحتل، فعلى هذا الأخير أن يتخذ كل ما يستطيع من تدابير ليستعيد ويضمن إلى أقصى حد ممكن، النظام العام والسلامة مع احترام القانون الساري في البلد، إلا إذا منع من ذلك منعا مطلقا )
وعلى الرغم من ورود مبادىْ قانونية في متن قرارات محكمة العدل العليا الإسرائيلية إلا أنها قد أفرغت من محتواها بإتباع سياسة الأمر الواقع من خلال بناء المستوطنات لتخلق واقع سياسي على الأراضي الفلسطينية، مع أن هذه المستوطنات وفقا للقانون الدولي تشكل مواقع عسكرية ذات طبيعة مؤقتة تزول بزوال الاحتلال.
أما اتفاقية جنيف الرابعة 1949 فقد أعطت المادة 49 عناية خاصة للأراضي المحتلة من أجل حماية السكان المدنيين من سلطات الاحتلال حيث تحظر تماماً وبنصوص لا " تقبل أي لبس إقامة قوات الاحتلال المستوطنات المدنية في الأراضي المحتلة بغض النظر عن طبيعة هذه المستوطنات، فإشارات إلى أنه " لا يجوز للقوة المحتلة أن ترحل أو تنقل بعض أفراد شعبها من المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها ".
إن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة تتجاوز حقوق القوة المحتلة التي نصت عليها اتفاقية جنيف الرابعة 1949 وتشكل خرقاً صريحاً للقانون الدولي، وقد ساندت هيئات دولية عديدة الرأي القانوني القائل بانطباق اتفاقية جنيف على الأراضي المحتلة ومن بينها لجنة الصليب الأحمر الدولية والتي ترى أن اتفاقية جنيف الرابعة تنطبق على الأراضي العربية المحتلة(11)، واللجنة الدولية لفقهاء القانون الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ولجنة حقوق الإنسان واللجنة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان لسكان الأراضي المحتلة وكذا قرار مجلس الأمن رقم 465 المؤرخ في 1/3/1980 والذي اتخذ بالإجماع، وجاء فيه:
" إن كل ما تتخذه إسرائيل من تدابير لتغيير الطابع المادي أو التكوين الديمغرافى أو الهيكلي أو المركز المؤسس للأراضي الفلسطينية وسائر الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967م بما في ذلك القدس، أو أي جزء منها، ليس له أي صحة قانونية وأن سياسة إسرائيل وممارستها المتمثلة في توطين قطاعات من سكانها ومن المهاجرين الجدد في هذه الأراضي تشكل انتهاكها شديداً لاتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب، كما تشكل عقبة أمام تحقيق سلم شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط.
قرار لجنة للأمم المتحدة للمستوطنات البشرية رقم 10/13 لسنة 1987 والذي شجب سياسات الاستيطان التي تتبعها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وطالبت بوقف بناء المستوطنات الجديدة وإزالة المستوطنات القديمة، واعتبرها غير مشروعة وعقبة خطيرة تعترض سبيل السلم.
كما أكدت في قرارها رقم 12/11 لسنة 1989 على أن الممارسات الإسرائيلية تشكل انتهاكات واضحة للقوانين الدولية وعلى وجه التحديد اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب المؤرخة في آب /أغسطس 1949 والتي أعيد التأكيد عليها في قراراي مجلس الأمن 607 (1988 ) المؤرخ في 5 كانون الثاني /يناير 1988 و608 (1988 ) المؤرخ في 14 كانون الثاني يناير 1988 .
قرار لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان رقم 1984/3 (الدورة 40 ) 20 شباط /فبراير 1984 والذي أدانت فيه احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية بما فيها القدس وكذلك إمعان إسرائيل في التوسع في استعمار هذه الأراضي، بغرض تغيير التكوين الديمغرافي للأراضي المحتلة بما فيها القدس، وتغيير هيكلها المؤسسي ومركزها.
قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة رقم 1990/53 بتاريخ 24تموز /يوليو 1990 والذي شجب فيه السياسات والممارسات الإسرائيلية المتعلقة بالأراضي والمياه بما في ذلك الممارسات الاستيطانية في الأراضي المحتلة.
وعلى الرغم من المعارضة الدولية الواضحة، فإن سياسة الاستيطان الإسرائيلي قد زادت حدة في الأراضي المحتلة واتسعت إجراءات التعسف مما يدل على مخطط لفصل مدن الضفة الغربية عن بعضها البعض وجعلها تحت رحمة المستوطنات الإسرائيلية والدليل على ذلك شبكة الطرق الالتفافية التي أنشئت من أجل ربط المستوطنات الإسرائيلية على حساب الجانب الفلسطيني.
اثر استمرار بناء المستوطنات على العملية السلمية.
تشكل المستوطنات عائق كبير على حقوق الفلسطينيين السياسية المتمثلة في حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وحق العودة، ومن خلال هذه الثوابت كانت المجازفة التاريخية الفلسطينية التي أقدمت عليها م.ت.ف والمتمثلة بالاعتراف المتبادل وتوقيع اتفاق أوسلو1993، والاتفاقية المرحلية لقطاع غزة والضفة الغربية لعام 1995، ومذكرة (واي ريفر) لعام 1998 وكذلك مذكرة( شرم الشيخ)لعام 1999 كل ذلك كان من أجل تحقيق سلام شامل وكامل ودائم في المنطقة، بينما الجانب الإسرائيلي يراوغ ويماطل في تنفيذ الاتفاقيات الموقعة ويعلن المرة تلو الأخرى عن استعداده للتفاوض على أساس السلام مقابل السلام وهذا من الأمور التي تدعو للسخرية طالما أن حرب المستوطنات لم تتوقف والقدس تحاط من كافة الجهات بالاستيطان اليهودي.
إن استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات الغرض منه الحيلولة دون قيام الدولة الفلسطينية على أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، ولذا لن يكون هناك سلام بدون الثوابت الفلسطينية واعتراف الجانب الإسرائيلي بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
أن الحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني تتعرض للتخريب يومياً عن طريق سياسة بناء المستوطنات والإغلاق والحصار الاقتصادي وهدم المنازل والإبعاد بالإضافة إلى عدم الإفراج عن الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية هذه الحقوق التي طالما انتهكت بطريقة وحشية من قبل إسرائيل سوف تؤدي بالمنطقة مرة أخرى إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والعسكري.
أن المستوطنات تمثل تهديداً للحقوق المدنية والقانونية للشعب الفلسطيني لأنه لا يجوز قانوناً لقوة محتله إن تغير طبيعة الأراضي المحتلة بصفة دائمة أو أن تضم أو تطرد أو تنقل المدنيين من الأراضي التي تحتلها.
وفي الواقع فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتياهو أكد مراراً على عزم حكومته بناء المزيد من المستوطنات في الأراضي المحتلة وليس إلغاء المستوطنات، أن هذه النوايا ستؤدي إلى إلغاء أي أساس ذي معنى لسلام دائم وشامل في المنطقة.
سياسات المصادرة Expropriation policies
لجأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مدى سنوات الاحتلال إلى اغتصاب ملكية الأموال والأملاك في الأراضي العربية المحتلة سواء منها الملكية الخاصة أو العامة وخاصة في الأراضي التي استهدفت ضمها والمناطق التي قامت ببناء المستوطنات عليها، وقد استخدمت إسرائيل في ذلك أساليب ووسائل مختلفة من مصادرة و واستيلاء واستملاك " نزع الملكية " وأقامت على هذه الأملاك المستوطنات.
وقد كانت اخطر وسيلة استخدمتها إسرائيل في مصادرة الأراضي تلك التي تم تطويرها عام 1979 في ظل حكومة الليكود حيث أعلنت إسرائيل وفقاً لإحكام قانون صدر أثناء حكم الإمبراطورية العثمانية أن أراضي الضفة الغربية التي لم تكن مزروعة أو لم يتم تسجيلها قانوناً لدى السلطات الأردنية قبل عام 1967 تعتبر من أراضي الدولة (12).
إن إسرائيل عندما طالبت بإقامة مستوطناتها على أراضي الدولة أو الأراضي غير المأهولة فإنها قصدت بذلك " الأراضي الميري " أو الأراضي الموات " وعلى الرغم من أن القانون الأردني هو امتداد لقانون الأراضي العثماني يعترف بالأراضي الميري بشكل واضح (بأنها أراضِ خاصة ).
لقد بلغت العملية الاستيطانية (13) حداً بعيداً بحيث أنه يوجد الآن حوالي 175 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون في القدس وضواحيها في 9 مستوطنات و 150 ألف مستوطن يقيمون في أكثر من 156 مستوطنه في الضفة الغربية وقطاع غزة وبات الإسرائيليون يملكون أكثر من 65% من مساحة الضفة الغربية.
تقييم الإجراءات الإسرائيلية بشأن عمليات المصادرة والاستيلاء في ظل القانون الدولي الإنساني:
إن الأساس القانوني للاعتراض على الإجراءات الإسرائيلية فيما يتعلق باستملاك واستيلاء ومصادرة واكتساب العقارات في الأراضي العربية المحتلة هو مجموعة المبادئ وأحكام القانون الدولي التي أشارت إليها لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية والمتمثلة في الأتي:
1- تحريم ضم الإقليم ونقل أي جزء من سكان الدولة المحتلة المدنيين لاستيطان الأراضي المحتلة.
2- إن اتفاقية جنيف الرابعة 1949 مؤسسة على افتراض أن الاحتلال العسكري مؤقت وحالة واقعية لا تجيز التصرف بالإقليم المحتل.
3- إن المادة 46 من الأنظمة الملحقة باتفاقية لاهاي سنة 1907م تحظر مصادرة الأملاك الخاصة والمادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة 1949 تجعل السلطة المحتلة قاصرة على إدارة الأملاك العامة المملوكة للدولة المعادية.
وقد سبق أن قررت محكمة النقض الإيطالية في 12 /8/1947م أن سلطات الاحتلال مقيدة بالقوانين الدولية فيما يتعلق بالمصادرة ولا يجوز لها الاستناد إلى القانون المحلي القائم في الأراضي المحتلة(14).
وأثناء الحرب العالمية الثانية أصدرت دول الحلفاء إعلاناً بتاريخ 5/1/1943 أشارت فيه إلى بطلان كل أعمال نقل الملكية التي تمت في الأراضي المحتلة من قبل دول المحور سواء تلك التي تعود للأفراد أو الأشخاص القانونيين وسواء أخذت بشكل النهب أو كمعاملات أخذت الشكل القانوني (15).
4- إنه لا يجوز للسلطة المحتلة التصرف بالأملاك العامة بالبيع أو بأي تصرف آخر ، وتعتبر مصادرة الأملاك الخاصة وبيعها باطلة .
وقد اعتبرت اللجنة أن معاملات اكتساب الملكية(16) العقارية التي قامت بها إسرائيل وسكانها من جهة وبين سكان الأراضي المحتلة باطلة قانوناً ولا تنقل الملكية حتى في المجالات التي تم فيها دفع تعويضات لأصحاب الأراضي لأنه في غياب دولة الأصل التي تقوم بالحماية والتوجيه تصبح مثل هذه المعاملة باطلة حيث يفقد السكان حرية الاختيار وتزول القيود التي تفرضها الدولة عادة حماية لمواطنيها والمصلحة العامة.
الاستيطان وحقوق الإنسان الفلسطيني:
تأكدت حقوق الإنسان الفلسطيني من خلال الشرعية الدولية والمتمثلة في قرارات الأمم المتحدة ولا سيما القرار رقم ( 3623 ) لسنة 1974 والذي أكد على حق الإنسان الفلسطيني في العودة وتقرير المصير والاستقلال الوطني ، واعتبر الشعب الفلسطيني طرفا أساسيا لإقامة سلم عادل ودائم في منطقة الشرق الأوسط ، مقابل هذه الحقوق المعترف بها من قبل المجتمع الدولي فان إسرائيل باتباعها سياسة الاستيطان قد انتهكت حقوق الإنسان الفلسطيني ومخالفة لأحكام المادة 17/2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على انه ( لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفا ) إن هذا النص من الناحية العملية لم يحترم من قبل إسرائيل فالفلسطينيون عرضة في كل وقت لمصادرة ممتلكاتهم وأراضيهم لإقامة المستوطنات عليها ، ويكون ذلك خاضع لسياسة المصادرات التي تتبعها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية ، حيث تعلن إسرائيل من وقت لآخر عن خطة جديدة لإقامة المزيد من المستوطنات .
انتهجت إسرائيل سياسة عدم المساواة مما يعتبر انتهاكا لمبدأ المساواة المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث أن المستوطنات التي تقيمها على الأراضي الفلسطينية هي مستوطنات يهودية خالصة تقوم على العنصرية وتكون مفصولة عن السكان العرب ولا تسمح لغير اليهود أن يقيموا فيها، كما يطبق عليهم نظام قانوني وقضائي خاص بهم يختلف عما هو مطبق على العرب الفلسطينيين مما يعتبر انتهاك للتشريعات الوطنية الفلسطينية .
إن بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية يعتبر خرقا واضحا لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني الذي كرسته قرارات الشرعية الدولية والذي أكدت عليه الأغلبية العظمى من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي تعمل بشكل رئيسي من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة وهي الهيئة الدولية ذاتها التي قررت تقسيم فلسطين إلى دولتين (دولة عربية وأخرى يهودية ) وفقا لقرارها رقم (181 ) لسنة 1947 م .
الوضع القانوني للضفة الغربية وقطاع غزة:-
أنكرت حكومات إسرائيل المتعاقبة ومنذ 1967 أن الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية أراض محتلة بحجة مؤداها أن حيازة الأردن للضفة الغربية ومصر لقطاع غزة غير قانونية ولا تملكان عليها حق السيادة وقد حل الوجود الإسرائيلي محلهما نتيجة الغزو الدفاعي المشروع الذي تم في حزيران 1967م(17).
نرد على المزاعم الإسرائيلية من خلال مبادئ القانون الدولي والاتفاقيات الدولية ، ونؤكد بأن فلسطين لم تكن في أي وقت بلا سيادة ، فقبل الاحتلال البريطاني سنة 1917 كانت فلسطين جزءاً من الدولة العثمانية التي كانت دولة مستقلة ذات سيادة وكان سكان فلسطين على اختلافهم من رعايا الدولة العثمانية وطبقا لمعاهدة لوزان المؤرخة 24/7/1923 انسلخت السيادة العثمانية عن باقي الأقاليم العربية ومن ضمنها فلسطين ، وأنيطت السيادة للسكان الأصليين في فلسطين وهم الشعب الفلسطيني (18) وإثناء الانتداب البريطاني كان شعب فلسطين يتمتع بمركز دولي مستقل ويملك السيادة على أرضه حيث اعترفت المادة 22/4 من عهد عصبة الأمم بأن أقاليم انتداب فئة (أ) ومنها فلسطين قد وصلت إلى حالة من التقدم تسمح بالاعتراف مؤقتاً بوجودها كأمة مستقلة .
وقد أقرت هذه المادة الأساس القانوني لوجود كيان جغرافي ديمغرافي وسياسي في فلسطين ، ورغم الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني من جراء تقسيم الأمم المتحدة " الجمعية العامة " فلسطين إلى دولتين ، والأحداث التي أعقبت التقسيم والتي حرمت الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير ومنعته من ممارسة سيادته فوق أرضه (19) لم يفقد الشعب الفلسطيني سيادته على فلسطين .
وبعد عام 1948 تولت الأردن المسؤولية الإدارية عن الضفة الغربية والقدس الشرقية ومصر عن إدارة قطاع غزة وقد اعتبر الوجود الأردني والمصري عقب عام 1948 في فلسطين استناداً للقرار الذي اتخذته اللجنة السياسية بإجماع الدول الأعضاء في الجامعة العربية في 12/4/1948 تدبيراً مؤقتاً خالٍ من كل صفة من صفات الاحتلال(20).
إن السيادة على الإقليم الفلسطيني كامنة في الشعب الفلسطيني صاحب الإقليم الشرعي (21) وما الوجود الإسرائيلي إلا وجوداً احتلالياً مؤقتاً تنطبق عليه اتفاقية جنيف الرابعة 1949. أما الإدعاء الإسرائيلي الأخر القائل بمشروعية الغزو الدفاعي (22) ففيه مغالطة حيث أن إسرائيل استخدمت القوة المسلحة ليس دفاعاً عن النفس بل كان انتهاكاً لإحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة (23).
وقد شكك في وجهة النظر الإسرائيلية هذه مرجع في القانون الدولي هو الأستاذ كوينسى رايت حيث يقول " أن الاحتلال الحربي حتى ولو تم نتيجة لحالة الضرورة التي يقتضيها الدفاع عن النفس أو تم بإذن الأمم المتحدة لا يكسب الملكية ويمتنع على الدولة المحتلة أن تتخذ إجراءات وتفرض واقعاً لمصلحتها ، كما يعتبر الضم أثناء استمرار الحرب غير ساري المفعول ولا يكسب المنتصر أية امتيازات تتجاوز وضعة كطرف محارب محتل للإقليم (25).
ويعتبر أي اكتساب للإقليم نتيجة الغزو غير المشروع غير ساري المفعول باطلا لأن القانون الدولي يتطلب المعاقبة على الأعمال غير المشروعة وكذلك لا يجوز للمعتدى أن يستفيد من ثمار عدوانه.
وقد جاء اعتراف الجمعية العامة " للأمم المتحدة " بسيادة الشعب الفلسطيني على أرضه خطوة أخرى تعزز أحكام القانون الدولي. ويعتبر القرار رقم 3236 الصادر في 22/11/1974 من أهم القرارات التي أصدرتها الجمعية العامة التي أكدت فيه على حقوق الشعب الفلسطيني في فلسطين غير القابلة للتصرف وخصوصاً الحق في تقرير مصيره دون تدخل خارجي والحق في الاستقلال والسيادة الوطنية وحق العودة.
الموقف الأمريكي من إقامة المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة.
لقد اتبعت الولايات المتحدة سياسة غير ثابتة بشأن المستوطنات الإسرائيلية، فقد اعتبرت هذه المستوطنات غير شرعية في عهد الرئيس كارتر، بعد ذلك نلاحظ أن الولايات المتحدة لم تؤيد المستوطنات كنقط متقدمة خارجة عن الأراضي (26)
وعندما أعلن ريغان خطته للسلام في عام 1982 سارعت الحكومة الإسرائيلية إلى رفضها، وقد اقتصرت البيانات الأمريكية منذ ذلك الحين على دعم تحسين " نوعية المعيشة " للفلسطينيين تحت الاحتلال وقد أذعنت الولايات المتحدة لوجهة النظر الإسرائيلي (27).
وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس ريغان اعتبرت المستوطنات مجرد عوائق في طريق السلام، إلا أن إسرائيل نجحت في حصر النزاع حول هذا الموضوع (28) وتطويقه.
وقد بذلت الإدارة الأمريكية قصارى جهدها كي تضمن عدم استخدام أموال الحكومة الأمريكية في إقامة المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية ، ويقول " ارون ميلر " أحد المساعدين المقربين من جيمس بيكر " لقد خدعتنا إسرائيل حول موضوع المستوطنات وقد أعطت حكومة إسرائيل الولايات المتحدة أرقاماً غير صحيحة حول إقامة وتوسيع المستوطنات (29).
وفي عام 1992 تم تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل برئاسة اسحق رابين حيث تم اتفاق أولى مع أمريكا بشأن المستوطنات وهو أن واشنطن ستغض الطرف عن استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات في القدس الشرقية والاتفاق على استمرار البناء في الضفة الغربية ، شرط تزويد الولايات المتحدة بمعلومات وثيقة حول خطط البناء.
واستطاعت إسرائيل بأن تحصل من وراء الاتفاق على منحة مالية أمريكية قدرها 10 مليارات دولار لتكملة بناء 11.000 ألف وحدة سكنية في المناطق المحتلة وطبقاً لما أشارت إليه صحيفة هارتس فإن الاتفاقية شملت استيطانا غير محدود في القدس وعلى خطوط المجابهة (30).
وخلقت هذه الاتفاقية خطوطاً عامة لسياسة الولايات المتحدة حول بناء المستوطنات خلال مدة قيادة حزب العمل الإسرائيلي وكانت هذه هي المرة الأولى التي وافقت واشنطن رسمياً على بناء المستوطنات في المناطق المحتلة وخلقت حدوداُ واسعة لنشاطات البناء من قبل إسرائيل والتي تسمح بنمو طبيعي غير محدود وتوسع استيطاني ممول من قبل القطاعات الخاصة.
وفسرت إدارة كلينتون هذا التفاهم بين إدارة بوش ورابين أنه جيد، فالولايات المتحدة توفر دعماً مالياً وعسكرياً كبيراً لإسرائيل وكذلك دعماً سياسياً في المحافل الدولية إذ يتجلى ذلك من استعمال الولايات المتحدة مرات عديدة حق النقض في مجلس الأمن والتي كان أخرها استخدم حق النقض مرتين متتاليتين خلال أسبوعين من شهر مارس لعام 1997 على مشروع قراري مجلس الأمن الدولي بشأن إدانة سياسة إسرائيل الاستيطانية وعدم تنفيذ الاتفاقيات التي عقدت مع م.ت.ف وتنفيذ البرنامج الإسرائيلي في تهويد مدينة القدس.
هذا الانحياز الأمريكي الكامل لا يشجع على اعتبار الولايات المتحدة راعياً نزيهاً في العملية السلمية ولا يتوافر فيها دور الحياد مما يعرض العملية السلمية برمتها إلى الفشل.
تنفيذ سياسة الاستيطان أدت إلى تهجير السكان العرب وإبعادهم من الأراضي العربية المحتلة
التهجير الجماعي والأبعاد:
لجأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 إلى إتباع سياسة التهجير الجماعي والإبعاد للسكان العرب مستخدمه في ذلك عدة وسائل تمتد إلى العنف المباشر والطرد بالقوة المسلحة إلى أسلوب الإبعاد بالتهجير غير المباشر عن طريق الإرهاب الجماعي وتدمير المنازل والأحياء والقرى وترحيل أعداد كبيرة من مدن الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.
كما قامت بإبعاد العديد من الشخصيات والقيادات الفلسطينية البارزة في الأراضي المحتلة اثر اشتداد المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي وقد بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي باتباع سياسة الإبعاد منذ 1967م (31) حيث قامت بإبعاد رئيس المجلس الإسلامي الأعلى سماحة الشيخ عبد الحميد السائح والأستاذ روحي الخطيب أمين مدينة القدس وإبعاد رئيسي بلدية الخليل وحلحول والقاضي الشرعي للخليل (32) وفي الانتفاضة الأولى أبعدت إسرائيل مئات الفلسطينيين إلى جنوب لبنان وخاصة الإبعاد الجماعي الكبير إلى منطقة " مرج الزهور " عام 1992 ، أما في ظل الانتفاضة الثانية استمرت إسرائيل بإتباع سياسة الأبعاد بشكل خطير حيث قامت بإبعاد العديد من الفلسطينيين خارج الأراضي الفلسطينية وإبعاد أسر الشهداء من الضفة الغربية إلى قطاع غزة .
ولم تتوقف سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن إتباع سياسة تدمير المنازل ومصادرة الأراضي وسياسة العقاب الجماعي وسياسة الإغلاق والحصار الاقتصادي ضد السكان في الأراضي العربية المحتلة متجاهلة بذلك الاتفاقيات الدولية وأحكام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالأراضي العربية المحتلة.
سياسة تهجير السكان العرب وإبعادهم عن الأراضي المحتلة في ضوء أحكام القانون الدولي :
عالجت اتفاقية جنيف الرابعة 1949 المتعلقة بحماية المدنيين زمن الحرب عمليات الطرد والإبعاد والتهجير التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ، حيث نصت المادة 49/1 على أنه " يحظر القيام بعمليات نقل قسرية فردية أو جماعية وكذلك عمليات إبعاد الأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة إلى أراضي الدولة القائمة بالاحتلال أو إلى أراضي أي بلد أخر ، محتلاً كان أو غير محتل بغض النظر عن الدافع وراء هذه العمليات.
وقد أكدت اللجنة الخاصة بالتحقيق والتابعة للأمم المتحدة أن إتباع إسرائيل لسياسة الإبعاد والتهجير يعتبر إجراء غير إنساني ويعد خرقاً لحقوق الإنسان بالنسبة لسكان الأراضي المحتلة، وفسرت المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة بأنها تحظر أعمال الإبعاد حظراً مطلقاً مهما كانت دواعيه .
وهكذا أغلقت الباب أمام أية ادعاءات مهما كانت ومن ضمنها دواعي الأمن الذي طالما تشبثت بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتبرير أوامر الإبعاد .
ومن المعلوم أن قواعد وأحكام اتفاقية جنيف الرابعة والاتفاقيات الدولية التي تلتزم بها الدولة لها أولوية التطبيق بالنسبة لأية تشريعات محلية .
وقد تضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 13 (لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة و أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده وحق العودة إليها في أي وقت ) ، وكذلك نصت المادة 12/4 من الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسة على ما يلي (لا يجوز حرمان أحد بشكل تعسفي من حق الدخول إلى بلاده ).
إن سياسة الإبعاد التي تتبعها إسرائيل تعد من جرائم الحرب وجريمة ضد الإنسانية وتعتبر مخالفة لقوانين وتقاليد الحرب (34).
ومن جانب أخر يلاحظ أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي مارست سياسة العقاب الجماعي الممثلة في الإغلاق والحصار الاقتصادي ومنع التجول وهدم المنازل على سكان الأراضي المحتلة مخالفة بذلك أحكام القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة 1949 المادة 33 والتي تنص على " لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصياً وتحظر جميع العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب والسلب محظور، تحظر تدابير الانتقام من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم".
إن الإغلاق الذي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني هو شكل من أشكال الانتقام من السكان المدنيين الفلسطينيين أثر العمليات الفدائية التي تقع داخل دولة إسرائيل، ومما يؤكد ذلك حظر نقل البضائع والأفراد من وإلى الضفة الغربية وقطاع غزة .
إن هذه الإجراءات تفتقر إلى الأساس القانوني وتشكل انتهاكاً لإحكام اتفاقيه جنيف الرابعة 1949، التي أجمعت على تطبيقها على الأراضي المحتلة قرارات الأمم المتحدة والعديد من الهيئات الدولية نذكر منها جمعية الصليب الأحمر الدولية ولجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة .
كما أشارت لجنة دراسة الحالة المتعلقة بالمستوطنات في الأراضي العربية المحتلة في تقريرها إلى أن إسرائيل ، في تنفيذ سياسة الاستيطان التي تنتهجها تلجأ إلى طرق قسرية في كثير من الأحيان ، وفي بعض الأحيان أكثر خبثا تشمل السيطرة على الموارد المائية ، والاستيلاء على الأملاك الخاصة ، وتدمير المنازل ، وإبعاد الأشخاص ، متجاهلة حقوق الإنسان الأساسية تجاهلا تاما .
لقد أدت سياسة إسرائيل الاستيطانية إلى تشريد أعداد كبيرة من الفلسطينيين وتجريدهم من ممتلكاتهم ، مما أدى إلى تعاظم عدد اللاجئين المستمر وما يصاحب ذلك من عواقب .
خاتمة :
إن زرع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة غير شرعي ، ويشكل خرقاً صريحاً للقانون الدولي وفقاً لنصوص معاهدة جنيف الرابعة 1949، المتعلقة بحماية السكان وقت الحرب ،كما استقر القانون الدولي العرفي والإتفاقي وكذلك الهيئات الدولية على عدم شرعية هذه الممارسات والإجراءات وإدانتها حيث تشكل عقبة أمام تحقيق السلام في الشرق الأوسط .
إن هذه المستوطنات بحكم الواقع تعتبر ضماً لأراض محتلة من الواجب أن تخضع لقوانين الاحتلال الحربي والتي تعالجها كل من اتفاقية لاهاي 1907 واتفاقية جنيف الرابعة 1949.
إن التحليل القانوني لسياسة بناء المستوطنات الإسرائيلية وسياسة الإبعاد يركز على اتفاقية جنيف الرابعة والتي وقعت عليها إسرائيل في يوليو 1951م التي تؤكد في المادة 1 من الاتفاقية على : إن الأطراف السامية المتعاقدة على الاتفاقية ملزمة بتنفيذ أحكامها ، وحيث أن إسرائيل لا تفي بالتزاماتها بموجب تلك المادة ، فإن الدول المتعاقدة جميعها ملزمة بحكم القانون بضمان إن تقوم إسرائيل كقوة محتلة للأراضي العربية وكطرف متعاقد على الاتفاقية باحترامها الكامل ولا سيما ضمان الحماية للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة .
إن استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات وإتباع سياسة الإبعاد في الأراضي العربية المحتلة يعتبر تحدياً سافراً للقواعد والمعايير المطبقة في القانون الدولي ، وعلى الرغم من الدليل الساحق للانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة فإن سياسة إسرائيل لا تلين في بناء مستوطنات جديدة على الأراضي الفلسطينية .
لقد عالجت القرارات العديدة الصادرة عن الأمم المتحدة (الجمعية العامة ومجلس الأمن )والهيئات الدولية المعنية انتهاكات إسرائيل الخطيرة لاتفاقية جنيف الرابعة والممارسات الإسرائيلية المنافية لأحكامها مثل الاستيطان ،الإبعاد ، والتدابير غير الشرعية في الأراضي الفلسطينية وقد أدانت هذه القرارات الدولية الممارسات الإسرائيلية غير القانونية مطالبة إسرائيل الكف عنها والإذعان التام لأحكام اتفاقية جنيف ولما جاء في قرارات الشرعية الدولية .
كما أن الدعم الأمريكي المتواصل في استعمال حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن التي تدين إسرائيل أو حتى التي تنطوي على الشجب ، هذا الدعم أعطى الدولة العبرية وشجعها على تحدي القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة والرأي العام العالمي والذي يدعو إلى مزيد من القلق إن المستوطنات الإسرائيلية تبنى بأموال أمريكية .
ونعتقد أنه لا يمكن أن يكون هناك سلام عادل وشامل في ظل سياسة الاستيطان والإبعاد والإغلاق والجدار.
كما أن الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته وعاصمتها القدس وحق العودة يكون العامل الحاسم في تحقيق السلام.
Reference;
1- N.chomsky, The fateful Triangle: The united State, Israel and Palestinians (Boston: South End Press, 1983), p.103.
2- I bid.P.104.
3- Lorne kenny ,The Impact if settlements on peace Efforts, Present and Future ,Israel settlements, Secretariat General The league of Arab State,Dar AL-Afaq AL-jadidah , 1985,P.346.
4- Ibid ,P.346.
5- M.S Agwani {Goals, Means and patterns Israel Settlements} Secretariat General The League of Arab State, Dar-Al-Afaq Al jadida, 1985.P.96.
5- .6-Dr Joseph Algazy { Israeli policy in the west Bank and Gaza Strip } -delivered at a Seminar on the state Israel and the Palestine Question, Oslo , April.2-4,1984,P.5
6- 7-Israel Shahak, Chairman of the Israel League for human and Civil Rights, quoted by Paul A.Hopkins, Liaison officer for the united Presbyterian church U.S.A, in a typescript article: {peace for Galilee, Report and Reflection on Twenty Days in Lebanon, Israel. West Bank and Gaza} dated 23 November 1982.
8-Ariel Sharon quoted in Time (New Delhi ), 13-June 1979
9-Geoffrey Arson {Settlement and Israel – Palestinian Negotiations} Institute for Palestine studies, Washington, 1995,p, 10
10- Chomsky, op.cit PP.44f.
11- الأمم المتحدة " الوضع القانوني للضفة الغربية وغزة " نيويورك 1982،ص20.
12- د.برونركرايسكي " كلمة ألقاها بشأن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة " منشورات الأمانة العامة لجامعة الدول العربية . 1985.ص 26.
13- Palestine the U.N.Volume 2.Issue 3, Mid –March 1997.
14- A.D.Inzitoscaliciy. Fantani “ Italian Court of cassation August 12,1947,casw No.208.p.613 (london.1953).
15- د. تيسير النابلسي ( الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية ) بيروت ، 1975، ص 172.
16-Report of Special Committee to Investigate Israeli practices affecting the Human Rights of population of the occupied territories, UN General
Assembly: doc. No: A/914810.Oct, 1973,p10. ..
17-Schweber {what weight to conquest} 64.AJ.I.L. 1970.p 364.
18- Henry cattan {Sovereignty and Palestine} The Arab Israeli conflict. Vol., 1 (American Society Of International Law) printer Univ. press, 1974.p.203.
د.عبد الكريم خالد الشامي " اتفاقيات كامب ديفيد في ضوء قواعد القانون الدولي "
منشورات بانديوس –أثينا 1989-ص 169.
19- الأمم المتحدة " المرجع السابق ص5.
20- د.تيسير النابلسي ، المرجع السابق ، ص212.
21- أنظر قرار محكمة النقض الإيطالية الصادر بتاريخ 10/8/1954 بشأن السيادة على الإقليم الصومالي .
22- د.تيسير النابلسي . المرجع السابق.ص212.
23-أنظر نص المادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة.
24-Q-Wright {The Middle East crises proceedings} 64.A.J.I.L.
(September 1974). P74.
25-O’connel {International Law} vol.1.1965.p.497.
September 9., 1982.
26- Statement to Foreign Affairs committee (House of Representatives) September 1982.
27- Merle Thorrpe –jr. {The Impact of Israeli settlements on peace Efforts, present and future} secretariat General the league of Arab State, 1985,p.369.
28-Ibid., p.367.
29- Geoffrey Aronson, op, cit, p50.
30 Ibid .pp, 49f.
31- مارست سلطات الاحتلال الألماني أثناء الحرب العالمية الثانية سياسة الإبعاد الفردي والجماعي للسكان في الأراضي التي احتلتها ومن بينها بولندا.
32- الأمم المتحدة " المرجع السابق "ص.5
33- تقرير اللجنة الخاصة المكلفة بالتحقيق في الإجراءات الإسرائيلية المتعلقة بتمتع السكان بالأراضي المحتلة الإنسان والتابعة للأمم المتحدة " وثائق الأمم المتحدة 1/8888/1972.
34- The charter and Judgment of Nuremberg Tribunal, History and
Analysis UN .General Assembly, p., 93(N.Y.1949).