الأخبار
الولايات المتحدة تفرض عقوبات على مقررة الأمم المتحدة الخاصة للأراضي الفلسطينية(أكسيوس) يكشف تفاصيل محادثات قطرية أميركية إسرائيلية في البيت الأبيض بشأن غزةجامعة النجاح تبدأ استقبال طلبات الالتحاق لطلبة الثانوية العامة ابتداءً من الخميسالحوثيون: استهدفنا سفينة متجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي وغرقت بشكل كاملمقررة أممية تطالب ثلاث دول أوروبية بتفسير توفيرها مجالاً جوياً آمناً لنتنياهوالنونو: نبدي مرونة عالية في مفاوضات الدوحة والحديث الآن يدور حول قضيتين أساسيتينالقسام: حاولنا أسر جندي إسرائيلي شرق خانيونسنتنياهو يتحدث عن اتفاق غزة المرتقب وآلية توزيع المساعدات"المالية": ننتظر تحويل عائدات الضرائب خلال هذا الموعد لصرف دفعة من الراتبغزة: 105 شهداء و530 جريحاً وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعةجيش الاحتلال: نفذنا عمليات برية بعدة مناطق في جنوب لبنانصناعة الأبطال: أزمة وعي ومأزق مجتمعالحرب المفتوحة أحدث إستراتيجياً إسرائيلية(حماس): المقاومة هي من ستفرض الشروطلبيد: نتنياهو يعرقل التوصل لاتفاق بغزة ولا فائدة من استمرار الحرب
2025/7/10
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

بانوراما الاصلاح السياسي بقلم:د.غالب فريجات

تاريخ النشر : 2010-01-10
بانوراما الاصلاح السياسي

الدكتور غالب الفريجات

مقدمة : ـ

الاصلاح السياسي ضرورة وطنية يتطلبها النظام السياسي والمجتمع ، ولا يمكن اغفالها او تجاهلها ، لان ذلك ان تحكم على النظام السياسي بالتكلس ، واطلاق رصاصة الرحمة على مستقبله، ومن مهمات قوى المجتمع السياسية والنقابية ومؤسسات المجتمع المحلي ، ان تطالب النظام السياسي وباستمرار على السير في هذا الطريق ، لانه وبدون الاصلاح السياسي لا تستطيع هذه القوى الحصول على ضمان استمرارية وجودها .

اننا احوج ما نسعى الى عملية الاصلاح السياسي في وطننا ، لاننا حرمنا من العمل السياسي طيلة ما يزيد عن اربعين عاما من عمر الدولة الوطنية ، وان حرماننا من حرية العمل السياسي خلق حالة من اليأس والاحباط لدى جماهيرنا ، التي وصلت الى الى عدم قناعتها بجدوى كل ما يجري على السطح من محاولات الترقيع ، التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، فالمطلوب ان نحث الخطى في العمل في طريق الاصلاح السياسي ، لتعويض ما فاتنا من اشواط قطعته بلدان غيرنا ، ولنعوض الزمن الذي اضاعته علينا مرحلة الاحكام العرفية ، التي كممت الافواه ، وقيدت الايدي والارجل عن الحركة ، في سبيل التطور والتقدم .

الاصلاح السياسي ليس مهمة فرد او مجموعة ، هو مهمة المجتمع ، مهمة الدولة في عموم ابنائها في السلطة وخارجها ، فالسلطة عليها ان تحث الخطى في سبيل ذلك ، وان تكون نوافذها مشرعة امام اي مطالبة لقوى المجتمع الحية ، الممثلة بالاحزاب السياسية والنقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني ، وهذه المؤسسات عليها واجب الاصرار على السير في هذا الطريق، ايا كانت العقبات التي تعيق الحركة ، وايا كانت قوى الشد الى الوراء ، من ممارسات لا تحمل في طياتها مصلحة الوطن والمواطن .

اننا في هذا الظرف الذي نمر به ، والمتربصون خلف اسوار الوطن يضمرون الشر لوطننا ، اكثر الحاحا على ان ضمانة الدفاع عن الوطن ، تكمن في الاصلاح السياسي الذي يعزز من قيمة الانسان ، ويجعل منه جنديا مدافعا عن وطن يحتضنه ، ويؤمن السلامة لأطفاله ، لان الانسان مادة الاصلاح وهدفه ، ان تمكن من امتلاك الارادة الحرة ، قادر على ان يشكل السياج الحديدي الذي يحيط بحدود الوطن ، ويمنع عنه اي طامع فيه .

الاصلاح السياسي مطلب جماهيري ، ومسؤولية النظام السياسي ان تستجيب لمطالب الجماهير ، لأن الحياة على ارض الوطن لا تستقيم بوجود فجوة بين الجماهير الشعبية والنظام السياسي ، الذي يحجم او يتردد في الاستجابة لمصالحها ، والاكان الانفجار بسبب حالة اليأس والاحباط ، التي تطغى على حياة المواطن ، في ظل الأزمات التي تعصف به ، وسنتحدث عن مفهومنا الى الاصلاح السياسي من خلال مايلي : ـ


1ـ عملية التحول الديمقراطي

نغالط انفسنا ، ونلوي عنق الحقيقة ، وندوس على ارضية الواقع ، ان ادعينا بأننا نملك ديمقراطية، او نمارس الحد الأدنى منها في وطننا ، في ظل ما يتم من اجراءات السلطة التنفيذية، باصدار القوانين المؤقتة ، وتطبيق قانون الصوت الواحد بأسوأ صوره ، وممارسة الأجهزة المعطلة لحركة المجتمع في الذهنية العرفية للقائمين عليها .

نحن في مرحلة اكثر ما يمكن أن نطلق عليها بداية التطلع الى التحول الديمقراطي ، وما زلنا في بداية الطريق في هذه المرحلة ، وقد باءت العديد من محاولاتنا على هذا الطريق بالفشل ، ووصلنا الى طريق مسدود ، تتطلب منا ان نكون جادين في التطلع للسير بخطى ثابتة ، لتحقيق هذه المرحلة مقدمة للديمقراطية ، التي ينشدها الشعب ، ومن اجل مستقبل وطننا وابنائنا في المستقبل القادم كي يعيشوا حياتهم في بيئة سياسية اكثر نقاء .

مع بداية مرحلة التحول الديمقراطي علينا أن نؤكد أن السلطة التنفيذية ، والتي تغولت على السلطتين التشريعية والقضائية ، هي المفتاح لبداية العمل ، ومن هنا فان خيارنا في تشكيل الحكومات وبشخوص رؤسائها ، يجب أن يخضع لمعايير وطنية وأخلاقية ، والا فاننا نتعمد وباصرار على أن يتكلس وطننا في مكانه ، لأننا نمارس الديمقراطية بأدوات عرفية .

من غير المعقول أن تتكرر مطالبتنا بالاصلاح والتغيير في كل كتاب تكليف لحكوماتنا ، ومع نهاية عمر كل حكومة لا نجد أنفسنا الا في القاطرة اياها ، التي ركبناها مع هذه الحكومة منذ اليوم الأول لتشكيلها ، فلكل حكومة سمات لابد وأن تطبع بها ، ومحطات هامة كماركة مسجلة لها ، وانجازات على صعيد الوطن والمواطن ، تملك الجرأة في أن تدعي أنها من صنع أياديها .

لكل حكومة برنامج عمل ، لابد وأن تكون قادرة على انجاز ما فيه من أهداف في فترة زمنية محددة، بمعنى أننا نملك الأهداف المرسومة ، وأساليب تحقيقها ، والزمن اللازم الذي تحتاجه، فالحكومات بدون أهداف واضحة ومحددة ، وليس لها ناظم ينظم عملها ، وزمنها غير معروف لتحديد رحيلها ،أو تجديد عملها الذي تحتاجه ، لتكملة البرنامج الذي رسمته لنفسها .

يمتاز بلدنا في كثرة تشكيل الحكومات ، فان كان ذلك سمة من سمات عدم الاستقرار فوطننا ليس كذلك ، وان كان ذلك غياب البرامج الحكومية ، وأن حكوماتنا تمارس عملها بتصريف الأمور ، دون أن تكون لديها رؤيا واضحة ، فجدير بنا أن نعالج ذلك ، لأن السلطة التنفيذية هي الدينمو الذي يحرك عربة الدولة ، وهو ما يجدر بنا ،أن نتوخى الحذر في خياراتنا في التشكيل الحكومي، بشخص رئيسها وأعضاء الحكومة ، فكم مر علينا من رؤساء حكومات لم يتركوا أثرا على أرض الواقع ، وان اتصف الكثير منهم بصفات سلبية في ادارة الحكم ، وكم عدد الوزراء الذين تركوا أثرا في نفوس المواطنين في ادارتهم للوزارات التي أوكلت اليهم ، ولم تعد صورهم معروفة حتى للموظفين في وزارتهم .

مرحلة التحول الديمقراطي التي لابد من أن نمر بها للوصول الى الديمقراطية ، لابد لها من فرسان يملكون رؤيا واضحة ، باهداف وخطط وبرامج سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتربوية، بمعنى أن تكون خياراتنا لتشكيل الحكومات فيمن يملك مثل هذه الرؤيا ، وللأسف الشديد ليس هناك من قام بتشكيل أي حكومة سابقة مثل ذلك ، مع أن الوطن يزخر بالكفاءات العلمية والسياسية، قياسا الى حجمه ، فهو متقدم على الكثير من دول العالم ، ومع ذلك دوما في تبرير الفشل نقول من أين سنأتي بهؤلاء ؟ ، وهم أمام أعيننا ، وفي الكثير من مؤسسات المجتمع المدنية والرسمية .

نحن لا نرغب في التوجه الديمقراطي ، ولذلك فان مرحلة التحول الديمقراطي لن تبدأ ، لان مرحلة التحول هذه كمقدمة للوصول الى الممارسة الديمقراطية ، تتطلب أن تتطلع أجهزة الدولة للمواطنين بمساواة ، وأن تنتهي لعبة توزير أبناء الوزراء ، لأنهم ولدوا وفي أفواههم ملعقة السلطة ، والنظر لأبناء الوطن مجرد قطيع ، يهش عليهم هؤلاء بامتيازات الحكم ، على الرغم من ثبوت فشل هذه اللعبة التي تمارس منذ زمن طويل من عمر الدولة .

نحن علينا أن نعلي من قيمة المواطن ، وأن تتم عملية التقييم في ضوء مؤهلاته وقدرته على العطاء لخدمة الوطن ، ولا يجوز وضع حجر سياسي على أي كان من المواطنين الا اذا حكم عليه القضاء بخيانة ، أو تأكد فساده الاخلاقي والسياسي ، ومع ذلك فان الكثيرين ممن وصلوا الى مواقع المسؤولية ، خرجوا منها بسمعة سيئة من وصمة الفساد ، ولم يجدوا من يؤنبهم على أقل تقدير ، بدلا من توقيع العقوبة عليهم ، ويفاجأ الناس باعادة تلميعهم في مواقع متقدمة من الدولة .

المواطن الذي ينوء بالفقر والبطالة وغلاء الأسعار ، ما عاد يهتم كثيرا بتشكيل الحكومات ، وهو ما يدل على حالة الاحباط التي وصل اليها ، وهي تؤشر على مرحلة خطيرة ، لأن الوطن بفعالية أبنائه ومشاركتهم في البناء والعمل ، بقلوب يعمرها الولاء والانتماء لوطن غال على نفوسهم، وليس لقطعة أرض يمكن استبدالها بأخرى ، ولا بمسكن يمكن أن يستعيض عنه بأخر في أي مكان.

مرحلة التحول الديمقراطي ضرورية لبلدنا ولمجتمعنا ، و تصب في مصلحة النظام السياسي ، الذي أجمعنا عليه كضرورة وطنية ، وعلينا أن نؤمن بمسؤليتنا في تحقيقها ، وهي تعني قانون انتخابي عصري ، وانتخابات نزيهة ، وقانون أحزاب سياسية متقدم ، وقانون حريات واجتماعات عامة ، الى غير ذلك من قوانين تتطلبها مسيرة العمل الديمقراطي ، والعمل على تشكيل حكومات برامجية، من شخصيات وطنية مؤهلة ، بعيدة عن مؤهل الارث العائلي ، وسلطة قضائية ، قادرة على ممارسة دورها بفعالية .

ان الوطن ملك الجميع ، وكلنا في مركب واحد ، ولا يجوز أن تتم عملية اقصاء أي مواطن عن المساهمة في بناء الوطن ، كما لايجوز بقاء أي مواطن مغبون في حقه المادي والمعنوي ، لأن التحول الديمقراطي الذي ننشده ، لا يمكن أن يتم الا من خلال المواطن ومن أجله ، ولهذا فان احترام المواطن وتقديره ، والعمل على تربيته لأداء واجباته تجاه المجتمع والدولة ، وتشجيعه على عدم السكوت عن مطالبته بحقوقه ، من شروط نجاح عملية مرحلة التحول الديمقراطي .

2ـ الفساد والاستبداد

بداية الانهيار على الصعيد الفردي والجماعي أن ينخر الفساد في جسد المرء ، ويعشعش في نفسيته ، ويمارسه كأمر طبيعي في حياته اليومية ، مع نفسه ومع الآخرين ، ولا تختلف الدولة في ممارسة أعضائها عن ممارسة الأفراد ، لأن من يقوم به هو الانسان ذاته ، فالنفس البشرية واحدة في ممارساتها ، بغض النظر عن الموقع الذي توجد فيه ، في الشارع أو الوظيفة أو في المعاملات مع الناس ، صغر هذا الموقع أو كبر الذي يشغله الانسان .

الفساد بشقيه الاداري والمالي في الدولة عواقبه وخيمة على الدولة نفسها ، فالتسيب في ممارسة العمل الوظيفي فساد في السلوك الانساني ، وهو اهدار للوقت الخاص بالعمل العام ، الذي اؤتمن المواطن على أداء وظيفته فيه ، الى جانب أنه يعتبر سرقة في حق المال العام ، الذي هو ملك المجتمع ، فيما يتقاضى من ورائه من رواتب ، ويحقق من امتيازات ، فالدولة التي لا تهتم بمراقبة الموظفين العاملين لديها ، ولا تجعل لأدائهم الوظيفي ضوابط تحكم حسن الأداء والتمييز ، فيما بين المجد المثابر والمتسيب المستهتر ، ينخر جسدها الترهل ، ولا تستطيع أداء واجباتها اتجاه مواطنيها ، ومن الضروري تقديم هؤلاء المتسيبين ، الذين يهدرون وقت المصلحة العامة للمساءلة الادارية ، حتى يتم وضع حد لهم ، ومن أجل أن يكونوا عبرة لغيرهم .

الفساد المالي سرقة للمال العام ، مال المجتمع ، اعتداء على حقوق المواطنين ، لأن لكل مواطن حق خاص في المال العام ، ولأن هذا المال يتم تصريفه وانفاقه على المصلحة العامة ، التي تعني كل المواطنين ، فهو اعتداء على جميع المواطنين ، والدولة التي يستباح فيها المال العام من قبل موظفيها ، صغروا أم كبروا في المواقع التي يشغلونها ، دولة فاسدة لا تصلح لقيادة المجتمع وادارة شؤونه ، ووجب تغييرها بالقانون ، ومحاسبتها على ما تقترفه أيادي أعضائها ، من خلال تقديم هؤلاء للمساءلة القانونية ، واستعادة المال المسروق .

ان الدولة التي يعم فيها الفساد ، ويطبع سلوك أعضائها ، في طريقها الى ممارسة الاستبداد ، لأنها في عدم قدرتها على معالجة الفساد ، تلجأ الى لجم الأخرين الذين ينتقدونها ، ويطالبونها في أن تكون على مستوى المسؤولية ، التي كلفها المجتمع بها ، والفاسد في طبيعته عدواني ، لأنه استساغ عدوانيته على حقوق الناس جميعا ، ومن يتجرأ على المال العام يتجرأ على الاعتداء على المواطنين ، فما المواطن الا مجموعة سلوكيات وأعمال تعنى بالحقوق والواجبات ، فالفاسد لا يقيم وزنا لأداء واجباته ، ولا يقدم شيئا على ما يطلب منه من حقوق اتجاه الدولة والمجتمع .

ان الدولة التي تطمح أن تسير على النهج الديمقراطي تؤمن بمبدأ المساءلة ، بحيث يكون الجميع مسؤولين أمام القانون ، لينال كل واحد جزاءه على ما اقترفته يداه ، أو سوّلت له نفسه في أن يخدش كرامة الوطن والمواطن ، بالاعتداء على حقوقه ، والمساءلة واحدة من ركائز النهج الديمقراطي ، والا كيف تتم عملية المسيرة الديمقراطية في الانتخاب والترشيح والوصول الى مبدأ تداول السلطة .

ان المستبد فاسد لا محالة ، فهو معتد على الناس في حقوقهم ، و لايؤمن بما يترتب عليه من واجبات كغيره من المواطنين ، لأنه فوق الجميع ، فلا قانون يردعه ، ولا أخلاق تهذب سلوكه ، ولا قيم وأعراف تقف حاجزا بينه وبين ما يريد أن يغتصبه ، ومقولة المستبد العادل لا تصمد أمام التشخيص الدقيق فيها ، لأن الاستبداد اعتداء صارخ باستخدام القوة في مواجهة الآخرين ، ومن يمارس القوة كطريق للتعامل مع الآخرين بالضرورة ، انه يلقي الرعب والخوف في قلوبهم، ويسوغ لنفسه الاعتداء عليهم ، بما يقوم بتعميم الظلم عليهم بالتساوي .

ان الدولة أية دولة تتطلع الى تطبيق النهج الديمقراطي ، لابد وأن ينظم القانون علاقاتها مع المواطنين، وفيما بين سلطاتها قوانين ضابطة لحركة المجتمع والأفراد ، في ظل دستور عادل ، يتوخى أن يقيم العدل فيما بين أفراد المجتمع ، والا فان تسيب الدولة كنوع من أنواع الفساد ، والاعتداء على الأداء الوظيفي بالاهمال واللامبالاة ، في أداء الواجب وسرقة المال العام ، سيؤدي الى خراب الدولة وتفكيك أواصرها ، تدفع باللجوء الى ممارسة الاستبداد لفرض ديمومة الاستمرار، والمحافظة على الامتيازات التي تنالها .

3ـ بروز المال السياسي

بلدنا من البلدان الفقيرة ولم تظهر الثروة المادية كعامل ذات تأثير في النفوذ السياسي الا في الآونة الاخيرة ـ العشر سنوات الاخيرة ـ بشكل خاص ، حيث برز البعض ممن يملكون الثروة يطمحون الى الاستحواذ على النفوذ السياسي ، الى جانب الثروة التي يملكونها ، وفي كثير من الأحوال يفاجأ الناس بثروة هؤلاء ، على الرغم من أن البعض منهم يعمل في التجارة ، وفي قطاع العقارات على وجه الخصوص ، والثروة التي يملكونها تفوق ما يمكن أن يجنيه هؤلاء ، الا اذا شابها نوع من الاستغلال والجشع في الربح .

العديد من هؤلاء من أصحاب رأس المال لايملكون مؤهلا ثقافيا أو سياسيا ، ولم يعهد عنهم أنهم يعملون في السياسة ، ولا شأن لهم بالهم العام ، مثل الانتماء للاحزاب السياسية ، ولكن فيما يبدو أن ثقافة العولمة القائمة على الاستغلال والجشع ، أصبحت سمة لبعض الناس من الرأسماليين، وهم بشكل أو بأخر يريدون الحصول على النفوذ السياسي ، لدعم مشاريعهم وزيادة ثروتهم ، من خلال اكتساب المشاريع التي تنفذها الدولة ، أو أن لعابهم يسيل الى امتيازات المقعد النيابي ، الذي غالبا ما يدر المال الوفير ، بسبب فساد السلطة التنفيذية ، التي تعمد في أحيان كثيرة لرشوة النواب، من أجل كسب الثقة عند تقدمها لنيل هذه الثقة ، أو عند هدفها العمل على تمرير قانون ما، من خلال كسب تأييد النواب للموافقة عليه .

ومن أجل ذلك يلجأ العديد من المرشحين ممن يملكون ثروة الى الترشيح للمقعد النيابي ، ويقومون باستخدام المال في سبيل العديد من الفعاليات والنشاطات ، لكسب تأييد الناخبين ، ومنها دفع أموال نقدية ، أو مساعدات عينية للمواطنين ، أو دفع أموال للمنافسين لهم في الانتخابات ، من أجل افساح المجال لهم ، ليكون حظهم بالفوز أكبر من سواهم ، وتغض السلطة التنفيذية عن هؤلاء المحاسيب الذين فسدت ذممهم وضمائرهم ، ليكونوا أداة طيعة في أيديها ، لتكوين لوبي للحكومة داخل مجلس النواب ، ومثل هؤلاء لا يهمهم الهم العام ، ولا القيام بوظيفة عضومجلس النواب المتمثلة بالتشريع ، خاصة وهم يجهلون أبسط مفاهيم وظيفة التشريع ، لأنهم يفتقرون للوعي السياسي وحتى الثقافي ، فالربح المادي عندهم أهم من أي هدف سياسي أو مصلحة عامة ، الى جانب أن مثل هؤلاء غير قادرين على ممارسة وظيفة مراقبة الأداء العام للسلطة التنفيذية ، لأن الوسيلة التي وصلوا من خلالها الى مجلس النواب هي شراء الذمم ، والولاء المطلق للسلطة التنفيذية ، للتكسب من وراء هذا التأييد المطلق لها .

ان استخدام المال السياسي جريمة سياسية ، فبالرغم أنه تجاوز على حق المواطنين في حرية الاختيار ، فهو اغتصاب لسلطة التشريع من خلال شراء المقاعد النيابية بواسطة الثروة ، التي يملكها أصحابها ، وهو يعني خلق مجلس نيابي لا دور له بالعمل الذي ينتدب اليه ـ التشريع ، ومراقبة أداء السلطة التنفيذية ـ ، ووصول طبقة من المستغلين الى تمثيل صناعة القرار ، وهم آخر من يعمل في مثل هذه الوظيفة ، واتاحة الفرصة لتغول السلطة التنفيذية وأجهزتها على حقوق المواطنين .

ان استخدام المال السياسي اعتداء على الحق الجماهيري في الاختيار الحر لممثليهم في السلطة التشريعية ، ومنع وصول كل من لا يملك مالا للوصول الى قبة البرلمان ، وهو ما يتنافى مع حق المواطن في حرية الترشيح والانتخاب ، وهو ما يجعل الوطن برمته مرهون لطبقة ذات أهداف تجارية ، لا يهمها من الوطن الا الربح ، وتقديم الخدمات لمن يدفع أكثر .

ليس بالضرورة أن كل صاحب ثروة مجرد من احساسه الوطني ، لكن بالضرورة أن كل من يستخدم المال للوصول الى السلطة ، فهو فاسد ولا تهمه من الوطن الا مصالحه الخاصة على حساب المصلحة العامة ، ولهذا لابد من وضع حد لكل المرشحين ، وحرمان أي من هؤلاء من فرصة الترشيح اذا ثبت أنه قام باستغلال ماله ، وحتى نفوذه للتأثير على الاختيار الحر للمواطنين، الى جانب حرمان كل مواطن من حقه في الترشيح ، يقوم ببيع صوته الانتخابي لهذا المرشح أو ذاك من خلال تفعيل القوانين ذات الصلة ، أو سن قوانين لها علاقة بذلك ، الى جانب تخويل الهيئة القضائية المشرفة على الانتخابات صلاحية اتخاذ القرارات الرادعة .

انه من الممكن تقصير فترة الترشيح لعضوية مجلس النواب ، واقتصار الدعاية الانتخابية على وسائل الاعلام العامة ، بحيث ينال جميع المرشحين دعاية انتخابية متساوية ، الى جانب أن معالجة القانون الانتخابي ـ الصوت الواحد ـ ، والذي يتيح الفرصة لاختيار مرشح واحد على مستوى الدائرة الانتخابية الضيقة ، يتيح المجال لاستخدام المال السياسي .

ان استخدام المال السياسي يمنع الوطن من بداية تدشين مرحلة التحول الديمقراطي ، في عدم تمثيل الشعب بكافة فئاته وقطاعاته الى مجلس النواب ، لأن التمثيل هنا سيقتصر على أصحاب القدرة المالية ، وهم فئة محدودة في المجتمع ، لا علاقة لها بالوطن الا من خلال مصالحها ، وهو ما يعني أن المواطن سيصل الى طريق مسدود في أمله بتحقيق فرصة الوصول الى الممارسة الديمقراطية ، ولا يرى من مرحلة الانتخابات الا ما يغدق عليها من أصحاب الثروة ، من شراء الذمم واقامة الحفلات والولائم ، التي لن تتكرر من هذا النوع من المرشحين ، الا مرة واحدة كل أربع سنوات ، في حالة أن المجلس استطاع الصمود أمام سياسة الحل قبل انتهاء فترة ولايته .

المال السياسي جريمة في حق الوطن ، واعتداء على حق المواطنين ، لابد من وضع حد له قبل أن يستشري نفوذه ، وهو ما لا يقبله وطن يتوق الى بناء دولة ديمقراطية ، ترعى كل مواطنيها ومعبرة عن تطلعاتهم دون استثناء .

ان الدولة منوط بها أن تجند كافة عناصرها ، لتوفير أجواء انتخابية مناسبة ، وبعيدة عن أية محاولة للالتفاف عليها ، وخاصة ما أصبح يرافقها من استخدام المال لشراء ذمم المرشحين واستمالة ولائهم ، لانتخاب هذا المرشح أو ذاك ، لأنه يشوه العملية الانتخابية ، ويفقدها مضمونها ويجردها من أهدافها ، التي تصب في مصلحة جميع المواطنين ، ولا يجوز حصرها في مصلحة فئة محدودة ، ممن يظنون أنهم بواسطة ما يملكون قادرون على شراء كل شيئ ، بما فيه السلطة السياسية .

4ـ تغييب العمل الحزبي

يمر العمل الحزبي في أزمة حقيقية ، تعكسها حالة العزوف عن الانخراط في العمل الحزبي من قبل الجماهير ـ وقود النشاط الحزبي ـ ، وضعف الأداء من قبل الأحزاب ، مما ينعكس سلبا على عملية التحول الديمقراطي ، اذ لا ديمقراطية حقيقية بدون أحزاب حقيقية ، وهو ما يتطلب اعادة النظر في جميع العقبات ، التي وضعتها السلطة التنفيذية ، في طريق تنمية نشاط الأحزاب ، وبشكل خاص ما يتعلق بقانون الأحزاب ، والتوقف عن العقلية العرفية ، التي ما زالت تحكم صاحب القرار في التعامل مع الأحزاب ، والأعضاء المنتمين لها ، اذ ما زالت فعالياتها ونشاطاتها تواجه بالمنع والرفض ، والعديد من الأعضاء المنتسبين لها ما زالت الدولة تنظر لهم وكأنهم أعداء لها، فيحاربون في حقهم في العمل في أجهزة الدولة ، والجامعات الحكومية والخاصة .

حتى بعد اقرار قانون الأحزاب ، والذي ربط مرجعيتها بوزارة الداخلية بدلا من وزارة التنمية السياسية ، تواجه الأحزاب اقامة فعالياتها الجماهيرية بقانون الاجتماعات العامة ، مما يؤدي الى خشية المواطنين ، وحذرهم من الانتساب للأحزاب ، والمشاركة في فعالياتها ، لأنهم يشعرون أن السلطة التنفيذية وأدواتها الأمنية لهم بالمرصاد ، في الاعتقال والتحقيق والمساءلة والسفر والتوظيف ، مما يؤشر على أن اسلوب العرفنة مازال سائدا لدى الجهات الرسمية .

لقد ساهمت قضية الحظر الحزبي في الخمسينيات من القرن الماضي ، وما أصاب أعضاء هذه الأحزاب ، من سجن وحرمان من العمل والسفر ، في خشية الناس من الانضمام اليها ، وبالتالي أصبح قانون الأحزاب مجرد حبر على ورق ، خاصة وأن أجهزة الدولة الأمنية تعمل على الدوام على اختراق العمل الحزبي ، ولا تتورع عن السطو على مقارها ، وسرقة سجلات الأعضاء فيها، والعمل على تجنيد ذوي النفوس الضعيفة لكتابة تقاريرهم عن هذا العضو أو ذاك .

ان الأداء الحزبي في ظل مرحلة الانفتاح السياسي ، واجه ولا يزال يواجه العديد من العقبات والمشاكل ، التي تقف في طريق تقدمه واستمراريته بأداء دوره السياسي والجماهيري ، وبشكل خاص في الوضع المالي والاقتصادي لهذه الأحزاب ، نظرا لحاجة الحزب الى مكاتب وأعضاء متفرغين وصحف ونشرات ثقافية وبرامج ونشاطات جماهيرية ، مما يعيق العمل الحزبي في غياب توفير السيولة النقدية ، وهو ما تفتقر اليه غالبية الأحزاب السياسية .

ان أداء الأحزاب السياسية في ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها ، وبفعل العراقيل والعقبات التي تضعها السلطة السياسية في طريق رقيها وتقدمها ، جعل مستوى أدائها دون مستوى الحد الأدنى، مما أصاب المواطن بالاحباط ، خاصة وهو يأمل في ظل مرحلة الانفتاح السياسي ، أن يتم تعويضه عن الحرمان الذي أصابه ، جراء مرحلة الاحكام العرفية التي صبغت المسيرة الحكومية لمدة تقارب من الاربعين عاما ، الى جانب أن هذه الأحزاب لم تناضل بما فيه الكفاية لانتزاع حقوقها وحقوق جماهيرها ، ولا حتى حقوق أعضائها يوم كانت أجهزة السلطة ترمي بهم في المعتقلات ، أو تحاربهم في أرزاقهم وقوت أطفالهم ، فقد داست أجهزة الدولة دون مبالاة أو اكتراث على حقوق الافراد والأحزاب ، لأنها تنظر الى الاحزاب والحزبيين أنهم من عالم آخر ، غير عالم الوطن والمجتمع الذي يضم الجميع ، مما دفع بالعديد من الأعضاء الى ترك العمل الحزبي ، مما أدى الى تفريغ الأحزاب من كوادرها النضالية .

ان الأحزاب السياسية مؤسسات وطنية ، وهي جزء من تركيبة الدولة ودستورها وقوانينها وأنظمتها ، وهي مؤسسات مشروعة ، تعمل في ظل سيادة الدستور والقانون ، مما يعني أن نجاح التجربة الحزبية على الساحة الوطنية هو نجاح للوطن والنظام السياسي ، وأن فشل الحزبية يؤدي الى ممارسات غير مسؤولة ، تنعكس سلبا على الوطن والمواطنين ، ومن هنا فلابد أن تؤدي الأحزاب السياسية دورها الفاعل ، في ظل رقي وتقدم المجتمع ، لأن عملية تغييب الأحزاب والعمل الحزبي هو تقزيم للعمل السياسي .

ان وجود الأحزاب السياسية يؤشر على وجود وعي سياسي لدى قطاع المجتمع ، وعلى امكانية تنظيم المجتمع بشكل منظم ، في ضوء ثقافة سياسية موحدة ، تلتقي جميعها على الدفاع عن الوطن وجماهيره الشعبية ومصالحها المشروعة ، وهي تؤشر أيضا على أن التحول الديمقراطي لا يمكن نجاحه ، في ظل غياب عمل حزبي ، فأعضاء الأحزاب السياسية هم من الناس المميزين ، فالشخصية الجماعية للحزب السياسي ذات أهداف تخدم تعزيز المصلحة الوطنية ، بطرق ووسائل مشروعة ، ولهذا فان ضرورات المسيرة الديمقراطية هو في السعي لفسح المجال أمام نشوء أحزاب سياسية ، والعمل على ايجاد المناخ الملائم لعمل هذه الأحزاب ، لأن الحزب جزء مهم من مؤسسات المجتمع المدني ، ولأن الديمقراطية لايمكن لها أن تسود بدون وجود أحزاب سياسية ، حيث لا ديمقراطية من دون أحزاب سياسية ، فالديمقراطية تعتمد بشكل واع على مفهوم الرأي والرأي الآخر ، وهذا لن يكون في غياب الأحزاب السياسية .

ان الحزب السياسي ظاهرة أو منظمة في مسلسل العملية السياسية ، مقارنة بالظواهر والتنظيمات السياسية الأخرى في تاريخ البشر السياسي ، وقد تركزت تجارب الأحزاب في العصر الحديث على كيفية تنظيم ممارسة الحرية ، حيث الحرية أمر حيوي ومقدس للفرد والمجتمع ، وممارسة الحرية لا يمكن أن تتم بدون قبول مبدأ الاختلاف والحق في الاختلاف ، والحزب السياسي هو حلقة الاتصال التي لا غنى عنها بين الشعب والجهاز الحكومي ، وهو الذي يقوم بتنظيم الشعب ، والسعي بتوعيته توعية سياسية ، وهو وسيلة جيدة لتنظيم انتقال السلطة وممارسة الحكم.

ان الحكم الفاعل والمؤثر هو المنبثق عن الممارسة الحزبية الفاعلة والنشيطة ، وان الدولة الذكية هي من تسعى لخلق الأحزاب ، من خلال توفير البيئة الملائمة لنشوئها وعملها ونشاطاتها ، وهي الدولة التي لا تخشى النشاط الحزبي المشروع ، والذي يستظل بمظلة الدستور والقانون ، والمشاركة السياسية لا يمكن أن تتم الا تحت خيمة الديمقراطية ، والتي لن تكون بغياب العمل الحزبي ، وفي مقدمة أنماط المشاركة السياسية النشاط الحزبي ، والنشاط الانتخابي والعمل النقابي، وجميعها ترتبط بمبدأ التعددية السياسية ، وحرية التعبير وحرية الاجتماع السلمي ، وحرية الحق في تأليف الجمعيات والأحزاب السياسية ، كل ذلك من أجل الوصول الى ضمان حق الفرد والجماعة في المشاركة في الشؤون العامة في البلاد .

ان عملية التحول الديمقراطي لن تتم في ظل سياسة تغييب الأحزاب واستهدافها وملاحقة أعضائها والتضييق عليهم ، والنتائج المتوخاة من وراء ذلك تقزيم العمل السياسي ، الى حد استخدامه كديكور لا يتجاوز الغطاء الخارجي ، الذي يؤدي الى أي نوع من تقدم المجتع ورقيه .

5ـ الانتخابات وقانون الصوت الواحد

لابد لأي قانون انتخابي أن يواكب التطورات والمستجدات ، وأن يفي بغرض التطور الذي يمر بالبلاد ، وأن يتناسب مع طبيعة المرحلة ، لأن الوطن يحتاج الى قانون انتخاب يؤمّن له الاستقرار، ويبعد به عن التوجهات الفردية ، التي لا تليق بأهمية المؤسسة التشريعية ، وانطلاقا من أهمية ودورالسلطة التشريعية والعمليات الانتخابية،التي توجب احاطة تلك العمليات بالضمانات الضرورية ، لايصال ممثلين حقيقيين عن الشعب الى قبة البرلمان ، فان وضع قانون متطور ومتقدم للانتخابات النيابية ، يقتضي تشكيل لجنة عليا مشتركة من ممثلين عن الحكومة والأحزاب السياسية والفعاليات النقابية و الفكرية ، لوضع مشروع قانون جديد ، ليعرض على مجلسي الأمة في دورة استثنائية ، بعد أن يتم افساح المجال أمام كافة قطاعات الشعب وشرائحه في ابداء الرأي والمناقشة ، فالسلطة ملك الشعب ، وهو وحده مصدر السلطات ، وارادة الشعب يجب أن تمثل تمثيلا حقيقيا ، لاعطائه الفرصة لصنع المجتمع الذي يتطلع اليه ، والذي يضمن المساواة والعمل بين الجميع دون تمييز .

ان الاحتكام الى صناديق الاقتراع لاتعني ممارسة الديمقراطية ، فورقة الانتخابات ونتائجها محكومة بعملية مترابطة ببعضها البعض ، من سن قانون يستطيع المجتمع أن يوصل ممثليه الى البرلمان ، بكافة شرائح المجتمع السياسية والفكرية والمهنية ، ومن خلال سلطة قضائية تقوم بالاشراف على عملية الانتخاب والترشيح والفرز واخراج النتائج بشفافية وموضوعية ، فكثيرة هي الدول التي تتبع الانتخابات النيابية عبر صناديق الاقتراع ، ولكن السلطة التنفيذية فيها متوغلة على السلطة التشريعية ، وتكاد أن تكون ملحقة بتوجيهاتها ، لأنها تسمح لأجهزتها الأمنية بالقيام بعملية التزوير ، والتدخل في كافة مراحل العملية الانتخابية .

ان اعتماد السلطة التنفيذية على سن قانون في ظل غياب السلطة التشريعية ، والاحتكام على نتائج هذا القانون ، هو اعتداء على الديمقراطية وحق السلطة التشريعية ، ولأن هذه الأخيرة الممثل الشرعي للشعب ، فان السلطة التنفيذية تقوم بالدوس على ارادة الشعب ، وتقف حجر عثرة في طريق أن ينتخب ممثليه بشكل يضمن التمثيل الحقيقي له .

ان القوانين الناظمة للعملية الانتخابية في العالم كثيرة ، وكل مجتمع يختار ما يلائمه منها ، فهناك الصوت الواحد للشخص الواحد ، في حالة تقسيم الدوائر الانتخابية بعدد الدوائر الانتخابية ، كما في المملكة المتحدة ، وهناك القائمة الحزبية والتمثيل النسبي ، وهو ما يعتمد على اجراء الانتخابات في ضوء القوائم الحزبية ، والنسبة التي يحصل فيها الحزب على عدد المقاعد ، التي تتوافق مع النسبة التي حصل عليها في الانتخابت ، في ضوء قائمة معدة ومتسلسلة بقائمته الحزبية ، وهناك الدائرة الوطنية بحيث يكون الوطن بكامله دائرة انتخابية واحدة ، ويصل الى قبة البرلمان العدد الذي حصل على أكبر نسبة من الأصوات .

على مشارف عام 1993 ، تم تعديل قانون الانتخاب لسنة 1986 ، فيما عرف بقانون بقانون الصوت الواحد ( رقم 15 لسنة 1993 ) ، والذي استبدل من نظام القائمة المفتوحة ، الذي يعطي فرصة للمواطن أن ينتخب عدد من المرشحين يساوي عدد المقاعد النيابية المخصصة لدائرته ، نظاما جديدا يقيد المواطن بانتخاب مرشح واحد فقط ايا ً كان عدد المقاعد في دائرته ، والذي كان يتراوح في حينه بين مقعدين الى تسعة مقاعد ، وقد استهدف القانون الحد من نفوذ القوى السياسية المنظمة ( الأحزاب السياسية ) .

لقد تعرض قانون الصوت الواحد لانتقادات عديدة وواسعة من مختلف أطياف العمل السياسي ، وهو بمثابة تراجع عن عملية التحول الديمقراطي ، لأنه يقوم على تشجيع الولاءات العشائرية والعائلية والطائفية والاقليمية ، على حساب الخيارات السياسية ، وقد عمد هذا القانون على تفتيت المجتمع وتقسيم بنيته ، وفتح المجال أمام تزايد تأثير المال السياسي ، وممارسة شراء الأصوات والذمم ، على حساب القيم الايجابية للمجتمع ، مثل النزاهة واحترام الارادة الانسانية والمصداقية.

ان آلية الصوت الواحد تم اعتمادها ، كوسيلة وأداة لتحقيق تدخل فاعل للسلطة في نتائج الانتخابات، من خلال تحجيم الأحزاب والقوى السياسية المعارضة ، وتعزيز الدور العشائري الأكثر انسجاما مع السلطة التنفيذية في مجلس النواب ، بما يضمن للسلطة الوصول الى نتائج مرضية على صعيد التمثيل النيابي ، وتمرير مشاريعها وسياساتها دون عقبات .

ان وضع قانون انتخابي في غياب السلطة التشريعية ، ومشاركة الاحزاب السياسية وأصحاب الرأي والفكر، هو بمثابة نكوص عن عملية التحول الديمقراطي التي نسعى اليها ، وأن تغول السلطة التنفيذية في وضع القوانين المؤقتة في غياب المجالس النيابية ، هو تحد واضح لأي نهج ديمقراطي يطمح الوطن والمواطن للوصول اليه ، فقد تم اجتزاء قانون الصوت الواحد لتحقيق أهداف سياسية ، لا تخدم الوطن والمواطن ، ولا تسمح للقوى السياسية أن تتقدم خطوة واحدة، على طريق حقها في التمثيل الشعبي ، من خلال الوصول الى المجلس النيابي .

من الضروري جدا أن تسعى السلطة التنفيذية على تغييب عقلية الشك والريبة ، وافتعال الخوف من القوى السياسية ، ومن وجود مجلس نيابي قوي يستطيع أن يمارس دوره في التشريع والرقابة ، فعقلية العرفنة قد أوصلت البلاد والعباد الى طريق مسدود ، وكادت تعصف بالمجتمع والدولة في هبة نيسان ، والاحتقان الشعبي عواقبه وخيمة ، عندما لا يتم ازالة العقبات في طريق وصول المواطن الى اعتقاد أن الأمل المنشود يمكن تحقيقه ، وعندما لايجد أمامه فرصة لتحسين أوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويصاب باليأس والاحباط .

هناك تصور لتعديل قانون الصوت الواحد السئ الذكر ، بحيث يكون لكل ناخب صوتان ، صوت يقترع به لمرشح في دائرته الانتخابية ، وصوت آخر يقترع به لصالح قائمة حزبية على مستوى الوطن ، على أن يخصص نسبة لا تقل عن 20% من مقاعد المجلس النيابي ، والتي يتعين أن تضاف الى المقاعد الحالية للتنافس عليها وفق القائمة النسبية .

ان المدخل الصحيح لانجاز مرحلة التحول الديمقراطي ، من خلال قانون انتخاب ديمقراطي يعتمد مبدأ التمثيل النسبي الكامل ، باعتماد الوطن دائرة انتخابية واحدة لفسح الطريق أمام القوى السياسية وتحالفاتها ، على أسس برامجية ، تمثل مصالح الوطن ، للوصول الى البرلمان والمشاركة في صناعة القرار ، وتكريس مبدأ تداول السلطة .

خاتمة :

الاصلاح السياسي ضرورة وطنية ، وحاجة لتطور المجتمع ورقيه ، فهو مهمة الجميع داخل السلطة وخارجها ، لأنه يعني الوطن والمواطنين ، ولا يقتصر على مطالب المعارضة ، لأن منافعه تعم على الجميع ، ومن أجل مستقبل الوطن وحياة أبنائه ، ومن يجتهد في هذا السبيل أو ذاك ، أفضل بكثير من الذي يحمل عصا مواجهة التغيير ، من باب الشك والريبة في الآخرين ، فالجميع في مركب واحد ، ولا نجاة لأحد ان أصاب هذا المركب أي خلل في مسيرته ، ومن يدعي أنه حريص على المصلحة أكثر من الآخرين ، فهو واهم أو ضيق الأفق .

ان الذين يتمترسون وراء شد عجلة التطور الى الوراء ، أو في أقل تقدير مكانك سر ، هم بلا شك من لا يفهمون طبيعة التغير والحراك الاجتماعي ، ولا يستوعبون التطورات الاقليمية والدولية ، التي تلقي بآثارها على كواهلنا ، ونحن علينا أن لا نكل من محاولاتنا في التنبيه لأهمية أن نواكب العصر ، والعصر هو عصر الجماهير، التي لابد وأن تأخذ دورها في صناعة الحياة ، التي هي حياتنا جميعا ، واليوم أصبحت الديمقراطية مطلبا جماهيريا ، كما هي ضرورة ، لكي نواكب ما يجري في العالم ، بقلوب مفتوحة وعقول نيّرة وارادة حرة .

الاصلاح السياسي يحتاج في سطره الأول الى انجاز عملية التحول الديمقراطي ، هذه العملية التي تعني مجموعة من المفردات والعناوين شملت ما يلي : ـ

ـ التحول الديمقراطي ،
ـ الفساد والاستبداد ،
ـ المال السياسي ،
ـ تغييب الاحزاب وتقزيم العمل السياسي ،
ـ الانتخابات وقانون الصوت الواحد .

اننا نأمل من خلال ما طرحناه بايجاز في هذه العناوين ، أن نكون قد فتحنا الباب أمام القوى السياسية والفكرية والنقابية ، لاثراء النقاش حول هذه العناوين وغيرها ان أمكن ، من أجل حاضرنا ومستقبل أبنائنا .
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف