فــي الــذكرى الأولى للحــرب الإسرائيــليـــة على غزة
غـــزة إلــى أيـــن
إعــداد / أكــرم أبــو عمــرو
مقدمة
كثيرة هي الكتابات حول قطاع غزة وما جرى ويجري فيه ، لكن استطيع القول أن القليل من تناول القطاع بشمولية الحاضرة وبنظرة فاحصة ، فغزة ذلك الجزء الصغير جدا في المساحة الجغرافية بالنسبة لباقي أقاليم ودول بل ومدن العالم ، احتلت مكانا بارزا على مسرح الأحداث العالمية بل في كثير من الأحيان احتلت مكان الصدارة في هذه الأحداث ولم يختطف هذه المكانة منها سوى بعض الأحداث العالمية الكبرى، مثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001 ، والحرب الأمريكية في أفغانستان 2001 ، والحرب الأمريكية على العراق عام 2003 ، وبعض الأحداث الأخرى ، ولكن سرعان ما تعود لمكانتها، واعتقد أن لا أحد في هذا العالم لا يعرف غزة، ليس بفضل الجغرافيا وخرائطها، ولكن بفضل أعمدة الدخان ولهيب النيران المتصاعدة من غزة ، من لون الدماء وصور الأشلاء ، من صرخات الأطفال والنساء ، من آهات الثكالى وأنات اليتامى، من صور الدمار والخراب التي تقشعر لها الأبدان ، من حالة غزة الصامدة الصابرة التي تشهد الموت بالجملة بسبب الحصار، اقتصاد متهالك أو يمكن القول لا اقتصاد اللهم من اقتصاد الأنفاق الغريب والفريد من نوعه في العالم ، حصار بحري ومياه مسروقة وكهرباء كثبره الغياب ، ومع ذلك وغزة لم تهدأ... فمنذ العام 1948 أي منذ النكبة ... النكبة التي كان من نتائجها أن جعلت نحو 66.5% من سكان قطاع غزة لاجئين، كانت دائما مهد الثورة والمقاومة، مهد الصمود والتصدي، مهد الرفض لكل محاولات التدويل والتوطين، منها انطلقت أول ثورة من نوعها عرفها التاريخ... ثورة الحجارة والانتفاضة، غزة التي تجيش لها الجيوش وتشن عليها حرب، صحيح أنها ليست الأولى في تاريخها ولكنها بالتأكيد هي الأشرس والأقوى ، حرب استهدفت كل شيء على هذه الأرض، غافل من يعتقد أنها استهدفت فصائل المقاومة حماس كانت أم الجهاد أو فتح وغيرها ، فعندما تهتز الأرض بمن عليها من شدة قوة انفجارات احد قنابل طائرات أل F16 الكثيرة ، وعندما لا تدري أين ومتي تسقط القنبلة الثانية والثالثة والألف ، وعندما تشاهد الأطفال والنساء والشيوخ العزل يصرعون تحت الأنقاض وبقنابل الفسفور الأبيض عندها تدرك أن الكل مستهدف ... الشعب الفلسطيني مستهدف من هذه الحرب، سواء أكان في غزة أم خارجها لان غزة جزء من الحالة الفلسطينية وما يجري في غزة ليس بمعزل عن قضية الشعب الفلسطيني ولا يمكن للصراع أن يمضي بدون غزة ، وهنا يتبادر إلى الذهن بعض الاسئلة وهي:
لماذا غزة ؟
وما النتائج الحقيقية لهذه الحرب ؟
وهل حققت إسرائيل أهدافها المعلنة والغير المعلنة من وراء هذه الحرب؟
ثم ماذا بعد ؟ وغزة إلي أين؟
هذا ما سنحاول الإجابة علية لعلي أدلي بدلوي بعد مرور عام كامل على هذه الحرب الظالمة التي ما زال شعبنا يعاني من أثارها واعتقد بأننا لم نستفد من درسها حتى الآن ، ولعلنا نتوقف جميعا شعبا وقيادات لاستخلاص العبر والدروس .
وللإجابة على هذه الأسئلة فلا بد من الإشارة إلى :
• غزة بين التاريخ والجغرافيا
• الظروف الاقتصادية والاجتماعية لقطاع غزة
• اثر الممارسات الإسرائيلية من حصار وإغلاق واعتداءات على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة
• الحرب الإسرائيلية الأخيرة
• الظروف السياسية في قطاع غزة
غزة بـــــين التـــاريخ والجغـــرافيا
غزة من عمق التاريخ إلى صدارة الأحداث العالمية
منذ مدة تتراوح بين 5500 و 6000 عام كانت النشأة الأولي لمدينة غزة على يد القبائل الكنعانية القديمة ، تاريخ موغل في القدم يجعلها واحدة من المدن القليلة الأقدم في هذا العالم ، جاء موقعها في الجزء الجنوبي من الساحل الشرقي للبحر المتوسط عند التقاء إقليمين جغرافيين متباينين، إقليم البحر المتوسط بمناخه المعتدل وأراضيه الخصبة ومياهه العذبة، والإقليم الصحراوي الجاف، برماله المتحركة ، موقعا جعل من سمات المدينة التغير الدائم ، فهي نقطة الاستراحة والترحال عندما كانت تمر منها أبرز الطرق التجارية القديمة التي تتجمع فيها التجارة القادمة من الهند، وحضرموت واليمن ومكة، لتنتقل فيما بعد إلى بلاد الشام الى الشمال، ووادي النيل الى الجنوب، كما كانت نقطة الصدام والاحتكاك بين الحضارات ومسرحا للمعارك، ذو علاقة مع المصريين القدماء ، حيث عبرها الكثير من ملوك مصر "الفراعنة"، إما لفتحها أو للانطلاق منها لفتح الشام، وكانت المقر الرئيسي للجيش المصري في عهد الأسرة الثامنة عشر والتاسعة عشر ، واتخذها تحتمس قاعدة لهجومه، ثم خضعت غزة لسيطرة الهكسوس بعد أن صمدت أمامهم فترة طويلة، عندما كانت تأخذ موقعاً عند تل العجول، حيث كان البحر قريباً من المدينة، والسفن ترسوا على شواطئها، وقد عثر على كثير من الآثار التي تدل على هذه الحقبة من تاريخ غزة، تضمن حلي ذهبية وكنوز ثمينة.
ثم خضعت مدينة غزة للفلسطينيين، وهم شعب جاء من احد جزر البحر المتوسط، وأسسوا خمس ممالك، وكانت غزة إحداها، وقد أطلق اسم فلسطين على أرض كنعان نسبة إلى هذه القبائل، ثم تعرضت مدينة غزة لحكم الأشوريين، في عهد ملكهم تبغلات بلازر الأول، حبث دارت معارك متعددة بين المصريين والأشوريين، فتحالف أهلها مع المصريين، ثم جاء الملك سرجت، وتمكن من إخضاعها، وأسر ملكها حانون عام 720 ق م، وبقيت غزة خاضعة للأشوريين حتى عام 609 ق م، ليعيدها الملك نيخو الثاني المصري إلى حظيرة المملكة المصرية بقوة السلاح. وتوالت الأقوام على غزة حيث خضعت للحكم البابلي ، بهد مهاجمة ملكهم سرجون ، ثم ابنه كارام سين، إلا أن حكمهم لم يدم طويلاً لتمكن المصريين من استرداد المدينة ، وخضعت غزة مرة ثانية للبابليين.
في عام 535 ق.م خضعت غزة لحكم الفرس في عهد ملكهم قنبيز، واتخذوها موقعاً حربياً ومنطلقا لتحركاتهم نحو مصر، ومنحت غزة إدارة مستقلة ضمن التشكيلات الإدارية التي أحدثها الفرس على فلسطين، ثم خضعت غزة للحكم اليوناني في عهد الإسكندر الأكبر المقدوني عام 332 ق م. بعد أن حاصرها مدة طويلة، لأنها استعصت عليه، وأصبحت مدينة عظيمة، وشجع عدد من اليونانيين للإقامة فيها والاختلاط بأهلها، وانتشرت اللغة اليونانية في البلاد، وأصبحت لغة البلاد الرسمية، ولغة العلم والمدارس، ثم خضعت المدينة لحكم الرومان عام 96ق م، وكانت غزة تدار رأساً من إمبراطور الرومان عن طريق مندوب سامي، واستمر الحكم الروماني حتى عام 634م وتشير كتب التاريخ إلى صلابة شعب غزة وتمسكه الدائم بما ورثه، وحفاظه على قوميته وكرهه للغزاة، وكانت غزة في العهد القديم من معاقل الوثنية، وفي عام 634 م فتحت مدينة غزة من قبل العرب المسلمين على يد القائد أبي أمامة الباهلي بعد معركة الدمثية – داثن، وفي عام 1100م تم احتلال مدينة غزة من قبل الصليبيين بقيادة جودفري، وقد حاول الصليبيون طمس الأهمية التجارية لغزة بعد إن جعلوا من عسقلان المركز الرئيسي للنصرانية في فلسطين، واستمر ذلك حتى عام 1149 عندما أمر الملك الصليبي بلدوين الثالث بإعادة تحصين غزة، فهدم أسوارها القديمة وبني فيها سوراً جديداً عادت غزة للحكم الإسلامي عام 1187م بعد انتصار المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين في موقعه حطين، ثم عادت غزة ثانية إلى حكم الصليبيين، إلا أن القائد بيبرس تمكن من هزيمة الصليبيين في معركة غزة الثانية، والتي كانت لها أكبر الأثر في طرد الصليبيين من فلسطين، حتى أن بعض المؤرخين أطلقوا عليها حطين الثانية، ثم تعرضت غزة للغزو المغولي المدمر إلا أن المسلمين تمكنوا من هزيمتهم على يد القائد ركن الدين بيبرس عام 1260م في موقعة عين جالوت، وتم طرد المغول نهائياً من فلسطين.
وهكذا فإن غزة كانت في عهد المماليك محطة للسلاطين يمرون منها في كل غزوة ضد الصليبيين، أو المغول، فأصبحت من أهم مراكز البريد، وقد زارها سلاطين المماليك والكثير من الرحالة، ثم خضعت غزة للحكم العثماني بعد انتصار العثمانيين على المماليك، في موقعه مرج دابق عام 1516م، ولعبت دوراً هاما إبان الحكم العثماني وكانت في أغلب الأوقات سنجقاً أو لواء في ولاية الشام، وفي عام 1799م احتلها نابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية على مصر وبلاد الشام، كما دخلت تحت الحكم المصري عام 1831 بعد أن أرسل محمد على إلى مصر حملة إلى بلاد الشام بقيادة ابنه إبراهيم باشا وانسحب عام 1841م.
وفي عام 1917م دخلت غزة تحت الحكم البريطاني، واستمرت كذلك حتى عام 1948 حيث خضعت للإدارة المصرية، وفي عام 1956 وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي نتيجة العدوان الثلاثي على مصر وعادت عام 1957 الى الإدارة المصرية وفي عام 1967 وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي في أعقاب حرب الخامس من حزيران 1967، وفي عام 1994 أعادت إسرائيل انتشار جنودها في قطاع غزة لتتولى إدارة القطاع السلطة الوطنية الفلسطينية إثر اتفاقات أوسلو.
طوال هذا التاريخ الطويل كانت غزة جزءاً من الوطن الفلسطيني، شاركت في جميع الثورات ضد البريطانيين واليهود أعوام 1929، 1936، 1948، ثم تعرضت لعدوان 1956 و 1967 وأخيرا تعرضت إلى حرب هي الأشرس في تاريخ غزة الطويل شنتها إسرائيل في السابع العشرين من كانون الأول علم 2008 واستمرت لمدة اثنين وعشرون يوما لتنتهي يوم 18/1/2009 مخلفة وراءها آلاف الشهداء والجرحى ودمارا واسعا لحق بمنازل المواطنين والمنشآت الاقتصادية والحكومية ودمارا واسعا أصاب الأراضي الزراعية والبنية التحتية والتي ما زال يعاني منها سكان القطاع .
بعد النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني عام1948 وحتى الآن كانت غزة هي البداية بداية الثورة على الطغيان والظلم ، ثورة على الاحتلال ففي خمسينات القرن الماضي انطلقت منها الطلائع الأولى للثورة ومنها كتائب الفدائيين بقيادة القائد المصري الشهيد مصطفى حافظ معلنة للكيان الصهيوني أن شعب فلسطين ما زال حيا وان العودة إلى فلسطين هي هدفه الاسمي، ومن غزة انطلقت ثورة الشباب الفلسطيني الرافض لدعاوى التدويل وتمييع القضبة، ومن غزة كانت المحطة الأولى لمنظمة التحرير الفلسطيني وجيش التحرير الفلسطيني ، ومن غزة كانت الشرارة الأولى للثورة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي في أعقاب حرب عام 1967، ومن غزة كانت أول هبة جماهيرية ضد الاحتلال دخلت القاموس السياسي باسم الانتفاضة في كانون الأول عام 1987 ، انتفاضة أذهلت العالم بتنظيمها وقوتها ، واستمرت الانتفاضة لمواجهة العدو الغاصب ، ولم تتوان قوات الاحتلال الإسرائيلي عن ممارسة أبشع الجرائم بحق أبناء شعبنا فأطلقت نيران أسلحتها المختلفة على جموع الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، الذين كانوا يخرجون بصدورهم العارية وأيديهم المزودة بحجارة هذه الأرض ليصرخوا في وجه المحتل أن لا بقاء لك في أرضنا، آلاف الشهداء الذين سقطوا وآلاف الجرحى ومئات المنازل التي هدمت كانت حصيلة الانتفاضة وهي الأولى من نوعها بعد ثورة 1936
في سبتمبر عام 1993 تم توقيع اتفاقية إعلان المبادئ في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية بعد جهود مضنية بدأت منذ العام 1988 مرورا بمؤتمر مدريد للسلام ، كانت اتفاقية باعثة للأمل للفلسطينيين على الرغم من إجحافها وكان عنوانها غزة أريحا أولا هكذا غزة كانت أولا دائما وذلك قبل إن تمتد إلى باقي الأراضي الفلسطينية بعد توقيع الاتفاقية المرحلية في 28/9/1995 التي تقضي بإعادة انتشار قوات الاحتلال في الضفة الغربية وانطلق الفلسطينيون من غزة بوضع الأساسات الأولى للدولة الفلسطينية وهذه المرة على ارض فلسطينية حيث أنشئت أول سلطة وطنية بزعامة الرئيس الخالد الشهيد ياسر عرفات وبدا الرئيس عرفات بإنشاء المؤسسات كالوزارات والهيئات المختلفة لإدارة شئون المواطنين ، وبدأت البلاد ورشة عمل كبيرة من أعمال البناء بناء ما خربة الاحتلال شمل العديد من المرافق الصحية والتعليمية والاجتماعية والأمنية ، فتم إصلاح العديد من الطرق وشق طرق جديدة وازداد عدد المدارس ومراكز الرعاية الصحية بل وأقيم أول مطار فلسطيني يربط قطاع غزة بباقي أنحاء العالم ، وانتعشت القطاع الصناعي والزراعي والتجاري في مؤشرات لاتجاه الاقتصاد الفلسطيني إلى النمو سواء في الناتج المحلي أو في ارتفاع معدل دخل الفرد ، واستمر هذا الوضع حتى عام 2000 تخلل هذه الفترة الكثير من الممارسات الإسرائيلية كفرض الأطواق الأمنية على قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية في أعقاب كل عملية استشهادية ، وتصدى المواطنين الفلسطينيين للجنود الإسرائيليين في هبة النفق في أيلول 1996، ولكن ابرز الممارسات الإسرائيلية هي المماطلة والتسويف في تنفيذ الاتفاقيات التي أبرمتها مع منظمة التحرير الفلسطينية ، في عام 2000 اندلعت الانتفاضة الثانية بعد محاولة ارئيل شارون رئيس الحكومة الإسرائيلية فيما بعد تدنيس الأقصى بمساعدة رئيس الحكومة الإسرائيلي آنذاك أيهود باراك وسرعان ما امتدت شرارتها إلى قطاع غزة ، وبدأت المواجهات الدامية بين الشعب الأعزل والجنود المدججين بأحدث أنواع الأسلحة وأشدها فتكا وخطورة، حيث استخدمت إسرائيل الذخائر المستخدم فيها اليورانيوم المنضب، والذخائر المحرمة دولياً، مثل القنابل المسمارية وغيرها ، وكان نتيجة هذه الممارسات سقوط آلاف الشهداء وآلاف الجرحى وتدمير آلاف المباني الحكومية على رأسها المقار الأمنية الفلسطينية وكذلك منازل المواطنين ، وتجريف مساحات واسعة من ألأراضي الزراعية واقتلاع عشرات مئات آلالاف من الأشجار، كما شهدت قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بأعمال الاغتيالات بحق رموز وقيادات الشعب الفلسطيني ، ومنهم أبو على مصطفى ، والشيخ احمد ياسين ، والرئيس أبو عمار بعد محاصرته في المقاطعة برام الله في 11/11/2004. منذ هذا التاريخ والأراضي الفلسطينية تشهد حراك سياسي هو الأخطر في التاريخ الفلسطيني فبعد تولي الرئيس محمود عباس مقاليد السلطة بعد انتخابات رئاسية نزيهة شهد بها العالم اجمع وذلك يوم 9/1/2005 ، مضى الرئيس عباس في مسيرته وفق برنامجة الانتخابي المعلن والذي تضمن الجانب السياسي فيه المضي قدما في المفاوضات السلمية مع الجانب الإسرائيلي ورفضه الدائم لما يسمى بعسكرة الانتفاضة ، شهدت السنة الأولى من ولاية الرئيس عباس اخلاءاً إسرائيليا آحادي الجانب للمستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة وكان ذلك يوم 12/9/2005 ، كما شهدت توقيع اتفاقية المعابر التي تنظم الدخول من والي قطاع غزة عبر معبر رفح البري ، كما شهدت أول انتخابات للمجالس المحلية، هنا بدأت تظهر المؤشرات التي تنذر بحدوث تغيير في النظام السياسي الفلسطيني بعد التقدم التي أظهرته نتائج الانتخابات للتيارات الإسلامية، في السنة الثانية لولاية الرئيس عباس نظمت الانتخابات التشريعية الفلسطينية وكانت النتيجة فوز حركة حماس بمعظم مقاعد المجلس التشريعي وهنا لابد من التوقف قليلا للإجابة على هذين السؤالين اللذين خطرا ببال الجميع ، الأول : لماذا كان هذا التقدم الكبير للتيارات الإسلامية وعلى رأسها حركة حماس في الشارع الفلسطيني ؟ والثاني : لماذا قبلت حماس الانخراط في هذه العملية السياسية التي هي وليدة اتفاقات أوسلو الرافضة لها حركة حماس ؟ بالنسبة للسؤال الأول فإن التقدم الكبير لحماس إنما يرجع إلى خمسة أسباب رئيسية وهي:
• النزعة الدينية الفطرية للشعب الفلسطيني والتي استخدمتها حركة حماس بشكل جيد عبر مئات المساجد المنتشرة في قطاع غزة، حيث تشير الإحصاءات إلى تزايد عدد المساجد بنسبة كبيرة خلال السنوات الأخيرة ففي سنة 1998 كان عدد المساجد في قطاع غزة 408 مسجد ارتفع عددها لتصيح 795 مسجدا عام 2007 أي بنسبة زيادة قدرها95%.
• انخراط حركة فتح في السلطة مبتعدة عن كل أشكال التأطير والتنظيم والاتصال بالقاعدة الأوسع من الجماهير خصوصا في ظل عدم انعقاد الموتمر العام الدوري لحركة فتح لمدة وصلت إلى 18 عاما ، الامر الذي جعلها غير قادرة على ضخ دماء جديدة في الحركة.
• بعض التجاوزات التي مارسها بعض أفراد الأجهزة الأمنية ، تجاه المواطنين تم استغلالها بشكل جيد من قبل حركة حماس وباقي فصائل المعارضة في مختلف وسائل الإعلام في جميع المناسبات.
• الأضرار الكبيرة التي لحقت بالأجهزة الأمنية جراء الاعتداءات الإسرائيلية خلال انتفاضة الأقصى ، حيث سقط المئات شهداء من قوات الأمن الوطني وجهاز الشرطة ، وتم تدمير المباني والمقار التابعة للأجهزة الأمنية مما افقد هذه الأجهزة فسطا كبيرا من إمكاناتها وقدراتها التي أثرت بشكل مباشر على أداؤها .
• ضعف الأداء الإعلامي الرسمي للسلطة الوطنية الفلسطينية من جهة وضعف الأداء الإعلامي لحركة فتح والفصائل المناصرة لها في إيصال طبيعة وأهداف ورسالة السلطة الوطنية الفلسطينية من جهة أخرى ، هذا الأداء الذي بالغ كثيرا في إظهار السلطة وكأنها دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وهي غير ذلك حيث أنها لا تعدو كونها مجرد حكما ذاتيا محدودا تمثل مرحلة انتقالية مدتها 5 سنوات يتخللها مفاوضات الحل النهائي وتنتهي بإقامة الدولة الفلسطينية بغض النظر عن المماطلات والتسويفات الإسرائيلية وتنصلها من تنفيذ الاتفاقيات المبرمة مع منظمة التحرير الفلسطينية أثناء هذه المرحلة وبعدها .
هذه العوامل ساهمت في انتشار نوع من الفوضى التي بدأت بأشكال الفساد المالي والإداري ، وفوضى السلاح واستخدامه بشكل مفرط في الأفراح والنزاعات العائلية وغيرها مما احدث نوعا من الانفلات الأمني الخطير راح ضحيته العديد من أبناء هذا الشعب ناهيك عن عمليات الاختطاف التي نالت العديد من الأجانب الذين قدموا إلى هذه البلاد كصحفيين أو خبراء ، بل طالت الاختطافات قادة الأجهزة الأمنية والمسئولين ، ونتيجة لهذه الظروف تشكلت رغبة قوية لدي الشعب الفلسطيني في التغيير أملا في حياة أفضل ، وكان فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير 2006 ، وتم تشكيل حكومة فلسطينية من الأغلبية البرلمانية وهي الحكومة العاشرة وجميع أعضائها تابعين لحركة حماس أو مناصرين لها وانتقل الحكم بسلاسة ويسر لتبدأ حركة حماس في مشوارها بإدارة الشئون الفلسطينية .
أما فيما يتعلق بالسؤال الثاني حول قبول حماس الانخراط في العملية السياسية التي هي من نتاج اتفاقيات أوسلو، اعتقد بان هذا القبول لا يعني تغيرا في موقف أو مواقف حركة حماس من اتفاقيات أوسلو ، فحركة حماس كما هو معروف هي جزء من حركة الإخوان المسلمين العالمية لها برنامجها الذي يعكس تطلعاتها ، ومن المعروف أن حركة الإخوان المسلمين لم تتمكن ومنذ نشأتها من تحقيق تطلعاتها السياسية بإقامة الدولة الإسلامية سواء في البلاد الإسلامية أو البلاد العربية، بسب العديد من الأسباب أهمها محاربة أنظمة الحكم المختلفة في البلاد العربية والإسلامية للتنظيمات والأحزاب ذات التوجهات الإسلامية ، بالاضاقة إلى ما شهدته الساحة الإسلامية بالتحديد من ما يسمى بالحرب ضد الإرهاب والتي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين مثل الحرب في أفغانستان والعراق "حاليا امتدت تداعيات تلك الحروب لتصل إلى باكستان واليمن ، ومن المرجح امتدادها إلى مناطق أخرى في العالم الإسلامي والعربي " من هنا كانت الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بالظروف السياسية المحيطة بها فرصة سانحة لحركة الإخوان لتحقيق حلمها بتثبيت أقدامها على أي مساحة جغرافية مهما كان حجمها لتشكل نواة لدولة إسلامية كبيرة تضم العالم الإسلامي أو معظمه .
ربما اعتقدت حركة حماس بفوزها في الانتخابات التشريعية وما لمسته من شهادات دولية بنزاهة الانتخابات وصحة نتائجها أن الطريق أصبح معبداً وسهلاً أمامها سرعان ما اكتشفت أنها غير مرغوب فيها، فقد أعلنت كل من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي عدم اعترافها بالحكومة الفلسطينية، وبالتالي عدم التعاون معها، وكان للموقف الأمريكي تجاه هذه الحكومة اثر كبير على معظم الدول العربية، والإسلامية التي أبدت ترحيبا بها سرعان ما تراجعت أمام الضغوط الأمريكية والأوروبية، بل استجابت للتهديدات الأمريكية بالمشاركة في حصارها ، من جهتها سارعت إسرائيل بتشديد الحصار على قطاع غزة، وأوقفت التعامل بالكود الجمركي المعمول به في 21/6/2007 الأمر الذي توقف معه كل أشكال النشاط التجاري من والى إسرائيل أو عبر الموانئ الإسرائيلية، وبالتالي أصبحت هذه الحكومة محاصرة دوليا فتوقفت المساعدات المالية الدولية ، وفرضت الرقابة على المعابر والمنافذ البرية لتقليص عبور البضائع التجارية والمستلزمات الحياتية للشعب الفلسطيني ، وسرعان ما اصيحت الحكومة الفلسطينية عاجزة عن تسديد التزاماتها تجاه الشعب مثل تسديد رواتب الموظفين ، والمصاريف الجارية للإدارات والمؤسسات الرسمية، وتوقفت عجلة التنمية ، بل توقف العمل في كثير من المشاريع القائمة ،وبدأ الشلل يدب في القطاعات الاقتصادية صاحبه ركودا تجاريا خطيرا الأمر انعكس بشكل كبير على المواطنين حيث ارتفعت نسبة البطالة من 30.3% في نهاية عام 2005 إلى 40.6% نهاية عام 2008 وبالإضافة إلى ما واجهه الشعب الفلسطيني خصوصا في قطاع غزة من معاناة اقتصادية أصبح يعانى كثيرا من المناكفات والسجالات السياسية حول تنازع الصلاحيات بين مؤسسة الرئاسة والحكومة ، وبين حركتي حماس وفتح كثيرا ما استخدم السلاح في هذه السجالات راح ضحيتها العديد من أبناء هذا الوطن، وتواصلت المناكفات السياسية تخللها العديد من جلسات الحوار بين الجانبين انتهت بتشكيل حكومة وحدة وطنية بعد اتفاق مكة شباط 2007 ، إلا أن هذه الحكومة لم يمض عليها أكثر من ثلاثة أشهر لتمنى بالفشل نتيجة اشتداد وتيرة المناكفات، وتزايد عمليات استخدام السلاح " الفلتان الأمني" سقط جراءه المئات من أبناء شعبنا انتهى بالانقلاب أو "الحسم العسكري" كما أطلقت عليه حركة حماس في 14/6/2007 راح ضحيته 172 شهيدا سقطوا خلال الفترة من من7/6/2007 – 27/6/2007 ومئات الجرحى الذين أصيب معظمهم بإعاقات دائمة، وكان نتيجة هذا الانقلاب أو الحسم أن دب الانقسام بين شطري الوطن الفلسطيني وما زال قطاع غزة خاصة والساحة الفلسطينية عامة تعاني من تداعيات هذا الانقسام الذي عطل عمل المجلس التشريعي كما عطل عمل أجهزة السلطة في قطاع غزة خاصة بعد الحرب الشرسة التي شنتها إسرائيل ضد قطاع غزة في أواخر كانون الأول 2008 ، وسوف نعود إلى تداعيات الانقسام الفلسطيني عند تناول الظروف السياسية لقطاع غزة .
الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في قطاع غزة
سكان قطاع غزة
أشارت نتائج الإحصاءات التي فام بها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2007 الى أن عدد سكان القطاع بلغ 1416543 نسمة وان معدل نمو السكان بلغ 3.3% وقد بلغ عدد اللاجئين 942287 نسمة بنسبة 66.5% من سكان القطاع، وبالنسبة لتوزيع السكان حسب الجنس فتشير الإحصاءات بأن 50.7% ذكور و 49.3% إناث وقد بلغت نسبة الأطفال دون سن أل 14 عاما 48.3% ، و بلغت نسبة السكان التي تتراوح اعمارهم بين 14-64 سنة 49% ، أما نسبة عدد السكان فوق أل 65 سنة فقد بلغت 2.7% هذا يعني أن المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة هو مجتمعا فتيا حيث تقترب نسبة عدد الأطفال فيه من أل 50% من إجمالي عدد السكان ما يشير إلى ارتفاع نسبة الإعالة في المجتمع الفلسطيني ، وينتظم سكان القطاع في 219220 أسرة بمتوسط حجم للأسرة بلغ 6.5 فرد/أسرة .
يعمل معظم السكان في قطاع الخدمات إذ ضم هذا القطاع 50.9% من إجمالي عدد القوى العاملة ، يليه قطاع التجارة والمطاعم 18% و الزراعة 13.1% والنقل والتخزين 6.9% و الصناعة 6.6% ثم قطاع البناء والتشييد 4.4% وتتغير هذه النسب بتغير الظروف الاقتصادية والسياسية المحيطة بقطاع غزة حيث ارتفعت نسبة العاملين في القطاع الصناعي مقابل تراجع نسبة العاملين في القطاع الزراعي نظرا لهجرة الكثير من أفراد القوة العاملة في القطاع الزراعي لهذه الحرفة والتوجه لحرف أخرى مثل الصناعة والخدمات وذلك لارتفاع معدلات الدخل في هذه القطاعات ولكن بعد اندلاع انتفاضة الأقصى في 28/9/2000 وتعرض العديد من المنشآت الصناعية إلى التدمير من جهة والي الإغلاق من جهة أخرى بسبب الممارسات الإسرائيلية انتقل عدد كبير من العاملين في القطاع الصناعي إلى حرف أخرى.
لقد ألقت الظروف السياسية المحيطة بقطاع غزة بظلالها على الأوضاع الاجتماعية بشكل عام، ولا يوجد هنا مجال للإشارة إليها بنوع من التفصيل ويكفي القول بان سنوات الاحتلال الطويلة التي مر عليها أكثر من أربعين عاما وحدوث انتفاضتين الأخيرة منهما وهي انتفاضة الأقصى المستمرة تداعياتها، عاش فيها المواطن الفلسطيني في وضع أشبة أو قريبا من حالة الحرب أثرت كثيرا في طبيعة وحالة المجتمع الفلسطيني، وما زال يعاني من تداعياتها فانخفاض مستويات الدخل وانعدامها في كثير من الأحيان لقطاعات كبيرة من المواطنين بالإضافة إلى الأزمات والضغوطات النفسية وانتشار ظاهرة البطالة وتزايد عمليات العنف خاصة لدى الأطفال والنساء، إن كل هذه الظروف ستؤدي إلى عدم توفر الأمن والاستقرار ربما يؤدي إلى حدوث تغبر في أنماط الحياة الاجتماعية والتعليمية والصحية.
أما على صعيد الخدمات الاجتماعية فقد عملت السلطة الوطنية في سياق مجهوداتها لترسيخ دعائم الدولة الفلسطينية على النهوض بالمجتمع الفلسطيني فاهتمت بقطاع التعليم حيث تم التوسع في بناء المدارس لمواكبة النمو السكاني فارتفع عدد المدارس في مراحل التعليم المختلفة من 338 مدرسة في العام الدراسي 1994/1995 الى 626 مدرسة بما فيها مدارس وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين ، في العام الدراسي 2007/2008 أي بنسبة زيادة قدرها 85%،وتضم المدارس 443740 طالبا، وذلك في العام الدراسي 2007/2008 ، وتم التوسع في التعليم العالي وأصبح في قطاع غزة عددا من الجامعات تضم العديد من التخصصات العلمية والعملية وتقدم خدماتها لعشرات الآلاف من أبناء القطاع الذين كانوا يضطرون للسفر إلى خارج القطاع لتلقي تعليمهم العالي، كما اهتمت بالقطاع الصحي فارتفع عدد المستشفيات من 4 مستشفيات في العام 1995 إلى 24 مستشفى في العام 2007 تضم 2128 سريرا ، و3405 طبيبا ، و4594 ممرضا ، وتوسعت خدمات الرعاية الاجتماعية والتدريب المهني .
اقتصاديا بدا النشاط يدب في مختلف القطاعات الاقتصادية لكي تسهم في زيادة قيمة الناتج المحلي والدخل القومي ففي قطاع الزراعة بلغت المساحة الزراعية 181282 دونم أي نحو 50% من مساحة القطاع ، إلا أن محاولات السلطة الوطنية في دفع عجلة التنمية إلى الأمام اصطدمت بالإجراءات الإسرائيلية العدوانية، من حصار وإغلاق وتدمير من جهة وإيقاف إسرائيل العمل بالكود الجمركي اعتبار من يوم 21/6/2007 حيث منع بموجب هذا القرار الجائر الفلسطينيين من استيراد أو تصدير أي سلعة من إسرائيل أو من خارج إسرائيل عبر الموانئ الإسرائيلية ومما يذكر بان الإحصاءات الاقتصادية لعام 2004 تشير إلى أن 73% من واردات قطاع غزة كانت تأتي من إسرائيل و 90% من صادرات القطاع تتجه إلى إسرائيل هذا يعني أن اقتصاد قطاع غزة ما زال مرهونا بالإجراءات الإسرائيلية نظرا لارتباطه الشديد بإسرائيل التي جعلت الطريق معبدا لانهيار الاقتصاد الفلسطيني الأمر الذي زادت معه معدلات الفقر والبطالة وبات الأغلبية العظمى من المواطنين ينتظر ما تقدمه المؤسسات الدولية من مساعدات محدودة، ومن الممارسات الإسرائيلية تعرض مساحات واسعة من الأراضي الزراعية لأعمال التجريف وقطع الأشجار من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي الأمر الذي ترك أثاره السلبية على الاقتصاد الفلسطيني خاصة الزراعي منه وكذلك القطاع الصناعي بلغ عدد المنشآت الصناعية 3900 منشأة عام 2005 ويعمل بها 35000 عامل انخفضت إلى 780 منشأة يعمل بها 4200 عامل عام 2007 أي بنسبة انخفاض 88% بسب الاعتداءات الإسرائيلية وسياسة الحصار والإغلاق المفروضة على القطاع ،
إن الممارسات والإجراءات الإسرائيلية أثرت بشكل كبير وخطير على السكان الفلسطينيين في قطاع غزة حيث عملت على ازدياد معدلات الفقر بشكل غير مسبوق فقد قدر مكتب الأمم المتحدة للشئون الإنسانية إلى أن 79% من الأسر الفلسطينية في قطاع غزة تعيش تحت خط الفقر ، في حين قدر معهد دراسات التنمية بان 87% من الأسر تعيش تحت خط الفقر .
الانتفاضة الفلسطينية آثار وتداعيات
في الثامن والعشرين من شهر أيلول عام 2000، أطلق أرئيل شارون، وبمباركة من أيهود باراك، رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك، رصاصة طائشة ما زالت تدوي وتصم الآذان في مختلف أصقاع الأرض، رصاصة تنم عن الحقد الدفين من شخص حاقد على كل شيء، شخص ألف الإرهاب في زمن انقلبت فيه المعايير، رصاصة أشعلت نيرانا كانت خامدة تحت الرماد، عندما حاول دخول المسجد الأقصى المبارك، رغم تحذيرات القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس ياسر عرفات في ذلك الوقت ، وتحذيرات العديد من دول العالم، والنداءات المتكررة التي تطالبه بعدم الإقدام على مثل هذه الخطوة، لأن بها مساسا خطيرا بمشاعر العرب والمسلمين.
لقد كانت القيادة الفلسطينية ومن ورائها القوى المحبة للسلام، تدرك أبعاد خطورة مثل هذه الخطوة، في ظل احتقان متزايد لدى الشعب الفلسطيني، في ذلك الوقت كان قد مر 6 سنوات وبضعة أشهر على قيام أول سلطة وطنية فلسطينية على أرض الوطن، جاءت بعد مخاض عسير، وبعد جهود سياسية مضنية ومفاوضات سرية وعلنية أسفرت في النهاية على توقيع اتفاقية إعلان المبادئ يوم 13/9/1993 في واشنطن وبمباركة من الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا والعديد من الدول.
ست سنوات كان من المفروض أن تشهد حلا لأكثر قضايا العصر تعقيدا، وذلك بعد انتهاء المرحلة الانتقالية التي تضمنتها اتفاقية إعلان المبادئ، ولكن وأمام الصلف والغرور الإسرائيلي، وأمام المماطلة والتسويف لم يتم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بالكامل، وبقي حال الشعب الفلسطيني على ما هو عليه من حصار وإغلاق متواصل، حواجز وتجزئة للأراضي، نشاط وتوسع استيطاني، مصادرة للأراضي، خنق اقتصادي، والنتيجة تدني معدل دخل الفرد، زيادة نسبة البطالة، ومشاكل اجتماعية واقتصادية كبيرة.
لم تنسحب إسرائيل من المناطق التي تم الاتفاق عليها، على الرغم مما شهدته المفاوضات والاتصالات بين الجانبين من مد وجزر، أسفرت عن توقيع بروتوكول إعادة الانتشار في الخليل، ومذكرة واي ريفر.
استمرت المماطلة والتسويف الإسرائيلية على الرغم من تواصل الجهود الدولية وعلى رأسها قمة كامب ديفد عام 2000 برعاية أمريكية، ذهب شارون إلى المسجد الأقصى تحت حراسة نحو 3000 جندي إسرائيلي ليعلن للعالم وبشكل فاضح أن لا سلام إلا السلام الإسرائيلي ولا أمن إلا الأمن الإسرائيلي ولا وجود إلا الوجود الإسرائيلي هذا هو المنهج الذي ينتهجه شارون وزمرته، ناسيا أو متناسيا أن الشعب الفلسطيني هو الرقم الصعب في معادلة الصراع.
المواجهات وأسلحتها
ما أن أعلن عن عزم أرئيل شارون للذهاب إلى المسجد الأقصى، حتى ووجه بأعداد كبيرة من أبناء الشعب الفلسطيني، الذين تجمعوا في باحات المسجد وحوله، ليمنعوه من تدنيس المسجد الأقصى المبارك، وكعادة الفلسطينيين دائما كانوا في مواجهة الآلة الحربية التي رافقت شارون بصدورهم العارية، سلاحهم الوحيد الهتافات ضد سياسة العدوان، وتصميهم على حماية المسجد الأقصى المبارك بأجسادهم يتخلله إلقاء الحجارة والزجاجات الفارغة وكل شئ تصل إليه أيديهم، حتى أنهم استخدموا ألأحذية، فماذا كان رد الجيش الإسرائيلي الذي رافق شارون! إطلاق الرصاص على جموع المواطنين المحتشدين هناك، ما أدى إلى سقوط العديد منهم بين شهيد وجريح.
وما أن انتشر الخبر في سائر الأراضي الفلسطينية، حتى سرت المواجهات في كل محافظات الوطن من رفح جنوبا إلى جنين شمالا حتى أنها شملت الفلسطينيين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 ، في مسيرات غاضبة نتيجة لسقوط العديد من أبناء الوطن في المسجد الأقصى شهداء وجرحى، واتجهت المسيرات نحو الحواجز العسكرية الإسرائيلية المقامة بالقرب من المدن الفلسطينية، فكان رد الجنود الإسرائيليين إطلاق النار بكثافة من مختلف أنواع البنادق والرشاشات الثقيلة ليسقط المزيد من الشهداء والجرحى، و لتتواصل المواجهات التي استمر فيها الفلسطينيون باستخدام الحجارة والزجاجات الحارقة وإشعال الإطارات المطاطية احتجاجاً على هذه الممارسات.
لقد استخدم الجنود الإسرائيليون الذخيرة الحية منذ الساعات الأولى لانتفاضة شعبنا، مما الحق بالشعب الفلسطيني خسائر فادحة في الأرواح، ألهبت غضب الجماهير في الشارع العربي وفي مختلف أنحاء العالم خصوصاً وهم يشاهدون على شاشات التلفاز، الأطفال والنساء والشيوخ يسقطون بنيران الجنود الإسرائيليين.
ولم تمض فترة طويلة حتى قام الإسرائيليون باستخدام جميع أسلحتهم، بل وأشدها فتكا ودماراً، استخدموا الدبابات والطائرات والآلات الحربية، واستخدموا الذخائر المستخدم فيها اليورانيوم المستنفذ في مواجهة شعب أعزل، وكأنها تواجه جيشا مدججا بالسلاح،ولم تكتف إسرائيل بمواجهة الشعب الفلسطيني الأعزل بل عمدت بين الفينة والأخرى إلى شن عمليات اقتحام لعمق المدن والبلدات الفلسطينية مستخدمة آلتها الحربية الكاملة لتعيث في الأرض فسادا من قتل وتدمير للممتلكات وتجريف للأراضي حيث استخدمت الأسلحة التالية:
أولاً: السلاح الجوي
• طائرات F 16 القاذفة المقاتلة.
• طائرات F15 القاذفة المقاتلة.
• طائرات مروحية من طراز أباتشي.
• طائرات مروحية من طراز كوبرا.
• طائرات الاستطلاع بدون طيار، في الثلاث سنوات الأخيرة استخدمتها في قصف واغتيال المواطنين الفلسطينيين .
ثانياً: السلاح البري
• دبابات متطورة من نوع ميركافاه.
• سيارات عسكرية مدرعة ومزودة برشاشات ثقيلة.
• مدافع رشاشة ثقيلة من عيار 500 ملم- 800ملم.
• منصات إطلاق صواريخ أرض - أرض.
• بنادق هجومية متطورة من نوع 16m وجاليل، مجهزة بأجهزة القنص والتصويب.
• بنادق لإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت هذا بالإضافة إلى استخدام الجرافات العسكرية في أعمال التدمير والتجريف.
ثالثاً : السلاح البحري
• زوارق حربية
أما الذخائر التي أطلقت من الأسلحة السابقة فهي على النحو التالي:
• صواريخ وقذائف جو - أرض بما فيها قذائف زنة 2500 باوند.
• صواريخ أرض - أرض متفاوتة المدى ومنها صواريخ لاو وانيرجا
• قذائف المدفعية وقذائف الدبابات شديدة الانفجار.
• القذائف المسمارية
• أعيرة نارية ذات زعانف (فراشة - أجنحة )
• أعيرة نارية متفجرة ومنها (دمدم) المحرم دولياً
• أعيرة نارية من مختلف الأحجام بما فيها أعيرة الرشاشات الثقيلة المتوسطة والخفيفة.
• أعيرة معدنية مغطاة بطبقة مطاطية رفيعة.
• أعيرة مطاطية
• قذائف وقنابل صوتية
• قنابل غاز مسيل للدموع
ومن الجدير ذكره أن هذه الذخائر كانت تطلق على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم بكثافة شديدة ويمكن القول أن جميع هذه القذائف والذخائر أصابت أهدافها إلا ما ندر.
ولإلحاق الجيش الإسرائيلي اكبر الخسائر بالشعب الفلسطيني، فقد استخدمت الذخائر التي استخدم في تصنيعها اليورانيوم المستنفذ حسب تقارير وشهادة العديد من المؤسسات الدولية مثل منظمة International Action Center إذ أشارت وثيقة صادرة عن هذه المنظمة إن القوات الإسرائيلية قامت بتجريب هذه الذخائر على 43 فلسطينياً.
أما الأسلحة التي استخدمها الفلسطينيون في مواجهة الجيش الإسرائيلي فكانت عبارة عن الحجارة و الزجاجات الحارقة والفارغة و الإطارات المطاطية، وفي وقت لاحق استخدمت الأسلحة الفردية الخفيفة بمبادرة شخصية وهي أسلحة خفيفة عبارة عن مسدسات أو بنادق كلاشينكوف.
ولكن مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية وتزايد الخسائر الفلسطينية الفادحة قامت بعض الفصائل الفلسطينية باستخدام الأسلحة التالية:
1.مدافع هاون عيار 70 ملم، و83 ملم ، و120ملم .
2.قذائف قسام.
3.قذائف مضادة للدروع.
4.عبوات ناسفة.
5.قنابل يدوية.
6.بنادق مختلفة.
وبمقارنة السلاح الفلسطيني بالسلاح الإسرائيلي فلا وجه للمقارنة من حيث النوع والحجم والتقنية، ومازال السلاح الفلسطيني خفيفا وقليلا وبدائياً أمام السلاح الإسرائيلي المتطور والحديث الذي يصيب أهدافه بدقة
لقد استخدمت إسرائيل كافة أسلحتها وذخائرها لمواجهة الشعب الفلسطيني الأعزل. على النحو التالي.
• إطلاق النار بكثافة شديدة، وعلى مدار الساعة على المواطنين الفلسطينيين في قراهم ومدنهم، أو على الطرق العامة، أو في مزارعهم ومناطق أعمالهم.
• الاغتيالات ضد من أسمتهم بالمطلوبين الفلسطينيين.
• الاجتياحات والتوغلات المتكررة للمدن والأحياء والقرى.
• المداهمات والاغتيالات والتفتيش.
• التجريف ومصادرة الأراضي.
• القصف بالطائرات والدبابات والزوارق الحربية للمنشآت المدنية والأمنية الفلسطينية.
• ممارسات المستوطنين والجنود المتمركزين على الحواجز العسكرية:
لقد ألحقت هذه الممارسات أفدح الخسائر البشرية والمادية بالشعب الفلسطيني، ففي جميع الأحوال كان الجنود الإسرائيليون يوجهون نيران أسلحتهم مباشرة تجاه المواطنين بغرض إحداث إصابات مباشرة بهم. وكان من نتائج هذه الممارسات، سقوط عشرات الآلاف من الفلسطينيين بين شهيد وجريح ، ولم تقتصر الخسائر على الناحية البشرية فهناك الخسائر المادية الفادحة التي شملت تدمير المنازل والمنشآت المدنية والأمنية، وتدمير الأراضي الزراعية واقتلاع الأشجار، وإحداث أكبر الخسائر بالاقتصاد الفلسطيني.
وفيما يلي عرض لأهم الخسائر التي لحقت بالشعب الفلسطيني في سنوات الانتفاضة 28في الفترة من 28/9/2000 وحتى 26/12/2008
أولا : الخسائر البشرية
1 – الشهداء : يلغ عدد الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الفترة المذكورة أعلاه 5864 شهيد منهم :
• 3369 شهيد في قطاع غزة أي بنسبة 57.5% من إجمالي عدد الشهداء الفلسطينيين .
• 1007 شهيد من الأطفال اقل من 18 عام منهم : 609 شهيد في قطاع غزة بنسبة 60.5 %
• 330 شهيد من الإناث منهم : 206 شهيدة في قطاع غزة بنسبة 62.4%
• 157 شهيد سقطوا على الحواجز العسكرية الإسرائيلية
• 36 شهيد من أفراد الأطقم الطبية منهم 14 شهيد في قطاع غزة: بنسبة 39%
• 10 شهداء من الصحفيين
• 2 - الجرحى بلغ عدد الجرحى الفلسطينيين الذين سقطوا ا بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الفترة المذكورة أعلاه 52999 جريح منهم :35094 جريح في قطاع غزة بنسبة 66.2%
ثانيا : الخسائر المادية
1 – مصادرة الأراضي وأعمال التجريف
• مساحة الأراضي المصادرة لخدمة جدار الضم والتوسع 249521 دونم
• مساحة الأراضي الزراعية المجرفة 82042 دونم
• 2 – الخسائر زراعية
• عدد الأشجار التي اقتلعتها جرافات الاحتلال 1357296 شجرة مثمرة
• خطوط مياه وشيكات ري 979239 متر .
3 – الخسائر الصناعية
تم تدمير 1500 منشأة صناعية وورشة في قطاع غزة
4 – المنازل المدمرة
بلغ عدد المنازل التي دمرتها قوات الاحتلال خلال الفترة المذكورة أعلاه 77759 منزل منها:
• 8103 منزلا دمرت تدميرا كاملا منها 5248 منزلا في قطاع غزة 45 منزل دمرت عن طريق القصف بالطائرات بعد إنذار أصحابها عن طري الهاتف ذلك في أعقاب العملية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في يوم 25/6/2006 جنوب قطاع غزه واسر جندي إسرائيلي ( جلعاد شاليط)
• 69330 منزلا دمرت تديرا جزئيا منها : 26578 منزلا في قطاع غزة
• 423 مبنى ومقر امني منها 340 في قطاع غزة .
إذن من الملاحظ من حجم الخسائر التي لحقت بالشعب الفلسطيني في قطاع غزة أن قوات الاحتلال الإسرائيلي كانت تكثف من اعتداءاتها على القطاع بهدف إلحاق اكبر الخسائر التي تقدر قيمتها بمئات الملايين من الدولارات فعلى سبيل المثال لا الحصر تقدر قيمة التعويضات السنوية لأسر الشهداء في قطاع غزة فقط ب 31.4 مليون دولار ، وتقدر قيمة الخسائر اليومية للأنشطة الاقتصادية المختلفة ب 3.941 مليون دولار / وتقدر قيمة منشآت البنية التحتية ب 1224.1 مليون دولار .
التداعيات السياسية
قبل اندلاع انتفاضة الأقصى، كان العالم أجمع مدركا أن منطقة الشرق الأوسط والأراضي الفلسطينية تحديدا ، تقف على بركان يغلي، وعلى وشك الانفجار ، حيث طال انتظار الفلسطينيين وهم يتابعون كافة الأنشطة السياسية المحلية منها والدولية على أمل تحسن ظروفهم السياسية والاقتصادية ، إلا أن المماطلة والتسويف الاسرائيليه جعلت صبر الشعب الفلسطيني ينفذ خصوصا مع تصاعد الممارسات القمعية لقوات الاحتلال ، فالحصار والإغلاق مستمران والأطواق الإسرائيلية الأمنية متكررة بحيث لا يستطيع معها الفلسطيني من الالتحاق بعمله أو مدرسته وجامعته، بل لم يستطع الوصول إلى المستشفي للعلاج ، في ظل هذه الظروف وقبل اندلاع انتفاضة الأقصى بقليل شهدت الأراضي الفلسطينية عودة الوفد الفلسطيني برئاسة الرئيس ياسر عرفات من واشنطن خالي الوفاض بعد أن أمضى قرابة الأسبوعين في مفاوضات عسيرة وشاقه مع الجانب الإسرائيلي برعاية أمريكية مباشرة في منتجع كامب ديفيد ، ما ساعد على زيادة احتقان الشعب الفلسطيني، ليقف عند حافة الانفجار أمام تصاعد الممارسات الاسرائيليه ضده، وفي ظل هذه الظروف أعلن شارون عن نيته زيارة المسجد الأقصى، ما أدى إلى اندلاع الانتفاضة واجهتها إسرائيل بكل قسوة ملحقة خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات في الجانب الفلسطيني ، الأمر الذي أدى إلى رفض شعبي ورسمي عربي ودولي للممارسات الإسرائيلية ، وهنا استشعر بعض زعماء العالم خطورة الوضع في فلسطين الذي من شأنه تهديد الأمن والسلام في منطقة الشرق الأوسط ولذلك كانت الدعوة لعقد مؤتمر دولي عقد في شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية في شهر تشرين الأول عام 2000 لبحث الوضع في المناطق الفلسطينية. وقد أسفرت هذه القمة عن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في الأراضي الفلسطينية عرفت بلجنة ميتشل، وطلب منها التوجه إلى المناطق الفلسطينية والتعرف عن قرب على الأوضاع السائدة والالتقاء بجميع الأطراف. وبالفعل قامت اللجنة بزيارة المناطق الفلسطينية وقابلت العديد من الشخصيات الرسمية والسياسية، وبعد نحو 6 شهور أصدرت اللجنة تقريرها الشهير بتقرير لجنة ميتشل يوم 30/نيسان 2001 .
وتتمحور التوصيات التي وردت في تقرير ميتشل:
• التزام كل من الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية بالاتفاقيات والتعهدات القائمة والتطبيق الفوري لوقف العنف من دون شروط .
• استئناف التعاون الأمني بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الوطنية الفلسطينية
• وقف كل أشكال التحريض ورفض واستنكار الإرهاب، واعتقال الإرهابيين داخل مناطق السلطة ( رجال المقاومة الفلسطينية) .
• تجميد النشاطات الاستيطانية بما في ذلك النمو الطبيعي.
• انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي إلى مواقعها قبل 28/9/2000 .
• رفع الأطواق المفروضة على الأراضي الفلسطينية من قبل قوات الجيش الإسرائيلي وأن تحول إلي السلطة الفلسطينية كل عائدات الضرائب التي تدين لها بها! ، وأن تسمح للفلسطينيين الذين كانوا يعملون في إسرائيل بالعودة إلي أعمالهم، وعليها أن تضمن أن تكف قوات الأمن والمستوطنين عن تدمير البيوت والطرق، وكذلك الأشجار وغيرها من الممتلكات الزراعية في المناطق الفلسطينية.
لقد رحبت السلطة الوطنية الفلسطينية بتقرير لجنة ميتشل، واعتبرته مدخلا وأساسا لوضع حد للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وقد جاء هذا الترحيب في سياق تصريحات الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات المتكررة، وتصريحات المسئولين الفلسطينيين، كما جاء الترحيب والموافقة الفلسطينية على التقرير في بيان القيادة الفلسطينية، اللجنة التنفيذية ومجلس الوزراء الصادر في 24/5/2001، ودعا الفلسطينيون إلى عقد قمة جديدة في شرم الشيخ لبحث التقرير ونتائجه.
وأعلن الفلسطينيون التزامهم ببنود التوصيات الواردة في التقرير، إلا أن الموافقة الفلسطينية اصطدمت بالتعنت الإسرائيلي، والمحاولة الإسرائيلية للالتفاف على تقرير لجنة ميتشل، وذلك بتجزئه تنفيذ توصياته، والدعوة لترويج تفسيرات لبعض بنودها الدالة مثل منع التوسع الاستيطاني وفق متطلبات النمو الطبيعي الخ. إلا أن المطالبة الفلسطينية تدور حول تنفيذ توصيات لجنة ميتشل كرزمة واحدة ورفض مبدأ التجزئة.
وثيقة تينـت:
مع استمرار تعنت إسرائيل ورفضها الالتزام بتوصيات لجنة ميتشل، واستمرار عدوانها على الشعب الفلسطيني، اضطرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إيفاد جورج تنيت مدير وكالة المخابرات المركزية الامريكيه، في شهر حزيران 2001 لبحث القضايا الأمنية التي وردت في تقرير لجنة ميتشل، وبعد زيارات مكوكية بين المسئولين الفلسطينيين والإسرائيليين و دول المنطقة تمكن جورج تينت من وضع وثيقة عرفت بتفاهمات تنيت أو وثيقة تينت لمعالجة القضايا الأمنية بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتمحورت توصيات الوثيق في النقاط التالية :
• التزام كل من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلية بالبنود الأمنية في وثيقة ميتشل في أبريل 2001م.
• تعهد الطرفان بوقف متبادل وشامل للنار ووضع حد لأعمال العنف كافة، بما ينسجم وتصريحات الزعيمين العلنية.
• استئناف الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية التعاون الأمني فوراً.
• *امتناع إسرائيل عن شن أي هجوم ضد منشآت رئيس السلطة الفلسطينية ومقرات الأجهزة الأمنية الاستخبارية والشرطة الفلسطينية أو السجون في الضفة الغربية وغزة.
• قيام السلطة الوطنية الفلسطينية فورا بعمليات التحقيق واعتقال الإرهابيين ( رجال المقاومة الفلسطينية) في الضفة الغربية وغزة وتزود اللجنة الأمنية بأسماء المعتقلين فوراً اعتقالهم وتفاصيل الإجراءات التي اتخذت.
• وضع جدول زمني لتنفيذ إعادة انتشار قوات الجيش الإسرائيلي في المواقع التي كان فيها قبل 28 سبتمبر 2000م من قبل لجنة أمنية مشتركة.
- تنفذ إعادة الانتشار الميداني خلال الساعات أل 48 الأولى من الأسبوع المذكور أعلاه وتتواصل خلال بلورة الجدول الزمني.
رحب الفلسطينيون بوثيقة تينت، وجاء ترحبيهم على لسان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الذي أكد على التزام الجانب الفلسطيني بما تم الاتفاق عليه مع السيد تينت، وطالب الولايات المتحدة المساعدة في وقف الاستيطان، وتنفيذ الاستحقاقات المعلقة وقد كرر السيد الرئيس التزام الجانب الفلسطيني بما جاء في وثيقة تينت لدى استقباله المبعوثين الدوليين مثل:
ميغيل انجيل مورايتنوس المبعوث الأوروبي لعملية السلام، وخافير سولانا الممثل الأعلى للعلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وتيرى لارسن ممثل الامين العام للأمم المتحدة.
وأمام تجاهل إسرائيل لكل هذه الجهود واستمرار العدوان الإسرائيلي لشعبنا الفلسطيني وتصاعده حيث أمعنت قوات الاحتلال الإسرائيلي في تدمير مظاهر الحياة الفلسطينية من تجريف للأراضي واقتلاع الأشجار وتدمير المباني السكنية والمنشآت، وأعمال الاجتياج والتوغل للمدن والقرى الفلسطينية و الاعتقالات و سقوط المئات بل الآلاف من الشهداء والجرحى بين صفوف الفلسطينيين برصاص جيش الاحتلال، وإعادة احتلال المدن والقرى الفلسطينية.
خطة زيني
• في النصف الثاني من شهر مارس آذار 2002 أوفدت الإدارة الأمريكية الجنرال أنتوني زيني لمتابع تفاهمات تينت والعمل على إيجاد آليات لتطبيقها من قبل الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ، وبعد جولات مكوكية بين الجانب الفلسطيني والجانب الإسرائيلي تم الاتفاق على ورقة سميت ورقة زيني أو خطة زيني ، تم ألإعلان عنها يوم 26/3/2002 ، وركزت على الجانب الأمني وجاء فيها ما يلي :
• إعلان الجانبين وقف إطلاق النار
• وقف القوات الإسرائيلية اقتحاماتها ومداهماتها المناطق التي تسيطر عليها السلطة الوطنية الفلسطيني
• عدم مهاجمة القوات الإسرائيلية للمراكز الأمنية الفلسطيني
• عودة القوات الإسرائيلية لمواقعها قبل 28/9/2000
• تبادل المعلومات والتنسيق حول أعمال العنف ضد المدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين
• أن تعمل السلطة الوطنية على الحيلولة دون تنفيذ أعمال إرهابية داخل إسرائيل والعمل على محاربة أعضاء المنظمات الإرهابية على حد تعبير الخطة
• لم تنتظر إسرائيل رد الجانب الفلسطيني على هذه الخطة وإعطائها فرصة للتطبيق ، حبث سارعت اقتحمت مدينة رام الله وحاصرت المقاطعة ومقر الرئيس ياسر عرفات في اليوم التالي أي يوم 28/3/2002 ،ولدرجة اعتبر فيها اعتبر الكثير من المراقبين أن خطة زيني قد مهدت الطريق لتنفيذ إسرائيل لعملية السور الواقي .
خطة خارطة الطريق
• وفي خضم الاستعدادات الأمريكية لحربها على العراق دعا الرئيس الأمريكي بوش في خطبة له يوم 20/6/2002، إلى ضرورة قيام دولة فلسطينية ولكنه ربط ذلك بانتهاء الأزمة العراقية الأمريكية لتتواصل الجهود من قبل الدول الأوروبية وأمريكا أسفرت في النهاية إلى وضع خطة خارطة الطريق ثم الإعلان عنها في 30 ابريل 2003 والتي تهدف إلى:
• تسوية نهائية وشاملة للنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني بحلول العام 2005، كما طرحت في خطاب الرئيس بوش في الرابع والعشرين من حزيران/يونيو، تقوم خلالها دولة فلسطينية ديموفراطية مستقلة تعيش جنبا إلى جنب دولة إسرائيل .بناء على الأسس المرجعية لمؤتمر قمة السلام بمدريد ، ومبدأ الأرض مقابل السلام، وقرارات الأمم المتحدة 242 ، 338 ، 1397 ، والاتفاقات المبرمة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني ، والمبادرة العربية للسلام ( المبادرة السعودية)
وتتكون الخطة من ثلاث مراحل
المرحلة الأولى :وتتلخص في إنهاء الإرهاب والعنف وإزالة المواقع الاستيطانية الإسرائيلية التي أقيمت منذ شهر آذار/ مارس 2001 تجميد الحكومة الإسرائيلية جميع النشاطات الاستيطانية (بما في ذلك النمو الطبيعي للمستوطنات) انسجاما مع توصيات تقرير لجنة ميتشل، تطبيع الحياة الفلسطينية، وبناء المؤسسات الفلسطينية
• المرحلة الثانية: الانتقال ـ حزيران/ يونيو 2003 ـ كانون الأول/ ديسمبر 2003: تنصب الجهود في المرحلة الثانية على خيار إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات حدود مؤقتة وخاصيات السيادة، على أساس الدستور الجديد، كمحطة متوسطة نحو تسوية دائمة للوضع القانوني.
• . المرحلة الثالثة: اتفاق الوضع الدائم وإنهاء النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني 2004ـ2005.
هذا ويترتب على كل من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي التزامات ورد ت في سياق تفاصيل الخطة وبتوجب تنفيذها.
رحب الفلسطينيون فورا بخطة خارطة الطريق، ورأوا فيها وضع حد للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، كما أنها تعطي الفرصة لإقامة دولة فلسطينية في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما رأوا فيها أملا في حل عادل لقضية اللاجئين والقدس والاستيطان، وطبقا لما ورد في خطة خارطة الطريق قام الفلسطينيون بتنفيذ التزاماتهم فقبل صدور ونشر الخطة تم تعديل الدستور الفلسطيني ليسمح باستحداث منصب رئيس مجلس الوزراء وتم تعيين رئيساً لمجلس الوزراء نال تأييدا في المجلس التشريعي الفلسطيني وبدأ العمل على إجراء العديد من الإصلاحات الإدارية والمالية القانونية، وعلى الصعيد الأمني بادر الفلسطينيين بإعلان الهدنة يوم 30/1/2003 وأعلن وقف إطلاق النار.
• والتزم الفلسطينيون بما جاء في الخطة منتظرين الاستجابة الإسرائيلية حيث مر زمن ليس بالقصير قبل إعلان إسرائيل موافقتها على خطة خارطة الطريق.
• ومن خلال العرض السابق يمكن فهم بل تأكيد استجابة الفلسطينيين لكل الاتفاقات، والمشاريع التي طرحت من أجل العمل على إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني حيث استجاب الفلسطينيون إلى:
• الاتفاقات الإسرائيلية الفلسطينية المرحلية (أوسلو) 1993.
• تقرير لجنة ميتشل عام 2001.
• وثيقة تنيت يونيو عام 2001.
• خطة خارطة الطريق أبريل 2003.
ليس هذا فحسب، فقد رحب الفلسطينيون بالمبادرة المصرية الأردنية، والمبادرة السعودية، وقرارات مجلس الأمن الدولي، 1397 و1402، 1403 وذلك من أجل تحقيق مطلبهم العادل، هذه المطالب التي يعتبرها الفلسطينيون خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها، وهذه المطالب تتلخص في:
• الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 وهي الضفة الغربية وقطاع غزة و القدس الشريف.
• وقف كافة الأنشطة الاستيطانية وإزالة المستوطنات القائمة.
• إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشريف.
• حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين قائم على أساس قرار رقم194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة نوفمبر عام 1948.
المحطات الرئيسية خلال فترة الانتفاضة
لقد شدت الانتفاضة منذ انطلاقتها العديد من الأحداث التي كانت بمثابة محطات أو ربما مطبات كبيرة أثرت بشكل أو بآخر في مجريات الانتفاضة وكان لها تأثيراتها على شعبنا وقضيته ومن ابرز هذه المحطات :
المحطة الأولى : قمة كامب ديفيد يونيو/يوليو2000
وعلى الرغم من أن هذه المحطة جاءت سابقة لاندلاع الانتفاضة تاريخيا غير أنها كانت احد الأسباب الرئيسية والغير مباشرة في اندلاع انتفاضه الأقصى بعد مرور نحو شهرين من تاريخها حيث عقدت برعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون وبمشاركة الوفد الفلسطيني بقيادة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود باراك ، عاد الوفد الفلسطيني خالي الوفاض بعد فشل هذه القمة على الأقل من وجهة النظر الفلسطينية بعد خلاف حاد على العديد من النقاط التي كانت إسرائيل تريدها وفق مقاساتها ومنها :
1 –إعادة انتشار القوات الإسرائيلية في مساحة تقدر ب أكثر من 90% من مساحة الضفة والقطاع. تشمل 10% فقط.
2 - إطلاق سراح الأسرى كافة حتى الذين اعتقلوا قبل أيلول 1993م كافة، ولكن بعد التوقيع على الاتفاق النهائي، ووفق المقاييس الإسرائيلية.
3 - القدس: القدس عاصمة الدولتين ومفتوحة بلا سياج. تحت السيادة الإسرائيلية إلى الأبد.
4 - اللاجئون: تنفيذ القرار 181 وتجسيد حق العودة. إسرائيل لا تتحمل المسؤولية وحل القضية في توطين اللاجئين.
5 - المستوطنات: إخلاء المستوطنات كافة. إقامة تكتلات استيطانية تخضع للسيادة الإسرائيلية.
6 - الحدود: الانسحاب إلى حدود 1967م بما فيها القدس. إجراء تعديلات حدودية تكون تحت السيادة الإسرائيلية.
7 - إعلان الاستقلال: الإعلان يوم 13/9/2000م ويفضل بالاتفاق مع إسرائيل. إعلان الدولة فقط بعد الاتفاق الدائم.
8 - المياه: السيطرة على مصادر المياه كافة. السيطرة على مصادر المياه كافة.
وكان مصدر هذا الخلاف هو التعنت والصلف الإسرائيلي المصاحب للضعف الذي كان ينتاب حكومة باراك حيث كان يواجه مصاعب داخليه كبيرة
لقد كان لعودة الوفد الفلسطيني من قمة كامب ديفيد ابلغ الأثر على الشعب الفلسطيني الذي كان شديد الاحتقان من الممارسات الإسرائيلية من فرض الحصار والإغلاق على الأراضي الفلسطينية وإقامة الحواجز العسكرية وفرض الأطواق الأمنية وحرمان عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين من أعمالهم بالإضافة تملص إسرائيل من تنفيذ ما تم الاتفاق عليه سابقا الأمر الذي القي بظلاله على مجمل الحياة الفلسطينية ، في ظل هذا الاحتقان جاءت زيارة ارئيل شارون للمسجد الأقصى تحت حماية 3000 جندي وبمباركة الحكومة الإسرائيلية مما أثار حفيظة الشعب الفلسطيني الذي اعتبر هذه الزيارة بمثابة تدنيس للمقدسات الإسلامية وكانت المواجهة وكانت الانتفاضة كما هي معروفة .
المحطة الثانية : صعود ارئيل شارون المعروف بتطرفه وعنصريته وعدائه الشديد للفلسطينيين إلى سدة الحكم في إسرائيل في بداية عام 2001 ، وعلى الرغم من إن هذه المحطة هي محطة إسرائيليه إلا إنها أثرت بشكل كبير ومباشر في الأحداث فيما بعد حيث اتخذ ارئيل شارون مجموعة من الإجراءات كان أولها وقف جميع الاتصالات مع القيادة الفلسطينية خاصة مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وبالتالي وقف العملية السلمية برمتها ، وقد جاء الموقف الإسرائيلي تحت دعم أمريكي كامل خاصة بعد تولي الرئيس جورج بوش الابن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية بعد فوزه في الانتخابات الأمريكية .
وما أن تولى شارون الحكم حتى بدأ بإصدار أوامره للجيش الإسرائيلي بتصعيد ممارساته ضد الشعب الفلسطيني منذرا بإنهاء انتفاضة الشعب الفلسطيني خلال ثلاثة أشهر واستمر عداء شارون وممارساته القمعية ومن بين ممارساته تشديد الحصار على الشعب الفلسطيني ومحاصرته للرئيس ياسر عرفات في رام الله وعدم السماح له بالتنقل في بين شطري الوطن ومنعه من السفر إلى الخارج حتى استشهادة يوم 11/11/2004.
المحطة الثالثة: عملية السور الواقي وإعادة احتلال الضفة الغربية
في الثامن والعشرون من شهر مارس 2002 اصدر ارئيل شارون ووزير دفاعه بنيامين بن اليعازر أوامرهم للجيش الإسرائيلي باقتحام مدينة رام الله ومحاصرة المقاطعة التي يتواجد فيها الرئيس ياسر عرفات ، وبدأت بقصف المقاطعة بمختلف أنواع الأسلحة في الخارج كان العدوان الإسرائيلي يطول المواطنين فسقط العشرات من الشهداء والجرحى ، في المقاطعة طالبت إسرائيل الرئيس عرفات بالاستسلام أو تسليم مجموعه من المواطنين الفلسطينيين المناضلين المتواجدين في المقاطعة وعلى رأسهم احمد سعدات أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين واللواء فؤاد الشوبكي وغيرهم آخرين اتهمتهم إسرائيل بمقتل رحبعام زئيفي وزير السياحة الإسرائيلي ، استمر الحصار حتى يوم 2/5/2002 بعد اتفاق على خروج المتواجدين في المقاطعة إلى سجن اريحا بإشراف أمريكي بريطاني وخلا هذه الفترة استمرت إسرائيل بأعمال الاجتياحات للمدن الفلسطينية فاجتاحت طولكرم وقلقيلية وبيت لحم التي أجبرت على إبعاد 26 مواطنا خارج وطنهم إلى قطاع غزة واثني عشر آخرين إلى أوروبا بعد حصارهم في كنيسة المهد مدة طويلة ، وجنين التي ارتكبت فيها مجزرة كبيرة راح ضحيتها 58 فلسطينيا ، كانت نتيجة هذه الاجتياحات أن أعادت القوات الإسرائيلية من احتلال الضفة الغربية وتمارس أعمال الاجتياحات والمداهمات والاعتقالات والقتل بحق الفلسطينيين
المحطه الرابعة : بناء جدار الفصل العنصري
وعلى الرغم من أن فكرة هذا الجدار لم تكن وليدة ظروف انتفاضة الأقصى بل تعود إلى ما قبل ذلك أي في زمن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين ، حيث صرح ذات مرة بقوله:" نحن هنا وهم هناك " .
وفي تصريح أخر تمنى فيه بأن يصبح ويجد غزة قد ابتلعها البحر. وقد روجت وسائل الأعلام الإسرائيلية لهذه الفكرة، بحجة منع تسلل الفلسطينيين إلى التجمعات السكانية الإسرائيلية للقيام بأعمال إرهابية على حد زعمهم. وللوصول إلى هذا الهدف لابد من الفصل بين المناطق الفلسطينية والتجمعات السكانية الإسرائيلية، في 16/6/2002 أعطى ارئيل شارون اوامرة ببناء جدار الفصل العنصري بطول 728 كيلو متر على طول خط الرابع من يونيو 1967 وبعمق يتراوح بين 100 متر إلى 22 كيلومتر إلى الشرق ، وقد تم الشروع في بناء جدار الفصل العنصري ليشكل الحدود الفاصلة بين إسرائيل والدولة الفلسطينية في أي حلول قادمة ، وهذا الجدار مع الخطط الإسرائيلية بإقامة جدار مماثل في شرق الضفة الغربية سوف يجعل نحو 46% من الأراضي الفلسطينية تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة وهذا يعني وقوع أكثر من 700000 فلسطيني محجوزين داخل الجدار الأمر الذي سيعرضهم إلى أضرار اجتماعية واقتصادية كبيرة ، وقد وصف هذا الإجراء الإسرائيلي من قبل العديد من الباحثين والمراقبين بنكبة ثالثة للشعب الفلسطيني .
المحطة الخامسة : استشهاد الرئيس ياسر عرفات يوم 11/11/2004
في يوم 11/11/2004 استسهد الرئيس عرفات بعد مرض غامض ما زال طي الكتمان حتى الآن ، وكان لوفاة الرئيس عرفات بالغ الأثر على الشعب الفلسطيني ، حيث وجد الفلسطينيون أنفسهم لأول مرة بدون أبو عمار القائد الرمز والتي ارتبطت باسمه الثورة الفلسطينية المعاصرة ، انتقلت السلطة إلي الرئيس عباس بشكل ديمقراطي وسلس آثار إعجاب الكثير في العالم ، وعلى الرغم من بوادر تغير في الخطاب السياسي الفلسطيني وفق البرنامج السياسي للرئيس محمود عباس الذي هو ضمنا برنامج حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح حيث عارض عسكرة الانتفاضة والأخذ بالمفاوضات والعمل السلمي دون التفريط بالحقوق والثوابت الفلسطينية وعلى الرغم من الترحيب الإسرائيلي بالرئيس عباس وموقفه الذي أثار حفيظة بعض الفصائل والمنظمات الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس التي باتت تقوى شوكتها في الساحة الفلسطينية. إلا أن إسرائيل لم تبد أي بوادر حسن نية تجاه الفلسطينيين إذ استمرت في عدوانها ومحاصرتها لشعبنا ، في هذا الأثناء كانت حركة حماس تنشط على الصعيد الداخلي تنظيميا واجتماعيا الأمر الذي ساعد تقدمها كثيرا وظهر ذلك جليا في نتائج الانتخابات المحلية حيث فازت حركة حماس بمعظم مقاعد المجالس المحلية في الضفة والقطاع وازدادت حركة حماس قوة خاصة مع تزايد الاعتداءات الإسرائيلية من جهة محاولة حماس الانخراط في السلطة عبر جلسات الحوار في الداخل والقاهرة واستعدادها للتهدئة مع إسرائيل كما حدث في اتفاق القاهرة بتاريخ 8/2/2005 واستمرت ماضية حتى مشاركتها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية 2006.
المحطة السادسة : فك الارتباط أيلول 2005
في 30/5/2004 نشرت الحكومة الإسرائيلية خطة فك الارتباط مع قطاع غزة وتنص الخطة على إخلاء قوات الاختلال الإسرائيلي للمستوطنات الإسرائيلية البالغ عددها 21 مستوطنة وسكانها من المستوطنين البالغ عددهم نحو7500 مستوطن،وإعادة انتشار قواتها في القطاع ، اتخذت الحكومة الإسرائيلية هذا القرار بشكل احتدي الجانب دون التشاور مع الجانب الفلسطيني ، رفضت القيادة الفلسطينية بقيادة الرئيس ياسر عرفات هذه الخطة وطالبت بضرورة التنسيق معها لأسباب كثيرة منها المحافظة على وحدة الوطن والتواصل الجغرافي ، كما أنها يجب أن بان يتم الانسحاب الكامل من جميع الأراضي الفلسطبنبة، لم تلق إسرائيل بالا للدعوات الفلسطينية وأكملت إخلائها للقطاع يوم12/9/2005 ، وأعقب ذلك بقليل توقيع اتفاقية معبر رفح .
كان لإخلاء إسرائيل لقطاع غزة بالغ الأثر على سكان القطاع فميدانيا رحب سكان القطاع بخروج قوات الاحتلال حيث أصبح سكان القطاع يوم 13/9/2005 بدون جنود احتلال وقد أزيلت الحواجز العسكرية وأكبرها حاجز أبو هولي وبدأ المواطنون يشعرون بشيء من الحرية خاصة بعد توقيع اتفاقية المعبر،وغمرت قطاع غزة الاحتفالات بهذه المناسبة
كان الأمل معقودا أن بنصب الجهود على إعادة أعمار قطاع غزة ولكن لم تسر الأمور في هذا الاتجاه بل تحول قطاع غزة إلى ميدان للتسابق والتنافس بين الفصائل دون العمل والسعي إلى جعل قطاع غزة نموذجا يحتذى به في الضفة الغربية
المحطة السابعة: الانتخابات التشريعية الفلسطينية
في الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني يناير 2006 نظمت الانتخابات التشريعية الفلسطينية واشترك فيها معظم الفصائل الفلسطينية ومن بينها حركة حماس كانت من نتيجتها أن فازت حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني حيث حصلت على 74 مقعد من 132 مقعد وقد كلف الرئيس محمود عباس السيد إسماعيل هنية بتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة وتم تشكيل الحكومة من أعضاء جميعهم من حركة حماس بعد أن رفضت الفصائل الفلسطينية المشاركة في الحكومة على خلفية اختلاف البرامج وإصرار حماس على موقفها وبرنامجها ، ومجرد الإعلان عن تشكيل الحكومة يوم 29/3/2006 سارعت معظم دول العالم بفرض حصار على الفلسطينيين وأوقف الدعم المالي للسلطة الذي أدى معه إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية واشتد الحصار الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني خاصة بعد قيام مجموعة من أفراد المقاومة بمهاجمة موقع عسكري إسرائيلي جنوب قطاع غزة أسفر عن مقتل عدد من الجنود الإسرائيليين واسر جندي إسرائيلي ( جلعاد شاليط ) وازدادت شدة الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة راح ضحيتها مئات الشهداء وهدم عشرات المنازل بعد قصفها بالطائرات بالإضافة إلى شن عشرات الغارات الوهمية اختراق حاجزا لصوت في سماء القطاع وإغلاق المعابر . جرت العديد من جلسات الحوار بدعوة من بعض الدول العربية في القاهرة ، وفي دمشق ، مكة المكرمة داخل السجون والمعتقلات وقد أسفرت هذه الجهود في النهاية على :
ثانيا : اتفاق مكة ،والذي أسفر عن تشكيل حكومة وحدة وطنية بتاريخ 17/3/2007
وعلى الرغم من الترحيب الشعبي والفصائلي الفلسطيني والترحيب العربي والدولي لحكومة الوحدة الوطنية إلا إن المجتمع الدولي لم يستحب لمتطلبات هذه الحكومة من رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني ، مع استمرار الصراع الداخلي الفلسطيني وسقوط الضحايا
المحطة الثامنة : الانقلاب أو الحسم الذي نفذته حركة حماس في قطاع غزة
لم يمض أكثر من ثلاثة شهور على تشكيل حكومة لوحدة الوطنية ،تخللها حوادث فلتان امني راح ضحيتها العديد من المواطنين الأبرياء نفذت حركة حماس عمليتها التي وصفتها بالحسم العسكري حيث سيطرت على كافة المقرات الأمنية والمؤسسات الرسمية وكان ذلك يوم14/6/2007 بعد اشتباكات بين كتائب القسام والقوة التنفيذية التي شكلها الشهيد سعيد صيام وزير الداخلية في الحكومة العاشرة وقوات الأمن الوطني الفلسطيني.
لقد كان لهذا الحدث أثره الكبير على القضية الفلسطينية وعلى حياة سكان قطاع غزة ، إذا سارعت إسرائيل بفرض الحصار الكامل على قطاع غزة، واعتبار قطاع غزة كيانا معاديا ، وإلغاء الكود الجمركي لقطاع غزة ، في رام اصدر الرئيس محمود عباس سلسلة من المراسيم الرئاسية تقضي بالتعامل مع الوضع القائم ، وذلك بإعلان حالة الطوارئ وإقالة الحكومة حكومة الوحدة الوطنية وتشكيل حكومة لحالة الطوارئ ، ودعوة المجلس المركزي للانعقاد لتدارس الأمر، ما زالت حالة الانقسام والاستقطاب السياسي وتباين البرامج والرؤى قائمة .
الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 27/12/2008 – 18/1/2009
الحرب أسباب ومقدمات
لم تكن هذه الحرب مفاجئة لسكان القطاع، الذين استمعوا مرارا إلى تهديدات قادة الجيش الإسرائيلي لاجتياح قطاع غزة، وذلك ردا على إطلاق القذائف الصاروخية المحلية الصنع على المستوطنات الإسرائيلية داخل الخط الأخضر من جهة، وتصعيد الممارسات العدوانية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة خصوصا بعد الانقلاب أو الحسم العسكري التي نفذته حركة حماس في قطاع غزة، حيث قامت بتشديد الحصار على القطاع وقلصت بشكل كبير دخول البضائع التجارية والمواد الغذائية والأدوية والوقود ما هدد بحدوث كارثة إنسانية في القطاع ، ومع مطلع عام 2008 صعدت القوات الإسرائيلية من هجماتها واجتياحاتها لمدن القطاع فكانت أعمال القتل والاغتيالات والتدمير وتجريف الأراضي هو السمة الغالبة على هذه الاجتياحات بل يعتبر العام 2008 هو الاسوا من حيث حجم الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، فقد سقط خلال هذا العام 447 شهيدا من بينهم 60 طفلا و 11 شهيدة من النساء ، 7 شهداء نتيجة عمليات الاغتيال هذا عدا عمليا الاقتحامات التي بلغت 276 اقتحاما قامت خلالها قوات الاحتلال بأعمال التجريف وهدم البيوت والاعتقالات بين صفوف المواطنين حبث تعرض 502 مواطن للاعتقال ، وشهد هذا العام نقصا حادا في المواد الغذائية والأدوية ووقود السيارات وغاز الطهي مما اثر بشكل كبير وخطير عل جميع مناحي الحياة في القطاع .
في التاسع عشر من شهر حزيران يونيو 2008 أعلن عن سريان تهدئة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي جاء بعد وساطة مصرية، ويقضي هذا الإعلان بان تتوقف فصائل المقاومة في القطاع عن مهاجمة المستوطنات الإسرائيلية داخل الخط الأخضر بعدم إطلاق القذائف الصاروخية من أراضي القطاع مقابل أن تتوقف إسرائيل عن اعتداءاتها على قطاع غزة وتوقف عمليات الاغتيال وفتح المعابر والسماح بدخول المواد الغذائية والوقود والأدوية ومدة هذه التهدئة 6 شهور تنتهي يوم 19/12/2008، التزم الجانب الفلسطيني بهذه التهدئة إلا أن الجانب الإسرائيلي لم يلتزم واستمر في اعتداءاته واجتياحاتة وعمليات الاغتيال ، كما استمر في أحكام الحصار على قطاع غزة ، في التاسع عشر من شهر كانون الأول ديسمبر 2008 كانت نهاية مدة التهدئة التي رفضت معها فصائل المقاومة تمديدها واستأنفت أعمال المقاومة وعلى رأسها إطلاق القذائف الصاروخية المحلية الصنع، عندها بدا قادة إسرائيل على المستوى السياسي والعسكري بإطلاق التهديدات بضرب قطاع غزة وتدميره حيث بدأت إسرائيل قبل ذلك بفترة بحشد قواتها من مختلف الأسلحة على طول الحدود مع قطاع غزة استعدادا لحربها ضد القطاع .
شنت إسرائيل حربها على قطاع غزة مستغلة للحالة الراكدة للإدارة الأمريكية بزعامة الرئيس جورج بوش الابن والتي انشغلت في لملمة أوراقها استعدادا للرحيل لإفساح المجال أمام الإدارة الجديدة بزعامة الرئيس المنتخب باراك اوباما، ولقد أعلنت إسرائيل أن الهدف من وراء هذه الحرب هو وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية من قطاع غزة على البلدات الإسرائيلية وذلك بتدمير قواعد وقيادات ومراكز التدريب التابعة لفصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس وتدمير كل أشكال البنية التحتية للإرهاب الفلسطيني( المقاومة الفلسطينية) هذا على الأقل الهدف المعلن للحرب لكن الحقيقة كان هناك أهدافا غير معلنة يمكننا القول بأنها أهدافا إستراتيجية وضعتها إسرائيل نصب عينيها ومن هذه الأهداف:
* استعادة نظرية الجيش الذي لا يقهر وتعزيز الثقة في قوة وهيبة الجيش الإسرائيلي التي تزعزعت في حرب لبنان في تموز 2006 ، والتأكيد على التفوق العسكري الإسرائيلي على الفلسطينيين والعرب.
* فرض الرؤية الإسرائيلية لحل القضية الفلسطينية بعدم قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وفق مرجعيات السلام وذلك بإقامة دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة على أجزاء صغيرة من الأراضي الفلسطينية وتأجيل القضايا الكبرى كاللاجئين والقدس والحدود أو حتى طمسها .
* الاستمرار في خنق القدس وتهويدها
في تمام الساعة الحادية عشر والنصف من صباح السبت 27/12/2008 انطلقت الشرارة الأولى للحرب، التي أطلقت عليها إسرائيل اسم "الرصاص المسكوب " بعد أن حلقت نحو ثمانون طائرة حربية إسرائيلية في سماء قطاع غزة لتلقي حممها على سكان القطاع ، وليهتز قطاع غزة جراء سلسلة من الانفجارات الضخمة امتدت من شماله إلى جنوبه وقد جاءت هذه الغارات بشكل مفاجئ ، وفي وقت الذروة بالنسبة لسكان القطاع ، حيث تلاميذ المدارس جالسون في قاعات امتحانات الفصل الدراسي الأول ، والأسواق والشوارع ممتلئة بالمواطنين ، في البداية ظن الكثيرين الذين كانوا بعيدين نسيبا عن مواقع الانفجارات بأنها مجرد عمليات لاختراق حاجز الصوت قامت به طائرات حربية إسرائيلية وهو ما اعتاد عليه سكان قطاع غزة في السنوات الأخيرة ، ولكن سرعان ما اتضحت الصورة بعد رؤية أعمدة الدخان تتصاعد إلى السماء أدرك السكان عندئذ أن إسرائيل بدأت تنفذ تهديداتها ، واصلت الطائرات غاراتها طوال اليوم ليسقط في اليوم الأول من الحرب 234 شهيد من أفراد الشرطة الفلسطينية والمواطنين من المارة والقريبين من أماكن الانفجارات ، كما سقط مئات الجرحى ، وانطلقت تهديدات من القادة العسكريين الإسرائيلية بان هذه الحرب ستكون على مراحل فالبعض منهم أشار إلى أنها ستكون على ثلاث مراحل وآخرون أشاروا بأنها على أربع مراحل ولكن عندما تم وقف إطلاق النار كانت قد أعلن عن مرحلتين هما المرحلة الأولى المتمثلة في القصف الجوي فقط الذي استمر لمدة ثمانية أيام ، والثانية الاجتياح البري ، أما المرحلة الثالثة قلم تكن معروفة وكانت من المتوقع أن تكون اشد واقوي من المرحلتين السابقتين على حد تصريحات قادة الجيش الإسرائيلي .
بالنسبة للمرحلة الأولى : استمرت منذ اللحظة الأولى للحرب يوم 27/12/2008 وحتى يوم السبت الموافق 3/1/2009 شن فيها الطيران الحربي الإسرائيلي غارات مكثفة وبشكل عشوائي جميع أنحاء القطاع وقد استهدفت الغارات :
المنشآت المدنية الحكومية وزارات ، مؤسسات ، مدارس ومستشفيات
المنشآت الأمنية
المنشآت المدنية مصانع ، معامل وورش ، مؤسسات مجتمع مدني، مساجد، رياض أطفال ، مدارس خاصة ، جامعات
منشآت وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين
المراكز الصحفية والإعلامية
منازل المواطنين
لقد القد الطائرات الحربية الإسرائيلية ألاف القذائف الموجهة والتي كانت تزن في معظمها ما بين 500 و 1000 كجم والقنابل، التي ربما تكون من النوع ألارتجاجي التي تجعل الأرض تهتز وكأنها تتعرض لزلزال بقوة متوسطة أو فوق المتوسطة خاصة في المناطق القريبة من الانفجار، وأنواع كثيرة أخرى من القنابل المحرمة دوليا كالقنابل المسمارية وقنابل الفسفور الأبيض .
إن عشوائية القصف الإسرائيلي لقطاع غزة ليبرهن وبشكل واضح أن هذه الحرب لا تستهدف فصيل معين أو أكثر من فصائل المقاومة بل استهدفت كل الشعب الفلسطيني بكل اطيافة وألوانه ومكوناته ومقدراته ، استهدفت الطفل والمرأة ، الشاب والشيخ ، الشرطي ، المدرس ، الطالب ، رجال الدفاع المدني والأطقم الطبية حتى مؤسسات الإغاثة الإنسانية ووكالة الغوث وتشغيل اللاجئين والمؤسسات الإعلامية لم تسلم من هذه الحرب ، خسائر فادحة لحقت بالشعب الفلسطيني، ففي الخمسة أيام الأولى من الحرب أي من 27/12 – 31/12/2008 سقط نحو 400 شهيد ومئات آخرين أصيبوا بجراح مختلفة تصل إلى حد الإعاقة، ومئات المنازل دمرت كثير منها دمر على أصحابة ليدفنوا تحت الأنقاض ، سبعة أيام من القتل والدمار في كل مكان، وعشرات الآلاف من المواطنين يتركون منازلهم إلى حيث يعتقدون بأنها أماكن أكثر أمنا وما أكثر الذين أصيبوا في الأماكن التي لجئوا إليها .
في اليوم الثامن من الحرب وبالتحديد مساء السبت 3/1/2009 أطلقت إسرائيل العنان لمرحلتها الثانية، وهي الاجتياحات البرية مستخدمة المئات من الدبابات والآليات والمدافع تساندها الطائرات الحربية وطائرات الاستطلاع التي لم تغادر أجواء القطاع، ولم تتوقف عن القصف منذ اليوم الأول للحرب ، اجتاحت قوات الاحتلال الإسرائيلي مناطق قريبة من الحدود في بيت لاهيا وبيت حانون وشرق جباليا وشرق مدينة غزة ، بل توغلت إلى عمق القطاع في جنوب مدينة غزة مستخدمة الطريق العرضي معبر المنطار (كارني) المغراقة أو الموقع الذي كانت تشغله مستوطنة نتساريم قبل إخلائها عام 2005 وصولا إلى الطريق الساحلي لتقسم قطاع غزة إلى قسمين جنوبي وشمالي .
استخدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مختلف الأسلحة والذخائر من الأسلحة الرشاشة الثقيلة وقذائف الدبابات ومدافع الميدان إلى قنابل الطائرات التي لم تنقطع منذ بدء الحرب ووجهت إسرائيل أسلحتها وذخائرها إلى منازل المواطنين العزل وممتلكاتهم ، وارتكبت قوات الاحتلال جرائم بشعة بحق المواطنين الفلسطينين ، وبدأ عدد الشهداء يتصاعد وترتفع أعداد المنازل المدمرة بفعل قذائف المدفعية والدبابات بالإضافة إلى القصف الجوي الذي لم ينقطع منذ بداية الحرب ، وقد لجأت قوات الاحتلال إلى اتخاذ المدنيين العزل دروعا بشرية في مناطق الاصطدام مع رجال المقاومة الفلسطينية، ودمرت الممتلكات كالسيارات الخاصة والورش والمزارع... خسائر جسيمة لحقت بالمناطق التي تعرضت للاجتياح البري لدرجة وصفها المراقبون بعد أن غادرها جنود الاحتلال بان المناطق المنكوبة كأنها تعرضت إلى زلزال مدمر ... أحياء كاملة سويت بالأرض ... مباني متعددة الطوابق مدمرة و لا تصلح للسكن وشبكات المياه والكهرباء مدمرة والطرق مجرفة ، مشاهد الخراب والدمار منتشرة في كل مكان من القطاع ، لقد طال الدمار والخراب المنازل ، المؤسسات الحكومية ، المدارس المنشآت الاقتصادية ، كالمصانع والورش والمحلات التجارية والبنوك والمؤسسات الأهلية والمساجد والمزارع وحظائر الحيوانات وفيما يلي بعض الخسائر التي لحقت بجوانب الحياة المختلفة في القطاع :
أولا : الخسائر البشرية
1419 شهيد منهم :
318 طفل بنسبة 20.4%
111 امرأة بنسبة 7.8%
13 شهداء من الأطقم الطبية
4 شهداء من الصحفيين
5300 جريح منهم 1600 طفل و820 امرأة بنسبة إجمالية 45.7%
ثانيا : الخسائر المادية
- المنازل المدمرة
2114 منزلا دمر تدميرا كليا تسكنها 19092 نسمة
3242 منزل دمر تدميرا جزئيا تسكنها 32250 نسمة
16000 منزلا لحقت لها أضرار مختلفة
- المباني والمنشآت
455 مبنى عام
614 منشأة ومؤسسة
211 مصنع
703 مخزن
150 مدرسة حكومية تعرضت للقصف
46 مدرسة خاصة وروضة أطفال تعرض للقصف
15 مؤسسة أهلية تعرضت للقصف
1629 سيارة مختلفة الأنواع ما بين مدمرة تدمير كلي أو لحقت بها أضرار
الإضرار الزراعية
دفيئات زراعية 131 دفيئة بمساحة 327.807 دونم
862 بئر مياه
210 بركة ري بمساحة إجمالية 34.968 دونم
219 مضخة مياه
670 ماكينة رش زراعية
1773 بوابات
178 حظيرة ماشية وموت 8721 رأس من الماشية
191 مزرعة دواجن وموت 305430طير
1010 خلية نحل
448298 شجرة تم اقتلاعها
وهناك أضرارا كبيرة لحقت بقطاع المياه والصرف الصحي ، حيث انقطعت المياه عن معظم أحياء مدينة غزة ومدن القطاع الأخرى بسبب عجز البلديات والسلطات المحلية عن تأدية هذه الخدمة للمواطنين بسبب القصف الجوي والاجتياح البري الإسرائيلي، وانقطاع التيار الكهربائي نتيجة تدمير أجزاء كبيرة من شبكات الكهرباء، كما توقفت تماما محطات معالجة مياه الصرف الصحي في قطاع غزة ، الأمر الذي هدد القطاع بكارثة بيئية.
خسائر كبيرة وفادحة لا نريد الخوض فيها فهناك العشرات من التقارير الرسمية الفلسطينية وتقارير المراكز الحقوقية الفلسطينية والدولية حول هذه الخسائر، ولكن ما نريد ذكره هنا أن الحرب الإسرائيلية على غزة واجهت ردود أفعال غاضبة من مختلف أنحاء العالم بعدما رأى العالم حجم الدمار التي ألحقته القوات الإسرائيلية في صفوف المدنيين الفلسطينيين ، وكان من ابرز هذه المواقف هي المظاهرات والمسيرات التي انطلقت من مختلف عواصم العالم منددة بهذه الحرب ومطالبة إسرائيل بالتوقف ، وبدا التحرك الدولي لاحتواء الموقف عبر الاتصالات المكثفة بين رؤساء وملوك الدول العربية ودول العالم، وقد طرحت العديد من المبادرات لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب ومن ابرز هذه المبادرات المبادرة المصرية التي طرحها الرئيس المصري حسني مبارك ، والمبادرة الفرنسية،والمبادرة التركية إلا أن المبادرة المصرية لا قت ترحيبا دوليا ساعد في إقرارها واعتماد ما جاء فيها في مجلس الأمن الدولي الذي اصدر فراره رقم 1860 بتاريخ 8/1/2009 لتوقف إسرائيل إطلاق النار في صباح يوم الأحد الموافق 23/1/ 2009 بعد تأخير دام 15 يوما
جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة
لم تأت جرائم الحرب ضد الإنسانية التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة مجرد صدفة أو نتيجة التطورات الميدانية لمجريات الحرب أو حتى لتغيير في خطط و تكتيكات الجيش ، بل جاءت بشكل متعمد ومخطط له من قبل ويتضح ذلك من أمرين رئيسين:
الأول : جاء الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة وقطاع غزة في حالة إنهاك شديد مخطط له إسرائيليا جراء الحصار المحكم عليه منذ فترة طويلة ، حيث فرضت القيود على السلع التي يستوردها القطاع من الخارج بإقفال المعابر الحدودية أمام تنقل الأفراد والسلع والخدمات ومواد الخام للصناعة، و شهد القطاع انخفاض كميات الوقود الواردة لتشغيل محطة الكهرباء وللأغراض المنزلية ناهيك عن الانخفاض الكبير في وقود المركبات ، بالإضافة إلى تقليص مساحة الصيد البحري المسموح بها وفرض منطقة عازلة في المناطق الحدودية ومنع المزارعين من استغلال أراضيهم في الزراعة ، هذه الإجراءات أضعفت بشكل كبير قدرات السكان في حالة الطوارئ ، وخاصة في قطاعات الصحة والمياه والخدمات الأخرى أثناء العمليات العسكرية- تقرير مجلس حقوق الإنسان"تقرير جولدستون 23/9/2009"
ثانيا : التعليمات المسبقة والصادرة من قيادات الجيش الإسرائيلي لجنودهم حيث صدرت الأوامر للجنود الإسرائيليين بإطلاق النار على كل شيء متحرك سواء أكان امرأة ، طفل ، شيخ الخ ففي تقرير امني موجه للجنود الإسرائيليين خلال عملية الرصاص المسكوب جاء فيه :
" أريد منكم روحا عدائية – إذا كان هناك شخص يشتبه به في الطابق العلوي من منزل ما فإننا سنقصفه ، وإذا كانت لدينا شكوك بشأن منزل معين ، فإننا سندمره ... ولن يكون هناك مجال للتردد ... ولن يلجأ احد للتروي ... دعوا عواقب الأخطاء تنهال على رؤوسهم ، وليس على رؤوسنا" – تقرير منظمة العفو الدولية يوليو 2009
وقد أخذت جرائم الحرب الإسرائيلية بحق أبناء شعبنا الأعزل صورا وإشكالا متعددة مثل استخدام الأسلحة المحرمة دوليا ، وهدم المنازل فوق رؤوس أصحابها ليدفنوا تخت الأنقاض، وإطلاق الرصاص على المواطنين بدون مبرر وارتكاب مجازر جماعية ، واتخاذ المدنيين دروعا بشرية ، وترك الجرحى ينزفون دون السماح بإسعافهم ، والاعتداء على الأطقم الطبية ، ونحن هنا لسنا بصدد توثيق هذه الجرائم فقد قامت العديد من المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والدولية بتوثيقها ، ولكننا بصدد ذكر بعضا منها لتكتمل صورة العدوان الهمجي الغاشم على شعبنا.الذي علق على نتائجه مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية جون هولمز في 22/1/2009 بقوله " إن مستوى الكرب الإنساني ، والدمار الذي شاهدته اليوم ،ومن أي زاوية نظرت إليه يفطر القلوب ، وأن معاناة المدنيين غير المتناسبة في هذه العملية العسكرية تثير الصدمة "
1 – استخدام الأسلحة المحرمة دوليا
قنابل الفسفور الأبيض
الفسفور الأبيض عبارة عن مادة كيميائية قابلة للاشتعال تسبب حروق كيميائية من الدرجة الثانية والثالثة عند ملامستها للجلد ، كما أنها تشكل تهديدا خطيرا على حياة الأفراد حيث تودي إلى إصابات خطيرة تؤدي إلى الوفاة عند ملامستها أو استنشاقها أو ابتلاعها ، ويستخدم من خلال قنابل تطلق من مدافع عيار 155مم تنفجر في الجو مطلقة كمية كبيرة من الغاز الأبيض الكثيف، لقد استخدم الجيش الإسرائيلي قذائف الفسفور الأبيض ما أدي إلى إصابة العديد من أبناء الشعب الفلسطيني في مناطق مختلفة من القطاع خاصة في شرق غزة وبيت لاهيا وهي قنابل حارقة وسامة أصيب العديد من المواطنين وقد واجه الأطباء الفلسطينيون صعوبة كبيرة في علاج الحروق الناجمة عن الإصابة بالفسفور الأبيض نظرا لاستخدامه لأول مرة في قطاع غزة ، كما استخدم الفسفور الأبيض في الاعتداء على المؤسسات الطبية كما حدث في مستشفى القدس يوم 15/1/2009 وادي إلى إلحاق أضرار كبيرة في المستشفى ونشوب حرائق كبيرة فيه .
قنابل السهام الخارقة
وهي عبارة عن قنابل محشوة بكمية كبيرة من السهام المعنية يتراوح عددها بين 5000 و 8000 سهم يبلغ طول الواحد منها نحو 3.5 سم وله رأس مدبب بشكل حاد من الأمام وله أربع فراشات في الخلف وعند انفجار القنبلة في الجو فإن السهام الخارقة تنتشر بشكل مخروطي في مساحة تقر ما بين 100 الى300 متر مربع ، ولقد تسببت قنابل السهام الخارقة في استشهاد العديد من المواطنين في بيت حانون وبيت لاهيا ومناطق أخرى .
2 - المجازر الجماعية وتدمير المنازل على رؤوس أصحابها
لقد ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجازر جماعية بحق المواطنين الفلسطينيين ومن أمثلة هذه المجازر:
* مجزرة آل السموني 5/1/2009 حيث قصف منزل لأحد أفراد العائلة تجمع فيه نحو مئة فرد من عائلة السموني تعرض لقصف مدفعي أودى بحياة 29 فردا عدا الذين أصيبوا بجراح وظبوا بدون إسعاف لدرجة أن قضى بعض الجرحى نحبهم ، واستمرت الجثث ملقاة على الأرض أمام الأطفال والنساء
* مجزرة آل الداية 6/1/2009 ، حيث قصفت طائرة حربية إسرائيلية من نوع F16 منزل العائلة في حي الزيتون المكون من ثلاث طبقات تضم 7 وحدات سكنية أصبح المنزل كومة من تراب واستشهد 22 فردا من أقراد العائلة
3- الاعتداء على الطواقم الطلية ومنعهم من أداء عملهم
عمدت قوات الاحتلال إلى الاعتداء على سيارات الإسعاف والأطقم الطبية مما أدى إلى استشهاد العديد من أفراد الطواقم الطبية فعلى سبيل المثال لا الحصر :
* في 4/1/2009 استشهد ثلاثة من رجال الإسعاف في مدينة غزة كما استشهد صبى كان يرشدهم إلى مكان جريحين بعد أن تعرضوا لقذيفة دبابة إسرائيلية.
* في 12/1/2009 استشهد طبيب في محاولة إنقاذ ثلاثة من الشباب وذلك في شارع متفرع من شارع الزرقا في بلدة جباليا شمال غزة
* منعت قوات الاحتلال المتمركزة جنوب مدينة غزة وصول سيارات الإسعاف إلى عدد كبير من الجرحى من آل السموني لعدة أيام وعندما سمحت للمسعفين بالوصول إلى أماكن الجرحى اضطروا إلى الذهاب لإسعاف الجرحى سيرا على الأقدام وإخلاء الجرحى على عربات الكارو التي تجرها الحمير.
وقد أكد تقرير منظمة العفو الدولية هذه الممارسات الإسرائيلية، حيث جاء في تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في يوليو 2009 : " الهجمات ضد أفراد أطقم الإسعاف وغيرهم مما كانوا يحاولون إخلاء الجرحى كانت متعمدة ، وأنها تكررت خلال عملية الرصاص المسكوب وفي جميع أنحاء قطاع غزة ، وبهذه الصفة فإن تلك الهجمات شكلت انتهاكا للقانون الإنساني الدولي الذي يوفر حماية خاصة للمرضى والجرحى والموظفين الطبيين والمرافق الطبية"
4- استخدام المدنيين العزل دروعا بشرية
استخدمت القوات الإسرائيلية المواطنين العزل دروعا بشرية أثناء الحرب التي أطلقت عليها اسم عملية الرصاص المسكوب، وذلك عن طريق احتلال المنازل واحتجاز سكانها في غرفة واحدة بينما يجعلون من المنزل ثكنة عسكرية ومكانا للقنص، كما حدث مع العديد من المواطنين في أماكن مختلفة من القطاع ، كما قام الجنود الإسرائيليون بإجبار السكان المدنيين بالسير أمام الجنود وإجبارهم على كسر أقفال المنازل أو المناداة علة من بداخلها .
وهكذا فإن القوات الإسرائيلية قد ارتكبت جرائم فظيعة بحق المواطنين الفلسطينيين، وان من تجول في قطاع غزة في أعقاب الحرب رأى مناظر وسمع قصصا تقشعر لها الأبدان من هول الدمار والخراب الذي غطى القطاع من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، ومن المآسي التي واجهها السكان أثناء هذه الحرب والتي مازالوا يعانون منها على الرغم من مرور عام عليها، أيام لا تنسى من ذاكرة هذا الشعب وكيف تنسى وما زالت المنازل المدمرة على حالها، وما زالت الآثار النفسية لهذه الحرب تبدو على الأطفال ، وما زال الحصار قائما والذي لا يسمح بإدخال الاسمنت الو الحديد لإعادة الأعمار، بل لا يسمح بدخول الزجاج لإغلاق نوافذ آلاف المناول التي حالفها الحظ بعدم التدمير الكلي، جرائم حرب منافية لكل الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية مثل القانون الإنساني الدولي واتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكولات الإضافية لها، ففي البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف الرابعة والصادر في 12 أغسطس عام 1949 على الآتي:
تنص المادة 57 على" بذل لرعاية متواصلة من اجل تفادي السكان المدنيين والأشخاص والأعيان المدنية ، كما تنص على ما يلي :
اتخاذ الاحتياطات التالية فيما يتعلق بالهجوم :
يجب على من يخطط لهجوم أو يتخذ قرارا بشأنه:
أولا : أن يبذل ما في طاقته عمليا التحقق من الأهداف المقرر مهاجمتها ليست أشخاصا مدنيين أو أعيانا مدنية وأنها غير مشمولة بحماية خاصة.
ثانيا : أن يتخذ جميع الاحتياطات المستطاعةعند تخير وسائل وأساليب الهجوم من اجل تجنب إحداث خسائر في أرواح المدنيين، أو إلحاق الإصابة بهم أو الإضرار بالأعيان المدنية ، وذلك بصفة عرضية وعلى أي الأحوال حصر ذلك في أضيق نطاق.
وفيما يخص تدمير المنازل والممتلكات فقد نصت المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة على:
" تدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية على نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية تشكلان خرقا فاضحا للاتفاقية وبذاتها جريمة حرب" .
وفيما يخص استخدام المدنيين كدروع بشرية فقد نصت المادة 28 من اتفاقية جنيف الرابعة على:
" يحظر استخدام المدنيين المحميين بوضعهم في مناطق التماس أو المناطق الخطرة كاستغلال لهذا التواجد في العمليات العسكرية "
انتهت الحرب التي شنتها إسرائيل على شعبنا في قطاع غزة، فهل حققت إسرائيل أهدافها المعلنة والغير معلنة من وراء هذه الحرب؟
هل توقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة ؟
هل تمكنت من القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة ؟
هل استطاعت كسر صمود وإرادة الشعب الفلسطيني للمطالبة بحقوقة المشروعة؟
اعتقد أن إسرائيل لم تحقق ما هدفت إلية، وخرجت من قطاع غزة تجر أذيال الخيبة والعار جراء ما ارتكبته قواتها من جرائم ضد الإنسانية يندى لها الجبين، ولقد خرج الشعب الفلسطيني صامدا صابرا متمسكا بتراب أرضة وحقوقه، وان شدة الغارات الإسرائيلية وانتشارها ، وقسوة الجنود الإسرائيليين الغزاة فشلت في إجبار الفلسطينيين على ترك أرضهم ومنازلهم ، كان بإمكان الجماهير اقتحام الحدود ولكنها أثرت الموت على النزوح وبدأ نوع من التكافل بين اسر المجتمع الذي أوى إلى بعضه البعض، حيث استوعبت الأسر الفلسطينية أصدقائها وأقاربها من الأسر الذين تعرضت منازلهم للقصف والتدمير ، ولقد فشلت إسرائيل في إيقاف الصواريخ فالصواريخ كانت تنطلق وبكثافة أثناء تحليق الطيران الإسرائيلي في أجواء غزة باحثا عن أهداف يقتنصها، وفشلت إسرائيل في كسر صمود وإرادة شعبنا رغم الآلام والمآسي التي لحقت له .
غزة وماذا بعد ؟
عام كامل مر على أشرس حرب تعرضت لها غزة في تاريخها الطويل ، وهي صامدة شامخة كما كانت دائما أمام عواصف الزمن لم تستطع إسرائيل وآلتها الحربية من كسر إرادة وصمود هذا الشعب ، عام انقضى وما زالت غزة على حالها حيث تجد الآتي:
* ما زالت تلال وأكوام حجارة وأتربة المنازل التي دمرتها قوات الاحتلال كما هي تنتظر من يزيلها ، وما زال أصحابها يعيشون في الخيام أو في أماكن غير مناسبة.
* وما زالت إسرائيل تواصل اعتداءاتها ضد شعبنا في قطاع غزة حيث تمارس أعمال القتل والتجريف والتوغلات المتكررة.
* ما زال الحصار الخانق يطبق على غزة من كل جانب ليواصل أبناء القطاع معاناتهم في كل مجالات حياتهم.
* وما زال النظام العربي والدولي عاجزا على أن يتقدم خطوة واحدة نحو رفع الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع ، ولا نستمع إلا لنداءات وتصريحات لا تسمن ولا تغني من جوع.
* وما زال الدول الأوروبية وأمريكا مترددة في اتخاذ موقف حازم وقوي من إسرائيل وممارساتها ضد قطاع غزة وسكانه لشكل خاص والقضية الفلسطينية بشكل عام على الرغم مما نسمعه من مشاريع وأوراق مثل المشروع السويدي .
* ما زال الانقسام الفلسطيني ينخر في عظام شعبنا وربما يكون اخطر واشد عليه من قنابل الفسفور الأبيض ، والقنابل الثقيلة الموجهة ، واخطر من طائرات ألF16 وطائرات الاباتشي ، واخطر من دبابات الميركافاه وجيبات الهامر .
إن اخطر ما في هذه الأمور هو الانقسام الفلسطيني الذي لم يبدأ يوم 14/6/2007 فحسب بل بدأت إرهاصاته منذ زمن واعتقد أنها بدأت منذ استشهاد الرئيس ياسر عرفات وربما قبل ذلك ولم تفلح كل مؤتمرات وجلسات الحوار المتعددة ونتائجها ابتداء من مؤتمر حوار القاهرة في 18/3/2005 ، مرورا بإعلان دمشق في 21/1/2007 ، واتفاق مكة 8/2/2007، ثم الورقة المصرية في أكتوبر 2009، ناهيك عن الاتفاقات التي كانت قاب قوسين أو ادني من التوقيع عليها، ووثيقة الوفاق الوطني "وثيقة الأسرى"
إن أول واكبر الخاسرين جراء هذا الانقسام هو الشعب الفلسطيني لان هذا الانقسام هو تهديد لقضيته الوطنية ومشروعه الوطني، في حين أن أول واكبر الرابحين من هذا الانقسام هو إسرائيل التي عملت من اجل هذا الانقسام منذ زمن عندما تمنى رئيس وزرائها الأسبق اسحق رابين بان يصحو يوما ليجد غزة قد ابتلعها البحر ، ثم ارئيل شارون رئيس وزراء إسرائيل في الفترة من 2001-2006 الذي أعلن خطة فك الارتباط آحادي الجانب مع قطاع غزة وبالفعل قام بإخلائها من المستوطنات الإسرائيلية يوم 12/9/2005 ، إن من شأن الانقسام إضعاف الشعب الفلسطيني أمام المخططات الإسرائيلية في الاستيلاء على المزيد من الأراضي وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية وتهويد القدس، ومن شأن الانقسام دعم الادعاءات الإسرائيلية بعدم وجود شريك فلسطيني للسلام ، ومن شان الانقسام إضعاف الجانب الفلسطيني في حشد الدعم والتأييد الدولي وحتى العربي له لمساندته في صراعه العادل مع الاحتلال الإسرائيلي، وإذا نظرنا من حولنا وتفحصنا جيدا خارطة الصراعات في المنطقة نجد إما قوى عالمية تريد الهيمنة والسيطرة متسلحة بإمكاناتها العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية ، وإما قوى افليمية لها حسابات مصالحها الخاصة، أو دول صغيرة متقوقعة داخل حدودها وتدفن رؤوسها في الرمال تظن أنها في مأمن واعتقد أن ما يجري في افعانستان والعراق ، وما يجري في باكستان واليمن ليس بعيدا عنا ، ولا ندري الشرارة التالية أين ومتى ستشتعل ولكنها حتما ستشتعل.لذا فإن إنهاء الانقسام ضرورة وطنية واجتماعية وسياسية وتاريخية لحماية مشروعنا الوطني لان الشعب الفلسطيني وحدة الكفيل بحماية هذا المشروع الذي سقطت من اجله قوافل الشهداء، والجرحى بالإضافة إلى الأسرى، ولكن كيف يمكن إنهاء هذا الانقسام ؟ ... رأى الكثيرون من أبناء فلسطين بالحوار ونادي الكثير به والغريب أن الطرفين الرئيسين في هذه المسألة ينادون بالحوار والجميع ينشد المصالحة الوطنية ، إذا كان كذلك فلماذا لم ينجح الحوار طوال عدة سنوات ، عقدت خلالها جلسات وجلسات وصدرت بيانات وكلما يصدر بيانا باتفاق ما يشعر الفلسطينيون بالأمل ويستبشرون خيرا ولكن سرعان ما يخبو هذا الأمل لماذا ؟ لماذا يفشل الحوار ؟ ... هل لأسباب تتعلق باختلاف البرامج السياسية بين الفصائل والأحزاب الفلسطينية ؟ أم هل هناك قوى إقليمية تتدخل من طرف خفي في الشأن الفلسطيني ؟ هل يوجد قرار فلسطيني أم أن القرار بيد غيره؟ ألا يوجد قواسم مشتركة بين الفصائل على الرغم من اختلاف برامجها ورؤاها،
إذا كانت الإجابة على الأسئلة بالإيجاب أم السلب فلقد آن الأوان لان تقف القيادات الفلسطينية بكل صورها وأشكالها سواء أكانت مؤسسات رئاسية وتشريعية وتنفيذية أم قادة الفصائل والأحزاب وقفة جادة مع نفسها ، وتستفيد من دروس وعبر ونتائج الحرب الإسرائيلية على غزة لحوار جاد لا يستغرق سنوات ولا حتى شهور ويمكن أن يتم في أيام إذا صدقت النوايا ، وإذا توقفت المناكفات ، وتوقفت التصريحات والتصريحات المضادة وتوقف تصيد المواقف هنا وهناك، وهناك من المؤشرات التي لو أحسن استخدامها ستخرج القيادة الفلسطينية بصيغة توافقية تريح شعبنا من طول عناء .
فغزة هي بوابة الدولة الفلسطينية ولن نصل إلى الدولة إلا عبر بوابة غزة .
المؤشر الأول : هو ما أعلنه الرئيس محمود عباس في خطابة بتاريخ 5/11/2009 والذي أشار فيه إلى صعوبة المفاوضات مع إسرائيل وعدم استجابة إسرائيل للمطالب الفلسطينية مع عدم تنفيذ إسرائيل للالتزامتها التي أقرتها الاتفاقيات ، بل لم تلتزم بالالتزامات التي وردت في خطة خارطة الطريق، وبتعبير آخر فشل المفاوضات التي استمرت طوال 18 عاما ، كما أشار إلى أن هذا الموقف الإسرائيلي جاء بدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من تصريحات الرئيس الأمريكي ووعوده للعرب وللشعب الفلسطيني.
المؤشر الثاني : هو ما أعلنته حركة حماس على لسان وزير الداخلية في الحكومة المقالة حول اتفاق بين الفصائل بعدم إطلاق الصواريخ على إسرائيل من قطاع غزة وقد جاء هذا الاتفاق بناء على المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.
أعتقد أن هذين المؤشرين وبغض النظر عن مواقف حركة حماس من خطاب الرئيس محمود عباس المشار إليه، ومواقف رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية من اتفاق عدم إطلاق الصواريخ الذي أعلن عنه مؤخرا وبغض النظر عن موقف بعض الفصائل منه هما خطوتان في الاتجاه الصحيح يجب الانطلاق منهما للخروج بصيغة مرضية للجميع للخروج من مأزق الانقسام وتوحيد شقي الوطن ولم لا ... أو ليس حركة حماس استنكرت وأدانت ورفضت المفاوضات مع إسرائيل والاستمرار فيها مطالبة وقفها. من جهة أخرى أو ليس السلطة الوطنية الفلسطينية كانت دائما تدعو إلى التهدئة مع إسرائيل وعدم إطلاق الصواريخ على إسرائيل من قطاع غزة حرصا على المصلحة العليا الفلسطينية.
إذن يجب استثمار هذه المواقف ودعمها وتوسيعها لتصبح بداية سليمة ومشجعة للاتفاق على وحدة الوطن للبحث عن الخيارات البديلة لشعبنا أمام هذا الصلف الإسرائيلي المدعوم أمريكيا وحتى أوروبيا وشعبنا الذي يناضل منذ أكثر من مئة عام لا تعجزه وسيله للدفاع عن حقوقه .
النتائج
* إن غزة ذات التاريخ الموغل في القدم وموقعها الجغرافي المتميز استطاعت الصمود في وجه الغزوات والحروب التي واجهتها على مر تاريخها ، على الرغم من فداحة الخسائر التي تعرضت لها في كل غزوة أو حرب، وهي فوهة بركان الثورة والمقاومة الحي ضد كل المشاريع الصهيونية في منطقتنا، لهذا كان استهدافها فبل وأثناء وبعد الحرب الأخيرة.
* أن الشعب الفلسطيني يواجه عدوا شرسا مدعوما بلا حدود من اكبر القوى الاقتصادية والعسكرية في العالم وبالتحديد الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية ، ولا يمكن الرهان على مواقف هذه القوى التي تضع إسرائيل على سلم أولوياتها وسياساتها.
*إن الدعم العربي للفلسطينيين أصبح دعما مجزئا ومرهون بسقف محدد وفق مصالح وحسابات وعلاقات كل دولة عربية مع العالم الخارجي خصوصا أوروبا وأمريكا.
* إن غزة تتعرض الآن إلى مؤامرة كبرى، بدأ تنفيذها بإعلان فك الارتباط الأحادي الجانب، وإخلاء المستوطنات الإسرائيلية منها في سبتمبر عام 2005 ، صحيح إن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة والضفة الغربية والقدس هو أول المطالب الفلسطينية، وكان على رأس جداول الاجتماعات واللقاءات التي عقدت بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في إطار المفاوضات التي استمرت طوال أربعة عشر عاما قبل فك الارتباط ، فلماذا لم يتم إلا خلاء أو الانسحاب الإسرائيلي من خلال هذه المفاوضات ، والهدف من ذلك هو خلق نوع من الانقسام بين الفلسطينيين ، ومن ثم إنهاك قطاع غزة وسكانه، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا عن طريق:
• تشديد الحصار على قطاع غزة برا وبحرا وجوا ، وهذا تم مباشرة بعد تشكيل الحكومة الفلسطينية العاشرة التي شكلتها حركة حماس بعد فوزها في الانتخابات التشريعية 2006 ، ثم إحكام الحصار بعد الانقلاب"الحسم العسكري" التي نفذته حركة حماس في 14/6/2007 وتقليص إدخال كافة السلع التجارية والمواد الغذائية ، والوقود إلى الحد الأدنى وعدم إدخال أي نوع من أنواع المواد الخام اللازم للصناعة ومواد البناء خاصة الاسمنت والحديد .
• إلحاق اكبر الخسائر البشرية بين صفوف الشعب الفلسطيني، وزيادة التأثيرات النفسية السلبية على الأجيال الفلسطينية بدءاً من الأطفال بهدف تصدع المجتمع الفلسطيني بخلق ثقافة العنف والأمراض الاجتماعية التي من شأنها تهديد امن واستقرار المجتمع ومن ثم تفككه .
- تدمير مقدرات الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وتدمير بنيته التحتية لخلق مزيد من المعاناة لدى شعبنا في قطاع غزة.
• صرف أنظار الشعب الفلسطيني في قطاع غزة عن قضيته الوطنية، وتحويلها إلى قضية إنسانية تطلب مد يد العون والمساعدات الإنسانية التي تقدمها المؤسسات الدولية وبعض الدول.
• إطفاء وتدمير شعلة الثورة والصمود والمشتعلة منذ 62 عاما في وجه كل محاولات التصفية للقضية الفلسطينية.
• استمرار الانقسام الفلسطيني الذي هو اخطر ما يتعرض له الفلسطينيين ، وهو انقسام غير مبرر ، وهو سيمنح إسرائيل فرصة تحقيق مخططاتها وأهدافها.
• عزل غزة وهي الورقة الحاسمة لقيام دولة فلسطينية وبدونها لن تقوم هذه الدولة فغزة دائما هي بداية الوطن ومفتاحه.
التوصيات
من خلال ما سبق فإننا نرى :
أولاً : ضرورة التصدي للإجراءات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني والمتمثلة في التوسع الاستيطاني ، وتهويد القدس ، وتكريس الانقسام من اجل تصفية القضية الفلسطينية .
ثانياً : ضرورة العودة إلى إعادة اللحمة الفلسطينية والوحدة الوطنية وذلك بإنهاء الانقسام وهو ضرورة وطنية وسياسية وتاريخية للشعب الفلسطيني وذلك بعودة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى غزة لتولي مهامها في إعادة إعمار غزة والتفرغ لمواجهة التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني .
ثالثا : حسم نتائج الحوار بتوقيع جميع الفصائل الفلسطينية على الورقة المصرية دون العودة إلى عقد جلسات إضافية للحوار.
رابعا : الأخذ بما أمكن من ملاحظات على ما جاء في الورقة المصرية بعد التوقيع وبمساعدة جمهورية مصر العربية .
خامساً: يجب مصاحبة التوقيع التوقف النهائي عن كل المناكفات والسجالات الإعلامية ومناقشة المسائل الخلافية في إطار المؤسسات الرسمية وليس على شاشات الفضائيات .
سادسا : ضرورة خلق ثقافة حوارية في وسائل الإعلام الفلسطيني المقروء والمسموع والمرئي وإتاحة الفرصة للنخب الفلسطينية من قيادات وكتاب وأدباء وصحفيين ومثقفين من كل ألوان الطيف الفلسطيني للتحاور والنقاش في برامج إعلامية هادفة .
أكرم أبو عمرو
باحث فلسطيني
[email protected]
المصادر
• مصطفى مراد الدباغ بلادنا فلسطين .
• سليم المبيض، غزة وقطاعها خلود المكان وحضارة السكان 1987
• معهد دراسات التنمية 2007 تقرير حول وقف التعامل بالكود الجمركي.
• مركز الميزان لحقوق الإنسان ، تقرير حول وقف العمل بالكود الجمركي
• مركز الميزان لحقوق الإنسان ، تقرير إحصائي حول الخسائر الفلسطينية نتيجة الحرب
• المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ، مدنيون مستهدفون
• تقرير منظمة العفو الدولية ، عملية الرصاص المسكوب 22 يوما من الحرب على غزة يوليو 2009
• تقرير المجلس العالمي لحقوق الإنسان – تقرير غولدستون 23/9/2009.
• العديد من المواقع الالكترونية.
• الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ، كتاب الاحصاء السنوي رقم 9 نوفمبر 2009
غـــزة إلــى أيـــن
إعــداد / أكــرم أبــو عمــرو
مقدمة
كثيرة هي الكتابات حول قطاع غزة وما جرى ويجري فيه ، لكن استطيع القول أن القليل من تناول القطاع بشمولية الحاضرة وبنظرة فاحصة ، فغزة ذلك الجزء الصغير جدا في المساحة الجغرافية بالنسبة لباقي أقاليم ودول بل ومدن العالم ، احتلت مكانا بارزا على مسرح الأحداث العالمية بل في كثير من الأحيان احتلت مكان الصدارة في هذه الأحداث ولم يختطف هذه المكانة منها سوى بعض الأحداث العالمية الكبرى، مثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001 ، والحرب الأمريكية في أفغانستان 2001 ، والحرب الأمريكية على العراق عام 2003 ، وبعض الأحداث الأخرى ، ولكن سرعان ما تعود لمكانتها، واعتقد أن لا أحد في هذا العالم لا يعرف غزة، ليس بفضل الجغرافيا وخرائطها، ولكن بفضل أعمدة الدخان ولهيب النيران المتصاعدة من غزة ، من لون الدماء وصور الأشلاء ، من صرخات الأطفال والنساء ، من آهات الثكالى وأنات اليتامى، من صور الدمار والخراب التي تقشعر لها الأبدان ، من حالة غزة الصامدة الصابرة التي تشهد الموت بالجملة بسبب الحصار، اقتصاد متهالك أو يمكن القول لا اقتصاد اللهم من اقتصاد الأنفاق الغريب والفريد من نوعه في العالم ، حصار بحري ومياه مسروقة وكهرباء كثبره الغياب ، ومع ذلك وغزة لم تهدأ... فمنذ العام 1948 أي منذ النكبة ... النكبة التي كان من نتائجها أن جعلت نحو 66.5% من سكان قطاع غزة لاجئين، كانت دائما مهد الثورة والمقاومة، مهد الصمود والتصدي، مهد الرفض لكل محاولات التدويل والتوطين، منها انطلقت أول ثورة من نوعها عرفها التاريخ... ثورة الحجارة والانتفاضة، غزة التي تجيش لها الجيوش وتشن عليها حرب، صحيح أنها ليست الأولى في تاريخها ولكنها بالتأكيد هي الأشرس والأقوى ، حرب استهدفت كل شيء على هذه الأرض، غافل من يعتقد أنها استهدفت فصائل المقاومة حماس كانت أم الجهاد أو فتح وغيرها ، فعندما تهتز الأرض بمن عليها من شدة قوة انفجارات احد قنابل طائرات أل F16 الكثيرة ، وعندما لا تدري أين ومتي تسقط القنبلة الثانية والثالثة والألف ، وعندما تشاهد الأطفال والنساء والشيوخ العزل يصرعون تحت الأنقاض وبقنابل الفسفور الأبيض عندها تدرك أن الكل مستهدف ... الشعب الفلسطيني مستهدف من هذه الحرب، سواء أكان في غزة أم خارجها لان غزة جزء من الحالة الفلسطينية وما يجري في غزة ليس بمعزل عن قضية الشعب الفلسطيني ولا يمكن للصراع أن يمضي بدون غزة ، وهنا يتبادر إلى الذهن بعض الاسئلة وهي:
لماذا غزة ؟
وما النتائج الحقيقية لهذه الحرب ؟
وهل حققت إسرائيل أهدافها المعلنة والغير المعلنة من وراء هذه الحرب؟
ثم ماذا بعد ؟ وغزة إلي أين؟
هذا ما سنحاول الإجابة علية لعلي أدلي بدلوي بعد مرور عام كامل على هذه الحرب الظالمة التي ما زال شعبنا يعاني من أثارها واعتقد بأننا لم نستفد من درسها حتى الآن ، ولعلنا نتوقف جميعا شعبا وقيادات لاستخلاص العبر والدروس .
وللإجابة على هذه الأسئلة فلا بد من الإشارة إلى :
• غزة بين التاريخ والجغرافيا
• الظروف الاقتصادية والاجتماعية لقطاع غزة
• اثر الممارسات الإسرائيلية من حصار وإغلاق واعتداءات على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة
• الحرب الإسرائيلية الأخيرة
• الظروف السياسية في قطاع غزة
غزة بـــــين التـــاريخ والجغـــرافيا
غزة من عمق التاريخ إلى صدارة الأحداث العالمية
منذ مدة تتراوح بين 5500 و 6000 عام كانت النشأة الأولي لمدينة غزة على يد القبائل الكنعانية القديمة ، تاريخ موغل في القدم يجعلها واحدة من المدن القليلة الأقدم في هذا العالم ، جاء موقعها في الجزء الجنوبي من الساحل الشرقي للبحر المتوسط عند التقاء إقليمين جغرافيين متباينين، إقليم البحر المتوسط بمناخه المعتدل وأراضيه الخصبة ومياهه العذبة، والإقليم الصحراوي الجاف، برماله المتحركة ، موقعا جعل من سمات المدينة التغير الدائم ، فهي نقطة الاستراحة والترحال عندما كانت تمر منها أبرز الطرق التجارية القديمة التي تتجمع فيها التجارة القادمة من الهند، وحضرموت واليمن ومكة، لتنتقل فيما بعد إلى بلاد الشام الى الشمال، ووادي النيل الى الجنوب، كما كانت نقطة الصدام والاحتكاك بين الحضارات ومسرحا للمعارك، ذو علاقة مع المصريين القدماء ، حيث عبرها الكثير من ملوك مصر "الفراعنة"، إما لفتحها أو للانطلاق منها لفتح الشام، وكانت المقر الرئيسي للجيش المصري في عهد الأسرة الثامنة عشر والتاسعة عشر ، واتخذها تحتمس قاعدة لهجومه، ثم خضعت غزة لسيطرة الهكسوس بعد أن صمدت أمامهم فترة طويلة، عندما كانت تأخذ موقعاً عند تل العجول، حيث كان البحر قريباً من المدينة، والسفن ترسوا على شواطئها، وقد عثر على كثير من الآثار التي تدل على هذه الحقبة من تاريخ غزة، تضمن حلي ذهبية وكنوز ثمينة.
ثم خضعت مدينة غزة للفلسطينيين، وهم شعب جاء من احد جزر البحر المتوسط، وأسسوا خمس ممالك، وكانت غزة إحداها، وقد أطلق اسم فلسطين على أرض كنعان نسبة إلى هذه القبائل، ثم تعرضت مدينة غزة لحكم الأشوريين، في عهد ملكهم تبغلات بلازر الأول، حبث دارت معارك متعددة بين المصريين والأشوريين، فتحالف أهلها مع المصريين، ثم جاء الملك سرجت، وتمكن من إخضاعها، وأسر ملكها حانون عام 720 ق م، وبقيت غزة خاضعة للأشوريين حتى عام 609 ق م، ليعيدها الملك نيخو الثاني المصري إلى حظيرة المملكة المصرية بقوة السلاح. وتوالت الأقوام على غزة حيث خضعت للحكم البابلي ، بهد مهاجمة ملكهم سرجون ، ثم ابنه كارام سين، إلا أن حكمهم لم يدم طويلاً لتمكن المصريين من استرداد المدينة ، وخضعت غزة مرة ثانية للبابليين.
في عام 535 ق.م خضعت غزة لحكم الفرس في عهد ملكهم قنبيز، واتخذوها موقعاً حربياً ومنطلقا لتحركاتهم نحو مصر، ومنحت غزة إدارة مستقلة ضمن التشكيلات الإدارية التي أحدثها الفرس على فلسطين، ثم خضعت غزة للحكم اليوناني في عهد الإسكندر الأكبر المقدوني عام 332 ق م. بعد أن حاصرها مدة طويلة، لأنها استعصت عليه، وأصبحت مدينة عظيمة، وشجع عدد من اليونانيين للإقامة فيها والاختلاط بأهلها، وانتشرت اللغة اليونانية في البلاد، وأصبحت لغة البلاد الرسمية، ولغة العلم والمدارس، ثم خضعت المدينة لحكم الرومان عام 96ق م، وكانت غزة تدار رأساً من إمبراطور الرومان عن طريق مندوب سامي، واستمر الحكم الروماني حتى عام 634م وتشير كتب التاريخ إلى صلابة شعب غزة وتمسكه الدائم بما ورثه، وحفاظه على قوميته وكرهه للغزاة، وكانت غزة في العهد القديم من معاقل الوثنية، وفي عام 634 م فتحت مدينة غزة من قبل العرب المسلمين على يد القائد أبي أمامة الباهلي بعد معركة الدمثية – داثن، وفي عام 1100م تم احتلال مدينة غزة من قبل الصليبيين بقيادة جودفري، وقد حاول الصليبيون طمس الأهمية التجارية لغزة بعد إن جعلوا من عسقلان المركز الرئيسي للنصرانية في فلسطين، واستمر ذلك حتى عام 1149 عندما أمر الملك الصليبي بلدوين الثالث بإعادة تحصين غزة، فهدم أسوارها القديمة وبني فيها سوراً جديداً عادت غزة للحكم الإسلامي عام 1187م بعد انتصار المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين في موقعه حطين، ثم عادت غزة ثانية إلى حكم الصليبيين، إلا أن القائد بيبرس تمكن من هزيمة الصليبيين في معركة غزة الثانية، والتي كانت لها أكبر الأثر في طرد الصليبيين من فلسطين، حتى أن بعض المؤرخين أطلقوا عليها حطين الثانية، ثم تعرضت غزة للغزو المغولي المدمر إلا أن المسلمين تمكنوا من هزيمتهم على يد القائد ركن الدين بيبرس عام 1260م في موقعة عين جالوت، وتم طرد المغول نهائياً من فلسطين.
وهكذا فإن غزة كانت في عهد المماليك محطة للسلاطين يمرون منها في كل غزوة ضد الصليبيين، أو المغول، فأصبحت من أهم مراكز البريد، وقد زارها سلاطين المماليك والكثير من الرحالة، ثم خضعت غزة للحكم العثماني بعد انتصار العثمانيين على المماليك، في موقعه مرج دابق عام 1516م، ولعبت دوراً هاما إبان الحكم العثماني وكانت في أغلب الأوقات سنجقاً أو لواء في ولاية الشام، وفي عام 1799م احتلها نابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية على مصر وبلاد الشام، كما دخلت تحت الحكم المصري عام 1831 بعد أن أرسل محمد على إلى مصر حملة إلى بلاد الشام بقيادة ابنه إبراهيم باشا وانسحب عام 1841م.
وفي عام 1917م دخلت غزة تحت الحكم البريطاني، واستمرت كذلك حتى عام 1948 حيث خضعت للإدارة المصرية، وفي عام 1956 وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي نتيجة العدوان الثلاثي على مصر وعادت عام 1957 الى الإدارة المصرية وفي عام 1967 وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي في أعقاب حرب الخامس من حزيران 1967، وفي عام 1994 أعادت إسرائيل انتشار جنودها في قطاع غزة لتتولى إدارة القطاع السلطة الوطنية الفلسطينية إثر اتفاقات أوسلو.
طوال هذا التاريخ الطويل كانت غزة جزءاً من الوطن الفلسطيني، شاركت في جميع الثورات ضد البريطانيين واليهود أعوام 1929، 1936، 1948، ثم تعرضت لعدوان 1956 و 1967 وأخيرا تعرضت إلى حرب هي الأشرس في تاريخ غزة الطويل شنتها إسرائيل في السابع العشرين من كانون الأول علم 2008 واستمرت لمدة اثنين وعشرون يوما لتنتهي يوم 18/1/2009 مخلفة وراءها آلاف الشهداء والجرحى ودمارا واسعا لحق بمنازل المواطنين والمنشآت الاقتصادية والحكومية ودمارا واسعا أصاب الأراضي الزراعية والبنية التحتية والتي ما زال يعاني منها سكان القطاع .
بعد النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني عام1948 وحتى الآن كانت غزة هي البداية بداية الثورة على الطغيان والظلم ، ثورة على الاحتلال ففي خمسينات القرن الماضي انطلقت منها الطلائع الأولى للثورة ومنها كتائب الفدائيين بقيادة القائد المصري الشهيد مصطفى حافظ معلنة للكيان الصهيوني أن شعب فلسطين ما زال حيا وان العودة إلى فلسطين هي هدفه الاسمي، ومن غزة انطلقت ثورة الشباب الفلسطيني الرافض لدعاوى التدويل وتمييع القضبة، ومن غزة كانت المحطة الأولى لمنظمة التحرير الفلسطيني وجيش التحرير الفلسطيني ، ومن غزة كانت الشرارة الأولى للثورة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي في أعقاب حرب عام 1967، ومن غزة كانت أول هبة جماهيرية ضد الاحتلال دخلت القاموس السياسي باسم الانتفاضة في كانون الأول عام 1987 ، انتفاضة أذهلت العالم بتنظيمها وقوتها ، واستمرت الانتفاضة لمواجهة العدو الغاصب ، ولم تتوان قوات الاحتلال الإسرائيلي عن ممارسة أبشع الجرائم بحق أبناء شعبنا فأطلقت نيران أسلحتها المختلفة على جموع الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، الذين كانوا يخرجون بصدورهم العارية وأيديهم المزودة بحجارة هذه الأرض ليصرخوا في وجه المحتل أن لا بقاء لك في أرضنا، آلاف الشهداء الذين سقطوا وآلاف الجرحى ومئات المنازل التي هدمت كانت حصيلة الانتفاضة وهي الأولى من نوعها بعد ثورة 1936
في سبتمبر عام 1993 تم توقيع اتفاقية إعلان المبادئ في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية بعد جهود مضنية بدأت منذ العام 1988 مرورا بمؤتمر مدريد للسلام ، كانت اتفاقية باعثة للأمل للفلسطينيين على الرغم من إجحافها وكان عنوانها غزة أريحا أولا هكذا غزة كانت أولا دائما وذلك قبل إن تمتد إلى باقي الأراضي الفلسطينية بعد توقيع الاتفاقية المرحلية في 28/9/1995 التي تقضي بإعادة انتشار قوات الاحتلال في الضفة الغربية وانطلق الفلسطينيون من غزة بوضع الأساسات الأولى للدولة الفلسطينية وهذه المرة على ارض فلسطينية حيث أنشئت أول سلطة وطنية بزعامة الرئيس الخالد الشهيد ياسر عرفات وبدا الرئيس عرفات بإنشاء المؤسسات كالوزارات والهيئات المختلفة لإدارة شئون المواطنين ، وبدأت البلاد ورشة عمل كبيرة من أعمال البناء بناء ما خربة الاحتلال شمل العديد من المرافق الصحية والتعليمية والاجتماعية والأمنية ، فتم إصلاح العديد من الطرق وشق طرق جديدة وازداد عدد المدارس ومراكز الرعاية الصحية بل وأقيم أول مطار فلسطيني يربط قطاع غزة بباقي أنحاء العالم ، وانتعشت القطاع الصناعي والزراعي والتجاري في مؤشرات لاتجاه الاقتصاد الفلسطيني إلى النمو سواء في الناتج المحلي أو في ارتفاع معدل دخل الفرد ، واستمر هذا الوضع حتى عام 2000 تخلل هذه الفترة الكثير من الممارسات الإسرائيلية كفرض الأطواق الأمنية على قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية في أعقاب كل عملية استشهادية ، وتصدى المواطنين الفلسطينيين للجنود الإسرائيليين في هبة النفق في أيلول 1996، ولكن ابرز الممارسات الإسرائيلية هي المماطلة والتسويف في تنفيذ الاتفاقيات التي أبرمتها مع منظمة التحرير الفلسطينية ، في عام 2000 اندلعت الانتفاضة الثانية بعد محاولة ارئيل شارون رئيس الحكومة الإسرائيلية فيما بعد تدنيس الأقصى بمساعدة رئيس الحكومة الإسرائيلي آنذاك أيهود باراك وسرعان ما امتدت شرارتها إلى قطاع غزة ، وبدأت المواجهات الدامية بين الشعب الأعزل والجنود المدججين بأحدث أنواع الأسلحة وأشدها فتكا وخطورة، حيث استخدمت إسرائيل الذخائر المستخدم فيها اليورانيوم المنضب، والذخائر المحرمة دولياً، مثل القنابل المسمارية وغيرها ، وكان نتيجة هذه الممارسات سقوط آلاف الشهداء وآلاف الجرحى وتدمير آلاف المباني الحكومية على رأسها المقار الأمنية الفلسطينية وكذلك منازل المواطنين ، وتجريف مساحات واسعة من ألأراضي الزراعية واقتلاع عشرات مئات آلالاف من الأشجار، كما شهدت قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بأعمال الاغتيالات بحق رموز وقيادات الشعب الفلسطيني ، ومنهم أبو على مصطفى ، والشيخ احمد ياسين ، والرئيس أبو عمار بعد محاصرته في المقاطعة برام الله في 11/11/2004. منذ هذا التاريخ والأراضي الفلسطينية تشهد حراك سياسي هو الأخطر في التاريخ الفلسطيني فبعد تولي الرئيس محمود عباس مقاليد السلطة بعد انتخابات رئاسية نزيهة شهد بها العالم اجمع وذلك يوم 9/1/2005 ، مضى الرئيس عباس في مسيرته وفق برنامجة الانتخابي المعلن والذي تضمن الجانب السياسي فيه المضي قدما في المفاوضات السلمية مع الجانب الإسرائيلي ورفضه الدائم لما يسمى بعسكرة الانتفاضة ، شهدت السنة الأولى من ولاية الرئيس عباس اخلاءاً إسرائيليا آحادي الجانب للمستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة وكان ذلك يوم 12/9/2005 ، كما شهدت توقيع اتفاقية المعابر التي تنظم الدخول من والي قطاع غزة عبر معبر رفح البري ، كما شهدت أول انتخابات للمجالس المحلية، هنا بدأت تظهر المؤشرات التي تنذر بحدوث تغيير في النظام السياسي الفلسطيني بعد التقدم التي أظهرته نتائج الانتخابات للتيارات الإسلامية، في السنة الثانية لولاية الرئيس عباس نظمت الانتخابات التشريعية الفلسطينية وكانت النتيجة فوز حركة حماس بمعظم مقاعد المجلس التشريعي وهنا لابد من التوقف قليلا للإجابة على هذين السؤالين اللذين خطرا ببال الجميع ، الأول : لماذا كان هذا التقدم الكبير للتيارات الإسلامية وعلى رأسها حركة حماس في الشارع الفلسطيني ؟ والثاني : لماذا قبلت حماس الانخراط في هذه العملية السياسية التي هي وليدة اتفاقات أوسلو الرافضة لها حركة حماس ؟ بالنسبة للسؤال الأول فإن التقدم الكبير لحماس إنما يرجع إلى خمسة أسباب رئيسية وهي:
• النزعة الدينية الفطرية للشعب الفلسطيني والتي استخدمتها حركة حماس بشكل جيد عبر مئات المساجد المنتشرة في قطاع غزة، حيث تشير الإحصاءات إلى تزايد عدد المساجد بنسبة كبيرة خلال السنوات الأخيرة ففي سنة 1998 كان عدد المساجد في قطاع غزة 408 مسجد ارتفع عددها لتصيح 795 مسجدا عام 2007 أي بنسبة زيادة قدرها95%.
• انخراط حركة فتح في السلطة مبتعدة عن كل أشكال التأطير والتنظيم والاتصال بالقاعدة الأوسع من الجماهير خصوصا في ظل عدم انعقاد الموتمر العام الدوري لحركة فتح لمدة وصلت إلى 18 عاما ، الامر الذي جعلها غير قادرة على ضخ دماء جديدة في الحركة.
• بعض التجاوزات التي مارسها بعض أفراد الأجهزة الأمنية ، تجاه المواطنين تم استغلالها بشكل جيد من قبل حركة حماس وباقي فصائل المعارضة في مختلف وسائل الإعلام في جميع المناسبات.
• الأضرار الكبيرة التي لحقت بالأجهزة الأمنية جراء الاعتداءات الإسرائيلية خلال انتفاضة الأقصى ، حيث سقط المئات شهداء من قوات الأمن الوطني وجهاز الشرطة ، وتم تدمير المباني والمقار التابعة للأجهزة الأمنية مما افقد هذه الأجهزة فسطا كبيرا من إمكاناتها وقدراتها التي أثرت بشكل مباشر على أداؤها .
• ضعف الأداء الإعلامي الرسمي للسلطة الوطنية الفلسطينية من جهة وضعف الأداء الإعلامي لحركة فتح والفصائل المناصرة لها في إيصال طبيعة وأهداف ورسالة السلطة الوطنية الفلسطينية من جهة أخرى ، هذا الأداء الذي بالغ كثيرا في إظهار السلطة وكأنها دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وهي غير ذلك حيث أنها لا تعدو كونها مجرد حكما ذاتيا محدودا تمثل مرحلة انتقالية مدتها 5 سنوات يتخللها مفاوضات الحل النهائي وتنتهي بإقامة الدولة الفلسطينية بغض النظر عن المماطلات والتسويفات الإسرائيلية وتنصلها من تنفيذ الاتفاقيات المبرمة مع منظمة التحرير الفلسطينية أثناء هذه المرحلة وبعدها .
هذه العوامل ساهمت في انتشار نوع من الفوضى التي بدأت بأشكال الفساد المالي والإداري ، وفوضى السلاح واستخدامه بشكل مفرط في الأفراح والنزاعات العائلية وغيرها مما احدث نوعا من الانفلات الأمني الخطير راح ضحيته العديد من أبناء هذا الشعب ناهيك عن عمليات الاختطاف التي نالت العديد من الأجانب الذين قدموا إلى هذه البلاد كصحفيين أو خبراء ، بل طالت الاختطافات قادة الأجهزة الأمنية والمسئولين ، ونتيجة لهذه الظروف تشكلت رغبة قوية لدي الشعب الفلسطيني في التغيير أملا في حياة أفضل ، وكان فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير 2006 ، وتم تشكيل حكومة فلسطينية من الأغلبية البرلمانية وهي الحكومة العاشرة وجميع أعضائها تابعين لحركة حماس أو مناصرين لها وانتقل الحكم بسلاسة ويسر لتبدأ حركة حماس في مشوارها بإدارة الشئون الفلسطينية .
أما فيما يتعلق بالسؤال الثاني حول قبول حماس الانخراط في العملية السياسية التي هي من نتاج اتفاقيات أوسلو، اعتقد بان هذا القبول لا يعني تغيرا في موقف أو مواقف حركة حماس من اتفاقيات أوسلو ، فحركة حماس كما هو معروف هي جزء من حركة الإخوان المسلمين العالمية لها برنامجها الذي يعكس تطلعاتها ، ومن المعروف أن حركة الإخوان المسلمين لم تتمكن ومنذ نشأتها من تحقيق تطلعاتها السياسية بإقامة الدولة الإسلامية سواء في البلاد الإسلامية أو البلاد العربية، بسب العديد من الأسباب أهمها محاربة أنظمة الحكم المختلفة في البلاد العربية والإسلامية للتنظيمات والأحزاب ذات التوجهات الإسلامية ، بالاضاقة إلى ما شهدته الساحة الإسلامية بالتحديد من ما يسمى بالحرب ضد الإرهاب والتي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين مثل الحرب في أفغانستان والعراق "حاليا امتدت تداعيات تلك الحروب لتصل إلى باكستان واليمن ، ومن المرجح امتدادها إلى مناطق أخرى في العالم الإسلامي والعربي " من هنا كانت الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بالظروف السياسية المحيطة بها فرصة سانحة لحركة الإخوان لتحقيق حلمها بتثبيت أقدامها على أي مساحة جغرافية مهما كان حجمها لتشكل نواة لدولة إسلامية كبيرة تضم العالم الإسلامي أو معظمه .
ربما اعتقدت حركة حماس بفوزها في الانتخابات التشريعية وما لمسته من شهادات دولية بنزاهة الانتخابات وصحة نتائجها أن الطريق أصبح معبداً وسهلاً أمامها سرعان ما اكتشفت أنها غير مرغوب فيها، فقد أعلنت كل من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي عدم اعترافها بالحكومة الفلسطينية، وبالتالي عدم التعاون معها، وكان للموقف الأمريكي تجاه هذه الحكومة اثر كبير على معظم الدول العربية، والإسلامية التي أبدت ترحيبا بها سرعان ما تراجعت أمام الضغوط الأمريكية والأوروبية، بل استجابت للتهديدات الأمريكية بالمشاركة في حصارها ، من جهتها سارعت إسرائيل بتشديد الحصار على قطاع غزة، وأوقفت التعامل بالكود الجمركي المعمول به في 21/6/2007 الأمر الذي توقف معه كل أشكال النشاط التجاري من والى إسرائيل أو عبر الموانئ الإسرائيلية، وبالتالي أصبحت هذه الحكومة محاصرة دوليا فتوقفت المساعدات المالية الدولية ، وفرضت الرقابة على المعابر والمنافذ البرية لتقليص عبور البضائع التجارية والمستلزمات الحياتية للشعب الفلسطيني ، وسرعان ما اصيحت الحكومة الفلسطينية عاجزة عن تسديد التزاماتها تجاه الشعب مثل تسديد رواتب الموظفين ، والمصاريف الجارية للإدارات والمؤسسات الرسمية، وتوقفت عجلة التنمية ، بل توقف العمل في كثير من المشاريع القائمة ،وبدأ الشلل يدب في القطاعات الاقتصادية صاحبه ركودا تجاريا خطيرا الأمر انعكس بشكل كبير على المواطنين حيث ارتفعت نسبة البطالة من 30.3% في نهاية عام 2005 إلى 40.6% نهاية عام 2008 وبالإضافة إلى ما واجهه الشعب الفلسطيني خصوصا في قطاع غزة من معاناة اقتصادية أصبح يعانى كثيرا من المناكفات والسجالات السياسية حول تنازع الصلاحيات بين مؤسسة الرئاسة والحكومة ، وبين حركتي حماس وفتح كثيرا ما استخدم السلاح في هذه السجالات راح ضحيتها العديد من أبناء هذا الوطن، وتواصلت المناكفات السياسية تخللها العديد من جلسات الحوار بين الجانبين انتهت بتشكيل حكومة وحدة وطنية بعد اتفاق مكة شباط 2007 ، إلا أن هذه الحكومة لم يمض عليها أكثر من ثلاثة أشهر لتمنى بالفشل نتيجة اشتداد وتيرة المناكفات، وتزايد عمليات استخدام السلاح " الفلتان الأمني" سقط جراءه المئات من أبناء شعبنا انتهى بالانقلاب أو "الحسم العسكري" كما أطلقت عليه حركة حماس في 14/6/2007 راح ضحيته 172 شهيدا سقطوا خلال الفترة من من7/6/2007 – 27/6/2007 ومئات الجرحى الذين أصيب معظمهم بإعاقات دائمة، وكان نتيجة هذا الانقلاب أو الحسم أن دب الانقسام بين شطري الوطن الفلسطيني وما زال قطاع غزة خاصة والساحة الفلسطينية عامة تعاني من تداعيات هذا الانقسام الذي عطل عمل المجلس التشريعي كما عطل عمل أجهزة السلطة في قطاع غزة خاصة بعد الحرب الشرسة التي شنتها إسرائيل ضد قطاع غزة في أواخر كانون الأول 2008 ، وسوف نعود إلى تداعيات الانقسام الفلسطيني عند تناول الظروف السياسية لقطاع غزة .
الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في قطاع غزة
سكان قطاع غزة
أشارت نتائج الإحصاءات التي فام بها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2007 الى أن عدد سكان القطاع بلغ 1416543 نسمة وان معدل نمو السكان بلغ 3.3% وقد بلغ عدد اللاجئين 942287 نسمة بنسبة 66.5% من سكان القطاع، وبالنسبة لتوزيع السكان حسب الجنس فتشير الإحصاءات بأن 50.7% ذكور و 49.3% إناث وقد بلغت نسبة الأطفال دون سن أل 14 عاما 48.3% ، و بلغت نسبة السكان التي تتراوح اعمارهم بين 14-64 سنة 49% ، أما نسبة عدد السكان فوق أل 65 سنة فقد بلغت 2.7% هذا يعني أن المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة هو مجتمعا فتيا حيث تقترب نسبة عدد الأطفال فيه من أل 50% من إجمالي عدد السكان ما يشير إلى ارتفاع نسبة الإعالة في المجتمع الفلسطيني ، وينتظم سكان القطاع في 219220 أسرة بمتوسط حجم للأسرة بلغ 6.5 فرد/أسرة .
يعمل معظم السكان في قطاع الخدمات إذ ضم هذا القطاع 50.9% من إجمالي عدد القوى العاملة ، يليه قطاع التجارة والمطاعم 18% و الزراعة 13.1% والنقل والتخزين 6.9% و الصناعة 6.6% ثم قطاع البناء والتشييد 4.4% وتتغير هذه النسب بتغير الظروف الاقتصادية والسياسية المحيطة بقطاع غزة حيث ارتفعت نسبة العاملين في القطاع الصناعي مقابل تراجع نسبة العاملين في القطاع الزراعي نظرا لهجرة الكثير من أفراد القوة العاملة في القطاع الزراعي لهذه الحرفة والتوجه لحرف أخرى مثل الصناعة والخدمات وذلك لارتفاع معدلات الدخل في هذه القطاعات ولكن بعد اندلاع انتفاضة الأقصى في 28/9/2000 وتعرض العديد من المنشآت الصناعية إلى التدمير من جهة والي الإغلاق من جهة أخرى بسبب الممارسات الإسرائيلية انتقل عدد كبير من العاملين في القطاع الصناعي إلى حرف أخرى.
لقد ألقت الظروف السياسية المحيطة بقطاع غزة بظلالها على الأوضاع الاجتماعية بشكل عام، ولا يوجد هنا مجال للإشارة إليها بنوع من التفصيل ويكفي القول بان سنوات الاحتلال الطويلة التي مر عليها أكثر من أربعين عاما وحدوث انتفاضتين الأخيرة منهما وهي انتفاضة الأقصى المستمرة تداعياتها، عاش فيها المواطن الفلسطيني في وضع أشبة أو قريبا من حالة الحرب أثرت كثيرا في طبيعة وحالة المجتمع الفلسطيني، وما زال يعاني من تداعياتها فانخفاض مستويات الدخل وانعدامها في كثير من الأحيان لقطاعات كبيرة من المواطنين بالإضافة إلى الأزمات والضغوطات النفسية وانتشار ظاهرة البطالة وتزايد عمليات العنف خاصة لدى الأطفال والنساء، إن كل هذه الظروف ستؤدي إلى عدم توفر الأمن والاستقرار ربما يؤدي إلى حدوث تغبر في أنماط الحياة الاجتماعية والتعليمية والصحية.
أما على صعيد الخدمات الاجتماعية فقد عملت السلطة الوطنية في سياق مجهوداتها لترسيخ دعائم الدولة الفلسطينية على النهوض بالمجتمع الفلسطيني فاهتمت بقطاع التعليم حيث تم التوسع في بناء المدارس لمواكبة النمو السكاني فارتفع عدد المدارس في مراحل التعليم المختلفة من 338 مدرسة في العام الدراسي 1994/1995 الى 626 مدرسة بما فيها مدارس وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين ، في العام الدراسي 2007/2008 أي بنسبة زيادة قدرها 85%،وتضم المدارس 443740 طالبا، وذلك في العام الدراسي 2007/2008 ، وتم التوسع في التعليم العالي وأصبح في قطاع غزة عددا من الجامعات تضم العديد من التخصصات العلمية والعملية وتقدم خدماتها لعشرات الآلاف من أبناء القطاع الذين كانوا يضطرون للسفر إلى خارج القطاع لتلقي تعليمهم العالي، كما اهتمت بالقطاع الصحي فارتفع عدد المستشفيات من 4 مستشفيات في العام 1995 إلى 24 مستشفى في العام 2007 تضم 2128 سريرا ، و3405 طبيبا ، و4594 ممرضا ، وتوسعت خدمات الرعاية الاجتماعية والتدريب المهني .
اقتصاديا بدا النشاط يدب في مختلف القطاعات الاقتصادية لكي تسهم في زيادة قيمة الناتج المحلي والدخل القومي ففي قطاع الزراعة بلغت المساحة الزراعية 181282 دونم أي نحو 50% من مساحة القطاع ، إلا أن محاولات السلطة الوطنية في دفع عجلة التنمية إلى الأمام اصطدمت بالإجراءات الإسرائيلية العدوانية، من حصار وإغلاق وتدمير من جهة وإيقاف إسرائيل العمل بالكود الجمركي اعتبار من يوم 21/6/2007 حيث منع بموجب هذا القرار الجائر الفلسطينيين من استيراد أو تصدير أي سلعة من إسرائيل أو من خارج إسرائيل عبر الموانئ الإسرائيلية ومما يذكر بان الإحصاءات الاقتصادية لعام 2004 تشير إلى أن 73% من واردات قطاع غزة كانت تأتي من إسرائيل و 90% من صادرات القطاع تتجه إلى إسرائيل هذا يعني أن اقتصاد قطاع غزة ما زال مرهونا بالإجراءات الإسرائيلية نظرا لارتباطه الشديد بإسرائيل التي جعلت الطريق معبدا لانهيار الاقتصاد الفلسطيني الأمر الذي زادت معه معدلات الفقر والبطالة وبات الأغلبية العظمى من المواطنين ينتظر ما تقدمه المؤسسات الدولية من مساعدات محدودة، ومن الممارسات الإسرائيلية تعرض مساحات واسعة من الأراضي الزراعية لأعمال التجريف وقطع الأشجار من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي الأمر الذي ترك أثاره السلبية على الاقتصاد الفلسطيني خاصة الزراعي منه وكذلك القطاع الصناعي بلغ عدد المنشآت الصناعية 3900 منشأة عام 2005 ويعمل بها 35000 عامل انخفضت إلى 780 منشأة يعمل بها 4200 عامل عام 2007 أي بنسبة انخفاض 88% بسب الاعتداءات الإسرائيلية وسياسة الحصار والإغلاق المفروضة على القطاع ،
إن الممارسات والإجراءات الإسرائيلية أثرت بشكل كبير وخطير على السكان الفلسطينيين في قطاع غزة حيث عملت على ازدياد معدلات الفقر بشكل غير مسبوق فقد قدر مكتب الأمم المتحدة للشئون الإنسانية إلى أن 79% من الأسر الفلسطينية في قطاع غزة تعيش تحت خط الفقر ، في حين قدر معهد دراسات التنمية بان 87% من الأسر تعيش تحت خط الفقر .
الانتفاضة الفلسطينية آثار وتداعيات
في الثامن والعشرين من شهر أيلول عام 2000، أطلق أرئيل شارون، وبمباركة من أيهود باراك، رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك، رصاصة طائشة ما زالت تدوي وتصم الآذان في مختلف أصقاع الأرض، رصاصة تنم عن الحقد الدفين من شخص حاقد على كل شيء، شخص ألف الإرهاب في زمن انقلبت فيه المعايير، رصاصة أشعلت نيرانا كانت خامدة تحت الرماد، عندما حاول دخول المسجد الأقصى المبارك، رغم تحذيرات القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس ياسر عرفات في ذلك الوقت ، وتحذيرات العديد من دول العالم، والنداءات المتكررة التي تطالبه بعدم الإقدام على مثل هذه الخطوة، لأن بها مساسا خطيرا بمشاعر العرب والمسلمين.
لقد كانت القيادة الفلسطينية ومن ورائها القوى المحبة للسلام، تدرك أبعاد خطورة مثل هذه الخطوة، في ظل احتقان متزايد لدى الشعب الفلسطيني، في ذلك الوقت كان قد مر 6 سنوات وبضعة أشهر على قيام أول سلطة وطنية فلسطينية على أرض الوطن، جاءت بعد مخاض عسير، وبعد جهود سياسية مضنية ومفاوضات سرية وعلنية أسفرت في النهاية على توقيع اتفاقية إعلان المبادئ يوم 13/9/1993 في واشنطن وبمباركة من الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا والعديد من الدول.
ست سنوات كان من المفروض أن تشهد حلا لأكثر قضايا العصر تعقيدا، وذلك بعد انتهاء المرحلة الانتقالية التي تضمنتها اتفاقية إعلان المبادئ، ولكن وأمام الصلف والغرور الإسرائيلي، وأمام المماطلة والتسويف لم يتم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بالكامل، وبقي حال الشعب الفلسطيني على ما هو عليه من حصار وإغلاق متواصل، حواجز وتجزئة للأراضي، نشاط وتوسع استيطاني، مصادرة للأراضي، خنق اقتصادي، والنتيجة تدني معدل دخل الفرد، زيادة نسبة البطالة، ومشاكل اجتماعية واقتصادية كبيرة.
لم تنسحب إسرائيل من المناطق التي تم الاتفاق عليها، على الرغم مما شهدته المفاوضات والاتصالات بين الجانبين من مد وجزر، أسفرت عن توقيع بروتوكول إعادة الانتشار في الخليل، ومذكرة واي ريفر.
استمرت المماطلة والتسويف الإسرائيلية على الرغم من تواصل الجهود الدولية وعلى رأسها قمة كامب ديفد عام 2000 برعاية أمريكية، ذهب شارون إلى المسجد الأقصى تحت حراسة نحو 3000 جندي إسرائيلي ليعلن للعالم وبشكل فاضح أن لا سلام إلا السلام الإسرائيلي ولا أمن إلا الأمن الإسرائيلي ولا وجود إلا الوجود الإسرائيلي هذا هو المنهج الذي ينتهجه شارون وزمرته، ناسيا أو متناسيا أن الشعب الفلسطيني هو الرقم الصعب في معادلة الصراع.
المواجهات وأسلحتها
ما أن أعلن عن عزم أرئيل شارون للذهاب إلى المسجد الأقصى، حتى ووجه بأعداد كبيرة من أبناء الشعب الفلسطيني، الذين تجمعوا في باحات المسجد وحوله، ليمنعوه من تدنيس المسجد الأقصى المبارك، وكعادة الفلسطينيين دائما كانوا في مواجهة الآلة الحربية التي رافقت شارون بصدورهم العارية، سلاحهم الوحيد الهتافات ضد سياسة العدوان، وتصميهم على حماية المسجد الأقصى المبارك بأجسادهم يتخلله إلقاء الحجارة والزجاجات الفارغة وكل شئ تصل إليه أيديهم، حتى أنهم استخدموا ألأحذية، فماذا كان رد الجيش الإسرائيلي الذي رافق شارون! إطلاق الرصاص على جموع المواطنين المحتشدين هناك، ما أدى إلى سقوط العديد منهم بين شهيد وجريح.
وما أن انتشر الخبر في سائر الأراضي الفلسطينية، حتى سرت المواجهات في كل محافظات الوطن من رفح جنوبا إلى جنين شمالا حتى أنها شملت الفلسطينيين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 ، في مسيرات غاضبة نتيجة لسقوط العديد من أبناء الوطن في المسجد الأقصى شهداء وجرحى، واتجهت المسيرات نحو الحواجز العسكرية الإسرائيلية المقامة بالقرب من المدن الفلسطينية، فكان رد الجنود الإسرائيليين إطلاق النار بكثافة من مختلف أنواع البنادق والرشاشات الثقيلة ليسقط المزيد من الشهداء والجرحى، و لتتواصل المواجهات التي استمر فيها الفلسطينيون باستخدام الحجارة والزجاجات الحارقة وإشعال الإطارات المطاطية احتجاجاً على هذه الممارسات.
لقد استخدم الجنود الإسرائيليون الذخيرة الحية منذ الساعات الأولى لانتفاضة شعبنا، مما الحق بالشعب الفلسطيني خسائر فادحة في الأرواح، ألهبت غضب الجماهير في الشارع العربي وفي مختلف أنحاء العالم خصوصاً وهم يشاهدون على شاشات التلفاز، الأطفال والنساء والشيوخ يسقطون بنيران الجنود الإسرائيليين.
ولم تمض فترة طويلة حتى قام الإسرائيليون باستخدام جميع أسلحتهم، بل وأشدها فتكا ودماراً، استخدموا الدبابات والطائرات والآلات الحربية، واستخدموا الذخائر المستخدم فيها اليورانيوم المستنفذ في مواجهة شعب أعزل، وكأنها تواجه جيشا مدججا بالسلاح،ولم تكتف إسرائيل بمواجهة الشعب الفلسطيني الأعزل بل عمدت بين الفينة والأخرى إلى شن عمليات اقتحام لعمق المدن والبلدات الفلسطينية مستخدمة آلتها الحربية الكاملة لتعيث في الأرض فسادا من قتل وتدمير للممتلكات وتجريف للأراضي حيث استخدمت الأسلحة التالية:
أولاً: السلاح الجوي
• طائرات F 16 القاذفة المقاتلة.
• طائرات F15 القاذفة المقاتلة.
• طائرات مروحية من طراز أباتشي.
• طائرات مروحية من طراز كوبرا.
• طائرات الاستطلاع بدون طيار، في الثلاث سنوات الأخيرة استخدمتها في قصف واغتيال المواطنين الفلسطينيين .
ثانياً: السلاح البري
• دبابات متطورة من نوع ميركافاه.
• سيارات عسكرية مدرعة ومزودة برشاشات ثقيلة.
• مدافع رشاشة ثقيلة من عيار 500 ملم- 800ملم.
• منصات إطلاق صواريخ أرض - أرض.
• بنادق هجومية متطورة من نوع 16m وجاليل، مجهزة بأجهزة القنص والتصويب.
• بنادق لإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت هذا بالإضافة إلى استخدام الجرافات العسكرية في أعمال التدمير والتجريف.
ثالثاً : السلاح البحري
• زوارق حربية
أما الذخائر التي أطلقت من الأسلحة السابقة فهي على النحو التالي:
• صواريخ وقذائف جو - أرض بما فيها قذائف زنة 2500 باوند.
• صواريخ أرض - أرض متفاوتة المدى ومنها صواريخ لاو وانيرجا
• قذائف المدفعية وقذائف الدبابات شديدة الانفجار.
• القذائف المسمارية
• أعيرة نارية ذات زعانف (فراشة - أجنحة )
• أعيرة نارية متفجرة ومنها (دمدم) المحرم دولياً
• أعيرة نارية من مختلف الأحجام بما فيها أعيرة الرشاشات الثقيلة المتوسطة والخفيفة.
• أعيرة معدنية مغطاة بطبقة مطاطية رفيعة.
• أعيرة مطاطية
• قذائف وقنابل صوتية
• قنابل غاز مسيل للدموع
ومن الجدير ذكره أن هذه الذخائر كانت تطلق على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم بكثافة شديدة ويمكن القول أن جميع هذه القذائف والذخائر أصابت أهدافها إلا ما ندر.
ولإلحاق الجيش الإسرائيلي اكبر الخسائر بالشعب الفلسطيني، فقد استخدمت الذخائر التي استخدم في تصنيعها اليورانيوم المستنفذ حسب تقارير وشهادة العديد من المؤسسات الدولية مثل منظمة International Action Center إذ أشارت وثيقة صادرة عن هذه المنظمة إن القوات الإسرائيلية قامت بتجريب هذه الذخائر على 43 فلسطينياً.
أما الأسلحة التي استخدمها الفلسطينيون في مواجهة الجيش الإسرائيلي فكانت عبارة عن الحجارة و الزجاجات الحارقة والفارغة و الإطارات المطاطية، وفي وقت لاحق استخدمت الأسلحة الفردية الخفيفة بمبادرة شخصية وهي أسلحة خفيفة عبارة عن مسدسات أو بنادق كلاشينكوف.
ولكن مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية وتزايد الخسائر الفلسطينية الفادحة قامت بعض الفصائل الفلسطينية باستخدام الأسلحة التالية:
1.مدافع هاون عيار 70 ملم، و83 ملم ، و120ملم .
2.قذائف قسام.
3.قذائف مضادة للدروع.
4.عبوات ناسفة.
5.قنابل يدوية.
6.بنادق مختلفة.
وبمقارنة السلاح الفلسطيني بالسلاح الإسرائيلي فلا وجه للمقارنة من حيث النوع والحجم والتقنية، ومازال السلاح الفلسطيني خفيفا وقليلا وبدائياً أمام السلاح الإسرائيلي المتطور والحديث الذي يصيب أهدافه بدقة
لقد استخدمت إسرائيل كافة أسلحتها وذخائرها لمواجهة الشعب الفلسطيني الأعزل. على النحو التالي.
• إطلاق النار بكثافة شديدة، وعلى مدار الساعة على المواطنين الفلسطينيين في قراهم ومدنهم، أو على الطرق العامة، أو في مزارعهم ومناطق أعمالهم.
• الاغتيالات ضد من أسمتهم بالمطلوبين الفلسطينيين.
• الاجتياحات والتوغلات المتكررة للمدن والأحياء والقرى.
• المداهمات والاغتيالات والتفتيش.
• التجريف ومصادرة الأراضي.
• القصف بالطائرات والدبابات والزوارق الحربية للمنشآت المدنية والأمنية الفلسطينية.
• ممارسات المستوطنين والجنود المتمركزين على الحواجز العسكرية:
لقد ألحقت هذه الممارسات أفدح الخسائر البشرية والمادية بالشعب الفلسطيني، ففي جميع الأحوال كان الجنود الإسرائيليون يوجهون نيران أسلحتهم مباشرة تجاه المواطنين بغرض إحداث إصابات مباشرة بهم. وكان من نتائج هذه الممارسات، سقوط عشرات الآلاف من الفلسطينيين بين شهيد وجريح ، ولم تقتصر الخسائر على الناحية البشرية فهناك الخسائر المادية الفادحة التي شملت تدمير المنازل والمنشآت المدنية والأمنية، وتدمير الأراضي الزراعية واقتلاع الأشجار، وإحداث أكبر الخسائر بالاقتصاد الفلسطيني.
وفيما يلي عرض لأهم الخسائر التي لحقت بالشعب الفلسطيني في سنوات الانتفاضة 28في الفترة من 28/9/2000 وحتى 26/12/2008
أولا : الخسائر البشرية
1 – الشهداء : يلغ عدد الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الفترة المذكورة أعلاه 5864 شهيد منهم :
• 3369 شهيد في قطاع غزة أي بنسبة 57.5% من إجمالي عدد الشهداء الفلسطينيين .
• 1007 شهيد من الأطفال اقل من 18 عام منهم : 609 شهيد في قطاع غزة بنسبة 60.5 %
• 330 شهيد من الإناث منهم : 206 شهيدة في قطاع غزة بنسبة 62.4%
• 157 شهيد سقطوا على الحواجز العسكرية الإسرائيلية
• 36 شهيد من أفراد الأطقم الطبية منهم 14 شهيد في قطاع غزة: بنسبة 39%
• 10 شهداء من الصحفيين
• 2 - الجرحى بلغ عدد الجرحى الفلسطينيين الذين سقطوا ا بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الفترة المذكورة أعلاه 52999 جريح منهم :35094 جريح في قطاع غزة بنسبة 66.2%
ثانيا : الخسائر المادية
1 – مصادرة الأراضي وأعمال التجريف
• مساحة الأراضي المصادرة لخدمة جدار الضم والتوسع 249521 دونم
• مساحة الأراضي الزراعية المجرفة 82042 دونم
• 2 – الخسائر زراعية
• عدد الأشجار التي اقتلعتها جرافات الاحتلال 1357296 شجرة مثمرة
• خطوط مياه وشيكات ري 979239 متر .
3 – الخسائر الصناعية
تم تدمير 1500 منشأة صناعية وورشة في قطاع غزة
4 – المنازل المدمرة
بلغ عدد المنازل التي دمرتها قوات الاحتلال خلال الفترة المذكورة أعلاه 77759 منزل منها:
• 8103 منزلا دمرت تدميرا كاملا منها 5248 منزلا في قطاع غزة 45 منزل دمرت عن طريق القصف بالطائرات بعد إنذار أصحابها عن طري الهاتف ذلك في أعقاب العملية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في يوم 25/6/2006 جنوب قطاع غزه واسر جندي إسرائيلي ( جلعاد شاليط)
• 69330 منزلا دمرت تديرا جزئيا منها : 26578 منزلا في قطاع غزة
• 423 مبنى ومقر امني منها 340 في قطاع غزة .
إذن من الملاحظ من حجم الخسائر التي لحقت بالشعب الفلسطيني في قطاع غزة أن قوات الاحتلال الإسرائيلي كانت تكثف من اعتداءاتها على القطاع بهدف إلحاق اكبر الخسائر التي تقدر قيمتها بمئات الملايين من الدولارات فعلى سبيل المثال لا الحصر تقدر قيمة التعويضات السنوية لأسر الشهداء في قطاع غزة فقط ب 31.4 مليون دولار ، وتقدر قيمة الخسائر اليومية للأنشطة الاقتصادية المختلفة ب 3.941 مليون دولار / وتقدر قيمة منشآت البنية التحتية ب 1224.1 مليون دولار .
التداعيات السياسية
قبل اندلاع انتفاضة الأقصى، كان العالم أجمع مدركا أن منطقة الشرق الأوسط والأراضي الفلسطينية تحديدا ، تقف على بركان يغلي، وعلى وشك الانفجار ، حيث طال انتظار الفلسطينيين وهم يتابعون كافة الأنشطة السياسية المحلية منها والدولية على أمل تحسن ظروفهم السياسية والاقتصادية ، إلا أن المماطلة والتسويف الاسرائيليه جعلت صبر الشعب الفلسطيني ينفذ خصوصا مع تصاعد الممارسات القمعية لقوات الاحتلال ، فالحصار والإغلاق مستمران والأطواق الإسرائيلية الأمنية متكررة بحيث لا يستطيع معها الفلسطيني من الالتحاق بعمله أو مدرسته وجامعته، بل لم يستطع الوصول إلى المستشفي للعلاج ، في ظل هذه الظروف وقبل اندلاع انتفاضة الأقصى بقليل شهدت الأراضي الفلسطينية عودة الوفد الفلسطيني برئاسة الرئيس ياسر عرفات من واشنطن خالي الوفاض بعد أن أمضى قرابة الأسبوعين في مفاوضات عسيرة وشاقه مع الجانب الإسرائيلي برعاية أمريكية مباشرة في منتجع كامب ديفيد ، ما ساعد على زيادة احتقان الشعب الفلسطيني، ليقف عند حافة الانفجار أمام تصاعد الممارسات الاسرائيليه ضده، وفي ظل هذه الظروف أعلن شارون عن نيته زيارة المسجد الأقصى، ما أدى إلى اندلاع الانتفاضة واجهتها إسرائيل بكل قسوة ملحقة خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات في الجانب الفلسطيني ، الأمر الذي أدى إلى رفض شعبي ورسمي عربي ودولي للممارسات الإسرائيلية ، وهنا استشعر بعض زعماء العالم خطورة الوضع في فلسطين الذي من شأنه تهديد الأمن والسلام في منطقة الشرق الأوسط ولذلك كانت الدعوة لعقد مؤتمر دولي عقد في شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية في شهر تشرين الأول عام 2000 لبحث الوضع في المناطق الفلسطينية. وقد أسفرت هذه القمة عن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في الأراضي الفلسطينية عرفت بلجنة ميتشل، وطلب منها التوجه إلى المناطق الفلسطينية والتعرف عن قرب على الأوضاع السائدة والالتقاء بجميع الأطراف. وبالفعل قامت اللجنة بزيارة المناطق الفلسطينية وقابلت العديد من الشخصيات الرسمية والسياسية، وبعد نحو 6 شهور أصدرت اللجنة تقريرها الشهير بتقرير لجنة ميتشل يوم 30/نيسان 2001 .
وتتمحور التوصيات التي وردت في تقرير ميتشل:
• التزام كل من الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية بالاتفاقيات والتعهدات القائمة والتطبيق الفوري لوقف العنف من دون شروط .
• استئناف التعاون الأمني بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الوطنية الفلسطينية
• وقف كل أشكال التحريض ورفض واستنكار الإرهاب، واعتقال الإرهابيين داخل مناطق السلطة ( رجال المقاومة الفلسطينية) .
• تجميد النشاطات الاستيطانية بما في ذلك النمو الطبيعي.
• انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي إلى مواقعها قبل 28/9/2000 .
• رفع الأطواق المفروضة على الأراضي الفلسطينية من قبل قوات الجيش الإسرائيلي وأن تحول إلي السلطة الفلسطينية كل عائدات الضرائب التي تدين لها بها! ، وأن تسمح للفلسطينيين الذين كانوا يعملون في إسرائيل بالعودة إلي أعمالهم، وعليها أن تضمن أن تكف قوات الأمن والمستوطنين عن تدمير البيوت والطرق، وكذلك الأشجار وغيرها من الممتلكات الزراعية في المناطق الفلسطينية.
لقد رحبت السلطة الوطنية الفلسطينية بتقرير لجنة ميتشل، واعتبرته مدخلا وأساسا لوضع حد للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وقد جاء هذا الترحيب في سياق تصريحات الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات المتكررة، وتصريحات المسئولين الفلسطينيين، كما جاء الترحيب والموافقة الفلسطينية على التقرير في بيان القيادة الفلسطينية، اللجنة التنفيذية ومجلس الوزراء الصادر في 24/5/2001، ودعا الفلسطينيون إلى عقد قمة جديدة في شرم الشيخ لبحث التقرير ونتائجه.
وأعلن الفلسطينيون التزامهم ببنود التوصيات الواردة في التقرير، إلا أن الموافقة الفلسطينية اصطدمت بالتعنت الإسرائيلي، والمحاولة الإسرائيلية للالتفاف على تقرير لجنة ميتشل، وذلك بتجزئه تنفيذ توصياته، والدعوة لترويج تفسيرات لبعض بنودها الدالة مثل منع التوسع الاستيطاني وفق متطلبات النمو الطبيعي الخ. إلا أن المطالبة الفلسطينية تدور حول تنفيذ توصيات لجنة ميتشل كرزمة واحدة ورفض مبدأ التجزئة.
وثيقة تينـت:
مع استمرار تعنت إسرائيل ورفضها الالتزام بتوصيات لجنة ميتشل، واستمرار عدوانها على الشعب الفلسطيني، اضطرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إيفاد جورج تنيت مدير وكالة المخابرات المركزية الامريكيه، في شهر حزيران 2001 لبحث القضايا الأمنية التي وردت في تقرير لجنة ميتشل، وبعد زيارات مكوكية بين المسئولين الفلسطينيين والإسرائيليين و دول المنطقة تمكن جورج تينت من وضع وثيقة عرفت بتفاهمات تنيت أو وثيقة تينت لمعالجة القضايا الأمنية بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتمحورت توصيات الوثيق في النقاط التالية :
• التزام كل من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلية بالبنود الأمنية في وثيقة ميتشل في أبريل 2001م.
• تعهد الطرفان بوقف متبادل وشامل للنار ووضع حد لأعمال العنف كافة، بما ينسجم وتصريحات الزعيمين العلنية.
• استئناف الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية التعاون الأمني فوراً.
• *امتناع إسرائيل عن شن أي هجوم ضد منشآت رئيس السلطة الفلسطينية ومقرات الأجهزة الأمنية الاستخبارية والشرطة الفلسطينية أو السجون في الضفة الغربية وغزة.
• قيام السلطة الوطنية الفلسطينية فورا بعمليات التحقيق واعتقال الإرهابيين ( رجال المقاومة الفلسطينية) في الضفة الغربية وغزة وتزود اللجنة الأمنية بأسماء المعتقلين فوراً اعتقالهم وتفاصيل الإجراءات التي اتخذت.
• وضع جدول زمني لتنفيذ إعادة انتشار قوات الجيش الإسرائيلي في المواقع التي كان فيها قبل 28 سبتمبر 2000م من قبل لجنة أمنية مشتركة.
- تنفذ إعادة الانتشار الميداني خلال الساعات أل 48 الأولى من الأسبوع المذكور أعلاه وتتواصل خلال بلورة الجدول الزمني.
رحب الفلسطينيون بوثيقة تينت، وجاء ترحبيهم على لسان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الذي أكد على التزام الجانب الفلسطيني بما تم الاتفاق عليه مع السيد تينت، وطالب الولايات المتحدة المساعدة في وقف الاستيطان، وتنفيذ الاستحقاقات المعلقة وقد كرر السيد الرئيس التزام الجانب الفلسطيني بما جاء في وثيقة تينت لدى استقباله المبعوثين الدوليين مثل:
ميغيل انجيل مورايتنوس المبعوث الأوروبي لعملية السلام، وخافير سولانا الممثل الأعلى للعلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وتيرى لارسن ممثل الامين العام للأمم المتحدة.
وأمام تجاهل إسرائيل لكل هذه الجهود واستمرار العدوان الإسرائيلي لشعبنا الفلسطيني وتصاعده حيث أمعنت قوات الاحتلال الإسرائيلي في تدمير مظاهر الحياة الفلسطينية من تجريف للأراضي واقتلاع الأشجار وتدمير المباني السكنية والمنشآت، وأعمال الاجتياج والتوغل للمدن والقرى الفلسطينية و الاعتقالات و سقوط المئات بل الآلاف من الشهداء والجرحى بين صفوف الفلسطينيين برصاص جيش الاحتلال، وإعادة احتلال المدن والقرى الفلسطينية.
خطة زيني
• في النصف الثاني من شهر مارس آذار 2002 أوفدت الإدارة الأمريكية الجنرال أنتوني زيني لمتابع تفاهمات تينت والعمل على إيجاد آليات لتطبيقها من قبل الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ، وبعد جولات مكوكية بين الجانب الفلسطيني والجانب الإسرائيلي تم الاتفاق على ورقة سميت ورقة زيني أو خطة زيني ، تم ألإعلان عنها يوم 26/3/2002 ، وركزت على الجانب الأمني وجاء فيها ما يلي :
• إعلان الجانبين وقف إطلاق النار
• وقف القوات الإسرائيلية اقتحاماتها ومداهماتها المناطق التي تسيطر عليها السلطة الوطنية الفلسطيني
• عدم مهاجمة القوات الإسرائيلية للمراكز الأمنية الفلسطيني
• عودة القوات الإسرائيلية لمواقعها قبل 28/9/2000
• تبادل المعلومات والتنسيق حول أعمال العنف ضد المدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين
• أن تعمل السلطة الوطنية على الحيلولة دون تنفيذ أعمال إرهابية داخل إسرائيل والعمل على محاربة أعضاء المنظمات الإرهابية على حد تعبير الخطة
• لم تنتظر إسرائيل رد الجانب الفلسطيني على هذه الخطة وإعطائها فرصة للتطبيق ، حبث سارعت اقتحمت مدينة رام الله وحاصرت المقاطعة ومقر الرئيس ياسر عرفات في اليوم التالي أي يوم 28/3/2002 ،ولدرجة اعتبر فيها اعتبر الكثير من المراقبين أن خطة زيني قد مهدت الطريق لتنفيذ إسرائيل لعملية السور الواقي .
خطة خارطة الطريق
• وفي خضم الاستعدادات الأمريكية لحربها على العراق دعا الرئيس الأمريكي بوش في خطبة له يوم 20/6/2002، إلى ضرورة قيام دولة فلسطينية ولكنه ربط ذلك بانتهاء الأزمة العراقية الأمريكية لتتواصل الجهود من قبل الدول الأوروبية وأمريكا أسفرت في النهاية إلى وضع خطة خارطة الطريق ثم الإعلان عنها في 30 ابريل 2003 والتي تهدف إلى:
• تسوية نهائية وشاملة للنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني بحلول العام 2005، كما طرحت في خطاب الرئيس بوش في الرابع والعشرين من حزيران/يونيو، تقوم خلالها دولة فلسطينية ديموفراطية مستقلة تعيش جنبا إلى جنب دولة إسرائيل .بناء على الأسس المرجعية لمؤتمر قمة السلام بمدريد ، ومبدأ الأرض مقابل السلام، وقرارات الأمم المتحدة 242 ، 338 ، 1397 ، والاتفاقات المبرمة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني ، والمبادرة العربية للسلام ( المبادرة السعودية)
وتتكون الخطة من ثلاث مراحل
المرحلة الأولى :وتتلخص في إنهاء الإرهاب والعنف وإزالة المواقع الاستيطانية الإسرائيلية التي أقيمت منذ شهر آذار/ مارس 2001 تجميد الحكومة الإسرائيلية جميع النشاطات الاستيطانية (بما في ذلك النمو الطبيعي للمستوطنات) انسجاما مع توصيات تقرير لجنة ميتشل، تطبيع الحياة الفلسطينية، وبناء المؤسسات الفلسطينية
• المرحلة الثانية: الانتقال ـ حزيران/ يونيو 2003 ـ كانون الأول/ ديسمبر 2003: تنصب الجهود في المرحلة الثانية على خيار إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات حدود مؤقتة وخاصيات السيادة، على أساس الدستور الجديد، كمحطة متوسطة نحو تسوية دائمة للوضع القانوني.
• . المرحلة الثالثة: اتفاق الوضع الدائم وإنهاء النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني 2004ـ2005.
هذا ويترتب على كل من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي التزامات ورد ت في سياق تفاصيل الخطة وبتوجب تنفيذها.
رحب الفلسطينيون فورا بخطة خارطة الطريق، ورأوا فيها وضع حد للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، كما أنها تعطي الفرصة لإقامة دولة فلسطينية في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما رأوا فيها أملا في حل عادل لقضية اللاجئين والقدس والاستيطان، وطبقا لما ورد في خطة خارطة الطريق قام الفلسطينيون بتنفيذ التزاماتهم فقبل صدور ونشر الخطة تم تعديل الدستور الفلسطيني ليسمح باستحداث منصب رئيس مجلس الوزراء وتم تعيين رئيساً لمجلس الوزراء نال تأييدا في المجلس التشريعي الفلسطيني وبدأ العمل على إجراء العديد من الإصلاحات الإدارية والمالية القانونية، وعلى الصعيد الأمني بادر الفلسطينيين بإعلان الهدنة يوم 30/1/2003 وأعلن وقف إطلاق النار.
• والتزم الفلسطينيون بما جاء في الخطة منتظرين الاستجابة الإسرائيلية حيث مر زمن ليس بالقصير قبل إعلان إسرائيل موافقتها على خطة خارطة الطريق.
• ومن خلال العرض السابق يمكن فهم بل تأكيد استجابة الفلسطينيين لكل الاتفاقات، والمشاريع التي طرحت من أجل العمل على إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني حيث استجاب الفلسطينيون إلى:
• الاتفاقات الإسرائيلية الفلسطينية المرحلية (أوسلو) 1993.
• تقرير لجنة ميتشل عام 2001.
• وثيقة تنيت يونيو عام 2001.
• خطة خارطة الطريق أبريل 2003.
ليس هذا فحسب، فقد رحب الفلسطينيون بالمبادرة المصرية الأردنية، والمبادرة السعودية، وقرارات مجلس الأمن الدولي، 1397 و1402، 1403 وذلك من أجل تحقيق مطلبهم العادل، هذه المطالب التي يعتبرها الفلسطينيون خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها، وهذه المطالب تتلخص في:
• الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 وهي الضفة الغربية وقطاع غزة و القدس الشريف.
• وقف كافة الأنشطة الاستيطانية وإزالة المستوطنات القائمة.
• إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشريف.
• حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين قائم على أساس قرار رقم194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة نوفمبر عام 1948.
المحطات الرئيسية خلال فترة الانتفاضة
لقد شدت الانتفاضة منذ انطلاقتها العديد من الأحداث التي كانت بمثابة محطات أو ربما مطبات كبيرة أثرت بشكل أو بآخر في مجريات الانتفاضة وكان لها تأثيراتها على شعبنا وقضيته ومن ابرز هذه المحطات :
المحطة الأولى : قمة كامب ديفيد يونيو/يوليو2000
وعلى الرغم من أن هذه المحطة جاءت سابقة لاندلاع الانتفاضة تاريخيا غير أنها كانت احد الأسباب الرئيسية والغير مباشرة في اندلاع انتفاضه الأقصى بعد مرور نحو شهرين من تاريخها حيث عقدت برعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون وبمشاركة الوفد الفلسطيني بقيادة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود باراك ، عاد الوفد الفلسطيني خالي الوفاض بعد فشل هذه القمة على الأقل من وجهة النظر الفلسطينية بعد خلاف حاد على العديد من النقاط التي كانت إسرائيل تريدها وفق مقاساتها ومنها :
1 –إعادة انتشار القوات الإسرائيلية في مساحة تقدر ب أكثر من 90% من مساحة الضفة والقطاع. تشمل 10% فقط.
2 - إطلاق سراح الأسرى كافة حتى الذين اعتقلوا قبل أيلول 1993م كافة، ولكن بعد التوقيع على الاتفاق النهائي، ووفق المقاييس الإسرائيلية.
3 - القدس: القدس عاصمة الدولتين ومفتوحة بلا سياج. تحت السيادة الإسرائيلية إلى الأبد.
4 - اللاجئون: تنفيذ القرار 181 وتجسيد حق العودة. إسرائيل لا تتحمل المسؤولية وحل القضية في توطين اللاجئين.
5 - المستوطنات: إخلاء المستوطنات كافة. إقامة تكتلات استيطانية تخضع للسيادة الإسرائيلية.
6 - الحدود: الانسحاب إلى حدود 1967م بما فيها القدس. إجراء تعديلات حدودية تكون تحت السيادة الإسرائيلية.
7 - إعلان الاستقلال: الإعلان يوم 13/9/2000م ويفضل بالاتفاق مع إسرائيل. إعلان الدولة فقط بعد الاتفاق الدائم.
8 - المياه: السيطرة على مصادر المياه كافة. السيطرة على مصادر المياه كافة.
وكان مصدر هذا الخلاف هو التعنت والصلف الإسرائيلي المصاحب للضعف الذي كان ينتاب حكومة باراك حيث كان يواجه مصاعب داخليه كبيرة
لقد كان لعودة الوفد الفلسطيني من قمة كامب ديفيد ابلغ الأثر على الشعب الفلسطيني الذي كان شديد الاحتقان من الممارسات الإسرائيلية من فرض الحصار والإغلاق على الأراضي الفلسطينية وإقامة الحواجز العسكرية وفرض الأطواق الأمنية وحرمان عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين من أعمالهم بالإضافة تملص إسرائيل من تنفيذ ما تم الاتفاق عليه سابقا الأمر الذي القي بظلاله على مجمل الحياة الفلسطينية ، في ظل هذا الاحتقان جاءت زيارة ارئيل شارون للمسجد الأقصى تحت حماية 3000 جندي وبمباركة الحكومة الإسرائيلية مما أثار حفيظة الشعب الفلسطيني الذي اعتبر هذه الزيارة بمثابة تدنيس للمقدسات الإسلامية وكانت المواجهة وكانت الانتفاضة كما هي معروفة .
المحطة الثانية : صعود ارئيل شارون المعروف بتطرفه وعنصريته وعدائه الشديد للفلسطينيين إلى سدة الحكم في إسرائيل في بداية عام 2001 ، وعلى الرغم من إن هذه المحطة هي محطة إسرائيليه إلا إنها أثرت بشكل كبير ومباشر في الأحداث فيما بعد حيث اتخذ ارئيل شارون مجموعة من الإجراءات كان أولها وقف جميع الاتصالات مع القيادة الفلسطينية خاصة مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وبالتالي وقف العملية السلمية برمتها ، وقد جاء الموقف الإسرائيلي تحت دعم أمريكي كامل خاصة بعد تولي الرئيس جورج بوش الابن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية بعد فوزه في الانتخابات الأمريكية .
وما أن تولى شارون الحكم حتى بدأ بإصدار أوامره للجيش الإسرائيلي بتصعيد ممارساته ضد الشعب الفلسطيني منذرا بإنهاء انتفاضة الشعب الفلسطيني خلال ثلاثة أشهر واستمر عداء شارون وممارساته القمعية ومن بين ممارساته تشديد الحصار على الشعب الفلسطيني ومحاصرته للرئيس ياسر عرفات في رام الله وعدم السماح له بالتنقل في بين شطري الوطن ومنعه من السفر إلى الخارج حتى استشهادة يوم 11/11/2004.
المحطة الثالثة: عملية السور الواقي وإعادة احتلال الضفة الغربية
في الثامن والعشرون من شهر مارس 2002 اصدر ارئيل شارون ووزير دفاعه بنيامين بن اليعازر أوامرهم للجيش الإسرائيلي باقتحام مدينة رام الله ومحاصرة المقاطعة التي يتواجد فيها الرئيس ياسر عرفات ، وبدأت بقصف المقاطعة بمختلف أنواع الأسلحة في الخارج كان العدوان الإسرائيلي يطول المواطنين فسقط العشرات من الشهداء والجرحى ، في المقاطعة طالبت إسرائيل الرئيس عرفات بالاستسلام أو تسليم مجموعه من المواطنين الفلسطينيين المناضلين المتواجدين في المقاطعة وعلى رأسهم احمد سعدات أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين واللواء فؤاد الشوبكي وغيرهم آخرين اتهمتهم إسرائيل بمقتل رحبعام زئيفي وزير السياحة الإسرائيلي ، استمر الحصار حتى يوم 2/5/2002 بعد اتفاق على خروج المتواجدين في المقاطعة إلى سجن اريحا بإشراف أمريكي بريطاني وخلا هذه الفترة استمرت إسرائيل بأعمال الاجتياحات للمدن الفلسطينية فاجتاحت طولكرم وقلقيلية وبيت لحم التي أجبرت على إبعاد 26 مواطنا خارج وطنهم إلى قطاع غزة واثني عشر آخرين إلى أوروبا بعد حصارهم في كنيسة المهد مدة طويلة ، وجنين التي ارتكبت فيها مجزرة كبيرة راح ضحيتها 58 فلسطينيا ، كانت نتيجة هذه الاجتياحات أن أعادت القوات الإسرائيلية من احتلال الضفة الغربية وتمارس أعمال الاجتياحات والمداهمات والاعتقالات والقتل بحق الفلسطينيين
المحطه الرابعة : بناء جدار الفصل العنصري
وعلى الرغم من أن فكرة هذا الجدار لم تكن وليدة ظروف انتفاضة الأقصى بل تعود إلى ما قبل ذلك أي في زمن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين ، حيث صرح ذات مرة بقوله:" نحن هنا وهم هناك " .
وفي تصريح أخر تمنى فيه بأن يصبح ويجد غزة قد ابتلعها البحر. وقد روجت وسائل الأعلام الإسرائيلية لهذه الفكرة، بحجة منع تسلل الفلسطينيين إلى التجمعات السكانية الإسرائيلية للقيام بأعمال إرهابية على حد زعمهم. وللوصول إلى هذا الهدف لابد من الفصل بين المناطق الفلسطينية والتجمعات السكانية الإسرائيلية، في 16/6/2002 أعطى ارئيل شارون اوامرة ببناء جدار الفصل العنصري بطول 728 كيلو متر على طول خط الرابع من يونيو 1967 وبعمق يتراوح بين 100 متر إلى 22 كيلومتر إلى الشرق ، وقد تم الشروع في بناء جدار الفصل العنصري ليشكل الحدود الفاصلة بين إسرائيل والدولة الفلسطينية في أي حلول قادمة ، وهذا الجدار مع الخطط الإسرائيلية بإقامة جدار مماثل في شرق الضفة الغربية سوف يجعل نحو 46% من الأراضي الفلسطينية تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة وهذا يعني وقوع أكثر من 700000 فلسطيني محجوزين داخل الجدار الأمر الذي سيعرضهم إلى أضرار اجتماعية واقتصادية كبيرة ، وقد وصف هذا الإجراء الإسرائيلي من قبل العديد من الباحثين والمراقبين بنكبة ثالثة للشعب الفلسطيني .
المحطة الخامسة : استشهاد الرئيس ياسر عرفات يوم 11/11/2004
في يوم 11/11/2004 استسهد الرئيس عرفات بعد مرض غامض ما زال طي الكتمان حتى الآن ، وكان لوفاة الرئيس عرفات بالغ الأثر على الشعب الفلسطيني ، حيث وجد الفلسطينيون أنفسهم لأول مرة بدون أبو عمار القائد الرمز والتي ارتبطت باسمه الثورة الفلسطينية المعاصرة ، انتقلت السلطة إلي الرئيس عباس بشكل ديمقراطي وسلس آثار إعجاب الكثير في العالم ، وعلى الرغم من بوادر تغير في الخطاب السياسي الفلسطيني وفق البرنامج السياسي للرئيس محمود عباس الذي هو ضمنا برنامج حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح حيث عارض عسكرة الانتفاضة والأخذ بالمفاوضات والعمل السلمي دون التفريط بالحقوق والثوابت الفلسطينية وعلى الرغم من الترحيب الإسرائيلي بالرئيس عباس وموقفه الذي أثار حفيظة بعض الفصائل والمنظمات الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس التي باتت تقوى شوكتها في الساحة الفلسطينية. إلا أن إسرائيل لم تبد أي بوادر حسن نية تجاه الفلسطينيين إذ استمرت في عدوانها ومحاصرتها لشعبنا ، في هذا الأثناء كانت حركة حماس تنشط على الصعيد الداخلي تنظيميا واجتماعيا الأمر الذي ساعد تقدمها كثيرا وظهر ذلك جليا في نتائج الانتخابات المحلية حيث فازت حركة حماس بمعظم مقاعد المجالس المحلية في الضفة والقطاع وازدادت حركة حماس قوة خاصة مع تزايد الاعتداءات الإسرائيلية من جهة محاولة حماس الانخراط في السلطة عبر جلسات الحوار في الداخل والقاهرة واستعدادها للتهدئة مع إسرائيل كما حدث في اتفاق القاهرة بتاريخ 8/2/2005 واستمرت ماضية حتى مشاركتها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية 2006.
المحطة السادسة : فك الارتباط أيلول 2005
في 30/5/2004 نشرت الحكومة الإسرائيلية خطة فك الارتباط مع قطاع غزة وتنص الخطة على إخلاء قوات الاختلال الإسرائيلي للمستوطنات الإسرائيلية البالغ عددها 21 مستوطنة وسكانها من المستوطنين البالغ عددهم نحو7500 مستوطن،وإعادة انتشار قواتها في القطاع ، اتخذت الحكومة الإسرائيلية هذا القرار بشكل احتدي الجانب دون التشاور مع الجانب الفلسطيني ، رفضت القيادة الفلسطينية بقيادة الرئيس ياسر عرفات هذه الخطة وطالبت بضرورة التنسيق معها لأسباب كثيرة منها المحافظة على وحدة الوطن والتواصل الجغرافي ، كما أنها يجب أن بان يتم الانسحاب الكامل من جميع الأراضي الفلسطبنبة، لم تلق إسرائيل بالا للدعوات الفلسطينية وأكملت إخلائها للقطاع يوم12/9/2005 ، وأعقب ذلك بقليل توقيع اتفاقية معبر رفح .
كان لإخلاء إسرائيل لقطاع غزة بالغ الأثر على سكان القطاع فميدانيا رحب سكان القطاع بخروج قوات الاحتلال حيث أصبح سكان القطاع يوم 13/9/2005 بدون جنود احتلال وقد أزيلت الحواجز العسكرية وأكبرها حاجز أبو هولي وبدأ المواطنون يشعرون بشيء من الحرية خاصة بعد توقيع اتفاقية المعبر،وغمرت قطاع غزة الاحتفالات بهذه المناسبة
كان الأمل معقودا أن بنصب الجهود على إعادة أعمار قطاع غزة ولكن لم تسر الأمور في هذا الاتجاه بل تحول قطاع غزة إلى ميدان للتسابق والتنافس بين الفصائل دون العمل والسعي إلى جعل قطاع غزة نموذجا يحتذى به في الضفة الغربية
المحطة السابعة: الانتخابات التشريعية الفلسطينية
في الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني يناير 2006 نظمت الانتخابات التشريعية الفلسطينية واشترك فيها معظم الفصائل الفلسطينية ومن بينها حركة حماس كانت من نتيجتها أن فازت حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني حيث حصلت على 74 مقعد من 132 مقعد وقد كلف الرئيس محمود عباس السيد إسماعيل هنية بتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة وتم تشكيل الحكومة من أعضاء جميعهم من حركة حماس بعد أن رفضت الفصائل الفلسطينية المشاركة في الحكومة على خلفية اختلاف البرامج وإصرار حماس على موقفها وبرنامجها ، ومجرد الإعلان عن تشكيل الحكومة يوم 29/3/2006 سارعت معظم دول العالم بفرض حصار على الفلسطينيين وأوقف الدعم المالي للسلطة الذي أدى معه إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية واشتد الحصار الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني خاصة بعد قيام مجموعة من أفراد المقاومة بمهاجمة موقع عسكري إسرائيلي جنوب قطاع غزة أسفر عن مقتل عدد من الجنود الإسرائيليين واسر جندي إسرائيلي ( جلعاد شاليط ) وازدادت شدة الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة راح ضحيتها مئات الشهداء وهدم عشرات المنازل بعد قصفها بالطائرات بالإضافة إلى شن عشرات الغارات الوهمية اختراق حاجزا لصوت في سماء القطاع وإغلاق المعابر . جرت العديد من جلسات الحوار بدعوة من بعض الدول العربية في القاهرة ، وفي دمشق ، مكة المكرمة داخل السجون والمعتقلات وقد أسفرت هذه الجهود في النهاية على :
ثانيا : اتفاق مكة ،والذي أسفر عن تشكيل حكومة وحدة وطنية بتاريخ 17/3/2007
وعلى الرغم من الترحيب الشعبي والفصائلي الفلسطيني والترحيب العربي والدولي لحكومة الوحدة الوطنية إلا إن المجتمع الدولي لم يستحب لمتطلبات هذه الحكومة من رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني ، مع استمرار الصراع الداخلي الفلسطيني وسقوط الضحايا
المحطة الثامنة : الانقلاب أو الحسم الذي نفذته حركة حماس في قطاع غزة
لم يمض أكثر من ثلاثة شهور على تشكيل حكومة لوحدة الوطنية ،تخللها حوادث فلتان امني راح ضحيتها العديد من المواطنين الأبرياء نفذت حركة حماس عمليتها التي وصفتها بالحسم العسكري حيث سيطرت على كافة المقرات الأمنية والمؤسسات الرسمية وكان ذلك يوم14/6/2007 بعد اشتباكات بين كتائب القسام والقوة التنفيذية التي شكلها الشهيد سعيد صيام وزير الداخلية في الحكومة العاشرة وقوات الأمن الوطني الفلسطيني.
لقد كان لهذا الحدث أثره الكبير على القضية الفلسطينية وعلى حياة سكان قطاع غزة ، إذا سارعت إسرائيل بفرض الحصار الكامل على قطاع غزة، واعتبار قطاع غزة كيانا معاديا ، وإلغاء الكود الجمركي لقطاع غزة ، في رام اصدر الرئيس محمود عباس سلسلة من المراسيم الرئاسية تقضي بالتعامل مع الوضع القائم ، وذلك بإعلان حالة الطوارئ وإقالة الحكومة حكومة الوحدة الوطنية وتشكيل حكومة لحالة الطوارئ ، ودعوة المجلس المركزي للانعقاد لتدارس الأمر، ما زالت حالة الانقسام والاستقطاب السياسي وتباين البرامج والرؤى قائمة .
الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 27/12/2008 – 18/1/2009
الحرب أسباب ومقدمات
لم تكن هذه الحرب مفاجئة لسكان القطاع، الذين استمعوا مرارا إلى تهديدات قادة الجيش الإسرائيلي لاجتياح قطاع غزة، وذلك ردا على إطلاق القذائف الصاروخية المحلية الصنع على المستوطنات الإسرائيلية داخل الخط الأخضر من جهة، وتصعيد الممارسات العدوانية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة خصوصا بعد الانقلاب أو الحسم العسكري التي نفذته حركة حماس في قطاع غزة، حيث قامت بتشديد الحصار على القطاع وقلصت بشكل كبير دخول البضائع التجارية والمواد الغذائية والأدوية والوقود ما هدد بحدوث كارثة إنسانية في القطاع ، ومع مطلع عام 2008 صعدت القوات الإسرائيلية من هجماتها واجتياحاتها لمدن القطاع فكانت أعمال القتل والاغتيالات والتدمير وتجريف الأراضي هو السمة الغالبة على هذه الاجتياحات بل يعتبر العام 2008 هو الاسوا من حيث حجم الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، فقد سقط خلال هذا العام 447 شهيدا من بينهم 60 طفلا و 11 شهيدة من النساء ، 7 شهداء نتيجة عمليات الاغتيال هذا عدا عمليا الاقتحامات التي بلغت 276 اقتحاما قامت خلالها قوات الاحتلال بأعمال التجريف وهدم البيوت والاعتقالات بين صفوف المواطنين حبث تعرض 502 مواطن للاعتقال ، وشهد هذا العام نقصا حادا في المواد الغذائية والأدوية ووقود السيارات وغاز الطهي مما اثر بشكل كبير وخطير عل جميع مناحي الحياة في القطاع .
في التاسع عشر من شهر حزيران يونيو 2008 أعلن عن سريان تهدئة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي جاء بعد وساطة مصرية، ويقضي هذا الإعلان بان تتوقف فصائل المقاومة في القطاع عن مهاجمة المستوطنات الإسرائيلية داخل الخط الأخضر بعدم إطلاق القذائف الصاروخية من أراضي القطاع مقابل أن تتوقف إسرائيل عن اعتداءاتها على قطاع غزة وتوقف عمليات الاغتيال وفتح المعابر والسماح بدخول المواد الغذائية والوقود والأدوية ومدة هذه التهدئة 6 شهور تنتهي يوم 19/12/2008، التزم الجانب الفلسطيني بهذه التهدئة إلا أن الجانب الإسرائيلي لم يلتزم واستمر في اعتداءاته واجتياحاتة وعمليات الاغتيال ، كما استمر في أحكام الحصار على قطاع غزة ، في التاسع عشر من شهر كانون الأول ديسمبر 2008 كانت نهاية مدة التهدئة التي رفضت معها فصائل المقاومة تمديدها واستأنفت أعمال المقاومة وعلى رأسها إطلاق القذائف الصاروخية المحلية الصنع، عندها بدا قادة إسرائيل على المستوى السياسي والعسكري بإطلاق التهديدات بضرب قطاع غزة وتدميره حيث بدأت إسرائيل قبل ذلك بفترة بحشد قواتها من مختلف الأسلحة على طول الحدود مع قطاع غزة استعدادا لحربها ضد القطاع .
شنت إسرائيل حربها على قطاع غزة مستغلة للحالة الراكدة للإدارة الأمريكية بزعامة الرئيس جورج بوش الابن والتي انشغلت في لملمة أوراقها استعدادا للرحيل لإفساح المجال أمام الإدارة الجديدة بزعامة الرئيس المنتخب باراك اوباما، ولقد أعلنت إسرائيل أن الهدف من وراء هذه الحرب هو وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية من قطاع غزة على البلدات الإسرائيلية وذلك بتدمير قواعد وقيادات ومراكز التدريب التابعة لفصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس وتدمير كل أشكال البنية التحتية للإرهاب الفلسطيني( المقاومة الفلسطينية) هذا على الأقل الهدف المعلن للحرب لكن الحقيقة كان هناك أهدافا غير معلنة يمكننا القول بأنها أهدافا إستراتيجية وضعتها إسرائيل نصب عينيها ومن هذه الأهداف:
* استعادة نظرية الجيش الذي لا يقهر وتعزيز الثقة في قوة وهيبة الجيش الإسرائيلي التي تزعزعت في حرب لبنان في تموز 2006 ، والتأكيد على التفوق العسكري الإسرائيلي على الفلسطينيين والعرب.
* فرض الرؤية الإسرائيلية لحل القضية الفلسطينية بعدم قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وفق مرجعيات السلام وذلك بإقامة دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة على أجزاء صغيرة من الأراضي الفلسطينية وتأجيل القضايا الكبرى كاللاجئين والقدس والحدود أو حتى طمسها .
* الاستمرار في خنق القدس وتهويدها
في تمام الساعة الحادية عشر والنصف من صباح السبت 27/12/2008 انطلقت الشرارة الأولى للحرب، التي أطلقت عليها إسرائيل اسم "الرصاص المسكوب " بعد أن حلقت نحو ثمانون طائرة حربية إسرائيلية في سماء قطاع غزة لتلقي حممها على سكان القطاع ، وليهتز قطاع غزة جراء سلسلة من الانفجارات الضخمة امتدت من شماله إلى جنوبه وقد جاءت هذه الغارات بشكل مفاجئ ، وفي وقت الذروة بالنسبة لسكان القطاع ، حيث تلاميذ المدارس جالسون في قاعات امتحانات الفصل الدراسي الأول ، والأسواق والشوارع ممتلئة بالمواطنين ، في البداية ظن الكثيرين الذين كانوا بعيدين نسيبا عن مواقع الانفجارات بأنها مجرد عمليات لاختراق حاجز الصوت قامت به طائرات حربية إسرائيلية وهو ما اعتاد عليه سكان قطاع غزة في السنوات الأخيرة ، ولكن سرعان ما اتضحت الصورة بعد رؤية أعمدة الدخان تتصاعد إلى السماء أدرك السكان عندئذ أن إسرائيل بدأت تنفذ تهديداتها ، واصلت الطائرات غاراتها طوال اليوم ليسقط في اليوم الأول من الحرب 234 شهيد من أفراد الشرطة الفلسطينية والمواطنين من المارة والقريبين من أماكن الانفجارات ، كما سقط مئات الجرحى ، وانطلقت تهديدات من القادة العسكريين الإسرائيلية بان هذه الحرب ستكون على مراحل فالبعض منهم أشار إلى أنها ستكون على ثلاث مراحل وآخرون أشاروا بأنها على أربع مراحل ولكن عندما تم وقف إطلاق النار كانت قد أعلن عن مرحلتين هما المرحلة الأولى المتمثلة في القصف الجوي فقط الذي استمر لمدة ثمانية أيام ، والثانية الاجتياح البري ، أما المرحلة الثالثة قلم تكن معروفة وكانت من المتوقع أن تكون اشد واقوي من المرحلتين السابقتين على حد تصريحات قادة الجيش الإسرائيلي .
بالنسبة للمرحلة الأولى : استمرت منذ اللحظة الأولى للحرب يوم 27/12/2008 وحتى يوم السبت الموافق 3/1/2009 شن فيها الطيران الحربي الإسرائيلي غارات مكثفة وبشكل عشوائي جميع أنحاء القطاع وقد استهدفت الغارات :
المنشآت المدنية الحكومية وزارات ، مؤسسات ، مدارس ومستشفيات
المنشآت الأمنية
المنشآت المدنية مصانع ، معامل وورش ، مؤسسات مجتمع مدني، مساجد، رياض أطفال ، مدارس خاصة ، جامعات
منشآت وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين
المراكز الصحفية والإعلامية
منازل المواطنين
لقد القد الطائرات الحربية الإسرائيلية ألاف القذائف الموجهة والتي كانت تزن في معظمها ما بين 500 و 1000 كجم والقنابل، التي ربما تكون من النوع ألارتجاجي التي تجعل الأرض تهتز وكأنها تتعرض لزلزال بقوة متوسطة أو فوق المتوسطة خاصة في المناطق القريبة من الانفجار، وأنواع كثيرة أخرى من القنابل المحرمة دوليا كالقنابل المسمارية وقنابل الفسفور الأبيض .
إن عشوائية القصف الإسرائيلي لقطاع غزة ليبرهن وبشكل واضح أن هذه الحرب لا تستهدف فصيل معين أو أكثر من فصائل المقاومة بل استهدفت كل الشعب الفلسطيني بكل اطيافة وألوانه ومكوناته ومقدراته ، استهدفت الطفل والمرأة ، الشاب والشيخ ، الشرطي ، المدرس ، الطالب ، رجال الدفاع المدني والأطقم الطبية حتى مؤسسات الإغاثة الإنسانية ووكالة الغوث وتشغيل اللاجئين والمؤسسات الإعلامية لم تسلم من هذه الحرب ، خسائر فادحة لحقت بالشعب الفلسطيني، ففي الخمسة أيام الأولى من الحرب أي من 27/12 – 31/12/2008 سقط نحو 400 شهيد ومئات آخرين أصيبوا بجراح مختلفة تصل إلى حد الإعاقة، ومئات المنازل دمرت كثير منها دمر على أصحابة ليدفنوا تحت الأنقاض ، سبعة أيام من القتل والدمار في كل مكان، وعشرات الآلاف من المواطنين يتركون منازلهم إلى حيث يعتقدون بأنها أماكن أكثر أمنا وما أكثر الذين أصيبوا في الأماكن التي لجئوا إليها .
في اليوم الثامن من الحرب وبالتحديد مساء السبت 3/1/2009 أطلقت إسرائيل العنان لمرحلتها الثانية، وهي الاجتياحات البرية مستخدمة المئات من الدبابات والآليات والمدافع تساندها الطائرات الحربية وطائرات الاستطلاع التي لم تغادر أجواء القطاع، ولم تتوقف عن القصف منذ اليوم الأول للحرب ، اجتاحت قوات الاحتلال الإسرائيلي مناطق قريبة من الحدود في بيت لاهيا وبيت حانون وشرق جباليا وشرق مدينة غزة ، بل توغلت إلى عمق القطاع في جنوب مدينة غزة مستخدمة الطريق العرضي معبر المنطار (كارني) المغراقة أو الموقع الذي كانت تشغله مستوطنة نتساريم قبل إخلائها عام 2005 وصولا إلى الطريق الساحلي لتقسم قطاع غزة إلى قسمين جنوبي وشمالي .
استخدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مختلف الأسلحة والذخائر من الأسلحة الرشاشة الثقيلة وقذائف الدبابات ومدافع الميدان إلى قنابل الطائرات التي لم تنقطع منذ بدء الحرب ووجهت إسرائيل أسلحتها وذخائرها إلى منازل المواطنين العزل وممتلكاتهم ، وارتكبت قوات الاحتلال جرائم بشعة بحق المواطنين الفلسطينين ، وبدأ عدد الشهداء يتصاعد وترتفع أعداد المنازل المدمرة بفعل قذائف المدفعية والدبابات بالإضافة إلى القصف الجوي الذي لم ينقطع منذ بداية الحرب ، وقد لجأت قوات الاحتلال إلى اتخاذ المدنيين العزل دروعا بشرية في مناطق الاصطدام مع رجال المقاومة الفلسطينية، ودمرت الممتلكات كالسيارات الخاصة والورش والمزارع... خسائر جسيمة لحقت بالمناطق التي تعرضت للاجتياح البري لدرجة وصفها المراقبون بعد أن غادرها جنود الاحتلال بان المناطق المنكوبة كأنها تعرضت إلى زلزال مدمر ... أحياء كاملة سويت بالأرض ... مباني متعددة الطوابق مدمرة و لا تصلح للسكن وشبكات المياه والكهرباء مدمرة والطرق مجرفة ، مشاهد الخراب والدمار منتشرة في كل مكان من القطاع ، لقد طال الدمار والخراب المنازل ، المؤسسات الحكومية ، المدارس المنشآت الاقتصادية ، كالمصانع والورش والمحلات التجارية والبنوك والمؤسسات الأهلية والمساجد والمزارع وحظائر الحيوانات وفيما يلي بعض الخسائر التي لحقت بجوانب الحياة المختلفة في القطاع :
أولا : الخسائر البشرية
1419 شهيد منهم :
318 طفل بنسبة 20.4%
111 امرأة بنسبة 7.8%
13 شهداء من الأطقم الطبية
4 شهداء من الصحفيين
5300 جريح منهم 1600 طفل و820 امرأة بنسبة إجمالية 45.7%
ثانيا : الخسائر المادية
- المنازل المدمرة
2114 منزلا دمر تدميرا كليا تسكنها 19092 نسمة
3242 منزل دمر تدميرا جزئيا تسكنها 32250 نسمة
16000 منزلا لحقت لها أضرار مختلفة
- المباني والمنشآت
455 مبنى عام
614 منشأة ومؤسسة
211 مصنع
703 مخزن
150 مدرسة حكومية تعرضت للقصف
46 مدرسة خاصة وروضة أطفال تعرض للقصف
15 مؤسسة أهلية تعرضت للقصف
1629 سيارة مختلفة الأنواع ما بين مدمرة تدمير كلي أو لحقت بها أضرار
الإضرار الزراعية
دفيئات زراعية 131 دفيئة بمساحة 327.807 دونم
862 بئر مياه
210 بركة ري بمساحة إجمالية 34.968 دونم
219 مضخة مياه
670 ماكينة رش زراعية
1773 بوابات
178 حظيرة ماشية وموت 8721 رأس من الماشية
191 مزرعة دواجن وموت 305430طير
1010 خلية نحل
448298 شجرة تم اقتلاعها
وهناك أضرارا كبيرة لحقت بقطاع المياه والصرف الصحي ، حيث انقطعت المياه عن معظم أحياء مدينة غزة ومدن القطاع الأخرى بسبب عجز البلديات والسلطات المحلية عن تأدية هذه الخدمة للمواطنين بسبب القصف الجوي والاجتياح البري الإسرائيلي، وانقطاع التيار الكهربائي نتيجة تدمير أجزاء كبيرة من شبكات الكهرباء، كما توقفت تماما محطات معالجة مياه الصرف الصحي في قطاع غزة ، الأمر الذي هدد القطاع بكارثة بيئية.
خسائر كبيرة وفادحة لا نريد الخوض فيها فهناك العشرات من التقارير الرسمية الفلسطينية وتقارير المراكز الحقوقية الفلسطينية والدولية حول هذه الخسائر، ولكن ما نريد ذكره هنا أن الحرب الإسرائيلية على غزة واجهت ردود أفعال غاضبة من مختلف أنحاء العالم بعدما رأى العالم حجم الدمار التي ألحقته القوات الإسرائيلية في صفوف المدنيين الفلسطينيين ، وكان من ابرز هذه المواقف هي المظاهرات والمسيرات التي انطلقت من مختلف عواصم العالم منددة بهذه الحرب ومطالبة إسرائيل بالتوقف ، وبدا التحرك الدولي لاحتواء الموقف عبر الاتصالات المكثفة بين رؤساء وملوك الدول العربية ودول العالم، وقد طرحت العديد من المبادرات لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب ومن ابرز هذه المبادرات المبادرة المصرية التي طرحها الرئيس المصري حسني مبارك ، والمبادرة الفرنسية،والمبادرة التركية إلا أن المبادرة المصرية لا قت ترحيبا دوليا ساعد في إقرارها واعتماد ما جاء فيها في مجلس الأمن الدولي الذي اصدر فراره رقم 1860 بتاريخ 8/1/2009 لتوقف إسرائيل إطلاق النار في صباح يوم الأحد الموافق 23/1/ 2009 بعد تأخير دام 15 يوما
جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة
لم تأت جرائم الحرب ضد الإنسانية التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة مجرد صدفة أو نتيجة التطورات الميدانية لمجريات الحرب أو حتى لتغيير في خطط و تكتيكات الجيش ، بل جاءت بشكل متعمد ومخطط له من قبل ويتضح ذلك من أمرين رئيسين:
الأول : جاء الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة وقطاع غزة في حالة إنهاك شديد مخطط له إسرائيليا جراء الحصار المحكم عليه منذ فترة طويلة ، حيث فرضت القيود على السلع التي يستوردها القطاع من الخارج بإقفال المعابر الحدودية أمام تنقل الأفراد والسلع والخدمات ومواد الخام للصناعة، و شهد القطاع انخفاض كميات الوقود الواردة لتشغيل محطة الكهرباء وللأغراض المنزلية ناهيك عن الانخفاض الكبير في وقود المركبات ، بالإضافة إلى تقليص مساحة الصيد البحري المسموح بها وفرض منطقة عازلة في المناطق الحدودية ومنع المزارعين من استغلال أراضيهم في الزراعة ، هذه الإجراءات أضعفت بشكل كبير قدرات السكان في حالة الطوارئ ، وخاصة في قطاعات الصحة والمياه والخدمات الأخرى أثناء العمليات العسكرية- تقرير مجلس حقوق الإنسان"تقرير جولدستون 23/9/2009"
ثانيا : التعليمات المسبقة والصادرة من قيادات الجيش الإسرائيلي لجنودهم حيث صدرت الأوامر للجنود الإسرائيليين بإطلاق النار على كل شيء متحرك سواء أكان امرأة ، طفل ، شيخ الخ ففي تقرير امني موجه للجنود الإسرائيليين خلال عملية الرصاص المسكوب جاء فيه :
" أريد منكم روحا عدائية – إذا كان هناك شخص يشتبه به في الطابق العلوي من منزل ما فإننا سنقصفه ، وإذا كانت لدينا شكوك بشأن منزل معين ، فإننا سندمره ... ولن يكون هناك مجال للتردد ... ولن يلجأ احد للتروي ... دعوا عواقب الأخطاء تنهال على رؤوسهم ، وليس على رؤوسنا" – تقرير منظمة العفو الدولية يوليو 2009
وقد أخذت جرائم الحرب الإسرائيلية بحق أبناء شعبنا الأعزل صورا وإشكالا متعددة مثل استخدام الأسلحة المحرمة دوليا ، وهدم المنازل فوق رؤوس أصحابها ليدفنوا تخت الأنقاض، وإطلاق الرصاص على المواطنين بدون مبرر وارتكاب مجازر جماعية ، واتخاذ المدنيين دروعا بشرية ، وترك الجرحى ينزفون دون السماح بإسعافهم ، والاعتداء على الأطقم الطبية ، ونحن هنا لسنا بصدد توثيق هذه الجرائم فقد قامت العديد من المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والدولية بتوثيقها ، ولكننا بصدد ذكر بعضا منها لتكتمل صورة العدوان الهمجي الغاشم على شعبنا.الذي علق على نتائجه مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية جون هولمز في 22/1/2009 بقوله " إن مستوى الكرب الإنساني ، والدمار الذي شاهدته اليوم ،ومن أي زاوية نظرت إليه يفطر القلوب ، وأن معاناة المدنيين غير المتناسبة في هذه العملية العسكرية تثير الصدمة "
1 – استخدام الأسلحة المحرمة دوليا
قنابل الفسفور الأبيض
الفسفور الأبيض عبارة عن مادة كيميائية قابلة للاشتعال تسبب حروق كيميائية من الدرجة الثانية والثالثة عند ملامستها للجلد ، كما أنها تشكل تهديدا خطيرا على حياة الأفراد حيث تودي إلى إصابات خطيرة تؤدي إلى الوفاة عند ملامستها أو استنشاقها أو ابتلاعها ، ويستخدم من خلال قنابل تطلق من مدافع عيار 155مم تنفجر في الجو مطلقة كمية كبيرة من الغاز الأبيض الكثيف، لقد استخدم الجيش الإسرائيلي قذائف الفسفور الأبيض ما أدي إلى إصابة العديد من أبناء الشعب الفلسطيني في مناطق مختلفة من القطاع خاصة في شرق غزة وبيت لاهيا وهي قنابل حارقة وسامة أصيب العديد من المواطنين وقد واجه الأطباء الفلسطينيون صعوبة كبيرة في علاج الحروق الناجمة عن الإصابة بالفسفور الأبيض نظرا لاستخدامه لأول مرة في قطاع غزة ، كما استخدم الفسفور الأبيض في الاعتداء على المؤسسات الطبية كما حدث في مستشفى القدس يوم 15/1/2009 وادي إلى إلحاق أضرار كبيرة في المستشفى ونشوب حرائق كبيرة فيه .
قنابل السهام الخارقة
وهي عبارة عن قنابل محشوة بكمية كبيرة من السهام المعنية يتراوح عددها بين 5000 و 8000 سهم يبلغ طول الواحد منها نحو 3.5 سم وله رأس مدبب بشكل حاد من الأمام وله أربع فراشات في الخلف وعند انفجار القنبلة في الجو فإن السهام الخارقة تنتشر بشكل مخروطي في مساحة تقر ما بين 100 الى300 متر مربع ، ولقد تسببت قنابل السهام الخارقة في استشهاد العديد من المواطنين في بيت حانون وبيت لاهيا ومناطق أخرى .
2 - المجازر الجماعية وتدمير المنازل على رؤوس أصحابها
لقد ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجازر جماعية بحق المواطنين الفلسطينيين ومن أمثلة هذه المجازر:
* مجزرة آل السموني 5/1/2009 حيث قصف منزل لأحد أفراد العائلة تجمع فيه نحو مئة فرد من عائلة السموني تعرض لقصف مدفعي أودى بحياة 29 فردا عدا الذين أصيبوا بجراح وظبوا بدون إسعاف لدرجة أن قضى بعض الجرحى نحبهم ، واستمرت الجثث ملقاة على الأرض أمام الأطفال والنساء
* مجزرة آل الداية 6/1/2009 ، حيث قصفت طائرة حربية إسرائيلية من نوع F16 منزل العائلة في حي الزيتون المكون من ثلاث طبقات تضم 7 وحدات سكنية أصبح المنزل كومة من تراب واستشهد 22 فردا من أقراد العائلة
3- الاعتداء على الطواقم الطلية ومنعهم من أداء عملهم
عمدت قوات الاحتلال إلى الاعتداء على سيارات الإسعاف والأطقم الطبية مما أدى إلى استشهاد العديد من أفراد الطواقم الطبية فعلى سبيل المثال لا الحصر :
* في 4/1/2009 استشهد ثلاثة من رجال الإسعاف في مدينة غزة كما استشهد صبى كان يرشدهم إلى مكان جريحين بعد أن تعرضوا لقذيفة دبابة إسرائيلية.
* في 12/1/2009 استشهد طبيب في محاولة إنقاذ ثلاثة من الشباب وذلك في شارع متفرع من شارع الزرقا في بلدة جباليا شمال غزة
* منعت قوات الاحتلال المتمركزة جنوب مدينة غزة وصول سيارات الإسعاف إلى عدد كبير من الجرحى من آل السموني لعدة أيام وعندما سمحت للمسعفين بالوصول إلى أماكن الجرحى اضطروا إلى الذهاب لإسعاف الجرحى سيرا على الأقدام وإخلاء الجرحى على عربات الكارو التي تجرها الحمير.
وقد أكد تقرير منظمة العفو الدولية هذه الممارسات الإسرائيلية، حيث جاء في تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في يوليو 2009 : " الهجمات ضد أفراد أطقم الإسعاف وغيرهم مما كانوا يحاولون إخلاء الجرحى كانت متعمدة ، وأنها تكررت خلال عملية الرصاص المسكوب وفي جميع أنحاء قطاع غزة ، وبهذه الصفة فإن تلك الهجمات شكلت انتهاكا للقانون الإنساني الدولي الذي يوفر حماية خاصة للمرضى والجرحى والموظفين الطبيين والمرافق الطبية"
4- استخدام المدنيين العزل دروعا بشرية
استخدمت القوات الإسرائيلية المواطنين العزل دروعا بشرية أثناء الحرب التي أطلقت عليها اسم عملية الرصاص المسكوب، وذلك عن طريق احتلال المنازل واحتجاز سكانها في غرفة واحدة بينما يجعلون من المنزل ثكنة عسكرية ومكانا للقنص، كما حدث مع العديد من المواطنين في أماكن مختلفة من القطاع ، كما قام الجنود الإسرائيليون بإجبار السكان المدنيين بالسير أمام الجنود وإجبارهم على كسر أقفال المنازل أو المناداة علة من بداخلها .
وهكذا فإن القوات الإسرائيلية قد ارتكبت جرائم فظيعة بحق المواطنين الفلسطينيين، وان من تجول في قطاع غزة في أعقاب الحرب رأى مناظر وسمع قصصا تقشعر لها الأبدان من هول الدمار والخراب الذي غطى القطاع من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، ومن المآسي التي واجهها السكان أثناء هذه الحرب والتي مازالوا يعانون منها على الرغم من مرور عام عليها، أيام لا تنسى من ذاكرة هذا الشعب وكيف تنسى وما زالت المنازل المدمرة على حالها، وما زالت الآثار النفسية لهذه الحرب تبدو على الأطفال ، وما زال الحصار قائما والذي لا يسمح بإدخال الاسمنت الو الحديد لإعادة الأعمار، بل لا يسمح بدخول الزجاج لإغلاق نوافذ آلاف المناول التي حالفها الحظ بعدم التدمير الكلي، جرائم حرب منافية لكل الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية مثل القانون الإنساني الدولي واتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكولات الإضافية لها، ففي البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف الرابعة والصادر في 12 أغسطس عام 1949 على الآتي:
تنص المادة 57 على" بذل لرعاية متواصلة من اجل تفادي السكان المدنيين والأشخاص والأعيان المدنية ، كما تنص على ما يلي :
اتخاذ الاحتياطات التالية فيما يتعلق بالهجوم :
يجب على من يخطط لهجوم أو يتخذ قرارا بشأنه:
أولا : أن يبذل ما في طاقته عمليا التحقق من الأهداف المقرر مهاجمتها ليست أشخاصا مدنيين أو أعيانا مدنية وأنها غير مشمولة بحماية خاصة.
ثانيا : أن يتخذ جميع الاحتياطات المستطاعةعند تخير وسائل وأساليب الهجوم من اجل تجنب إحداث خسائر في أرواح المدنيين، أو إلحاق الإصابة بهم أو الإضرار بالأعيان المدنية ، وذلك بصفة عرضية وعلى أي الأحوال حصر ذلك في أضيق نطاق.
وفيما يخص تدمير المنازل والممتلكات فقد نصت المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة على:
" تدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية على نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية تشكلان خرقا فاضحا للاتفاقية وبذاتها جريمة حرب" .
وفيما يخص استخدام المدنيين كدروع بشرية فقد نصت المادة 28 من اتفاقية جنيف الرابعة على:
" يحظر استخدام المدنيين المحميين بوضعهم في مناطق التماس أو المناطق الخطرة كاستغلال لهذا التواجد في العمليات العسكرية "
انتهت الحرب التي شنتها إسرائيل على شعبنا في قطاع غزة، فهل حققت إسرائيل أهدافها المعلنة والغير معلنة من وراء هذه الحرب؟
هل توقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة ؟
هل تمكنت من القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة ؟
هل استطاعت كسر صمود وإرادة الشعب الفلسطيني للمطالبة بحقوقة المشروعة؟
اعتقد أن إسرائيل لم تحقق ما هدفت إلية، وخرجت من قطاع غزة تجر أذيال الخيبة والعار جراء ما ارتكبته قواتها من جرائم ضد الإنسانية يندى لها الجبين، ولقد خرج الشعب الفلسطيني صامدا صابرا متمسكا بتراب أرضة وحقوقه، وان شدة الغارات الإسرائيلية وانتشارها ، وقسوة الجنود الإسرائيليين الغزاة فشلت في إجبار الفلسطينيين على ترك أرضهم ومنازلهم ، كان بإمكان الجماهير اقتحام الحدود ولكنها أثرت الموت على النزوح وبدأ نوع من التكافل بين اسر المجتمع الذي أوى إلى بعضه البعض، حيث استوعبت الأسر الفلسطينية أصدقائها وأقاربها من الأسر الذين تعرضت منازلهم للقصف والتدمير ، ولقد فشلت إسرائيل في إيقاف الصواريخ فالصواريخ كانت تنطلق وبكثافة أثناء تحليق الطيران الإسرائيلي في أجواء غزة باحثا عن أهداف يقتنصها، وفشلت إسرائيل في كسر صمود وإرادة شعبنا رغم الآلام والمآسي التي لحقت له .
غزة وماذا بعد ؟
عام كامل مر على أشرس حرب تعرضت لها غزة في تاريخها الطويل ، وهي صامدة شامخة كما كانت دائما أمام عواصف الزمن لم تستطع إسرائيل وآلتها الحربية من كسر إرادة وصمود هذا الشعب ، عام انقضى وما زالت غزة على حالها حيث تجد الآتي:
* ما زالت تلال وأكوام حجارة وأتربة المنازل التي دمرتها قوات الاحتلال كما هي تنتظر من يزيلها ، وما زال أصحابها يعيشون في الخيام أو في أماكن غير مناسبة.
* وما زالت إسرائيل تواصل اعتداءاتها ضد شعبنا في قطاع غزة حيث تمارس أعمال القتل والتجريف والتوغلات المتكررة.
* ما زال الحصار الخانق يطبق على غزة من كل جانب ليواصل أبناء القطاع معاناتهم في كل مجالات حياتهم.
* وما زال النظام العربي والدولي عاجزا على أن يتقدم خطوة واحدة نحو رفع الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع ، ولا نستمع إلا لنداءات وتصريحات لا تسمن ولا تغني من جوع.
* وما زال الدول الأوروبية وأمريكا مترددة في اتخاذ موقف حازم وقوي من إسرائيل وممارساتها ضد قطاع غزة وسكانه لشكل خاص والقضية الفلسطينية بشكل عام على الرغم مما نسمعه من مشاريع وأوراق مثل المشروع السويدي .
* ما زال الانقسام الفلسطيني ينخر في عظام شعبنا وربما يكون اخطر واشد عليه من قنابل الفسفور الأبيض ، والقنابل الثقيلة الموجهة ، واخطر من طائرات ألF16 وطائرات الاباتشي ، واخطر من دبابات الميركافاه وجيبات الهامر .
إن اخطر ما في هذه الأمور هو الانقسام الفلسطيني الذي لم يبدأ يوم 14/6/2007 فحسب بل بدأت إرهاصاته منذ زمن واعتقد أنها بدأت منذ استشهاد الرئيس ياسر عرفات وربما قبل ذلك ولم تفلح كل مؤتمرات وجلسات الحوار المتعددة ونتائجها ابتداء من مؤتمر حوار القاهرة في 18/3/2005 ، مرورا بإعلان دمشق في 21/1/2007 ، واتفاق مكة 8/2/2007، ثم الورقة المصرية في أكتوبر 2009، ناهيك عن الاتفاقات التي كانت قاب قوسين أو ادني من التوقيع عليها، ووثيقة الوفاق الوطني "وثيقة الأسرى"
إن أول واكبر الخاسرين جراء هذا الانقسام هو الشعب الفلسطيني لان هذا الانقسام هو تهديد لقضيته الوطنية ومشروعه الوطني، في حين أن أول واكبر الرابحين من هذا الانقسام هو إسرائيل التي عملت من اجل هذا الانقسام منذ زمن عندما تمنى رئيس وزرائها الأسبق اسحق رابين بان يصحو يوما ليجد غزة قد ابتلعها البحر ، ثم ارئيل شارون رئيس وزراء إسرائيل في الفترة من 2001-2006 الذي أعلن خطة فك الارتباط آحادي الجانب مع قطاع غزة وبالفعل قام بإخلائها من المستوطنات الإسرائيلية يوم 12/9/2005 ، إن من شأن الانقسام إضعاف الشعب الفلسطيني أمام المخططات الإسرائيلية في الاستيلاء على المزيد من الأراضي وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية وتهويد القدس، ومن شأن الانقسام دعم الادعاءات الإسرائيلية بعدم وجود شريك فلسطيني للسلام ، ومن شان الانقسام إضعاف الجانب الفلسطيني في حشد الدعم والتأييد الدولي وحتى العربي له لمساندته في صراعه العادل مع الاحتلال الإسرائيلي، وإذا نظرنا من حولنا وتفحصنا جيدا خارطة الصراعات في المنطقة نجد إما قوى عالمية تريد الهيمنة والسيطرة متسلحة بإمكاناتها العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية ، وإما قوى افليمية لها حسابات مصالحها الخاصة، أو دول صغيرة متقوقعة داخل حدودها وتدفن رؤوسها في الرمال تظن أنها في مأمن واعتقد أن ما يجري في افعانستان والعراق ، وما يجري في باكستان واليمن ليس بعيدا عنا ، ولا ندري الشرارة التالية أين ومتى ستشتعل ولكنها حتما ستشتعل.لذا فإن إنهاء الانقسام ضرورة وطنية واجتماعية وسياسية وتاريخية لحماية مشروعنا الوطني لان الشعب الفلسطيني وحدة الكفيل بحماية هذا المشروع الذي سقطت من اجله قوافل الشهداء، والجرحى بالإضافة إلى الأسرى، ولكن كيف يمكن إنهاء هذا الانقسام ؟ ... رأى الكثيرون من أبناء فلسطين بالحوار ونادي الكثير به والغريب أن الطرفين الرئيسين في هذه المسألة ينادون بالحوار والجميع ينشد المصالحة الوطنية ، إذا كان كذلك فلماذا لم ينجح الحوار طوال عدة سنوات ، عقدت خلالها جلسات وجلسات وصدرت بيانات وكلما يصدر بيانا باتفاق ما يشعر الفلسطينيون بالأمل ويستبشرون خيرا ولكن سرعان ما يخبو هذا الأمل لماذا ؟ لماذا يفشل الحوار ؟ ... هل لأسباب تتعلق باختلاف البرامج السياسية بين الفصائل والأحزاب الفلسطينية ؟ أم هل هناك قوى إقليمية تتدخل من طرف خفي في الشأن الفلسطيني ؟ هل يوجد قرار فلسطيني أم أن القرار بيد غيره؟ ألا يوجد قواسم مشتركة بين الفصائل على الرغم من اختلاف برامجها ورؤاها،
إذا كانت الإجابة على الأسئلة بالإيجاب أم السلب فلقد آن الأوان لان تقف القيادات الفلسطينية بكل صورها وأشكالها سواء أكانت مؤسسات رئاسية وتشريعية وتنفيذية أم قادة الفصائل والأحزاب وقفة جادة مع نفسها ، وتستفيد من دروس وعبر ونتائج الحرب الإسرائيلية على غزة لحوار جاد لا يستغرق سنوات ولا حتى شهور ويمكن أن يتم في أيام إذا صدقت النوايا ، وإذا توقفت المناكفات ، وتوقفت التصريحات والتصريحات المضادة وتوقف تصيد المواقف هنا وهناك، وهناك من المؤشرات التي لو أحسن استخدامها ستخرج القيادة الفلسطينية بصيغة توافقية تريح شعبنا من طول عناء .
فغزة هي بوابة الدولة الفلسطينية ولن نصل إلى الدولة إلا عبر بوابة غزة .
المؤشر الأول : هو ما أعلنه الرئيس محمود عباس في خطابة بتاريخ 5/11/2009 والذي أشار فيه إلى صعوبة المفاوضات مع إسرائيل وعدم استجابة إسرائيل للمطالب الفلسطينية مع عدم تنفيذ إسرائيل للالتزامتها التي أقرتها الاتفاقيات ، بل لم تلتزم بالالتزامات التي وردت في خطة خارطة الطريق، وبتعبير آخر فشل المفاوضات التي استمرت طوال 18 عاما ، كما أشار إلى أن هذا الموقف الإسرائيلي جاء بدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من تصريحات الرئيس الأمريكي ووعوده للعرب وللشعب الفلسطيني.
المؤشر الثاني : هو ما أعلنته حركة حماس على لسان وزير الداخلية في الحكومة المقالة حول اتفاق بين الفصائل بعدم إطلاق الصواريخ على إسرائيل من قطاع غزة وقد جاء هذا الاتفاق بناء على المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.
أعتقد أن هذين المؤشرين وبغض النظر عن مواقف حركة حماس من خطاب الرئيس محمود عباس المشار إليه، ومواقف رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية من اتفاق عدم إطلاق الصواريخ الذي أعلن عنه مؤخرا وبغض النظر عن موقف بعض الفصائل منه هما خطوتان في الاتجاه الصحيح يجب الانطلاق منهما للخروج بصيغة مرضية للجميع للخروج من مأزق الانقسام وتوحيد شقي الوطن ولم لا ... أو ليس حركة حماس استنكرت وأدانت ورفضت المفاوضات مع إسرائيل والاستمرار فيها مطالبة وقفها. من جهة أخرى أو ليس السلطة الوطنية الفلسطينية كانت دائما تدعو إلى التهدئة مع إسرائيل وعدم إطلاق الصواريخ على إسرائيل من قطاع غزة حرصا على المصلحة العليا الفلسطينية.
إذن يجب استثمار هذه المواقف ودعمها وتوسيعها لتصبح بداية سليمة ومشجعة للاتفاق على وحدة الوطن للبحث عن الخيارات البديلة لشعبنا أمام هذا الصلف الإسرائيلي المدعوم أمريكيا وحتى أوروبيا وشعبنا الذي يناضل منذ أكثر من مئة عام لا تعجزه وسيله للدفاع عن حقوقه .
النتائج
* إن غزة ذات التاريخ الموغل في القدم وموقعها الجغرافي المتميز استطاعت الصمود في وجه الغزوات والحروب التي واجهتها على مر تاريخها ، على الرغم من فداحة الخسائر التي تعرضت لها في كل غزوة أو حرب، وهي فوهة بركان الثورة والمقاومة الحي ضد كل المشاريع الصهيونية في منطقتنا، لهذا كان استهدافها فبل وأثناء وبعد الحرب الأخيرة.
* أن الشعب الفلسطيني يواجه عدوا شرسا مدعوما بلا حدود من اكبر القوى الاقتصادية والعسكرية في العالم وبالتحديد الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية ، ولا يمكن الرهان على مواقف هذه القوى التي تضع إسرائيل على سلم أولوياتها وسياساتها.
*إن الدعم العربي للفلسطينيين أصبح دعما مجزئا ومرهون بسقف محدد وفق مصالح وحسابات وعلاقات كل دولة عربية مع العالم الخارجي خصوصا أوروبا وأمريكا.
* إن غزة تتعرض الآن إلى مؤامرة كبرى، بدأ تنفيذها بإعلان فك الارتباط الأحادي الجانب، وإخلاء المستوطنات الإسرائيلية منها في سبتمبر عام 2005 ، صحيح إن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة والضفة الغربية والقدس هو أول المطالب الفلسطينية، وكان على رأس جداول الاجتماعات واللقاءات التي عقدت بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في إطار المفاوضات التي استمرت طوال أربعة عشر عاما قبل فك الارتباط ، فلماذا لم يتم إلا خلاء أو الانسحاب الإسرائيلي من خلال هذه المفاوضات ، والهدف من ذلك هو خلق نوع من الانقسام بين الفلسطينيين ، ومن ثم إنهاك قطاع غزة وسكانه، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا عن طريق:
• تشديد الحصار على قطاع غزة برا وبحرا وجوا ، وهذا تم مباشرة بعد تشكيل الحكومة الفلسطينية العاشرة التي شكلتها حركة حماس بعد فوزها في الانتخابات التشريعية 2006 ، ثم إحكام الحصار بعد الانقلاب"الحسم العسكري" التي نفذته حركة حماس في 14/6/2007 وتقليص إدخال كافة السلع التجارية والمواد الغذائية ، والوقود إلى الحد الأدنى وعدم إدخال أي نوع من أنواع المواد الخام اللازم للصناعة ومواد البناء خاصة الاسمنت والحديد .
• إلحاق اكبر الخسائر البشرية بين صفوف الشعب الفلسطيني، وزيادة التأثيرات النفسية السلبية على الأجيال الفلسطينية بدءاً من الأطفال بهدف تصدع المجتمع الفلسطيني بخلق ثقافة العنف والأمراض الاجتماعية التي من شأنها تهديد امن واستقرار المجتمع ومن ثم تفككه .
- تدمير مقدرات الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وتدمير بنيته التحتية لخلق مزيد من المعاناة لدى شعبنا في قطاع غزة.
• صرف أنظار الشعب الفلسطيني في قطاع غزة عن قضيته الوطنية، وتحويلها إلى قضية إنسانية تطلب مد يد العون والمساعدات الإنسانية التي تقدمها المؤسسات الدولية وبعض الدول.
• إطفاء وتدمير شعلة الثورة والصمود والمشتعلة منذ 62 عاما في وجه كل محاولات التصفية للقضية الفلسطينية.
• استمرار الانقسام الفلسطيني الذي هو اخطر ما يتعرض له الفلسطينيين ، وهو انقسام غير مبرر ، وهو سيمنح إسرائيل فرصة تحقيق مخططاتها وأهدافها.
• عزل غزة وهي الورقة الحاسمة لقيام دولة فلسطينية وبدونها لن تقوم هذه الدولة فغزة دائما هي بداية الوطن ومفتاحه.
التوصيات
من خلال ما سبق فإننا نرى :
أولاً : ضرورة التصدي للإجراءات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني والمتمثلة في التوسع الاستيطاني ، وتهويد القدس ، وتكريس الانقسام من اجل تصفية القضية الفلسطينية .
ثانياً : ضرورة العودة إلى إعادة اللحمة الفلسطينية والوحدة الوطنية وذلك بإنهاء الانقسام وهو ضرورة وطنية وسياسية وتاريخية للشعب الفلسطيني وذلك بعودة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى غزة لتولي مهامها في إعادة إعمار غزة والتفرغ لمواجهة التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني .
ثالثا : حسم نتائج الحوار بتوقيع جميع الفصائل الفلسطينية على الورقة المصرية دون العودة إلى عقد جلسات إضافية للحوار.
رابعا : الأخذ بما أمكن من ملاحظات على ما جاء في الورقة المصرية بعد التوقيع وبمساعدة جمهورية مصر العربية .
خامساً: يجب مصاحبة التوقيع التوقف النهائي عن كل المناكفات والسجالات الإعلامية ومناقشة المسائل الخلافية في إطار المؤسسات الرسمية وليس على شاشات الفضائيات .
سادسا : ضرورة خلق ثقافة حوارية في وسائل الإعلام الفلسطيني المقروء والمسموع والمرئي وإتاحة الفرصة للنخب الفلسطينية من قيادات وكتاب وأدباء وصحفيين ومثقفين من كل ألوان الطيف الفلسطيني للتحاور والنقاش في برامج إعلامية هادفة .
أكرم أبو عمرو
باحث فلسطيني
[email protected]
المصادر
• مصطفى مراد الدباغ بلادنا فلسطين .
• سليم المبيض، غزة وقطاعها خلود المكان وحضارة السكان 1987
• معهد دراسات التنمية 2007 تقرير حول وقف التعامل بالكود الجمركي.
• مركز الميزان لحقوق الإنسان ، تقرير حول وقف العمل بالكود الجمركي
• مركز الميزان لحقوق الإنسان ، تقرير إحصائي حول الخسائر الفلسطينية نتيجة الحرب
• المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ، مدنيون مستهدفون
• تقرير منظمة العفو الدولية ، عملية الرصاص المسكوب 22 يوما من الحرب على غزة يوليو 2009
• تقرير المجلس العالمي لحقوق الإنسان – تقرير غولدستون 23/9/2009.
• العديد من المواقع الالكترونية.
• الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ، كتاب الاحصاء السنوي رقم 9 نوفمبر 2009