
العدوان الثلاثي على قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء1956 م
تميزت السنوات الأولى من الخمسينات بظاهرتين : تصميم إسرائيلي على قضم تدريجي للأراضي العربية مصحوب من حين إلى آخر باعتداءات وحشية على القرى العربية ومد قومي عربي تحرري بزعامة الرئيس جمال عبد الناصر أسفر عن إنجازات ضخمة على الصعيدين العربي والدولي وتلاحقت التطورات وتفاعلت حتى جعلت المواجهة المسلحة بين العرب والإسرائيليين أمراً غير مستبعد( ).
فإسرائيل لم تكتف بما حققته من مكاسب في العام 1948 بل عمدت إلى تنفيذ مخططاتها التوسعية في الأراضي العربية معتمدة على تأييد بعض الدوال الكبرى ومستفيدة من فترة الضياع والتشتت والضعف التي حلت باللحمة العربية في أعقاب حرب فلسطين الأولى ولو استعرضنا هذه المخططات والأطماع لوجدنا أنها تجلت في الأمور التالية:
1-محاولة تجفيف بحيرة الحولة في العام 1951 وتدخل مجلس الأمن بناءً على الشكوى السورية وأمر بوقف أعمال التجفيف غير أن إسرائيل أعادت الكرة بعد عامين وحاولت في الوقت نفسه إقامة مشروعات مائية تهدف إلى تحويل مياه نهر الأردن إلى النقب بغرض إحياء الصحراء وتمهيد السبيل لإقامة مفاعلات ذرية في ديمونة وإذا كانت قد تراجعت تكتيكياً عن هذه المشاريع خوفاً من قطع المساعدة الأمريكية عنها فإنها لم تتورع في العام 1956 بعد العدوان الثلاثي عن تجفيف البحيرة واحتلال المنطقة المجردة من السلاح المحاذية للبحيرة ومتابعة العمل في مشاريعها المائية( ).
2-طرد السكان من العرب الرحَل من مثلث العوجا المجرد من السلاح واحتلاله نهائياً في العام 1955 .
3-القيام باعتداءات متكررة على بعض القرى والمناطق العربية بدعوى الانتقام من الفدائيين وبغرض إرهاب السكان وإرغامهم على النزوح في الواقع .
4-ضم القدس واعتبارها عاصمة للدولة العبرية بعد التظاهر بالموافقة على التدويل.
5-الطمع في الحصول على حرية الملاحة في خليج العقبة للوصول إلى البحر الأحمر ومنه إلى دول أفريقيا وآسيا.
6-الرغبة في القضاء على القوة العسكرية المتنامية في مصر بعد أن تمكنت هذه الدولة العربية من كسر طريق احتكار التسلح الذي فرضته الدول الغربية على الدول العربية.
7-الحرص على أن تكون إسرائيل الدولة الأقوى في المنطقة بغية إقناع الغرب بقدرتها على حماية مصالحه والحصول بالتالي على تأييده ومساعدته.
وعلى الرغم من الانتكاسات العسكرية التي شهدتها المنطقة العربية فقد استطاع المد القومي العربي إحراز تقدم باهر ويتجلى هذا التقدم التحرري في الأمور التالية:
1-نجاح الثورة المصرية وقيامها بإصلاحات جذرية على أكثر من صعيد.
2-التوجه إلى المعسكر الاشتراكي وتوثيق العلاقات بدوله والتخلص من التحكم الغربي في كل المقدرات العربية.
3-إسهام مصر بقيادة الرئيس عبد الناصر في تأسيس حركة عدم الانحياز واشتراك الرئيس جمال عبد الناصر في مؤتمر باندونغ في العام 1955 وتفهم كثير من دول آسيا وأفريقيا التي شاركت في المؤتمر لوجهة النظر العربية بالنسبة إلى قضية فلسطين.
4-تزعُم مصر للحملة التي أدت إلى رفض ربط الدول العربية بالأحلاف العسكرية الغربية حلف بغداد .
5-مبادرة مصر إلى تقديم مختلف أشكال العون والتأييد إلى جميع الأقطار العربية التي كانت تناضل من أجل استرداد استقلالها وحريتها وكانت المساعدة المصرية للثورة الجزائرية العنصر الحاسم في استمرارها وانتصارها.
6-أسلوب الرئيس جمال عبد الناصر في التعامل مع الدول الاستعمارية ففي العام 1954 فرضت الحكومة المصرية على بريطانيا توقيع اتفاقية الجلاء عن قناة السويس ، وفي العام 1956 شجعت ملك الأردن على تعريب الجيش وإقالة الجنرال غلوب القائد البريطاني للجيش الأردني وخلال هذه الفترة عقدت سلسلة من اتفاقيات الدفاع المشترك مع عدد من الدول العربية .
وعندما أرادت الولايات المتحدة وبريطانيا والبنك الدولي معاقبة مصر على سياستها التحررية بالتخلي عن عرضها لتمويل بناء السد العالي كان الرد المصري على تأميم شركة القناة في شهر 26/يونيو/1956 وتخصيص عائداتها لبناء السد.
وعند ذلك التقت مصالح الدول الاستعمارية لشن عدوان ثلاثي على مصر في 29/أكتوبر/1956 وخيل إلى إسرائيل أن المناخ الدولي ملائم للوصول إلى ضفة القناة واحتلال سيناء وتأمين حرية الملاحة في خليج العقبة والقضاء على مراكز الفدائيين في قطاع غزة وتدمير القوة العسكرية المصرية والتخلص من نظام الريس عبد الناصر ومشاريعه الإصلاحية والتوحيدية والتحررية.
وقبل حصول العدوان بأسبوع قام دافيد بن غوريون رئيس حكومة إسرائيل بزيارة سرية إلى فرنسا واتفق مع رئيس الوزارة الفرنسية ووزير الخارجية البريطانية على خطة عمل مشتركة ضد مصر وتقضي الخطة بأن تبدأ إسرائيل بالهجوم على مصر بدعوى القضاء على قواعد الفدائيين في سيناء فتتدخل فرنسا وبريطانيا بدعوى الفصل بين الطرفين وضمان حرية الملاحة في القناة.
وفي 29/أكتوبر/1956 بدأت إسرائيل حملتها وتمكنت خلال أيام من احتلال غزة وشبه جزيرة سيناء بكاملها والاستيلاء على موقع شرم الشيخ وجزيرة تيران التي تتحكم في مدخل خليج العقبة وفي 30/أكتوبر/1956 وحسب الخطة المتفق عليها وجهت بريطانيا وفرنسا إنذاراً إلى مصر أعلنتا فيه حرصهما على حرية الملاحة في القناة وتصميمها على العمل لإيقاف القتال بين إسرائيل ومصر في أقرب وقت.
وتأمين حرية المرور في القناة ودعت الدولتان الحكومة المصرية إلى الكف فوراً عن أي عمل عسكري وسحب قواتها إلى مسافة عشرة أميال من القناة والموافقة على احتلال القوات البريطانية والفرنسية بشكل مؤقت لمواقع رئيسية في بور سعيد والإسماعيلية والسويس .
أرسلت الدولتان حسب الخطة المرسومة أيضاً إنذاراً مماثلاً إلى إسرائيل كي تنسحب مسافة عشرة أميال من القناة ووافقت إسرائيل على الإنذار ورفضته مصر قامت الطائرات البريطانية والفرنسية بالهجوم على المطارات المصرية في 31 /أكتوبر/1956 وبدأت القوات التابعة للدولتين بالنزول في منطقة القناة وانسحبت القوات المصرية من سيناء لتتجمع على امتداد الضفة الغربية للقناة وبذلك تمت إسرائيل السيطرة على سيناء بأكملها.
الاحتلال الإسرائيلي لمدينة غزة: بدأ العدوان الثلاثي على قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء في الساعة التاسعة صباحاً في 31/أكتوبر/1956م بقصف مدفعية الأسطولين الفرنسي والبريطاني البحريين وبغارات جوية فرنسية وبريطانية وقد قاومت القوات الفلسطينية الاستشهادية مقاومة عظيمة فأعاقت تقدم القوات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية وهيأت الفرصة للقوات الرئيسية المصرية للانسحاب عبر صحراء سيناء للدفاع كل منطقة القنال( ).
قاومت كلاً من مدينة خانيونس ورفح مقاومة باسلة وقد استهدفت مدينة غزة بغارات جوية مستمرة من الطيران الفرنسي والإسرائيلي الذي ركز هجومه وقصفه على وسط مدينة غزة.
بدأت القوات الإسرائيلية بعد احتلال مدينة غزة بعمل مذابح جماعية وقتل السكان المدنيين الأبرياء وفي أعقاب دخول القوات الفرنسية بعد قصف مستمر بمدفعية الميدان ومدفعية الدبابات دخلت القوات الإسرائيلية مدينة غزة بدباباتهم التي وضعوا عليها شعارات مصر ورفعوا فوقها الأعلام المصرية وأخذوا يصرخون ويملئون الجو ضجيجاً مما جعل أهالي مدينة غزة يعتقدون أن المصريين وصلوا لنجدتهم فخفوا لاستقبالهم فما كان من الإسرائيليون إلا أن فتحوا نيران رشاشاتهم ومختلف أسلحتهم على جموع أهالي مدينة غزة فسقط فوراً عدد من الضحايا يتراوح بين مائتين إلى ثلاثمائة شهيد هرب الأهالي إلى جميع الاتجاهات بعد أن انكشفت المكيدة والتجئوا إلى كل ما يمكن أن يقيهم نيران العدو الإسرائيلي من أماكن.
أسرف بعد ذلك الإسرائيليون في عمليات القتل فكانوا يطلقون النار على كل من تقع عليه أعينهم من بشر سواء كانوا في الطرقات أم الشرفات أم النوافذ وتكدست الجثث على الأرصفة وفي عرض الشوارع وفرض الإسرائيليون فرض منع التجول على السكان باستثناء ساعتين اثنتين لم يكن فيهما الأهالي يستطيعون أن يشتروا الطعام أو يدفنوا الشهداء على أن بلدية غزة ورجال الدين والزعامات الوطنية وعلى رأسهم الشيخ هاشم الخزندار بذلت جهداً مضنياً في سبيل دفن قسم كبير من هؤلاء الشهداء بالرغم من خطر الموت الذي كان يتهدد العمال الذين يقومون بعمليات الدفن.
اقتحم الإسرائيليون المحال التجارية خصوصاً التي تتجر بالمواد التموينية وعبئوا موجوداتها ونقلوها إلى الأرض المحتلة من فلسطين مما أوقع مدينة غزة في أزمة معيشية قاسية فشحت المؤن وضاق العيش وقد حرصت السلطات الإسرائيلية على نهب دوائر الحكومة واختصت عنايتها بسجلات الطابو تسجيل الأراضي وهي السجلات التي تبين ممتلكات الأهالي في الأراضي والعقارات على أن ذلك لم يمنعها من أن تأتي على كل ما في دور الحكومة الأخرى من أثاث فالمكاتب والخزائن والكراسي والآلات الطابعة حتى أقلام الرصاص وأوراق الكتابة نهبت جميعها ولم يجد الموظفون الفلسطينيون لدى عودتهم لدوائرهم بعد انسحاب إسرائيل ما يجلسون عليه فكانوا يفترشون الجرائد على الأرض ويجلسون عليها ويصرفون شئون المواطنين ولأول وهلة لاحتلال الإسرائيليين ألغوا القوانين التي كان معمولاً بها ومنعوا التعامل بالعملة المصرية( ).
المذابح الإسرائيلية في مدينة غزة: دوت مكبرات الصوت في أنحاء غزة في صباح يوم 10/نوفمبر/ 1956م الساعة الخامسة تأمر الناس بالتجمع في ساحات محددة في تمام الساعة السابعة وتهدد كل من يتخلف بالقتل هرع الرجال إلى حيث أمروا تاركين وراءهم النساء والأطفال وما كاد يتم التجمع إلاّ وانطلق من جيش الدفاع الإسرائيلي من يجوب البيوت بحجة التفتيش عن المتخلفين من الرجال فلم يبقِ في البيوت على شيء مما غلا ثمنه وخف حمله فنُهبت المجوهرات والمصاغات والساعات والراديوات والدواجن.
أما في ساحات التجمع فأجلست الجموع القرفصاء وكانت تطلق النيران فوق الرؤوس باستمرار إرهاباً ولإجبار هذه الجموع البشرية على دوام القرفصة دام هذا الوضع إلى الساعة السادسة مساءاً حتى تم الكشف على جميع البطاقات الشخصية وكانت فرق فحص البطاقات تنحي بعض الشباب على ناحية ولما تمت عملية الجرد نحو الساعة السادسة جمع هؤلاء الشباب وكانوا نحو ألف وثمانمائة تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين سنة وسيقوا بعد أن عصبت أعينهم أمام جميع الموجودين إلى حيث لا يعلم أحد وقد ترددت الإشاعات بعد ذلك فهناك من قال أنهم نقلوا إلى عتليت ومن قال أنهم نقلوا إلى حيفا أو أي مكان آخر وبقي أهليهم بين الأمل والرجاء بعودتهم إلى أن جلا العدو ولم يبدو لأحد منهم أثر إلى أن كان 24/مارس/1957م حيث كشفت الرياح الرمال عند الكيلو 96 على الطريق العام وهطلت أمطار فجرفت بعض الأتربة فبرزت من الأرض ساق صناعية لفتت نظر المارة خصوصاً وأن أحد من اعتقلته اليهود لخارج مدينة غزة يوم 10/نوفمبر/ 1956م كان يستعين بساق صناعية على المشي ونقل الخبر إلى السلطات في غزة فخرجت بعثة تستطلع الأمر فكان أفظع اكتشاف لأبشع جريمة كشف البحث عن ست وثلاثين جثة أوشكت أن تتآكل بعد أن تعفنت وأمكن التعرف على جميع أصحابها فكانوا من بين الشباب الذين أخذوا يوم التفتيش.
كان الإسرائيليون قد استهلوا احتلالهم لمدينة غزة بمذبحة جماعية راح ضحيتها أحد عشر قتيلاً ففي صباح 2/نوفمبر/1956م الساعة الحادية عشر والنصف فوجئت عائلة شنيورة التي تسكن في بيارتها الواقعة على مدخل مدينة غزة الجنوبي على الشارع العام بهدير الدبابات والمصفحات وصوت الرصاص والقنابل فتجمع أفرادها وبعض من يجاورها في إحدى غرف بيتها ليطمئن الواحد الآخر وبعد لحظات اقتحمت مجموعة من الجنود الإسرائيليين عليهم الغرفة وأمرت الجميع برفع الأيدي فلما فعلوا سأل قائدها عن المصريين الموجودين في المنطقة ولما أجيب بعدم وجود مصريين أمر الجميع بالخروج وأيديهم فوق رؤوسهم وسيقوا إلى الشارع العام وفتشوا جميعاً وسلبوا كل ما في جيوبهم أو في أيديهم أو معهم من نقود وساعات ومصاغات ثم أمر القائد اليهودي سليم جمعة شنيورة الانتحاء ناحية عن المجموع وأمر الباقي وعددهم اثني عشر بين رجل وامرأة بإدارة وجوههم صوب البيارة ثم أمر جنوده بإطلاق النار عليهم فانكفأوا جميعاً على وجوههم صرعى على المرتفع المحيط بالبيارة.
كان بينهم والد سليم جمعة شنيورة وأقاربه وسالم عبد الله الطحيمي وحمودة السلاخي ومحمد عبد العزيز الصفدي وبعض اللاجئين الذين احتموا بالبيت عندما روعوا بصوت إطلاق النار ولم يطمئن الضابط القائد إلى مصرع الجميع إلاّ بعد أن تفقدهم فرداً فرداً بأن كان يقلب الواحد منهم ويرفع جثته ناظراً في عينيه ليتأكد من وفاته وقد بقى سليمان الطحيمي حياً يرزق بالرغم من إصابته باثنتي عشرة طلقة( ).
المذابح الإسرائيلية في خان يونس ورفح: تبعد مدينة خان يونس ثاني مدن قطاع غزة بعد مدينة غزة عن الحدود المصرية عشرين كيلو متر فقط وقد تعرضت هذه المدينة عام 1956م للعدوان الثلاثي الذي تعرض له قطاع غزة ومصر لكنها ظلت تقاوم العدوان من حي إلى حي ومن شارع إلى شارع ومن بيت إلى بيت على الرغم من احتلال القطاع غير أن الجيش الإسرائيلي.
بسبب التفوق الكاسح استطاع دخول المدينة في النهاية وأمعن في أهلها القتل والذبح انتقاماً لخسائره الجسمية أثناء هجومه عليها لكن الإرهاب الإسرائيلي لم يقف عند هذا الحد بل تجاوزه إلى درجة ممارسة القتل الجماعي في مجزرة رهيبة شملت كل الفئات من نساء وأطفال وشيوخ وكان الشيخ حسن البطة أول من اعتقله الإسرائيليين وقاموا بقتله والتمثيل بجسده وأما الشباب فقد كانوا يجمعونهم وينظمونهم في طابور بحيث يجعلون وجوههم إلى الحائط ثم يطلقون النار عليهم دفعة واحدة مما أدى لاستشهاد مائتين وخمسين من المدنيين الفلسطينيين العزل وبعد تسع أيام فقط من المجزرة الأولى.
قامت وحدة من قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 12/نوفمبر/1956م بتنفيذ مجزرة إرهابية أخرى في مخيم خان يونس لا تقل بشاعة عن المجزرة الأولى ذهب ضحيتها مائتان وخمسة وسبعون شهيداً من اللاجئين الفلسطينيين العزل من سكان مخيم خان يونس.
في نفس يوم ارتكاب مذبحة خان يونس الثانية قام الإرهابيون الإسرائيليون بارتكاب مذبحة لا تقل بشاعة عن المذبحتين السابقتين حيث قتلوا أكثر من مائتي لاجئ فلسطيني أعزل في مخيم رفح أمكن التثبت من شخصية مائة وسبعة وعشرين شخصاً من سجلات وكالة الغوث الدولية فبعد أن طوق جيش العدو الإسرائيلي مدينة رفح أمر الأهالي بالخروج والتجمع في مدرسة اللاجئين ومدرسة أخرى من سن الخامسة عشر إلى الأربعين خلال نصف ساعة وبعد خمس دقائق قام جيش الاحتلال الإسرائيلي باقتحام معسكر اللاجئين في رفح وأخذ جنود جيش الاحتلال يسوقون الناس دون تمييز تحت تهديد السلاح إلى أماكن التجمع ويطلقون الرصاص عليهم أثناء تجميعهم وعندما تتكاثر الجثث بالطرقات كان جنود الإسرائيليين يأمرون المارة بإزاحتها خلف البيوت ثم يطلقون النار عليهم ليسقطوا صرعى فوق الجثث التي أزاحوها( ).
كان جيش الاحتلال قد أعد سيارات نقل مقدماً لنقل الجثث فكان يأمر الناجين بنقلها إلى السيارات والركوب معها وتذهب هذه السيارات إلى تل زعرب حيث يحفر الأحياء حفرة كبيرة تطرح فيها القتلى ويصرع بعدها الأحياء فيقعون على الجثث التي طرحوها وبعدها يهيل جنود الاحتلال عليهم التراب ويدفنونهم وهم أحياء, وإن جرائم الاحتلال ليس لها بداية ولا نهاية ففي فترة الاحتلال الإسرائيلي وعلى فترات متقطعة طيلة مدة احتلالهم كانوا يجمعون الشباب للتحقيق معهم ويحاولون انتزاع اعترافات من هم الشباب ليبرروا قتلهم رمياً بالرصاص بعد تعذيب مرهق مؤلم أما الاعترافات التي كانوا يسعون لانتزاعها منهم فهي أنهم:
1- من الفدائيين.
2- من المتعاونين مع إخوانهم المصريين.
3- يؤوون مصريين.
4- أعضاء في هيئات المقاومة الشعبية.
5- لا يعترفون بالاحتلال الإسرائيلي.
وكانوا في سبيل انتزاع هذه الاعترافات يرتكبون أبشع أنواع التعذيب وكان من تكتب له النجاة ممن يمر بتجربة التحقيق هذه يروي قصصاً تشيب الولدان أما الغالبية العظمى من هؤلاء الشبان فكان يجهل مصيرهم والكثيرون من هؤلاء ممن لم تكشف جثثهم ما زالوا حتى الآن مفقودين ففي إحدى حوادث التحقيق جمع المعتدون نحو خمسمائة شاب في مدرسة فلسطين الثانوية ومدرسة إعدادية للاجئين وأذاقوهم سوء العذاب فقد كان صراخهم من أثر التعذيب يصم الآذان لمسافات بعيدة وخرج من كتبت لهم النجاة من هؤلاء ينزفون دماً ولم يجرؤ أحد منهم على طلب العلاج علانية بل بقيّ معظمهم على حاله إلى أن تسنى له تضميد جراحه سراً.
في أحد الأكشاك الخشبية مقابل مستشفى الطوارئ موقع بلدية غزة حالياً حشر اليهود ثلاثمائة شاباً أخرجوا عدداً منهم وقتلوهم رمياً بالرصاص أمام أعين زملائهم الذين أخذوهم إلى أسدود ليسخروهم في أعمال شاقة تودي بهم إلى الموت بعد أن فرزوا منهم بضعة أفراد عصبوا أعينهم وحملوهم بسيارات نقل مع جثث من قتلوا ليدفنوهم وليدفنوا بعد ذلك معهم ولم يستطع أحد أن يحصر عدد من قتلوا من هؤلاء بالضبط إذ لم يقدر لأحد منهم أن يعود لينبئ عما حدث إلاّ أنه بلغ مجموع الجثث التي اكتشفت بمحض المصادفة وأعيد دفنها حتى 26/يونيو/1957م مائتين وثلاثين جثة لم يمكن للتعرف على أكثرها لتآكلها.
شاهد غالبية الجثث المكتشفة مراسلو وكالات الأنباء خصوصاً مندوبي الأسوشيتد برس واليونايتيد برس والتقطت شركات التلفزيون مناظر مختلفة كثيرة للجثث المكتشفة ولكنها لم تعرض على الرأي العام بتأثير الصهيونية العالمية ولم يسلم من فتك المعتدين ممثلو الأمم المتحدة أنفسهم فكم من موظفي وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة قد قتلوا بالرغم من توالي شكاوي الموظفين الدوليين التي كانت تقابل بالاستخفاف والتهكم من قبل الإسرائيليين( ).
أساليب التعذيب الإسرائيلية: تفنن الإسرائيليون في أساليب التعذيب التي يمارسونها وقصص التعذيب والوحشية التي مارسها الاحتلال الإسرائيلي وأساليبها الوحشية كثيرة.
1- يعرى السجين وتربط يداه ورجلاه بالحبال ويطرح على وجهه ويجلد بالسياط حتى تسيل دماؤه.
2- تضم قدماه وتربط بالحبال وتثبت على كرسي بينما يكون هو قد طرح على قفاه على الأرض ويتناوب ضباط التحقيق ضربه على قدميه بعصي الخيزران بينما يدوس جندي آخر على فمه كلما فتحه للتوجع.
3- تطلق عليه الكلاب البوليسية تنهش لحمه.
4- الضرب على الأذنين فيقف الضابط أو الشاويش العريف الذي يعذب خلف السجين ويفتح ذراعيه على اتساعهما ثم يطبقهما بعنف صافقاً براحتيه جانبي رأس السجين على أذنيه مما يصعقه حالاً.
5- ضرب المعذب على العضو التناسلي بعد ربطه على مائدة بكعب المسدس أو بقضيب من المطاط أو بسوط.
6- إيقاف السجين على رؤوس أصابع قدميه مواجهاً للحائط ماداً ذراعيه أفقياً ساعات طويلة مع دوام ضربه بالسياط على ذراعيه الممدودتين وكفيه وبمقدمة الحذاء العسكري على كعبيه فيستلقي على الأرض إعياءً أو يتوقف تعباً عن القيام والقعود القرفصاء إن كان التعذيب يتضمن هذه الحركة.
7- انتزاع شعر الرأس بجر السجين منه بعنف إن كان له شعر.
8- تقطيع جلد الرأس ومحاولة إطعامه للمعذب بالقوة.
9- اللكم والضرب بالأيدي والأرجل.
وقد طُبقت معظم هذه الأساليب على أكثر المعتقلين وإليكم:
1- محمد مأمون حسن الهضيبي: نجل المستشار حسن الهضيبي ثاني مرشد لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وقد كان يشغل رئيس محكمة غزة عام 1956م وقد اعتقل على خلفية اشتراكه في أعمال المقاومة ووضع في سجون الاحتلال صابراً محتسباً أجره عند الله في أرض الرباط وكانت معظم التهم التي وجهت إلى هؤلاء هي الانتماء لمنظمات المقاومة الشعبية السرية التي أقضت مضاجع الإسرائيليين وعجلت برحيلهم( ).
2- الشيخ هاشم الخزندار: من غزة فبالرغم من أنه رجل دين لم يحمه لباسه الديني من زبانية التعذيب فقد ضرب ضرباً مذهلاً ولكنه كان مثال المؤمن الصابر مما زاد من غيظ الزبانية فزادوا في عذابه وإيلامه.
3- عبد الله محمد أبو عزة: وهو موظف بوكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ضربه الإسرائيليون ضرباً مبرحاً ثم ربطوا ذكره إلى مائدة وضربوه بقضيب من المطاط حتى تورم وأكثروا من لطمه على أذنيه وعينيه ومقدمة وجهه ومما يذكر أن عبد الله أبو عزة نحيف ضعيف البنية وما زال يصاب بما يشبه الذهول كلما تذكر ظروف التعذيب أو ذكرها أحد أمامه.
4- منير كامل عجور: تاجر من مدينة غزة تعرض لكل أنواع التعذيب وقد قذف به المحققون أثناء تناوله بالضرب بالأيدي والأرجل على شباك زجاجي تحطم فقطع أربعة من شرايين يده اليسرى مما سبب له نزيفاً لم يضمد بما يضمن إيقافه بل سيق إلى السجن حيث نزفت دماؤه مما تسبب بإصابته بضعف شديد وبفقر دم ولم تعد يده إلى حالتها الطبيعية حتى الآن.
5- غالب إبراهيم الوزير وسعيد المزين: وهما مدرسان بمدارس اللاجئين أُدخلا غرفة التعذيب معاُ وأُغمي عليهما عدة مرات أثناء التعذيب كلما عادا إلى رشدهما أعيد تعذيبهما.
6- سليم الأنصاري: أصيب بالتهاب الزائدة الدودية أثناء تعذيبه فأجريت له عملية جراحية سريعة بالمستشفى وأرجع بعدها للسجن مباشرة.
7- داوود خليل أبو جبارة : طالب فلسطيني بالقسم التجاري بمدرسة فلسطين بغزة قبض عليه الإسرائيليون وجربوا معه مختلف أنواع التعذيب الكافي للقضاء على أمثاله من الفتيان لولا ما كان يتمتع به من قوة خارقة تم جلد داوود خليل أبو جبارة وحاول أحد الجنود كسر عموده الفقري فما كان من داوود أبو جبارة إلاّ أن تناوله مجازفاً بحياته وقذف به أرضاً وارتمى فوقه يريد الإجهاز عليه عندئذ اندفع نحوه جميع من كان بفرقة التعذيب وتناولوه بالأيدي والأرجل حتى فقد وعيه.
8- كمال النمور: أحد عمال مطافئ بلدية غزة سجنّه المحتلون دون ذنب وفي أحد الأيام أخذوه لتنظيف مكاتب الحكومة وأثناء قيامه بعملية التنظيف سقطت صورة الرئيس جمال عبد الناصر من أحد الأدراج فأمروه أن يدوسها بقدمه فانتفض قائماً وأقسم بالطلاق ثلاثة بأنه لن يفعل ذلك فما كان من أحد الضباط إلاّ أن انهال على أنفه بكعب مسدسه فحطمه مسبباً له نزيف استمر ثلاثة أيام في السجن دون علاج.
9- جمال الصوراني: من غزة خرج من السجن ولا يكاد المرء يعرفه لتورم وجهه من أثر اللطم اليومي.
10-زهير الريس: من غزة كانوا يستعملون معه طريقة مبتكرة ليقذف ما في جوفه من النزر اليسير من الطعام بأن يرفسوه في بطنه بأحذيتهم العسكرية الضخمة.
11-خالد شراب: من غزة مكث سبعة أيام في زنزانته تعرض للضرب المبرح وكان يتعاون على ضربه ما بين اثنين وأربعة من الجنود الإسرائيليين.
12- صبحي أبو زيد: من يافا لقد أوسعوه ضرباً بالسياط وعصي الخيزران على مختلف أنحاء جسمه كيفما اتفق حتى أن إحدى العصي وقعت على أذنه فبترتها.
13- سعيد فلفل: من مدينة غزة وهو موظف تابع للأمم المتحدة في وكالة غوث اللاجئين إلاّ أن صفته الرسمية لم تمنع عنه عذاب الإسرائيليين فشاءت قسوتهم أن يسقط إعياءً من الضرب أمام أعين والده.
14- عبد الرزاق محمد الفيومي: من المحرقة أصلاً واتهم بما اتهم به عمر الحلبي من أنه كان ينقل الجنود المصريين إلى الأردن وأنه ما زال يخبئ بعضهم في أماكن لا يعرفها إلاّ هو فوجئ بعد الاحتلال بثلاثة وعشرين يوماً وكان يقضي ليلة في قرية جباليا ليلة تطويق القرية من قبل قوة إسرائيلية ونادى مكبر الصوت اسمه وطلب منه تسليم نفسه إلاّ أنه لم يفعل.
لكنهم استدلوا عليه فاستاقوه إلى مدرسة جباليا وطلبوا منه أن يدلهم على الأمكنة التي يخفى فيها المصريين فلما أظهر جهله وأنكر ما وجه إليه انهالوا عليه ضرباً وقذفوا به على الأسلاك الشائكة وربض فوقه جنديان إسرائيليان فانغرست الأسلاك الشائكة بجسمه ومزقته وأعادوا عملية الضرب والتجريح عدة مرات ثم أخذوا يشكونه برؤوس السكاكين فلما سقط إعياءً وأعياهم أمره أخذوه للمستشفى لتضميد جراحه ثم ألقوه في السجن.
15- أحمد أبو عسفة: وجهوا إليه تهمة الفدائية وهي كبرى الكبائر بالنسبة للإسرائيليين ولذلك عذبوه بأن ربطوا ذكره بالمائدة وإنهالوا عليه ضرباً بالسياط حتى تورم وتجرح وقد نتج عن ذلك أنه أصبح عاجزاً عن أداء العملية الجنسية.
16- عمر الحلبي: شاب من بئر السبع مقيم في حي الشجاعية في غزة أخذوه من بيته الساعة الحادية عشرة مساء قبل انسحابهم بنحو ثلاثة أسابيع إلى السجن وأفهموه أن لديهم معلومات بأنه سيُنقل مع من تبقى متخفياً من الجنود والضباط المصريين إلى الخليل عبر الأراضي المحتلة من فلسطين وأن معلوماتهم تدل على أنه ما زال يخفي بعض هؤلاء الجنود والضباط المصريين لإيصالهم للأردن وأفهموه أنه إن سلم المصريين سيكون في أمان وسيجزلون له عطاءه وسيكون عيناً على إخوانه.
أنكر ما أو عزوه إليه ورفض التعاون معهم ضربوه بسوط متصلب على رؤوس أصابع قدميه ويديه إلى أن تورمت ثم ألبسوه جاكيتاً وأعدوه للتعذيب وربطوا يديه خلف ظهره ووضعوا على عينيه قطناً وفي أذنيه قطناً وانهالوا عليه ضرباً على أم رأسه إلى أن فقد وعيه وفي اليوم التالي أخذوه إلى غرفة المباحث وأجلسوه على كرسي معدني وسلطوا عليه تياراً كهربائياً ما كاد يمس جسمه حتى يطرحه أرضا وهكذا إلى أن تهاوى من الإعياء والرضوض ثم سلطوا عليه كلباً ضخماً متوحشاً أخذ ينهش ساقه وفخده مما أسال دماءه غزيرة على أرض الغرفة وتركوا جراحه دون تضميد فالتصقت ثيابه بجروحه بعد أن تجمد دمه وقد أرجعوه وهو على هذه الحالة إلى زنزانته وأبقوه بضعة أيام لا يستطيع حصرها بالضبط لما أصيب به من ذهول أثر التعذيب ثم أخذوه بعد هذه الأيام إلى غرفة المباحث مرة أخرى وأعادوا عليه وعدهم ووعيدهم فأصرّ على أقواله.
كان منهم إلاّ أن ربطوا عضوه التناسلي بمائدة أعدت لذلك وانهالوا عليه بالسياط حتى تورم وأغميّ عليه ولم يكتفوا بذلك بل أوسعوه لطماً على مقدمة وجهه مما أتلف له إحدى عينيه ثم جروه إلى غرفة المشنقة بالسجن ووضعوا رقبته في حبلها وقالوا له أن خلاصك ومستقبلك يتمثل في أن تدلنا على مكان اختفاء المصريين فلما أصر على إنكاره بدأوا يمثلون معه دور من يهم بشنقه فأغمي عليه لسابق الإعياء ولم يدرك أنه ما زال على قيد الحياة إلاّ عندما صحا من إغمائه في زنزانته وقد بقي عمر الحلبي في السجن حتى أخرجه البوليس الدولي الذي شاهد آثار التعذيب بحضور رئيس بلدية غزة منير الريس ومراقب الهدنة مستر براون وقائد القوات الدنمركية كولونيل انجهام.
17- موسى سابا: موظف بوكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وهو لاجئ من بئر السبع إلى غزة قبض عليه الإسرائيليون ووجهوا إليه تهمة العمل في منظمات المقاومة الشعبية التي انتشرت أثناء الاحتلال الإسرائيلي كان هذا المواطن الفلسطيني يُضرب من قبل الشرطة العسكرية الإسرائيلية بجميع وسائل الضرب من أسواط وعصي ومواسير حديدية والرفس بالأرجل إلى درجة الإغماء ثم كانوا يصبون عليه الماء البارد فما أن يصحوا حتى يعاودوا الضرب إلى أن يعترف على زملائه في المقاومة الشعبية ولكنه لم يعترف.
الضغط الإسرائيلي على المسئولين الفلسطينيين: كان من أهداف الإسرائيليين أن يشوهوا صورة كفاح الشعب الفلسطيني أثناء احتلالهم لقطاع غزة ويُخيِّلُوا للعالم أن أهالي قطاع غزة راضون عن الاحتلال الإسرائيلي لذلك كانوا يخلقون المناسبات لتوريط زعماء البلاد واظهارهم بمظهر المتعاون معهم ويحشدون المراسلين الأجانب لمشاهدة زعماء القطاع وهم يحضرون احتفالاتهم ويبالغون في تصوير هؤلاء سينمائياً وفوتوغرافياً وإذاعياً بالتلفزيون وينشرون ذلك على نطاق واسع في أنحاء العالم وخصوصاً في أوساط الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.
لم يتوانوا في انتزاع تصريحات وأحاديث من بعض المسئولين تحت ظروف قاسية جداً ويؤولونها حسب أهوائهم كل ذلك لإقناع العالم أن أهالي القطاع يرضون عنهم ويقبلون التعاون معهم وبالرغم من أن الوقائع كانت تكذبهم كما جاءت النتائج النهائية مخيبة لآمالهم إلاّ أنهم كانوا دائمي المحاولة في استمالة المسئولين من أهالي قطاع غزة وحاول المسئولون الإسرائيليون بكل أساليب الضغط والحيلة على إجبار الطبقة الواعية المثقفة ووجهاء البلد لتتخذ من ذلك وثيقة تقدمها للعالم عساها أن تثبت أقدامها في قطاع غزة ففي 9/يناير/ 1957 أراد المحتلون إقامة حفلة في منتزه بلدية غزة ليجمعوا فيها وجهاء البلدة وليذيعوا الحفلة بالراديو والتلفزيون ويحشدوا لها المراسلين الأجانب وليأخذوا ما شاءوا من أفلام وصور وينشروها في الأوساط الدولية دليل على رضاء الأهالي عن الاحتلال.
ظنوا أن الخطباء بمدحهم سيمدحونهم بخطبٍ أعدها مكتب الحاكم العسكري الإسرائيلي للقطاع والمخابرات الإسرائيلية إلاّ أن رئيس البلدية منير الريس والمفروض أنه المسئول المباشر عن إقامة هذه الحفلة رفض إقامتها فأحضره حاكم مدينة غزة زفي وبعد أن ألقى عليه محاضرة مشحونة بالتهجم والبذاءة رفع في وجهه مسدساً قائلاً لقد قتلت بهذا المسدس اثني عشر عربياً في دير ياسين وقبية ولا مانع من أن أضيف واحداً آخر لهم ثم أظهر له صورة ابنه وسأله: أتعرف من هذا؟ فلما أجابه بالإيجاب قال له: إن حياته رهن موافقتك على إقامة الحفلة وحضورها فأجابه مستهزئاً: لك أن تفعل ما تشاء وأنت صاحب السطوة حالياً.
أخذ الحاكم زفي يعدد بمنير الريس رئيس بلدية غزة الجرائم التي ارتكبها في حق دولة إسرائيل والتي ستؤاخذه عليها السلطات الإسرائيلية ومنها خطبة قبل الاحتلال وإعلانه التعبئة العامة وخطابه أمام الرئيس جمال عبد الناصر ولما لم يجد من منير الريس إلاّ الصلابة والرفض صرفه متوعداً بالإيقاع به وأجج حقد حاكم غزة زفي رفض منير الريس بعد ذلك الذهاب لحفلة افتتاح مجلس قروي رفح ودير البلح وكان رفض فاروق الحسيني الاشتراك في الرحلة الدعائية لتل أبيب فألقت القبض عليهما سلطات الاحتلال وساقتهما إلى السجن فبقيا فيه ثلاثاً وستين يوماً تحت ظروف قاسية مكث كل منهما هذه المدة في السجن الانفرادي حيث لا تهوية ولا نور ومنعوا عنهما كل أنواع الاتصال بالخارج فلا جرائد ولا كتب ولا اتصال بأشخاص سواء من داخل السجن أم من خارجه ولم ينقذهما من السجن إلاّ قوات الطوارئ الدولية عندما تسلمت مدينة غزة.
كانت السلطات الإسرائيلية قد أدرجت اسميهما وأسماء جميع من قبضت عليهم ظلماً لعدم التعاون أو للاتهام بالعمل في المنظمات الشعبية السرية الذين بلغ عددهم نحو سبعة وسبعين شخصاً في قوائم المجرمين العاديين ولم تفرج عنهم قوات الطوارئ الدولية إلاّ بعد أن تأكدت من كذب السلطات الإسرائيلية وقد ذكروا بعض ما تعرض له المعتقلون من تعذيب وإرهاق.
قطع المحتلون عن بيت الدكتور حيدر عبد الشافي الماء والنور لأنه استقال من عضوية البلدية احتجاجاً على سجن رئيس البلدية منير الريس وفاروق الحسيني ولإجبار المجلس البلدي على إقامة احتفال في منتزه البلدية بالرغم من حداد الأهالي على الشهداء وضحايا الاعتداءات الإسرائيلية التي لم يكن لها مبرر ورفض الدكتور حيدر عبد الشافي الذهاب لهذا الاحتفال أو التكلم فيه بالرغم من تهديده بالسجن بتهمة الوطنية فقد كانت هذه التهمة جريمة يعاقب عليها الحاكم الإسرائيلي زفي بالسجن.
كان دليل هذه الجريمة لدى السلطات المحتلة أحاديث الدكتور حيدر عبد الشافي للصحفيين الأجانب واليهود فقد كان يحضر هذه الأحاديث دوماً مندوب من قبل المخابرات العسكرية الإسرائيلية يسجل على المسئولين أقوالهم ليدانوا بها فيما بعد بالمناسبات حتى مندوبو الأمم المتحدة الذين يمثلون همرشلد بذاته لم يتمكنوا من الاتصال بأحد ألاّ بواسطة وبحضور مندوب المخابرات الإسرائيلية حدث ذلك على نطاق واسع في دار البلدية عندما زارها مندوب همرشلد فقد حضر هذا الاجتماع الحاكم الإسرائيلي بنفسه إضافة إلى أكثر من ضابط من مخابرات إسرائيل إلاّ أن ذلك لم يمنع رئيس البلدية أو أعضاءها ومن بينهم الدكتور حيدر عبد الشافي مواجهة المندوب بالحقيقة كاملة( ).
الاعتداء على الكنائس ورجال الدين المسيحي: حاول الإسرائيليون بمختلف الأساليب استمالة الأب يوحنا النمري خوري اللاتين فرفض وعرضوا عليه المال الجزيل لشخصه ولتوزيع ما يريد على أبناء طائفته ووعدوا بإعطائه هبة لإتمام بناء الكنيسة ولإصلاح ما أصابها من تلف نتيجة لانتهاكهم حرمتها بواسطة مندوب من وزارة الأديان اسمه دكتور مانديس ولم يطلب الإسرائيليون مقابل ذلك إلاّ مجرد إقامة صلاة عيد الميلاد ليستغلوا ذلك دعائياً فيهيئوا للعالم أن القطاع وأهله بخير.
إن الحياة في قطاع غزة عادية حتى أن الناس يمارسون طقوسهم الدينية بحرية ويحتفلون بأعيادهم وليكسبوا بذلك عطف العالم اللاتيني ولكن الأب يوحنا رفض رفضاً قاطعاً قائلاً لهم: إن البلاد في حالة حداد على شهدائها وقد أقام الأب يوحنا صلاة شكر يوم جلاء قوات الاعتداء عن بور سعيد بحضور مندوب المخابرات الإسرائيلية وألقى خطبة شكر الله تعالى فيها على جلاء العدو عن بور سعيد وأشاد بفضل مصر على قطاع غزة وأنها كريمة مضيافة فقد أكرمت وفادة السيد المسيح أول لاجئ إليها ودعا الله أن يخلص قطاع غزة من المحتلين الذين صلبوا المسيح وختم كلمته داعياً بالنصر للرئيس جمال عبد الناصر.
كان الأب يوحنا متألماً لسوء معاملة الإسرائيليين ولاستهتارهم بمكانته الدينية وانتهاكهم لحرمة الأماكن المقدسة التي يرعاها فقد هاجموا كنيسته بالرصاص محاولين اقتحامها بحجة أنه يأوي بعض الجرحى بالرغم من أنه كان يرفع العلم البابوي عليها وحاول الإسرائيليون قتل الأب يوحنا فقد رأى الطفلة نادية الياس متّي حائرة تريد عبور الطريق لبيتها ولكنها تخشى من الإسرائيليين الذين كانوا يطلقون النار عشوائياً على كل سائر فاقتادها من يدها إلى بيتها إلاّ أن اليهود لم يراعوا قدسيته ولم يعبأوا بالطفولة البريئة التي يمد الأب يوحنا لها يد المعونة فأطلقوا عليهما النار فسقطت الطفلة قتيلة بين يدي الأب المقدس.
اجتمع الأب يوحنا بمندوب همرشلد بحضور مندوب من المخابرات الإسرائيلية ولكنه لم يكترث لذلك وأطلع مندوب همرشلد على حقيقة الموقف كما اجتمع مراراً برئيس مراقبي الهدنة المستر بايرد وكان يطلعه على الحقيقة سواء التي لمسها بنفسه أو التي وصلته عن طريق المسئولين الوطنيين في غزة( ).
فشل وحدة العمل المقاوم أثناء الاحتلال: بعد احتلال إسرائيل لقطاع غزة مباشرة وبعد نجاح التجربة التي خاضها الإخوان المسلمون والشيوعيون في إسقاط مشروع توطين اللاجئين في سيناء توجهت دعوة لإقامة جبهة وطنية تقوم بقيادة النضال السياسي في هذه الفترة.
عرض الشيوعيون هذه الفكرة على حركة الأخوان المسلمين وحزب البعث وكان اعتراض الأخوان المسلمين على اسم الجبهة الوطنية وطالبوا بتغيير اسمها إلى هيئة المقاومة الشعبية ووافق الشيوعيون على طلب الأخوان المسلمين.
حدث خلاف بين الشيوعيين والأخوان المسلمين والبعثيين عندما رفضوا فكرة الجبهة المقترحة مع الشيوعيون والتي تطرح برنامج ينص على اعتماد الشعب الفلسطيني في كفاحه على مؤازرة الشرفاء داخل إسرائيل وكان الأخوان المسلمون والبعثيون يرون أنه لا شرفاء داخل إسرائيل فكلهم يهود وصهاينة وفشلت فكرة جبهة تضم الشيوعيين والبعثيين والأخوان المسلمين( ).
جبهة المقاومة الشعبية: قامت حركة الأخوان المسلمون والبعثيون في تشكيل جبهة المقاومة الشعبية وبدأوا في مقاومة الاحتلال ودعوا إلى العصيان المدني وأصدروا منشورات تحت اسم طلائع المقاومة الشعبية وكانت هذه المنشورات تدعو إلى:
1- مقاطعة العدو الإسرائيلي والمقاومة السلبية في كل شيء.
2-التحذير من فكر العدو الإسرائيلي وغدره وعدم الاستماع لدعاياته وإذاعاته.
3-عدم الإدلاء أمامه بأي تصريح أو التقاط أية صورة وكالات الأنباء الصحافية.
4-مقاطعة الاحتفالات والاجتماعات والأعياد وعدم عمل علاقة مع قوات الاحتلال.
5-الاستعداد للفداء فإن يوم الخلاص قريب.
فضَّل الأخوان المسلمون التحالف مع البعثيين وإقامة الجبهة الشعبية للمقاومة وعمل لجان المقاومة الشعبية لمقاومة الاحتلال كلجنة الشباب الثائر المقنعة التي كانت تهتم بالحركة التجارية والأسواق وتطارد المتعاونين من ضعيفي الإيمان واتخذت وسيلة العنف مع مخالفي الإجماع الوطني.
من أهم قادة جبهة المقاومة الشعبية الشيخ هاشم الخزندار الذي كان يعطي تعليماته أن يتم تدريب الشباب وإعدادهم لشن حرب عصابات على الجيش الإسرائيلي وكان بحوزتهم مدافع أوستن ورشاشات بور سعيد وقنابل وألغام وكان أول أعمالها تهديد العملاء وملاحقتهم وكشفهم وكانوا ينادون بمقاطعة الإسرائيليين وعدم التعامل بالليرة الإسرائيلية وعدم انتظام الحياة وعودتها إلى وضعها الطبيعي وكانت قيادة جبهة المقاومة الشعبية على اتصال بالحكومة المصرية خلال فترة الاحتلال وبدئوا يعدون العدة للعمليات العسكرية ضد العدو ولكن قصر فترة الاحتلال وانكشاف أمر مجموعتهم وسجن عدد كبير منهم وهروب عدد إلى العريش أجّل العمل العسكري وبدئوا في التفكير للإعداد لحركة وطنية تأخذ على عاتقها تحرير فلسطين.
وكان من أعضاء جبهة المقاومة الشعبية: الشيخ هاشم الخزندار ومحمد مأمون الهضيبي وعبد الله أبو عزة ومنير عجور وعبد المجيد الأسمر ومحمود عطية مقداد وغالب عجور وأحمد رجب عبد المجيد وعوني القيشاوي وسليم الزعنون وعز الدين طه ومحمد أبو دية وفوزي جبر ومحمد الإفرنجي ومعاذ عابد وكمال عدوان وغالب الوزير وسعيد المزين ومحمد حرب عليان وأحمد وافي وزهدي ساق الله وعبد القادر أبو جبارة و داوود أبو جبارة وعبد أبو مراحيل وسليم الأنصاري وسليمان أبو كرش والحاج إسماعيل شملخ ومحمد مفرج ومسلم الحلو ومحسن أبو جهل وسعيد عطا الله وأحمد الملاحي ومحمود الملاحي ومحمد أبو سلطان ومن حزب البعث وفا الصايغ وحافظ عيد ومصطفى أبو مدين وسعيد الدجاني ونعمان النونو ومحمد الحوراني وعبد الله الحوراني وسليمان محمد دلول ومحمد جلال عناية( ).
الجبهة الوطنية المتحدة: فشل التحالف بين الحزب الشيوعي والأخوان المسلمين فكون الحزب الشيوعي الجبهة الوطنية المتحدة مع شخصيات وطنية وفعاليات مستقلة في القطاع وكانت الجبهة الوطنية تضم لفيفاً من الشخصيات التي تحمل كل الاتجاهات والأفكار القومية والعربية والإسلامية وأصدروا نشرات لتوعية الشعب الفلسطيني للصمود وتحليل الموقف العربي والعالمي المناصر للقضية العربية ودعوا بعدم التعامل معه ورفض التعامل بالليرة الإسرائيلية وعدم إرسال الطلاب إلى المدارس حتى لا تعود الحياة إلى مجراها الطبيعي وطالبت بملاحقة المتعاونين مع السلطات المحتلة.
كان من أعضاء الجبهة الوطنية المتحدة: منير الريس وحيدر عبد الشافي وجمال الصوراني وفايز أبو رحمة وزهير الريس وفخري مكي وفريد أبو وردة وخالد شراب وعطية مقداد وحمدي الحسيني وجعفر فلفل وموسى سابا وسعيد فلفل وأحمد الأسطل ومحمد أحمد علي ومحمد زاهر وفايز الوحيدي وعطية عياد وخميس اللدعة وجبر فتوح وجبر كحيل وطُعمة مشتهى وكمال الطويل وعبد المجيد كحيل ومحمد أحمد شعبان وعمر السويطي وأحمد فلونة ومنصور الحداد وياسر الشوا وأحمد أبو رمضان وشعبان مهنا ونصر سابا خليل عويضة أحمد فليونة.
رفض الإخوان المسلمون قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
قاد الإخوان المسلمون والفصائل الوطنية انتفاضة شعبية وكانت شعاراتهم لا تدويل ولا استعمار بل إدارة عربية مما أسهم في موافقة الأمم المتحدة على عودة الإدارة المصرية إلي قطاع غزة.
اختلف جمال عبد الناصر وعبد الكريم قاسم فهاجم الشيوعيون جمال عبد الناصر وسياسته وأيدوا عبد الكريم قاسم فاعتقلت الحكومة المصرية قيادتهم وعلى رأسهم معين بسيسو وفخري مكي وحسن أبو شعبان وسمير البرقوني وعمر كحيل ونمر هنية وموسى سابا وجبرا ترزي ومنصور الحداد وصهباء البربري ونقلوا إلى السجون المصرية( ).
قامت القوات الإسرائيلية بعد احتلال غزة بوضع نحو ستمائة سيدة وطفل تحت الإقامة الجبرية في حي الرمال بالقرب من المجلس التشريعي وضربت على هذه المنطقة أسلاكاً شائكة ومنعت العائلات المصرية من الخروج أو التعامل مع أهالي القطاع وتكفل الشيخ هاشم الخزندار ومدير معسكر اللاجئين ورجال الخير من أهالي قطاع غزة بمدهم بالغذاء والتموين فترة أربعين يوماً.
قامت القوات الإسرائيلية بإبعادهم إلى العريش قام الشيخ هاشم الخزندار بالمحافظة على أثاثهم وممتلكاتهم حتى عادت الإدارة المصرية يوم 7/مارس/1957م.
إن علاقة الشيخ هاشم الخزندار بمدينة العريش لم تنقطع من بداية حياته إلى يوم استشهاده فعندما أقام فلسطينيو العريش النادي العربي الفلسطيني والجمعيات الخيرية عمل الشيخ هاشم الخزندار على ترتيب البيت الفلسطيني الموجود في العريش وكان هؤلاء على قدر الواجب رغم أنهم يعانون الجوع والحرمان ولا يملكون قوت يومهم إلا أنهم كانوا خير أصدقاء للشيخ هاشم ولا ينسى دور فلسطينيي العريش وأهلها أثناء العريش في حرب أثناء عام 1956م واستقبال الشباب الهارب من الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة ودعم رجال المقاومة بالمال والسلاح والمنشورات.
كانت آخر مهمة للشيخ هاشم له في أخر حياته تأمين حياة الفلسطينيين الموجودين في العريش بعد الانسحاب الإسرائيلي من سيناء وقد أحضر مبلغ عشرة آلاف ألف دينار أردني من حركة فتح وسلمه إلى الفلسطينيين في العريش في أوائل عام 1979م.
ونذكر أن أحمد سعيد مذيع صوت العرب وزميله سامي داوود مندوبي جمال عبد الناصر في حرب عام 1956م كانا يوجهان نداءاتهما عبر إذاعة صوت العرب إلى الشعب الفلسطيني لحثه على الصمود ومعارضة الاحتلال الإسرائيلي وحضرا إلى قطاع غزة من العريش مع طلائع القوات الدولية ودخل مدينة رفح بيت محمد حسن النجار معلم في الوكالة وعرض عليه حقيبة نقود فرفض أن يستمع له وقال له نحن في قطاع غزة لا نباع ولا نشترى وحين أحضر أحمد سعيد إلى الشيخ هاشم الخزندار حقيبة النقود التي فيها مائة ألف جنيه مصري حيث كان أحمد سعيد مبعوث شخصي له من جمال عبد الناصر لتوزيع هذه النقود على أهل غزة وأخبره الشيخ هاشم الخزندار إن أهل غزة ومن كل الاتجاهات مع مصر وفداء للقضية العربية فهم على أتم الاستعداد لتقديم أرواحهم وأموالهم رخيصة من اجل القضية الفلسطينية ومن أجل إسقاط مشروع تدويل غزة يومها قال أحمد سعيد كلمته المشهورة: إني جئت إلى غزة لأرفع معنويات أهالي قطاع غزة ولكن الأهالي هم الذين رفعوا معنوياتي وهذه دلالة واضحة على صمود الشعب الفلسطيني ومعنوياته العالية التي لم تتأثر بالاحتلال ولا بالجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة( ).
الانسحاب الإسرائيلي: كان للإنذار السوفيتي الذي أعلنه نيكيتا خرتشوف سكرتير الحزب الشيوعي-الاتحاد السوفييتي سابقاً في مجلس الأمن والذي هدد فيه بضرب عواصم الغرب لندن-باريس أثره الكبير في وقف العدوان على مصر وغزة ومن ثم الانسحاب من المناطق المحتلة( ).
أصدر ديفيد بن جوريون رئيس الوزراء الإسرائيلي أوامره لقوات الاحتلال الإسرائيلية بالانسحاب فوراً من قطاع غزة ومدينة شرم الشيخ المصرية على البحر الأحمر التي كانت إسرائيل قد احتلتها بالإضافة إلى شبه جزيرة سيناء إبان العدوان الثلاثي على مصر الذي اشتركت فيه بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عام 1956م على مصر وقطاع غزة إثر قيام الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس للاستفادة من دخلها في بناء السد العالي بعد أن رفضت أمريكا وبريطانيا والبنك الدولي تمويل المشروع لما له من فوائد مادية ومعنوية تنعكس على الاقتصاد المصري ايجابياً ومن ثم على القرار السياسي المصري المناهض للصهيونية والإمبريالية وفي 6/مارس/1957 قامت قوات الاحتلال بتسليم قطاع غزة إلى قوات الأمم المتحدة وذلك تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 119 في 31/أكتوبر/1956م وقد عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة دورة استثنائية للبحث في العدوان الثلاثي على مصر وغزة وعليه اتخذت القرارات التالية:
القرار رقم 997 بتاريخ 2/نوفمبر/ 1956م الذي يدعو فرنسا والمملكة المتحدة إلى الموافقة على وقف إطلاق النار ودعوة إسرائيل إلى الانسحاب خلف خطوط الهدنة.
القرار رقم 998 بتاريخ 4/ نوفمبر/ 1956م ويدعو إلى تشكيل قوة طوارئ دولية.
القرار رقم 999 بتاريخ 4/ نوفمبر/ 1956م ويدعو إلى تأكيد القرار رقم 997.
القرار رقم 1002 بتاريخ 7/ نوفمبر/ 1956م ويدعو الى تأكيد القرارات السابقة.
القرار رقم 1003 بتاريخ 10/ نوفمبر/ 1956م ويدعو إلى إحالة المسألة إلى دورة عادية.
القرار رقم 1120 بتاريخ 24/ نوفمبر/ 1956م الدورة العادية الحادية عشر تأسف لعدم انسحاب قوات العدوان الثلاثي.
القرار رقم 1123 بتاريخ 11/ يناير/ 1957م الدورة الحادية عشر أسف وقلق لعدم الانسحاب.
القرار رقم 1124 بتاريخ 2/ فبراير/ 1957م الدورة الحادية عشر أسف لعدم إذعان إسرائيل للانسحاب.
القرار رقم 1125 الدورة الحادية عشر ويدعو إلى مراعاة اتفاقية الهدنة مراعاة دقيقة بعد انسحاب إسرائيل التام من منطقة شرم الشيخ وغزة ومرابطة قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة على خط الهدنة المصري الإسرائيلي.
انسحبت القوات الإسرائيلية ودخلت قوات الأمم المتحدة وسط مهرجانات واحتفالات ومظاهرات استمرت سبعة أيام متواصلة كان الشعب خلالها بكل فئاته وشرائحه يهتف هتافاً واحداً غزة غزة عربية والإدارة المصرية رافضة كل محاولات التدويل واستمرت المظاهرات حتى دخول الإدارة المصرية إلى القطاع بتاريخ 14/مارس/1957م واستشهد في هذه المظاهرات شهيد العلم الفلسطيني محمد على مشرف من مخيم الشاطئ المهاجر من يافا الذي استشهد وهو يرفع علم مصر على يد جنود قوة الطوارئ الدولية على سرايا الحكومة( ).
مشروع تدويل غزة: ينص مشروع تدويل غزة 7-14/مارس/1957م على:
تدويل القطاع وقدم هذا المشروع إلى الأمم المتحدة وزير خارجية كندا وعلى أساسه تقوم الأمم المتحدة بعد الاتفاق مع مصر 1957م بما يلي:
- احتمال مسئولية إقامة إدارة مدينة مهمتها تحقيق الرخاء الاجتماعي والاقتصادي.
- المحافظة على النظام والقانون.
-تعيين مندوب من قبل الأمم المتحدة.
-وجود قوة طوارئ في قطاع غزة تتولى مسئولية القطاع تحت مسئولية سكرتير عام الأمم المتحدة داج همرشولد.
وما إن انسحبت القوات الإسرائيلية في يوم 6/مارس ويوم 7/مارس/1957م حتى خرجت مظاهرات بقيادة الإخوان المسلمين على رأسها الشيخ هاشم الخزندار تنادي لا دولية ولا استعمار نريد إدارة مصرية واستمرت المظاهرات سبعة أيام متوالية ليلاً ونهاراً وأطلقت القوات الدولية الرصاص والقنابل المسيّلة للدموع على المتظاهرين الذين حاولوا إنزال علم الأمم المتحدة ورفع علم مصر.
كان هناك شخصيات وقوى فلسطينية تفصل الإدارة الدولية للقطاع لكن خوفهم من غضب الجماهير ورغبتهم الجماهير في عودة الإدارة المصرية ومقاومتهم بكل عنف فارتأت هذه المجموعة الانسحاب وفي 14/مارس/1957م قامت الحكومة المصرية بتعيين الفريق محمد حسن عبد اللطيف حاكماً إدارياً للقطاع على أن يتسلم عمله في الحال وحاولت الأمم المتحدة التفاوض مع الحكومة المصرية على أن تتراجع عن تعيين حاكم إداري إلا أنه في 14/مارس/1957 وصل الحاكم المصري وكانت جماهير غزة في انتظاره بالورود والهتافات وحملوا سيارته على أكتافهم رغم قسوة شتاء هذه السنة وتساقط الأمطار بغزارة تم إفشال مشروع التدويل الذي ولد ميتاً بفضل وعي شعب قطاع غزة فقد اتصل الشيخ هاشم الخزندار بالإدارة المصرية ونسق معها قبل دخولها قطاع غزة حيث كانت موجودة في مدينة العريش.
بعد عودة الإدارة المصرية إلى قطاع غزة وفي العام 1958م أسس الاتحاد القومي وكان متمثلاً بالإدارة المصرية والموالين لها وظل الحاكم المصري هو المصدر الأساسي للتشريع والسلطة وكان الغرض من إقامة هذا الاتحاد هو تسخير الطاقات السياسية والحزبية والتنظيمية لأهالي قطاع غزة والالتفاف حولها, ومن ثم أسس في عام 1958م المجلس التشريعي ورغم محاولات الإدارة المصرية إخضاع المجلس التشريعي لصبغتها ولهيمنتها وزرع رجال موالين للإدارة المصرية في المجلس التشريعي فقد استطاع المجلس أن يلعب دوراً ملموساً في إثراء الحياة الدستورية في قطاع غزة.
الوضع الفلسطيني بعد فشل العدوان الثلاثي على قطاع غزة( ): تحالف الأخوان المسلمون مع الفعاليات الوطنية في رفض مشروع التدويل وكان دور الإخوان المسلمين هو الدور البارز في هذا الرفض وأحضر شباب الإخوان المسلمين الطلاب الفلسطينيين من مصر كان رأسهم ياسر عرفات وصلاح خلف وكمال عدوان وسعيد المزين وكانت اجتماعاتهم في كل من: دار التوحيد والجامع العمري الكبير وفي أغلب الوقت في بيت الشيخ هاشم الخزندار ومصنعه للبلاط في حي الصبرة وفي هذه الفترة بدأ فكر حركة فتح يتبلور بداية.
بدأت سياسة مصر بالتوجه إلى الاتحاد السوفيتي وسيطرت العناصر اليسارية في مصر تم إبعاد الإخوان المسلمين عن مراكزهم وعمل الإخوان المسلمون في قطاع غزة على الاختفاء والنزول إلى الأرض وبدأ التفكير بعمل أطر جديدة بحركة الإخوان المسلمين للعمل على تحرير فلسطين بعيداً عن أعين أجهزة الأمن المصرية وكانت نكبة نزوح كوادر الإخوان المسلمين إلى الدول العربية والإسلامية والأوروبية قد زرعت في بداية الخمسينيات النويات الصلبة في جميع أنحاء العالم وهذه النويات تفرع منها أغلب الأحزاب والتنظيمات الإسلامية والوطنية ( ).
جاءت حرب عام 1956م لتقلب الموازين وبات واضحاً أن الشعب الفلسطيني قد تبعثرت جهوده فالاستقطاب الناصري والبعثي والقومي واليساري بدأ واضحاً وجلياً على مجريات القضية الفلسطينية بل إنه تم حل الإطار القانوني الوحيد وهي الهيئة العربية العليا وانتهت بخروج الحاج أمين الحسيني من مصر واتجاهه إلى لبنان ومن ثم ذهابه إلى العراق وتحالفه مع عبد الكريم قاسم الذي أنهى الدور السياسي للهيئة العربية العليا واضطرت في النهاية إلى نقل مكانها إلى لبنان.
موقف الاتحاد السوفيتي المعارض للعدوان الثلاثي: مع بداية الحرب الباردة وانتقال الصراع الأمريكي السوفيتي للشرق الأوسط وبعد أن حقق جمال عبد الناصر صفقة الأسلحة التشيكية بموافقة روسيا ومباركتها بعد أن خاب أمل الاتحاد السوفيتي في دخول المنطقة عن طريق دعمه إسرائيل( ).
أصبحت إسرائيل قلعة أمريكية بدأ الاتحاد السوفيتي بالتقرب إلى الدول العربية بقيادة مصر التي وقفت في وجه حلف بغداد وتطورت الأمور من رفض أمريكا والصندوق الدولي تمويل السد العالي إلى عقوبات اقتصادية وسياسية على مصر لدى تأميم قناة السويس ثم العدوان الثلاثي عليها.
هذه المواقف استغلها الاتحاد السوفيتي واستثمرها فأيد المواقف العربية والتيار القومي ممثلاً بجمال عبد الناصر وباع الأسلحة لسوريا والعراق مما زاد قوة الموقف العربي إزاء إسرائيل بعد أن ضمنوا الدعم السياسي والعسكري من الاتحاد السوفيتي و الذي أصبح الاتحاد السوفيتي له نفوذ في منطقة الشرق الأوسط( ).
المراجع
1- عبد السلام أبو السعود: حلف بغداد- دار القاهرة للطباعة 1957- كتب سياسية ص49-56.
2- صالح الشرع: فلسطين الحقيقة والتاريخ- مكتبة روائع مجدلاوي- عمان- الأردن 1996- الطبعة الأولى- ص282-293.
3- هنري كتن: قضية فلسطين مطبوعات وزارة الثقافة ط 1- 1999 صــ97-119.
4- اعتداءات إسرائيل على قطاع غزة و سيناء – الأمانة العامة لجامعة الدول العربية – إدارة فلسطين 1960 – ص53 وما بعدها وللمزيد مردخاي بارأون: حرب سيناء 1956- تصورات إسرائيلية- دار الجليل للنشر- عمال 1988.
5- إبراهيم خليل سكيك : غزة عبر التاريخ –العمليات الحربية في الديار الغزية– ج5 – صـــ93 وما بعدها.
6- إحسان خليل الأغا: خان يونس وشهداءها 1956- المذبحة والصمود- مركز صخر للطباعة والنشر والتحقيق- القاهرة 1997- الطبعة الأولى- صـ104-115.
7- اعتداءات إسرائيل على قطاع غزة و سيناء – الأمانة العامة لجامعة الدول العربية – إدارة فلسطين 1960 –ص 105-121 , صــ13-16 .
8- اعتداءات إسرائيل على قطاع غزة و سيناء – الأمانة العامة لجامعة الدول العربية – إدارة فلسطين 1960 – صـــ67-73.
9- اعتداءات إسرائيل على قطاع غزة و سيناء – الأمانة العامة لجامعة الدول العربية – إدارة فلسطين 1960 -صـ74 وما بعدها.
10- اعتداءات إسرائيل على قطاع غزة و سيناء – الأمانة العامة لجامعة الدول العربية – إدارة فلسطين 1960 صــ76.
11- مجلة شئون فلسطينية: العدد 29/نوفمبر/1974 صـ126-136.
12- زياد أبو عمرو:أصول الحركات السياسية في قطاع غزة 1948-1967-دار الأسوار-عكا 1987– صــ119-122
كذلك معلومات مستقاة من السادة زهدي ساق الله – وفا الصايغ – غالب الوزير.
13- إبراهيم خليل سكيك : غزة عبر التاريخ –العمليات الحربية في الديار الغزية– ج5 – صــ97-100
كذلك معلومات مستقاة من السيد جبر فتوح – والأستاذة يسرى البربري.
14- معلومات مستقاة من الحاج هاشم عطا الشوا- الحاج بكر الخزندار.
15- موريس برتران: الأمم المتحدة من الحرب الباردة إلى النظام العالمي الجديد- دار المستقبل العربي- القاهرة 1994- الطبعة الأولى ص46.
16- ميكائيل فوت ومرڤين: الآثمون لعام 1957- السويس وقبرص- دار المعارف- مصر 1957- صـ103 وما بعدها.
17- إبراهيم خليل سكيك : غزة عبر التاريخ –العمليات الحربية في الديار الغزية– ج5 – صــ100-116.
18- محسن الخزندار"فلسطين في عيون الامام –صفحات منسية من كفاح الشعب الفلسطيني " ،غزة ،الطبعة الأولى 2008
19- دميتري يفيموف: الحرب العالمية الثانية ومصائر شعوب آسيا وأفريقيا- دار نشر وكالة نوڤوسيتي موسكو 1990- ص119-121.
20- ويلسون واين: عبد الناصر قصة البحث عن الكرامة – دار العلم للملايين – بيروت 1959م.
تميزت السنوات الأولى من الخمسينات بظاهرتين : تصميم إسرائيلي على قضم تدريجي للأراضي العربية مصحوب من حين إلى آخر باعتداءات وحشية على القرى العربية ومد قومي عربي تحرري بزعامة الرئيس جمال عبد الناصر أسفر عن إنجازات ضخمة على الصعيدين العربي والدولي وتلاحقت التطورات وتفاعلت حتى جعلت المواجهة المسلحة بين العرب والإسرائيليين أمراً غير مستبعد( ).
فإسرائيل لم تكتف بما حققته من مكاسب في العام 1948 بل عمدت إلى تنفيذ مخططاتها التوسعية في الأراضي العربية معتمدة على تأييد بعض الدوال الكبرى ومستفيدة من فترة الضياع والتشتت والضعف التي حلت باللحمة العربية في أعقاب حرب فلسطين الأولى ولو استعرضنا هذه المخططات والأطماع لوجدنا أنها تجلت في الأمور التالية:
1-محاولة تجفيف بحيرة الحولة في العام 1951 وتدخل مجلس الأمن بناءً على الشكوى السورية وأمر بوقف أعمال التجفيف غير أن إسرائيل أعادت الكرة بعد عامين وحاولت في الوقت نفسه إقامة مشروعات مائية تهدف إلى تحويل مياه نهر الأردن إلى النقب بغرض إحياء الصحراء وتمهيد السبيل لإقامة مفاعلات ذرية في ديمونة وإذا كانت قد تراجعت تكتيكياً عن هذه المشاريع خوفاً من قطع المساعدة الأمريكية عنها فإنها لم تتورع في العام 1956 بعد العدوان الثلاثي عن تجفيف البحيرة واحتلال المنطقة المجردة من السلاح المحاذية للبحيرة ومتابعة العمل في مشاريعها المائية( ).
2-طرد السكان من العرب الرحَل من مثلث العوجا المجرد من السلاح واحتلاله نهائياً في العام 1955 .
3-القيام باعتداءات متكررة على بعض القرى والمناطق العربية بدعوى الانتقام من الفدائيين وبغرض إرهاب السكان وإرغامهم على النزوح في الواقع .
4-ضم القدس واعتبارها عاصمة للدولة العبرية بعد التظاهر بالموافقة على التدويل.
5-الطمع في الحصول على حرية الملاحة في خليج العقبة للوصول إلى البحر الأحمر ومنه إلى دول أفريقيا وآسيا.
6-الرغبة في القضاء على القوة العسكرية المتنامية في مصر بعد أن تمكنت هذه الدولة العربية من كسر طريق احتكار التسلح الذي فرضته الدول الغربية على الدول العربية.
7-الحرص على أن تكون إسرائيل الدولة الأقوى في المنطقة بغية إقناع الغرب بقدرتها على حماية مصالحه والحصول بالتالي على تأييده ومساعدته.
وعلى الرغم من الانتكاسات العسكرية التي شهدتها المنطقة العربية فقد استطاع المد القومي العربي إحراز تقدم باهر ويتجلى هذا التقدم التحرري في الأمور التالية:
1-نجاح الثورة المصرية وقيامها بإصلاحات جذرية على أكثر من صعيد.
2-التوجه إلى المعسكر الاشتراكي وتوثيق العلاقات بدوله والتخلص من التحكم الغربي في كل المقدرات العربية.
3-إسهام مصر بقيادة الرئيس عبد الناصر في تأسيس حركة عدم الانحياز واشتراك الرئيس جمال عبد الناصر في مؤتمر باندونغ في العام 1955 وتفهم كثير من دول آسيا وأفريقيا التي شاركت في المؤتمر لوجهة النظر العربية بالنسبة إلى قضية فلسطين.
4-تزعُم مصر للحملة التي أدت إلى رفض ربط الدول العربية بالأحلاف العسكرية الغربية حلف بغداد .
5-مبادرة مصر إلى تقديم مختلف أشكال العون والتأييد إلى جميع الأقطار العربية التي كانت تناضل من أجل استرداد استقلالها وحريتها وكانت المساعدة المصرية للثورة الجزائرية العنصر الحاسم في استمرارها وانتصارها.
6-أسلوب الرئيس جمال عبد الناصر في التعامل مع الدول الاستعمارية ففي العام 1954 فرضت الحكومة المصرية على بريطانيا توقيع اتفاقية الجلاء عن قناة السويس ، وفي العام 1956 شجعت ملك الأردن على تعريب الجيش وإقالة الجنرال غلوب القائد البريطاني للجيش الأردني وخلال هذه الفترة عقدت سلسلة من اتفاقيات الدفاع المشترك مع عدد من الدول العربية .
وعندما أرادت الولايات المتحدة وبريطانيا والبنك الدولي معاقبة مصر على سياستها التحررية بالتخلي عن عرضها لتمويل بناء السد العالي كان الرد المصري على تأميم شركة القناة في شهر 26/يونيو/1956 وتخصيص عائداتها لبناء السد.
وعند ذلك التقت مصالح الدول الاستعمارية لشن عدوان ثلاثي على مصر في 29/أكتوبر/1956 وخيل إلى إسرائيل أن المناخ الدولي ملائم للوصول إلى ضفة القناة واحتلال سيناء وتأمين حرية الملاحة في خليج العقبة والقضاء على مراكز الفدائيين في قطاع غزة وتدمير القوة العسكرية المصرية والتخلص من نظام الريس عبد الناصر ومشاريعه الإصلاحية والتوحيدية والتحررية.
وقبل حصول العدوان بأسبوع قام دافيد بن غوريون رئيس حكومة إسرائيل بزيارة سرية إلى فرنسا واتفق مع رئيس الوزارة الفرنسية ووزير الخارجية البريطانية على خطة عمل مشتركة ضد مصر وتقضي الخطة بأن تبدأ إسرائيل بالهجوم على مصر بدعوى القضاء على قواعد الفدائيين في سيناء فتتدخل فرنسا وبريطانيا بدعوى الفصل بين الطرفين وضمان حرية الملاحة في القناة.
وفي 29/أكتوبر/1956 بدأت إسرائيل حملتها وتمكنت خلال أيام من احتلال غزة وشبه جزيرة سيناء بكاملها والاستيلاء على موقع شرم الشيخ وجزيرة تيران التي تتحكم في مدخل خليج العقبة وفي 30/أكتوبر/1956 وحسب الخطة المتفق عليها وجهت بريطانيا وفرنسا إنذاراً إلى مصر أعلنتا فيه حرصهما على حرية الملاحة في القناة وتصميمها على العمل لإيقاف القتال بين إسرائيل ومصر في أقرب وقت.
وتأمين حرية المرور في القناة ودعت الدولتان الحكومة المصرية إلى الكف فوراً عن أي عمل عسكري وسحب قواتها إلى مسافة عشرة أميال من القناة والموافقة على احتلال القوات البريطانية والفرنسية بشكل مؤقت لمواقع رئيسية في بور سعيد والإسماعيلية والسويس .
أرسلت الدولتان حسب الخطة المرسومة أيضاً إنذاراً مماثلاً إلى إسرائيل كي تنسحب مسافة عشرة أميال من القناة ووافقت إسرائيل على الإنذار ورفضته مصر قامت الطائرات البريطانية والفرنسية بالهجوم على المطارات المصرية في 31 /أكتوبر/1956 وبدأت القوات التابعة للدولتين بالنزول في منطقة القناة وانسحبت القوات المصرية من سيناء لتتجمع على امتداد الضفة الغربية للقناة وبذلك تمت إسرائيل السيطرة على سيناء بأكملها.
الاحتلال الإسرائيلي لمدينة غزة: بدأ العدوان الثلاثي على قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء في الساعة التاسعة صباحاً في 31/أكتوبر/1956م بقصف مدفعية الأسطولين الفرنسي والبريطاني البحريين وبغارات جوية فرنسية وبريطانية وقد قاومت القوات الفلسطينية الاستشهادية مقاومة عظيمة فأعاقت تقدم القوات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية وهيأت الفرصة للقوات الرئيسية المصرية للانسحاب عبر صحراء سيناء للدفاع كل منطقة القنال( ).
قاومت كلاً من مدينة خانيونس ورفح مقاومة باسلة وقد استهدفت مدينة غزة بغارات جوية مستمرة من الطيران الفرنسي والإسرائيلي الذي ركز هجومه وقصفه على وسط مدينة غزة.
بدأت القوات الإسرائيلية بعد احتلال مدينة غزة بعمل مذابح جماعية وقتل السكان المدنيين الأبرياء وفي أعقاب دخول القوات الفرنسية بعد قصف مستمر بمدفعية الميدان ومدفعية الدبابات دخلت القوات الإسرائيلية مدينة غزة بدباباتهم التي وضعوا عليها شعارات مصر ورفعوا فوقها الأعلام المصرية وأخذوا يصرخون ويملئون الجو ضجيجاً مما جعل أهالي مدينة غزة يعتقدون أن المصريين وصلوا لنجدتهم فخفوا لاستقبالهم فما كان من الإسرائيليون إلا أن فتحوا نيران رشاشاتهم ومختلف أسلحتهم على جموع أهالي مدينة غزة فسقط فوراً عدد من الضحايا يتراوح بين مائتين إلى ثلاثمائة شهيد هرب الأهالي إلى جميع الاتجاهات بعد أن انكشفت المكيدة والتجئوا إلى كل ما يمكن أن يقيهم نيران العدو الإسرائيلي من أماكن.
أسرف بعد ذلك الإسرائيليون في عمليات القتل فكانوا يطلقون النار على كل من تقع عليه أعينهم من بشر سواء كانوا في الطرقات أم الشرفات أم النوافذ وتكدست الجثث على الأرصفة وفي عرض الشوارع وفرض الإسرائيليون فرض منع التجول على السكان باستثناء ساعتين اثنتين لم يكن فيهما الأهالي يستطيعون أن يشتروا الطعام أو يدفنوا الشهداء على أن بلدية غزة ورجال الدين والزعامات الوطنية وعلى رأسهم الشيخ هاشم الخزندار بذلت جهداً مضنياً في سبيل دفن قسم كبير من هؤلاء الشهداء بالرغم من خطر الموت الذي كان يتهدد العمال الذين يقومون بعمليات الدفن.
اقتحم الإسرائيليون المحال التجارية خصوصاً التي تتجر بالمواد التموينية وعبئوا موجوداتها ونقلوها إلى الأرض المحتلة من فلسطين مما أوقع مدينة غزة في أزمة معيشية قاسية فشحت المؤن وضاق العيش وقد حرصت السلطات الإسرائيلية على نهب دوائر الحكومة واختصت عنايتها بسجلات الطابو تسجيل الأراضي وهي السجلات التي تبين ممتلكات الأهالي في الأراضي والعقارات على أن ذلك لم يمنعها من أن تأتي على كل ما في دور الحكومة الأخرى من أثاث فالمكاتب والخزائن والكراسي والآلات الطابعة حتى أقلام الرصاص وأوراق الكتابة نهبت جميعها ولم يجد الموظفون الفلسطينيون لدى عودتهم لدوائرهم بعد انسحاب إسرائيل ما يجلسون عليه فكانوا يفترشون الجرائد على الأرض ويجلسون عليها ويصرفون شئون المواطنين ولأول وهلة لاحتلال الإسرائيليين ألغوا القوانين التي كان معمولاً بها ومنعوا التعامل بالعملة المصرية( ).
المذابح الإسرائيلية في مدينة غزة: دوت مكبرات الصوت في أنحاء غزة في صباح يوم 10/نوفمبر/ 1956م الساعة الخامسة تأمر الناس بالتجمع في ساحات محددة في تمام الساعة السابعة وتهدد كل من يتخلف بالقتل هرع الرجال إلى حيث أمروا تاركين وراءهم النساء والأطفال وما كاد يتم التجمع إلاّ وانطلق من جيش الدفاع الإسرائيلي من يجوب البيوت بحجة التفتيش عن المتخلفين من الرجال فلم يبقِ في البيوت على شيء مما غلا ثمنه وخف حمله فنُهبت المجوهرات والمصاغات والساعات والراديوات والدواجن.
أما في ساحات التجمع فأجلست الجموع القرفصاء وكانت تطلق النيران فوق الرؤوس باستمرار إرهاباً ولإجبار هذه الجموع البشرية على دوام القرفصة دام هذا الوضع إلى الساعة السادسة مساءاً حتى تم الكشف على جميع البطاقات الشخصية وكانت فرق فحص البطاقات تنحي بعض الشباب على ناحية ولما تمت عملية الجرد نحو الساعة السادسة جمع هؤلاء الشباب وكانوا نحو ألف وثمانمائة تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين سنة وسيقوا بعد أن عصبت أعينهم أمام جميع الموجودين إلى حيث لا يعلم أحد وقد ترددت الإشاعات بعد ذلك فهناك من قال أنهم نقلوا إلى عتليت ومن قال أنهم نقلوا إلى حيفا أو أي مكان آخر وبقي أهليهم بين الأمل والرجاء بعودتهم إلى أن جلا العدو ولم يبدو لأحد منهم أثر إلى أن كان 24/مارس/1957م حيث كشفت الرياح الرمال عند الكيلو 96 على الطريق العام وهطلت أمطار فجرفت بعض الأتربة فبرزت من الأرض ساق صناعية لفتت نظر المارة خصوصاً وأن أحد من اعتقلته اليهود لخارج مدينة غزة يوم 10/نوفمبر/ 1956م كان يستعين بساق صناعية على المشي ونقل الخبر إلى السلطات في غزة فخرجت بعثة تستطلع الأمر فكان أفظع اكتشاف لأبشع جريمة كشف البحث عن ست وثلاثين جثة أوشكت أن تتآكل بعد أن تعفنت وأمكن التعرف على جميع أصحابها فكانوا من بين الشباب الذين أخذوا يوم التفتيش.
كان الإسرائيليون قد استهلوا احتلالهم لمدينة غزة بمذبحة جماعية راح ضحيتها أحد عشر قتيلاً ففي صباح 2/نوفمبر/1956م الساعة الحادية عشر والنصف فوجئت عائلة شنيورة التي تسكن في بيارتها الواقعة على مدخل مدينة غزة الجنوبي على الشارع العام بهدير الدبابات والمصفحات وصوت الرصاص والقنابل فتجمع أفرادها وبعض من يجاورها في إحدى غرف بيتها ليطمئن الواحد الآخر وبعد لحظات اقتحمت مجموعة من الجنود الإسرائيليين عليهم الغرفة وأمرت الجميع برفع الأيدي فلما فعلوا سأل قائدها عن المصريين الموجودين في المنطقة ولما أجيب بعدم وجود مصريين أمر الجميع بالخروج وأيديهم فوق رؤوسهم وسيقوا إلى الشارع العام وفتشوا جميعاً وسلبوا كل ما في جيوبهم أو في أيديهم أو معهم من نقود وساعات ومصاغات ثم أمر القائد اليهودي سليم جمعة شنيورة الانتحاء ناحية عن المجموع وأمر الباقي وعددهم اثني عشر بين رجل وامرأة بإدارة وجوههم صوب البيارة ثم أمر جنوده بإطلاق النار عليهم فانكفأوا جميعاً على وجوههم صرعى على المرتفع المحيط بالبيارة.
كان بينهم والد سليم جمعة شنيورة وأقاربه وسالم عبد الله الطحيمي وحمودة السلاخي ومحمد عبد العزيز الصفدي وبعض اللاجئين الذين احتموا بالبيت عندما روعوا بصوت إطلاق النار ولم يطمئن الضابط القائد إلى مصرع الجميع إلاّ بعد أن تفقدهم فرداً فرداً بأن كان يقلب الواحد منهم ويرفع جثته ناظراً في عينيه ليتأكد من وفاته وقد بقى سليمان الطحيمي حياً يرزق بالرغم من إصابته باثنتي عشرة طلقة( ).
المذابح الإسرائيلية في خان يونس ورفح: تبعد مدينة خان يونس ثاني مدن قطاع غزة بعد مدينة غزة عن الحدود المصرية عشرين كيلو متر فقط وقد تعرضت هذه المدينة عام 1956م للعدوان الثلاثي الذي تعرض له قطاع غزة ومصر لكنها ظلت تقاوم العدوان من حي إلى حي ومن شارع إلى شارع ومن بيت إلى بيت على الرغم من احتلال القطاع غير أن الجيش الإسرائيلي.
بسبب التفوق الكاسح استطاع دخول المدينة في النهاية وأمعن في أهلها القتل والذبح انتقاماً لخسائره الجسمية أثناء هجومه عليها لكن الإرهاب الإسرائيلي لم يقف عند هذا الحد بل تجاوزه إلى درجة ممارسة القتل الجماعي في مجزرة رهيبة شملت كل الفئات من نساء وأطفال وشيوخ وكان الشيخ حسن البطة أول من اعتقله الإسرائيليين وقاموا بقتله والتمثيل بجسده وأما الشباب فقد كانوا يجمعونهم وينظمونهم في طابور بحيث يجعلون وجوههم إلى الحائط ثم يطلقون النار عليهم دفعة واحدة مما أدى لاستشهاد مائتين وخمسين من المدنيين الفلسطينيين العزل وبعد تسع أيام فقط من المجزرة الأولى.
قامت وحدة من قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 12/نوفمبر/1956م بتنفيذ مجزرة إرهابية أخرى في مخيم خان يونس لا تقل بشاعة عن المجزرة الأولى ذهب ضحيتها مائتان وخمسة وسبعون شهيداً من اللاجئين الفلسطينيين العزل من سكان مخيم خان يونس.
في نفس يوم ارتكاب مذبحة خان يونس الثانية قام الإرهابيون الإسرائيليون بارتكاب مذبحة لا تقل بشاعة عن المذبحتين السابقتين حيث قتلوا أكثر من مائتي لاجئ فلسطيني أعزل في مخيم رفح أمكن التثبت من شخصية مائة وسبعة وعشرين شخصاً من سجلات وكالة الغوث الدولية فبعد أن طوق جيش العدو الإسرائيلي مدينة رفح أمر الأهالي بالخروج والتجمع في مدرسة اللاجئين ومدرسة أخرى من سن الخامسة عشر إلى الأربعين خلال نصف ساعة وبعد خمس دقائق قام جيش الاحتلال الإسرائيلي باقتحام معسكر اللاجئين في رفح وأخذ جنود جيش الاحتلال يسوقون الناس دون تمييز تحت تهديد السلاح إلى أماكن التجمع ويطلقون الرصاص عليهم أثناء تجميعهم وعندما تتكاثر الجثث بالطرقات كان جنود الإسرائيليين يأمرون المارة بإزاحتها خلف البيوت ثم يطلقون النار عليهم ليسقطوا صرعى فوق الجثث التي أزاحوها( ).
كان جيش الاحتلال قد أعد سيارات نقل مقدماً لنقل الجثث فكان يأمر الناجين بنقلها إلى السيارات والركوب معها وتذهب هذه السيارات إلى تل زعرب حيث يحفر الأحياء حفرة كبيرة تطرح فيها القتلى ويصرع بعدها الأحياء فيقعون على الجثث التي طرحوها وبعدها يهيل جنود الاحتلال عليهم التراب ويدفنونهم وهم أحياء, وإن جرائم الاحتلال ليس لها بداية ولا نهاية ففي فترة الاحتلال الإسرائيلي وعلى فترات متقطعة طيلة مدة احتلالهم كانوا يجمعون الشباب للتحقيق معهم ويحاولون انتزاع اعترافات من هم الشباب ليبرروا قتلهم رمياً بالرصاص بعد تعذيب مرهق مؤلم أما الاعترافات التي كانوا يسعون لانتزاعها منهم فهي أنهم:
1- من الفدائيين.
2- من المتعاونين مع إخوانهم المصريين.
3- يؤوون مصريين.
4- أعضاء في هيئات المقاومة الشعبية.
5- لا يعترفون بالاحتلال الإسرائيلي.
وكانوا في سبيل انتزاع هذه الاعترافات يرتكبون أبشع أنواع التعذيب وكان من تكتب له النجاة ممن يمر بتجربة التحقيق هذه يروي قصصاً تشيب الولدان أما الغالبية العظمى من هؤلاء الشبان فكان يجهل مصيرهم والكثيرون من هؤلاء ممن لم تكشف جثثهم ما زالوا حتى الآن مفقودين ففي إحدى حوادث التحقيق جمع المعتدون نحو خمسمائة شاب في مدرسة فلسطين الثانوية ومدرسة إعدادية للاجئين وأذاقوهم سوء العذاب فقد كان صراخهم من أثر التعذيب يصم الآذان لمسافات بعيدة وخرج من كتبت لهم النجاة من هؤلاء ينزفون دماً ولم يجرؤ أحد منهم على طلب العلاج علانية بل بقيّ معظمهم على حاله إلى أن تسنى له تضميد جراحه سراً.
في أحد الأكشاك الخشبية مقابل مستشفى الطوارئ موقع بلدية غزة حالياً حشر اليهود ثلاثمائة شاباً أخرجوا عدداً منهم وقتلوهم رمياً بالرصاص أمام أعين زملائهم الذين أخذوهم إلى أسدود ليسخروهم في أعمال شاقة تودي بهم إلى الموت بعد أن فرزوا منهم بضعة أفراد عصبوا أعينهم وحملوهم بسيارات نقل مع جثث من قتلوا ليدفنوهم وليدفنوا بعد ذلك معهم ولم يستطع أحد أن يحصر عدد من قتلوا من هؤلاء بالضبط إذ لم يقدر لأحد منهم أن يعود لينبئ عما حدث إلاّ أنه بلغ مجموع الجثث التي اكتشفت بمحض المصادفة وأعيد دفنها حتى 26/يونيو/1957م مائتين وثلاثين جثة لم يمكن للتعرف على أكثرها لتآكلها.
شاهد غالبية الجثث المكتشفة مراسلو وكالات الأنباء خصوصاً مندوبي الأسوشيتد برس واليونايتيد برس والتقطت شركات التلفزيون مناظر مختلفة كثيرة للجثث المكتشفة ولكنها لم تعرض على الرأي العام بتأثير الصهيونية العالمية ولم يسلم من فتك المعتدين ممثلو الأمم المتحدة أنفسهم فكم من موظفي وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة قد قتلوا بالرغم من توالي شكاوي الموظفين الدوليين التي كانت تقابل بالاستخفاف والتهكم من قبل الإسرائيليين( ).
أساليب التعذيب الإسرائيلية: تفنن الإسرائيليون في أساليب التعذيب التي يمارسونها وقصص التعذيب والوحشية التي مارسها الاحتلال الإسرائيلي وأساليبها الوحشية كثيرة.
1- يعرى السجين وتربط يداه ورجلاه بالحبال ويطرح على وجهه ويجلد بالسياط حتى تسيل دماؤه.
2- تضم قدماه وتربط بالحبال وتثبت على كرسي بينما يكون هو قد طرح على قفاه على الأرض ويتناوب ضباط التحقيق ضربه على قدميه بعصي الخيزران بينما يدوس جندي آخر على فمه كلما فتحه للتوجع.
3- تطلق عليه الكلاب البوليسية تنهش لحمه.
4- الضرب على الأذنين فيقف الضابط أو الشاويش العريف الذي يعذب خلف السجين ويفتح ذراعيه على اتساعهما ثم يطبقهما بعنف صافقاً براحتيه جانبي رأس السجين على أذنيه مما يصعقه حالاً.
5- ضرب المعذب على العضو التناسلي بعد ربطه على مائدة بكعب المسدس أو بقضيب من المطاط أو بسوط.
6- إيقاف السجين على رؤوس أصابع قدميه مواجهاً للحائط ماداً ذراعيه أفقياً ساعات طويلة مع دوام ضربه بالسياط على ذراعيه الممدودتين وكفيه وبمقدمة الحذاء العسكري على كعبيه فيستلقي على الأرض إعياءً أو يتوقف تعباً عن القيام والقعود القرفصاء إن كان التعذيب يتضمن هذه الحركة.
7- انتزاع شعر الرأس بجر السجين منه بعنف إن كان له شعر.
8- تقطيع جلد الرأس ومحاولة إطعامه للمعذب بالقوة.
9- اللكم والضرب بالأيدي والأرجل.
وقد طُبقت معظم هذه الأساليب على أكثر المعتقلين وإليكم:
1- محمد مأمون حسن الهضيبي: نجل المستشار حسن الهضيبي ثاني مرشد لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وقد كان يشغل رئيس محكمة غزة عام 1956م وقد اعتقل على خلفية اشتراكه في أعمال المقاومة ووضع في سجون الاحتلال صابراً محتسباً أجره عند الله في أرض الرباط وكانت معظم التهم التي وجهت إلى هؤلاء هي الانتماء لمنظمات المقاومة الشعبية السرية التي أقضت مضاجع الإسرائيليين وعجلت برحيلهم( ).
2- الشيخ هاشم الخزندار: من غزة فبالرغم من أنه رجل دين لم يحمه لباسه الديني من زبانية التعذيب فقد ضرب ضرباً مذهلاً ولكنه كان مثال المؤمن الصابر مما زاد من غيظ الزبانية فزادوا في عذابه وإيلامه.
3- عبد الله محمد أبو عزة: وهو موظف بوكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ضربه الإسرائيليون ضرباً مبرحاً ثم ربطوا ذكره إلى مائدة وضربوه بقضيب من المطاط حتى تورم وأكثروا من لطمه على أذنيه وعينيه ومقدمة وجهه ومما يذكر أن عبد الله أبو عزة نحيف ضعيف البنية وما زال يصاب بما يشبه الذهول كلما تذكر ظروف التعذيب أو ذكرها أحد أمامه.
4- منير كامل عجور: تاجر من مدينة غزة تعرض لكل أنواع التعذيب وقد قذف به المحققون أثناء تناوله بالضرب بالأيدي والأرجل على شباك زجاجي تحطم فقطع أربعة من شرايين يده اليسرى مما سبب له نزيفاً لم يضمد بما يضمن إيقافه بل سيق إلى السجن حيث نزفت دماؤه مما تسبب بإصابته بضعف شديد وبفقر دم ولم تعد يده إلى حالتها الطبيعية حتى الآن.
5- غالب إبراهيم الوزير وسعيد المزين: وهما مدرسان بمدارس اللاجئين أُدخلا غرفة التعذيب معاُ وأُغمي عليهما عدة مرات أثناء التعذيب كلما عادا إلى رشدهما أعيد تعذيبهما.
6- سليم الأنصاري: أصيب بالتهاب الزائدة الدودية أثناء تعذيبه فأجريت له عملية جراحية سريعة بالمستشفى وأرجع بعدها للسجن مباشرة.
7- داوود خليل أبو جبارة : طالب فلسطيني بالقسم التجاري بمدرسة فلسطين بغزة قبض عليه الإسرائيليون وجربوا معه مختلف أنواع التعذيب الكافي للقضاء على أمثاله من الفتيان لولا ما كان يتمتع به من قوة خارقة تم جلد داوود خليل أبو جبارة وحاول أحد الجنود كسر عموده الفقري فما كان من داوود أبو جبارة إلاّ أن تناوله مجازفاً بحياته وقذف به أرضاً وارتمى فوقه يريد الإجهاز عليه عندئذ اندفع نحوه جميع من كان بفرقة التعذيب وتناولوه بالأيدي والأرجل حتى فقد وعيه.
8- كمال النمور: أحد عمال مطافئ بلدية غزة سجنّه المحتلون دون ذنب وفي أحد الأيام أخذوه لتنظيف مكاتب الحكومة وأثناء قيامه بعملية التنظيف سقطت صورة الرئيس جمال عبد الناصر من أحد الأدراج فأمروه أن يدوسها بقدمه فانتفض قائماً وأقسم بالطلاق ثلاثة بأنه لن يفعل ذلك فما كان من أحد الضباط إلاّ أن انهال على أنفه بكعب مسدسه فحطمه مسبباً له نزيف استمر ثلاثة أيام في السجن دون علاج.
9- جمال الصوراني: من غزة خرج من السجن ولا يكاد المرء يعرفه لتورم وجهه من أثر اللطم اليومي.
10-زهير الريس: من غزة كانوا يستعملون معه طريقة مبتكرة ليقذف ما في جوفه من النزر اليسير من الطعام بأن يرفسوه في بطنه بأحذيتهم العسكرية الضخمة.
11-خالد شراب: من غزة مكث سبعة أيام في زنزانته تعرض للضرب المبرح وكان يتعاون على ضربه ما بين اثنين وأربعة من الجنود الإسرائيليين.
12- صبحي أبو زيد: من يافا لقد أوسعوه ضرباً بالسياط وعصي الخيزران على مختلف أنحاء جسمه كيفما اتفق حتى أن إحدى العصي وقعت على أذنه فبترتها.
13- سعيد فلفل: من مدينة غزة وهو موظف تابع للأمم المتحدة في وكالة غوث اللاجئين إلاّ أن صفته الرسمية لم تمنع عنه عذاب الإسرائيليين فشاءت قسوتهم أن يسقط إعياءً من الضرب أمام أعين والده.
14- عبد الرزاق محمد الفيومي: من المحرقة أصلاً واتهم بما اتهم به عمر الحلبي من أنه كان ينقل الجنود المصريين إلى الأردن وأنه ما زال يخبئ بعضهم في أماكن لا يعرفها إلاّ هو فوجئ بعد الاحتلال بثلاثة وعشرين يوماً وكان يقضي ليلة في قرية جباليا ليلة تطويق القرية من قبل قوة إسرائيلية ونادى مكبر الصوت اسمه وطلب منه تسليم نفسه إلاّ أنه لم يفعل.
لكنهم استدلوا عليه فاستاقوه إلى مدرسة جباليا وطلبوا منه أن يدلهم على الأمكنة التي يخفى فيها المصريين فلما أظهر جهله وأنكر ما وجه إليه انهالوا عليه ضرباً وقذفوا به على الأسلاك الشائكة وربض فوقه جنديان إسرائيليان فانغرست الأسلاك الشائكة بجسمه ومزقته وأعادوا عملية الضرب والتجريح عدة مرات ثم أخذوا يشكونه برؤوس السكاكين فلما سقط إعياءً وأعياهم أمره أخذوه للمستشفى لتضميد جراحه ثم ألقوه في السجن.
15- أحمد أبو عسفة: وجهوا إليه تهمة الفدائية وهي كبرى الكبائر بالنسبة للإسرائيليين ولذلك عذبوه بأن ربطوا ذكره بالمائدة وإنهالوا عليه ضرباً بالسياط حتى تورم وتجرح وقد نتج عن ذلك أنه أصبح عاجزاً عن أداء العملية الجنسية.
16- عمر الحلبي: شاب من بئر السبع مقيم في حي الشجاعية في غزة أخذوه من بيته الساعة الحادية عشرة مساء قبل انسحابهم بنحو ثلاثة أسابيع إلى السجن وأفهموه أن لديهم معلومات بأنه سيُنقل مع من تبقى متخفياً من الجنود والضباط المصريين إلى الخليل عبر الأراضي المحتلة من فلسطين وأن معلوماتهم تدل على أنه ما زال يخفي بعض هؤلاء الجنود والضباط المصريين لإيصالهم للأردن وأفهموه أنه إن سلم المصريين سيكون في أمان وسيجزلون له عطاءه وسيكون عيناً على إخوانه.
أنكر ما أو عزوه إليه ورفض التعاون معهم ضربوه بسوط متصلب على رؤوس أصابع قدميه ويديه إلى أن تورمت ثم ألبسوه جاكيتاً وأعدوه للتعذيب وربطوا يديه خلف ظهره ووضعوا على عينيه قطناً وفي أذنيه قطناً وانهالوا عليه ضرباً على أم رأسه إلى أن فقد وعيه وفي اليوم التالي أخذوه إلى غرفة المباحث وأجلسوه على كرسي معدني وسلطوا عليه تياراً كهربائياً ما كاد يمس جسمه حتى يطرحه أرضا وهكذا إلى أن تهاوى من الإعياء والرضوض ثم سلطوا عليه كلباً ضخماً متوحشاً أخذ ينهش ساقه وفخده مما أسال دماءه غزيرة على أرض الغرفة وتركوا جراحه دون تضميد فالتصقت ثيابه بجروحه بعد أن تجمد دمه وقد أرجعوه وهو على هذه الحالة إلى زنزانته وأبقوه بضعة أيام لا يستطيع حصرها بالضبط لما أصيب به من ذهول أثر التعذيب ثم أخذوه بعد هذه الأيام إلى غرفة المباحث مرة أخرى وأعادوا عليه وعدهم ووعيدهم فأصرّ على أقواله.
كان منهم إلاّ أن ربطوا عضوه التناسلي بمائدة أعدت لذلك وانهالوا عليه بالسياط حتى تورم وأغميّ عليه ولم يكتفوا بذلك بل أوسعوه لطماً على مقدمة وجهه مما أتلف له إحدى عينيه ثم جروه إلى غرفة المشنقة بالسجن ووضعوا رقبته في حبلها وقالوا له أن خلاصك ومستقبلك يتمثل في أن تدلنا على مكان اختفاء المصريين فلما أصر على إنكاره بدأوا يمثلون معه دور من يهم بشنقه فأغمي عليه لسابق الإعياء ولم يدرك أنه ما زال على قيد الحياة إلاّ عندما صحا من إغمائه في زنزانته وقد بقي عمر الحلبي في السجن حتى أخرجه البوليس الدولي الذي شاهد آثار التعذيب بحضور رئيس بلدية غزة منير الريس ومراقب الهدنة مستر براون وقائد القوات الدنمركية كولونيل انجهام.
17- موسى سابا: موظف بوكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وهو لاجئ من بئر السبع إلى غزة قبض عليه الإسرائيليون ووجهوا إليه تهمة العمل في منظمات المقاومة الشعبية التي انتشرت أثناء الاحتلال الإسرائيلي كان هذا المواطن الفلسطيني يُضرب من قبل الشرطة العسكرية الإسرائيلية بجميع وسائل الضرب من أسواط وعصي ومواسير حديدية والرفس بالأرجل إلى درجة الإغماء ثم كانوا يصبون عليه الماء البارد فما أن يصحوا حتى يعاودوا الضرب إلى أن يعترف على زملائه في المقاومة الشعبية ولكنه لم يعترف.
الضغط الإسرائيلي على المسئولين الفلسطينيين: كان من أهداف الإسرائيليين أن يشوهوا صورة كفاح الشعب الفلسطيني أثناء احتلالهم لقطاع غزة ويُخيِّلُوا للعالم أن أهالي قطاع غزة راضون عن الاحتلال الإسرائيلي لذلك كانوا يخلقون المناسبات لتوريط زعماء البلاد واظهارهم بمظهر المتعاون معهم ويحشدون المراسلين الأجانب لمشاهدة زعماء القطاع وهم يحضرون احتفالاتهم ويبالغون في تصوير هؤلاء سينمائياً وفوتوغرافياً وإذاعياً بالتلفزيون وينشرون ذلك على نطاق واسع في أنحاء العالم وخصوصاً في أوساط الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.
لم يتوانوا في انتزاع تصريحات وأحاديث من بعض المسئولين تحت ظروف قاسية جداً ويؤولونها حسب أهوائهم كل ذلك لإقناع العالم أن أهالي القطاع يرضون عنهم ويقبلون التعاون معهم وبالرغم من أن الوقائع كانت تكذبهم كما جاءت النتائج النهائية مخيبة لآمالهم إلاّ أنهم كانوا دائمي المحاولة في استمالة المسئولين من أهالي قطاع غزة وحاول المسئولون الإسرائيليون بكل أساليب الضغط والحيلة على إجبار الطبقة الواعية المثقفة ووجهاء البلد لتتخذ من ذلك وثيقة تقدمها للعالم عساها أن تثبت أقدامها في قطاع غزة ففي 9/يناير/ 1957 أراد المحتلون إقامة حفلة في منتزه بلدية غزة ليجمعوا فيها وجهاء البلدة وليذيعوا الحفلة بالراديو والتلفزيون ويحشدوا لها المراسلين الأجانب وليأخذوا ما شاءوا من أفلام وصور وينشروها في الأوساط الدولية دليل على رضاء الأهالي عن الاحتلال.
ظنوا أن الخطباء بمدحهم سيمدحونهم بخطبٍ أعدها مكتب الحاكم العسكري الإسرائيلي للقطاع والمخابرات الإسرائيلية إلاّ أن رئيس البلدية منير الريس والمفروض أنه المسئول المباشر عن إقامة هذه الحفلة رفض إقامتها فأحضره حاكم مدينة غزة زفي وبعد أن ألقى عليه محاضرة مشحونة بالتهجم والبذاءة رفع في وجهه مسدساً قائلاً لقد قتلت بهذا المسدس اثني عشر عربياً في دير ياسين وقبية ولا مانع من أن أضيف واحداً آخر لهم ثم أظهر له صورة ابنه وسأله: أتعرف من هذا؟ فلما أجابه بالإيجاب قال له: إن حياته رهن موافقتك على إقامة الحفلة وحضورها فأجابه مستهزئاً: لك أن تفعل ما تشاء وأنت صاحب السطوة حالياً.
أخذ الحاكم زفي يعدد بمنير الريس رئيس بلدية غزة الجرائم التي ارتكبها في حق دولة إسرائيل والتي ستؤاخذه عليها السلطات الإسرائيلية ومنها خطبة قبل الاحتلال وإعلانه التعبئة العامة وخطابه أمام الرئيس جمال عبد الناصر ولما لم يجد من منير الريس إلاّ الصلابة والرفض صرفه متوعداً بالإيقاع به وأجج حقد حاكم غزة زفي رفض منير الريس بعد ذلك الذهاب لحفلة افتتاح مجلس قروي رفح ودير البلح وكان رفض فاروق الحسيني الاشتراك في الرحلة الدعائية لتل أبيب فألقت القبض عليهما سلطات الاحتلال وساقتهما إلى السجن فبقيا فيه ثلاثاً وستين يوماً تحت ظروف قاسية مكث كل منهما هذه المدة في السجن الانفرادي حيث لا تهوية ولا نور ومنعوا عنهما كل أنواع الاتصال بالخارج فلا جرائد ولا كتب ولا اتصال بأشخاص سواء من داخل السجن أم من خارجه ولم ينقذهما من السجن إلاّ قوات الطوارئ الدولية عندما تسلمت مدينة غزة.
كانت السلطات الإسرائيلية قد أدرجت اسميهما وأسماء جميع من قبضت عليهم ظلماً لعدم التعاون أو للاتهام بالعمل في المنظمات الشعبية السرية الذين بلغ عددهم نحو سبعة وسبعين شخصاً في قوائم المجرمين العاديين ولم تفرج عنهم قوات الطوارئ الدولية إلاّ بعد أن تأكدت من كذب السلطات الإسرائيلية وقد ذكروا بعض ما تعرض له المعتقلون من تعذيب وإرهاق.
قطع المحتلون عن بيت الدكتور حيدر عبد الشافي الماء والنور لأنه استقال من عضوية البلدية احتجاجاً على سجن رئيس البلدية منير الريس وفاروق الحسيني ولإجبار المجلس البلدي على إقامة احتفال في منتزه البلدية بالرغم من حداد الأهالي على الشهداء وضحايا الاعتداءات الإسرائيلية التي لم يكن لها مبرر ورفض الدكتور حيدر عبد الشافي الذهاب لهذا الاحتفال أو التكلم فيه بالرغم من تهديده بالسجن بتهمة الوطنية فقد كانت هذه التهمة جريمة يعاقب عليها الحاكم الإسرائيلي زفي بالسجن.
كان دليل هذه الجريمة لدى السلطات المحتلة أحاديث الدكتور حيدر عبد الشافي للصحفيين الأجانب واليهود فقد كان يحضر هذه الأحاديث دوماً مندوب من قبل المخابرات العسكرية الإسرائيلية يسجل على المسئولين أقوالهم ليدانوا بها فيما بعد بالمناسبات حتى مندوبو الأمم المتحدة الذين يمثلون همرشلد بذاته لم يتمكنوا من الاتصال بأحد ألاّ بواسطة وبحضور مندوب المخابرات الإسرائيلية حدث ذلك على نطاق واسع في دار البلدية عندما زارها مندوب همرشلد فقد حضر هذا الاجتماع الحاكم الإسرائيلي بنفسه إضافة إلى أكثر من ضابط من مخابرات إسرائيل إلاّ أن ذلك لم يمنع رئيس البلدية أو أعضاءها ومن بينهم الدكتور حيدر عبد الشافي مواجهة المندوب بالحقيقة كاملة( ).
الاعتداء على الكنائس ورجال الدين المسيحي: حاول الإسرائيليون بمختلف الأساليب استمالة الأب يوحنا النمري خوري اللاتين فرفض وعرضوا عليه المال الجزيل لشخصه ولتوزيع ما يريد على أبناء طائفته ووعدوا بإعطائه هبة لإتمام بناء الكنيسة ولإصلاح ما أصابها من تلف نتيجة لانتهاكهم حرمتها بواسطة مندوب من وزارة الأديان اسمه دكتور مانديس ولم يطلب الإسرائيليون مقابل ذلك إلاّ مجرد إقامة صلاة عيد الميلاد ليستغلوا ذلك دعائياً فيهيئوا للعالم أن القطاع وأهله بخير.
إن الحياة في قطاع غزة عادية حتى أن الناس يمارسون طقوسهم الدينية بحرية ويحتفلون بأعيادهم وليكسبوا بذلك عطف العالم اللاتيني ولكن الأب يوحنا رفض رفضاً قاطعاً قائلاً لهم: إن البلاد في حالة حداد على شهدائها وقد أقام الأب يوحنا صلاة شكر يوم جلاء قوات الاعتداء عن بور سعيد بحضور مندوب المخابرات الإسرائيلية وألقى خطبة شكر الله تعالى فيها على جلاء العدو عن بور سعيد وأشاد بفضل مصر على قطاع غزة وأنها كريمة مضيافة فقد أكرمت وفادة السيد المسيح أول لاجئ إليها ودعا الله أن يخلص قطاع غزة من المحتلين الذين صلبوا المسيح وختم كلمته داعياً بالنصر للرئيس جمال عبد الناصر.
كان الأب يوحنا متألماً لسوء معاملة الإسرائيليين ولاستهتارهم بمكانته الدينية وانتهاكهم لحرمة الأماكن المقدسة التي يرعاها فقد هاجموا كنيسته بالرصاص محاولين اقتحامها بحجة أنه يأوي بعض الجرحى بالرغم من أنه كان يرفع العلم البابوي عليها وحاول الإسرائيليون قتل الأب يوحنا فقد رأى الطفلة نادية الياس متّي حائرة تريد عبور الطريق لبيتها ولكنها تخشى من الإسرائيليين الذين كانوا يطلقون النار عشوائياً على كل سائر فاقتادها من يدها إلى بيتها إلاّ أن اليهود لم يراعوا قدسيته ولم يعبأوا بالطفولة البريئة التي يمد الأب يوحنا لها يد المعونة فأطلقوا عليهما النار فسقطت الطفلة قتيلة بين يدي الأب المقدس.
اجتمع الأب يوحنا بمندوب همرشلد بحضور مندوب من المخابرات الإسرائيلية ولكنه لم يكترث لذلك وأطلع مندوب همرشلد على حقيقة الموقف كما اجتمع مراراً برئيس مراقبي الهدنة المستر بايرد وكان يطلعه على الحقيقة سواء التي لمسها بنفسه أو التي وصلته عن طريق المسئولين الوطنيين في غزة( ).
فشل وحدة العمل المقاوم أثناء الاحتلال: بعد احتلال إسرائيل لقطاع غزة مباشرة وبعد نجاح التجربة التي خاضها الإخوان المسلمون والشيوعيون في إسقاط مشروع توطين اللاجئين في سيناء توجهت دعوة لإقامة جبهة وطنية تقوم بقيادة النضال السياسي في هذه الفترة.
عرض الشيوعيون هذه الفكرة على حركة الأخوان المسلمين وحزب البعث وكان اعتراض الأخوان المسلمين على اسم الجبهة الوطنية وطالبوا بتغيير اسمها إلى هيئة المقاومة الشعبية ووافق الشيوعيون على طلب الأخوان المسلمين.
حدث خلاف بين الشيوعيين والأخوان المسلمين والبعثيين عندما رفضوا فكرة الجبهة المقترحة مع الشيوعيون والتي تطرح برنامج ينص على اعتماد الشعب الفلسطيني في كفاحه على مؤازرة الشرفاء داخل إسرائيل وكان الأخوان المسلمون والبعثيون يرون أنه لا شرفاء داخل إسرائيل فكلهم يهود وصهاينة وفشلت فكرة جبهة تضم الشيوعيين والبعثيين والأخوان المسلمين( ).
جبهة المقاومة الشعبية: قامت حركة الأخوان المسلمون والبعثيون في تشكيل جبهة المقاومة الشعبية وبدأوا في مقاومة الاحتلال ودعوا إلى العصيان المدني وأصدروا منشورات تحت اسم طلائع المقاومة الشعبية وكانت هذه المنشورات تدعو إلى:
1- مقاطعة العدو الإسرائيلي والمقاومة السلبية في كل شيء.
2-التحذير من فكر العدو الإسرائيلي وغدره وعدم الاستماع لدعاياته وإذاعاته.
3-عدم الإدلاء أمامه بأي تصريح أو التقاط أية صورة وكالات الأنباء الصحافية.
4-مقاطعة الاحتفالات والاجتماعات والأعياد وعدم عمل علاقة مع قوات الاحتلال.
5-الاستعداد للفداء فإن يوم الخلاص قريب.
فضَّل الأخوان المسلمون التحالف مع البعثيين وإقامة الجبهة الشعبية للمقاومة وعمل لجان المقاومة الشعبية لمقاومة الاحتلال كلجنة الشباب الثائر المقنعة التي كانت تهتم بالحركة التجارية والأسواق وتطارد المتعاونين من ضعيفي الإيمان واتخذت وسيلة العنف مع مخالفي الإجماع الوطني.
من أهم قادة جبهة المقاومة الشعبية الشيخ هاشم الخزندار الذي كان يعطي تعليماته أن يتم تدريب الشباب وإعدادهم لشن حرب عصابات على الجيش الإسرائيلي وكان بحوزتهم مدافع أوستن ورشاشات بور سعيد وقنابل وألغام وكان أول أعمالها تهديد العملاء وملاحقتهم وكشفهم وكانوا ينادون بمقاطعة الإسرائيليين وعدم التعامل بالليرة الإسرائيلية وعدم انتظام الحياة وعودتها إلى وضعها الطبيعي وكانت قيادة جبهة المقاومة الشعبية على اتصال بالحكومة المصرية خلال فترة الاحتلال وبدئوا يعدون العدة للعمليات العسكرية ضد العدو ولكن قصر فترة الاحتلال وانكشاف أمر مجموعتهم وسجن عدد كبير منهم وهروب عدد إلى العريش أجّل العمل العسكري وبدئوا في التفكير للإعداد لحركة وطنية تأخذ على عاتقها تحرير فلسطين.
وكان من أعضاء جبهة المقاومة الشعبية: الشيخ هاشم الخزندار ومحمد مأمون الهضيبي وعبد الله أبو عزة ومنير عجور وعبد المجيد الأسمر ومحمود عطية مقداد وغالب عجور وأحمد رجب عبد المجيد وعوني القيشاوي وسليم الزعنون وعز الدين طه ومحمد أبو دية وفوزي جبر ومحمد الإفرنجي ومعاذ عابد وكمال عدوان وغالب الوزير وسعيد المزين ومحمد حرب عليان وأحمد وافي وزهدي ساق الله وعبد القادر أبو جبارة و داوود أبو جبارة وعبد أبو مراحيل وسليم الأنصاري وسليمان أبو كرش والحاج إسماعيل شملخ ومحمد مفرج ومسلم الحلو ومحسن أبو جهل وسعيد عطا الله وأحمد الملاحي ومحمود الملاحي ومحمد أبو سلطان ومن حزب البعث وفا الصايغ وحافظ عيد ومصطفى أبو مدين وسعيد الدجاني ونعمان النونو ومحمد الحوراني وعبد الله الحوراني وسليمان محمد دلول ومحمد جلال عناية( ).
الجبهة الوطنية المتحدة: فشل التحالف بين الحزب الشيوعي والأخوان المسلمين فكون الحزب الشيوعي الجبهة الوطنية المتحدة مع شخصيات وطنية وفعاليات مستقلة في القطاع وكانت الجبهة الوطنية تضم لفيفاً من الشخصيات التي تحمل كل الاتجاهات والأفكار القومية والعربية والإسلامية وأصدروا نشرات لتوعية الشعب الفلسطيني للصمود وتحليل الموقف العربي والعالمي المناصر للقضية العربية ودعوا بعدم التعامل معه ورفض التعامل بالليرة الإسرائيلية وعدم إرسال الطلاب إلى المدارس حتى لا تعود الحياة إلى مجراها الطبيعي وطالبت بملاحقة المتعاونين مع السلطات المحتلة.
كان من أعضاء الجبهة الوطنية المتحدة: منير الريس وحيدر عبد الشافي وجمال الصوراني وفايز أبو رحمة وزهير الريس وفخري مكي وفريد أبو وردة وخالد شراب وعطية مقداد وحمدي الحسيني وجعفر فلفل وموسى سابا وسعيد فلفل وأحمد الأسطل ومحمد أحمد علي ومحمد زاهر وفايز الوحيدي وعطية عياد وخميس اللدعة وجبر فتوح وجبر كحيل وطُعمة مشتهى وكمال الطويل وعبد المجيد كحيل ومحمد أحمد شعبان وعمر السويطي وأحمد فلونة ومنصور الحداد وياسر الشوا وأحمد أبو رمضان وشعبان مهنا ونصر سابا خليل عويضة أحمد فليونة.
رفض الإخوان المسلمون قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
قاد الإخوان المسلمون والفصائل الوطنية انتفاضة شعبية وكانت شعاراتهم لا تدويل ولا استعمار بل إدارة عربية مما أسهم في موافقة الأمم المتحدة على عودة الإدارة المصرية إلي قطاع غزة.
اختلف جمال عبد الناصر وعبد الكريم قاسم فهاجم الشيوعيون جمال عبد الناصر وسياسته وأيدوا عبد الكريم قاسم فاعتقلت الحكومة المصرية قيادتهم وعلى رأسهم معين بسيسو وفخري مكي وحسن أبو شعبان وسمير البرقوني وعمر كحيل ونمر هنية وموسى سابا وجبرا ترزي ومنصور الحداد وصهباء البربري ونقلوا إلى السجون المصرية( ).
قامت القوات الإسرائيلية بعد احتلال غزة بوضع نحو ستمائة سيدة وطفل تحت الإقامة الجبرية في حي الرمال بالقرب من المجلس التشريعي وضربت على هذه المنطقة أسلاكاً شائكة ومنعت العائلات المصرية من الخروج أو التعامل مع أهالي القطاع وتكفل الشيخ هاشم الخزندار ومدير معسكر اللاجئين ورجال الخير من أهالي قطاع غزة بمدهم بالغذاء والتموين فترة أربعين يوماً.
قامت القوات الإسرائيلية بإبعادهم إلى العريش قام الشيخ هاشم الخزندار بالمحافظة على أثاثهم وممتلكاتهم حتى عادت الإدارة المصرية يوم 7/مارس/1957م.
إن علاقة الشيخ هاشم الخزندار بمدينة العريش لم تنقطع من بداية حياته إلى يوم استشهاده فعندما أقام فلسطينيو العريش النادي العربي الفلسطيني والجمعيات الخيرية عمل الشيخ هاشم الخزندار على ترتيب البيت الفلسطيني الموجود في العريش وكان هؤلاء على قدر الواجب رغم أنهم يعانون الجوع والحرمان ولا يملكون قوت يومهم إلا أنهم كانوا خير أصدقاء للشيخ هاشم ولا ينسى دور فلسطينيي العريش وأهلها أثناء العريش في حرب أثناء عام 1956م واستقبال الشباب الهارب من الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة ودعم رجال المقاومة بالمال والسلاح والمنشورات.
كانت آخر مهمة للشيخ هاشم له في أخر حياته تأمين حياة الفلسطينيين الموجودين في العريش بعد الانسحاب الإسرائيلي من سيناء وقد أحضر مبلغ عشرة آلاف ألف دينار أردني من حركة فتح وسلمه إلى الفلسطينيين في العريش في أوائل عام 1979م.
ونذكر أن أحمد سعيد مذيع صوت العرب وزميله سامي داوود مندوبي جمال عبد الناصر في حرب عام 1956م كانا يوجهان نداءاتهما عبر إذاعة صوت العرب إلى الشعب الفلسطيني لحثه على الصمود ومعارضة الاحتلال الإسرائيلي وحضرا إلى قطاع غزة من العريش مع طلائع القوات الدولية ودخل مدينة رفح بيت محمد حسن النجار معلم في الوكالة وعرض عليه حقيبة نقود فرفض أن يستمع له وقال له نحن في قطاع غزة لا نباع ولا نشترى وحين أحضر أحمد سعيد إلى الشيخ هاشم الخزندار حقيبة النقود التي فيها مائة ألف جنيه مصري حيث كان أحمد سعيد مبعوث شخصي له من جمال عبد الناصر لتوزيع هذه النقود على أهل غزة وأخبره الشيخ هاشم الخزندار إن أهل غزة ومن كل الاتجاهات مع مصر وفداء للقضية العربية فهم على أتم الاستعداد لتقديم أرواحهم وأموالهم رخيصة من اجل القضية الفلسطينية ومن أجل إسقاط مشروع تدويل غزة يومها قال أحمد سعيد كلمته المشهورة: إني جئت إلى غزة لأرفع معنويات أهالي قطاع غزة ولكن الأهالي هم الذين رفعوا معنوياتي وهذه دلالة واضحة على صمود الشعب الفلسطيني ومعنوياته العالية التي لم تتأثر بالاحتلال ولا بالجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة( ).
الانسحاب الإسرائيلي: كان للإنذار السوفيتي الذي أعلنه نيكيتا خرتشوف سكرتير الحزب الشيوعي-الاتحاد السوفييتي سابقاً في مجلس الأمن والذي هدد فيه بضرب عواصم الغرب لندن-باريس أثره الكبير في وقف العدوان على مصر وغزة ومن ثم الانسحاب من المناطق المحتلة( ).
أصدر ديفيد بن جوريون رئيس الوزراء الإسرائيلي أوامره لقوات الاحتلال الإسرائيلية بالانسحاب فوراً من قطاع غزة ومدينة شرم الشيخ المصرية على البحر الأحمر التي كانت إسرائيل قد احتلتها بالإضافة إلى شبه جزيرة سيناء إبان العدوان الثلاثي على مصر الذي اشتركت فيه بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عام 1956م على مصر وقطاع غزة إثر قيام الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس للاستفادة من دخلها في بناء السد العالي بعد أن رفضت أمريكا وبريطانيا والبنك الدولي تمويل المشروع لما له من فوائد مادية ومعنوية تنعكس على الاقتصاد المصري ايجابياً ومن ثم على القرار السياسي المصري المناهض للصهيونية والإمبريالية وفي 6/مارس/1957 قامت قوات الاحتلال بتسليم قطاع غزة إلى قوات الأمم المتحدة وذلك تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 119 في 31/أكتوبر/1956م وقد عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة دورة استثنائية للبحث في العدوان الثلاثي على مصر وغزة وعليه اتخذت القرارات التالية:
القرار رقم 997 بتاريخ 2/نوفمبر/ 1956م الذي يدعو فرنسا والمملكة المتحدة إلى الموافقة على وقف إطلاق النار ودعوة إسرائيل إلى الانسحاب خلف خطوط الهدنة.
القرار رقم 998 بتاريخ 4/ نوفمبر/ 1956م ويدعو إلى تشكيل قوة طوارئ دولية.
القرار رقم 999 بتاريخ 4/ نوفمبر/ 1956م ويدعو إلى تأكيد القرار رقم 997.
القرار رقم 1002 بتاريخ 7/ نوفمبر/ 1956م ويدعو الى تأكيد القرارات السابقة.
القرار رقم 1003 بتاريخ 10/ نوفمبر/ 1956م ويدعو إلى إحالة المسألة إلى دورة عادية.
القرار رقم 1120 بتاريخ 24/ نوفمبر/ 1956م الدورة العادية الحادية عشر تأسف لعدم انسحاب قوات العدوان الثلاثي.
القرار رقم 1123 بتاريخ 11/ يناير/ 1957م الدورة الحادية عشر أسف وقلق لعدم الانسحاب.
القرار رقم 1124 بتاريخ 2/ فبراير/ 1957م الدورة الحادية عشر أسف لعدم إذعان إسرائيل للانسحاب.
القرار رقم 1125 الدورة الحادية عشر ويدعو إلى مراعاة اتفاقية الهدنة مراعاة دقيقة بعد انسحاب إسرائيل التام من منطقة شرم الشيخ وغزة ومرابطة قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة على خط الهدنة المصري الإسرائيلي.
انسحبت القوات الإسرائيلية ودخلت قوات الأمم المتحدة وسط مهرجانات واحتفالات ومظاهرات استمرت سبعة أيام متواصلة كان الشعب خلالها بكل فئاته وشرائحه يهتف هتافاً واحداً غزة غزة عربية والإدارة المصرية رافضة كل محاولات التدويل واستمرت المظاهرات حتى دخول الإدارة المصرية إلى القطاع بتاريخ 14/مارس/1957م واستشهد في هذه المظاهرات شهيد العلم الفلسطيني محمد على مشرف من مخيم الشاطئ المهاجر من يافا الذي استشهد وهو يرفع علم مصر على يد جنود قوة الطوارئ الدولية على سرايا الحكومة( ).
مشروع تدويل غزة: ينص مشروع تدويل غزة 7-14/مارس/1957م على:
تدويل القطاع وقدم هذا المشروع إلى الأمم المتحدة وزير خارجية كندا وعلى أساسه تقوم الأمم المتحدة بعد الاتفاق مع مصر 1957م بما يلي:
- احتمال مسئولية إقامة إدارة مدينة مهمتها تحقيق الرخاء الاجتماعي والاقتصادي.
- المحافظة على النظام والقانون.
-تعيين مندوب من قبل الأمم المتحدة.
-وجود قوة طوارئ في قطاع غزة تتولى مسئولية القطاع تحت مسئولية سكرتير عام الأمم المتحدة داج همرشولد.
وما إن انسحبت القوات الإسرائيلية في يوم 6/مارس ويوم 7/مارس/1957م حتى خرجت مظاهرات بقيادة الإخوان المسلمين على رأسها الشيخ هاشم الخزندار تنادي لا دولية ولا استعمار نريد إدارة مصرية واستمرت المظاهرات سبعة أيام متوالية ليلاً ونهاراً وأطلقت القوات الدولية الرصاص والقنابل المسيّلة للدموع على المتظاهرين الذين حاولوا إنزال علم الأمم المتحدة ورفع علم مصر.
كان هناك شخصيات وقوى فلسطينية تفصل الإدارة الدولية للقطاع لكن خوفهم من غضب الجماهير ورغبتهم الجماهير في عودة الإدارة المصرية ومقاومتهم بكل عنف فارتأت هذه المجموعة الانسحاب وفي 14/مارس/1957م قامت الحكومة المصرية بتعيين الفريق محمد حسن عبد اللطيف حاكماً إدارياً للقطاع على أن يتسلم عمله في الحال وحاولت الأمم المتحدة التفاوض مع الحكومة المصرية على أن تتراجع عن تعيين حاكم إداري إلا أنه في 14/مارس/1957 وصل الحاكم المصري وكانت جماهير غزة في انتظاره بالورود والهتافات وحملوا سيارته على أكتافهم رغم قسوة شتاء هذه السنة وتساقط الأمطار بغزارة تم إفشال مشروع التدويل الذي ولد ميتاً بفضل وعي شعب قطاع غزة فقد اتصل الشيخ هاشم الخزندار بالإدارة المصرية ونسق معها قبل دخولها قطاع غزة حيث كانت موجودة في مدينة العريش.
بعد عودة الإدارة المصرية إلى قطاع غزة وفي العام 1958م أسس الاتحاد القومي وكان متمثلاً بالإدارة المصرية والموالين لها وظل الحاكم المصري هو المصدر الأساسي للتشريع والسلطة وكان الغرض من إقامة هذا الاتحاد هو تسخير الطاقات السياسية والحزبية والتنظيمية لأهالي قطاع غزة والالتفاف حولها, ومن ثم أسس في عام 1958م المجلس التشريعي ورغم محاولات الإدارة المصرية إخضاع المجلس التشريعي لصبغتها ولهيمنتها وزرع رجال موالين للإدارة المصرية في المجلس التشريعي فقد استطاع المجلس أن يلعب دوراً ملموساً في إثراء الحياة الدستورية في قطاع غزة.
الوضع الفلسطيني بعد فشل العدوان الثلاثي على قطاع غزة( ): تحالف الأخوان المسلمون مع الفعاليات الوطنية في رفض مشروع التدويل وكان دور الإخوان المسلمين هو الدور البارز في هذا الرفض وأحضر شباب الإخوان المسلمين الطلاب الفلسطينيين من مصر كان رأسهم ياسر عرفات وصلاح خلف وكمال عدوان وسعيد المزين وكانت اجتماعاتهم في كل من: دار التوحيد والجامع العمري الكبير وفي أغلب الوقت في بيت الشيخ هاشم الخزندار ومصنعه للبلاط في حي الصبرة وفي هذه الفترة بدأ فكر حركة فتح يتبلور بداية.
بدأت سياسة مصر بالتوجه إلى الاتحاد السوفيتي وسيطرت العناصر اليسارية في مصر تم إبعاد الإخوان المسلمين عن مراكزهم وعمل الإخوان المسلمون في قطاع غزة على الاختفاء والنزول إلى الأرض وبدأ التفكير بعمل أطر جديدة بحركة الإخوان المسلمين للعمل على تحرير فلسطين بعيداً عن أعين أجهزة الأمن المصرية وكانت نكبة نزوح كوادر الإخوان المسلمين إلى الدول العربية والإسلامية والأوروبية قد زرعت في بداية الخمسينيات النويات الصلبة في جميع أنحاء العالم وهذه النويات تفرع منها أغلب الأحزاب والتنظيمات الإسلامية والوطنية ( ).
جاءت حرب عام 1956م لتقلب الموازين وبات واضحاً أن الشعب الفلسطيني قد تبعثرت جهوده فالاستقطاب الناصري والبعثي والقومي واليساري بدأ واضحاً وجلياً على مجريات القضية الفلسطينية بل إنه تم حل الإطار القانوني الوحيد وهي الهيئة العربية العليا وانتهت بخروج الحاج أمين الحسيني من مصر واتجاهه إلى لبنان ومن ثم ذهابه إلى العراق وتحالفه مع عبد الكريم قاسم الذي أنهى الدور السياسي للهيئة العربية العليا واضطرت في النهاية إلى نقل مكانها إلى لبنان.
موقف الاتحاد السوفيتي المعارض للعدوان الثلاثي: مع بداية الحرب الباردة وانتقال الصراع الأمريكي السوفيتي للشرق الأوسط وبعد أن حقق جمال عبد الناصر صفقة الأسلحة التشيكية بموافقة روسيا ومباركتها بعد أن خاب أمل الاتحاد السوفيتي في دخول المنطقة عن طريق دعمه إسرائيل( ).
أصبحت إسرائيل قلعة أمريكية بدأ الاتحاد السوفيتي بالتقرب إلى الدول العربية بقيادة مصر التي وقفت في وجه حلف بغداد وتطورت الأمور من رفض أمريكا والصندوق الدولي تمويل السد العالي إلى عقوبات اقتصادية وسياسية على مصر لدى تأميم قناة السويس ثم العدوان الثلاثي عليها.
هذه المواقف استغلها الاتحاد السوفيتي واستثمرها فأيد المواقف العربية والتيار القومي ممثلاً بجمال عبد الناصر وباع الأسلحة لسوريا والعراق مما زاد قوة الموقف العربي إزاء إسرائيل بعد أن ضمنوا الدعم السياسي والعسكري من الاتحاد السوفيتي و الذي أصبح الاتحاد السوفيتي له نفوذ في منطقة الشرق الأوسط( ).
المراجع
1- عبد السلام أبو السعود: حلف بغداد- دار القاهرة للطباعة 1957- كتب سياسية ص49-56.
2- صالح الشرع: فلسطين الحقيقة والتاريخ- مكتبة روائع مجدلاوي- عمان- الأردن 1996- الطبعة الأولى- ص282-293.
3- هنري كتن: قضية فلسطين مطبوعات وزارة الثقافة ط 1- 1999 صــ97-119.
4- اعتداءات إسرائيل على قطاع غزة و سيناء – الأمانة العامة لجامعة الدول العربية – إدارة فلسطين 1960 – ص53 وما بعدها وللمزيد مردخاي بارأون: حرب سيناء 1956- تصورات إسرائيلية- دار الجليل للنشر- عمال 1988.
5- إبراهيم خليل سكيك : غزة عبر التاريخ –العمليات الحربية في الديار الغزية– ج5 – صـــ93 وما بعدها.
6- إحسان خليل الأغا: خان يونس وشهداءها 1956- المذبحة والصمود- مركز صخر للطباعة والنشر والتحقيق- القاهرة 1997- الطبعة الأولى- صـ104-115.
7- اعتداءات إسرائيل على قطاع غزة و سيناء – الأمانة العامة لجامعة الدول العربية – إدارة فلسطين 1960 –ص 105-121 , صــ13-16 .
8- اعتداءات إسرائيل على قطاع غزة و سيناء – الأمانة العامة لجامعة الدول العربية – إدارة فلسطين 1960 – صـــ67-73.
9- اعتداءات إسرائيل على قطاع غزة و سيناء – الأمانة العامة لجامعة الدول العربية – إدارة فلسطين 1960 -صـ74 وما بعدها.
10- اعتداءات إسرائيل على قطاع غزة و سيناء – الأمانة العامة لجامعة الدول العربية – إدارة فلسطين 1960 صــ76.
11- مجلة شئون فلسطينية: العدد 29/نوفمبر/1974 صـ126-136.
12- زياد أبو عمرو:أصول الحركات السياسية في قطاع غزة 1948-1967-دار الأسوار-عكا 1987– صــ119-122
كذلك معلومات مستقاة من السادة زهدي ساق الله – وفا الصايغ – غالب الوزير.
13- إبراهيم خليل سكيك : غزة عبر التاريخ –العمليات الحربية في الديار الغزية– ج5 – صــ97-100
كذلك معلومات مستقاة من السيد جبر فتوح – والأستاذة يسرى البربري.
14- معلومات مستقاة من الحاج هاشم عطا الشوا- الحاج بكر الخزندار.
15- موريس برتران: الأمم المتحدة من الحرب الباردة إلى النظام العالمي الجديد- دار المستقبل العربي- القاهرة 1994- الطبعة الأولى ص46.
16- ميكائيل فوت ومرڤين: الآثمون لعام 1957- السويس وقبرص- دار المعارف- مصر 1957- صـ103 وما بعدها.
17- إبراهيم خليل سكيك : غزة عبر التاريخ –العمليات الحربية في الديار الغزية– ج5 – صــ100-116.
18- محسن الخزندار"فلسطين في عيون الامام –صفحات منسية من كفاح الشعب الفلسطيني " ،غزة ،الطبعة الأولى 2008
19- دميتري يفيموف: الحرب العالمية الثانية ومصائر شعوب آسيا وأفريقيا- دار نشر وكالة نوڤوسيتي موسكو 1990- ص119-121.
20- ويلسون واين: عبد الناصر قصة البحث عن الكرامة – دار العلم للملايين – بيروت 1959م.