الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

"فكّر بغيرك" قصيدة محمود درويش دراسة اسلوبية بقلم: سمير الجندي

تاريخ النشر : 2009-12-13
قصيدة محمود درويش
فكّر بغيرك
دراسة أسلوبية
بقلم: سمير الجندي
يخاطب الشاعر فئة من الناس قائلا: أنت أيها الإنسان الذي يكد ويعمل، والذي يسير في هذه الحياة لا يقف طموحه عند حد، همه الوحيد نفسه ومصلحته الذاتية، وفرديته المطلقة، يقول له الشاعر أنت لست وحيدا في هذا الكون هناك من يحتاج للاهتمام والعناية، الحياة ليست مقتصرة عليك ، عليك التفكير بالآخرين، بالناس الضعفاء الذين هم بحاجة للرعاية والاهتمام، وقد استخدم الشاعر هنا، ضمير المخاطب (أنت) للمفرد القريب، وهو بذلك يخصص أفراد تلك الفئة وبأن هناك فروق بين ناس الفئة الأولى، أي ان درجة الطمع والجشع تختلف بين عناصر تلك الفئة من شخص لآخر، وهذا بالطبع شأن المجتمع ، إذ لا يتساوى الناس بالقيم الاجتماعية بنفس الدرجة، كما إن الشاعر يستخدم الفعل المضارع(تُعدُّ) الدال على الاستمرارية والثبات للتعبير عن فكرته وطرح ما يريد منها للقارئ، فهو، لا يخاطب الإنسان كإنسان هلامي عائم، وإنما يخاطب فئة معينة من الناس التي تغلفها الأنانية وحب الذات، كما اختار وجبة الطعام الهامة لكل إنسان وهي وجبة الإفطار، والتي تعتبر وجبة رئيسية لكل فرد، لتكون منطلقه الذي ينطلق منه إلى فضاء النص الجميل، الذي استخدم فيه لغة ساحرة خفيفة الظل على نفس القارئ، واستخدم الحمام، ذلك الطائر المسالم الذي يرمز من خلاله إلى طرف المعادلة الآخر، وهو الإنسان الضعيف، لتكتمل الموازنة بين فئتين من الناس، تلك الفئة التي تحدثنا عنها وفئة المستضعفين ليقول للفئة الأولى أنتم لستم وحدكم على مساحات هذا الكون، فلا تتجبروا ولا تستأثروا خيرات الدنيا لأنفسكم وتنسوا المستضعفين في الأرض بغير حتى الفُتات. إذ يقول:
وأنت تُعدُّ فطورك، فكر بغيرك [ لا تنس قوت الحمام]
يعود الشاعر لمخاطبة تلك الفئة قائلا لها بأن الحياة التي تعيشونها وصراعاتكم على اكتساب ما تطاله أياديكم من خيرات الدنيا، مستأثرين بها لأنفسكم، أن هناك أناس آخرون في هذه الحياة يحتاجون إلى مصادر رزق لهم ولكنهم لا يشاركون في صراعاتكم للحصول على معيشتهم بل انهم يستخدمون وسائل سلمية للوصول إلى غاياتهم، فلا يعتدون ولا يتطاولون ويتفاعلون مع الحياة بوداعة وأريحية، ويستمر الشاعر باستخدام فعل الأمر (فكر بغيرك) فهو هنا بمثابة الحكيم والواعظ الذي يهمه نشر العدالة والمساواة بين الناس، رغم أن الشاعر ليس واعظا ولا مصلحا اجتماعيا إلى أنه يتقمص ذلك الدور قائلا:
وأنت تخوض حروبك، فكر بغيرك [ لا تنس من يطلبون السلام ]
ويعبر الشاعر عن استيائه واستنكاره من المسرفين، وهنا يقارن الإسراف بمن يسرف في الماء ، أليس الماء هو أغلى ما في الأرض؟! وهي إشارة ذكية جدا من شاعر عبقري يستطيع تطويع الفكرة ومزجها بالعبارة واللفظة المناسبة، ولم يخرج عن سياق الفكرة الأساسية في مقارنة المسرفين في الحياة بمن هم لا يجدون قطرة ماء تشفي ظمأهم، فها هو يخاطب الفئة المسرفة، بأن يفكروا ويعودوا عن عادتهم السيئة في الإسراف بكل شيء لأنهم ليسوا وحدهم على هذه الأرض ، فهو يستخدم الفعل المضارع(يرضعون) وهذا التعبير يتناسب بشكل لا جدال فيه مع الفكرة الأساسية التي يريدها الشاعر لأن الطفل الرضيع يحاول الحصول على قطرات الحليب قطرة قطرة، وهذا بعكس الإسراف تماما، فالناس من فيهم المسرف، الجاهل، الأناني، المتغطرس عن حقوق الآخرين، لأن ما يرميه من طعام أو شراب أو غيره، فإنه يكفي لسد حاجات الكثيرين من بني البشر، فهو يقول في ذلك:
وأنت تسدد فاتورة الماء، فكّر بغيرك [ من يرضعون الغمام ]
أما عندما يقول:
وأنت تعود إلى البيت، بيتك، فكّر بغيرك [ لا تنس شعب الخيام ]
فإن الشاعر هنا، يعبر عن حزنه وغضبه الدفين بين كلمات ليست بريئة كما يبدو للوهلة الأولى هي كلمات معبرة عن سخط الشاعر من تجاهل حقوق اللاجئين الفلسطينيين، التي طال مكوثهم في تلك المخيمات، وكادت قضيتهم تُنسى مع مرور الزمان، ولذلك فالشاعر يخاطب أصحاب القرار ، ويدعوهم بوقفة جادة مع قضية اللاجئين، ويحثهم على القيام بواجباتهم الأخلاقية قبل كل شيء، فهو يأمرهم بتذكر أولئك الناس باستمرار ( وأنت تعود إلى البيت، بيتك، فكر بغيرك)، وأن تكون قضيتهم من أولويات القضايا البحثية، فهي تعني ملايين الناس الذين فقدوا كل شيء ليعيشوا في تلك الخيام البائسة، المنسية.
وها هو يتذكر المشردون، الذين لا مأوى لهم نتيجة الحروب والدمار وهدم البيوت، بحيث لا مكان يسكنوا إليه، فهو يطالبنا هنا أن نتذكرهم وأن لا نركن على توفر الأمان لأطفالنا وأن ننسى أطفال من شردوا وحرموا السكن، هم أيضا بحاجة للطمأنينة والسلام، ولا يريدون إلا حيزا بسيطا على قدر قاماتهم ليسكنوا فيه ربما يستطيعون فيه رؤية الكواكب... يقول شاعرنا في ذلك:
وأنت تنام وتحصي الكواكب، فكرِّ بغيرك [ ثمَّة من لم يجد حيّزاً للمنام ]

وينتقل بنا الشاعر بسلاسة إلى الذين تتوفر لديهم كل أسباب التعبير عن النفس والأفكار ليقول لهم مهلاً، هناك من لا يمكنهم الكلام ولم يعد بمقدورهم التعبير عن النفس مثلكم، وذلك لأسباب عديدة ربما تكون الاعتقال السياسي وكم الأفواه، أو الذين فقدوا ولم يعودوا موجودين بيننا، أنت أيها القادر على التعبير لماذا لا تكون ممثلا عنهم، تشرح قضاياهم، وتنقل همومهم، وآلامهم، من خلال قلمك أيها الشاعر أو الكاتب، ومن خلال ريشة فنان، او من خلال لحن من الألحان، يريد الشاعر ان يقول لكل فنان مهما اختلفت أدواته أن يستخدم فنه في خدمة الإنسانية والمجتمع، فالفن اذا لم يخدم قضية إنسانية فهو لا يعد فنا بل عبثا لا حاجة لنا به، يقول شاعرنا:
وأنت تحرر نفسك بالاستعارات، فكر بغيرك [ من فقدوا حقهم بالكلام ]

كما ويخاطب عامة الناس العاديين الذين يقفون هم وضمائرهم مع كل حدث أو قضية، يحزنون، يتألمون، دون أن يفعلوا شيئا غير الحزن والألم، هم أيضا سلبيون، لأنهم يذرفون الدمع وقبل أن يجف عن وجناتهم ينسون لماذا يبكون، هم أناس طيبون، ولكنهم سلبيون إلى أبعد حد، فالمثل يقول" بدلا من أن تلعن الظلام، أضئ شمعة" فقد وظف الشاعر هذا المثل توظيفا جيدا خدم فكرته وارتقى بها، ليقول لهؤلاء القوم، كفى، فلا تكونوا سلبيين، بل اعملوا لخدمة ما تؤمنون به ولا تقفوا مكتوفي الأيدي حين قال:
وأنت تفكر بالآخرين البعيدين، فكِّر بنفسك [ قل: ليتني شمعة في الظلام ]
نلاحظ أن الشاعر قد كرر بعض الألفاظ في كل الأبيات، وخاصة كلمة( وأنت ) وجملة، ( فكر بغيرك) فقد كرر الكلمة (وأنت) سبع مرات، أي في جميع أبيات القصيدة، وكرر جملة (فكر بغيرك) ست مرات أي في جميع أبيات القصيدة ما عدا البيت الأخير، أما الكلمة فبرغم انه كررها في كل بيت إلا أن دلالاتها تختلف من بيت إلى آخر فقد استخدمها للأناني والمسرف والذي يعيش براحة واطمئنان، كما استخدمها لهادئ البال، والمبدع والفنان كما استخدمها للإنسان البسيط، فقد وظف الكلمة لتخدم الفكرة وتتلاءم مع المعنى بكل براعة واقتدار.
أما تكرار (فكر بغيرك) فقد استخدم الجملة عنوانا للقصيدة، وهي محور الفكرة العامة التي أراد الشاعر إرسالها للمتلقي، فهي جملة فعلية، من فعل وفاعل ومفعول به، والفعل هو فعل الأمر، الذي يجعل من الشاعر واعظا ومصلحا اجتماعيا، يتمنى أن يكون المجتمع نقيا طاهرا لا عيب فيه ولا فساد، فكان تكرار الجملة في كل بيت من أبيات القصيدة تقريبا بمثابة، ناقوس يقرع به آذان الذين صُمّت آذانهم عن الحق والواجب الملقى عليهم، فجاءت دقاته بمثابة الصرخة التي توقظ ضمائرهم الغائبة.
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف