
النموذج القصص في الأدب الشعبي
من الصعب على الدارس للأدب الشعبي أن يفرق بيـن الحكاية و القصـة الخرافية والرواية الشعبيـة إلاّ إذا ترجمها إلى اللغة العربية الفصحى أو استحضر معانيها ووضــح مراحلها ( بما تحويه من شروط ) في ذهنه ليفكك طلاسمها ويرسم لكـل واحدة مجــراها حينهــا، يستطيـــع أن يفرز الحكاية من القصـة و الرواية من الملحمة ..الخ، وذلك لسبب واحـد هو أنّ منتجي هذا اللـون من الأدب لم يتقيدوا بضوابط و لم يتفقوا على قواعد ولـــم يجهدوا في تصنيـف هذه الأنواع الأدبية التي تهـدف إلى الدراسـة والنقد الاكاديمي، كما هي الحال عنـد الأديب المتعلم الـذي يراعي هذه الشروط الأكاديميـة قبل الإنتاج وينفذه بعــدها وإن سقط شرط سقطـت الرواية أو القصة وسخط عليــه النقــاد .
أمّا البدوي فلا تعنيه هذه الشروط ،المهم عنـــده أن ينتــج قصة أو حكاية أو ملحمة دون قصد فيبرز فيها بطله الذي يهزم في بداية القصة ويسترجع أنفاسه في وسطها لينتصر في النهاية ،مراعيا في ذلك أسلـوب التشويق وأهمية الحدث لإرساء فكرته وتعميق هدفـه في ذهن سامعه.
غالبا ما تكون هذه الخرافات و الحكايات تخدم طابـع البداوة للدفاع عن الشرف و المـال و الأرض و الديـن
حيث تصاغ بأسلوب ممتاز ومختصر-بعيدا عن التكليف والتصنع , فإذا كانت خرافة أو حكاية صاغها بعقــد متعـددة و في أماكن مختلفة وبأبطال خيالين في الشكل والاسم حتى يتبلور الهدف ويطفوعلى مضمونها,فيبتدع ويبدع فـي تأزمها وحلها وإن كانت رواية أو قصـة طويلــة أو ملحمة شعرية جعل لها فصولا وعدد لها الأماكن وربطها بأسلوب الاستعطــاف معاركا طاحنــة أو تشردا مؤلما ويختمها بالفوز العظيم لبطله لتطول حلقاتها طوال ليالي الشتاء الباردة وسهراته الخاصة وكثيـرا ما توجـه هذه الروايات للأطفال (دون مراعاة السن) بغية ايصال الاغراض المنوطة لها سواء كانت تربوية أو كانت نفسية ،كما يختار لها الراوي المباشر فيستحسـن أن تسمع من شيــخ هرم أو عجوز تأكلت أيامها , فالاطفال يثقون فيهما ثقة تامة ويصدقون كلّما يقولان نظرا لصدق براءة الصغاروتجربــة الكبــارالطويلة في الحياة حتــى يكتسب الطفل البدوي روح العزيمة والشجاعـة فيتمسك بروح العروبة و البداوة وتقوى قابليتـه عند معاشــرة الاشرار والاخيار ، حينها يدرك طرق المعاملة لدى كـل صنف ويعرف كيف يتخلص من الاشرار ويكسب محبة الاخيار،زيادة الصبـروالشجاعـة و التحمل والخبرة التي جناهــا من والديــه.
-القصة الخرافية تروى فيها نوادر وأعمال معقولة لخدمة اغراض وتحقيق أهـداف معينة ، وهذه القصص المروية بالتواتر …أب عن جد …أغلبها ينبع من المشرق العربي لاعتبــاره موطن البداوة والعروبة و الاسلام ، يظهر هذا بشكـل واضـــح في الملحمة الشعرية التي يتناولها الأدب الشعبـــي في عصر الفتوحات و الغزوات وغيرها …فالبدوي فـي الطائف يدون قصة الوالي الصالح الشيخ عبد القادر الجيلالـــي كما يرويهــا نظيـــره فــي الصعيــد وفي الجزائر و في مراكش لإعتبار هذا الوالي الصالح والعالم الكبير رجلا متنقلا بين مشارق الأرض ومغاربها لنشر الفكر الاسلامي فمنهم من يعرفه بإسم عبد القادر البغدادي ومنهم من يعرفه بإسم عبد القادرالجيلالي …كما يرى فيه البعض روح التبرك مما جعل القصص تختلط صحيحهـا بالخرافة ويبالغ فيها إلى حد عجز التصديق ومن هذه القصص ماروى أنه حولة صخرة تزن الاطنان من جبل إلى اخر …وأنه تناول غداءه فـي العراق وعشـاءه في مراكش دون ان يركب أي مركبة .
شكل هذه المبالغات من أجل تدعيم معنويات الطفل وتحفيزه علىالشجاعة والاعتقاد عند الخلو للاستعانة به.
ولايفهم أحد أن هذا شرك بالله ’ بل أرادوا بها الاستئناس النفسي الاقرب عند الاطفال إلى التصديـق في صورة رجل رضي الله عنه وأرضاه .
ماهذا الاّ نموذجا شائعا في كثير من أنحاء البلاد العربية ولكـل منطقـة ولي صالح يروى حوله عــدد من القصص والروايات المتعددة متضاربة فيما بينها تبرز قوة برهانـه الإلهي وتقربه من الله سبحانه وتعالى فسـواء صدقت أو غيـر ذلك تبقى هذه القصص تخدم أهدافا معينة تخفف من أعباء الحياة وتريح نفس المؤمن بها، لم تنحصر في البادية وحدها بل تعدتها إلى المجمعات السكنية( النزلة ) وحتى إلى القرى و المدن الصغيرة بفضـل شعراء ومداحي الأسواق الذين كانوا يرتزقون فيهـا بما جادت به قرائحهم من تصوير وألحان بواسطة عقـد تجمعات بالأسواق الاسبوعية وبث هذه الخرافات شعــرا وغناءا مقابل مبالغ مالية يتبرع بها المستمع .
في وسط الحلقة يجلس القصاب (العازف) ويأخذ المداّح الطبل ثم يبدأ يضربه و يغني وما هي إلاّ دقائــق حتى يتجمع حوله الناس ويشكل حلقة مستديرة يشرع بعدها في شرح القصة ثم اعادتهــا شعرا ثم غناءا … مماجعله يكتسب شعبية واسعــة وشهرة بين الجمهور, فهذه الطريقة الذكية رسخت في اذهان الناس وجعلتهم يحفــظون بسرعة ما يقوله لتنتشر قصائده بين سكان الجهة فتعاد في كل بيت أو حي كدليل على ايمانهم بالشعر الشعبي وما يتضمنـه من روايــات وقصص و لنأخذ مثالا على ذلك هذا المقطع مـن الرسالـة الشعرية التي بعث بها الشاعر الشيـــخ بن يوسف إلى الوالي الصالح عبد القادر الجيلالي كما أوردها الأستاذ :التلي بن الشيخ في كتابه .
يا ساكن في كف الصخور
حر الطيــــور
وكرك جـــاء في كاف
الفوق مسرفـــد
وصل علواني بالفـــور
حر الطيــــور
سلم عنه قل ليـــــك
أنا قاصـــــد
تحذر من قبل فجـــور
حـر الطيـــور
واعمل حذرك يادونــان
لا تنشــــــد
سلم على حجر السـرور
حر الطيــــور
عيــــد أمباتك فــي
محراب محمـــد
أدهم بيت المقـدس زور
حــر الطيــور
والبصــرة رايـــح
في وادها غــرد
سال على الشيخ المذكور
حــر الطيــور
وتعيد عليه اللــــي
كان تجحـــــد
يتبع ...
من الصعب على الدارس للأدب الشعبي أن يفرق بيـن الحكاية و القصـة الخرافية والرواية الشعبيـة إلاّ إذا ترجمها إلى اللغة العربية الفصحى أو استحضر معانيها ووضــح مراحلها ( بما تحويه من شروط ) في ذهنه ليفكك طلاسمها ويرسم لكـل واحدة مجــراها حينهــا، يستطيـــع أن يفرز الحكاية من القصـة و الرواية من الملحمة ..الخ، وذلك لسبب واحـد هو أنّ منتجي هذا اللـون من الأدب لم يتقيدوا بضوابط و لم يتفقوا على قواعد ولـــم يجهدوا في تصنيـف هذه الأنواع الأدبية التي تهـدف إلى الدراسـة والنقد الاكاديمي، كما هي الحال عنـد الأديب المتعلم الـذي يراعي هذه الشروط الأكاديميـة قبل الإنتاج وينفذه بعــدها وإن سقط شرط سقطـت الرواية أو القصة وسخط عليــه النقــاد .
أمّا البدوي فلا تعنيه هذه الشروط ،المهم عنـــده أن ينتــج قصة أو حكاية أو ملحمة دون قصد فيبرز فيها بطله الذي يهزم في بداية القصة ويسترجع أنفاسه في وسطها لينتصر في النهاية ،مراعيا في ذلك أسلـوب التشويق وأهمية الحدث لإرساء فكرته وتعميق هدفـه في ذهن سامعه.
غالبا ما تكون هذه الخرافات و الحكايات تخدم طابـع البداوة للدفاع عن الشرف و المـال و الأرض و الديـن
حيث تصاغ بأسلوب ممتاز ومختصر-بعيدا عن التكليف والتصنع , فإذا كانت خرافة أو حكاية صاغها بعقــد متعـددة و في أماكن مختلفة وبأبطال خيالين في الشكل والاسم حتى يتبلور الهدف ويطفوعلى مضمونها,فيبتدع ويبدع فـي تأزمها وحلها وإن كانت رواية أو قصـة طويلــة أو ملحمة شعرية جعل لها فصولا وعدد لها الأماكن وربطها بأسلوب الاستعطــاف معاركا طاحنــة أو تشردا مؤلما ويختمها بالفوز العظيم لبطله لتطول حلقاتها طوال ليالي الشتاء الباردة وسهراته الخاصة وكثيـرا ما توجـه هذه الروايات للأطفال (دون مراعاة السن) بغية ايصال الاغراض المنوطة لها سواء كانت تربوية أو كانت نفسية ،كما يختار لها الراوي المباشر فيستحسـن أن تسمع من شيــخ هرم أو عجوز تأكلت أيامها , فالاطفال يثقون فيهما ثقة تامة ويصدقون كلّما يقولان نظرا لصدق براءة الصغاروتجربــة الكبــارالطويلة في الحياة حتــى يكتسب الطفل البدوي روح العزيمة والشجاعـة فيتمسك بروح العروبة و البداوة وتقوى قابليتـه عند معاشــرة الاشرار والاخيار ، حينها يدرك طرق المعاملة لدى كـل صنف ويعرف كيف يتخلص من الاشرار ويكسب محبة الاخيار،زيادة الصبـروالشجاعـة و التحمل والخبرة التي جناهــا من والديــه.
-القصة الخرافية تروى فيها نوادر وأعمال معقولة لخدمة اغراض وتحقيق أهـداف معينة ، وهذه القصص المروية بالتواتر …أب عن جد …أغلبها ينبع من المشرق العربي لاعتبــاره موطن البداوة والعروبة و الاسلام ، يظهر هذا بشكـل واضـــح في الملحمة الشعرية التي يتناولها الأدب الشعبـــي في عصر الفتوحات و الغزوات وغيرها …فالبدوي فـي الطائف يدون قصة الوالي الصالح الشيخ عبد القادر الجيلالـــي كما يرويهــا نظيـــره فــي الصعيــد وفي الجزائر و في مراكش لإعتبار هذا الوالي الصالح والعالم الكبير رجلا متنقلا بين مشارق الأرض ومغاربها لنشر الفكر الاسلامي فمنهم من يعرفه بإسم عبد القادر البغدادي ومنهم من يعرفه بإسم عبد القادرالجيلالي …كما يرى فيه البعض روح التبرك مما جعل القصص تختلط صحيحهـا بالخرافة ويبالغ فيها إلى حد عجز التصديق ومن هذه القصص ماروى أنه حولة صخرة تزن الاطنان من جبل إلى اخر …وأنه تناول غداءه فـي العراق وعشـاءه في مراكش دون ان يركب أي مركبة .
شكل هذه المبالغات من أجل تدعيم معنويات الطفل وتحفيزه علىالشجاعة والاعتقاد عند الخلو للاستعانة به.
ولايفهم أحد أن هذا شرك بالله ’ بل أرادوا بها الاستئناس النفسي الاقرب عند الاطفال إلى التصديـق في صورة رجل رضي الله عنه وأرضاه .
ماهذا الاّ نموذجا شائعا في كثير من أنحاء البلاد العربية ولكـل منطقـة ولي صالح يروى حوله عــدد من القصص والروايات المتعددة متضاربة فيما بينها تبرز قوة برهانـه الإلهي وتقربه من الله سبحانه وتعالى فسـواء صدقت أو غيـر ذلك تبقى هذه القصص تخدم أهدافا معينة تخفف من أعباء الحياة وتريح نفس المؤمن بها، لم تنحصر في البادية وحدها بل تعدتها إلى المجمعات السكنية( النزلة ) وحتى إلى القرى و المدن الصغيرة بفضـل شعراء ومداحي الأسواق الذين كانوا يرتزقون فيهـا بما جادت به قرائحهم من تصوير وألحان بواسطة عقـد تجمعات بالأسواق الاسبوعية وبث هذه الخرافات شعــرا وغناءا مقابل مبالغ مالية يتبرع بها المستمع .
في وسط الحلقة يجلس القصاب (العازف) ويأخذ المداّح الطبل ثم يبدأ يضربه و يغني وما هي إلاّ دقائــق حتى يتجمع حوله الناس ويشكل حلقة مستديرة يشرع بعدها في شرح القصة ثم اعادتهــا شعرا ثم غناءا … مماجعله يكتسب شعبية واسعــة وشهرة بين الجمهور, فهذه الطريقة الذكية رسخت في اذهان الناس وجعلتهم يحفــظون بسرعة ما يقوله لتنتشر قصائده بين سكان الجهة فتعاد في كل بيت أو حي كدليل على ايمانهم بالشعر الشعبي وما يتضمنـه من روايــات وقصص و لنأخذ مثالا على ذلك هذا المقطع مـن الرسالـة الشعرية التي بعث بها الشاعر الشيـــخ بن يوسف إلى الوالي الصالح عبد القادر الجيلالي كما أوردها الأستاذ :التلي بن الشيخ في كتابه .
يا ساكن في كف الصخور
حر الطيــــور
وكرك جـــاء في كاف
الفوق مسرفـــد
وصل علواني بالفـــور
حر الطيــــور
سلم عنه قل ليـــــك
أنا قاصـــــد
تحذر من قبل فجـــور
حـر الطيـــور
واعمل حذرك يادونــان
لا تنشــــــد
سلم على حجر السـرور
حر الطيــــور
عيــــد أمباتك فــي
محراب محمـــد
أدهم بيت المقـدس زور
حــر الطيــور
والبصــرة رايـــح
في وادها غــرد
سال على الشيخ المذكور
حــر الطيــور
وتعيد عليه اللــــي
كان تجحـــــد
يتبع ...