الأخبار
2024/5/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

اللغة الاعلامية بقلم: عماد حسين أحمد

تاريخ النشر : 2009-12-10
اللغة الاعلامية بقلم: عماد حسين أحمد
( اللغة الاعلامية)

بقلم: عماد حسين أحمد
تمهيد
كانت اللغة،ومازالت، محط اهتمام العديد من ميادين الفكر الإنساني ، بوصفها الوعاء الذي يحتوي هذا الفكر، لكن وجهات النظر فيها اختلفت باختلاف دورها الوظيفي في الميدان المعني، فهي-
أعني اللغة- تارة أداة تعبير غايتها الكبرى منوطة بالتأثير الذي تحدثه في المتلقي ، وتارة أداة توصيل غايتها الكبرى نقل الأفكار ، وهذا صميم غاية لغة الإعلام .

اللغة وموقع اللغة الإعلامية :

اللغة في كل مجتمع نظام عام يشترك الأفراد في إتباعه ويتخذونه أساسا للتعبير عما يجول بخواطرهم وفي تفاهمهم بعضهم مع بعض ، وعلى ذلك فإننا لا يمكن أن ندرس تأثير اللغة الإعلامية في الرأي العام دراسة موضوعية عن طريق دراسة سلوك الأفراد باعتبارهم ذرات منفصلة، كما لو حاولنا دراسة صفات الماء بالرجوع إلى صفات كل من الهيدروجين والأوكسجين اللذين يتألف منهما(1) . فاللغة ليست من الأمور التي يصنعها فرد معين أو أفراد معينين، وإنما تخلقها طبيعة الاجتماع وتنبعث عن الحياة الجمعية ، وما تقتضيه هذه الحياة من تعبير عن الخواطر وتبادل للأفكار، وكل فرد منا ينشأ فيجد بين يديه نظاماً لغوياً يسير عليه مجتمعه، فيتلقاه عنه تلقائياٍ بطريق التعلم والتقليد، كما يتلقى عنه سائر النظم الاجتماعية الأخرى، ويصب أصواته في قوالبه ويحتذيه في تفاهمه وتعبيره(2).
واللغة - وخصوصاً اللغة الإعلامية- من الأمور التي يرى كل فرد نفسه( المرسل- المتلقي) مضطراً إلى الخضوع لما ترسمه ، وكل خروج على نطاقها ولو كان عن خطأ أو جهل يلقى من الرأي العام مقاومة ، تكفل رد الأمور إلى نصابها الصحيح وتأخذ المخالف ببعض أنواع الجزاء(3)،ذلك لأن اللغة الإعلامية تشكل في النهاية جزءً من النظام اللغوي العام السائد فإذا اتخذت هذه اللغة منحى مختلفاً عن النظام اللغوي العام ، فان مصير هذه اللغة، لن يكون إلا الرفض من قبل المتلقي.

إن تحديد مفهوم اللغة الإعلامية لا يستغني عن نتاج الدراسات اللغوية بمختلف ميادينها ، إذ تمدها بما تهتدي إليه من ظواهر لغوية ، وما تكشفه من بحوث فنية تفيد في دراسة لغة الإعلام وتهذيب ألفاظها وتوسيع نطاقها وترقية مفرداتها وإدخال مفردات جديدة على مفرداتها، وتدعيم خصائص هذه اللغة الإعلامية من تبسيط وسلامة ووضوح ، واقتراب شديد من لغة الواقع الحي المثقف دون إسفاف أو هبوط إلى العامية ... واستخدام اللغة العملية التي تعبر عن الحياة والحركة والعمل والانجاز هي اللغة الإعلامية المؤثرة حقاً.
وفي الوقت نفسه يمكن لعلم اللغة أن يفيد من اللغة الإعلامية ، ذلك لأن علاقة اللغة الإعلامية بعلم اللغة هي علاقة تأثير وتأثر... فعلاقة التأثير بين اللغة الإعلامية وعلم اللغة هي علاقة التنمية اللغوية ، فوسائل الاتصال الإعلامية تساهم في نشأة كلمات لم تكن موجودة في اللغة من قبل، وفي هجر كلمات كانت مستخدمة فيها أو انقراضها انقراضا تاماً. ذلك أن وسائل الاتصال الإعلامية تعكس أهم العوامل التي تدعو إلى نشأة كلمات في اللغة ، كمقتضيات الحاجة إلى تسمية مستحدث اجتماعي جديد ، سواء أكان نظماً اجتماعيا أم اقتصادياً، أم نظرية علمية جديدة أو فلسفية أو مخترعاً مادياً جديداً،(...) الخ) مثال ذلك ، ما ظهر من مفردات كثر تداولها على الصعيد الاقتصادي والسياسي كالخصخصة أو العولمة أو القطب الواحد ..... الخ (4) .
وغني عن ذكر التفصيلات أن التطور الحضاري واكبه تطور تقني مثل اختراع بعض وسائل الإعلام ( الراديو –التلفزيون... الخ ) ومن هنا اشتدت الحاجة إلى تصميم لغة تستمد صبغتها من الوسيلة التي توظف فيها ، سواء كانت مكانية أو زمانية ، كما رأى عبد العزيز شرف الذي قال : ".... يقصد بالوسائل المكانية تلك التي تشغل حيزا في مكان مثل الصحف، أما الوسائل الزمانية فهي تتسلسل في وقت زمني مثل الإذاعة والتلفزيون والأحاديث المسموعة ، وتعتبر الأفلام الناطقة والمحادثات الشخصية المباشرة وسائل مكانية زمانية لأنها تشغل حيزا مكانيا ووقتا زمنيا وهي وسائل سمعبصرية.وقد أدى هذا التطور إلى ظهور لغة من نوع جديد غير اللغة الأدبية بمستواها التذوقي الجمالي ، وغير لغة العلم،فاللغة الإعلامية الجديدة تسعى إلى جميع فئات القراء والى تحقيق المستوى العملي على الصعيد الاجتماعي للغة(5) .


اللغة والدلالة والاتصال الإعلامي:

لقد أثبت علماء الدلالة أن الألفاظ تؤثر على الجهاز العصبي للإنسان ، كما أن اختيار الألفاظ هو الذي يساعد على التحكم في اتجاهات الناس وتصرفاتهم(6) ، ولما كان خبراء الإعلام يهدفون إلى تعديل الاتجاهات وتكوين الآراء لكسب التأييد وتعبئة الشعور عن طريق الوعي والتنوير، مما يؤدي إلى تصرفات اجتماعية سليمة،فان نتائج علم الدلالة من أهم البحوث التي يفيد منها هؤلاء الخبراء.
وعلى ذلك يمكن القول: إن علم اللغة قد حقق بمنهجه في تحليل البنية والدلالة درجة عالية من الدقة بحيث أصبح كثيرون من المشتغلين بعلوم الاتصال بالجماهير يطبقون الأسس المنهجية للتحليل اللغوي أو تحليل البنية اللغوية في بحث عمليات الاتصال بالجماهير المختلفة ، فبدأ التمييز بين الدراسة الوصفية للبنية وبين الدراسة التطورية لها ، وتوصلوا بالتمييز بين العناصر الرمزية الدالة وما تدل عليه في إطار المجتمع ،وأخذ الباحثون في الاتصال بالجماهير يبحثون في اللغة باعتبارها عنصر أساسي في عملية الاتصال الإعلامي(7).
فاللغة إذن هي العروة الوثقى التي جعلت الاتصال عملية اجتماعية وهي التي تحدد الكيان الاجتماعي للاتصال الإعلامي أو اضطرابه في مواجهة المعايير التي يفرضها المجتمع في المظهر والسلوك ، وعلى ذلك فان منهج البحث الإعلامي في اللغة إنما يهدف إلى البحث في ماهية اللغة من حيث كونها أداة اتصال يستعملها المشتغلون في الأجهزة الإعلامية بحيث ينصب المنهج على البحث بشكل خاص في اللغة الإعلامية بمستواها العلمي الاجتماعي باعتبارها كيانا خاصا متميز الملامح والسمات مستقلا عن اللغة بمستوييها التذوقي الفني الجمالي والعلمي النظري التجريدي، ذلك أن اللغة الإعلامية لا تهدف إلى مناشدة حاسة الجمال للقارئ بل على العكس من ذلك تتضمن اتصالا ناجحا أساسه الوضوح والسهولة .
ويمكننا بالاستعارة تشبيه اللغة بأنها سيارة أو حافلة من الأفكار التي يكون من الطبيعي أن الاحتكاك والقصور الذاتي في كل أحوالها يحدان كفاءتها، والهدف الأساسي هو أن نقلل من هذا الاحتكاك والقصور إلى أقل درجة ممكنة (8).
ولعل علم الدلالة هو أقرب الفروع اللغوية اتصالا بمناهج البحث الإعلامي ، حيث يفيد في كيفية إرسال الرسائل إلى الجمهور بوسائله المختلفة ، بحيث تنتقل المعاني كاملة ودقيقة، كما يساعد الإعلاميين على
فهم قدرة اللغة على الخداع والتضليل وليأمنو شرها ويجنب الناس خطر الانزلاق.


اللغة الإعلامية والتناغم بين عناصر الاتصال

إن اللغة تحتل موضعاً رئيسياً في عملية الاتصال الإعلامي التي تسري في كيان المجتمع على مستويات مختلفة من حيث استخدام اللغة والرموز ، على اعتبار أن الرسالة الإعلامية هي من أهم عناصر عملية الاتصال الإعلامي بإبعادها النفسية والاجتماعية والثقافية،ولهذا كانت العبارة التقليدية تحدد عملية الاتصال في ( من، ماذا يقول ، لمن ، وكيف ، وبأي تأثير ) فان أهم عناصر الاتصال يتمثل في " اللغة " أو " الرسالة الإعلامية " التي يتصل من خلالها فرد بآخر أو جهة بأخرى (9)، وبحكم أن اللغة تعد شرطاً ضرورياً لتماسك المجتمع، فان الفرد الواحد من أفراد المجتمع ( سواء كان مرسلا أو مستقبلا ) يضطر إلى الالتزام بوجهة نظر سائر الأفراد الآخرين والنظر إلى الأمور والبحث عنها بما لا يقتصر على فرديته الذاتية وحدها ، بل تكون العملية مشتركة بينه بين الآخرين باعتبارهم شركاء في هذه العملية ، أو أطرافاً متعاقدين، فهي مشروع مشترك، فوسيلة التفاهم بين المرسل والمستقبل تقيم شيئا مشتركا ، ومن ثم بمقدار ما يكون للغة حظ من هذا الاشتراك فان العملية تصبح عامة وموضوعية(...) إذن فالتفاهم اللغوي السليم الذي يتم عبر الرسالة هو الذي يحقق النجاح للعملية الاتصالية (10).
يرى بعض الباحثين أن الاتصال هو أساس كل تفاعل إعلامي ثقافي حيث يتيح نقل المعارف والمعلومات ، وييسر التفاهم بين الأفراد والجماعات ، ومن هنا كان الاتصال في مفهومهم نشاطاً يستهدف تحقيق انتشار أو ذيوع معلومات أو أفكار أو أراء بين أفراد أو جماعات ، باستخدام رموز ذات معنى موحد ومفهوم بنفس الدرجة لدى كل من الطرفين ، ولا يتحقق الانتشار المطلوب إلا إذا تم الاتصال عن طريق بث رسائل واقعية أو خيالية موحدة ومفهومة من قبل جميع المشتركين في العملية الاتصالية (11). فعملية الاتصال لا تتحقق بطريقة مبسطة،لأنها تتطلب العديد من الخطوات العقلية مثل " التفكير والتذكر والتخيل واختيار الطريقة التي سيتم بها الاتصال واختيار الألفاظ والوقت والتقمص الوجداني (أي) قدرة الإنسان على تخيل نفسه مكان الآخر.


لذلك فانه لابد من توافر التناغم والتوافق بين المرسل والمستقبل ، وهذا يعني وجود معان وخبرات مشتركة بين المرسل والمستقبل، وكلما كان المرسل والمستقبل متفاهمان في إطار دلالي واحد كان ذلك أقرب ما يكون إلى الفهم.(12)
ويمكن القول : انه عند إرسال الرسالة الإعلامية، هناك احتمال كبير في أن يفهم المستقبل(أ) رسالة المرسل فهما تاما، ولكن المستقبل (ب) لن يتمكن من فهم الرسالة بشكل تام لأنه لا يجمعه بالمرسل إطار دلالي واحد ،وربما يعود ذلك لعدم إجادة هذا المستقبل لغة المرسل، وهذا الانقطاع يمثل ما يسمى بالتشويش الدلالي والذي يعني عدم وجود معان وخبرات مشتركة بين المرسل والمستقبل أو هما لا يشتركان فيها أبدا ، أما المستقبل (ج) فلا يشترك مع المرسل في الإطار الدلالي ( فهو خارج الإطار الدلالي تماما) لذا لن يفهم الرسالة الموجهة من المرسل وقد يرجع ذلك لعدم معرفته بلغة المرسل(13).
إن آلية الاتصال والاستقبال مرهونة بالمرسل والمستقبل فكلما كانت المرتكزات الأساسية بينهما مشتركة مثل الخبرات، والظروف الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والسياسية والثقافية والجغرافية والتاريخية والوجدانية كانت عملية الاتصال أوضح وأسرع وأبعد عن التشويش.(14)
ويتحكم في علو نسبة التشويش أو انخفاضها في عملية الاستقبال " قالب الرسالة " إذ لابد للمرسل أن يضع رسالته في شكل معين أو صيغة محددة من الرموز والكلمات، فإذا كان المرسل ضعيفا في كتابته أو غير واثق من نفسه أو ليست لديه المعلومات الكافية عن موضوعه، فان ذلك يؤثر سلبا على الاتصال ، وكذلك ، تلعب الوسيلة التي تنقل الرسالة دورا مهما في عملية الاتصال ،إذ لابد أن تكون من القوة والمتانة والمرونة بحيث تصل الإشارات إلى المستقبل في الوقت المناسب والمكان المناسب مهما حدث من تداخل أو تنافس مع الوسائل الأخرى... وأيضا للمستقبل دوره–كمار أينا -فكلما كان قادرا على فك رموز رسالة المرسل بالطريقة المطلوبة ارتفعت نسبة نجاح العملية الاتصالية (15).
اللغة الإعلامية ومستويات التعبير اللغوي:
توجد ثلاثة مستويات للتعبير اللغوي : أولها المستوى التذوقي الفني والجمالي ويستعمل في الأدب والفن- والثاني هو المستوى العلمي النظري التجريدي ويستعمل في العلوم –والثالث هو المستوى العلمي الاجتماعي العادي الذي يستخدم في الصحافة والإعلام بوجه عام – وهذه المستويات الثلاثة كائنة في كل مجتمع إنساني(16) ، والفرق بين المجتمع المتكامل السليم والمجتمع المنحل المريض ، هو تقارب المستويات اللغوية في الأول –وتباعدها في الأخر – فتقارب مستويات التعبير اللغوي دليل على تجانس المجتمع ،وتآلف طبقاته، وحيوية ثقافته ، ومن ثم تكامله وسلامته العقلية، فمن الثابت أن العصور التي يسود فيها نوع من التآلف بين المستويات العلمية والأدبية والعملية ، هي غالبا ازهى العصور وأرقاها، أما إذا كان كل مستوى لغوي بعيد عن الأخر كل البعد فهو دليل على الانفصام العقلي في المجتمع ، وهذا يؤدي إلى التدهور والانحطاط والشيخوخة والانحلال(17).
إن العلماء والأدباء قد يعملون على تنمية اللغة وجعلها غنية ، إلا أن جذور اللغة لا تعمق إلا في التربة العامة التي منها تستمد اللغة عصيرها وغذائها – هذا إذا قدر للغة إلا تموت وتندثر كما اندثرت تلك اللغات القديمة التي انقطعت صلتها بكلام الناس وخطابهم ، لهذا يجب ألا تكون هناك فجوة بين لغة الأدب والعلم وألفاظهما والحديث اليومي ، فقد تتطور تلك الفجوة وتصبح لغة الأدب والعلم أشبه باللغة المصنوعة التي تتقرر صيغها وأشكالها بوساطة سلطة عليا كما هو الشأن في المجامع اللغوية بأوربا(18). إن لغة الصحفي والإعلامي تقوم على الوظيفة الهادفة والوضوح والإشراق، فالفن الصحفي والإعلامي تعبير اجتماعي شامل ولغته ظاهرة مركبة خاضعة لكل مظاهر النشاط الثقافي من علم وفن وموسيقى وفن تشكيلي إلى جانب السياسة والتجارة والاقتصاد والموضوعات العامة... ومن ذلك يتبين أن الفن الصحفي والإعلامي فت تطبيقي يهدف إلى الاتصال بالناس ونقل المعاني والأفكار إليهم ، فهو أداة وظيفية وليس فنا جماليا لذاته، لكن مع ذلك فلغة الفن الصحفي تختلف عن كل هذه جميعا لأنها تتضمنها كلها ولا تقتصر على أي منها- لأن الجمهور المستقبلين ليسوا قطاعا واحدا من الناس وإنما كل الناس .. ولان الصحفي يكتب لكل الناس فانه يجب عليه أن يجاهد لتحقيق هدف عام وهو جعل رسالته مفهومة لدى الجميع.


اللغة الإعلامية وتعددية المعاني :

إن امتلاك اللغة هو احد الشروط المهنية للصحفي، إذ إن عدم معرفة قدرات اللغة وعدم معرفة استعمال هذه القدرات من أجل تحقيق الأهداف المطلوبة، قادرة على جعل عمل الصحفي قليل الإقناع ولا حول له(...) إن معنى بعض الكلمات والتعبيرات لا يتوقف عليها ذاتها فحسب ، بل وعلى ما حولها، إذ إن الكثير من الاتفاقات بخصوص استخدام الكلمات لا تصاغ بصورة جلية ،إنها تفترض فقط ، حيث أن جميع الكلمات تقريبا لا تمتلك معنى واحدا بل عدة معان،فالأشياء ذاتها يمكن إن تسمى أحيانا باشكال مختلفة ،أو يمكن أن تمتلك مجموعة من التسميات،فإحدى الصعوبات الأساسية للفهم المتساوي للمتكلمين تكمن في إن الكلمات على العموم متعددة المعاني وتمتلك معنيين وأكثر (19).إن قاموس اللغة العربية الأدبية الحديثة تشير إلى وجود 17معنى مختلف للفصل العادي الدارج مثلا- كلمة وقف- قد تعني موجود على رجليه – يتوضع- بلا حراك – بدون عمل – التوضع المؤقت – احتل موقعا قتاليا – يعيش – موجود (...)(20).فتعددية المعاني في الكلمة الواحدة أمر لابد إدراكه، وعلى الصحفي أن يحسن استخدام الكلمة في الموضع الذي لا يمكن أن يقدم إلا المعني المراد إيصاله إلى المتلقي.
إذا كانت قابلية القراءة تتوقف على اهتمام القارئ وخبرته فان الرسالة الإعلامية تفقد قيمتها عندما ينعدم الفهم أو تتعدد المعاني في الرسالة الواحدة . إن لكل جماعة مجموعة من التصورات والاتجاهات تتحكم في سلوكها وفي نظرتها للأشياء ، فالإنسان يعيش في عالمين عالم خارجي موضوعي وعالم ذاتي باطني هو مجموعة تصوراته للعالم الخارجي أو مجموعة المفاهيم والدلالات(21) ، ولا يستطيع الإعلامي أن ينجح في تحقيق هدفه إلا إذا عرف هذه العوالم الباطنية أو التطورات الخاصة أو الدلالات الحقيقية للأشياء في ذهن المستقبل، ذلك إن لكل فرد عالمه الخاص وتصوراته الذاتية المشتقة من بيئته وثقافته، ويخطئ الإعلامي حين يظن إن ما يقدمه من معلومات وأفكار سوف تفهم بالطريقة التي يفهمها هو بها، فهناك عقبات عديدة في سبيل ذلك مثل التحيز والتعصب والخرافات والأوهام بالإضافة إلى السن واللغة والدين والاتجاهات.

اللغة الإعلامية والمستوى اللغوي المناسب :

تقوم اللغات المشتركة دائما على أساس لغة موجودة تتخذ لغة مشتركة من جانب أفراد وجماعات، تختلف لديهم صور التكلم. والظروف التاريخية هي التي تفسر لنا تغلب هذه اللغة،وتعلل انتشارها في جميع مناطق التكلم المشتركة،فهي دائما لغة وسطى ، تقوم بين لغات أولئك الذين يكلمونها(22)، وهذه السمة المشتركة لكل لغة مشتركة ، إذا أتيح لها أن تنتشر في قطر من الأقطار أو في دولة من الدول ، أخذت العناصر المشتركة التي تدخل في تكوينها، ويؤدي ذلك إلى النزول بمستواها كلما ازدادت انتشارا وازدادت العناصر التي تستعيرها من صور اللهجات المحلية(...) وقد فرضت طبيعة المتلقي من حيث ثقافته وطبقته الاجتماعية على كتّاب الصحف والبرامج الإخبارية الإذاعية ( مسموعة – مرئية ) بشكل عام مستوى لغويا معينا هو مستوى الفصحى ، إلا أن الفصحى يتفاوت في فهمها ذلك الجمهور العريض من المتلقين بمختلف فئاته وطبقاته . والكاتب الصحفي لا يريد إن يخاطب فئة أو طبقة دون الأخرى بل يريد مخاطبة الجميع (23). وقد ناقش هذه المشكلة كتّاب وباحثون من قبل مثل ( فرح انطون ) الذي رأى أنه لا يوجد في واقعنا اللغوي " عامية وفصحى فقط بل يوجد إلى جانبهما لغة وسطى وهي ما أطلق عليه فرح انطون اصطلاح " الفصحى المخففة" أو " العامية المشرقة " أو " اللغة المتوسطة " وهي تشبه إلى حد ما اللغة التي أطلق عليها توفيق الحكيم اسم " اللغة الثالثة " وما وصفه الأستاذ عباس خضر في مقال له صفة " اللغة الخنثى "(24).
إن استخدام الفصحى وحدها أو العامية وحدها غير مقبول.. لذا فانه كان من الضروري إيجاد لغة ثالثة صحيحة لا تجافي قواعد الفصحى وهي في نفس الوقت ما يمكن أن ينطقه الأشخاص ولا ينافي ولا جو حياتهم ، لغة سليمة يفهمها كل جيل ،وكل قطر وكل إقليم ،بمعنى آخر ، لغة موحدة مشتركة مخففة .

اللغة الإعلامية بين الفصحى والعامية :

إذا كانت اللغة العربية هي اللغة الشعرية أو الشاعرة كما وصفها الاستاذ العقاد ، لغة بنيت على نسق الشعر في أصوله الفنية والموسيقية ، فهي في جملتها فن منظوم منسق الأوزان والأصوات لا تنفصل عن الشعر في كلام تألفت منه ، فان اللغة العربية كذلك لغة إعلامية ، ونريد بذلك إنها لغة بنيت على نسق الفن الإعلامي بمفهومه الحديث ، تعرض مواد مبسطة يسهل على الجماهير فهمها كما إنها تتمشى مع قيم المجتمع وعاداته وتقاليده ، فالألفاظ العربية تدل على تفكير العرب ونظرتهم إلى الأشياء (25)، واللغة العربية لغة دالة ، ترمي إلى النمذجة والتبسيط من خلال منهج لوضع الألفاظ للمعاني الجديدة ، يختار صفة من صفات الشيء الذي يراد تسميته أو بعض اجزائه أو نواحيه أوتحديد وظيفته وعمله(26)،وعليه فان اللغة الإعلامية لا تختلف في منهج تطويرها للغة عما يريده اللغويون وحراس اللغة ، ورغم إن الصحفي مطالب بتكيف أخباره ومقالاته وفنونه التحريرية وفقا للقوالب الصحفية المنشورة ، فان عليه إن يحرص على القواعد المصطلح عليها في النحو والصرف والبلاغة وما إليها، وإذا كانت اللغة الإعلامية
تحرص على مراعاة القواعد اللغوية المصطلح عليها فإنها تحاول كذلك أن تحرص على خصائص أخرى من بساطة وإيجاز ووضوح ونفاذ مباشر وتأكيد وأصالة وجلاء واختصار (27) ، ذلك لن كل كلمة في اللغة الإعلامية يجب أن تكون مفهومة من قبل الجمهور المستقبل كما يجب أن تعرض بطريقة جذابة تحقق يسر القراءة أو الاستماع ، أما أنواع التورية وازدواج المعاني أو الهالات الانفعالية حول الألفاظ وغيرها من فنون الأدب التي تؤدي إلى المعاني الخاصة في الشعر فهي بعيدة تماما عن لغة الإعلام لأنها تقطع تيار الاتصال الذي يجب أن يظل مجراه صافيا نميرا(28). إن اللغة العربية لغة غنية وثرية وبالتالي فهي تقبل أي تجديد أو أي ألفاظ جديدة تطرأ عليها، تلك التي تفرضها واقع الحال أو المرحلة الزمنية التي تتطلب ألفاظا خاصة بها لتعبر عن الأحداث والوقائع التي ترافق تلك المرحلة الزمنية والتي لا يمكن التعبير عنها بالألفاظ القديمة التي هي أيضا لم تكن إلا وليدة مرحلة زمنية، فمن أهم المقاييس التي يعرف بها ارتقاء اللغات
هو مقياس الدلالة على الزمن، وهذا المقياس يصبح من أهم مظاهر اللغة الإعلامية، لأن الصحفيين ورجال الإعلام يكتبون لكل الناس في كل الأوقات وليس لجزء من الناس في كل الأوقات أو لكل الناس بعضا من الوقت ، فكل كلمة تتضمنها عبارات النص الإعلامي يجب أن تكون مفهومة من عامة القراء وجمهور المستقبلين ، ولهذا تظهر بلاغة اللغة الإعلامية من علامات الزمن في أفعال لغتها الأم (29)لان عامل الوقت يلعب دورا رئيسيا في تغطية الأخبار وتحريرها وإخراجها من جهة ، كما يتميز الإعلام بالدورية والإيقاع من جهة أخرى ، فهو يروي حدثا بعينه في إطار زمن محدد، فاللغة التي تدل على الزمن بعلامات مقررة في الفعل انسب وأصلح للإعلام من اللغة التي خلت من تلك العلامات وبمقدار الدلالة تكون هذه اللغة الإعلامية أكثر من تلك. إن الكلمات لا تستعمل في واقع اللغة الإعلامية تبعا لقيمتها التاريخية ،ذلك أن للألفاظ في الإعلام قيمة وقتية أي محددة باللحظة التي تستعمل فيها وقيمة المفردات خاصة بالاستعمال الوقتي الذي تستعمله، وقد تمر لحظة تستعمل فيها كلمة ما استعمالا مجازيا ، ولكن هذه اللحظة لا تطول لان اللفظة في اللغة ليس لها إلا معنى واحد في الوقت الواحد (30) . إن استخدام اللغة العربية بشطريه الفصيح والعامية في وسائل الإعلام ومدى ملائمة وعدم ملائمة كل منهما في الوقت نفسه ،أدى إلى ظهور تيارين ، تيار يؤيد استخدام اللغة العربية الفصحى في وسائل الإعلام والآخر يرفض هذا المبدأ داعيا إلى استخدام العامية بدلا منها،إذ يرى التيار الأول( الفصيح) أن استخدام العاميات تعتبر تهجينا وإفسادا للغة والثقافة ، وان اللغة العربية الفصحى تؤدي إلى فوائد عدة منها تنمية الحس الفني لجمالية اللغة وخلق مناعة مستمرة تجاه عوامل التجزئة على الصعيد القومي والوطني ، بينما سيؤدي استخدام العامية إلى تكريس التجزئة الوطنية والقومية وبالتالي فهي انتحار ،بينما يرى التيار الآخر أن واقع الحال يفرض استخدام العامية فهي اللغة المشتركة الأقرب إلى فهم الجمهور (31).
ترجع الباحثة " فريال مهنا "جنوح اللغة الإعلامية إلى الاستعانة بالعاميات إلى عدة أسباب منها
إن وسائل الإعلام الجماهيري صنعت جمهورا إعلاميا يحتوي على شرائح أمية أو شبه أمية أبجديا وثقافيا مما جعل الفصحى تشكل حائلا اصطلاحيا وتواصليا وتأثيريا لا يمكن تخطيه
إلا باللجوء إلى العاميات .
(1) اعتقاد بعض الوسائل الإعلامية التي تدخل العاميات إلى اغلب موادها،أن ذلك هو الوسيلة المثلى لاستقطاب الجمهور ، مدفوعة باعتقاد أن مواكبة العصر والتطور ومحاكاة الأمم الأكثر تقدما تستوجب الابتعاد عن الفصحى واللجوء إلى العاميات .
(2) المضامين الهابطة لبعض المواد ( البرامج) وخاصة الترفيهية ، تحتم استخدام العاميات ، لان الفصحى لا تلاؤم بطبيعتها مع هذا النوع من الثقافات الترفيهية
(3) تمسّك بعض الأوساط الثقافية والأكاديمية بحرفية اللغة العربية التراثية إلى حد التعصب مما يدفع العديد من القائمين على الإعلام نحو التخلي التدريجي عن اللغة الفصحى (32) .
واللغة العربية بسب هذا الواقع تبدو اليوم من أكثر اللغات حيرة بين الولاء لماضيها وماضي أصحابها الثقافي ، وبين الالتزام بمتطلبات الوقائع والأحداث الجديدة ، وحرصا على سلامة اللغة العربية الفصحى من التجزئة والتشتت والضياع وعدم الهبوط بالمستوى الثقافي اللغوي لدى الجمهور، وفي الوقت نفسه عدم استخدام لغة غير قادرة على التعبير عما يجري على ارض الواقع من مجريات جديدة ، فان المطلوب هو السعي إلى توازن لغوي خلاق بين الولاء للماضي والالتزام بالحاضر كما أسلفنا الذكر (33).
أخيرا...
سواء كان النمط الاتصالي شخصيا أو جماعيا أو جماهيريا ، فثمة حقيقة واقعة ، وهي أن عملية الاتصال الإعلامي في جميع أنماطها تتوقف على انتقال الرموز ذات المعنى وتبادلها بين الأفراد ، كما أن أوجه النشاط الجماعية ومعانيها الثقافية تتوقف إلى حد كبير على الخبرات المشتركة من المعاني(34) ، فالاتصال في جوهره هو نقل المعاني عن طريق الرموز المتعارف عليها والتي يستخدمها الإنسان من اجل التوافق النفسي مع العالم الخارجي ، فالرموز هي جوهر وسائل الإعلام وعمودها الفقري وبدونها لا يمكن أن تعمل ،ولكي تتمكن هذه الرموز من الوصول إلى أذهان الجمهور ( العام ) لابد من وجود لغة إعلامية بسيطة ومفهومة وموحدة ومشتركة .



الحواشي

(1) شرف, عبد العزيز ؛ " اللغة الإعلامية "، دار الجيل، بيروت،ص12.
(2)المصدر السابق، ص13.
(3)شرف، عبد العزيز ؛ " علم الإعلام اللغوي "، المركز الثقافي الجامعي، القاهرة ، ص9 .
(4) السيد، محمد نادر ؛ " لغة الخطاب الإعلامي " ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، ص15-17.
(5) شرف, عبد العزيز ؛ " اللغة الإعلامية "، دار الجيل، بيروت، ص29 .
(6)عبد الجليل ، منقور ؛ " علم الدلالة " ، اتحاد الكتاب العرب ، دمشق ،ص57.
(7) خوري ، صقر ؛ " الفكر واللغة "، مجلة المعرفة السورية ،العدد 496 ،2005م ، ص179.
(8) شرف, عبد العزيز ؛ " اللغة الإعلامية "، دار الجيل، بيروت، ص 56.
(9)شرف ، عبد العزيز ؛ " اللغة الإعلامية " ، دار الجيل ، بيروت ، ص79.
(10)السيد ، محمد نادر ؛ " لغة الخطاب الإعلامي" ، دار الفكر العربي ، القاهرة، ص 17-18- .
(11)المصدر السابق ، ص19.
(12) السيد ، محمد نادر ؛ " لغة الخطاب الإعلامي "، دار الفكر العربي ، القاهرة ، ص19.
13) المصدر السابق ، ص20.
14) المصدر السابق ، ص21.
15) شرف ، عبد العزيز ؛ " اللغة الإعلامية " ، دار الجيل ، بيروت، ص 35 .
16) شرف ، عبد العزيز ؛ " علم الإعلام اللغوي" ، المركز الثقافي الجامعي ، القاهرة ، ص 63
17)شرف ، عبد العزيز ؛ " اللغة الإعلامية " ، دار الجيل ، بيروت، ص84.
18) المصدر السابق ، ص 86.
19) الرمحين ، عطا الله ؛ " المنطق واللا منطق في الخطاب الإعلامي" ، مطبوعات جامعة دمشق ، دمشق، ص 93-96.
20) المصدر السابق ، ص95.
21)شرف ، عبد العزيز ؛ " اللغة الإعلامية " ، دار الجيل ، بيروت، ص97.

22)فلفل ، محمد عبدو ؛ " اللغة العربية بين الثبات والتغيير "، مجلة المعرفة السورية ،العدد 403 ،1997 ، ص115.
23)السيد ، محمد نادر ؛ " لغة الخطاب الإعلامي "، دار الفكر العربي ، القاهرة ،ص38-39.
24) المصدر السابق ، ص 40.

25)شرف ، عبد العزيز ؛ " اللغة الإعلامية " ، دار الجيل ، بيروت، ص133.
26) فلفل ، محمد عبدو ؛ " اللغة العربية بين الثبات والتغيير "، مجلة المعرفة السورية ،العدد 403 ،1997 ، ص116 .
27)شرف ، عبد العزيز ؛ " اللغة الإعلامية " ، دار الجيل ، بيروت، ص134.
28) المصدر السابق ، ص 135.

29)شرف ، عبد العزيز ؛ " اللغة الإعلامية " ، دار الجيل ، بيروت، ص135.
30) المصدر السابق ، ص 136.
31) الحاج ، كمال ؛ "الاعلام النامي" ، مطبوعات جامعة دمشق ، دمشق ، ص406.
32) الحاج ، كمال ؛ "الاعلام النامي" ، منشورات جامعة دمشق ، دمشق ، ص407.
33) فلفل ، محمد عبدو ؛ " اللغة العربية بين الثبات والتغيير "، مجلة المعرفة السورية ،العدد 403 ،1997 ، ص115 .
34) شرف ، عبد العزيز ؛ " اللغة الإعلامية " ، دار الجيل ، بيروت، ص 38.


المراجع :

1_ السيد، محمد نادر؛" لغة الخطاب الإعلامي"، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 2007.

2_ الرمحين ، عطا الله ؛ " المنطق واللا منطق في الخطاب الإعلامي" ، مطبوعات جامعة دمشق ، دمشق، ط1، 2005.
3_ الحاج، كمال؛ "الإعلام النامي" ، مطبوعات جامعة دمشق،دمشق، ط1، 2008.

4 _ خوري ، صقر ؛ " الفكر واللغة "، مجلة المعرفة ، دمشق ،العدد 496 ،2005م.

5 _ شرف، عبد العزيز؛ " اللغة الإعلامية "، دار الجيل، بيروت، ط1، 1991.

6_ شرف، عبد العزيز؛" علم الإعلام اللغوي"، المركز الثقافي الجامعي، القاهرة، ط1 ،1981.

7_ عبد الجليل، منقور؛ " علم الدلالة " ، اتحاد الكتاب العرب،دمشق، ط1، 2001.

8_ فلفل،محمد عبدو ؛ " اللغة العربية بين الثبات والتغيير "، مجلة المعرفة، دمشق،العدد 403،1997.
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف