
الجبهة الفلسطينية الداخلية قبل النكبة عام 1948
من الانقسام والتشرذم إلى الهزيمة
ساد الجمود الجبهة الفلسطينية في العامين 1940-1941 وذلك بسبب الإجراءات التعسفية والأوامر القسرية التي مارستها حكومة الانتداب البريطاني على الشعب الفلسطيني على أثر نشوب الحرب العالمية الثانية وأصيب الفلسطينيين بخيبة أمل كبيرة بعدما غاب العرب وزعمائهم عن الساحة عملياً وعندما زج الإنجليز بالوطنيين الفلسطينيين في السجون.
لم يكن سكوت الفلسطينيين هذا طبيعياً وكان لابد لهم أن يتحرروا من ذلك الجمود فيبعثوا الحركة الوطنية من جديد وكان الإنجليز يدركون أن الشعور الشعبي العربي عامة يتأثر إلى حد بعيد بشعور الفلسطينيين ووجهة نظرهم ولم يكن اطمئنان الإنجليز إلى شعور الشعوب العربية مثلما اطمئنانهم إلى حكومات معظم الدول العربية ورؤسائها الذين ساروا في ركاب الحلفاء آنذاك.
لمس الإنجليز في مطلع عام 1942م تململ الفلسطينيين من الأوضاع القائمة وتحفزهم لاستئناف نشاطهم السياسي وجهودهم القومية حيث شكا الكثير منهم من موقف وممارسات حكومة الانتداب واتهموها بعدم السماح لهم بالعمل السياسي كما أعلنوا عن تذمرهم من إمعانها في مواصلة السياسة الاستعمارية المجحفة بهم وبوطنهم.
واجه الانجليز أمران خطيران كان عليهم اختيار أحدهما وهما: إما السماح للفلسطينيين باستئناف جهودهم وإما الاستمرار في منعهم من ذلك وفي الحالة الأولى: كان الانجليز يخشون أن تقوم في فلسطين حركة وطنية قوية يكون لها صداها في أوساط الشعوب العربية وفي الحالة الثانية: كان الإنجليز يخشون استمرارهم في منع الفلسطينيين من العمل السياسي أن ينفجر شعورهم فتنتج عنه عواقب ليست في مصلحة السياسة الانجليزية لذلك اتبع الإنجليز طريقاً وسطاً خلاصته السماح للفلسطينيين بالعمل السياسي على أن تكون الحركة الجديدة معتدلة لا تتولاها العناصر الوطنية المعروفة بالصلابة.
أدرك الانجليز حاجتهم الماسة لقيام شعور ايجابي في الأوساط الفلسطينية نحو برنامجهم الجديد فمن غير المعقول قيام حركة وطنية لا يدعمها الشعب ويرضى عنها لذلك سعوا لحمل الفلسطينيين على:
1-تغيير خطتهم المعروفة في المقاومة والنضال التي اقتنعوا تماماً بصحتها بعد اختبارات طويلة وتجارب كثيرة.
2-الالتجاء نحو التعاون مع الانجليز.
3-الاعتماد على رؤساء البلديات والزعماء والشباب المثقفين والالتفاف حولهم( ).
بذلت الحكومة الإنجليزية جهوداً واسعة لإقناع الفلسطينيين بأنها لن تقدم على أي عمل من شأنه الإضرار بمصالحهم وكررت إعلان تمسكها بالكتاب الأبيض لعام 1939م وتصميمها على تنفيذ السياسة التي رسمتها وشرّعت قانوناً لانتقال الأراضي بناءً على ما ورد في الكتاب الأبيض.
قاومت الهجرة اليهودية السرية ونقلت إلى قبرص من كانت تقبض عليهم من المهاجرين وتعتقلهم فيها وأصدر أقطاب الحكومة الإنجليزية عدداً من التصريحات والبيانات يؤكدون فيها حسن نواياهم نحو العرب وتمكنت الحكومة البريطانية من خلال تلك الأعمال والأقوال من إقناع عدداً من الفلسطينيين بمزايا التعاون مع الانجليز وفوائد العدول عن سياسة المقاومة المسلحة والنضال الصريح التي سار عليها الشعب الفلسطيني منذ عام 1935م وشجعتهم على الإقدام على تجربة جديدة بالإضافة إلى وسائل إغراء متعددة لجأت إليها بريطانيا لحمل الفلسطينيين على تغيير وجهة نظرهم.
بات المناخ السياسي ملائماً لتحقيق الخطة الإنجليزية وبعد هذه المقدمات اتصلت الحكومة بعدد من الزعماء ورؤساء البلديات والشبان وغيرهم في فلسطين للقيام بالحركة الوطنية الجديدة وتولى قيادتها وشجعتهم بمختلف الوسائل والأساليب ليحظوا بثقة الشعب وألغت التعهد بعدم العمل بالسياسة الذي كان قد وافق عليه عدد من الساسة عندما سمح لهم بالعودة إلى فلسطين عام 1941م وتعاونت معهم وصار المندوب السامي يدعوهم إلى قصره للتشاور وإبداء الرأي ولحفلات الطعام والشاي ورخصت لهم إنشاء النوادي والجمعيات وإصدار الصحف والمجلات وعقد الاجتماعات العامة.
عمل هؤلاء الأشخاص على إيجاد حركة وطنية بزعامتهم الجديدة وأسهم أنصار الانجليز المعروفون في خارج فلسطين بجهود كثيرة لتحقيق تلك الفكرة وتدخلوا مراراً لتأليف لجنة أو هيئة تدعي تمثيل الفلسطينيين وحاول الانجليز مع هؤلاء المتعاونين إقصاء العناصر الوطنية المؤمنة في الحركة الوطنية وأمعنوا في اضطهادها والإضرار بمصالح أفرادها والدعاية ضدهم واتهامهم بالسلبية والتطرف.
تكاتفوا على إقناع الفلسطينيين بالتخلي عن زعمائهم الموثوق بهم وأوردوا حججاً للإقناع ومنها أن هؤلاء الزعماء لن يعودوا إلى فلسطين وأنه لا يمكن للحكومة الإنجليزية أن تتعاون معهم وأن قضية فلسطين لا تُحل بالمقاومة والكفاح بل بالتعاون مع الانجليز وبالدعاية للقضية في الأوساط الأمريكية والبريطانية وما إلى ذلك من أقوال وادعاءات ولكن تلك الجهود لم تسفر عن نتيجة لصالح الإنجليز إذ أن الأشخاص المكلفين بالعمل والمرشحين لتولي الزعامة الجديدة في فلسطين لم ينجحوا في اكتساب ثقة الشعب الفلسطيني الذي أدرك حقيقة الأهداف والنوايا الكامنة وراء تلك المساعي فأعرض الإنجليز عنها وعن أصحابها وصاحب هذا الأمر تطور الشعور الوطني في نفوس الفلسطينيين تطوراً خطيراً وتجددت نقمتهم على الحكومة البريطانية وأعوانها عندما لمس المخدوعين من أبناء الشعب الفلسطيني حقائق الأمور.
إضافة إلى ذلك لم تكن حكومة الانتداب جادة في تنفيذ قانون انتقال الأراضي الذي سبق أن شرعته حيث استمر استيلاء اليهود على الأراضي العربية ولم تتخذ الحكومة أي إجراء ضد تحايلهم على نصوصه وأدركوا أن العوامل الحقيقية التي حملت الحكومة على مقاومة الهجرة اليهودية السرية لم تكن رغبتها في المحافظة على كيان العرب بل لخوفها من أن يتسرب إلى فلسطين عن طريق تلك الهجرة السرية الشيوعيون ورجال الطابور الخامس خدمة لأعدائهم في أوروبا وفي الوقت نفسه رأى الفلسطينيون استرخاء الحكومة البريطانية أمام الإرهاب اليهودي الذي أخذ يصل إلى الحد الذي تطاولوا على الإنجليز أنفسهم كما علموا بقيام حركة يهودية واسعة النطاق للتسلح بمعرفة الانجليز ومساعدتهم بينما ظلت أنظمة الطوارئ والقوانين الاستثنائية تطبق ضد الفلسطينيين( ) فقط ولم ير الشعب الفلسطيني من الحكومة الإنجليزية أي عمل يدل على تغيير في سياستها الاستعمارية.
لم يعد في وسع الشعب الفلسطيني السكوت إذ جاهر بسخطه ونقمته وتنادى أهل الرأي وأصحاب الحمية من أبنائه لبحث الأوضاع وبعث الحركة الوطنية من جديد وطالبوا الحكومة بالقضاء على الإرهاب اليهودي والسماح بتسلح العرب للدفاع عن أنفسهم كما رفعوا العرائض للمندوب السامي يطالبون فيها بالسماح للزعماء الغائبين والمبعدين بالعودة إلى فلسطين ولم يكن في استطاعة الحكومة أن تتغاضى عن شعور الفلسطينيين ويقظتهم وتهمل رغباتهم بالكلية نظراً للحالة الدولية الدقيقة وخشية من تأثرها في حالة قيام حركة مقاومة في فلسطين فخففت من تطبيق أنظمة الطوارئ والقوانين الاستثنائية على العرب وأطلقت لهم حرية العمل وتأليف الأحزاب السياسية وعقد المؤتمرات وأفرجت عن أفواج من المسجونين والمعتقلين وسمحت لعدد قليل من الزعماء الوطنيين المعتدلين بالعودة إلى فلسطين.
تنفس الفلسطينيون الصعداء وشعروا بأن الفرصة أصبحت سانحة لبعث الحركة الوطنية وتجديد النشاط السياسي.
كان الوضع العام في فلسطين عام 1943م مواتياً للتنظيم والإعداد وساد الفلسطينيين شعور وطني جارف وتملكت نفوسهم حماسة عظيمة وكانت الأموال موجودة بوفرة بين أيديهم وكان السلاح يعرض للبيع بكثرة وبأسعار رخيصة للغاية بسبب وجود الجنود البريطانيين ومعسكراتهم الكثيرة في فلسطين واتساع حركة نقل الأسلحة والعتاد عبر فلسطين إلى المستعمرات الإنجليزية يضاف إلى ذلك وجود عدد كبير في فلسطين من الشبان الذين تخرجوا من المعاهد العلمية العليا والمدارس الثانوية والمهنية حتى كادت فلسطين تضاهي سائر الأقطار العربية في عدد المثقفين والمتعلمين من أبنائها وفي الوقت نفسه كان مستوى المعيشة قد ارتفع بين أفراد الشعب عامة واتسعت أعمال الفلسطينيين التجارية والمالية والزراعية والاقتصادية وغمرت البلاد نهضة اجتماعية وثقافية كانت ذات أثر إيجابي ملموس في أوساط الشعب.
أعرضت الحكومة الإنجليزية ثانية عام 1944 عن تلبية طلب الفلسطينيين السماح لزعمائهم المعروفين بالعودة إلى البلاد دون أن تذكر أسباباً لذلك الرفض نظراً لخطورة الوضع الذي كانت تجتازه فلسطين وقضيتها حينئذ ولاهتمام الفلسطينيين بالمصلحة العامة.
اتجهت أنظار الشعب الفلسطيني إلى قيادة بديلة من الفعاليات المقيمة داخل فلسطين وبصورة خاصة إلى طبقة الشباب المتعلمين لبعث الحركة الوطنية وتنظيم النضال القومي والسياسي بعد أن يئسوا من عودة القيادة المبعدة في الخارج والواقع أن أنظار الشعب اتجهت بصورة خاصة إلى هؤلاء الشبان المعروفين بالطبقة المثقفة.
لقد علق الشعب الفلسطيني آماله عليهم وعلى الذين كثيراً ما تحدثوا في المحافل والمجتمعات عن استعدادهم للبذل والتضحية في سبيل الوطن وأعربوا عن رغبتهم في العمل في الميدان القومي وكتبوا في الصحف والمجلات عن فوائد تنظيم الحركة الوطنية تنظيماً حديثاً يكون فيها العلم والتخصص والكفاية السبيل لتولي القيادة والزعامة وحين كان هؤلاء الشبان يرددون على الملأ الاتهامات والادعاءات التي وجهت ضد عدد من زعماء ورجالات الحركة الوطنية السابقين
تركت تلك الاتهامات لسوء الحظ أثراً سلبياً كبيراً في نفوس الشعب فقد اتهم رجال الحركة الوطنية عامة أنهم بنوا الحركة على الاعتبارات الحزبية والعائلية والطائفية وأنها أوصلتهم إلى مراكز الزعامة ولذلك فإن المصلحة العليا للوطن هي العدول عن تلك السياسة سواء كانت الاتهامات كاذبة أم صادقة.
ما قاله هؤلاء الشباب وجد هوى في نفوس الكثير من الفلسطينيين وكان الناس يتوقعون من هؤلاء الشباب خدمة القضية الوطنية والإسهام في الدفاع عن البلاد ولكنهم كانوا يبتعدون عن ذلك منتحلين الأعذار الكاذبة ومنها أن زعماء الحركة وقادتها كانوا متطرفين وسلبيين وأنهم يحتكرون العمل الوطني ويبعدون عناصر الشباب المثقفة وحملة الآراء الحديثة والأفكار الحرة عن الميدان السياسي ويمنعونهم من المساهمة في العمل الوطني أو يصبحوا فيه خشباً مسندة وآلات طيعة في أيدي الزعامة علماً بأن الميدان الوطني كان خالياً حينئذ من هؤلاء الزعماء والقادة المتهمين بالتطرف والسلبية وباحتكار العمل ومنع الشباب من المساهمة في الخدمة الوطنية العامة.
كان الحاج أمين الحسيني ومعظم إخوانه في أوروبا أو في السجون والمعتقلات فقد كانت الفرصة سانحة لهم لاقتحام الميدان وقيادة الحركة الوطنية وتوجيهها الوجهة التي يدعون أن فيها خيراً للبلاد وظن الشعب أنهم سينتهزون الفرصة الملائمة فيهبون للدفاع عن فلسطين ويحملون عبء القضية وبالتالي فقد علق عليهم أمالاً كبيرة لكن هؤلاء لم يكونوا عند حسن ظن الشعب بهم ولم ينفذوا ما نادوا به ودعوا إليه ولم يلجوا الميدان الوطني المفتوح أمامهم وأحجموا عن احتمال أية مسئولية وترددوا كثيراً في اتخاذ خطة معينة أو خطوة محددة ثم تجنبوا ركوب مركب البذل والتضحية الخشن الذي يتعرض له المخلصون دائماً وأثروا الدعة والسلامة والطمأنينة على التعرض للأخطار والصعاب والمتاعب التي يشقى بمثلها الوطنيون المناضلون.
هكذا بينما كان واجبهم دخول الميدان الذي كان شاغراً مفتوح الأبواب أمامهم تقاعسوا عن القيام بذلك الواجب ونكصوا على أعقابهم حتى قبل دخول المعركة بينما أخذوا يتنافسون في الحصول على وظائف في الحكومة ولاسيما في دوائر المراقبة المستحدثة خلال الحرب ويحصرون جهودهم في الاهتمام بمصالحهم والعناية بأمورهم الشخصية وشئونهم المحلية وراحوا ينتهزون ظروف الحرب القائمة لاكتناز الأموال وتحسين أوضاعهم الاقتصادية الخاصة وإنشاء البساتين البيارات والمنازل والعمارات بل حدث ما هو أمر وأدهى حيث أخذوا يتعاونون جهاراً مع الحكومة وقبلوا الاشتراك في لجانها ومجلسها الاقتصادي على أساس المساواة مع اليهود في المقاعد والصلاحيات.
أثبت هؤلاء أن الإدعاء شيء والعمل شيء آخر وأنهم يتقنون النقد والهدم ولا يحسنون البناء والتنظيم وأن المصلحة الخاصة الشخصية فحسب هي هدفهم لا خطة وطنية لهم ولا سياسة قومية يعملون على تنفيذها ولا برنامج عاماً يسعون إلى تحقيقه فاكتفوا بالجعجعة والتشدق والتصريحات والخطب وبانتقاد القيادة الوطنية السابقة المبعدة الممثلة بالحاج أمين الحسيني ورجالاته وكانت الصدارة في نظرهم لمن كان أكثر كلاماً وأضخم صوتاً وأشد انتقادا وتنديداً بغيرهم والواقع أن حوادث الجهاد والكفاح والحركة السياسية لم تسجل لهؤلاء الشبان خدمة واحدة لبلادهم فلا هم أسهموا في الحركة ولا أمدوها بالمال ولا حملوا سلاحاً ولا أيدوا جهاداً وكان همهم الوحيد خدمة أشخاصهم ومصالحهم أما الزعماء الآخرون من رؤساء البلديات والأحزاب والوجهاء الذين كانوا في فلسطين خلال تلك السنين فإنهم بدورهم خيبوا آمال الشعب أيضاً فهم لم يتقدموا للعمل الوطني الذي أسدى له بعضهم خدمات سابقة كبيرة ولم يبعثوا الحركة الوطنية من جديد ذلك أن الانسجام والتجانس بينهم كانا مفقودين بالإضافة إلى اختلافهم فيما بينهم على الأهداف والمطالب الوطنية والتزاحم على تولى زعامة الحركة الوطنية وقيادتها الشاغرة ثم أنهم لم يكونوا جادين أبداً في خدمة القضية والبذل في سبيلها وأثروا الاهتمام بشئونهم الخاصة والمالية والاقتصادية وفهم الكثيرون منهم أن الحركة الوطنية معناها الظهور والنفوذ وتعظيم الناس لهم أما الشعب الفلسطيني فقد صدمته خيبة الآمال التي علقها على هؤلاء الزعماء والشبان فسادت نفوس أبنائه روح النقمة والسخط عليهم.
اشتد تشاؤم الفلسطينيين لدى رؤيتهم الخصوم والأعداء يتعاونون للإجهاز عليهم دون أن يهتم الزعماء والشبان إلا بمصالحهم الشخصية ولم يشعروا بسياط الخطر الجاثم على صدر فلسطين والضربات الموجعة الأليمة التي كان يسددها الإنجليز والأمريكيون واليهود إلى صميم الكيان العربي الفلسطيني وهكذا أضاع الزعماء والشباب المثقفون فرصاً ثمينة سنحت لهم لبعث الحركة الوطنية وتنظيم الجهود السياسية وخدمة البلاد وأعداد الفلسطينيين وتنشيطهم وتقويتهم ومن هنا يحتملون قسطاً كبيراً من المسئولية فيما حل بفلسطين( ).
بعث الحركة الوطنية: اشتد الإرهاب اليهودي واتسع بعد عام 1942م وتضافر الإنجليز والأمريكيون على الإسراع بتنفيذ السياسة الاستعمارية المبيتة ضد فلسطين فانتاب الفلسطينيين قلقاً عظيماً وشعروا بأنه قد غدا من الواجب استئناف النضال ومقاومة الأخطار المتجمعة ضد وطنهم وكيانهم بكل الوسائل وشتى الأساليب.
نظراً لأن الشعب الفلسطيني لم يجد من يبعث الحركة الوطنية ويقود جهاز المقاومة والنضال لاسيما بعد خيبة الآمال التي علقها على الزعماء والشبان فقد اجتاحت فلسطين من جديد موجة عارمة من الشعور بضرورة إطلاق حرية العمل للعناصر الوطنية في فلسطين التي كانت السلطة تضطهدها وطالبوا السماح بعودة الزعماء المشردين والمبعدين ورفع الفلسطينيون مرة أخرى العرائض والرسائل للمندوب السامي وأرسلوا البرقيات إلى الوزارة البريطانية والدول العربية وزعماء العالمين الشرقي والغربي وعقدوا اجتماعات شعبية كثيرة وتظاهروا في عدة مناسبات تأكيداً لمطالبهم وإعراباً عن تمسكهم بزعمائهم المشردين والمبعدين.
اتسعت الحركة الوطنية واتخذت شكلاً جدياً ومظهراً حماسياً ولم تجد الحكومة الإنجليزية سبيلاً إلاً تلبية بعض مطالب الشعب تجنباً لانفجاره فخففت قيودها الصارمة المفروضة على رجال الحزب العربي الفلسطيني وسمحت لمن كان منهم في الأقطار العربية بالعودة إلى فلسطين وأفرجت عن الكثير من المسجونين والمعتقلين وعدلت أنظمة الطوارئ والقوانين الاستثنائية تعديلاً جديداً.
لم تنقض بضعة أيام على عودة المبعدين والمشردين من رجال الحزب العربي إلى فلسطين حتى اتصلوا بإخوانهم في البلاد وعقدوا سلسلة اجتماعات للمشاورة ولبحث وضع الأسس اللازمة لبعث الحركة الوطنية واستئناف النشاط السياسي والنضال وقرروا الاتصال بزعماء الأحزاب والهيئات المختلفة لتأليف جبهة متحدة يقف وراءها أهل فلسطين صفاً واحداً مرصوصاً كما كان الحال عام 1936م.
أوجست الحكومة خيفة من انبعاث الحركة الوطنية وسيرها سيرتها الأولى وأن يتولى أمرها الوطنيون الأحرار الذين ما برحت تعمل على إبعادهم عن تولي زمامها غير أن مصلحتها تقضي بعدم مقاومة مساعي الوطنيين وجهودهم مباشرة بل بالسعي بوسائلها وطرقها لتوجيه الحركة الوطنية والفلسطينيين ذوي الوجهة الجديدة في الأساليب والوسائل وبذل الجهود لتولية شخص أو أشخاص ممن تثق هي بهم وتعتمد عليهم ويحسن الوطنيون الظن بهم لقيادة الحركة الوطنية.
قررت الحكومة البريطانية تنفيذ هذه الخطة الجديدة بالتعاون مع أنصارها من العرب في خارج فلسطين وداخلها واتصل زعماء الحزب العربي بالأحزاب الأخرى وببعض رؤساء البلديات وطبقة الشبان المثقفين وبحثوا معهم في أمر تجديد النشاط الوطني وتوحيد الجبهة الداخلية وتأليف لجنة تنطق باسم البلاد لكن مساعي الحزب لم يكتب لها النجاح لأسباب كثيرة سيأتي ذكرها لاحقاً وعاود الحزب المحاولة في شهر فبراير/1944م مع الأحزاب وطبقة المثقفين ولكن دون جدوى.
إزاء ذلك كله واعتماداً على ما لمسه الحزب من تأييد أكثرية الشعب له ونظراً لسرعة تطور الأحوال والأوضاع السياسية واشتداد الإرهاب اليهودي في البلاد وقيام الدعوة لتشكيل الجامعة العربية قرر الحزب استئناف النشاط السياسي باسمه تاركاً الباب مفتوحاً أمام سائر الأحزاب والفئات للتعاون معه واجتمع زعماء الحزب في 8/إبريل/1944م في القدس وقرروا إعادة تشكيل لجان الحزب ودوائره وفروعه ومباشرة العمل الوطني على أساس الميثاق القومي.
أعلن زعماء الحزب تأييدهم لزعماء البلاد وانتخب الحزب مكتباً مركزياً لتوجيه الحركة الوطنية يتألف من: توفيق صالح الحسيني وكيلاً للحزب وأميل الغوري سكرتيراً وفريد العنبتاوي ورفيق التميمي ويوسف صهيون وموسى الصوراني وكامل الدجاني ومشيل عازر وإبراهيم سعد الحسيني ومحمد الجعبري وعبد الله السارة ومحمد رفيق الحسيني ورشاد الخطيب وباشر الحزب أعماله بقوة ونشاط وأخذ في تنظيم الشباب وأعاد تشكيل فرق الفتوة التي حلتها الحكومة عام 1937م وألف فرقاً كشفية ورياضية جديدة وشكل لجاناً لمقاومة بيع الأراضي ومقاطعة المنتجات اليهودية.
أرسل الحزب الوفود إلى الأقطار الشرقية والغربية للدعاية للقضية وعقد سلسلة اجتماعات شعبية دورية في فلسطين دعا فيها الأمة إلى البذل والتضحية وتجولت الوفود في المدن والقرى والعشائر تدعو الناس إلى توحيد الجهود وجمع الكلمة في مواجهة الأخطار العظيمة الجاثمة على صدر فلسطين وتدعو إلى التسلح والاستعداد وشكل الحزب لجنة خاصة للعناية بالمسجونين والمعتقلين من الثوار ومساعدة عائلاتهم واللجوء إلى القضاء للإفراج عنهم ونجح الحزب في أعماله في ظل الظروف السائدة وأعاد النشاط للحركة الوطنية والتفت جماهير الشعب الفلسطيني حوله وأظهر الشعب الحماس للقضية والاستعداد للبذل والتضحية والإقبال على التسلح مما أثار على الفلسطينيين حفيظة الانجليز والأمريكيين واليهود الذين كانوا يعتقدون أن كبت شعور الفلسطينيين خمسة أعوام كان كفيلاً بالقضاء على حركة المقاومة والنضال فشنت الصحف الاستعمارية واليهودية حملة على حركة الحزب والحركة الوطنية.
هدد زعماء اليهود بالويل والثبور وعظائم الأمور ولجئوا إلى الحكومتين البريطانية والأمريكية يحرضونهما على رجال الحركة الوطنية ويشكون إليهما الموجة اللا سامية الجديدة التي اجتاحت فلسطين بتأييد الحاج أمين الحسيني وإخوانه.
طلب زعماء اليهود من الحكومة البريطانية الضرب بيد من حديد على الفلسطينيين أما الحكومة البريطانية فقد راعها بعث الحركة الوطنية بهذا الشكل القومي وهالها تمسك الفلسطينيين بحقوقهم ومطالبهم وصلابتهم الوطنية فعمدت متعاونة مع أنصارها المعروفين إلى عرقلة الحركة الوطنية ومقاومتها فعادت إلى اضطهاد الوطنيين وزجت بعدد من أعضاء الحزب العربي في غياهب السجون واعتقلت آخرين وفرضت على غيرهم الإقامة الجبرية في المدن والقرى النائية والبعيدة عن العاصمة حيث كان مركز الحركة ورفضت السلطات الإنجليزية أن ترخص للحزب العربي إصدار صحيفة أو مجلة تنطق بلسان الحركة الوطنية ولكن الحزب استمر في جهوده رغم رفض السلطات ولم يكن الحزب ليرضى رغم تمتعه بثقة الأكثرية الساخطة من الفلسطينيين أن يظل سائر الزعماء والأحزاب والشبان بمنأى عن الحركة الوطنية وحرص على جمع الصفوف ووحدة الكلمة وإظهار البلاد بمظهر الوحدة الكاملة.
سعى الحزب للمرة الثالثة في شهري نوفمبر وديسمبر1944م إلى تشكيل لجنة عليا تمثل الشعب تمثيلاً صحيحاً وتنطق باسمه وأجرى مع هؤلاء الزعماء والشبان مباحثات استمرت وقتاً غير قصير ولكنهم لم يلبوا نداء الواجب وظلوا في جمودهم وفي معارضتهم لجهود الحزب ثم اتصل الحزب العربي بصورة خاصة بطبقة الشبان وعقد اجتماعاً مشتركاً مع عدد منهم لبحث مسألة الإسهام في العمل والتعاون معهم وعرض عليهم أن يضم بعضهم كأحمد الشقيري ومن يختارون إلى مكتب الحزب المركزي لان وجودهم في المكتب المركزي يمكنهم من ترويج آرائهم وإعلان وجهات نظرهم وتمتعهم بمركز القيادة في الحركة الوطنية ولكنهم رفضوا ذلك العرض وأعلنوا أنهم يفضلون أن يظلوا خارج الحزب وتعهدوا بتأييده في جهوده وانكشف فيما بعد بعض الأسباب الحقيقية التي كانت وراء ذلك الموقف السلبي إزاء ذلك كله استمر الحزب في احتمال عبء الحركة الوطنية والمسئولية وحده حتى خريف عام 1945م( ).
الاختلاف الداخلي ومقاومة الحركة الوطنية: باستعراض الحركة الوطنية خلال الحرب العالمية الثانية تبين أن الاختلاف الداخلي في فلسطين خلال الحرب العالمية الثانية قد أساء إلى سُمعة الفلسطينيين بين إخوانهم العرب وأضر بقضيتهم حيث أضاعوا فرصاً ثمينة كان من الممكن استغلالها لمصلحة الوطن والشعب وإعداده للنضال الذي كان لا غنى عنه.
الأحزاب الفلسطينية( ): على أثر تجديد الحزب العربي الفلسطيني لنشاطه السياسي في فلسطين دب الحماس والغيرة في نفوس رجال الأحزاب الأخرى فجددوا نشاطهم الحزبي واستعادوا لأحزابهم كيانها ولو في المظهر فحسب بالنسبة لبعضها وعلى هذا غدا في فلسطين في عام 1944م ستة أحزاب:
1- الحزب العربي الفلسطيني المعروف بحزب المفتي.
2- حزب الدفاع الوطني المعروف بحزب المعارضين بزعامة راغب النشاشيبي.
3- حزب الإصلاح بزعامة الدكتور حسن الخالدي.
4- لجنة مؤتمر الشباب بزعامة محمد يعقوب الغصين.
5- حزب الاستقلال بزعامة عوني عبد الهادي.
6- حزب الكتلة الوطنية بزعامة عبد اللطيف صلاح.
وقد رُتبت أسماء هذه الأحزاب حسب نفوذها وقوتها في الأوساط الشعبية فقد كان الحزب العربي الفلسطيني باعتراف الحكومة والعرب والأحزاب أنفسها هو حزب الأكثرية الساحقة ويليه حزب الدفاع الوطني وكان أقوى أحزاب الأقلية وتأتى بعدها بقية الأحزاب وبالإضافة إلى تلك الأحزاب قامت في البلاد أيضاً هيئات ومنظمات ولجان أخرى اتخذت لنفسها مع الوقت صفة الأحزاب وشكلها وكان منها:
1- جمعية العمال العربية.
2- عصبة التحرر الوطني.
3- مؤتمر العمال.
4- لجنة صندوق الأمة.
5- المكاتب العربية.
وقد رُتبت أسماؤها أيضاً على أساس نفوذها في البلاد وقوتها في الأوساط الشعبية وعندما استأنف الحزب العربي الفلسطيني نشاطه السياسي اتصل بالأحزاب السياسية وطبقة الشبان الذين كانوا يسمون أنفسهم بالطبقة المثقفة لتشكيل جبهة موحدة تنطق باسم البلاد وتمثل جميع أحزابها وتياراتها فجرت عدة مباحثات ومفاوضات بين الحزب ورجال الأحزاب الأخرى ولكنها لم تؤد إلى نتيجة فلم تشكل لجنة عليا ولم تتوحد الجبهة الداخلية وظل الخلاف الحزبي هو الطاغي ودون مستوى الأخطار ورغم خطورة الأوضاع والأحوال التي كانت تهدد العرب لكن الأحزاب اتفقت على عقد اجتماعات دورية يحضرها ممثل عن كل حزب للنظر في الحوادث الطارئة لكن العرب الفلسطينيين لم يكتفوا بأنهم لم يتفقوا على تأليف جبهة موحدة فحسب بل راح بعض زعمائهم وشبابهم يقاومون جهود الحزب العربي والحركة الوطنية الأمر الذي زاد في الأضرار بقضية البلاد ومصالح العرب أما أسباب عدم الاتفاق على تشكيل لجنة عليا للبلاد ومقاومة الحركة الوطنية والحزب العربي فكثيرة نلخصها فيما يلي:
1- الاختلاف في الأساليب: كان هناك اختلاف في الرأي حول كيفية توجيه الحركة الوطنية وطرق المقاومة فقد كان من رأى الحزب العربي أن العمل العسكري هو السبيل الوحيد لإنقاذ البلاد والمحافظ عليها ضد ما يهددها من مخاطر وأن التجارب والاختبارات الكثيرة التي مرت بالبلاد وقضيتها منذ الاحتلال البريطاني كانت أكثر من كافية لإقناع العرب بعدم جدوى أية سياسة أخرى تتبع فأتهم الحزب العربي وزعماؤه وقيادته بالتطرف والسلبية( ) وكان حزب الإصلاح أقرب الأحزاب جميعاً إلى رأي الحزب العربي أما حزب الدفاع فقد كان من رأي رجاله أن الإيجابية في التعاون مع الانجليز هو أحسن السبل للتخفيف من حدة الخطر الاستعماري اليهودي وأما الأحزاب الثلاثة الأخرى فقد كانت ترتئي إتباع طريق وسط.
2- الاختلاف في المبادئ والأهداف: كان من أسباب عدم قيام جبهة موحدة بين الأحزاب هو الاختلاف على المبادئ والأهداف فقد كان الحزب العربي يرى أن يكون الميثاق القومي لفلسطين هو الدستور الأساسي للجنة الجديدة وأن يكون الاستقلال وإنهاء الانتداب هو الهدف الذي يجب أن تهدف الحركة الوطنية إلى تحقيقه وأن الارتباط بالكتاب الأبيض أو غيره من العهود والبيانات يشكل اعترافاً بالأمر الواقع ويفسح المجال للحكومة لتواصل سياسة اللف والمواربة والالتواء يضاف إلى ذلك أن الحكومة نفسها لم تكن تحترم الكتاب الأبيض لعام 1939م ولا غيره من كتبها وخططها السياسية التي أعلنتها أما حزب الدفاع ومعظم الأحزاب الأخرى فقد كانت ترى أن يكون الكتاب الأبيض لعام 1939م هو الهدف الذي يجب أن تعمل اللجنة الجديدة على تحقيقه( ).
3- الاختلاف على تشكيل اللجنة: اختلف الحزب العربي مع سائر الأحزاب فيما عدا حزب مؤتمر الشباب على كيفية تشكيل لجنة القيادة الجديدة فقد كان الحزب العربي يطالب بأن تكون له نسبة في عضوية اللجنة تتناسب مع قوته ومركز في البلاد بينما كان الآخرون يرون أن تشكل اللجنة على أساس المساواة في عدد ممثلي كل حزب فيها ولم يكن الحزب العربي يتمسك بمسألة النسبية العددية في تمثيله في اللجنة الجديدة لأنه حزب الأكثرية فحسب بل لخشيته على سلامة القضية الفلسطينية وخوفه من أن تستولي على الحركة الوطنية أيادٍ ضعيفة مستسلمة لا يؤمن أصحابها في مقاومة الانجليز والاستعمار وكانت بعض الأحزاب والجماعات ترشح لعضوية اللجنة بعض العناصر والشخصيات التي كان الوطنيون يتهمونها بالسمسرة على أراضٍ لليهود والعمل على خدمة الاستعمار وهذا أمر لا يمكن للوطنيين أن يرضوا به مطلقاً بالإضافة إلى أن رجال الأحزاب الأخرى أرادوا أن يكون لهم الرأي الأول في ممثلي الحزب العربي في اللجنة الجديدة( ).
4- المبعدون والمعتقلون: كان عامل الوفاء والولاء والحرص على سلامة القضية الوطنية يحمل رجال الحزب العربي على المطالبة بإصرار بضرورة عودة زعماء البلاد إليها سواء منهم من كان مبعداً أم مشرداً أم معتقلاً وطلبوا أن تكون هذه المسالة من أهداف اللجنة الجديدة ولكن الأحزاب والجماعات الأخرى فيما عدا حزب الإصلاح ومؤتمر الشباب لم تر هذا الرأي وقد طمع رجالها في تولي مراكز الزعامة.
5- عدم الجدية في العمل: كان من الأسباب الأساسية التي باعدت بين رجال الأحزاب وحالت دون قيام تعاون وثيق في تشكيل لجنة تمثل البلاد هو الاختلاف في وجهة النظر والعقيدة والمزاج والتفكير بين رجال الأحزاب والجماعات فقد كان رجال الحزب العربي والدكتور حسن الخالدي يتسمون بالتصميم والجدية والإيمان في العمل والخدمة ويغلبون المصلحة الوطنية العليا على مصالحهم الخاصة.
لكن رجال الأحزاب الأخرى كانت مصالحهم ومكاسبهم لها الأولوية وما يقومون به من عمل في السياسة هو شيء من الترف ووسيلة لتحقيق هذه المكاسب عن طريق حكومة الانتداب ومن الأمثلة على ذلك نذكر أن زعيم حزب الاستقلال في فلسطين كان دائماً في طليعة الوطنيين العاملين ولكنه ارتكب عدة أخطاء لم تكن متناسبة مع ما عرف عنه من وطنية بل دلت على عدم الجدية في العمل والاستهتار بالمسئولية فقد اختلف مع المجلس الإسلامي وكان وكيلاً له في قضاياه وقضايا الوقف ثم انتهت تلك الوكالة فراح يشكل حزباً سياسياً ليناوئه وعندما لجأ اليهود إلى القضاء لإخراج عرب وادي الحوارث من أراضيهم بعد أن باعها أصحابها من غير الفلسطينيين آل التيان لليهود لم ير عوني عبد الهادي بأساً من الظهور أمام المحكمة وكيلاً عن الخواجا أرييل اليهودي أحد خصوم العرب في تلك القضية.
لم ير عوني عبد الهادي بأساً من عقد اجتماع في بيته بتاريخ 27/يوليو/1942م حضره يهوذا ماجناس رئيس الجامعة العبرية بالقدس وهو من كبار زعماء اليهود كما حضره غيره منهم للتحدث في شؤون سياسية ومن قبيل عدم الجدية في الخدمة الوطنية والتأثُّر بالمصلحة الشخصية وعدم قبول الذين عرفوا بالطبقة المثقفة الانخراط في الحركة الوطنية جدياً وتفضيلهم البقاء على الهامش انتهازاً للفرص واكتفوا بالخطب والتظاهر في المجتمعات لعل ذلك السبيل يوصلهم إلى تحقيق بعض أغراضهم وظلت التصريحات والخطب والبيانات والتهديدات طريقة بعض هؤلاء حتى بعد تسلمهم مراكز رسمية.
كان من شأن عدم اتفاق الكلمة بين زعماء الأحزاب ورجالها أن حصل خلاف بين الأحزاب أدى إلى مقاومة بعض الأحزاب للحركة الوطنية والحزب العربي الذي كان يتولى قيادتها.
أوعزت الحكومة إلى عدد من أنصارها المعروفين في داخل فلسطين وخارجها بالدس على رجال الحركة الوطنية والعمل على تشويه سمعتهم في الأوساط العربية في فلسطين وسائر الأقطار العربية ذلك أن تشويه سمعة العاملين ورجال الحركة الوطنية الفلسطينيين يؤدي إلى تبرم الشعوب العربية بالفلسطينيين فيخبو حماسها في تأييدهم ويدخل الشك إلى نفوس أبنائها في سلامة الحركة الوطنية وأهدافها ونظراً لأن من طبيعة الشعوب أن تخاف الحكومة وتحترم رغباتها واتجاهاتها ويلتف حول من تؤيدهم من الرجال والجماعات فقد أخذت الحكومة البريطانية في فلسطين تخص بعض الزعماء والجماعات بعطفها وتدعوهم إلى حفلاتها واجتماعاتها وتشاورهم في المسائل العامة وتقضي لهم حاجاتهم وحاجات من يؤيدهم.
بينما راحت تضيق على الوطنيين وتعرقل مصالحهم وتحول دون قضاء حاجة من كان يؤيدهم وكذلك لجأت الحكومة عن طريق قلم المطبوعات التابع لها والذي كان يسيطر على ورق الصحف والطباعة إلى تشجيع بعض الصحف العربية في فلسطين وخارجها على التعرض للحركة الوطنية ورجالها وشن حملات بذيئة ضدهم مقابل مبالغ معينة وكميات سخية من ورق الصحف والطباعة كان يغدقها عليهم مستر تويدى ومن بعده مستر هولم ومستر فيرنس وغيرهم من مديري قلم المطبوعات والمشرفين على الدعاية البريطانية ومحطة الشرق الأدنى مثل السيد نور الدين مرزاك وشمس الدين مرزاك الذين اعتنقا الإسلام.
أضف إلى ذلك أن الحكومة أطلقت الحرية لتلك الصحف في الكتابة ضد الوطنيين كما تشاء بينما شددت رقابتها على بعض الصحف التي أبت أن تكون عميلة للاستعمار ومنعت رجال الحركة الوطنية من إصدار صحف تنطق باسمهم وكذلك قامت الصحافة اليهودية والأجنبية بحملة دعائية بتوجيه من حكومة الانتداب ضد الحركة الوطنية والتعرض للوطنيين وقام أدوين صمويل اليهودي الانجليزي مدير عام محطة الإذاعة الفلسطينية الحكومية بتسخير تلك المحطة للطعن في الوطنيين والحملة عليهم وإفساح المجال لخصوم الحركة من بعض العرب للخطابة وإلقاء الأحاديث من تلك المحطة.
في الوقت نفسه قاد بعض العرب من الممتهنين مهنة التجسس والخدمة في قلم المخابرات البريطاني حرباً شعواء على الحركة الوطنية ورجالها يضاف إلى ذلك الوسائل والأساليب الأخرى التي اشتهر بها الاستعمار البريطاني في مقاومته للحركات الوطنية في البلاد التي ابتليت بشروره ومساوئه أما الفئات والجماعات الأخرى غير الأحزاب السياسية فإن بعضها أسدى خدمات جليلة للحركة الوطنية بينما شن بعضها الآخر حرباً عليها وأساء إلى المصلحة الوطنية العامة إساءة بالغة سواء بقصد أم بغير قصد.
أما منظمات العمال فقد انقسمت إلى جبهتين: جبهة عُرفت باليمينية وتمثلت في جمعية العمال العربية بحيفا وفروعها في مختلف أنحاء فلسطين وعملت الجبهة على تنظيم العمال العرب والدفاع عن مصالحهم وكيانهم وحقوقهم مع الشركات التي عملوا بها وخاصة شركة بترول العراق التي كان لها مصانع كبيرة للتكرير في حيفا أما بالنسبة لدائرة الأشغال العامة التابعة للحكومة فلم يكن لجمعية العمال أثر ملموس في التوجيه العام بها واعتبر زعماؤها من الذين كانوا يؤيدون التعاون مع الانجليز وأن الدعاية في الأوساط الغربية لقضية فلسطين من الوسائل المفيدة إن لم تكن الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تؤدي إلى نتيجة.
أما جبهة العمال الثانية فقد عرفت بالجبهة اليسارية وكان لها منظمتان: عصبة العمل الوطني ومؤتمر العمال ومع أن هذه الجبهة عنيت كثيراً بشئون العمال وخدمتهم والدفاع عن حقوقهم إلا أن اهتمامها بالناحية السياسية كان أكبر وأكثر بروزاً ومما هو جدير بالذكر أن الحكومة التي أخذت في أيامها الأخيرة تنظر بعين العطف إلى جمعية العمال العربية كانت تنظر إلى الجبهة الأخرى اليسارية نظرة شك وريبة وكثيراً ما تعرض زعماؤها لبطش الحكومة واضطهادها ولم تكف الحكومة الإنجليزية عن مطاردتهم حتى تحالفت مع روسيا ضد ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية وكانت هذه الجبهة العمالية اليسارية تقاوم في الحقيقة جميع الأحزاب السياسية وتتهمها بالرجعية وبإتباع الأساليب القديمة في المقاومة ولكنها كانت تلتقي مع الحزب العربي في جهوده ودعوته لمقاومة الاستعمار مباشرة ومعارضته معارضة واضحة ومما لا يستطيع أحد أن ينكره على هذه الجبهة العمالية ما تركته من أثر في جماهير الشعب بإذكاء روح الحماس وتشجيع مبدأ مقاومة الاستعمار وفكرتها باعتباره العدو الأول للبلاد وقضيتها وكانت عصبة التحرر الوطني نشيطة جداً في بث دعايتها عن طريق النشرات والاجتماعات والصحيفة الأسبوعية التي كانت تصدرها. ( )
موسى العلمي والمكاتب العربية والمشروع الإنشائي: لابد أن نشير إلى أمرين أولهما موقف العراق الرسمي وأنصار الانجليز من العرب في فلسطين وخارجها من الحركة الوطنية الفلسطينية وزعمائها وثانيهما المساعي التي قرر الانجليز القيام بها لتوجيه الحركة الوطنية وجهة التعاون معهم ومع الغرب.
نشير هنا إلى المؤامرة التي بيتها الإنجليز منذ 1937م ضد الحركة الوطنية وزعامتها تلك المؤامرة التي ظلوا يعملون على تحقيقها منذ وضعوها فعلى أثر الحرب العراقية البريطانية في شهر مايو/1941م اشتركت الحكومة العراقية مع الانجليز في اعتبار زعماء الحركة الفلسطينية وعلى رأسهم الحاج أمين الحسيني خصوماً ألداء للاستعمار الإنجليزي وأنصاره و يجب إضعافهم وتقليص نفوذهم والاستعاضة عنهم في قيادة الحركة الوطنية بأشخاص آخرين موالين للإنجليز لتوجيه الحركة الوطنية من حركة مقاومة الإنجليز إلى حركة تعاون مع الانجليز وحلفائهم وإقناع شعوب العرب بأن الدعاية في أمريكا وبريطانيا هي الوسيلة الوحيدة المجدية لحل القضية وتعاونت الحكومة في العراق على تنفيذ تلك السياسة وتحقيق خطتها فوقفوا بطبيعة الحال في وجه الحركة الوطنية القائمة وأخذوا يسعون لإيجاد عناصر يولونها زعامة الحركة لتحقيق أهدافهم المرسومة.
كان موسى العلمي من شباب فلسطين المثقفين ثقافة عالية معروفاً بوطنيته ومتمسكاً بحقوق البلاد وحين كان موظفاً في دائرة العدلية في حكومة فلسطين أسدى للوطنيين الثوار خدمات جليلة اعترف له بها الوطنيون وزعماؤهم ثم استقال من خدمة الحكومة فقربه الزعماء وأخذوا يعتمدون عليه وعندما عقد مؤتمر لندن عام 1939م انتخب عضواً في الوفد الفلسطيني وكان من أكثر المشاركين من أعضاء الوفد الفلسطيني تمسكاً بالمطالب القومية وممثلاً لوجهة النظر الوطنية الصحيحة وعندما صدر الكتاب الأبيض لعام 1939م كان العلمي في مقدمة المعارضين للسياسة التي اشتمل عليها وفي طليعة المنادين بضرورة رفضه وقد انتقل موسى العلمي مع زعماء البلاد إلى العراق وأقام فيه وكان على صلة حسنة في بادئ الأمر برجال الحركة الوطنية ثم وقع بعض الفتور في العلاقات بينهم وبينه ولم تعرف بعد أسباب ذلك الفتور وقد لا تُعرف حتى يُعلنها الزعماء والمعنيون أنفسهم وكيف وقِع موسى العلمي الاتفاق المشهور مع الكولونيل نيوكمب الذي كشف أمره بنفسه في اجتماعات اللجنة التحضيرية للجامعة العربية.
على أثر انتهاء الحرب العراقية البريطانية انتقل موسى العلمي إلى لبنان وبعد مدة من إقامته في بيروت عاد إلى فلسطين وافتتح مكتباً للمحاماة في القدس ونظراً لما كان معروفاً عنه من وطنية ومن علاقة قوية بزعامة الحركة الوطنية التف حوله بعد عودته إلى فلسطين عدد من المخلصين وجعلوه مرجعاً لهم في المسائل العامة والوطنية وعندما قرر الوطنيون استئناف العمل السياسي راجعوا موسى العلمي مراراً لتولي قيادة الحركة فكان يعتذر عن ذلك ثم كلفه رجال الحزب العربي أن يعيد تشكيل الحزب ويتولى زعامته فاعتذر أيضاً وكلفه الوطنيون أن يعمل على تشكيل لجنة عليا للبلاد تنطق باسم الشعب ووعدوه بكل تأييد له فاعتذر أيضاً ثم قرر اعتزال العمل السياسي والاهتمام بشئونه الخاصة فحسب.
لم يكن يعرف المراقبون أي تفسير لموقف موسى العلمي واعتذاره المتواصل عن العمل ولم يكونوا قد علموا بعد عن اتفاقه مع نيوكمب ولكنهم أخذوا يلاحظون نشاطاً خاصاً يقوم به وأنه يكثر من اتصالاته واجتماعاته بالشباب المعروفين بالطبقة المثقفة بينما ظل يدعي صداقة الوطنيين عامة ورجال الحزب العربي خاصة وازداد نشاط موسى العلمي في عام 1942م ولكن اعتذاره المتكرر عن الإسهام في الحركة الوطنية وتولي قيادتها أخذت تثير تساؤل المراقبين واتجه نحو التواصل والتنسيق مع أفراد طبقة الشبان وبعد فترة من الزمن أخذ موسى العلمي في انتقاد الحركة الوطنية وزعمائها ودعا إلى وجوب التخلص من سياسة الماضي وإتباع سياسة جديدة والتعاون مع الإنجليز والأمريكيين وبث الدعاية في أوساطهم لكسب عطفهم على القضية الفلسطينية وإقناعهم بالظلم الواقع على الشعب الفلسطيني وبوجوب حل القضية حلاً عادلاً.
لاحظ الفلسطينيون أن موسى العلمي قد أعاد ترتيب أولوياته وآرائه السياسية واتجاهاته الوطنية وأسقط من اهتمامه كل ما يتعلق بالعمل المسلح ولا نستطيع أن نجزم بحقيقة العوامل والأسباب التي جعلت موسى العلمي يبدل وجهة نظره السياسية وسلوكه الوطني فقد يكون رأى أن مصلحة القضية تقتضي تغيير أساليب العمل وخطط المقاومة وقد يكون قد اقتنع مجتهداً بأن سياسة التعاون ووسائل الدعاية والإقلاع عن الجهاد قد تعطي نتائج أفضل للقضية الوطنية إلا أن ما قام به من تصرفات جعل الوطنيين في ريبة من أمره وخاصة بعد ما لمسوه من مقاومته غير العلنية أيضاً للحزب العربي الفلسطيني وبعد ما لاحظوه من أن السياسة التي يسير عليها ويدعو إليها لا تختلف عن السياسة التي كان الانجليز وأنصارهم يرغبون في أن يتبعها عرب فلسطين وفي أواخر عام 1942م.
بدأ موسى العلمي نشاطه السياسي الجديد يعاونه نفر من الشباب بمحاولة إقناع الفلسطينيين بتغيير أساليبهم في المقاومة والنضال والاستعاضة عنها بالدعاية للقضية الوطنية في الأوساط الأمريكية والانجليزية وبإتباع سياسة التعاون والتفاهم مع الانجليز والأمريكيين وأعلن موسى العلمي سياسته وخططه بإنشاء مكاتب للدعاية العربية في بريطانيا وأمريكا وغيرها من الدول الغربية وبالعمل على إنقاذ أراضي فلسطين العربية عن طريق مساعدة الفلاحين في الاحتفاظ بأراضيهم بإنشاء مشاريع إنشائية وشكل لجنتين واحدة باسم لجنة المكاتب العربية والثانية باسم لجنة المشروع الإنشائي لتحسين الأراضي وقد جاء المال المطلوب لتلك المشاريع من العراق حيث خصصت الحكومة العراقية مبالغ كبيره للمكاتب العربية والمشروع الإنشائي ووضعتها تحت تصرف موسى العلمي.
تجاوز مجموع ما قدمته الحكومة العراقية لموسى العلمي لمكاتب الدعاية والمشروع الإنشائي أكثر من مليون دينار وباشر العمل في مشاريعه وأخذ يدعو إلى تحقيق خططه وبرامجه ويروج لسياسته الجديدة في الحركة الوطنية وتوجيهها وأعلن أن السياسة التي أُتبعت في فلسطين في الماضي كانت فاشلة وأن الخير في تغيير الأساليب وتبديل الوسائل واعتبار التعاون مع الانجليز وحلفائهم هي الطرق الفاعلة لخدمة القضية واستطاع كسب عدد من رجال الحزب العربي للتعاون معه, في حين عارضه عدد من الأحزاب والهيئات إضافة إلى لجنة صندوق الأمة واعتبر مؤيدوه أن هذه المعارضة صادرة لاعتبارات شخصية وحزبية.
بعد فترة قصيرة من الزمن أخذ الوطنيون الذين أيدوا موسى العلمي يتراجعون عن مناصرته بعد أن اتضحت لهم أمور سياسته وبعد ما بلغهم عنه من انتقادات جارحة كان يوجهها في مجالسه الخاصة إلى زعماء البلاد المبعدين والمشردين ثم إلى رجال الحزب العربي وخاصة بعد تصميمهم على استئناف العمل الوطني هو الأمر الذي أدى إلى خلاف عميق بين موسى العلمي ومؤيديه الذي انشقوا عنه وشكل موسى العلمي لكل من المشروعين المكاتب العربية والمشروع الإنشائي لجنة مركزية من الفلسطينيين ضمتا عدداً من الشباب وبعض العناصر التي عُرفت بالميل نحو الانجليز ومقاومة الحركة الوطنية كذلك ضمت اللجنتان بعض رجال الحزب العربي الذين أيدوه وأنشأ موسى العلمي مكتباً مركزياً للدعاية في القدس ومكتبين آخرين في كل من واشنطن ولندن كما أنشأ مكتباً في القدس للعمل على تنفيذ المشروع الإنشائي ووضع برامج وخططاً لمكاتب الدعاية ظلت في بادئ الأمر سرية عن غير مديري المكاتب وكبار موظفيها كما ظلت التوجيهات والتعليمات التي كان يرسلها إلى تلك المكاتب سرية أيضاً.
استطاع بعض الوطنيين الحصول على تلك التعليمات والبرامج وأطلعوا إخوانهم وأصدقاءهم عليها ثم نشروها في بعض الصحف العربية في القدس ودمشق وبيروت فلما أطلع عليها الشعب ارتاب في سلامة مقاصد موسى العلمي والأهداف التي تكمن وراء مساعيه فقد جاء فيها ما يعتبر مناقضاً للمصلحة الوطنية العليا كعدم إذاعة الأنباء والتعليقات التي تسيء إلى الانجليز والأمريكيين والابتعاد عن كل دعاية تعتبر موجهة ضد اليهود وتجنب كل ما يؤدي إلى تشجيع أعمال الجهاد والقوة والحذر من إتباع أساليب أو طرق أخرى في الدعاية وغير ذلك من التعليمات بالإضافة إلى أن تلك البرامج والخطط والتعليمات لم تنص على هدف وطني أو غاية قومية ترمي الدعاية إلى تحقيقها وجعل الكتاب الأبيض لعام 1939م الهدف الأقصى للحركة الوطنية.
ازداد ارتياب الوطنيين في خطط موسى العلمي وأهدافه وسياسته عندما أخذ يملأ مراكز المكاتب والدوائر ببعض الأشخاص من الشباب الذين ثبت أن همهم الوحيد في الدنيا هو مصالحهم الشخصية وأغراضهم الخاصة وفي الوقت نفسه وبقصد تضليل الرأي العام ألحق موسى العلمي بمكاتبه بعض الشباب الذين كانوا يتمتعون بثقة الوطنيين ومن الذين عينهم موسى العلمي في المراكز الرئيسية في مكاتب الدعاية رجائي الحسيني لمكتب لندن ولكنه لم يلبث أن استقال وأحمد الشقيري لمكتب واشنطن ووديع ترزي وبرهان الدجاني وأكرم عبد الرحيم وغيرهم كما عين ادوارد عطية من موظفي الحكومة الانجليزية في السودان وسيسل حوراني وألبرت حوراني من مكتب الجنرال كلاتيون رئيس قلم مخابرات الجيش البريطاني في الشرق الأوسط الذي كان مقره في القاهرة كما وظف عدداً آخر ممن كان معلوماً عن وجود صلة بينهم وبين دوائر المخابرات الإنجليزية حتى اصطلح الوطنيون تسمية موظفي المكاتب العربية بتلاميذ كلايتون.
لم يقم المشروع الإنشائي بأي نشاط ملموس ثم لم يلبث أن انكشفت حقيقة أهدافه للشعب فازداد ارتياباً ومما تبينه الوطنيون أيضاً أن جهوداً كانت تبذل سراً لتشكيل حزب سياسي تسند زعامته إلى موسى العلمي لقيادة الحركة الوطنية وتوجيهها وتمكنت صحيفة الوحدة في القدس من معرفة برنامج الحزب الجديد وأسماء أعضائه المؤسسين ولما نشرت الصحيفة تلك المعلومات قابلها الرأي العام الفلسطيني بالامتعاض والاستياء وأدرك الأسباب التي كانت تحمل موسى العلمي والمتعاونين معه على الاعتذار عن عدم الإسهام في الحركة الوطنية.
من بين الأسماء التي وردت على لائحة أعضاء الحزب المؤسسين ونشرتها الجريدة خلوصي الخير وأنور الخطيب وأحمد الشقيري ورشاد الشوا وأنور النشاشيبي وصلاح العنبتاوي ويوسف هيكل إزاء ذلك كله اضطر الوطنيون إلى مقاومة موسى العلمي وسياسته علانية ووقع بسبب ذلك خلاف شديد الجبهة الداخلية قوبل بأشد استغراب ودهشة من أهل البلاد أن يتفق هؤلاء فيما بينهم على مقاومة الحزب العربي والحركة الوطنية رغم اختلافاتهم الخاصة الكثيرة ورغم عدم انسجامهم فيما بينهم وتباين وجهات نظرهم الوطنية( ).
أحمد حلمي ولجنة صندوق الأمة: تأسست في فلسطين لجنة صندوق الأمة بقصد المحافظة على الأراضي الفلسطينية ومقاومة بيعها إلى اليهود وكان الفلسطينيون يتبرعون بالأموال لتلك اللجنة لشراء الأراضي المهددة أو إعطاء أصحابها قروضاً لاستغلالها تجنباً لبيعها إلى اليهود وقد تشكلت للصندوق هيئة إدارية من العناصر الوطنية المخلصة وتوقف عمل اللجنة بسبب قيام الحرب ولكن أحمد حلمي باشا أحد أعضائها الأوائل رأي إعادة تنظيم اللجنة واستئناف عملها وقد رحب الوطنيين بتلك الخطة لأن أحمد حلمي من المخلصين ومن أقرب الناس للحركة الوطنية وخدمتها وكان أحمد حلمي قد اعتزل الحياة الحزبية والعمل السياسي إلى حد بعيد وعكف على العناية ببنك الأمة الذي كان هو مديره العام ورئيس مجلس إدارته ثم اهتم بإحياء لجنة صندوق الأمة واستأنف نشاطه وجهوده السياسية العامة ولكن أحداً من المراقبين لم يكن يتوقع أن تجرف الخصومة والاختلافات الداخلية لجنة صندوق الأمة وأن ينزلق أحمد حلمي إلى حمأتها وجاءت النتائج على عكس ما ظن الوطنيون لقد كان أحمد حلمي من بين الوطنيين الذين ارتابوا في سياسة موسى العلمي وحذروا الكثيرين منها ورأوا أن المشروع الإنشائي بخططه وأساليبه لا يجدي في إنقاذ أراضي الوطن واقترح أن تدمج جهود صندوق الأمة وجهود المشروع الإنشائي في هيئة واحدة تعمل على إنقاذ الأراضي ولكن موسى العلمي لم يوافق على الاقتراح واستمر يعمل وحده ونظراً للضجة التي ثارت حول المكاتب العربية والمشروع الإنشائي اعتبر موسى العلمي أحمد حلمي من الأشخاص الذين يعارضون سياسته وأعماله ويقاومونها فأخذ يناهض لجنة صندوق الأمة فنشأ عن ذلك خصام عنيف بين المشروع الإنشائي وبين لجنة صندوق الأمة أو بالأحرى بين موسى العلمي وأحمد حلمي فلجأ كل فريق إلى جميع الوسائل والأساليب لتقوية جبهته وتعزيز وجهة نظره والواقع أن خطط موسى العلمي التي أقلقت الوطنيين أثارت أيضاً رجال الأحزاب الأخرى كما أثارت لجنة صندوق الأمة فاشتد الخلاف بين موسى العلمي ورجاله من ناحية وبين لجنة صندوق الأمة والأحزاب الأخرى من ناحية ثم تطور هذا الخلاف إلى صراع اتخذ مظهراً مالياً واقتصادياً فقد كان البنك العربي في فلسطين بإدارة عبد الحميد شومان أسدى أجل خدمة اقتصادية لفلسطين والعرب وبنك الأمة العربية بإدارة أحمد حلمي فاعتمد موسى العلمي البنك العربي عميلاً له ووضع في خزائنه المبالغ التي كانت تقدمها له حكومة العراق( ) فأغضب ذلك بنك الأمة العربية الذي اعتمدته لجنة صندوق الأمة التي كانت مواردها ضئيلة ومحدودة فبذل أحمد حلمي وجماعة الأحزاب جهوداً مضنية لمقاومة موسى العملي ومشاريعه وشعر أحمد حلمي بضرورة تقوية لجنة صندوق الأمة بضم عناصر من الوجهاء والأثرياء والأعيان إليها لمجابهة تشكيلات موسى العلمي وفيما يتعلق بالمشروع الإنشائي عادت خطته عليه بالانتقاد المر من الوطنيين إذ كان من بين الذين ضمهم أحمد حلمي مندفعاً بروح المقاومة والخصومة إلى اللجنة عدد من الأشخاص المعروف عنهم بيع أراضيهم لليهود واقتراف جريمة السمسرة على أراضي البلاد والعمل في قلم الاستخبارات حتى أن لجنة صندوق الأمة عقدت اجتماعات عامة لإنقاذ الأراضي في بيوت هؤلاء السماسرة والباعة أنفسهم كما جرى في الخالصة والشيخ يونس وغيرهما وأخطأ أحمد حلمي خطأً بالغاً آخر في اندفاعه حيث وسع مجلس إدارة بنك الأمة الذي كان يرأسه فضم إليه رؤساء البلديات والأحزاب وعدداً من الشخصيات الذين قاوموا الحركة الوطنية والحزب العربي وتعاونوا مع الانجليز في سياستهم حتى أصبح مجلس إدارة بنك الأمة وكأنه مجلس إدارة للأحزاب الفلسطينية المعارضة للحركة الوطنية والحرب العربي.
استغرب الوطنيون ذلك الأمر استغراباً عظيماً واسترعى هذا الخلاف الشديد بين أحمد حلمي وموسى العلمي انتقاد الأمير عبد الله والمسئولين في العراق فسعوا لإزالته وحضر الأمير عبد الله بنفسه إلى القدس وجميع الرجلين لإزالة الخلاف بينهما ودعاهما إلى التفاهم والتعاون ولكن بدون جدوى وإزاء ما رآه الحزب العربي من مشاركة عضوية لجنة صندوق الأمة وإدارة بنك الأمة العربية على عدد من باعة الأراضي والسماسرة والمتهمين بالخيانة الوطنية والتعاون مع الانجليز فضلاً عن أخطاء أخرى نُسبت إلى لجنة صندوق الأمة اضطر الحزب العربي إلى إذاعة بيان على الشعب دعاه فيه إلى عدم تأييد لجنة صندوق الأمة وطلب إعادة تشكيلها من عناصر وطنية سليمة.
لبى الشعب نداء الحزب العربي وأعرض عن تأييد لجنة صندوق الأمة ما لم يعد أحمد حلمي تشكيلها ويخرج منها العناصر المشبوهة وبسبب موقف الحزب العربي وقع خلاف بين رجاله وبين أحمد حلمي زاد في لهيب الاختلافات الداخلية ولم يتورع فريق أحمد حلمي من الانهيار إلى درك الطائفية البغيض واتخاذها سلاحاً لمقاومة الحزب العربي متخذاً من انضواء معظم المسيحيين وزعمائهم الوطنيين تحت لواء الحزب العربي سلاحاً للإثارة وقد أضر الاختلاف الداخلي في فلسطين ضرراً بليغاً بالقضية الوطنية.
ولو أن موسى العلمي تعاون مع الوطنيين وأنفق قسماً من الأموال الطائلة التي كانت تحت تصرفه على الحركة الوطنية وتنظيمها وعلى إعداد الشباب وتسليحهم لأفاد البلاد كثيراً( ).
فلسطين على طريق الهزيمة والضياع
حين انتهت ثورة 1936م – 1939م فر بعض قادتها إلى سوريا فالعراق أو العراق مباشرة( ) وكان الحاج أمين رئيس اللجنة العربية العليا قد سبقهم هو وبعض السياسيين وكان معظم قادة فلسطين السياسيين في السجون والمنفى أو خارج فلسطين ولقد أدت العوامل التالية إلى حالة الركود في فلسطين:
1-عدم وجود قيادة سياسية موحدة.
2-ظروف الحرب القاسية وترقب نتائج الصراع العالمي.
3-انتهاء الثورة باعتقال وفرار أكثر قياداتها.
كان الحاج أمين الحسيني خلال وجوده في العراق على صلة بدول المحور وقد حاول أن ينتزع منها اعترافاً باستقلال البلاد العربية في حالة كسب الحرب مقابل تأييد نشاط دول المحور ضد الحلفاء وعندما غزا الجيش الإنجليزي العراق عام 1941م دافع الثوار الفلسطينيون الذين كانوا موجودين هناك عن استقلال العراق وكرامته.
سقطت حكومة رشيد علي الكيلاني وغادر الحاج أمين الحسيني العراق إلى إيران ومنها إلى ألمانيا وأيدت الدول العربية الحلفاء وأعلنت الحرب على دول المحور أو قطعت العلاقات معها بينما كان الرأي العام العربي مع الألمان ودول المحور ومع هذا فقد انطلقت أصوات تنادي بتأييد الحلفاء على أمل أن يحقق الحلفاء للعرب أمانيهم بعد الحرب كانت هذه الأصوات أصوات أصدقاء الحلفاء وعملائهم أو أصوات الشيوعيين بعد أن شن هتلر الحرب على الإتحاد السوفيتي إلا أن هذا الأمر لم يغير من موقف الشعب المؤيد لدول المحور على الأغلب لا لأنها نازية أو فاشية ولا لأنها اطمأنت فعلاً إلى أن انتصار دول المحور سيحقق لها استقلالها وكرامتها ووحدتها بل لأنها أرادت أن ترى قاهريها مقهورين.
أخذت كفة الفوز تميل مع الحلفاء وبدأ بعض المثقفين الفلسطينيين يفكرون جدياً ببدء العمل من أجل إنقاذ فلسطين كان الركود الذي ساد فلسطين خلال الحرب والاستعدادات التي قام بها الصهاينة ثم الورطة التي وقعت فيها الحركة الوطنية بالتزام قائدها الحاج أمين الحسيني جانب المحور المهزوم يدفعهم إلى التأمل في مستقبل الحركة الوطنية ومحاولة إنقاذها ولكنهم لم يكونوا مختلفين عن قيادة الحركة الوطنية فهم من طبقة الزعامات والوجاهات والأعيان نقلت الحرب قيادة العالم الرأسمالي من بريطانيا إلى الولايات المتحدة ولم يُضيِّع الصهاينة الفرصة ذلك أنهم بذلوا كل الجهود الممكنة لكسب الدولة القوية إلى جانبهم وقد استجاب الرئيس ترومان للحركة الصهيونية فبدأ حملة تأييد واسعة وأخذ يعمل لفتح باب الهجرة الذي كان سيغلق في وجه المهاجرين اليهود في نهاية عام 1945م.
أعلنت بريطانيا في 29/يناير/1946م أن باب الهجرة سيظل مفتوحاً بعد انتهاء المدة التي حددها الكتاب الأبيض لعام 1939م وأن لجنة بريطانية – أمريكية ستكلف للتحقيق في المشكلة وبدأت اللجنة أعمالها في الشهر الأول من عام 1946م وكان واضحاً أن مهمتها الأساسية هي إلغاء الكتاب الأبيض لعام 1939م وافقت اللجنة العربية العليا على التقدم بشهادتها إلى اللجنة, مبررة موافقتها بالاستجابة لنصح جهات عربية مسئولة إلا أن حزب الكتلة الوطنية وعصبة التحرر الوطني( ) طالباً بمقاطعة اللجنة العربية وكان موقف اللجنة العربية أمام لجنة التحقيق هو مذكرة جمال الحسيني إلى اللجنة وأهم ما جاء فيها: أن واجبنا نحو بلدنا يحتم علينا أن نعلن اعترافنا بأن للجنتكم الحق في البحث أو التحقيق في قضية فلسطين وفي تقرير مصيرها وأن قضية العرب قضية حق وعدل مبنيين على حق الشعب العربي في البقاء في بلاده وضمان كيانه الوطني وقضيتنا العربية لا علاقة لها باللا سامية.
حددت المذكرة أسباب تذمر العرب من السياسة البريطانية في فلسطين بما يلي:
1- إنكار استقلالهم الذي وُعِدوا به مراراً أثناء الحرب.
2- إدخال عدد كبير من المهاجرين وعدم الاكتراث بتأثير هذه الهجرة على عادات العرب وحقوقهم في التجارة والمهن الحرة وسائر الأعمال الأخرى وإعطاء اليهود جميع التسهيلات للحصول على موارد البلاد الاقتصادية ومرافقها الحيوية مما أدى إلى حرمان العرب منها.
3- استمرار بيع الأراضي إلى اليهود رغم الاعتراف بأن ما يملكه العرب لا يتجاوز ثلث الحد الأدنى الذي يحتاجون إليه.
وعليه فإن مطالب عرب فلسطين تتلخص فيما يلي:
1- الاعتراف بحق العرب في استقلال بلادهم التام.
2- العدول عن إنشاء الوطن القومي اليهودي.
3- إلغاء الانتداب وإعلان فلسطين دولة عربية مستقلة.
4- وقف كل هجرة يهودية وبيع الأراضي.
وأنهى جمال الحسيني مذكرته موضحاً أن العالم العربي يرتبط بكم وبأمريكا بصداقة تقليدية ولكن مسألة فلسطين ستغير كل شيء لذا فإن عليكم أن تختاروا بين مليوني مضطهد وبين سكان هذه الرقعة الواسعة من العالم وقد يقع اضطراب يمتد لهيبه فيشمل العالم أجمع( ) وحدثت مناقشة بين اللجنة الأنكلو - أمريكية وجمال الحسيني بعد سماع المذكرة وقد سألت اللجنة جمال الحسيني عن موقف اللجنة العربية العليا من اللا سامية فأجاب إنها عدونا فلولاها لما جاء اليهود إلى هنا فلقد كان اليهود جيراناً طيبين معنا قبل الصهيونية وحين سُئل عن تعاون الحاج أمين الحسيني مع الألمان أجاب بأنه كان يعمل لمصلحة بلاده.
بعد هذه الإجابة مباشرة سأله أعضاء اللجنة إذاً كان الحاج أمين الحسيني في ألمانيا وأنتم على الحياد فأجابه جمال الحسيني عملنا ما عملتموه مع روسيا الدكتاتورية.
تكلم من بعد جمال الحسيني عوني عبد الهادي موجهاً حديثه إلى الحركة الصهيونية قائلاً: لا تغتروا بمساعدة الإنجليز والأمريكان فلكل مساعدة حد وهم لا يقبلون إبادة عرب فلسطين ولا يفرطون بمصالحهم في البلاد العربية والإسلامية لأجل خاطركم وبعد أن دافع عن فيصل الأول بشأن اتفاقه مع الصهيونيين على أساس أنه لا يعرف اللغة الإنجليزية ولا يمثل كل العرب قال: لقد أوقفنا الثورة هنا لكي لا نضع العراقيل أمام بريطانيا في كفاحها من أجل الحياة أو الموت ولم يكن موقفه من تعاون الحاج أمين الحسيني مع الألمان مختلفاً عن موقف جمال الحسيني وكانت شهادة سامي طه رئيس جمعية العمال العربية حيث تناولت تلك الشهادة الجانب النقابي كما تناولت الجانب السياسي ولقد أكد رئيس جمعية العمال العربية على عدم انفصال العمال العرب عن النضال الوطني كل الوقت وتحدث عن الجو الذي نشأت فيه جمعية العمال فقال: لقد نشأت حركتنا النقابية في جو سياسي هدفه الوحيد مقاومة الاستعمار والصهيونية.
استمر العمال كأفراد يناضلون مع أمتهم سياسياً واقتصادياً لرفع مستواهم ولم يفت على سامي طه أن يؤكد أن الاستعمار السياسي والاقتصادي لأي بلد كان دائماً سبب الاضطراب في العالم ولذلك فهو يرى أنه أصبح ضرورياً القضاء على الاستعمار بجميع أشكاله وألوانه لإقرار السلم العالمي وحدد سامي طه موقف العامل العربي من الحركة الصهيونية على أنها حركة رأسمالية رجعية ولذلك فهو يناضل ضدها كانت الشهادات التي أدلى بها قوية فلم ترفع شعارات مهادنة ومساومة كما كان يحدث في السابق إلا أن هذا لا يبرر قبول المثول أمام لجنة التحقيق الأنكلو-أمريكية التي كان واضحاً أنها جاءت لنسف الكتاب الأبيض لعام 1939م وفتح الأبواب أمام الهجرة الصهيونية.
صدر في 20/إبريل/1946م تقرير اللجنة الأنجلو-أمريكية الذي جاء فيه: إدخال مائة ألف مهاجر جديد ورفع الحظر عن انتقال الأراضي إلى اليهود وبقاء الانتداب حتى يكون ممكنا قيام دولة فلسطين وكان التقرير لمصلحة الحركة الصهيونية لذلك فقد سر به الصهيونيون والأوساط المؤيدة لهم في أوروبا وأمريكا ولاسيما الأوساط الحاكمة في الولايات المتحدة أما جماهير الشعب العربي فقد ثارت ثائرتها وانطلقت معبرة عن استيائها ونقمتها بالمظاهرات والإضرابات والاحتجاجات ولم يجد الرؤساء العرب دعاة التفاهم مع بريطانيا وأمريكا بُداً من الاستنكار.
ولهذا تداعى الرؤساء العرب لاجتماع عقدوه في أنشاص في يومي 28 و29/مايو/1946 وحضر الاجتماع ملك مصر فاروق ورئيسا جمهوريتي سوريا ولبنان شكري القوتلي وبشارة الخوري والأمراء سعود وعبد الإله وسيف الإسلام عبد الله وقد صدر عن الاجتماع بيان خص فلسطين بفقرة أساسية منه أكدت أن قضية فلسطين هي قضية العرب جميعاً وأن فلسطين عربية يتحتم على دول العرب وشعوبها صيانة عروبتها وأن ليس في إمكان هذه الدول أن توافق بوجه من الوجوه على أية هجرة جديدة ويعتبرون ذلك نقضاً صريحاً للكتاب الأبيض الذي ارتبط به الشرف البريطاني ولهم عظيم الأمل ألا يعكر صفو علاقة المودة القائمة بين الدول والشعوب العربية من جهة والدولتين الديمقراطيتين الصديقتين من جهة أخرى.
تفادياً لرد فعل ينشأ بسبب ذلك ويفضي إلى اضطرابات قد يكون لها أسوأ الأثر في السلم العام( ) فقد أحدث الاجتماع والبيان الذي صدر عنه تفاؤلاً في أوساط الجماهير مع أن البيان لم يأتِ بجديد فلقد رفض المؤتمرون أية هجرة جديدة إلى فلسطين واعتبروا أن من واجبهم صيانة عروبتها ولكنهم لم يتجرأوا على اتخاذ موقف حازم من بريطانيا وأمريكا بل اعتبروهما دولتين ديمقراطيتين صديقتين وأعربوا عن أملهم في ألا يؤدي موقفهما إلى تعكير صفو العلاقات بينهما وبين الدول والشعوب العربية كانت فلسطين بلا قيادة خلال الحرب وظلت بلا قيادة عند انتهائها وبعدها عادت القيادات للصراع ولم تتمكن من إنشاء لجنة عربية جديدة تحل محل اللجنة المتشتتة وعندما بدأت مشاورات الجامعة لم يكن هنالك من يمثل فلسطين فيها في البداية( ) ثم اتفق على أن يفوض موسى العلمي بهذه المهمة وحين انعقدت الدورة الثانية لمجلس الجامعة العربية 31/أكتوبر- 14/ديسمبر/1945م قرر جميل مردم رئيس الدورة, العمل على حل المشكلة وحضر إلى فلسطين في شهر نوفمبر/1945 واتصل برجال الأحزاب وبعد مباحثات فوضوه أن يختار لجنة منهم فاختار جميل مردم لجنة من رؤساء الأحزاب وهم راغب النشاشيبي ممثلاً عن حزب الدفاع عوني عبد الهادي ممثلا عن حزب الاستقلال وتوفيق الحسيني العربي ود. حسين الخالدي ممثلا عن حزب الإصلاح وعبد اللطيف صلاح ممثلا عن حزب الكتلة الوطنية ويعقوب الغصين ممثلا عن حزب مؤتمر الشباب وإضافة إلى هؤلاء أحمد حلمي عبد الباقي ورفيق التميمي وموسى العلمي وأميل الغوري ويوسف صهيون.
استطاعت هذه اللجنة أن تختار وفداً يمثلها فيما تبقى من اجتماعات مجلس الجامعة إلا أنها لم تستطع الاستمرار فقد كان الصراع حاداً بين القادة إضافة إلى ما كان لديهم من خلافات نشأ موضوع خلاف جديد وهو مكاتب الدعاية والمشروع الإنشائي العربي وتلك الأمور التي قرر مجلس الجامعة في دورته الأولى إنشاءها وأوكل أمرها إلى موسى العلمي وقد تبنت حكومتا الأردن والعراق موسى العلمي شخصياً في محاولة لخلق زعامة جديدة إلا أن اللجنة لم تجتمع لتنظر في الأمر فاختار جمال الحسيني أن يفعل ذلك بنفسه وكان ما فعله سبباً لانشقاق اللجنة إلى لجنتين: إحداها ظلت تحمل الاسم السابق بينما حملت اللجنة الأخرى اسم الهيئة العربية وضمت هذه الهيئة الأولى ممثلي الأحزاب ما عدا الحزب العربي وبعض المستقلين وكان إنشاؤها أكبر تحالف تم ضد الحزب العربي وزعامة الحاج أمين الحسيني.
اجتمع مجلس الجامعة في بلودان-سوريا من 8-12/يونيو/1946م قرر دعوة قيادات عرب فلسطين إلى الاتحاد وإنشاء هيئة تمثلهم ومن أجل ذلك دعا المؤتمرون في بلودان قادة الجبهتين وتكونت كما يلي: جمال الحسيني وإميل الغوري عن اللجنة العربية وأحمد حلمي ود.حسين الخالدي عن الهيئة العربية العليا وقد جاء تكوينها لمصلحة الحاج أمين لأنها تضم اثنين من حزبه واثنين من الذين كانوا يتعاونون معه وعندما وصل الحاج أمين الحسيني إلى القاهرة حاول أن ينهي الدعاية والمشروع الإنشائي وعقدت اجتماعات ومباحثات استهدفت إخضاع تلك المؤسسات للهيئة مع أن الهيئة لم تمانع في أن يظل هو رئيسها كما أن الحكومة العراقية وهي الممولة لم توافق أبداً على انتقال إدارة المؤسسات المذكورة إلى الهيئة العربية العليا وأصدر الحاج أمين الحسيني بعد عودته إلى القاهرة قراراً بإضافة أسماء جديدة للهيئة العربية العليا وهؤلاء هم: محمد عزت دروزة ورفيق التميمي ومعين الماضي وحسن أبو السعود وإسحق درويش وأصبح هؤلاء مع الأعضاء الذين اختارهم مؤتمر بلودان الهيئة العربية العليا وظلوا كذلك إلى أواسط عام 1947م حين انسحب محمد عزت دروزة منها لأنه كما يقول: لم يعد يحتمل مسؤولية الأساليب المتبعة فيها( ).
منذ أواخر عام 1946م سجل نشاط الهيئة العربية العليا ازدياداً ملحوظاً فقد أنشأ مكتبها الرئيسي في القاهرة ووضعت اللوائح اللازمة لسير عملها من نظام أساسي وقانون داخلي وتنظيم للجان القومية ولائحة الصندوق القومي الذي سُمي بيت المال وقد حرصت الهيئة على أن تنشط في ميدان الاتصالات الدبلوماسية والدعاية فقررت إرسال الوفود إلى أنحاء مختلفة من العالم وأصدرت كراساً عن فلسطين نشرته بالعربية والإنجليزية وكان مجلس الجامعة قد قرر في اجتماعه من 8 - 12/يونيو/ 1946م أن تقدم دول الجامعة العربية المال للهيئة العربية العليا لتكون قادرة على العمل كما اتخذ مثل هذا القرار في اجتماعات مجلس الجامعة في 17-29/مارس/1947 إلا أن ما تسلمته الهيئة حتى حزيران من عام 1948م لم يتجاوز مبلغ مائة وثلاثة وأربعين ألف جنيه دفعت سوريا منها ثلاثة آلاف جنيه فقط.
اجتمعت الأمم المتحدة في 28/إبريل/1947 بناءً على دعوة الحكومة البريطانية للنظر في قضية فلسطين وقد منحت الهيئة العربية العليا حق الكلام باسم فلسطين فتحدث المحامي هنري كتن ممثلاً عنها وأكد مطالبة عرب فلسطين بالاستقلال ووقف الهجرة اليهودية حالاً وأعلن معارضة عرب فلسطين ورفضهم لأية قرارات تصدر إذا كانت لا تتفق ومطالبهم لذا شكلت هيئة الأمم لجنة تحقيق لم تدخلها أي من الدول الكبرى وقد وصلت فلسطين يوم 17/يونيو/1947م وقد قررت الهيئة العربية العليا مقاطعة هذه اللجنة لأنها ليست مكلفة بتحقيق المطلب الأساسي لعرب فلسطين وهو الاستقلال وطلبت من الشعب في فلسطين أن يعلن الإضراب يوم وصولها وقد استقبلت فلسطين والعواصم العربية اللجنة بالإضراب.
لكن الدول العربية قررت التعاون معها على أساس أنها تتكون من أعضاء في الأمم المتحدة وبينما اللجنة ما تزال في القدس أقيم مهرجاناً كبيراً باسم العمل من أجل المحافظة على الأراضي العربية ومقاومة سياسة الاحتلال الخاصة بالأراضي والمتمثلة في نزع الملكية وإزالة الشيوع وتسجيل الأراضي باسم المندوب السامي ولكن هدف الاجتماع لم يكن هذا فحسب إذ إن المقصود كان إعلان موقف العرب من قضية فلسطين بشكل عام وقد تُليت في الاجتماع رسالة من الحاج أمين الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا أكد فيها أن الثورة لا بد واقعة في فلسطين إن لم تعترف بريطانيا والولايات المتحدة بمطالب عرب فلسطين.
الجماعات والجيوش غير النظامية في فلسطين
عصبة التحرر الوطني: تم تأسيس عصبة التحرر الوطني بعد انفصال الشيوعيين العرب عن الشيوعيين اليهود وتأسيس حزب منفصل واحتفظ اليهود باسم الحزب القديم ودعا حزب عصبة التحرر الوطني إلى إدخال الصناعة وتشجيع زراعة الحمضيات وتسويقها وإعادة تشكيل الهيئة العربية العليا بطريقة الانتخاب الشعبي فقد شكلت الهيئة العربية بالتنسيق مع قادة الأحزاب والشخصيات التقليدية بصورة ترضي الحاج أمين الحسيني.
كان حزب عصبة التحرر حزباً مرتبطاً بتعليمات الإتحاد السوفيتي ويعمل بأوامره ويعتبر أن الوطنية حكر على الشيوعيين وقد رفض حزب عصبة التحرر الوطني قرار تقسيم فلسطين في بادئ الأمر وانضم إلى المقاومة الوطنية ثم غير الحزب رأيه عندما أعلن الإتحاد السوفيتي تأييده لتقسيم فلسطين.
اعتبرت عصبة التحرر الوطني أن المتطوعين العرب والمسلمين والجيوش العربية الذين حضروا للعمل على تحرير فلسطين غزاه جاءوا لمحاربة الشعب اليهودي المسالم والمدافع عن استقلاله ودعت إلى محاربتهم وكانت هذه المواقف هي الانتحار السياسي لعصبة التحرر الوطني والشيوعيين في العالم العربي وقد شكر ديفيد بن غوريون رئيس دولة إسرائيل جوزيف ستالين في 6/نوفمبر/1948 في رسالة قال فيها أن الشعب اليهودي لن ينسى العون والتأييد الذي قدمه الإتحاد السوفيتي إلى إسرائيل وكان هدف عصبة التحرر الوطني من تأييد قرار التقسيم وإقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية سوف يؤدي إلى انحسار النفوذ العربي في البلاد العربية لصالح الكتلة الاشتراكية وأن تدخل الدول العربية سيؤدي إلى خروج القضية من يد الفلسطينيين ويدخلها في الصراعات العربية والعالمية مما يؤدي إلى فقدان القرار الفلسطيني.
آثر الشيوعيون التكتيك والمعالجة الحزبية علي النضال ومصلحة الوطن وطرحت الأحزاب الشيوعية في العالم العربي قضايا عجزت عن طرحها طرحاً موضوعياً ولذلك لم تستطع الأحزاب الشيوعية الوصول إلى دور قيادي وكان دورها محدوداً في أوساط القاعدة الشعبية في العالم العربي.
إن تأييد الشيوعيين لتقسيم فلسطين ومعارضة فكرة الكفاح المسلح دفع ثمنه غالياُ الشيوعيون في فلسطين والعالم العربي( ).
موقف الاتحاد السوفيتي عام 1947م: كان الاتحاد السوفيتي يرغب في خلق حالة من الفوضى والاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط لأن هذه الحالة تخدم مصالحه وأهدافه فلم يكن للاتحاد السوفيتي أية علاقات مع أية دولة عربية لذلك رأى أن يستمر تقسيم فلسطين لخلق حالة من الفوضى والاضطرابات في الشارع العربي وفي الأنظمة العربية في المنطقة وأيضاً لعمل مجابهة بين الدول العربية والولايات المتحدة وأوروبا وكان يأمل في التعامل مع الدولة الإسرائيلية لتكون قاعدةً لنشر المبادئ الشيوعية في الوطن العربي وقد وجِد في فلسطين في تلك الفترة مجموعات تؤيد الاتحاد السوفيتي لكنها كانت جماعات هامشية ليس لها وزن في الشارع السياسي.
بدأ النشاط السري لعصبة التحرر الوطني في فلسطين وكان رأي القيادة السوفيتية أن الإسهام في خلق دولة إسرائيلية يعطي فرصاً للاتحاد السوفيتي لنشر مبادئه في العالم العربي وجعل إسرائيل قاعدة لمبادئ الشيوعية وإن شيوعيي فلسطين وعلاقة التبعية للشيوعية العالمية جعلتهم ينتهجوا منهجاً تضليلياً ويطرح فرضيات وشعارات بعيدة عن الواقع وفشل في فهم القضية الفلسطينية وقد عارض الشيوعيون في غزة دخول الجيش المصري إلى فلسطين وكان شعارهم: أن على الجيش المصري تحرير مصر من الجيش الإنجليزي قبل تحرير فلسطين.
حل عصبة التحرر عـام 1948: عند دخول الجيش المصري لفلسطين كان أول عمل له أن حل عصبة التحرر والشيوعية واعتقل معظم قياداتها في سجن أبو عجيلة في سيناء وعند احتلال القوات الإسرائيلية موقع أبو عجيلة تم نقل هؤلاء المعتقلين إلى معتقل بئر السبع وخيروهم أن يعيشوا في إسرائيل أو يرحلوا إلى قطاع غزة فاضطر معظمهم إلى البقاء في إسرائيل وكان منهم: علي عاشور وأسعد مكي ومحمد خاص وبعد أن أفرجت السلطات المصرية عن باقي الشيوعيين عملوا سراً في استقطاب عناصر جديدة من طلاب ومدرسين وأصدروا نشرة رسمية تعرف باسم الشرارة وظهر الحزب الشيوعي في أوساط اللاجئين الذين يعيشون حياة الفقر والبؤس ومرارة الهجرة وحرمان الوطن وبدأت بظهور قيادات شابة مثل: معين بسيسو ونمر هنية وخليل عويضة وحسن أبو شعبان وسمير البرقوني وعمر كحيل وفخري مكي وأحمد خليل مصلح وعطية مقداد وقد تحالف الإخوان المسلمون مع الشيوعيين للمرة الأولى والأخيرة في مظاهرات 28/فبراير/1955 في غزة للتصدي لمشروع توطين اللاجئين في سيناء واعتقل الشيوعيون مع الإخوان المسلمين وأُبعدوا في معتقلات سيناء ومصر( ).
جماعة العرب: بدأ الشيخ هاشم الخزندار يكون مجموعة من الأصدقاء في عام 1943 عرفوا باسم جماعة العرب ثم حركة العرب في فلسطين.
تكونت الجماعة من حلقات كانت تجتمع على شاطئ بحر غزة في الصيف وفي الحمة في فصل الشتاء وكانوا يعبرون نهر الأردن من الحمة إلى أم قيس الأردنية للالتقاء بالإخوان المسلمين في الأردن وسوريا والعراق والاجتماع معهم ومع الثوار في الدول العربية يتبادلون الأفكار والآراء ويقومون بتهريب السلاح من أم قيس الأردنية عبر نهر الأردن إلى الحمة الفلسطينية حيث كانت لهم محطة في قرية سبخ قضاء طبريا بجوار الحمة وكانوا يتنقلون في مدن فلسطين وقراها وكان في حوزة هذه المجموعة مسدسات من نوع نصف جولد وبرشوت ومدافع ستن وتومجن وأنواع مختلفة من السلاح الألماني والفرنسي والإنجليزي.
هذه المجموعة مزيج من فئات مختلفة من الشعب الفلسطيني ولها أكثر من اتجاه ورأي لكنها اجتمعت وتوحدت على العمل من أجل محاربة اليهود الصهاينة وقد وصلت إلى أن صار السواد الأعظم منهم يتبع حركة الإخوان المسلمين وهذه المجموعة مكونة من: الشيخ هاشم الخزندار رئيساً ومجدي عرفات نائباً للرئيس وأحمد فاضل الملاح سكرتيراً وأسعد زينة أميناً للصندوق وصالح الغزالي نائباً لأمين صندوق ومصباح الشوا المسئول العسكري وعضوية كل من: محمد البدري ونصري أبو خليل وأحمد فهد شهاب وتوفيق إرحيم وفؤاد شراب وجواد عرفات وواصف قرمان وحلمي الشوا وحلمي فيصل وطه أبو شعبان وهاني بسيسو ومحمد شملخ ونجيب الخزندار وزهدي أبو شعبان وبكر الخزندار ومحمود الشوا وسالم غربية وسليم مراد وأحمد أبو حصيرة وكان يداوم على زيارة معسكرهم على شاطئ بحر غزة الشيخ عمر صوان والشيخ محمد الغزالي والشيخ محمد فرغلي والشيخ سيد سابق وأغلب قيادات الإخوان المسلمين في قطاع غزة ومصر.
جيش الجهاد المقدس: شكل القائد عبد القادر الحسيني جيش الجهاد المقدس مستفيداً من تنظيمات الحزب العربي الفلسطيني ومن ثوار 1936-1939 وكان إنشاؤه تحدياً للخطط الاستعمارية البريطانية ولموقف حكومة بريطانيا التي كانت تعارض بشدة تسليح الفلسطينيين وتجنيدهم خشية أن يعرقل ذلك خطط الغرب في إنشاء دولة العدو الصهيوني وضم الأجزاء العربية التي حددها مشروع التقسيم إلى حكومة شرق الأردن.
تجسد موقف بريطانيا في نشاطات البريغادير تشارلز كلايتن السياسي البريطاني الملحق بالسفارة البريطانية بالقاهرة الذي كان متفرغاً لشئون جامعة الدول العربية والذي أجمعت المصادر التاريخية على أنه كان يسيطر على قرارات الجامعة كما كان يرافق رجال الحكم في الأردن أينما حلوا وحيثما سافروا وحضر معظم المؤتمرات العربية الخاصة بفلسطين ولاسيما مؤتمرات أنشاص وبلدوان وعالية وكان يعارض بشدة باسم حكومته اتخاذ أي قرار لجامعة الدول العربية يتعلق بتسليح الفلسطينيين ولا يملك ممثلو الحكومات العربية مخالفته ومن الناحية الأخرى كان إنشاء جيش الجهاد المقدس تحدياً للنشاط الإعلامي الواسع الذي قامت به الحكومات العربية وأجهزة المخابرات البريطانية لتثبيط همم الفلسطينيين وصرفهم عن التسليح والاستعداد للقتال والقول "إن جيوش الدول العربية ستكفيهم القتال.
إن جامعة الدول العربية عارضت في البداية دخول عبد القادر الحسيني من سوريا إلى فلسطين لكنها رضخت في النهاية لإصراره ولإصرار الشعب العربي الفلسطيني على حمل السلاح والقيام بدوره وواجبه في الدفاع عن وطنه( ) ووافقت على أن يكون عبد القادر الحسيني قائدا لمنطقة القدس, والشيخ حسن سلامة قائدا لمنطقة يافا وأن يكونا تابعين لقيادة اللجنة العسكرية التي شكلتها الجامعة العربية لكنها في الوقت نفسه حرصت على أن يسلح هذا الجيش بقلة من البنادق القديمة البالية والذخائر القليلة الفاسدة واعتمد هذا الجيش على الأسلحة التي اشتراها عبد القادر الحسيني والهيئة العربية العليا من بدو الصحراء الليبية من مخلفات الحرب العالمية الثانية وعلى الأسلحة التي اشتراها أفراد الشعب من تجار الأسلحة بمالهم الخاص وبسبب قلة السلاح والمال لم تتسلح كل رجال هذا الجيش وقد جند قسم من الشبان في المناطق الخطرة التي يتمركز فيها قوات يهودية أما مدن الخليل ونابلس وغيرها التي كان يمكن أن يشكل شبانها وشبان قراها احتياطا كبيرا فكانت مشاركتهم محدودة نظراً للصعوبات عديدة.
لم يكن جيش الجهاد المقدس جيشاً نظامياً بالمعنى العسكري التقليدي بل مجرد ميليشيا شعبية تنظيمه أقرب إلى مجموعة من السرايا المستقلة الخفيفة المربوطة مباشرة بالقائد العام عبد القادر الحسيني في منطقة القدس والشيخ حسن سلامة في منطقة يافا –اللد أما شمال فلسطين فلم يكن لهذا الجيش هناك سوى تشكيلات صغيرة متناثرة هنا وهناك ترتبط ارتباطا واهياً بعبد القادر الحسيني والهيئة العربية العليا أو بالقيادة العسكرية التي شكلتها الهيئة العربية العليا في دمشق وأذكر من قادة الشمال: توفيق إبراهيم في منطقة الناصرة وفوزي جرار في منطقة جنين وصبحي شاهين في منطقة طبريا.
نلاحظ أن جيش الجهاد المقدس في منطقة القدس سيطر على الموقف العسكري فترة طويلة وخاض معارك بطولية ناجحة, ولم تكن في منطقة القدس حتى دخول الجيوش العربية إلى فلسطين قوات أخرى غير قوات الجهاد المقدس عندما وصلت كتيبة من جيش الإنقاذ إلى القدس بقيادة فاضل عبد الله رشيد لم يحدث خلافات بل جرى تعاوناً لا بأس به بين الجهاد المقدس وجيش الإنقاذ وفي منطقة يافا تشكلت قوات تابعة لبلدية يافا وقوات أخرى لم تكن خاضعة لقيادة الشيخ حسن سلامة وكان بعض المشرفين عليها من معارضي الحزب العربي الفلسطيني.
ظهرت في هذه المنطقة صعوبات لتعدد القيادات وعدم ارتباطها بقيادة مركزية فضلاً عن صعوبات كثيرة أخرى وقد أقام عبد القادر الحسيني قيادته العامة في بلدية بير زيت وعمل في مقر القيادة العامة كامل عريقات وقاسم الريماوي وبالإضافة إلى سرية مقر القيادة شكلت بعض السرايا في قرى رام الله أصبحت قيادة جيش الجهاد المقدس في مدينة القدس خصوصاً بعد استشهاد القائد العام عبد القادر الحسيني وتولى خالد الحسيني القيادة وكان مقرها في مدرسة القادسية "المأمونية القديمة" في البلدة القديمة وكان لخالد الحسيني عدداً من المساعدين منهم الدكتور داوود الحسيني وصلاح الحاج مير وفي مدينة القدس وقراها كانت توجد القوات الرئيسية لهذا الجيش وتتألف من السرايا التالية:
1-سرية البلدة القديمة بقيادة حافظ بركات.
2-سرية حي باب الساهرة بقيادة بهجت أبو غربية يساعده رءوف درويش.
3-سرية حي المصرارة بقيادة صبحي أبو غربية وبعد إصابته بجروح خطرة تولى قيادتها بهجت أبو غربية بالإضافة إلى قيادة سرية حي باب الساهرة.
4-سرية حي وادي الجوز بقيادة محمود الحسيني وبعد استشهاده تولى قيادتها محمد عادل النجار ومن بعده داوود العلمي.
5-سرية حي الشيخ جراح بقيادة محمود الحسيني وكان يساعده عادل شرف وعبد القادر ادكيك وبعد استشهاد القائد تولى قيادتها كمال الحسيني وعادل عبد اللطيف وموسى الموسوس.
6-سرية حي الثوري بقيادة محمد سعيد عارف بركات.
7-سرية النبي داوود بقيادة صبحي بركات وبعد استشهاده تولى قيادتها أحمد أمين الدجاني.
8-سرية حي القطمون بقيادة شفيق عويس ثم تولى قيادتها إبراهيم أبو دية.
9-سرية التدمير ومقرها القدس القديمة بقيادة فوزي القطب.
10-سرية حي مأمن الله بقيادة محمد أبو ناب.
11-سرية قرية أبو ديس بقيادة فوزي عريقات.
12-سرية قرية العيزرية بقيادة إبراهيم أبو الريش
13-سرية قرية صور باهر بقيادة جاد الله محمود الخطيب.
14-سرية قرية عين كارم بقيادة خليل منون.
15-سرية قرية بيت صفافا بقيادة محمود العمري وعبد الله العمري.
وكان تعداد هذا الجيش في منطقة رام الله نحو خمسمائة رجل وفي منطقة القدس ما لا يزيد على ألف رجل( ).
قيادة الشيخ حسن سلامة: كانت قوات الشيخ حسن سلامة في منطقة اللد تعتبر جزءاً من جيش الجهاد المقدس وتتألف من حامية يافا وحي أبو كبير ويازور بالإضافة إلى مقر القيادة الذي أقيم في بناية ملجأ الرجاء قرب الرملة وخاضت هذه القوات معارك عديدة قاسية دفاعاً عن مدينة يافا وضواحيها في وجه قوات متفوقة عليها أضعافاً مضاعفة كما أسهمت في إغلاق طريق القدس-يافا في وجه القوات الصهيونية وتفرقت قوات الشيخ حسن سلامة بعد سقوط يافا واستشهاده في معركة رأس العين بعد دخول جيوش الدول العربية إلى فلسطين.
ما تبقى من هذه القوات انسحب إلى منطقة رام الله بقيادة محمود أبو الخير وفخري مرقة أما قوات الجهاد المقدس فاستمرت في القتال بعد دخول جيوش الدول العربية إلى فلسطين وتركز دورها في منطقة بيت لحم والخليل بالإضافة إلى القدس وفي شهر ديسمبر/1947 أعادت الهيئة العليا لفلسطين تشكيل الجهاد المقدس باسم "جيش الجهاد المقدس" وبقيادة عبد القادر الحسيني نفسه وكان هذا الجيش يمثل "الجيش الفلسطيني" الذي وضعت القيادة الوطنية الفلسطينية ثقلها فيه وكان يتكون من خمسة آلاف إلى سبعة آلاف مقاتل تساندهم فئة أخرى من المقاتلين المقيمين في قراهم والذين يستدعون عند الحاجة ويبلغ مجموعهم نحو عشرة آلاف.
على الرغم من حماسة أفراد الجهاد المقدس وتضحياتهم لكن هذا الجيش كان ضعيف التسليح والتدريب قياساً بإمكانات القوات اليهودية الصهيونية وأسهمت خلافات الأنظمة العربية مع "الهيئة العربية العليا" في عدم تحويل الكثير من الأسلحة والأموال التي كان يتم التبرع بها إلى هذا الجيش والذي كان بأمس الحاجة إليها و توزعت قوات الجهاد المقدس على مختلف مناطق فلسطين وخاضت معارك كثيرة ناجحة مثل معارك النبي داود وأبو شريتح ومجد الكروم والكابري والبروة وبيت سوريك والماصيون وميكور حاييم وقامت فرقة التدمير في الجهاد المقدس بنسف شارع هاسوليل في القدس الجديدة مما أدى إلى قتل وجرح أعداد كبيره كما فجرت شارع بن يهودا في القدس حيث وقع عدد كبير من اليهود بين قتيل وجريح.
كان استشهاد عبد القادر الحسيني في معركة القسطل في 9/إبريل/1948 أحد النماذج المشرفة للتضحية والجهاد في فلسطين وكان له أثر بالغ على جيش الجهاد المقدس وعندما حدثت الهدنة الأولى بين الجيوش العربية والكيان الصهيوني في يونيو/1948 وضعفت الإمكانات العسكرية للهيئة العربية العليا اضطرت الكثير من عناصر الجهاد المقدس إلى الانضمام للجيش الأردني (ألف وأربعمائة وثمانية وثلاثون مجاهداً) وللجيش العراقي (مائتان وستة وسبعون مجاهداً) والجيش المصري (مائة وخمسون مجاهداً) وجيش الإنقاذ (ستمائة مجاهد) وظلت قوات الجهاد المقدس قائمة إلى أن أصدرت الحكومة الأردنية قراراً بحلها في 18/ديسمبر/1948 لكنها ظلّت ترابط في أماكنها إلى أن أتاها أمر الحل من الهيئة العربية العليا في 15/مايو/1949.
جيش الإنقاذ: عارضت الحكومة الإنجليزية بشدة تسليح شعب فلسطين ودخول الجيوش العربية إلى فلسطين لكن لم تمانع في تنفيذ قرار جامعة الدول العربية الذي عقد في عاليه في لبنان عندما تأكدت جامعة الدول العربية من عزم الأمم المتحدة على تقسيم فلسطين دعت إلى عقد مؤتمر قمة عربية في لبنان في 7/أكتوبر/1947م لدراسة التدابير اللازمة للوقوف في وجه مؤامرة التقسيم الدولية وكان أهم القرارات التي اتخذت في هذا المؤتمر تأليف لجنة عسكرية من اللواء الركن العراقي إسماعيل صفوت رئيساً والعقيد السوري محمد الهندي عضواً والمقدم الركن اللبناني شوكت شقير عضواً والمناضل الفلسطيني صبحي الخضرا عضواً.
ولم ترسل مصر والأردن والسعودية واليمن من يمثلها في اللجنة وقد أوصت اللجنة بفتح باب التطوع أمام الشبان العرب للمشاركة في الكفاح المسلح في فلسطين وحددت اللجنة العسكرية مهمتها دراسة الموقف من الناحية العسكرية ومساعدة أهل فلسطين في الدفاع عن أنفسهم وكان أهم قرارات اللجنة العسكرية تشكيل جيش الإنقاذ اتخذت اللجنة العسكرية قرارات أهمها:
1-تسليح عرب فلسطين.
2-حشد الجيوش العربية على حدود فلسطين.
3-دخول قسم من الجيوش العربية إلى فلسطين قبل 15/مايو/1948
إلاَّ أن الجامعة العربية لم توافق إلا على تشكيل جيش الإنقاذ وكذلك انجلترا لم تمانع في تشكيل هذا الجيش لأنه سيمتص القسم الأكبر من المعونات ويحجبها عن المقاتلين الفلسطينيين وكذلك سيحول عدداً كبيراً من الشباب العربي المتحمس للقتال والسيطرة عليهم بالانضباط العسكري.
اعتبر قادة الجيش الإنجليزي في فلسطين جيش الإنقاذ مسئولاً رسمياً عن الأمن وسط فلسطين وعزز الجيش الإنجليزي قواته في المناطق التي بها مستعمرات يهودية لحمايتها من أي هجوم عربي وبدأ تشكيل جيش التحرير الذي عُرف فيما بعد باسم جيش الإنقاذ والذي تكون من متطوعين سوريين ولبنانيين وأردنيين وعراقيين ومصريين وسعوديين ويمنيين وعدد قليل من جنسيات غير عربية من تركيا ويوغسلافيا وألمانيا وإنجلترا مما جعل تركيبته غير متجانسة من حيث الأفراد أو التسليح أو التدريب أو أسلوب العمل وأسندت قيادته إلى فوزي القاوقجي وقد بلغ عدد الذين تقدموا للتطوع عشرة آلاف إلا أن من دخل منهم إلى فلسطين لم يزد عن أربعة آلاف وستمائة وثلاثين متطوعاً جاؤوا في ثمانية أفواج هي:
1- فوج اليرموك الأول: بقيادة المقدم السوري محمد صفا وقد دخل فلسطين في 22/يناير/1948م وعسكر في منطقة جنين وبيسان.
2- فوج اليرموك الثاني: بقيادة المقدم السوري أديب الشيشكلي وقد دخل إلى فلسطين يوم 9/يناير/1948م وعبر بنت جبيل في لبنان.
3- فوج القادسية: بقيادة المقدم العراقي مهدي صالح العاني وقد دخل فلسطين في شهر فبراير/1948م.
4- فوج حطين: بقيادة النقيب العراقي مدلول عباس وقد دخل فلسطين في شهر مارس/1948م وتمركز في منطقة طوباس.
5- فوج اليرموك الثالث: بقيادة القائد العراقي عبد الحميد الراوي وقد دخل فلسطين في شهر إبريل/1948م وتمركز في منطقة القدس ورام الله.
6- فوج أجنادين: بقيادة النقيب الفلسطيني ميشيل عيسى وقد تولى الدفاع عن يافا وباب الواد.
7- فوج العراق: بقيادة المقدم العراقي عادل نجم الدين وقد دخل إلى يافا وتولى القيادة فيها.
8- فوج جبل العرب: بقيادة الرائد السوري شكيب وهاب وقد تمركز في شفا عمرو قرب الناصرة بالإضافة إلى السرية اللبنانية بقيادة النقيب حكمت علي وسرية الفراتين بقيادة النقيب خالد مطرجي والمجموعات العراقية والحموية والشركسية والأردنية والسورية واللبنانية والبدوية وحامية عكا ومفرزة مجدل شمس والمفرزة اليوغسلافية.
أعيد تنظيم جيش الإنقاذ في شهر مارس/1948 على شكل ألوية فأصبح مؤلفاً من:
1- لواء اليرموك بقيادة المقدم محمد الصفا.
2- لواء اليرموك الثاني بقيادة المقدم أديب الشيشكلي.
3- لواء اليرموك الثالث بقيادة المقدم مهدي صالح العاني.
كان قائد جيش الإنقاذ فوزي القاوقجي قد دخل إلى فلسطين في 7/مارس/1948م وتولى قيادة وحدات هذا الجيش من منطقة المثلث نابلس-جنين-طولكرم وقد قدم العون للجيشين الأردني والعراقي في معاركهما وكان يتبع أسلوب المزج بين القتال النظامي وحرب العصابات وكان يعاونه في قيادة جيش الإنقاذ خليل كلاس قائد جيش الإنقاذ في عكا وميشيل عيسى قائد جيش الإنقاذ في يافا وعبد الحميد الراوي قائد جيش الإنقاذ في يازور والشيخ الإمام قائد جيش الإنقاذ في منطقة سلمه وعبد الحميد الراوي وفاضل عبد الرشيد قيادة منطقة القدس وعاهد السخن وآخرون في قيادة جيش الإنقاذ ومنهم عبد الحق الغزاوي وطارق الإفريقي المجدل.
واعتبرت اللجنة العسكرية من الناحية الشكلية عبد القادر الحسيني قائداً لمنطقة القدس ورام الله وحسن سلامة قائداً لمنطقة يافا وتابعين للجنة العسكرية وما أَنْ دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين حتى وردت برقيات إلى جيش الإنقاذ من دمشق وعمان تطلب منهم سرعة الانسحاب من فلسطين مما جعل القاوقجي يضع خطة للانسحاب في ثلاثة أيام فقط تبدأ يوم 17/مايو/1948م وتنتهي يوم 20/مايو/1948م ( ).
مواقف وزعامات وقادة
أمين الحسيني: ولد في القدس وتلقى دروسه الأولية فيها ثم التحق بالأزهر في مصر والكلية العسكرية في استانبول وانضم سراً إلى الثورة العربية الكبرى وبعد الاحتلال الإنجليزي للقدس عُين مرافقاً خاصاً للحاكم البريطاني العام في فلسطين لكنه استقال احتجاجاً على سياسة الحكومة البريطانية اتجاه فلسطين والعرب وأنشأ النادي العربي وهو أول منظمة سياسية فلسطينية كان لها الدور الأكبر في إنشاء الجمعيات الإسلامية والمسيحية وقيادة مظاهرات عام 1918م-1919م وعقد المؤتمر العربي الفلسطيني الأول.
اعتقل الإنجليز الحاج أمين الحسيني الإنجليز مرتين الأولى لقيادته مظاهرة في الخليل تطالب بالاستقلال وترفض تصريح بلفور والثانية لثورة عام 1920م في موسم النبي موسى بالقدس لكنه في المرة الثانية استطاع الهرب إلى دمشق في العهد الفيصلي ثم عاد إلى فلسطين عام 1922م بعد قيام الإدارة المدنية وصدور عفوٍ عنه وانتخب مفتياً للقدس بعد وفاة شقيقه كامل الحسيني فأعاد تنظيم المحاكم الشرعية ودائرة الأوقاف والمدارس الإسلامية وأقام هيئة إسلامية مستقلة تشرف على شؤون المسلمين ومصالحهم وأنشأ دار الأيتام الإسلامية الصناعية وفتح عشرات المدارس واسترجع أراضي الوقف الإسلامي وأنشأ فرق الجوالة والكشافة الإسلامية والجمعيات الخيرية والنوادي الأدبية والرياضية بالإضافة إلى إصلاح المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة.
كانت أهم أعماله في تلك الفترة الدعوة إلى عقد أول مؤتمر إسلامي عالمي بالقدس والدعوة إلى تأسيس جامعة الأقصى التي حالت بريطانيا دون تأسيسها ومحاربة بيع الأراضي وإقامة منظمات سرية تدرب الشباب عسكرياً وتولى رئاسة اللجنة العليا العربية بعد ثورة القسام والإضراب الكبير عام 1936م واستجاب لنداء الملوك العرب في 13/أكتوبر/1936م في إنهاء الثورة ووقف الإضراب ورفض أمين الحسيني قرار لجنة بيل لتقسيم فلسطين عام 1937م فحاولت بريطانيا القبض عليه ونفيه لكنه لجأ إلى المسجد الأقصى.
عندما تجددت الثورة على اثر اغتيال حاكم الجليل البريطاني أندروز بسبب استخفافه بالعرب وتنكيله بهم قامت بريطانيا بحل اللجنة العربية العليا واللجان القومية وحاولت القبض على المفتي الحاج أمين الحسيني الذي نجح في مغادرة فلسطين إلى لبنان لكن الإنجليز عادوا إلى الاعتراف باللجنة العربية العليا وذلك بعد أن تصاعدت الثورة في البلاد وتعقدت العلاقات الدولية عالمياً( ).
فشل مؤتمر المائدة المستديرة في لندن لحل القضية الفلسطينية فأصدرت بريطانيا كتاب ماكدونالد الأبيض الذي رفضته اللجنة العربية العليا وبعد قيام الحرب العالمية الثانية انتقل المفتي إلى العراق وأخذ ينظم قوات الجهاد المقدس ويدربها ويسلحها وشارك في ثورة رشيد علي الكيلاني في العراق كما شارك المناضلون الفلسطينيون في القتال مع قوات الثورة ضد الجيش البريطاني.
بعد فشل ثورة رشيد علي الكيلاني في العراق لجأ الحاج أمين الحسيني إلى طهران سراً ثم إلى ألمانيا وإيطاليا حيث أنشأ مكتب الحركة العربية في برلين وروما وبعد هزيمة ألمانيا وإيطاليا في الحرب العالمية الثانية اعتقل في فرنسا إلا أنه تمكن من الفرار إلى مصر( ) وفيها ترأس الهيئة العربية العليا التي تأسست بقرار من جامعة الدول العربية في 11/يونيو/1946م فأعاد تنظيم الحركة الوطنية وقوات الجهاد المقدس ومنظمة الشباب ورفض القرار رقم 181 قرار التقسيم الصادر في 29/نوفمبر/1947م وعندما قامت حرب فلسطين عام 1948م أُنشأ بيت المال العربي وأخذ يزود المقاتلين بالمال والسلاح( ) وقام برفع مذكرة باسم الهيئة العربية العليا إلى المندوب السامي تطالب بما يلي:
1- وقف الهجرة اليهودية حالاً.
2- منع انتقال الأراضي لليهود.
3- إنشاء حكومة وطنية مسئولة ومجلس نيابي ينتخب أعضاؤه من العرب واليهود على أساس ديمقراطي.
إن عدم فهم الهيئة العربية العليا لطبيعة الحرب العالمية الثانية وعدم درايتهم بالخطر النازي على مبدأ عدو عدوي صديقي جعلها تقترب من دول المحور وتبتعد عن القوى المعادية لها وهي الحلفاء مما جعل من السهل اتهام الحاج أمين الحسيني والهيئة العربية بالعمالة للنازية واستفاد اليهود من وقوفهم إلى جانب بريطانيا ضد دول المحور والنازية وشكلوا فِرقَاً يهودية أتاحت لها بريطانيا تعزيز بنيانها العسكري واستيعاب التقنيات والأساليب العسكرية المتطورة وكانت هذه أول نواة للجيش الإسرائيلي.
أسست الهيئة العربية في دمشق قوات الجهاد المقدس في هذه الفترة برئاسة القائد عبد القادر الحسيني ونائبه كامل عريقات وأمين السر قاسم الريماوي وبعد النكبة وافق على تأليف حكومة عموم فلسطين وترأس مؤتمر غزة في 1/ديسمبر/1948م الذي أعلن الاستقلال والعمل على تحرير القسم المحتل من فلسطين لكن السلطات المصرية طلبت إليه الإقامة في القاهرة كما نقلت حكومة عموم فلسطين إلى القاهرة وجمدت نشاطها واستمر يناضل ويقاوم مشاريع التوطين والتصفية وبعد قيام الثورة المصرية عام 1952م تعاون مع الضباط الأحرار الذين كان يعرفهم منذ حرب فلسطين وقد تمخض هذا التعاون عن تشكيل وحدات فدائية وأنشأ جيشاً فلسطينياً في غزة كما اشترك في مؤتمر باندونغ عام 1955م على رأس وفد فلسطيني بصفة مراقب ولكنه اختلف مع القيادة المصرية وانتقل إلى بيروت ونقل مقر الهيئة العربية العليا إلى هناك( ).
عبد القادر الحسيني: ولد في استانبول حيث كان والده عضواً في مجلس المبعوثين درس في دار المعارف ومدرسة صهيون بالقدس والتحق بكلية العلوم بالجامعة الأمريكية في القاهرة وعايش الحركة الوطنية المصرية والنشاط السياسي من خلال رابطة الطلبة الشرقيين وكشف زيف الجامعة الأمريكية ودورها وطلب من المصريين مقاطعتها فطرد من مصر في عهد حكومة إسماعيل صدقي وعاد إلى فلسطين وعمل في الصحافة ودائرة تسوية الأراضي حيث أحبط أكثر من محاولة للاستيلاء على الأرض العربية من قبل اليهود.
استقال من عمله وانضم إلى الحزب العربي الفلسطيني من أجل إعداد ثورة على الاحتلال البريطاني والحركة الصهيونية واشترك في ثورة 1936م – 1939م وخاض اشتباكات مسلحة ضد الجنود البريطانيين في عام 1937 منها اشتباك الخضر الذي استشهد فيه القائد السوري سعيد العاص وجُرح عبد القادر وأسر لكنه استطاع الهرب من المستشفى العسكري بالقدس وتوجه إلى دمشق حيث استكمل علاجه وعاد إلى فلسطين عام 1938م.
تولى قيادة الثوار في عدد من المعارك في القدس وبيت لحم والخليل وأريحا ورام الله وبئر السبع وجُرح مرة ثانية في معارك الخليل ونقله زملاؤه إلى المستشفى الإنجليزي بالخليل ثم إلى سوريا ولبنان والعراق حيث التحق بدورة ضباط احتياط.
شارك في ثورة رشيد علي الكيلاني عام 1941م وسجن بعد هزيمة ثورة رشيد الكيلاني ولكن تحت ضغط الرموز الوطنية والرأي العام ثم تخفيف الحكم عليه ونفي إلى مدينة زاخو, واتهم بمحاولة اغتيال فخري النشاشيبي الذي اغتيل في بغداد في وضح النهار على يد أحد الفلسطينيين في العراق, واعتقل في سجن العمارة وتم الإفراج عنه اثر تدخل الملك عبد العزيز بن سعود فتوجه إلى السعودية ثم برلين حيث تلقى دورة تدريب على صنع المتفجرات انتقل بعدها إلى القاهرة.
لكن السلطات المصرية حاولت إبعاده بسبب نشاطه السياسي وعلاقته مع حزب مصر الفتاة وحركة الإخوان المسلمين بالإضافة إلى شراء أسلحة وتدريب بعض الفلسطينيين والمصريين على المتفجرات( ) لكن قرار الإبعاد لم ينفذ بسبب الضغط الذي مارسته القوى الوطنية المصرية وبعد صدور قرار التقسيم 29/نوفمبر/1947م قررت الهيئة العربية العليا تشكيل منظمة الجهاد المقدس المسلحة وتعيين الحاج أمين الحسيني قائداً أعلى لها وعبد القادر الحسيني قائداً عاماً انتقل إلى فلسطين في 22/ديسمبر/1947م وألف مجلس قيادة الثورة ولجنة التموين وحشد النجدات وكانت خطته تقوم على:
1- اعتماد الشعب الفلسطيني على نفسه.
2- طلب الإمداد العسكري من الأقطار العربية.
3- إعلان قيام حكومة عربية فلسطينية.
حققت قوات الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني انتصارات مهمة رغم قلة الإمكانيات حيث استسلم يهود القدس بعد الحصار ونسفت بعض المؤسسات مثل بناية حزبون ومقر الوكالة اليهودية وبناية شركة سوليل بونيه ودار الصحافة اليهودية وصحيفة عل همشمار وهامشكيف ووكالة اليونايتدبرس والوكالة اليهودية للأنباء وحي منتفيوري وشارع بن يهوذا في القدس ومصنع الكحول في يافا وبناية المطاحن في حيفا.
شن عبد القادر الحسيني على رأس قوات الجهاد المقدس هجمات قوية ضد مستعمرات إزفي يعقوب وعطاروت وميكور حاييم ورامات راحيل وتل بيوت وسانهدريا بالإضافة إلى السيطرة على منطقة القدس والتحكم في خطوط المواصلات التي تربط بين أغلب المستعمرات الصهيونية في فلسطين وفي أواخر عام 1947م توجه عبد القادر الحسيني إلى دمشق طلباً للسلاح من اللجنة العسكرية التابعة لجامعة الدول العربية ولكن لم يستطع الحصول إلا علي ستين بندقية إنجليزية قديمة وعشرة مدافع رشاش وبضع قنابل وثمانمائة جنيه فلسطيني أعطاها له الحاج أمين الحسيني وصل عبد القادر القدس صباح يوم 7/إبريل/1948م ونظم هجوماً مسلحاً لاستعادة القسطل.
استطاعت قواته أن تسترد القرية في اليوم التالي 8/إبريل/1948م واستشهد أثناء القتال ودعته فلسطين كلها ودفن إلى جانب قبر والده بالقدس.
إن علاقة الشيخ هاشم مع آل الحسيني مميزة وكان يعتبر عبد القادر الحسيني البطل الحقيقي والأمل المنشود هو ورفاقه من المناضلين فشجاعة عبد القادر الحسيني وأمانته وحسن أخلاقه كانت تؤهله لأن يكون القائد المتميز في فلسطين وقد ظل الشيخ هاشم محافظاً على ذكراه وانتقلت العلاقة إلى نجله المرحوم فيصل الحسيني استقبله الشيخ هاشم الخزندار في بيته في أول زيارة له لمدينة غزة وحين زار بلدية غزة عمل على تلبية كل طلباته ويومها قال الشيخ هاشم الخزندار أمام المجلس البلدي: "إن هذا الشبل من ذاك الأسد" ففيصل فيه كل صفات عبد القادر الحسيني رحمه الله وجعله خلف لخير سلف( ).
حسن سلامة: ولد في قرية قولة ونال التعليم الابتدائي واشتغل عامل كسارات ثم عمل في البيارات و كان أحد قادة الثورة الكبرى 1936م - 1939م وحرب عام 1948م واشترك في مظاهرات يافا الدامية عام 1933م طاردته قوات الانتداب فلجأ إلى القرى يدعو أهلها إلى الثورة وعندما أعلنت الثورة الكبرى في مطلع مايو/1936م أسندت إليه قيادة منطقة اللد والرملة ويافا فخطط وقاد عدداً من العمليات العسكرية الناجحة ضد قوات الاحتلال البريطاني والمستعمرات الصهيونية مثل نسف خطوط السكك الحديدية وأعمدة الكهرباء وخطوط المواصلات وإحراق بيارات الصهاينة ونسف قطار اللد حيفا عام 1938م مع رفيقه محمد سلامة وتمكن من النجاة وأطلق لحيته كي يتخفى فدعاه الناس الشيخ ولازمه هذا اللقب حتى استشهاده.
غادر فلسطين إلى لبنان وسوريا ثم العراق حيث التحق بالكلية الحربية واشترك في ثورة رشيد علي الكيلاني وأُسندت إليه قيادة مائة وخمسة وستين مناضلاً فلسطينياً انتظموا بالثورة العراقية في محاربة الإنجليز وبعد إخفاق الثورة غادر العراق إلى تركيا ثم ألمانيا حيث أتم تدريبه على القتال وصناعة الألغام وعاد عام 1943م إلى فلسطين جواً مع المناضل ذي الكفل عبد اللطيف وثلاثة من الألمان للاتصال بالقوة الوطنية وإشعال الثورة ضد الإنجليز ولكن قوات الاحتلال البريطاني اعتقلت ذا الكفل عبد اللطيف واثنين من الألمان وتمكن هو والألماني الثالث من الاختفاء في جبال القدس والانتقال إلى سوريا.
عاد إلى فلسطين بعد صدور قرار التقسيم في شهر نوفمبر/1947م وأُسندت إليه قيادة القطاع الغربي من المنطقة الوسطى ثم منطقة القدس بعد استشهاد القائد عبد القادر الحسيني في معركة القسطل أُصيب في معركة رأس العين شمال غرب القدس أثناء قيادته هجوماً مضاداً على مراكز العدو الصهيوني في 31/مايو/1948م.
نقل إلى المستشفى واستمر رجاله يقاتلون الأعداء بحماسة حتى تمكنوا من طرد الصهاينة من رأس العين ولكن القائد استشهد في 2/يونيو/1948م بعد أن علٍم بانتصار رجاله واندحار الأعداء وقد كان على صداقة وثيقة وتعاون واتصال دائم مع مجموعات الثوار في غزة وقضائها( ).
فوزي القاوقجي: تم تشكيل جيش الانقاذ بقيادة فوزي القاوقجي اللبناني الأصل وقد كان جيش الإنقاذ خليطاً غير متجانس وبدون تنظيم وإدارة وتم تسليحه بعتاد قديم لا يتناسب مع صميم المهام الموكلة إليه واتهم فوزي القاوقجي الحاج أمين الحسيني أنه يشكل عصابات مسلحة في فلسطين ويعين لهذه العصابات قادة من الجهلاء ويعمل على تحريض المتطوعين في جيش الإنقاذ على الهرب بأسلحتهم والانضمام إلى الجماعات التي تنتمي إلى الحاج أمين الحسيني.
عرف اسم فوزي القاوقجي في فلسطين خلال المرحلة الأولى من ثورة 1936م وقد عين نفسه قائداً عاماً للثورة في فلسطين وعند اشتداد الثورة وامتدادها طلب من الشعب الفلسطيني أن ينهي ثورته اعتماداً على ضمانات الملوك والأمراء العرب وخاصة الملك عبد الله الذي منحه درجة الباشاوية وكان الخلاف بين فوزي القاوقجي والحاج أمين الحسيني كبيراً لدرجة أن الحاج أمين الحسيني اتهم فوزي القاوقجي أنه عميل للملك عبد الله والإنجليز( ).
اللواء أحمد فؤاد صادق: قائد القوات المصرية هو الذي رفض خطة جلوب باشا بإنسحاب الجيش المصري المحاصر في الفالوجة وكانت هذه الخطة لو قدر لها ونفذت كافية لإبادة الجيش المصري وكانت أوامر اللواء أحمد فؤاد صادق إلى الأميرالاي السيد طه الملقب الضبع الأسود: "دافعوا عن موقفكم لأخر طلقة ولأخر رجل فهكذا يجب أن يكون جنود مصر( ).
الأميرالاي السيد طه (الضبع الأسود): قائد القوات المصرية في الفالوجة وهو من أصل نوبي كان رجلاً عسكرياً بحتاً لم يطمح لأي منصب سياسي وقد حاول الضباط الأحرار الاتصال به حتى يقود ثورة يوليو ولكنه رفض وقاد الجيش المصري المحاصر في الفالوجة في أحلك الأوقات وكافح عدواً يفوقه عدة وعدداً وأجرى المفاوضات مع إيجال ألون في كيبوتس قريات جات الذي يبعد عن الفالوجة خمسة كيلو مترات حيث عرض إيجال ألون على السيد طه علاج الجرحى المصريين المحاصرين في الفالوجة في المستشفيات اليهودية مقابل أخذهم أسرى وعرض عليه الاستسلام وكان رد السيد طه "أنه يفضل الموت هو وجنوده على الاستسلام" وقاد فترة الحصار ببسالة وشجاعة حتى نهاية حرب فلسطين عام 1948( ).
مدحت الوحيدي: من أبطال مدينة غزة الذين سقطوا شهداء الوطنية والواجب وقد اشترك في ثورة 1936م وأصبح قائداً لفصيل مدينة غزة والمنطقة المحيطة بها ولقب بسهم الموت لسرعة إغارته وانقضاضه على العدو كما سمى فصيله باسم فصيل سهم الموت.
قام الثوار في منطقة غزة بأعمال كثيرة بقيادة مدحت الوحيدي من أبرزها: نسف خطوط مواصلات العدو في منطقة يبنا بناءً على اتفاق مع قائد الثورة عبد الرحيم الحاج محمد لمنع وصول الإمدادات للعدو من قاعدة القناة في مصر وقد استطاع مدحت ورجاله منع الجنود البريطانيين من دخول مدينة غزة وله في ذلك حادث معروف فقد علم أن عدداً من جنود الإنجليز يتجولون في حي الزيتون بحثاً عن الثوار فطوق الحي برجاله وقتل اثنين من المسئولين الإنجليز وكتب بجانب جثث القتلى رسالة ينذر فيها باغتيال كل من يعتدي على الشعب الفلسطيني كذلك ركز كثيراً على الهجمات باتجاه محطة غزة التي اتخذ منها العدو قاعدة لقواته وفي عام 1938م صدر الأمر من المندوب السامي بالقبض على عدد من الثوار ومن ضمنهم مدحت الوحيدي لذلك اضطر إلى مغادرة البلاد سراً إلى مصر حيث أقام في قرية هريه رزنه في مديرية الشرقية بمصر وظل مقيماً هنالك حتى انتهت الثورة عام 1939م ثم عاد إلى البلاد ولكنه عاد أكثر إصراراً وعزيمة فقام في أواخر أيام الثورة بنسف بعض خطوط المواصلات واشتبك مع الإنجليز في معركة ضارية عند محطة غزة وبسبب مطاردته من قبل السلطات عاد ثانيةً إلى مصر ومكث بها حتى عام 1942م.
عندما قامت حرب فلسطين عام 1947م تولى مدحت الوحيدي قيادة المناضلين في المنطقة واتخذ من مسجد السيد هاشم مقراً لقيادته كما جعل من بيارته مخزناً للسلاح.
قام مدحت الوحيدي ومعه مجموعة من المناضلين بالاشتباك مع الصهاينة في عدد من المعارك أشهرها المعركة في أرض شحيبر على أطراف غزة من الشرق (نحال عوز حالياً) وهي المعركة التي استشهد فيها هو ورفاقه عبد ربه جمعة الإفرنجي ويوسف داوود من غزة ومحمد علي بكر زايدة وجرح فيها سلامة الهزيّل وخليل الصانع حيث هُزم الصهاينة وتركوا على أرض المعركة عدداً من القتلى وكميات كبيرة من السلاح.
فقدت غزة باستشهاد مدحت الوحيدي ورفاقه في عام 1947م مناضلاً صلباً لم يعرف الهوادة في مكافحة الاستعمار والصهيونية.
عبد الله أبو ستة: كان قائد العمليات الحربية التي أدارها بكفاءة واقتدار وكان قد التحق بثورة 1936م - 1939م وطارده الإنجليز وهرب إلى مصر ومكث فيها ثلاث سنوات لاجئاً سياسياً حيث استقبله الشيخ هاشم الخزندار في القاهرة وتوطدت العلاقات بينهما لما يحملانه من فكر نضالي مشترك ولما صدر العفو العام من حكومة الانتداب 1941م عاد إلى فلسطين وعمل هذا البطل مع الشهيد عبد القادر الحسيني في قوات الجهاد المقدس حيث عين من الهيئة العربية العليا قائداً للمناضلين في بئر السبع ثم عمل مديراً لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية في الخليج العربي ثم عين قائداً لقوات التحرير الفلسطينية إلى أن استشهد في أحداث جرش عام 1970م رحمه الله.
حافظ عبد الله أبو ستة على الصداقة والمودة مع الشيخ هاشم الخزندار حتى آخر أيامه ومن المعارك المشهورة التي قادها الشهيد عبد الله أبو ستة معركة نفذها مع مجموعة من الإخوان المسلمين وخمسة خبراء ألمان حيث شنوا هجوماً على قافلة يهودية على طريق بئر السبع شرقي العمارة واستشهد خلال الهجوم الشيخ حسين أبو عمرة بعد أن قتل سبعة وعشرين يهودياً وكذلك الهجوم على مستوطنة سدي عقيفا الوايرلي وقد قابل اليهود هذه البطولات بمداهمة بلدة معن شرقي خان يونس مضارب عشيرة أبو ستة ونسفوا بيت الشيخ حسين أبو ستة وجرفوا بيارته.
عبد الله مهنا: أحد أبرز قياديي الثوار من أهالي قرية المسمية وكان من الثوار القلائل الذين أدركوا قيمة العمل المسلح.
قاد فصيل المسمية عام 1938م الهجوم على الحراس اليهود الذين كانوا يحرسون عمال تصليح الهاتف شمال المسمية وقتل ستة من العمال والحراس اليهود واستولى الثوار على أسلحتهم واستشهد فيها ثلاثة ثوار منهم الشهيد يوسف مهنا وقد اشترك فصيل المسمية بقيادة عبد الله مهنا مع فصيل يبنا بقيادة أسعد الرنتيسي والشيخ محمد طه النجار بزرع مجموعة من الألغام في قريتي بشيت وأبو صويلح على الساحل فانفجر أحد الألغام المزروعة وأدى إلى مقتل خمسة جنود من الجيش البريطاني وقد اشترك هذان الفصيلان في أكثر من هجوم على القوات البريطانية وفي أكثر من معركة.
إن أواصر الصداقة التي ربطت الشيخ هاشم الخزندار بعبد الله مهنا استمرت حتى أواخر حياته ولم تنقطع هذه العلاقة التي بدأت مع أهالي المسمية في بداية الأربعينيات وقد كان الشيخ هاشم يحرص دوماً على إمداد فصيل المسمية وفصيل يبنا بالمال والسلاح وظل عبد الله مهنا وفياً لذكرى الشهيد هاشم الخزندار وعلى اتصال بأبنائه أثناء دراستهم في الجامعات المصرية( ).
عمران شقورة الملقب شوشار: قائد فصيل المجدل استولى بمساعدة خليل العشي إثر عدد من العمليات العسكرية على أسلحة الجنود البريطانيين وعلى أموال مكتب بريد المجدل وعلى حظيرة خيول مركز شرطة المجدل وقد استشهد بانفجار لغم أثناء إعداده في بيت خليل العاوور ومعه عدد من الثوار وهم: خليل العاوور وسليم العشي وأحمد حمدان ودياب الشريف وحسن شقورة وعوض حبوب وأحمد الضابوس وسعيد طه الخطيب وأحمد عبد الرحيم مهدي ومحمد القدرة ومحمد الفران ويوسف شقورة وصابر زرندح وريا نجم.
سعيد صالح العشي: ولد في بئر السبع حوالي عام 1905م وعُين شرطياً في الشرطة الفلسطينية وتنقل في كثير من البلدان الفلسطينية ساعد الثوار سراً وأمدّهم بالمعلومات عن تحركات القوافل البريطانية كما سهل عمليات الثوار عام 1936م حين كان مسئولاً عن مركز شرطة المجدل فسهل لهم الاستيلاء على خزينة البريد وخيل الشرطة هناك.
لقد كان أبيَ النفس لا يخضع للضباط الإنجليز الذين سلمتهم السلطات رئاسة مراكز الشرطة حتى أنه لطم مرة رقيباً إنجليزياً لأنه وجه له كلاماً قاسياً وكانت النتيجة أن خُفضت رتبته ونُقل إلى قرية بعيدة في جبال نابلس واستمر في تأدية أعماله الوظيفية والوطنية عندما تقرر مشروع التقسيم عام 1947م استقال من وظيفته للتفرغ للأعمال الوطنية وأخذ يعمل في تدريب الشباب على حمل السلاح واشترك في غزة في صنع الألغام والمتفجرات وفي إحدى العمليات كان يجهز لغماً بمساعدة اثنين من الألمان وحوله عدد كبير من الثوار فرأى أن المتفجرات تكاد تنطلق وتوقع إصابات كثيرة بين الثوار فألقى بنفسه فوق اللغم ليفدي بجسمه بقية إخوانه فانفجر اللغم ومزق جسده ونجا بقية الثوار وشيعت غزة فقيدها البار في احتفال مهيب اشتركت فيه كل طبقات الشعب( ).
عبد الحليم الجولاني الملقب بالشلف: كان قائداً شجاعاً ذكياً جريئاً مراوغاً اشترك في عدة معارك منها معركة احتلال شرطة بئر السبع ومعركة جورة بحلص ومعركة بيت خيران ومعركة القسطل وقاد العمليات العسكرية في منطقة الخليل وبالرغم من نقص السلاح لدى رجاله إلا إنهم تمتعوا بروح معنوية عالية ومن أهم ما قاموا به تحرير مدينة بئر السبع للاستيلاء على السلاح الموجود بها ولتطهيرها من قوات العدو لهذا استولى القائد عبد الحليم الجولاني على أربعٍ من سيارات شحن من قضاء الخليل ركب في كل منها فصيل يتكون من نحو عشرين ثائراً وتوجهوا إلى بئر السبع وعند الظهر تمت عملية التطويق لجميع جهات البلدة وتمكن الفصيل من دخول مخازن السلاح والاستيلاء على أكثر من ستمائة قطعة من البنادق والرشاشات والمسدسات والمدافع الجبلية والذخائر والقنابل اليدوية واشترك في الهجوم عدد من مجاهدي بئر السبع ومنطقة غزة وقتل خمسة أفراد من رجال الشرطة الإنجليز.
استطاع عبد الحليم الجولاني أن يجند مئات من أفراد الشعب الفلسطيني ليتمكنوا من القيام بالأعمال الحربية بصورة أكثر تنظيماً وأعظم أثراً كذلك سيطر عبد الحليم الجولاني علي مدينة الخليل وساعد على تحرير مدينة القدس القديمة وبقي مناضلاً صامداً حتى منعت السلطة الأردنية نشاطه هو وجماعته بعد عام 1948م ( ).
أحمد عبد العزيز: بلغ الضيق أشده بالعرب في فلسطين بسبب تفوق السلاح اليهودي الحديث على السلاح العربي القليل القديم وبعد أن خسروا كثيراً من رجالهم وخسروا بعض مدنهم وقراهم وسرت أنباء مذبحة دير ياسين عام 1947 وغيرها من أعمال اليهود الوحشية إلى البلاد العربية اشتد حماس الشعب في مصر وتلهف ضباطها الثوار إلى خوض غمار الحرب إلى جانب إخوانهم عرب فلسطين للدفاع عنهم أمام وحشية أعدائهم اليهود وكانت الحكومة المؤتمرة بأمر الاستعمار في ذلك الوقت تؤجل الأمر على أن تدخل الحرب مع سائر الجيوش العربية عند نهاية الانتداب في 15/مايو/1948م.
نفد صبر بعض الأبطال من الضباط وكونوا فرقة من المتطوعين لتدريب الشباب الراغبين في التطوع ثم اشتدت الأزمة فقرروا دخول فلسطين وفي 5/مايو/1948 توجه الفوج الأول من هؤلاء الضباط المتطوعين إلى فلسطين بقيادة العقيد أحمد عبد العزيز الذي عسكر في مدنية خان يونس وأخذ يرسل الطلائع لاستكشاف أمر العدو.
قام مع جماعة من الثوار بأول هجوم على قافلة عسكرية مدرعة في 13/مايو/1948م خرجت من مستعمرة دنجور اليهودية قرب رفح فقتل عدداً من جنود القافلة واستشهد في هذه المعركة الثائر فتحي الخولي وفي 14/مايو/1948 قام البطل أحمد عبد العزيز مع جماعة من المتطوعين بالهجوم على مستعمرة كفار داروم قرب دير البلح بعد أن أحكم الطوق عليها من سائر الجهات ودكت المدفعية حصون المستعمرة ومراكز العدو تقدم المتطوعون لاحتلال المستعمرة فاصطدموا بأسلاك شائكة ملغومة مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الثوار بين شهداء وجرحى وتوقف الهجوم لكن التطويق استمر حتى اليوم التالي حين تقدم عدد من مدرعات العدو اليهودي مكونة من ثماني عشرة مدرعة فوقعت في كمين أعده لها الثوار فقتلوا أربعة وخمسين يهودياً واستولوا على المدرعات والأسلحة والمؤن اليهودية.
تحرك أحمد عبد العزيز على رأس قوات من المتطوعين في 14/مايو/1948نحو بئر السبع ودكت مدفعيته على الطريق مستعمرة بيت ايشل اليهودية وقتلت حراسها واستشهد الضابط الشجاع أنور الصيحي وتقدم القائد أحمد عبد العزيز في 20/مايو/1948 من بئر السبع إلى الشمال حتى وصل مدينة الخليل.
علم بأن قوات الجهاد المقدس والمقاومة الشعبية تقوم بالهجوم على مستعمرة رامات راحيل فاشترك بمدفعيته في ضرب مستعمرة رامات راحيل واستمر قصف المدفعية ثماني وأربعين ساعةً أدى إلى توقف نيران العدو فقرر أحمد عبد العزيز اقتحام المستعمرة وأحاطت فصائل من الثوار الفلسطينيين والأردنيين بالمستعمرة وتقدمت من سائر الجهات فسقطت بعد ساعات قليلة مستعمرة رامات راحيل في أيديهم وانهارت مقاومتها بعد أن قتل من جنودها نحو سبعين جنديا وقد قاد المعركة كلها أحمد عبد العزيز وقاد القوة المصرية النقيب كمال الدين حسين والثوار الفلسطينيين إبراهيم أبو دية ومن الثوار الأردنيين حكمت مهيار وبلغ عدد الشهداء العرب في هذه المعركة نحو اثنين وثلاثين منهم تسعة مصريين وتسعة عشر أردنياً وثلاثة عشر فلسطينياً.
علم القائد البريطاني جلوب باشا بأنباء هذه المعركة أصدر أمره للفصيلة الأردنية بالانسحاب فانسحبت منها دون إخطار القيادة المصرية بذلك ولم تتخذ احتياطات لوضع قوات مكانها فعادت القوات اليهودية واحتلت المستعمرة ثانية واستمر الثوار يشتبكون مع اليهود فيها طيلة مدة الحرب الفلسطينية وكان القائد أحمد عبد العزيز يرى ألا يستمر في مناوشة اليهود في قراهم الحصينة وإنما يتوجه نحو مركز القوة عندهم فأسرع في زحفه نحو القدس وكانت قيادة الجهاد المقدس الفلسطيني تتمركز في قرية صور باهر فعسكر هناك مع مدفعيته ورجاله وأخذ يضرب الأحياء اليهودية مثل تل بيوت بنيرانٍ المدفعيه ويجعل استقرار اليهود في تلك المناطق أمراً مستحيلاً فوجهوا نحوه قواتهم وكان يحبط هجومهم بحسن قياديته وخططه العسكرية الفنية.
استقبل القائد أحمد عبد العزيز والنقيب صلاح سالم سيارة جيب عسكرية في 27/أغسطس/1948م واتجه إلى الجنوب للاجتماع مع القيادة في غزة لبحث دعم الجبهة العربية ولدى وصوله قرية عراق المنشية قرب الفالوجة انطلقت رصاصة غدر مجهولة اخترقت صدر القائد فسقط شهيداً وروى دمه الطاهر أرض فلسطين وهكذا خسر عرب فلسطين باستشهاده دعامة وطنية كبرى وعم الحزن سائر المدن والقرى الفلسطينية على البطل الذي لم ينهزم في معركة اشترك فيها( ).
خالد فيصل: من مدينة غزة, نشأ في أسرة عريقة عرفت بوطنيتها وكان متحمساً للقتال وحمل راية الجهاد والمقاومة لطرد الاحتلال الإسرائيلي الغاشم والدفاع عن فلسطين وعروبتها في حرب عام 1948 على الرغم من حداثة سنه الذي لم يتجاوز العشرين عاماً.
عندما خرجت القوات البريطانية من فلسطين تركت خلفها في معسكر الجيش قرب قرية دمرة شرق قرية بيت حانون خمسة عشر دبابة وقام الثوار من أهالي غزة بمساعدة متطوعين يوغسلاف بإحضار جرافة كان يقودها صبحي فيصل وقام بسحب الدبابة إلى الشجاعية حيث أعطى الشيخ هاشم الخزندار صبحي فيصل لثقته به وخبرته مبلغاً من المال وكلفه بالسفر إلى الإسماعيلية ليشتري قطع غيار هربت هذه القطع إلى غزة وتم إصلاح الدبابة ( ).
والجدير بالذكر أن الشيخ محمد فرغلي والشيخ هاشم وعادل فيصل وهم من قادة المجموعات المتطوعة من الإخوان المسلمين في حرب عام 1948 قد آلوا على أنفسهم العمل على تطوير ما غنمه الثوار من أسلحة العدو من مستعمرة كفار داروم حيث كلفوا هؤلاء القادة مجموعة من المختصين وهم محمد عاشور وصبحي فيصل ورشدي خضر لاستغلال هذه الأسلحة واستخدامها كقذائف ومدافع في المعارك ضد اليهود.
قاد الدبابة التي قام شقيقه صبحي فيصل بإصلاحها بأمر من الشيخ هاشم وكان له شرف الجهاد مع إخوانه المتطوعين من الإخوان المسلمين الذين قدموا من مصر وقاتل قتال الأبطال وأبلى بلاء حسناً في تحرير مستعمرة كفار داروم في مطلع عام 1948.
رفع خالد فيصل العلم الفلسطيني على ربوع المستعمرة المحررة التي استلمها الجيش المصري وأسر عدداً من اليهود مع أسلحتهم وقام الجيش المصري بعرض الأسرى في شوارع قطاع غزة.
توجه خالد بدبابته التي يقودها مع إخوانه المجاهدين إلى مستعمرة دير سنيد والتي كانت تشكل عائقاً في طريق الجيش المصري لوصول القيادة إلى المجدل تم تحرير هذه المستعمرة أيضاً ورفع خالد فيصل العلم الفلسطيني على المستعمرة واشترك باقتحام مستعمرة نقبا على مشارف الفالوجة إلا أن القدر عاجله فسقط شهيداً قام الشيخ هاشم بالصلاة عليه في المسجد العمري الكبير ويروي إبراهيم سكيك مشهد جنازته فيقول : "من أيام غزة الخالدة التي لا تنسى يوم تشييع جنازة القائد البطل خالد فيصل حيث كان خبر استشهاده محزناً على اعتبار أن غزة تفقد شاباً بطلاً جريئاً تجرأ وحده الدخول إلى المستعمرة غير مبالٍ بما يصادفه من ألغام أو كمائن حتى قضى نحبه وسرى الخبر في مدينة غزة فاجتمع الشباب عند المسجد العمري ورأيتُ عدداً غير قليلٍ من الأكاليل تشيد بمناقب هذا البطل ومآثره الخالدة والتي أعدتها المؤسسات الوطنية واذكر منها عصبة التحرر الوطني والإدارة العمالية ودائرة الأوقاف ونادي غزة والنادي الأرثوذكسي، وسرتُ في جنازة الشهيد كغيري من آلاف المشيعين في موكب مهيب قل أن شهدت غزة مثيلاً له في تلك الفترة حيث تقدمته القيادات الوطنية الفلسطينية والمصرية حتى وري الثرى في مقبرة ابن مروان التي دفن فيها كثير من شهداء حرب عام 1948 بما في ذلك الشهداء المصريون الذين تم نقل جثثهم فيما بعد إلى مصر العطاء".
ومما تجدر الإشارة إليه أن صورة تلك الدبابة موجودة في المتحف العسكري المصري بالقلعة وعليها اسم خالد فيصل وصورته كما ذكره عارف العارف في سجل الخلود ومنقوش اسمه أيضاً في ميدان الشهداء بإجديدة الشجاعية على لوحة رخامية مكتوب عليها (فلسطين التي تعرف الشهداء فهم أنبل بني البشر وأكرم منا جميعاً).
كمال إبراهيم البربري: دافع المحامي كمال إبراهيم البربري خال الشيخ هاشم الذي تخصص في الدفاع عن المناضلين الفلسطينيين أمام محاكم الانتداب حيث دافع عن المناضل محمد شملخ من غزة وعائلته التي شاركت في أعمال الثورة مبكراً منذ بداية الثلاثينات وعبد العزيز داود من المجدل عام 1936 الذي اعتقل في سجن نور الشمس قرب القدس وكان للمحامي كمال البربري مواقف معروفة كفضح سماسرة الأراضي والوقوف أمام المحاكم ضد بيع الأرض إلى اليهود وقد أصدر في غزة جريدة السلام عام 1958م وتوقفت عام 1967م واستمر صدورها إلى أن توقفت على إثر احتلال غزة سنة 1967 واختفاء رئيس تحريرها حيث لم يعرف أو يعلم له أثر حتى الآن وقد كانت هذه الصحيفة إسلامية سياسية جامعة وكانت تدعو إلى السلام القائم على العدل وتميزت هذه الجريدة بإسلامها المعتدل وبعقلانية طروحتها وبنبذها للتطرف( ).
المراجع
1-أميل الغوري: المؤامرة الكبرى اغتيال فلسطين و محق العرب ط1-1955 ص120.
2- رفيق شاكر النتشة: الاستعمار وفلسطين- دار الجليل للنشر- عمان- الطبعة الأولى 1984- صـ325-347
3- أميل الغوري: المؤامرة الكبرى اغتيال فلسطين و محق العرب ص 125.
4- أميل الغوري المؤامرة الكبرى اغتيال فلسطين و محق العرب ص 124-128.
5- عبد الوهاب الكيالي: تاريخ فلسطين الحديث- بيروت- المؤسسة العربية للدراسات والنشر ط1- 1970- ص202.
6- محمد عزة دروزة: القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها- ج1- منشورات المكتبة المصري 1959- ص48.
7- عادل غنيم: الحركة الوطنية الفلسطينية- (1917-1936) الهيئة العامة للكتاب- القاهرة ص152-156.
8- نجيب الأحمد: فلسطين تاريخاً ونضالاً- دار الجليل- عمان 1985- ص181-185.
9- أميل الغوري: المؤامرة الكبرى اغتيال فلسطين و محق العرب ص131-134.
10- حسني الصالح: فلسطين ذكريات مؤلمة دار الحداثة- بيروت- ط1- 1997- ص 26-30.
11- مذكرات عجاج نويهض: ستون عاماً مع القافلة العربية- دار الاستقلال- الطبعة الأولى- بيروت 1993- صـ216-217.
12- أميل الغوري: المؤامرة الكبرى اغتيال فلسطين و محق العرب ص 140-142.
13- ناجي علوش: المقاومة العربية في فلسطين(1917-1948) الأسوار للطباعة والنشر عكا- 1979 ص150.
14- عصبة التحرر الوطني منظمة سياسة ماركسية أعضاؤها من عرب فلسطين كانت نتيجة انشقاق الحزب الشيوعي الفلسطيني خلال ثورة 1936-1939 ويعلم انشاؤها رسمياً إلا سنة 1940.
15- جميل الشقيري: مجموعة الشهادات والمذكرات المقدمة إلى لجنة التحقيق الأنكلو أمريكية المشتركة حول قضية فلسطين- ط1-1946- ص63-74 – مذكرة اللجنة العربية العليا.
16- محمد عزة دروزرة: القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها - ج2- ط2- 1960- ص52.
17- أنيس الصايغ: الهاشميون وقضية فلسطين- بيروت- المكتبة العصرية- الطبعة الأولى- ص215 وما بعدها كذلك صحيفة المحرر 1966.
18- محمد عزة دروزرة: القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها ص58.
19- ماهر الشريف: الشيوعية والمسألة القومية العربية في فلسطين 1919-1948- مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي 1986- ص 102-107.
20- عمر الغول: عصبة التحرر الوطني- فلسطين نشأتها وتطورها ودورها (1943-1948) وللمزيد المرجع السابق ص 120-130
21- الموسوعة الفلسطينية- ج3- دمشق 1984 ص 169.
22- محمد عزة دروزة: فلسطين وجهاد الفلسطينيين(1917-1948) الهيئة العربية العليا – فلسطين 1959 وللمزيد مذكرات المناضل بهجت أبو غربية: مرجع سبق ذكره ص245 وما بعدها.
23- الموسوعة الفلسطينية: المجلد الثالث- ص238, للمزيد راجع خيرية قاسم: مذكرات فوزي القاوقجي- بيروت 1975-ص 136-142, كذلك الموسوعة الفلسطينية المجلد الثالث ص480 وما بعدها وكذلك مذكرات المناضل بهجت أبو غربية ص245 وما بعدها.
24- عوني جدوع العبيدي: صفحات من حياة الحاج أمين الحسيني- مكتبة المنار- الأردن ط1- 1985 ص23-25.
25- زهير مرديني: فلسطين والحاج أمين الحسيني- دار اقراط 1986 ص286.
26- الدكتور عبد الوهاب الكيالي: تاريخ فلسطين الحديث- المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت- الطبعة الثالثة 1985.
27- الموسوعة الفلسطينية الجزء الرابع- ط1 دمشق 1984- ص138.
28- الموسوعة الفلسطينية الجزء الثالث- ط1 دمشق 1984- 169.
29- صالح مسعود بونصير: جهاد شعب فلسطين خلال قرن من الزمن- الطبعة الثانية- وزارة الثقافة الفلسطينية- رام الله صـ380-382.
30- الموسوعة الفلسطينية: المجلد الثاني- ص237
-أكرم زعيتر: الحركة الوطنية الفلسطينية 1935-1939 – بيروت 1980 ص85.
31- الموسوعة الفلسطينية: المجلد الثالث ص283 كذلك انظر منير الريس: الكتاب الذهبي للثورات الوطنية في الشرق العربي- بيروت 1976 وكذلك محمد عزة دروزة: القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها .
32- أحمد خليل الحاج: رؤيتي في ما جرى ويجري بشأن فلسطين- مطبعة الطويل- غزة 2004- الطبعة الأولى- صـ119-121.
33- إبراهيم خليل سكيك: غزة عبر التاريخ العمليات الحربية في الديار الغزة- ج 5 – 1981 – ص130-132.
34- إسماعيل أحمد ياغي: بلادنا فلسطين كي لا ننسى المسمية الكبيرة- مكتبة غزة بالفجالة- القاهرة 2001- ص 83-84.
35- إبراهيم سكيك وآخرون: "بطولات فلسطينية وعربية " –مطابع دار أخبار فلسطين 1966- ص77.
36- عمر عناني: "بين الجد والهزل" –مطابع دار الأيتام الاسلامية -القدس ص 64-68.
37- إبراهيم سكيك وآخرون: "بطولات فلسطينية وعربية"- ص 66.
38- عارف العارف: نكبة فلسطين والفردوس المفقود
39- معلومات مستقاه من الأستاذة يسرى البربري, للمزيد من المعلومات راجع محمد سليمان: الصحافة في قطاع غزة (1886-1994) وزارة الإعلام- رام الله 2001 صـ15.
من الانقسام والتشرذم إلى الهزيمة
ساد الجمود الجبهة الفلسطينية في العامين 1940-1941 وذلك بسبب الإجراءات التعسفية والأوامر القسرية التي مارستها حكومة الانتداب البريطاني على الشعب الفلسطيني على أثر نشوب الحرب العالمية الثانية وأصيب الفلسطينيين بخيبة أمل كبيرة بعدما غاب العرب وزعمائهم عن الساحة عملياً وعندما زج الإنجليز بالوطنيين الفلسطينيين في السجون.
لم يكن سكوت الفلسطينيين هذا طبيعياً وكان لابد لهم أن يتحرروا من ذلك الجمود فيبعثوا الحركة الوطنية من جديد وكان الإنجليز يدركون أن الشعور الشعبي العربي عامة يتأثر إلى حد بعيد بشعور الفلسطينيين ووجهة نظرهم ولم يكن اطمئنان الإنجليز إلى شعور الشعوب العربية مثلما اطمئنانهم إلى حكومات معظم الدول العربية ورؤسائها الذين ساروا في ركاب الحلفاء آنذاك.
لمس الإنجليز في مطلع عام 1942م تململ الفلسطينيين من الأوضاع القائمة وتحفزهم لاستئناف نشاطهم السياسي وجهودهم القومية حيث شكا الكثير منهم من موقف وممارسات حكومة الانتداب واتهموها بعدم السماح لهم بالعمل السياسي كما أعلنوا عن تذمرهم من إمعانها في مواصلة السياسة الاستعمارية المجحفة بهم وبوطنهم.
واجه الانجليز أمران خطيران كان عليهم اختيار أحدهما وهما: إما السماح للفلسطينيين باستئناف جهودهم وإما الاستمرار في منعهم من ذلك وفي الحالة الأولى: كان الانجليز يخشون أن تقوم في فلسطين حركة وطنية قوية يكون لها صداها في أوساط الشعوب العربية وفي الحالة الثانية: كان الإنجليز يخشون استمرارهم في منع الفلسطينيين من العمل السياسي أن ينفجر شعورهم فتنتج عنه عواقب ليست في مصلحة السياسة الانجليزية لذلك اتبع الإنجليز طريقاً وسطاً خلاصته السماح للفلسطينيين بالعمل السياسي على أن تكون الحركة الجديدة معتدلة لا تتولاها العناصر الوطنية المعروفة بالصلابة.
أدرك الانجليز حاجتهم الماسة لقيام شعور ايجابي في الأوساط الفلسطينية نحو برنامجهم الجديد فمن غير المعقول قيام حركة وطنية لا يدعمها الشعب ويرضى عنها لذلك سعوا لحمل الفلسطينيين على:
1-تغيير خطتهم المعروفة في المقاومة والنضال التي اقتنعوا تماماً بصحتها بعد اختبارات طويلة وتجارب كثيرة.
2-الالتجاء نحو التعاون مع الانجليز.
3-الاعتماد على رؤساء البلديات والزعماء والشباب المثقفين والالتفاف حولهم( ).
بذلت الحكومة الإنجليزية جهوداً واسعة لإقناع الفلسطينيين بأنها لن تقدم على أي عمل من شأنه الإضرار بمصالحهم وكررت إعلان تمسكها بالكتاب الأبيض لعام 1939م وتصميمها على تنفيذ السياسة التي رسمتها وشرّعت قانوناً لانتقال الأراضي بناءً على ما ورد في الكتاب الأبيض.
قاومت الهجرة اليهودية السرية ونقلت إلى قبرص من كانت تقبض عليهم من المهاجرين وتعتقلهم فيها وأصدر أقطاب الحكومة الإنجليزية عدداً من التصريحات والبيانات يؤكدون فيها حسن نواياهم نحو العرب وتمكنت الحكومة البريطانية من خلال تلك الأعمال والأقوال من إقناع عدداً من الفلسطينيين بمزايا التعاون مع الانجليز وفوائد العدول عن سياسة المقاومة المسلحة والنضال الصريح التي سار عليها الشعب الفلسطيني منذ عام 1935م وشجعتهم على الإقدام على تجربة جديدة بالإضافة إلى وسائل إغراء متعددة لجأت إليها بريطانيا لحمل الفلسطينيين على تغيير وجهة نظرهم.
بات المناخ السياسي ملائماً لتحقيق الخطة الإنجليزية وبعد هذه المقدمات اتصلت الحكومة بعدد من الزعماء ورؤساء البلديات والشبان وغيرهم في فلسطين للقيام بالحركة الوطنية الجديدة وتولى قيادتها وشجعتهم بمختلف الوسائل والأساليب ليحظوا بثقة الشعب وألغت التعهد بعدم العمل بالسياسة الذي كان قد وافق عليه عدد من الساسة عندما سمح لهم بالعودة إلى فلسطين عام 1941م وتعاونت معهم وصار المندوب السامي يدعوهم إلى قصره للتشاور وإبداء الرأي ولحفلات الطعام والشاي ورخصت لهم إنشاء النوادي والجمعيات وإصدار الصحف والمجلات وعقد الاجتماعات العامة.
عمل هؤلاء الأشخاص على إيجاد حركة وطنية بزعامتهم الجديدة وأسهم أنصار الانجليز المعروفون في خارج فلسطين بجهود كثيرة لتحقيق تلك الفكرة وتدخلوا مراراً لتأليف لجنة أو هيئة تدعي تمثيل الفلسطينيين وحاول الانجليز مع هؤلاء المتعاونين إقصاء العناصر الوطنية المؤمنة في الحركة الوطنية وأمعنوا في اضطهادها والإضرار بمصالح أفرادها والدعاية ضدهم واتهامهم بالسلبية والتطرف.
تكاتفوا على إقناع الفلسطينيين بالتخلي عن زعمائهم الموثوق بهم وأوردوا حججاً للإقناع ومنها أن هؤلاء الزعماء لن يعودوا إلى فلسطين وأنه لا يمكن للحكومة الإنجليزية أن تتعاون معهم وأن قضية فلسطين لا تُحل بالمقاومة والكفاح بل بالتعاون مع الانجليز وبالدعاية للقضية في الأوساط الأمريكية والبريطانية وما إلى ذلك من أقوال وادعاءات ولكن تلك الجهود لم تسفر عن نتيجة لصالح الإنجليز إذ أن الأشخاص المكلفين بالعمل والمرشحين لتولي الزعامة الجديدة في فلسطين لم ينجحوا في اكتساب ثقة الشعب الفلسطيني الذي أدرك حقيقة الأهداف والنوايا الكامنة وراء تلك المساعي فأعرض الإنجليز عنها وعن أصحابها وصاحب هذا الأمر تطور الشعور الوطني في نفوس الفلسطينيين تطوراً خطيراً وتجددت نقمتهم على الحكومة البريطانية وأعوانها عندما لمس المخدوعين من أبناء الشعب الفلسطيني حقائق الأمور.
إضافة إلى ذلك لم تكن حكومة الانتداب جادة في تنفيذ قانون انتقال الأراضي الذي سبق أن شرعته حيث استمر استيلاء اليهود على الأراضي العربية ولم تتخذ الحكومة أي إجراء ضد تحايلهم على نصوصه وأدركوا أن العوامل الحقيقية التي حملت الحكومة على مقاومة الهجرة اليهودية السرية لم تكن رغبتها في المحافظة على كيان العرب بل لخوفها من أن يتسرب إلى فلسطين عن طريق تلك الهجرة السرية الشيوعيون ورجال الطابور الخامس خدمة لأعدائهم في أوروبا وفي الوقت نفسه رأى الفلسطينيون استرخاء الحكومة البريطانية أمام الإرهاب اليهودي الذي أخذ يصل إلى الحد الذي تطاولوا على الإنجليز أنفسهم كما علموا بقيام حركة يهودية واسعة النطاق للتسلح بمعرفة الانجليز ومساعدتهم بينما ظلت أنظمة الطوارئ والقوانين الاستثنائية تطبق ضد الفلسطينيين( ) فقط ولم ير الشعب الفلسطيني من الحكومة الإنجليزية أي عمل يدل على تغيير في سياستها الاستعمارية.
لم يعد في وسع الشعب الفلسطيني السكوت إذ جاهر بسخطه ونقمته وتنادى أهل الرأي وأصحاب الحمية من أبنائه لبحث الأوضاع وبعث الحركة الوطنية من جديد وطالبوا الحكومة بالقضاء على الإرهاب اليهودي والسماح بتسلح العرب للدفاع عن أنفسهم كما رفعوا العرائض للمندوب السامي يطالبون فيها بالسماح للزعماء الغائبين والمبعدين بالعودة إلى فلسطين ولم يكن في استطاعة الحكومة أن تتغاضى عن شعور الفلسطينيين ويقظتهم وتهمل رغباتهم بالكلية نظراً للحالة الدولية الدقيقة وخشية من تأثرها في حالة قيام حركة مقاومة في فلسطين فخففت من تطبيق أنظمة الطوارئ والقوانين الاستثنائية على العرب وأطلقت لهم حرية العمل وتأليف الأحزاب السياسية وعقد المؤتمرات وأفرجت عن أفواج من المسجونين والمعتقلين وسمحت لعدد قليل من الزعماء الوطنيين المعتدلين بالعودة إلى فلسطين.
تنفس الفلسطينيون الصعداء وشعروا بأن الفرصة أصبحت سانحة لبعث الحركة الوطنية وتجديد النشاط السياسي.
كان الوضع العام في فلسطين عام 1943م مواتياً للتنظيم والإعداد وساد الفلسطينيين شعور وطني جارف وتملكت نفوسهم حماسة عظيمة وكانت الأموال موجودة بوفرة بين أيديهم وكان السلاح يعرض للبيع بكثرة وبأسعار رخيصة للغاية بسبب وجود الجنود البريطانيين ومعسكراتهم الكثيرة في فلسطين واتساع حركة نقل الأسلحة والعتاد عبر فلسطين إلى المستعمرات الإنجليزية يضاف إلى ذلك وجود عدد كبير في فلسطين من الشبان الذين تخرجوا من المعاهد العلمية العليا والمدارس الثانوية والمهنية حتى كادت فلسطين تضاهي سائر الأقطار العربية في عدد المثقفين والمتعلمين من أبنائها وفي الوقت نفسه كان مستوى المعيشة قد ارتفع بين أفراد الشعب عامة واتسعت أعمال الفلسطينيين التجارية والمالية والزراعية والاقتصادية وغمرت البلاد نهضة اجتماعية وثقافية كانت ذات أثر إيجابي ملموس في أوساط الشعب.
أعرضت الحكومة الإنجليزية ثانية عام 1944 عن تلبية طلب الفلسطينيين السماح لزعمائهم المعروفين بالعودة إلى البلاد دون أن تذكر أسباباً لذلك الرفض نظراً لخطورة الوضع الذي كانت تجتازه فلسطين وقضيتها حينئذ ولاهتمام الفلسطينيين بالمصلحة العامة.
اتجهت أنظار الشعب الفلسطيني إلى قيادة بديلة من الفعاليات المقيمة داخل فلسطين وبصورة خاصة إلى طبقة الشباب المتعلمين لبعث الحركة الوطنية وتنظيم النضال القومي والسياسي بعد أن يئسوا من عودة القيادة المبعدة في الخارج والواقع أن أنظار الشعب اتجهت بصورة خاصة إلى هؤلاء الشبان المعروفين بالطبقة المثقفة.
لقد علق الشعب الفلسطيني آماله عليهم وعلى الذين كثيراً ما تحدثوا في المحافل والمجتمعات عن استعدادهم للبذل والتضحية في سبيل الوطن وأعربوا عن رغبتهم في العمل في الميدان القومي وكتبوا في الصحف والمجلات عن فوائد تنظيم الحركة الوطنية تنظيماً حديثاً يكون فيها العلم والتخصص والكفاية السبيل لتولي القيادة والزعامة وحين كان هؤلاء الشبان يرددون على الملأ الاتهامات والادعاءات التي وجهت ضد عدد من زعماء ورجالات الحركة الوطنية السابقين
تركت تلك الاتهامات لسوء الحظ أثراً سلبياً كبيراً في نفوس الشعب فقد اتهم رجال الحركة الوطنية عامة أنهم بنوا الحركة على الاعتبارات الحزبية والعائلية والطائفية وأنها أوصلتهم إلى مراكز الزعامة ولذلك فإن المصلحة العليا للوطن هي العدول عن تلك السياسة سواء كانت الاتهامات كاذبة أم صادقة.
ما قاله هؤلاء الشباب وجد هوى في نفوس الكثير من الفلسطينيين وكان الناس يتوقعون من هؤلاء الشباب خدمة القضية الوطنية والإسهام في الدفاع عن البلاد ولكنهم كانوا يبتعدون عن ذلك منتحلين الأعذار الكاذبة ومنها أن زعماء الحركة وقادتها كانوا متطرفين وسلبيين وأنهم يحتكرون العمل الوطني ويبعدون عناصر الشباب المثقفة وحملة الآراء الحديثة والأفكار الحرة عن الميدان السياسي ويمنعونهم من المساهمة في العمل الوطني أو يصبحوا فيه خشباً مسندة وآلات طيعة في أيدي الزعامة علماً بأن الميدان الوطني كان خالياً حينئذ من هؤلاء الزعماء والقادة المتهمين بالتطرف والسلبية وباحتكار العمل ومنع الشباب من المساهمة في الخدمة الوطنية العامة.
كان الحاج أمين الحسيني ومعظم إخوانه في أوروبا أو في السجون والمعتقلات فقد كانت الفرصة سانحة لهم لاقتحام الميدان وقيادة الحركة الوطنية وتوجيهها الوجهة التي يدعون أن فيها خيراً للبلاد وظن الشعب أنهم سينتهزون الفرصة الملائمة فيهبون للدفاع عن فلسطين ويحملون عبء القضية وبالتالي فقد علق عليهم أمالاً كبيرة لكن هؤلاء لم يكونوا عند حسن ظن الشعب بهم ولم ينفذوا ما نادوا به ودعوا إليه ولم يلجوا الميدان الوطني المفتوح أمامهم وأحجموا عن احتمال أية مسئولية وترددوا كثيراً في اتخاذ خطة معينة أو خطوة محددة ثم تجنبوا ركوب مركب البذل والتضحية الخشن الذي يتعرض له المخلصون دائماً وأثروا الدعة والسلامة والطمأنينة على التعرض للأخطار والصعاب والمتاعب التي يشقى بمثلها الوطنيون المناضلون.
هكذا بينما كان واجبهم دخول الميدان الذي كان شاغراً مفتوح الأبواب أمامهم تقاعسوا عن القيام بذلك الواجب ونكصوا على أعقابهم حتى قبل دخول المعركة بينما أخذوا يتنافسون في الحصول على وظائف في الحكومة ولاسيما في دوائر المراقبة المستحدثة خلال الحرب ويحصرون جهودهم في الاهتمام بمصالحهم والعناية بأمورهم الشخصية وشئونهم المحلية وراحوا ينتهزون ظروف الحرب القائمة لاكتناز الأموال وتحسين أوضاعهم الاقتصادية الخاصة وإنشاء البساتين البيارات والمنازل والعمارات بل حدث ما هو أمر وأدهى حيث أخذوا يتعاونون جهاراً مع الحكومة وقبلوا الاشتراك في لجانها ومجلسها الاقتصادي على أساس المساواة مع اليهود في المقاعد والصلاحيات.
أثبت هؤلاء أن الإدعاء شيء والعمل شيء آخر وأنهم يتقنون النقد والهدم ولا يحسنون البناء والتنظيم وأن المصلحة الخاصة الشخصية فحسب هي هدفهم لا خطة وطنية لهم ولا سياسة قومية يعملون على تنفيذها ولا برنامج عاماً يسعون إلى تحقيقه فاكتفوا بالجعجعة والتشدق والتصريحات والخطب وبانتقاد القيادة الوطنية السابقة المبعدة الممثلة بالحاج أمين الحسيني ورجالاته وكانت الصدارة في نظرهم لمن كان أكثر كلاماً وأضخم صوتاً وأشد انتقادا وتنديداً بغيرهم والواقع أن حوادث الجهاد والكفاح والحركة السياسية لم تسجل لهؤلاء الشبان خدمة واحدة لبلادهم فلا هم أسهموا في الحركة ولا أمدوها بالمال ولا حملوا سلاحاً ولا أيدوا جهاداً وكان همهم الوحيد خدمة أشخاصهم ومصالحهم أما الزعماء الآخرون من رؤساء البلديات والأحزاب والوجهاء الذين كانوا في فلسطين خلال تلك السنين فإنهم بدورهم خيبوا آمال الشعب أيضاً فهم لم يتقدموا للعمل الوطني الذي أسدى له بعضهم خدمات سابقة كبيرة ولم يبعثوا الحركة الوطنية من جديد ذلك أن الانسجام والتجانس بينهم كانا مفقودين بالإضافة إلى اختلافهم فيما بينهم على الأهداف والمطالب الوطنية والتزاحم على تولى زعامة الحركة الوطنية وقيادتها الشاغرة ثم أنهم لم يكونوا جادين أبداً في خدمة القضية والبذل في سبيلها وأثروا الاهتمام بشئونهم الخاصة والمالية والاقتصادية وفهم الكثيرون منهم أن الحركة الوطنية معناها الظهور والنفوذ وتعظيم الناس لهم أما الشعب الفلسطيني فقد صدمته خيبة الآمال التي علقها على هؤلاء الزعماء والشبان فسادت نفوس أبنائه روح النقمة والسخط عليهم.
اشتد تشاؤم الفلسطينيين لدى رؤيتهم الخصوم والأعداء يتعاونون للإجهاز عليهم دون أن يهتم الزعماء والشبان إلا بمصالحهم الشخصية ولم يشعروا بسياط الخطر الجاثم على صدر فلسطين والضربات الموجعة الأليمة التي كان يسددها الإنجليز والأمريكيون واليهود إلى صميم الكيان العربي الفلسطيني وهكذا أضاع الزعماء والشباب المثقفون فرصاً ثمينة سنحت لهم لبعث الحركة الوطنية وتنظيم الجهود السياسية وخدمة البلاد وأعداد الفلسطينيين وتنشيطهم وتقويتهم ومن هنا يحتملون قسطاً كبيراً من المسئولية فيما حل بفلسطين( ).
بعث الحركة الوطنية: اشتد الإرهاب اليهودي واتسع بعد عام 1942م وتضافر الإنجليز والأمريكيون على الإسراع بتنفيذ السياسة الاستعمارية المبيتة ضد فلسطين فانتاب الفلسطينيين قلقاً عظيماً وشعروا بأنه قد غدا من الواجب استئناف النضال ومقاومة الأخطار المتجمعة ضد وطنهم وكيانهم بكل الوسائل وشتى الأساليب.
نظراً لأن الشعب الفلسطيني لم يجد من يبعث الحركة الوطنية ويقود جهاز المقاومة والنضال لاسيما بعد خيبة الآمال التي علقها على الزعماء والشبان فقد اجتاحت فلسطين من جديد موجة عارمة من الشعور بضرورة إطلاق حرية العمل للعناصر الوطنية في فلسطين التي كانت السلطة تضطهدها وطالبوا السماح بعودة الزعماء المشردين والمبعدين ورفع الفلسطينيون مرة أخرى العرائض والرسائل للمندوب السامي وأرسلوا البرقيات إلى الوزارة البريطانية والدول العربية وزعماء العالمين الشرقي والغربي وعقدوا اجتماعات شعبية كثيرة وتظاهروا في عدة مناسبات تأكيداً لمطالبهم وإعراباً عن تمسكهم بزعمائهم المشردين والمبعدين.
اتسعت الحركة الوطنية واتخذت شكلاً جدياً ومظهراً حماسياً ولم تجد الحكومة الإنجليزية سبيلاً إلاً تلبية بعض مطالب الشعب تجنباً لانفجاره فخففت قيودها الصارمة المفروضة على رجال الحزب العربي الفلسطيني وسمحت لمن كان منهم في الأقطار العربية بالعودة إلى فلسطين وأفرجت عن الكثير من المسجونين والمعتقلين وعدلت أنظمة الطوارئ والقوانين الاستثنائية تعديلاً جديداً.
لم تنقض بضعة أيام على عودة المبعدين والمشردين من رجال الحزب العربي إلى فلسطين حتى اتصلوا بإخوانهم في البلاد وعقدوا سلسلة اجتماعات للمشاورة ولبحث وضع الأسس اللازمة لبعث الحركة الوطنية واستئناف النشاط السياسي والنضال وقرروا الاتصال بزعماء الأحزاب والهيئات المختلفة لتأليف جبهة متحدة يقف وراءها أهل فلسطين صفاً واحداً مرصوصاً كما كان الحال عام 1936م.
أوجست الحكومة خيفة من انبعاث الحركة الوطنية وسيرها سيرتها الأولى وأن يتولى أمرها الوطنيون الأحرار الذين ما برحت تعمل على إبعادهم عن تولي زمامها غير أن مصلحتها تقضي بعدم مقاومة مساعي الوطنيين وجهودهم مباشرة بل بالسعي بوسائلها وطرقها لتوجيه الحركة الوطنية والفلسطينيين ذوي الوجهة الجديدة في الأساليب والوسائل وبذل الجهود لتولية شخص أو أشخاص ممن تثق هي بهم وتعتمد عليهم ويحسن الوطنيون الظن بهم لقيادة الحركة الوطنية.
قررت الحكومة البريطانية تنفيذ هذه الخطة الجديدة بالتعاون مع أنصارها من العرب في خارج فلسطين وداخلها واتصل زعماء الحزب العربي بالأحزاب الأخرى وببعض رؤساء البلديات وطبقة الشبان المثقفين وبحثوا معهم في أمر تجديد النشاط الوطني وتوحيد الجبهة الداخلية وتأليف لجنة تنطق باسم البلاد لكن مساعي الحزب لم يكتب لها النجاح لأسباب كثيرة سيأتي ذكرها لاحقاً وعاود الحزب المحاولة في شهر فبراير/1944م مع الأحزاب وطبقة المثقفين ولكن دون جدوى.
إزاء ذلك كله واعتماداً على ما لمسه الحزب من تأييد أكثرية الشعب له ونظراً لسرعة تطور الأحوال والأوضاع السياسية واشتداد الإرهاب اليهودي في البلاد وقيام الدعوة لتشكيل الجامعة العربية قرر الحزب استئناف النشاط السياسي باسمه تاركاً الباب مفتوحاً أمام سائر الأحزاب والفئات للتعاون معه واجتمع زعماء الحزب في 8/إبريل/1944م في القدس وقرروا إعادة تشكيل لجان الحزب ودوائره وفروعه ومباشرة العمل الوطني على أساس الميثاق القومي.
أعلن زعماء الحزب تأييدهم لزعماء البلاد وانتخب الحزب مكتباً مركزياً لتوجيه الحركة الوطنية يتألف من: توفيق صالح الحسيني وكيلاً للحزب وأميل الغوري سكرتيراً وفريد العنبتاوي ورفيق التميمي ويوسف صهيون وموسى الصوراني وكامل الدجاني ومشيل عازر وإبراهيم سعد الحسيني ومحمد الجعبري وعبد الله السارة ومحمد رفيق الحسيني ورشاد الخطيب وباشر الحزب أعماله بقوة ونشاط وأخذ في تنظيم الشباب وأعاد تشكيل فرق الفتوة التي حلتها الحكومة عام 1937م وألف فرقاً كشفية ورياضية جديدة وشكل لجاناً لمقاومة بيع الأراضي ومقاطعة المنتجات اليهودية.
أرسل الحزب الوفود إلى الأقطار الشرقية والغربية للدعاية للقضية وعقد سلسلة اجتماعات شعبية دورية في فلسطين دعا فيها الأمة إلى البذل والتضحية وتجولت الوفود في المدن والقرى والعشائر تدعو الناس إلى توحيد الجهود وجمع الكلمة في مواجهة الأخطار العظيمة الجاثمة على صدر فلسطين وتدعو إلى التسلح والاستعداد وشكل الحزب لجنة خاصة للعناية بالمسجونين والمعتقلين من الثوار ومساعدة عائلاتهم واللجوء إلى القضاء للإفراج عنهم ونجح الحزب في أعماله في ظل الظروف السائدة وأعاد النشاط للحركة الوطنية والتفت جماهير الشعب الفلسطيني حوله وأظهر الشعب الحماس للقضية والاستعداد للبذل والتضحية والإقبال على التسلح مما أثار على الفلسطينيين حفيظة الانجليز والأمريكيين واليهود الذين كانوا يعتقدون أن كبت شعور الفلسطينيين خمسة أعوام كان كفيلاً بالقضاء على حركة المقاومة والنضال فشنت الصحف الاستعمارية واليهودية حملة على حركة الحزب والحركة الوطنية.
هدد زعماء اليهود بالويل والثبور وعظائم الأمور ولجئوا إلى الحكومتين البريطانية والأمريكية يحرضونهما على رجال الحركة الوطنية ويشكون إليهما الموجة اللا سامية الجديدة التي اجتاحت فلسطين بتأييد الحاج أمين الحسيني وإخوانه.
طلب زعماء اليهود من الحكومة البريطانية الضرب بيد من حديد على الفلسطينيين أما الحكومة البريطانية فقد راعها بعث الحركة الوطنية بهذا الشكل القومي وهالها تمسك الفلسطينيين بحقوقهم ومطالبهم وصلابتهم الوطنية فعمدت متعاونة مع أنصارها المعروفين إلى عرقلة الحركة الوطنية ومقاومتها فعادت إلى اضطهاد الوطنيين وزجت بعدد من أعضاء الحزب العربي في غياهب السجون واعتقلت آخرين وفرضت على غيرهم الإقامة الجبرية في المدن والقرى النائية والبعيدة عن العاصمة حيث كان مركز الحركة ورفضت السلطات الإنجليزية أن ترخص للحزب العربي إصدار صحيفة أو مجلة تنطق بلسان الحركة الوطنية ولكن الحزب استمر في جهوده رغم رفض السلطات ولم يكن الحزب ليرضى رغم تمتعه بثقة الأكثرية الساخطة من الفلسطينيين أن يظل سائر الزعماء والأحزاب والشبان بمنأى عن الحركة الوطنية وحرص على جمع الصفوف ووحدة الكلمة وإظهار البلاد بمظهر الوحدة الكاملة.
سعى الحزب للمرة الثالثة في شهري نوفمبر وديسمبر1944م إلى تشكيل لجنة عليا تمثل الشعب تمثيلاً صحيحاً وتنطق باسمه وأجرى مع هؤلاء الزعماء والشبان مباحثات استمرت وقتاً غير قصير ولكنهم لم يلبوا نداء الواجب وظلوا في جمودهم وفي معارضتهم لجهود الحزب ثم اتصل الحزب العربي بصورة خاصة بطبقة الشبان وعقد اجتماعاً مشتركاً مع عدد منهم لبحث مسألة الإسهام في العمل والتعاون معهم وعرض عليهم أن يضم بعضهم كأحمد الشقيري ومن يختارون إلى مكتب الحزب المركزي لان وجودهم في المكتب المركزي يمكنهم من ترويج آرائهم وإعلان وجهات نظرهم وتمتعهم بمركز القيادة في الحركة الوطنية ولكنهم رفضوا ذلك العرض وأعلنوا أنهم يفضلون أن يظلوا خارج الحزب وتعهدوا بتأييده في جهوده وانكشف فيما بعد بعض الأسباب الحقيقية التي كانت وراء ذلك الموقف السلبي إزاء ذلك كله استمر الحزب في احتمال عبء الحركة الوطنية والمسئولية وحده حتى خريف عام 1945م( ).
الاختلاف الداخلي ومقاومة الحركة الوطنية: باستعراض الحركة الوطنية خلال الحرب العالمية الثانية تبين أن الاختلاف الداخلي في فلسطين خلال الحرب العالمية الثانية قد أساء إلى سُمعة الفلسطينيين بين إخوانهم العرب وأضر بقضيتهم حيث أضاعوا فرصاً ثمينة كان من الممكن استغلالها لمصلحة الوطن والشعب وإعداده للنضال الذي كان لا غنى عنه.
الأحزاب الفلسطينية( ): على أثر تجديد الحزب العربي الفلسطيني لنشاطه السياسي في فلسطين دب الحماس والغيرة في نفوس رجال الأحزاب الأخرى فجددوا نشاطهم الحزبي واستعادوا لأحزابهم كيانها ولو في المظهر فحسب بالنسبة لبعضها وعلى هذا غدا في فلسطين في عام 1944م ستة أحزاب:
1- الحزب العربي الفلسطيني المعروف بحزب المفتي.
2- حزب الدفاع الوطني المعروف بحزب المعارضين بزعامة راغب النشاشيبي.
3- حزب الإصلاح بزعامة الدكتور حسن الخالدي.
4- لجنة مؤتمر الشباب بزعامة محمد يعقوب الغصين.
5- حزب الاستقلال بزعامة عوني عبد الهادي.
6- حزب الكتلة الوطنية بزعامة عبد اللطيف صلاح.
وقد رُتبت أسماء هذه الأحزاب حسب نفوذها وقوتها في الأوساط الشعبية فقد كان الحزب العربي الفلسطيني باعتراف الحكومة والعرب والأحزاب أنفسها هو حزب الأكثرية الساحقة ويليه حزب الدفاع الوطني وكان أقوى أحزاب الأقلية وتأتى بعدها بقية الأحزاب وبالإضافة إلى تلك الأحزاب قامت في البلاد أيضاً هيئات ومنظمات ولجان أخرى اتخذت لنفسها مع الوقت صفة الأحزاب وشكلها وكان منها:
1- جمعية العمال العربية.
2- عصبة التحرر الوطني.
3- مؤتمر العمال.
4- لجنة صندوق الأمة.
5- المكاتب العربية.
وقد رُتبت أسماؤها أيضاً على أساس نفوذها في البلاد وقوتها في الأوساط الشعبية وعندما استأنف الحزب العربي الفلسطيني نشاطه السياسي اتصل بالأحزاب السياسية وطبقة الشبان الذين كانوا يسمون أنفسهم بالطبقة المثقفة لتشكيل جبهة موحدة تنطق باسم البلاد وتمثل جميع أحزابها وتياراتها فجرت عدة مباحثات ومفاوضات بين الحزب ورجال الأحزاب الأخرى ولكنها لم تؤد إلى نتيجة فلم تشكل لجنة عليا ولم تتوحد الجبهة الداخلية وظل الخلاف الحزبي هو الطاغي ودون مستوى الأخطار ورغم خطورة الأوضاع والأحوال التي كانت تهدد العرب لكن الأحزاب اتفقت على عقد اجتماعات دورية يحضرها ممثل عن كل حزب للنظر في الحوادث الطارئة لكن العرب الفلسطينيين لم يكتفوا بأنهم لم يتفقوا على تأليف جبهة موحدة فحسب بل راح بعض زعمائهم وشبابهم يقاومون جهود الحزب العربي والحركة الوطنية الأمر الذي زاد في الأضرار بقضية البلاد ومصالح العرب أما أسباب عدم الاتفاق على تشكيل لجنة عليا للبلاد ومقاومة الحركة الوطنية والحزب العربي فكثيرة نلخصها فيما يلي:
1- الاختلاف في الأساليب: كان هناك اختلاف في الرأي حول كيفية توجيه الحركة الوطنية وطرق المقاومة فقد كان من رأى الحزب العربي أن العمل العسكري هو السبيل الوحيد لإنقاذ البلاد والمحافظ عليها ضد ما يهددها من مخاطر وأن التجارب والاختبارات الكثيرة التي مرت بالبلاد وقضيتها منذ الاحتلال البريطاني كانت أكثر من كافية لإقناع العرب بعدم جدوى أية سياسة أخرى تتبع فأتهم الحزب العربي وزعماؤه وقيادته بالتطرف والسلبية( ) وكان حزب الإصلاح أقرب الأحزاب جميعاً إلى رأي الحزب العربي أما حزب الدفاع فقد كان من رأي رجاله أن الإيجابية في التعاون مع الانجليز هو أحسن السبل للتخفيف من حدة الخطر الاستعماري اليهودي وأما الأحزاب الثلاثة الأخرى فقد كانت ترتئي إتباع طريق وسط.
2- الاختلاف في المبادئ والأهداف: كان من أسباب عدم قيام جبهة موحدة بين الأحزاب هو الاختلاف على المبادئ والأهداف فقد كان الحزب العربي يرى أن يكون الميثاق القومي لفلسطين هو الدستور الأساسي للجنة الجديدة وأن يكون الاستقلال وإنهاء الانتداب هو الهدف الذي يجب أن تهدف الحركة الوطنية إلى تحقيقه وأن الارتباط بالكتاب الأبيض أو غيره من العهود والبيانات يشكل اعترافاً بالأمر الواقع ويفسح المجال للحكومة لتواصل سياسة اللف والمواربة والالتواء يضاف إلى ذلك أن الحكومة نفسها لم تكن تحترم الكتاب الأبيض لعام 1939م ولا غيره من كتبها وخططها السياسية التي أعلنتها أما حزب الدفاع ومعظم الأحزاب الأخرى فقد كانت ترى أن يكون الكتاب الأبيض لعام 1939م هو الهدف الذي يجب أن تعمل اللجنة الجديدة على تحقيقه( ).
3- الاختلاف على تشكيل اللجنة: اختلف الحزب العربي مع سائر الأحزاب فيما عدا حزب مؤتمر الشباب على كيفية تشكيل لجنة القيادة الجديدة فقد كان الحزب العربي يطالب بأن تكون له نسبة في عضوية اللجنة تتناسب مع قوته ومركز في البلاد بينما كان الآخرون يرون أن تشكل اللجنة على أساس المساواة في عدد ممثلي كل حزب فيها ولم يكن الحزب العربي يتمسك بمسألة النسبية العددية في تمثيله في اللجنة الجديدة لأنه حزب الأكثرية فحسب بل لخشيته على سلامة القضية الفلسطينية وخوفه من أن تستولي على الحركة الوطنية أيادٍ ضعيفة مستسلمة لا يؤمن أصحابها في مقاومة الانجليز والاستعمار وكانت بعض الأحزاب والجماعات ترشح لعضوية اللجنة بعض العناصر والشخصيات التي كان الوطنيون يتهمونها بالسمسرة على أراضٍ لليهود والعمل على خدمة الاستعمار وهذا أمر لا يمكن للوطنيين أن يرضوا به مطلقاً بالإضافة إلى أن رجال الأحزاب الأخرى أرادوا أن يكون لهم الرأي الأول في ممثلي الحزب العربي في اللجنة الجديدة( ).
4- المبعدون والمعتقلون: كان عامل الوفاء والولاء والحرص على سلامة القضية الوطنية يحمل رجال الحزب العربي على المطالبة بإصرار بضرورة عودة زعماء البلاد إليها سواء منهم من كان مبعداً أم مشرداً أم معتقلاً وطلبوا أن تكون هذه المسالة من أهداف اللجنة الجديدة ولكن الأحزاب والجماعات الأخرى فيما عدا حزب الإصلاح ومؤتمر الشباب لم تر هذا الرأي وقد طمع رجالها في تولي مراكز الزعامة.
5- عدم الجدية في العمل: كان من الأسباب الأساسية التي باعدت بين رجال الأحزاب وحالت دون قيام تعاون وثيق في تشكيل لجنة تمثل البلاد هو الاختلاف في وجهة النظر والعقيدة والمزاج والتفكير بين رجال الأحزاب والجماعات فقد كان رجال الحزب العربي والدكتور حسن الخالدي يتسمون بالتصميم والجدية والإيمان في العمل والخدمة ويغلبون المصلحة الوطنية العليا على مصالحهم الخاصة.
لكن رجال الأحزاب الأخرى كانت مصالحهم ومكاسبهم لها الأولوية وما يقومون به من عمل في السياسة هو شيء من الترف ووسيلة لتحقيق هذه المكاسب عن طريق حكومة الانتداب ومن الأمثلة على ذلك نذكر أن زعيم حزب الاستقلال في فلسطين كان دائماً في طليعة الوطنيين العاملين ولكنه ارتكب عدة أخطاء لم تكن متناسبة مع ما عرف عنه من وطنية بل دلت على عدم الجدية في العمل والاستهتار بالمسئولية فقد اختلف مع المجلس الإسلامي وكان وكيلاً له في قضاياه وقضايا الوقف ثم انتهت تلك الوكالة فراح يشكل حزباً سياسياً ليناوئه وعندما لجأ اليهود إلى القضاء لإخراج عرب وادي الحوارث من أراضيهم بعد أن باعها أصحابها من غير الفلسطينيين آل التيان لليهود لم ير عوني عبد الهادي بأساً من الظهور أمام المحكمة وكيلاً عن الخواجا أرييل اليهودي أحد خصوم العرب في تلك القضية.
لم ير عوني عبد الهادي بأساً من عقد اجتماع في بيته بتاريخ 27/يوليو/1942م حضره يهوذا ماجناس رئيس الجامعة العبرية بالقدس وهو من كبار زعماء اليهود كما حضره غيره منهم للتحدث في شؤون سياسية ومن قبيل عدم الجدية في الخدمة الوطنية والتأثُّر بالمصلحة الشخصية وعدم قبول الذين عرفوا بالطبقة المثقفة الانخراط في الحركة الوطنية جدياً وتفضيلهم البقاء على الهامش انتهازاً للفرص واكتفوا بالخطب والتظاهر في المجتمعات لعل ذلك السبيل يوصلهم إلى تحقيق بعض أغراضهم وظلت التصريحات والخطب والبيانات والتهديدات طريقة بعض هؤلاء حتى بعد تسلمهم مراكز رسمية.
كان من شأن عدم اتفاق الكلمة بين زعماء الأحزاب ورجالها أن حصل خلاف بين الأحزاب أدى إلى مقاومة بعض الأحزاب للحركة الوطنية والحزب العربي الذي كان يتولى قيادتها.
أوعزت الحكومة إلى عدد من أنصارها المعروفين في داخل فلسطين وخارجها بالدس على رجال الحركة الوطنية والعمل على تشويه سمعتهم في الأوساط العربية في فلسطين وسائر الأقطار العربية ذلك أن تشويه سمعة العاملين ورجال الحركة الوطنية الفلسطينيين يؤدي إلى تبرم الشعوب العربية بالفلسطينيين فيخبو حماسها في تأييدهم ويدخل الشك إلى نفوس أبنائها في سلامة الحركة الوطنية وأهدافها ونظراً لأن من طبيعة الشعوب أن تخاف الحكومة وتحترم رغباتها واتجاهاتها ويلتف حول من تؤيدهم من الرجال والجماعات فقد أخذت الحكومة البريطانية في فلسطين تخص بعض الزعماء والجماعات بعطفها وتدعوهم إلى حفلاتها واجتماعاتها وتشاورهم في المسائل العامة وتقضي لهم حاجاتهم وحاجات من يؤيدهم.
بينما راحت تضيق على الوطنيين وتعرقل مصالحهم وتحول دون قضاء حاجة من كان يؤيدهم وكذلك لجأت الحكومة عن طريق قلم المطبوعات التابع لها والذي كان يسيطر على ورق الصحف والطباعة إلى تشجيع بعض الصحف العربية في فلسطين وخارجها على التعرض للحركة الوطنية ورجالها وشن حملات بذيئة ضدهم مقابل مبالغ معينة وكميات سخية من ورق الصحف والطباعة كان يغدقها عليهم مستر تويدى ومن بعده مستر هولم ومستر فيرنس وغيرهم من مديري قلم المطبوعات والمشرفين على الدعاية البريطانية ومحطة الشرق الأدنى مثل السيد نور الدين مرزاك وشمس الدين مرزاك الذين اعتنقا الإسلام.
أضف إلى ذلك أن الحكومة أطلقت الحرية لتلك الصحف في الكتابة ضد الوطنيين كما تشاء بينما شددت رقابتها على بعض الصحف التي أبت أن تكون عميلة للاستعمار ومنعت رجال الحركة الوطنية من إصدار صحف تنطق باسمهم وكذلك قامت الصحافة اليهودية والأجنبية بحملة دعائية بتوجيه من حكومة الانتداب ضد الحركة الوطنية والتعرض للوطنيين وقام أدوين صمويل اليهودي الانجليزي مدير عام محطة الإذاعة الفلسطينية الحكومية بتسخير تلك المحطة للطعن في الوطنيين والحملة عليهم وإفساح المجال لخصوم الحركة من بعض العرب للخطابة وإلقاء الأحاديث من تلك المحطة.
في الوقت نفسه قاد بعض العرب من الممتهنين مهنة التجسس والخدمة في قلم المخابرات البريطاني حرباً شعواء على الحركة الوطنية ورجالها يضاف إلى ذلك الوسائل والأساليب الأخرى التي اشتهر بها الاستعمار البريطاني في مقاومته للحركات الوطنية في البلاد التي ابتليت بشروره ومساوئه أما الفئات والجماعات الأخرى غير الأحزاب السياسية فإن بعضها أسدى خدمات جليلة للحركة الوطنية بينما شن بعضها الآخر حرباً عليها وأساء إلى المصلحة الوطنية العامة إساءة بالغة سواء بقصد أم بغير قصد.
أما منظمات العمال فقد انقسمت إلى جبهتين: جبهة عُرفت باليمينية وتمثلت في جمعية العمال العربية بحيفا وفروعها في مختلف أنحاء فلسطين وعملت الجبهة على تنظيم العمال العرب والدفاع عن مصالحهم وكيانهم وحقوقهم مع الشركات التي عملوا بها وخاصة شركة بترول العراق التي كان لها مصانع كبيرة للتكرير في حيفا أما بالنسبة لدائرة الأشغال العامة التابعة للحكومة فلم يكن لجمعية العمال أثر ملموس في التوجيه العام بها واعتبر زعماؤها من الذين كانوا يؤيدون التعاون مع الانجليز وأن الدعاية في الأوساط الغربية لقضية فلسطين من الوسائل المفيدة إن لم تكن الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تؤدي إلى نتيجة.
أما جبهة العمال الثانية فقد عرفت بالجبهة اليسارية وكان لها منظمتان: عصبة العمل الوطني ومؤتمر العمال ومع أن هذه الجبهة عنيت كثيراً بشئون العمال وخدمتهم والدفاع عن حقوقهم إلا أن اهتمامها بالناحية السياسية كان أكبر وأكثر بروزاً ومما هو جدير بالذكر أن الحكومة التي أخذت في أيامها الأخيرة تنظر بعين العطف إلى جمعية العمال العربية كانت تنظر إلى الجبهة الأخرى اليسارية نظرة شك وريبة وكثيراً ما تعرض زعماؤها لبطش الحكومة واضطهادها ولم تكف الحكومة الإنجليزية عن مطاردتهم حتى تحالفت مع روسيا ضد ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية وكانت هذه الجبهة العمالية اليسارية تقاوم في الحقيقة جميع الأحزاب السياسية وتتهمها بالرجعية وبإتباع الأساليب القديمة في المقاومة ولكنها كانت تلتقي مع الحزب العربي في جهوده ودعوته لمقاومة الاستعمار مباشرة ومعارضته معارضة واضحة ومما لا يستطيع أحد أن ينكره على هذه الجبهة العمالية ما تركته من أثر في جماهير الشعب بإذكاء روح الحماس وتشجيع مبدأ مقاومة الاستعمار وفكرتها باعتباره العدو الأول للبلاد وقضيتها وكانت عصبة التحرر الوطني نشيطة جداً في بث دعايتها عن طريق النشرات والاجتماعات والصحيفة الأسبوعية التي كانت تصدرها. ( )
موسى العلمي والمكاتب العربية والمشروع الإنشائي: لابد أن نشير إلى أمرين أولهما موقف العراق الرسمي وأنصار الانجليز من العرب في فلسطين وخارجها من الحركة الوطنية الفلسطينية وزعمائها وثانيهما المساعي التي قرر الانجليز القيام بها لتوجيه الحركة الوطنية وجهة التعاون معهم ومع الغرب.
نشير هنا إلى المؤامرة التي بيتها الإنجليز منذ 1937م ضد الحركة الوطنية وزعامتها تلك المؤامرة التي ظلوا يعملون على تحقيقها منذ وضعوها فعلى أثر الحرب العراقية البريطانية في شهر مايو/1941م اشتركت الحكومة العراقية مع الانجليز في اعتبار زعماء الحركة الفلسطينية وعلى رأسهم الحاج أمين الحسيني خصوماً ألداء للاستعمار الإنجليزي وأنصاره و يجب إضعافهم وتقليص نفوذهم والاستعاضة عنهم في قيادة الحركة الوطنية بأشخاص آخرين موالين للإنجليز لتوجيه الحركة الوطنية من حركة مقاومة الإنجليز إلى حركة تعاون مع الانجليز وحلفائهم وإقناع شعوب العرب بأن الدعاية في أمريكا وبريطانيا هي الوسيلة الوحيدة المجدية لحل القضية وتعاونت الحكومة في العراق على تنفيذ تلك السياسة وتحقيق خطتها فوقفوا بطبيعة الحال في وجه الحركة الوطنية القائمة وأخذوا يسعون لإيجاد عناصر يولونها زعامة الحركة لتحقيق أهدافهم المرسومة.
كان موسى العلمي من شباب فلسطين المثقفين ثقافة عالية معروفاً بوطنيته ومتمسكاً بحقوق البلاد وحين كان موظفاً في دائرة العدلية في حكومة فلسطين أسدى للوطنيين الثوار خدمات جليلة اعترف له بها الوطنيون وزعماؤهم ثم استقال من خدمة الحكومة فقربه الزعماء وأخذوا يعتمدون عليه وعندما عقد مؤتمر لندن عام 1939م انتخب عضواً في الوفد الفلسطيني وكان من أكثر المشاركين من أعضاء الوفد الفلسطيني تمسكاً بالمطالب القومية وممثلاً لوجهة النظر الوطنية الصحيحة وعندما صدر الكتاب الأبيض لعام 1939م كان العلمي في مقدمة المعارضين للسياسة التي اشتمل عليها وفي طليعة المنادين بضرورة رفضه وقد انتقل موسى العلمي مع زعماء البلاد إلى العراق وأقام فيه وكان على صلة حسنة في بادئ الأمر برجال الحركة الوطنية ثم وقع بعض الفتور في العلاقات بينهم وبينه ولم تعرف بعد أسباب ذلك الفتور وقد لا تُعرف حتى يُعلنها الزعماء والمعنيون أنفسهم وكيف وقِع موسى العلمي الاتفاق المشهور مع الكولونيل نيوكمب الذي كشف أمره بنفسه في اجتماعات اللجنة التحضيرية للجامعة العربية.
على أثر انتهاء الحرب العراقية البريطانية انتقل موسى العلمي إلى لبنان وبعد مدة من إقامته في بيروت عاد إلى فلسطين وافتتح مكتباً للمحاماة في القدس ونظراً لما كان معروفاً عنه من وطنية ومن علاقة قوية بزعامة الحركة الوطنية التف حوله بعد عودته إلى فلسطين عدد من المخلصين وجعلوه مرجعاً لهم في المسائل العامة والوطنية وعندما قرر الوطنيون استئناف العمل السياسي راجعوا موسى العلمي مراراً لتولي قيادة الحركة فكان يعتذر عن ذلك ثم كلفه رجال الحزب العربي أن يعيد تشكيل الحزب ويتولى زعامته فاعتذر أيضاً وكلفه الوطنيون أن يعمل على تشكيل لجنة عليا للبلاد تنطق باسم الشعب ووعدوه بكل تأييد له فاعتذر أيضاً ثم قرر اعتزال العمل السياسي والاهتمام بشئونه الخاصة فحسب.
لم يكن يعرف المراقبون أي تفسير لموقف موسى العلمي واعتذاره المتواصل عن العمل ولم يكونوا قد علموا بعد عن اتفاقه مع نيوكمب ولكنهم أخذوا يلاحظون نشاطاً خاصاً يقوم به وأنه يكثر من اتصالاته واجتماعاته بالشباب المعروفين بالطبقة المثقفة بينما ظل يدعي صداقة الوطنيين عامة ورجال الحزب العربي خاصة وازداد نشاط موسى العلمي في عام 1942م ولكن اعتذاره المتكرر عن الإسهام في الحركة الوطنية وتولي قيادتها أخذت تثير تساؤل المراقبين واتجه نحو التواصل والتنسيق مع أفراد طبقة الشبان وبعد فترة من الزمن أخذ موسى العلمي في انتقاد الحركة الوطنية وزعمائها ودعا إلى وجوب التخلص من سياسة الماضي وإتباع سياسة جديدة والتعاون مع الإنجليز والأمريكيين وبث الدعاية في أوساطهم لكسب عطفهم على القضية الفلسطينية وإقناعهم بالظلم الواقع على الشعب الفلسطيني وبوجوب حل القضية حلاً عادلاً.
لاحظ الفلسطينيون أن موسى العلمي قد أعاد ترتيب أولوياته وآرائه السياسية واتجاهاته الوطنية وأسقط من اهتمامه كل ما يتعلق بالعمل المسلح ولا نستطيع أن نجزم بحقيقة العوامل والأسباب التي جعلت موسى العلمي يبدل وجهة نظره السياسية وسلوكه الوطني فقد يكون رأى أن مصلحة القضية تقتضي تغيير أساليب العمل وخطط المقاومة وقد يكون قد اقتنع مجتهداً بأن سياسة التعاون ووسائل الدعاية والإقلاع عن الجهاد قد تعطي نتائج أفضل للقضية الوطنية إلا أن ما قام به من تصرفات جعل الوطنيين في ريبة من أمره وخاصة بعد ما لمسوه من مقاومته غير العلنية أيضاً للحزب العربي الفلسطيني وبعد ما لاحظوه من أن السياسة التي يسير عليها ويدعو إليها لا تختلف عن السياسة التي كان الانجليز وأنصارهم يرغبون في أن يتبعها عرب فلسطين وفي أواخر عام 1942م.
بدأ موسى العلمي نشاطه السياسي الجديد يعاونه نفر من الشباب بمحاولة إقناع الفلسطينيين بتغيير أساليبهم في المقاومة والنضال والاستعاضة عنها بالدعاية للقضية الوطنية في الأوساط الأمريكية والانجليزية وبإتباع سياسة التعاون والتفاهم مع الانجليز والأمريكيين وأعلن موسى العلمي سياسته وخططه بإنشاء مكاتب للدعاية العربية في بريطانيا وأمريكا وغيرها من الدول الغربية وبالعمل على إنقاذ أراضي فلسطين العربية عن طريق مساعدة الفلاحين في الاحتفاظ بأراضيهم بإنشاء مشاريع إنشائية وشكل لجنتين واحدة باسم لجنة المكاتب العربية والثانية باسم لجنة المشروع الإنشائي لتحسين الأراضي وقد جاء المال المطلوب لتلك المشاريع من العراق حيث خصصت الحكومة العراقية مبالغ كبيره للمكاتب العربية والمشروع الإنشائي ووضعتها تحت تصرف موسى العلمي.
تجاوز مجموع ما قدمته الحكومة العراقية لموسى العلمي لمكاتب الدعاية والمشروع الإنشائي أكثر من مليون دينار وباشر العمل في مشاريعه وأخذ يدعو إلى تحقيق خططه وبرامجه ويروج لسياسته الجديدة في الحركة الوطنية وتوجيهها وأعلن أن السياسة التي أُتبعت في فلسطين في الماضي كانت فاشلة وأن الخير في تغيير الأساليب وتبديل الوسائل واعتبار التعاون مع الانجليز وحلفائهم هي الطرق الفاعلة لخدمة القضية واستطاع كسب عدد من رجال الحزب العربي للتعاون معه, في حين عارضه عدد من الأحزاب والهيئات إضافة إلى لجنة صندوق الأمة واعتبر مؤيدوه أن هذه المعارضة صادرة لاعتبارات شخصية وحزبية.
بعد فترة قصيرة من الزمن أخذ الوطنيون الذين أيدوا موسى العلمي يتراجعون عن مناصرته بعد أن اتضحت لهم أمور سياسته وبعد ما بلغهم عنه من انتقادات جارحة كان يوجهها في مجالسه الخاصة إلى زعماء البلاد المبعدين والمشردين ثم إلى رجال الحزب العربي وخاصة بعد تصميمهم على استئناف العمل الوطني هو الأمر الذي أدى إلى خلاف عميق بين موسى العلمي ومؤيديه الذي انشقوا عنه وشكل موسى العلمي لكل من المشروعين المكاتب العربية والمشروع الإنشائي لجنة مركزية من الفلسطينيين ضمتا عدداً من الشباب وبعض العناصر التي عُرفت بالميل نحو الانجليز ومقاومة الحركة الوطنية كذلك ضمت اللجنتان بعض رجال الحزب العربي الذين أيدوه وأنشأ موسى العلمي مكتباً مركزياً للدعاية في القدس ومكتبين آخرين في كل من واشنطن ولندن كما أنشأ مكتباً في القدس للعمل على تنفيذ المشروع الإنشائي ووضع برامج وخططاً لمكاتب الدعاية ظلت في بادئ الأمر سرية عن غير مديري المكاتب وكبار موظفيها كما ظلت التوجيهات والتعليمات التي كان يرسلها إلى تلك المكاتب سرية أيضاً.
استطاع بعض الوطنيين الحصول على تلك التعليمات والبرامج وأطلعوا إخوانهم وأصدقاءهم عليها ثم نشروها في بعض الصحف العربية في القدس ودمشق وبيروت فلما أطلع عليها الشعب ارتاب في سلامة مقاصد موسى العلمي والأهداف التي تكمن وراء مساعيه فقد جاء فيها ما يعتبر مناقضاً للمصلحة الوطنية العليا كعدم إذاعة الأنباء والتعليقات التي تسيء إلى الانجليز والأمريكيين والابتعاد عن كل دعاية تعتبر موجهة ضد اليهود وتجنب كل ما يؤدي إلى تشجيع أعمال الجهاد والقوة والحذر من إتباع أساليب أو طرق أخرى في الدعاية وغير ذلك من التعليمات بالإضافة إلى أن تلك البرامج والخطط والتعليمات لم تنص على هدف وطني أو غاية قومية ترمي الدعاية إلى تحقيقها وجعل الكتاب الأبيض لعام 1939م الهدف الأقصى للحركة الوطنية.
ازداد ارتياب الوطنيين في خطط موسى العلمي وأهدافه وسياسته عندما أخذ يملأ مراكز المكاتب والدوائر ببعض الأشخاص من الشباب الذين ثبت أن همهم الوحيد في الدنيا هو مصالحهم الشخصية وأغراضهم الخاصة وفي الوقت نفسه وبقصد تضليل الرأي العام ألحق موسى العلمي بمكاتبه بعض الشباب الذين كانوا يتمتعون بثقة الوطنيين ومن الذين عينهم موسى العلمي في المراكز الرئيسية في مكاتب الدعاية رجائي الحسيني لمكتب لندن ولكنه لم يلبث أن استقال وأحمد الشقيري لمكتب واشنطن ووديع ترزي وبرهان الدجاني وأكرم عبد الرحيم وغيرهم كما عين ادوارد عطية من موظفي الحكومة الانجليزية في السودان وسيسل حوراني وألبرت حوراني من مكتب الجنرال كلاتيون رئيس قلم مخابرات الجيش البريطاني في الشرق الأوسط الذي كان مقره في القاهرة كما وظف عدداً آخر ممن كان معلوماً عن وجود صلة بينهم وبين دوائر المخابرات الإنجليزية حتى اصطلح الوطنيون تسمية موظفي المكاتب العربية بتلاميذ كلايتون.
لم يقم المشروع الإنشائي بأي نشاط ملموس ثم لم يلبث أن انكشفت حقيقة أهدافه للشعب فازداد ارتياباً ومما تبينه الوطنيون أيضاً أن جهوداً كانت تبذل سراً لتشكيل حزب سياسي تسند زعامته إلى موسى العلمي لقيادة الحركة الوطنية وتوجيهها وتمكنت صحيفة الوحدة في القدس من معرفة برنامج الحزب الجديد وأسماء أعضائه المؤسسين ولما نشرت الصحيفة تلك المعلومات قابلها الرأي العام الفلسطيني بالامتعاض والاستياء وأدرك الأسباب التي كانت تحمل موسى العلمي والمتعاونين معه على الاعتذار عن عدم الإسهام في الحركة الوطنية.
من بين الأسماء التي وردت على لائحة أعضاء الحزب المؤسسين ونشرتها الجريدة خلوصي الخير وأنور الخطيب وأحمد الشقيري ورشاد الشوا وأنور النشاشيبي وصلاح العنبتاوي ويوسف هيكل إزاء ذلك كله اضطر الوطنيون إلى مقاومة موسى العلمي وسياسته علانية ووقع بسبب ذلك خلاف شديد الجبهة الداخلية قوبل بأشد استغراب ودهشة من أهل البلاد أن يتفق هؤلاء فيما بينهم على مقاومة الحزب العربي والحركة الوطنية رغم اختلافاتهم الخاصة الكثيرة ورغم عدم انسجامهم فيما بينهم وتباين وجهات نظرهم الوطنية( ).
أحمد حلمي ولجنة صندوق الأمة: تأسست في فلسطين لجنة صندوق الأمة بقصد المحافظة على الأراضي الفلسطينية ومقاومة بيعها إلى اليهود وكان الفلسطينيون يتبرعون بالأموال لتلك اللجنة لشراء الأراضي المهددة أو إعطاء أصحابها قروضاً لاستغلالها تجنباً لبيعها إلى اليهود وقد تشكلت للصندوق هيئة إدارية من العناصر الوطنية المخلصة وتوقف عمل اللجنة بسبب قيام الحرب ولكن أحمد حلمي باشا أحد أعضائها الأوائل رأي إعادة تنظيم اللجنة واستئناف عملها وقد رحب الوطنيين بتلك الخطة لأن أحمد حلمي من المخلصين ومن أقرب الناس للحركة الوطنية وخدمتها وكان أحمد حلمي قد اعتزل الحياة الحزبية والعمل السياسي إلى حد بعيد وعكف على العناية ببنك الأمة الذي كان هو مديره العام ورئيس مجلس إدارته ثم اهتم بإحياء لجنة صندوق الأمة واستأنف نشاطه وجهوده السياسية العامة ولكن أحداً من المراقبين لم يكن يتوقع أن تجرف الخصومة والاختلافات الداخلية لجنة صندوق الأمة وأن ينزلق أحمد حلمي إلى حمأتها وجاءت النتائج على عكس ما ظن الوطنيون لقد كان أحمد حلمي من بين الوطنيين الذين ارتابوا في سياسة موسى العلمي وحذروا الكثيرين منها ورأوا أن المشروع الإنشائي بخططه وأساليبه لا يجدي في إنقاذ أراضي الوطن واقترح أن تدمج جهود صندوق الأمة وجهود المشروع الإنشائي في هيئة واحدة تعمل على إنقاذ الأراضي ولكن موسى العلمي لم يوافق على الاقتراح واستمر يعمل وحده ونظراً للضجة التي ثارت حول المكاتب العربية والمشروع الإنشائي اعتبر موسى العلمي أحمد حلمي من الأشخاص الذين يعارضون سياسته وأعماله ويقاومونها فأخذ يناهض لجنة صندوق الأمة فنشأ عن ذلك خصام عنيف بين المشروع الإنشائي وبين لجنة صندوق الأمة أو بالأحرى بين موسى العلمي وأحمد حلمي فلجأ كل فريق إلى جميع الوسائل والأساليب لتقوية جبهته وتعزيز وجهة نظره والواقع أن خطط موسى العلمي التي أقلقت الوطنيين أثارت أيضاً رجال الأحزاب الأخرى كما أثارت لجنة صندوق الأمة فاشتد الخلاف بين موسى العلمي ورجاله من ناحية وبين لجنة صندوق الأمة والأحزاب الأخرى من ناحية ثم تطور هذا الخلاف إلى صراع اتخذ مظهراً مالياً واقتصادياً فقد كان البنك العربي في فلسطين بإدارة عبد الحميد شومان أسدى أجل خدمة اقتصادية لفلسطين والعرب وبنك الأمة العربية بإدارة أحمد حلمي فاعتمد موسى العلمي البنك العربي عميلاً له ووضع في خزائنه المبالغ التي كانت تقدمها له حكومة العراق( ) فأغضب ذلك بنك الأمة العربية الذي اعتمدته لجنة صندوق الأمة التي كانت مواردها ضئيلة ومحدودة فبذل أحمد حلمي وجماعة الأحزاب جهوداً مضنية لمقاومة موسى العملي ومشاريعه وشعر أحمد حلمي بضرورة تقوية لجنة صندوق الأمة بضم عناصر من الوجهاء والأثرياء والأعيان إليها لمجابهة تشكيلات موسى العلمي وفيما يتعلق بالمشروع الإنشائي عادت خطته عليه بالانتقاد المر من الوطنيين إذ كان من بين الذين ضمهم أحمد حلمي مندفعاً بروح المقاومة والخصومة إلى اللجنة عدد من الأشخاص المعروف عنهم بيع أراضيهم لليهود واقتراف جريمة السمسرة على أراضي البلاد والعمل في قلم الاستخبارات حتى أن لجنة صندوق الأمة عقدت اجتماعات عامة لإنقاذ الأراضي في بيوت هؤلاء السماسرة والباعة أنفسهم كما جرى في الخالصة والشيخ يونس وغيرهما وأخطأ أحمد حلمي خطأً بالغاً آخر في اندفاعه حيث وسع مجلس إدارة بنك الأمة الذي كان يرأسه فضم إليه رؤساء البلديات والأحزاب وعدداً من الشخصيات الذين قاوموا الحركة الوطنية والحزب العربي وتعاونوا مع الانجليز في سياستهم حتى أصبح مجلس إدارة بنك الأمة وكأنه مجلس إدارة للأحزاب الفلسطينية المعارضة للحركة الوطنية والحرب العربي.
استغرب الوطنيون ذلك الأمر استغراباً عظيماً واسترعى هذا الخلاف الشديد بين أحمد حلمي وموسى العلمي انتقاد الأمير عبد الله والمسئولين في العراق فسعوا لإزالته وحضر الأمير عبد الله بنفسه إلى القدس وجميع الرجلين لإزالة الخلاف بينهما ودعاهما إلى التفاهم والتعاون ولكن بدون جدوى وإزاء ما رآه الحزب العربي من مشاركة عضوية لجنة صندوق الأمة وإدارة بنك الأمة العربية على عدد من باعة الأراضي والسماسرة والمتهمين بالخيانة الوطنية والتعاون مع الانجليز فضلاً عن أخطاء أخرى نُسبت إلى لجنة صندوق الأمة اضطر الحزب العربي إلى إذاعة بيان على الشعب دعاه فيه إلى عدم تأييد لجنة صندوق الأمة وطلب إعادة تشكيلها من عناصر وطنية سليمة.
لبى الشعب نداء الحزب العربي وأعرض عن تأييد لجنة صندوق الأمة ما لم يعد أحمد حلمي تشكيلها ويخرج منها العناصر المشبوهة وبسبب موقف الحزب العربي وقع خلاف بين رجاله وبين أحمد حلمي زاد في لهيب الاختلافات الداخلية ولم يتورع فريق أحمد حلمي من الانهيار إلى درك الطائفية البغيض واتخاذها سلاحاً لمقاومة الحزب العربي متخذاً من انضواء معظم المسيحيين وزعمائهم الوطنيين تحت لواء الحزب العربي سلاحاً للإثارة وقد أضر الاختلاف الداخلي في فلسطين ضرراً بليغاً بالقضية الوطنية.
ولو أن موسى العلمي تعاون مع الوطنيين وأنفق قسماً من الأموال الطائلة التي كانت تحت تصرفه على الحركة الوطنية وتنظيمها وعلى إعداد الشباب وتسليحهم لأفاد البلاد كثيراً( ).
فلسطين على طريق الهزيمة والضياع
حين انتهت ثورة 1936م – 1939م فر بعض قادتها إلى سوريا فالعراق أو العراق مباشرة( ) وكان الحاج أمين رئيس اللجنة العربية العليا قد سبقهم هو وبعض السياسيين وكان معظم قادة فلسطين السياسيين في السجون والمنفى أو خارج فلسطين ولقد أدت العوامل التالية إلى حالة الركود في فلسطين:
1-عدم وجود قيادة سياسية موحدة.
2-ظروف الحرب القاسية وترقب نتائج الصراع العالمي.
3-انتهاء الثورة باعتقال وفرار أكثر قياداتها.
كان الحاج أمين الحسيني خلال وجوده في العراق على صلة بدول المحور وقد حاول أن ينتزع منها اعترافاً باستقلال البلاد العربية في حالة كسب الحرب مقابل تأييد نشاط دول المحور ضد الحلفاء وعندما غزا الجيش الإنجليزي العراق عام 1941م دافع الثوار الفلسطينيون الذين كانوا موجودين هناك عن استقلال العراق وكرامته.
سقطت حكومة رشيد علي الكيلاني وغادر الحاج أمين الحسيني العراق إلى إيران ومنها إلى ألمانيا وأيدت الدول العربية الحلفاء وأعلنت الحرب على دول المحور أو قطعت العلاقات معها بينما كان الرأي العام العربي مع الألمان ودول المحور ومع هذا فقد انطلقت أصوات تنادي بتأييد الحلفاء على أمل أن يحقق الحلفاء للعرب أمانيهم بعد الحرب كانت هذه الأصوات أصوات أصدقاء الحلفاء وعملائهم أو أصوات الشيوعيين بعد أن شن هتلر الحرب على الإتحاد السوفيتي إلا أن هذا الأمر لم يغير من موقف الشعب المؤيد لدول المحور على الأغلب لا لأنها نازية أو فاشية ولا لأنها اطمأنت فعلاً إلى أن انتصار دول المحور سيحقق لها استقلالها وكرامتها ووحدتها بل لأنها أرادت أن ترى قاهريها مقهورين.
أخذت كفة الفوز تميل مع الحلفاء وبدأ بعض المثقفين الفلسطينيين يفكرون جدياً ببدء العمل من أجل إنقاذ فلسطين كان الركود الذي ساد فلسطين خلال الحرب والاستعدادات التي قام بها الصهاينة ثم الورطة التي وقعت فيها الحركة الوطنية بالتزام قائدها الحاج أمين الحسيني جانب المحور المهزوم يدفعهم إلى التأمل في مستقبل الحركة الوطنية ومحاولة إنقاذها ولكنهم لم يكونوا مختلفين عن قيادة الحركة الوطنية فهم من طبقة الزعامات والوجاهات والأعيان نقلت الحرب قيادة العالم الرأسمالي من بريطانيا إلى الولايات المتحدة ولم يُضيِّع الصهاينة الفرصة ذلك أنهم بذلوا كل الجهود الممكنة لكسب الدولة القوية إلى جانبهم وقد استجاب الرئيس ترومان للحركة الصهيونية فبدأ حملة تأييد واسعة وأخذ يعمل لفتح باب الهجرة الذي كان سيغلق في وجه المهاجرين اليهود في نهاية عام 1945م.
أعلنت بريطانيا في 29/يناير/1946م أن باب الهجرة سيظل مفتوحاً بعد انتهاء المدة التي حددها الكتاب الأبيض لعام 1939م وأن لجنة بريطانية – أمريكية ستكلف للتحقيق في المشكلة وبدأت اللجنة أعمالها في الشهر الأول من عام 1946م وكان واضحاً أن مهمتها الأساسية هي إلغاء الكتاب الأبيض لعام 1939م وافقت اللجنة العربية العليا على التقدم بشهادتها إلى اللجنة, مبررة موافقتها بالاستجابة لنصح جهات عربية مسئولة إلا أن حزب الكتلة الوطنية وعصبة التحرر الوطني( ) طالباً بمقاطعة اللجنة العربية وكان موقف اللجنة العربية أمام لجنة التحقيق هو مذكرة جمال الحسيني إلى اللجنة وأهم ما جاء فيها: أن واجبنا نحو بلدنا يحتم علينا أن نعلن اعترافنا بأن للجنتكم الحق في البحث أو التحقيق في قضية فلسطين وفي تقرير مصيرها وأن قضية العرب قضية حق وعدل مبنيين على حق الشعب العربي في البقاء في بلاده وضمان كيانه الوطني وقضيتنا العربية لا علاقة لها باللا سامية.
حددت المذكرة أسباب تذمر العرب من السياسة البريطانية في فلسطين بما يلي:
1- إنكار استقلالهم الذي وُعِدوا به مراراً أثناء الحرب.
2- إدخال عدد كبير من المهاجرين وعدم الاكتراث بتأثير هذه الهجرة على عادات العرب وحقوقهم في التجارة والمهن الحرة وسائر الأعمال الأخرى وإعطاء اليهود جميع التسهيلات للحصول على موارد البلاد الاقتصادية ومرافقها الحيوية مما أدى إلى حرمان العرب منها.
3- استمرار بيع الأراضي إلى اليهود رغم الاعتراف بأن ما يملكه العرب لا يتجاوز ثلث الحد الأدنى الذي يحتاجون إليه.
وعليه فإن مطالب عرب فلسطين تتلخص فيما يلي:
1- الاعتراف بحق العرب في استقلال بلادهم التام.
2- العدول عن إنشاء الوطن القومي اليهودي.
3- إلغاء الانتداب وإعلان فلسطين دولة عربية مستقلة.
4- وقف كل هجرة يهودية وبيع الأراضي.
وأنهى جمال الحسيني مذكرته موضحاً أن العالم العربي يرتبط بكم وبأمريكا بصداقة تقليدية ولكن مسألة فلسطين ستغير كل شيء لذا فإن عليكم أن تختاروا بين مليوني مضطهد وبين سكان هذه الرقعة الواسعة من العالم وقد يقع اضطراب يمتد لهيبه فيشمل العالم أجمع( ) وحدثت مناقشة بين اللجنة الأنكلو - أمريكية وجمال الحسيني بعد سماع المذكرة وقد سألت اللجنة جمال الحسيني عن موقف اللجنة العربية العليا من اللا سامية فأجاب إنها عدونا فلولاها لما جاء اليهود إلى هنا فلقد كان اليهود جيراناً طيبين معنا قبل الصهيونية وحين سُئل عن تعاون الحاج أمين الحسيني مع الألمان أجاب بأنه كان يعمل لمصلحة بلاده.
بعد هذه الإجابة مباشرة سأله أعضاء اللجنة إذاً كان الحاج أمين الحسيني في ألمانيا وأنتم على الحياد فأجابه جمال الحسيني عملنا ما عملتموه مع روسيا الدكتاتورية.
تكلم من بعد جمال الحسيني عوني عبد الهادي موجهاً حديثه إلى الحركة الصهيونية قائلاً: لا تغتروا بمساعدة الإنجليز والأمريكان فلكل مساعدة حد وهم لا يقبلون إبادة عرب فلسطين ولا يفرطون بمصالحهم في البلاد العربية والإسلامية لأجل خاطركم وبعد أن دافع عن فيصل الأول بشأن اتفاقه مع الصهيونيين على أساس أنه لا يعرف اللغة الإنجليزية ولا يمثل كل العرب قال: لقد أوقفنا الثورة هنا لكي لا نضع العراقيل أمام بريطانيا في كفاحها من أجل الحياة أو الموت ولم يكن موقفه من تعاون الحاج أمين الحسيني مع الألمان مختلفاً عن موقف جمال الحسيني وكانت شهادة سامي طه رئيس جمعية العمال العربية حيث تناولت تلك الشهادة الجانب النقابي كما تناولت الجانب السياسي ولقد أكد رئيس جمعية العمال العربية على عدم انفصال العمال العرب عن النضال الوطني كل الوقت وتحدث عن الجو الذي نشأت فيه جمعية العمال فقال: لقد نشأت حركتنا النقابية في جو سياسي هدفه الوحيد مقاومة الاستعمار والصهيونية.
استمر العمال كأفراد يناضلون مع أمتهم سياسياً واقتصادياً لرفع مستواهم ولم يفت على سامي طه أن يؤكد أن الاستعمار السياسي والاقتصادي لأي بلد كان دائماً سبب الاضطراب في العالم ولذلك فهو يرى أنه أصبح ضرورياً القضاء على الاستعمار بجميع أشكاله وألوانه لإقرار السلم العالمي وحدد سامي طه موقف العامل العربي من الحركة الصهيونية على أنها حركة رأسمالية رجعية ولذلك فهو يناضل ضدها كانت الشهادات التي أدلى بها قوية فلم ترفع شعارات مهادنة ومساومة كما كان يحدث في السابق إلا أن هذا لا يبرر قبول المثول أمام لجنة التحقيق الأنكلو-أمريكية التي كان واضحاً أنها جاءت لنسف الكتاب الأبيض لعام 1939م وفتح الأبواب أمام الهجرة الصهيونية.
صدر في 20/إبريل/1946م تقرير اللجنة الأنجلو-أمريكية الذي جاء فيه: إدخال مائة ألف مهاجر جديد ورفع الحظر عن انتقال الأراضي إلى اليهود وبقاء الانتداب حتى يكون ممكنا قيام دولة فلسطين وكان التقرير لمصلحة الحركة الصهيونية لذلك فقد سر به الصهيونيون والأوساط المؤيدة لهم في أوروبا وأمريكا ولاسيما الأوساط الحاكمة في الولايات المتحدة أما جماهير الشعب العربي فقد ثارت ثائرتها وانطلقت معبرة عن استيائها ونقمتها بالمظاهرات والإضرابات والاحتجاجات ولم يجد الرؤساء العرب دعاة التفاهم مع بريطانيا وأمريكا بُداً من الاستنكار.
ولهذا تداعى الرؤساء العرب لاجتماع عقدوه في أنشاص في يومي 28 و29/مايو/1946 وحضر الاجتماع ملك مصر فاروق ورئيسا جمهوريتي سوريا ولبنان شكري القوتلي وبشارة الخوري والأمراء سعود وعبد الإله وسيف الإسلام عبد الله وقد صدر عن الاجتماع بيان خص فلسطين بفقرة أساسية منه أكدت أن قضية فلسطين هي قضية العرب جميعاً وأن فلسطين عربية يتحتم على دول العرب وشعوبها صيانة عروبتها وأن ليس في إمكان هذه الدول أن توافق بوجه من الوجوه على أية هجرة جديدة ويعتبرون ذلك نقضاً صريحاً للكتاب الأبيض الذي ارتبط به الشرف البريطاني ولهم عظيم الأمل ألا يعكر صفو علاقة المودة القائمة بين الدول والشعوب العربية من جهة والدولتين الديمقراطيتين الصديقتين من جهة أخرى.
تفادياً لرد فعل ينشأ بسبب ذلك ويفضي إلى اضطرابات قد يكون لها أسوأ الأثر في السلم العام( ) فقد أحدث الاجتماع والبيان الذي صدر عنه تفاؤلاً في أوساط الجماهير مع أن البيان لم يأتِ بجديد فلقد رفض المؤتمرون أية هجرة جديدة إلى فلسطين واعتبروا أن من واجبهم صيانة عروبتها ولكنهم لم يتجرأوا على اتخاذ موقف حازم من بريطانيا وأمريكا بل اعتبروهما دولتين ديمقراطيتين صديقتين وأعربوا عن أملهم في ألا يؤدي موقفهما إلى تعكير صفو العلاقات بينهما وبين الدول والشعوب العربية كانت فلسطين بلا قيادة خلال الحرب وظلت بلا قيادة عند انتهائها وبعدها عادت القيادات للصراع ولم تتمكن من إنشاء لجنة عربية جديدة تحل محل اللجنة المتشتتة وعندما بدأت مشاورات الجامعة لم يكن هنالك من يمثل فلسطين فيها في البداية( ) ثم اتفق على أن يفوض موسى العلمي بهذه المهمة وحين انعقدت الدورة الثانية لمجلس الجامعة العربية 31/أكتوبر- 14/ديسمبر/1945م قرر جميل مردم رئيس الدورة, العمل على حل المشكلة وحضر إلى فلسطين في شهر نوفمبر/1945 واتصل برجال الأحزاب وبعد مباحثات فوضوه أن يختار لجنة منهم فاختار جميل مردم لجنة من رؤساء الأحزاب وهم راغب النشاشيبي ممثلاً عن حزب الدفاع عوني عبد الهادي ممثلا عن حزب الاستقلال وتوفيق الحسيني العربي ود. حسين الخالدي ممثلا عن حزب الإصلاح وعبد اللطيف صلاح ممثلا عن حزب الكتلة الوطنية ويعقوب الغصين ممثلا عن حزب مؤتمر الشباب وإضافة إلى هؤلاء أحمد حلمي عبد الباقي ورفيق التميمي وموسى العلمي وأميل الغوري ويوسف صهيون.
استطاعت هذه اللجنة أن تختار وفداً يمثلها فيما تبقى من اجتماعات مجلس الجامعة إلا أنها لم تستطع الاستمرار فقد كان الصراع حاداً بين القادة إضافة إلى ما كان لديهم من خلافات نشأ موضوع خلاف جديد وهو مكاتب الدعاية والمشروع الإنشائي العربي وتلك الأمور التي قرر مجلس الجامعة في دورته الأولى إنشاءها وأوكل أمرها إلى موسى العلمي وقد تبنت حكومتا الأردن والعراق موسى العلمي شخصياً في محاولة لخلق زعامة جديدة إلا أن اللجنة لم تجتمع لتنظر في الأمر فاختار جمال الحسيني أن يفعل ذلك بنفسه وكان ما فعله سبباً لانشقاق اللجنة إلى لجنتين: إحداها ظلت تحمل الاسم السابق بينما حملت اللجنة الأخرى اسم الهيئة العربية وضمت هذه الهيئة الأولى ممثلي الأحزاب ما عدا الحزب العربي وبعض المستقلين وكان إنشاؤها أكبر تحالف تم ضد الحزب العربي وزعامة الحاج أمين الحسيني.
اجتمع مجلس الجامعة في بلودان-سوريا من 8-12/يونيو/1946م قرر دعوة قيادات عرب فلسطين إلى الاتحاد وإنشاء هيئة تمثلهم ومن أجل ذلك دعا المؤتمرون في بلودان قادة الجبهتين وتكونت كما يلي: جمال الحسيني وإميل الغوري عن اللجنة العربية وأحمد حلمي ود.حسين الخالدي عن الهيئة العربية العليا وقد جاء تكوينها لمصلحة الحاج أمين لأنها تضم اثنين من حزبه واثنين من الذين كانوا يتعاونون معه وعندما وصل الحاج أمين الحسيني إلى القاهرة حاول أن ينهي الدعاية والمشروع الإنشائي وعقدت اجتماعات ومباحثات استهدفت إخضاع تلك المؤسسات للهيئة مع أن الهيئة لم تمانع في أن يظل هو رئيسها كما أن الحكومة العراقية وهي الممولة لم توافق أبداً على انتقال إدارة المؤسسات المذكورة إلى الهيئة العربية العليا وأصدر الحاج أمين الحسيني بعد عودته إلى القاهرة قراراً بإضافة أسماء جديدة للهيئة العربية العليا وهؤلاء هم: محمد عزت دروزة ورفيق التميمي ومعين الماضي وحسن أبو السعود وإسحق درويش وأصبح هؤلاء مع الأعضاء الذين اختارهم مؤتمر بلودان الهيئة العربية العليا وظلوا كذلك إلى أواسط عام 1947م حين انسحب محمد عزت دروزة منها لأنه كما يقول: لم يعد يحتمل مسؤولية الأساليب المتبعة فيها( ).
منذ أواخر عام 1946م سجل نشاط الهيئة العربية العليا ازدياداً ملحوظاً فقد أنشأ مكتبها الرئيسي في القاهرة ووضعت اللوائح اللازمة لسير عملها من نظام أساسي وقانون داخلي وتنظيم للجان القومية ولائحة الصندوق القومي الذي سُمي بيت المال وقد حرصت الهيئة على أن تنشط في ميدان الاتصالات الدبلوماسية والدعاية فقررت إرسال الوفود إلى أنحاء مختلفة من العالم وأصدرت كراساً عن فلسطين نشرته بالعربية والإنجليزية وكان مجلس الجامعة قد قرر في اجتماعه من 8 - 12/يونيو/ 1946م أن تقدم دول الجامعة العربية المال للهيئة العربية العليا لتكون قادرة على العمل كما اتخذ مثل هذا القرار في اجتماعات مجلس الجامعة في 17-29/مارس/1947 إلا أن ما تسلمته الهيئة حتى حزيران من عام 1948م لم يتجاوز مبلغ مائة وثلاثة وأربعين ألف جنيه دفعت سوريا منها ثلاثة آلاف جنيه فقط.
اجتمعت الأمم المتحدة في 28/إبريل/1947 بناءً على دعوة الحكومة البريطانية للنظر في قضية فلسطين وقد منحت الهيئة العربية العليا حق الكلام باسم فلسطين فتحدث المحامي هنري كتن ممثلاً عنها وأكد مطالبة عرب فلسطين بالاستقلال ووقف الهجرة اليهودية حالاً وأعلن معارضة عرب فلسطين ورفضهم لأية قرارات تصدر إذا كانت لا تتفق ومطالبهم لذا شكلت هيئة الأمم لجنة تحقيق لم تدخلها أي من الدول الكبرى وقد وصلت فلسطين يوم 17/يونيو/1947م وقد قررت الهيئة العربية العليا مقاطعة هذه اللجنة لأنها ليست مكلفة بتحقيق المطلب الأساسي لعرب فلسطين وهو الاستقلال وطلبت من الشعب في فلسطين أن يعلن الإضراب يوم وصولها وقد استقبلت فلسطين والعواصم العربية اللجنة بالإضراب.
لكن الدول العربية قررت التعاون معها على أساس أنها تتكون من أعضاء في الأمم المتحدة وبينما اللجنة ما تزال في القدس أقيم مهرجاناً كبيراً باسم العمل من أجل المحافظة على الأراضي العربية ومقاومة سياسة الاحتلال الخاصة بالأراضي والمتمثلة في نزع الملكية وإزالة الشيوع وتسجيل الأراضي باسم المندوب السامي ولكن هدف الاجتماع لم يكن هذا فحسب إذ إن المقصود كان إعلان موقف العرب من قضية فلسطين بشكل عام وقد تُليت في الاجتماع رسالة من الحاج أمين الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا أكد فيها أن الثورة لا بد واقعة في فلسطين إن لم تعترف بريطانيا والولايات المتحدة بمطالب عرب فلسطين.
الجماعات والجيوش غير النظامية في فلسطين
عصبة التحرر الوطني: تم تأسيس عصبة التحرر الوطني بعد انفصال الشيوعيين العرب عن الشيوعيين اليهود وتأسيس حزب منفصل واحتفظ اليهود باسم الحزب القديم ودعا حزب عصبة التحرر الوطني إلى إدخال الصناعة وتشجيع زراعة الحمضيات وتسويقها وإعادة تشكيل الهيئة العربية العليا بطريقة الانتخاب الشعبي فقد شكلت الهيئة العربية بالتنسيق مع قادة الأحزاب والشخصيات التقليدية بصورة ترضي الحاج أمين الحسيني.
كان حزب عصبة التحرر حزباً مرتبطاً بتعليمات الإتحاد السوفيتي ويعمل بأوامره ويعتبر أن الوطنية حكر على الشيوعيين وقد رفض حزب عصبة التحرر الوطني قرار تقسيم فلسطين في بادئ الأمر وانضم إلى المقاومة الوطنية ثم غير الحزب رأيه عندما أعلن الإتحاد السوفيتي تأييده لتقسيم فلسطين.
اعتبرت عصبة التحرر الوطني أن المتطوعين العرب والمسلمين والجيوش العربية الذين حضروا للعمل على تحرير فلسطين غزاه جاءوا لمحاربة الشعب اليهودي المسالم والمدافع عن استقلاله ودعت إلى محاربتهم وكانت هذه المواقف هي الانتحار السياسي لعصبة التحرر الوطني والشيوعيين في العالم العربي وقد شكر ديفيد بن غوريون رئيس دولة إسرائيل جوزيف ستالين في 6/نوفمبر/1948 في رسالة قال فيها أن الشعب اليهودي لن ينسى العون والتأييد الذي قدمه الإتحاد السوفيتي إلى إسرائيل وكان هدف عصبة التحرر الوطني من تأييد قرار التقسيم وإقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية سوف يؤدي إلى انحسار النفوذ العربي في البلاد العربية لصالح الكتلة الاشتراكية وأن تدخل الدول العربية سيؤدي إلى خروج القضية من يد الفلسطينيين ويدخلها في الصراعات العربية والعالمية مما يؤدي إلى فقدان القرار الفلسطيني.
آثر الشيوعيون التكتيك والمعالجة الحزبية علي النضال ومصلحة الوطن وطرحت الأحزاب الشيوعية في العالم العربي قضايا عجزت عن طرحها طرحاً موضوعياً ولذلك لم تستطع الأحزاب الشيوعية الوصول إلى دور قيادي وكان دورها محدوداً في أوساط القاعدة الشعبية في العالم العربي.
إن تأييد الشيوعيين لتقسيم فلسطين ومعارضة فكرة الكفاح المسلح دفع ثمنه غالياُ الشيوعيون في فلسطين والعالم العربي( ).
موقف الاتحاد السوفيتي عام 1947م: كان الاتحاد السوفيتي يرغب في خلق حالة من الفوضى والاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط لأن هذه الحالة تخدم مصالحه وأهدافه فلم يكن للاتحاد السوفيتي أية علاقات مع أية دولة عربية لذلك رأى أن يستمر تقسيم فلسطين لخلق حالة من الفوضى والاضطرابات في الشارع العربي وفي الأنظمة العربية في المنطقة وأيضاً لعمل مجابهة بين الدول العربية والولايات المتحدة وأوروبا وكان يأمل في التعامل مع الدولة الإسرائيلية لتكون قاعدةً لنشر المبادئ الشيوعية في الوطن العربي وقد وجِد في فلسطين في تلك الفترة مجموعات تؤيد الاتحاد السوفيتي لكنها كانت جماعات هامشية ليس لها وزن في الشارع السياسي.
بدأ النشاط السري لعصبة التحرر الوطني في فلسطين وكان رأي القيادة السوفيتية أن الإسهام في خلق دولة إسرائيلية يعطي فرصاً للاتحاد السوفيتي لنشر مبادئه في العالم العربي وجعل إسرائيل قاعدة لمبادئ الشيوعية وإن شيوعيي فلسطين وعلاقة التبعية للشيوعية العالمية جعلتهم ينتهجوا منهجاً تضليلياً ويطرح فرضيات وشعارات بعيدة عن الواقع وفشل في فهم القضية الفلسطينية وقد عارض الشيوعيون في غزة دخول الجيش المصري إلى فلسطين وكان شعارهم: أن على الجيش المصري تحرير مصر من الجيش الإنجليزي قبل تحرير فلسطين.
حل عصبة التحرر عـام 1948: عند دخول الجيش المصري لفلسطين كان أول عمل له أن حل عصبة التحرر والشيوعية واعتقل معظم قياداتها في سجن أبو عجيلة في سيناء وعند احتلال القوات الإسرائيلية موقع أبو عجيلة تم نقل هؤلاء المعتقلين إلى معتقل بئر السبع وخيروهم أن يعيشوا في إسرائيل أو يرحلوا إلى قطاع غزة فاضطر معظمهم إلى البقاء في إسرائيل وكان منهم: علي عاشور وأسعد مكي ومحمد خاص وبعد أن أفرجت السلطات المصرية عن باقي الشيوعيين عملوا سراً في استقطاب عناصر جديدة من طلاب ومدرسين وأصدروا نشرة رسمية تعرف باسم الشرارة وظهر الحزب الشيوعي في أوساط اللاجئين الذين يعيشون حياة الفقر والبؤس ومرارة الهجرة وحرمان الوطن وبدأت بظهور قيادات شابة مثل: معين بسيسو ونمر هنية وخليل عويضة وحسن أبو شعبان وسمير البرقوني وعمر كحيل وفخري مكي وأحمد خليل مصلح وعطية مقداد وقد تحالف الإخوان المسلمون مع الشيوعيين للمرة الأولى والأخيرة في مظاهرات 28/فبراير/1955 في غزة للتصدي لمشروع توطين اللاجئين في سيناء واعتقل الشيوعيون مع الإخوان المسلمين وأُبعدوا في معتقلات سيناء ومصر( ).
جماعة العرب: بدأ الشيخ هاشم الخزندار يكون مجموعة من الأصدقاء في عام 1943 عرفوا باسم جماعة العرب ثم حركة العرب في فلسطين.
تكونت الجماعة من حلقات كانت تجتمع على شاطئ بحر غزة في الصيف وفي الحمة في فصل الشتاء وكانوا يعبرون نهر الأردن من الحمة إلى أم قيس الأردنية للالتقاء بالإخوان المسلمين في الأردن وسوريا والعراق والاجتماع معهم ومع الثوار في الدول العربية يتبادلون الأفكار والآراء ويقومون بتهريب السلاح من أم قيس الأردنية عبر نهر الأردن إلى الحمة الفلسطينية حيث كانت لهم محطة في قرية سبخ قضاء طبريا بجوار الحمة وكانوا يتنقلون في مدن فلسطين وقراها وكان في حوزة هذه المجموعة مسدسات من نوع نصف جولد وبرشوت ومدافع ستن وتومجن وأنواع مختلفة من السلاح الألماني والفرنسي والإنجليزي.
هذه المجموعة مزيج من فئات مختلفة من الشعب الفلسطيني ولها أكثر من اتجاه ورأي لكنها اجتمعت وتوحدت على العمل من أجل محاربة اليهود الصهاينة وقد وصلت إلى أن صار السواد الأعظم منهم يتبع حركة الإخوان المسلمين وهذه المجموعة مكونة من: الشيخ هاشم الخزندار رئيساً ومجدي عرفات نائباً للرئيس وأحمد فاضل الملاح سكرتيراً وأسعد زينة أميناً للصندوق وصالح الغزالي نائباً لأمين صندوق ومصباح الشوا المسئول العسكري وعضوية كل من: محمد البدري ونصري أبو خليل وأحمد فهد شهاب وتوفيق إرحيم وفؤاد شراب وجواد عرفات وواصف قرمان وحلمي الشوا وحلمي فيصل وطه أبو شعبان وهاني بسيسو ومحمد شملخ ونجيب الخزندار وزهدي أبو شعبان وبكر الخزندار ومحمود الشوا وسالم غربية وسليم مراد وأحمد أبو حصيرة وكان يداوم على زيارة معسكرهم على شاطئ بحر غزة الشيخ عمر صوان والشيخ محمد الغزالي والشيخ محمد فرغلي والشيخ سيد سابق وأغلب قيادات الإخوان المسلمين في قطاع غزة ومصر.
جيش الجهاد المقدس: شكل القائد عبد القادر الحسيني جيش الجهاد المقدس مستفيداً من تنظيمات الحزب العربي الفلسطيني ومن ثوار 1936-1939 وكان إنشاؤه تحدياً للخطط الاستعمارية البريطانية ولموقف حكومة بريطانيا التي كانت تعارض بشدة تسليح الفلسطينيين وتجنيدهم خشية أن يعرقل ذلك خطط الغرب في إنشاء دولة العدو الصهيوني وضم الأجزاء العربية التي حددها مشروع التقسيم إلى حكومة شرق الأردن.
تجسد موقف بريطانيا في نشاطات البريغادير تشارلز كلايتن السياسي البريطاني الملحق بالسفارة البريطانية بالقاهرة الذي كان متفرغاً لشئون جامعة الدول العربية والذي أجمعت المصادر التاريخية على أنه كان يسيطر على قرارات الجامعة كما كان يرافق رجال الحكم في الأردن أينما حلوا وحيثما سافروا وحضر معظم المؤتمرات العربية الخاصة بفلسطين ولاسيما مؤتمرات أنشاص وبلدوان وعالية وكان يعارض بشدة باسم حكومته اتخاذ أي قرار لجامعة الدول العربية يتعلق بتسليح الفلسطينيين ولا يملك ممثلو الحكومات العربية مخالفته ومن الناحية الأخرى كان إنشاء جيش الجهاد المقدس تحدياً للنشاط الإعلامي الواسع الذي قامت به الحكومات العربية وأجهزة المخابرات البريطانية لتثبيط همم الفلسطينيين وصرفهم عن التسليح والاستعداد للقتال والقول "إن جيوش الدول العربية ستكفيهم القتال.
إن جامعة الدول العربية عارضت في البداية دخول عبد القادر الحسيني من سوريا إلى فلسطين لكنها رضخت في النهاية لإصراره ولإصرار الشعب العربي الفلسطيني على حمل السلاح والقيام بدوره وواجبه في الدفاع عن وطنه( ) ووافقت على أن يكون عبد القادر الحسيني قائدا لمنطقة القدس, والشيخ حسن سلامة قائدا لمنطقة يافا وأن يكونا تابعين لقيادة اللجنة العسكرية التي شكلتها الجامعة العربية لكنها في الوقت نفسه حرصت على أن يسلح هذا الجيش بقلة من البنادق القديمة البالية والذخائر القليلة الفاسدة واعتمد هذا الجيش على الأسلحة التي اشتراها عبد القادر الحسيني والهيئة العربية العليا من بدو الصحراء الليبية من مخلفات الحرب العالمية الثانية وعلى الأسلحة التي اشتراها أفراد الشعب من تجار الأسلحة بمالهم الخاص وبسبب قلة السلاح والمال لم تتسلح كل رجال هذا الجيش وقد جند قسم من الشبان في المناطق الخطرة التي يتمركز فيها قوات يهودية أما مدن الخليل ونابلس وغيرها التي كان يمكن أن يشكل شبانها وشبان قراها احتياطا كبيرا فكانت مشاركتهم محدودة نظراً للصعوبات عديدة.
لم يكن جيش الجهاد المقدس جيشاً نظامياً بالمعنى العسكري التقليدي بل مجرد ميليشيا شعبية تنظيمه أقرب إلى مجموعة من السرايا المستقلة الخفيفة المربوطة مباشرة بالقائد العام عبد القادر الحسيني في منطقة القدس والشيخ حسن سلامة في منطقة يافا –اللد أما شمال فلسطين فلم يكن لهذا الجيش هناك سوى تشكيلات صغيرة متناثرة هنا وهناك ترتبط ارتباطا واهياً بعبد القادر الحسيني والهيئة العربية العليا أو بالقيادة العسكرية التي شكلتها الهيئة العربية العليا في دمشق وأذكر من قادة الشمال: توفيق إبراهيم في منطقة الناصرة وفوزي جرار في منطقة جنين وصبحي شاهين في منطقة طبريا.
نلاحظ أن جيش الجهاد المقدس في منطقة القدس سيطر على الموقف العسكري فترة طويلة وخاض معارك بطولية ناجحة, ولم تكن في منطقة القدس حتى دخول الجيوش العربية إلى فلسطين قوات أخرى غير قوات الجهاد المقدس عندما وصلت كتيبة من جيش الإنقاذ إلى القدس بقيادة فاضل عبد الله رشيد لم يحدث خلافات بل جرى تعاوناً لا بأس به بين الجهاد المقدس وجيش الإنقاذ وفي منطقة يافا تشكلت قوات تابعة لبلدية يافا وقوات أخرى لم تكن خاضعة لقيادة الشيخ حسن سلامة وكان بعض المشرفين عليها من معارضي الحزب العربي الفلسطيني.
ظهرت في هذه المنطقة صعوبات لتعدد القيادات وعدم ارتباطها بقيادة مركزية فضلاً عن صعوبات كثيرة أخرى وقد أقام عبد القادر الحسيني قيادته العامة في بلدية بير زيت وعمل في مقر القيادة العامة كامل عريقات وقاسم الريماوي وبالإضافة إلى سرية مقر القيادة شكلت بعض السرايا في قرى رام الله أصبحت قيادة جيش الجهاد المقدس في مدينة القدس خصوصاً بعد استشهاد القائد العام عبد القادر الحسيني وتولى خالد الحسيني القيادة وكان مقرها في مدرسة القادسية "المأمونية القديمة" في البلدة القديمة وكان لخالد الحسيني عدداً من المساعدين منهم الدكتور داوود الحسيني وصلاح الحاج مير وفي مدينة القدس وقراها كانت توجد القوات الرئيسية لهذا الجيش وتتألف من السرايا التالية:
1-سرية البلدة القديمة بقيادة حافظ بركات.
2-سرية حي باب الساهرة بقيادة بهجت أبو غربية يساعده رءوف درويش.
3-سرية حي المصرارة بقيادة صبحي أبو غربية وبعد إصابته بجروح خطرة تولى قيادتها بهجت أبو غربية بالإضافة إلى قيادة سرية حي باب الساهرة.
4-سرية حي وادي الجوز بقيادة محمود الحسيني وبعد استشهاده تولى قيادتها محمد عادل النجار ومن بعده داوود العلمي.
5-سرية حي الشيخ جراح بقيادة محمود الحسيني وكان يساعده عادل شرف وعبد القادر ادكيك وبعد استشهاد القائد تولى قيادتها كمال الحسيني وعادل عبد اللطيف وموسى الموسوس.
6-سرية حي الثوري بقيادة محمد سعيد عارف بركات.
7-سرية النبي داوود بقيادة صبحي بركات وبعد استشهاده تولى قيادتها أحمد أمين الدجاني.
8-سرية حي القطمون بقيادة شفيق عويس ثم تولى قيادتها إبراهيم أبو دية.
9-سرية التدمير ومقرها القدس القديمة بقيادة فوزي القطب.
10-سرية حي مأمن الله بقيادة محمد أبو ناب.
11-سرية قرية أبو ديس بقيادة فوزي عريقات.
12-سرية قرية العيزرية بقيادة إبراهيم أبو الريش
13-سرية قرية صور باهر بقيادة جاد الله محمود الخطيب.
14-سرية قرية عين كارم بقيادة خليل منون.
15-سرية قرية بيت صفافا بقيادة محمود العمري وعبد الله العمري.
وكان تعداد هذا الجيش في منطقة رام الله نحو خمسمائة رجل وفي منطقة القدس ما لا يزيد على ألف رجل( ).
قيادة الشيخ حسن سلامة: كانت قوات الشيخ حسن سلامة في منطقة اللد تعتبر جزءاً من جيش الجهاد المقدس وتتألف من حامية يافا وحي أبو كبير ويازور بالإضافة إلى مقر القيادة الذي أقيم في بناية ملجأ الرجاء قرب الرملة وخاضت هذه القوات معارك عديدة قاسية دفاعاً عن مدينة يافا وضواحيها في وجه قوات متفوقة عليها أضعافاً مضاعفة كما أسهمت في إغلاق طريق القدس-يافا في وجه القوات الصهيونية وتفرقت قوات الشيخ حسن سلامة بعد سقوط يافا واستشهاده في معركة رأس العين بعد دخول جيوش الدول العربية إلى فلسطين.
ما تبقى من هذه القوات انسحب إلى منطقة رام الله بقيادة محمود أبو الخير وفخري مرقة أما قوات الجهاد المقدس فاستمرت في القتال بعد دخول جيوش الدول العربية إلى فلسطين وتركز دورها في منطقة بيت لحم والخليل بالإضافة إلى القدس وفي شهر ديسمبر/1947 أعادت الهيئة العليا لفلسطين تشكيل الجهاد المقدس باسم "جيش الجهاد المقدس" وبقيادة عبد القادر الحسيني نفسه وكان هذا الجيش يمثل "الجيش الفلسطيني" الذي وضعت القيادة الوطنية الفلسطينية ثقلها فيه وكان يتكون من خمسة آلاف إلى سبعة آلاف مقاتل تساندهم فئة أخرى من المقاتلين المقيمين في قراهم والذين يستدعون عند الحاجة ويبلغ مجموعهم نحو عشرة آلاف.
على الرغم من حماسة أفراد الجهاد المقدس وتضحياتهم لكن هذا الجيش كان ضعيف التسليح والتدريب قياساً بإمكانات القوات اليهودية الصهيونية وأسهمت خلافات الأنظمة العربية مع "الهيئة العربية العليا" في عدم تحويل الكثير من الأسلحة والأموال التي كان يتم التبرع بها إلى هذا الجيش والذي كان بأمس الحاجة إليها و توزعت قوات الجهاد المقدس على مختلف مناطق فلسطين وخاضت معارك كثيرة ناجحة مثل معارك النبي داود وأبو شريتح ومجد الكروم والكابري والبروة وبيت سوريك والماصيون وميكور حاييم وقامت فرقة التدمير في الجهاد المقدس بنسف شارع هاسوليل في القدس الجديدة مما أدى إلى قتل وجرح أعداد كبيره كما فجرت شارع بن يهودا في القدس حيث وقع عدد كبير من اليهود بين قتيل وجريح.
كان استشهاد عبد القادر الحسيني في معركة القسطل في 9/إبريل/1948 أحد النماذج المشرفة للتضحية والجهاد في فلسطين وكان له أثر بالغ على جيش الجهاد المقدس وعندما حدثت الهدنة الأولى بين الجيوش العربية والكيان الصهيوني في يونيو/1948 وضعفت الإمكانات العسكرية للهيئة العربية العليا اضطرت الكثير من عناصر الجهاد المقدس إلى الانضمام للجيش الأردني (ألف وأربعمائة وثمانية وثلاثون مجاهداً) وللجيش العراقي (مائتان وستة وسبعون مجاهداً) والجيش المصري (مائة وخمسون مجاهداً) وجيش الإنقاذ (ستمائة مجاهد) وظلت قوات الجهاد المقدس قائمة إلى أن أصدرت الحكومة الأردنية قراراً بحلها في 18/ديسمبر/1948 لكنها ظلّت ترابط في أماكنها إلى أن أتاها أمر الحل من الهيئة العربية العليا في 15/مايو/1949.
جيش الإنقاذ: عارضت الحكومة الإنجليزية بشدة تسليح شعب فلسطين ودخول الجيوش العربية إلى فلسطين لكن لم تمانع في تنفيذ قرار جامعة الدول العربية الذي عقد في عاليه في لبنان عندما تأكدت جامعة الدول العربية من عزم الأمم المتحدة على تقسيم فلسطين دعت إلى عقد مؤتمر قمة عربية في لبنان في 7/أكتوبر/1947م لدراسة التدابير اللازمة للوقوف في وجه مؤامرة التقسيم الدولية وكان أهم القرارات التي اتخذت في هذا المؤتمر تأليف لجنة عسكرية من اللواء الركن العراقي إسماعيل صفوت رئيساً والعقيد السوري محمد الهندي عضواً والمقدم الركن اللبناني شوكت شقير عضواً والمناضل الفلسطيني صبحي الخضرا عضواً.
ولم ترسل مصر والأردن والسعودية واليمن من يمثلها في اللجنة وقد أوصت اللجنة بفتح باب التطوع أمام الشبان العرب للمشاركة في الكفاح المسلح في فلسطين وحددت اللجنة العسكرية مهمتها دراسة الموقف من الناحية العسكرية ومساعدة أهل فلسطين في الدفاع عن أنفسهم وكان أهم قرارات اللجنة العسكرية تشكيل جيش الإنقاذ اتخذت اللجنة العسكرية قرارات أهمها:
1-تسليح عرب فلسطين.
2-حشد الجيوش العربية على حدود فلسطين.
3-دخول قسم من الجيوش العربية إلى فلسطين قبل 15/مايو/1948
إلاَّ أن الجامعة العربية لم توافق إلا على تشكيل جيش الإنقاذ وكذلك انجلترا لم تمانع في تشكيل هذا الجيش لأنه سيمتص القسم الأكبر من المعونات ويحجبها عن المقاتلين الفلسطينيين وكذلك سيحول عدداً كبيراً من الشباب العربي المتحمس للقتال والسيطرة عليهم بالانضباط العسكري.
اعتبر قادة الجيش الإنجليزي في فلسطين جيش الإنقاذ مسئولاً رسمياً عن الأمن وسط فلسطين وعزز الجيش الإنجليزي قواته في المناطق التي بها مستعمرات يهودية لحمايتها من أي هجوم عربي وبدأ تشكيل جيش التحرير الذي عُرف فيما بعد باسم جيش الإنقاذ والذي تكون من متطوعين سوريين ولبنانيين وأردنيين وعراقيين ومصريين وسعوديين ويمنيين وعدد قليل من جنسيات غير عربية من تركيا ويوغسلافيا وألمانيا وإنجلترا مما جعل تركيبته غير متجانسة من حيث الأفراد أو التسليح أو التدريب أو أسلوب العمل وأسندت قيادته إلى فوزي القاوقجي وقد بلغ عدد الذين تقدموا للتطوع عشرة آلاف إلا أن من دخل منهم إلى فلسطين لم يزد عن أربعة آلاف وستمائة وثلاثين متطوعاً جاؤوا في ثمانية أفواج هي:
1- فوج اليرموك الأول: بقيادة المقدم السوري محمد صفا وقد دخل فلسطين في 22/يناير/1948م وعسكر في منطقة جنين وبيسان.
2- فوج اليرموك الثاني: بقيادة المقدم السوري أديب الشيشكلي وقد دخل إلى فلسطين يوم 9/يناير/1948م وعبر بنت جبيل في لبنان.
3- فوج القادسية: بقيادة المقدم العراقي مهدي صالح العاني وقد دخل فلسطين في شهر فبراير/1948م.
4- فوج حطين: بقيادة النقيب العراقي مدلول عباس وقد دخل فلسطين في شهر مارس/1948م وتمركز في منطقة طوباس.
5- فوج اليرموك الثالث: بقيادة القائد العراقي عبد الحميد الراوي وقد دخل فلسطين في شهر إبريل/1948م وتمركز في منطقة القدس ورام الله.
6- فوج أجنادين: بقيادة النقيب الفلسطيني ميشيل عيسى وقد تولى الدفاع عن يافا وباب الواد.
7- فوج العراق: بقيادة المقدم العراقي عادل نجم الدين وقد دخل إلى يافا وتولى القيادة فيها.
8- فوج جبل العرب: بقيادة الرائد السوري شكيب وهاب وقد تمركز في شفا عمرو قرب الناصرة بالإضافة إلى السرية اللبنانية بقيادة النقيب حكمت علي وسرية الفراتين بقيادة النقيب خالد مطرجي والمجموعات العراقية والحموية والشركسية والأردنية والسورية واللبنانية والبدوية وحامية عكا ومفرزة مجدل شمس والمفرزة اليوغسلافية.
أعيد تنظيم جيش الإنقاذ في شهر مارس/1948 على شكل ألوية فأصبح مؤلفاً من:
1- لواء اليرموك بقيادة المقدم محمد الصفا.
2- لواء اليرموك الثاني بقيادة المقدم أديب الشيشكلي.
3- لواء اليرموك الثالث بقيادة المقدم مهدي صالح العاني.
كان قائد جيش الإنقاذ فوزي القاوقجي قد دخل إلى فلسطين في 7/مارس/1948م وتولى قيادة وحدات هذا الجيش من منطقة المثلث نابلس-جنين-طولكرم وقد قدم العون للجيشين الأردني والعراقي في معاركهما وكان يتبع أسلوب المزج بين القتال النظامي وحرب العصابات وكان يعاونه في قيادة جيش الإنقاذ خليل كلاس قائد جيش الإنقاذ في عكا وميشيل عيسى قائد جيش الإنقاذ في يافا وعبد الحميد الراوي قائد جيش الإنقاذ في يازور والشيخ الإمام قائد جيش الإنقاذ في منطقة سلمه وعبد الحميد الراوي وفاضل عبد الرشيد قيادة منطقة القدس وعاهد السخن وآخرون في قيادة جيش الإنقاذ ومنهم عبد الحق الغزاوي وطارق الإفريقي المجدل.
واعتبرت اللجنة العسكرية من الناحية الشكلية عبد القادر الحسيني قائداً لمنطقة القدس ورام الله وحسن سلامة قائداً لمنطقة يافا وتابعين للجنة العسكرية وما أَنْ دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين حتى وردت برقيات إلى جيش الإنقاذ من دمشق وعمان تطلب منهم سرعة الانسحاب من فلسطين مما جعل القاوقجي يضع خطة للانسحاب في ثلاثة أيام فقط تبدأ يوم 17/مايو/1948م وتنتهي يوم 20/مايو/1948م ( ).
مواقف وزعامات وقادة
أمين الحسيني: ولد في القدس وتلقى دروسه الأولية فيها ثم التحق بالأزهر في مصر والكلية العسكرية في استانبول وانضم سراً إلى الثورة العربية الكبرى وبعد الاحتلال الإنجليزي للقدس عُين مرافقاً خاصاً للحاكم البريطاني العام في فلسطين لكنه استقال احتجاجاً على سياسة الحكومة البريطانية اتجاه فلسطين والعرب وأنشأ النادي العربي وهو أول منظمة سياسية فلسطينية كان لها الدور الأكبر في إنشاء الجمعيات الإسلامية والمسيحية وقيادة مظاهرات عام 1918م-1919م وعقد المؤتمر العربي الفلسطيني الأول.
اعتقل الإنجليز الحاج أمين الحسيني الإنجليز مرتين الأولى لقيادته مظاهرة في الخليل تطالب بالاستقلال وترفض تصريح بلفور والثانية لثورة عام 1920م في موسم النبي موسى بالقدس لكنه في المرة الثانية استطاع الهرب إلى دمشق في العهد الفيصلي ثم عاد إلى فلسطين عام 1922م بعد قيام الإدارة المدنية وصدور عفوٍ عنه وانتخب مفتياً للقدس بعد وفاة شقيقه كامل الحسيني فأعاد تنظيم المحاكم الشرعية ودائرة الأوقاف والمدارس الإسلامية وأقام هيئة إسلامية مستقلة تشرف على شؤون المسلمين ومصالحهم وأنشأ دار الأيتام الإسلامية الصناعية وفتح عشرات المدارس واسترجع أراضي الوقف الإسلامي وأنشأ فرق الجوالة والكشافة الإسلامية والجمعيات الخيرية والنوادي الأدبية والرياضية بالإضافة إلى إصلاح المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة.
كانت أهم أعماله في تلك الفترة الدعوة إلى عقد أول مؤتمر إسلامي عالمي بالقدس والدعوة إلى تأسيس جامعة الأقصى التي حالت بريطانيا دون تأسيسها ومحاربة بيع الأراضي وإقامة منظمات سرية تدرب الشباب عسكرياً وتولى رئاسة اللجنة العليا العربية بعد ثورة القسام والإضراب الكبير عام 1936م واستجاب لنداء الملوك العرب في 13/أكتوبر/1936م في إنهاء الثورة ووقف الإضراب ورفض أمين الحسيني قرار لجنة بيل لتقسيم فلسطين عام 1937م فحاولت بريطانيا القبض عليه ونفيه لكنه لجأ إلى المسجد الأقصى.
عندما تجددت الثورة على اثر اغتيال حاكم الجليل البريطاني أندروز بسبب استخفافه بالعرب وتنكيله بهم قامت بريطانيا بحل اللجنة العربية العليا واللجان القومية وحاولت القبض على المفتي الحاج أمين الحسيني الذي نجح في مغادرة فلسطين إلى لبنان لكن الإنجليز عادوا إلى الاعتراف باللجنة العربية العليا وذلك بعد أن تصاعدت الثورة في البلاد وتعقدت العلاقات الدولية عالمياً( ).
فشل مؤتمر المائدة المستديرة في لندن لحل القضية الفلسطينية فأصدرت بريطانيا كتاب ماكدونالد الأبيض الذي رفضته اللجنة العربية العليا وبعد قيام الحرب العالمية الثانية انتقل المفتي إلى العراق وأخذ ينظم قوات الجهاد المقدس ويدربها ويسلحها وشارك في ثورة رشيد علي الكيلاني في العراق كما شارك المناضلون الفلسطينيون في القتال مع قوات الثورة ضد الجيش البريطاني.
بعد فشل ثورة رشيد علي الكيلاني في العراق لجأ الحاج أمين الحسيني إلى طهران سراً ثم إلى ألمانيا وإيطاليا حيث أنشأ مكتب الحركة العربية في برلين وروما وبعد هزيمة ألمانيا وإيطاليا في الحرب العالمية الثانية اعتقل في فرنسا إلا أنه تمكن من الفرار إلى مصر( ) وفيها ترأس الهيئة العربية العليا التي تأسست بقرار من جامعة الدول العربية في 11/يونيو/1946م فأعاد تنظيم الحركة الوطنية وقوات الجهاد المقدس ومنظمة الشباب ورفض القرار رقم 181 قرار التقسيم الصادر في 29/نوفمبر/1947م وعندما قامت حرب فلسطين عام 1948م أُنشأ بيت المال العربي وأخذ يزود المقاتلين بالمال والسلاح( ) وقام برفع مذكرة باسم الهيئة العربية العليا إلى المندوب السامي تطالب بما يلي:
1- وقف الهجرة اليهودية حالاً.
2- منع انتقال الأراضي لليهود.
3- إنشاء حكومة وطنية مسئولة ومجلس نيابي ينتخب أعضاؤه من العرب واليهود على أساس ديمقراطي.
إن عدم فهم الهيئة العربية العليا لطبيعة الحرب العالمية الثانية وعدم درايتهم بالخطر النازي على مبدأ عدو عدوي صديقي جعلها تقترب من دول المحور وتبتعد عن القوى المعادية لها وهي الحلفاء مما جعل من السهل اتهام الحاج أمين الحسيني والهيئة العربية بالعمالة للنازية واستفاد اليهود من وقوفهم إلى جانب بريطانيا ضد دول المحور والنازية وشكلوا فِرقَاً يهودية أتاحت لها بريطانيا تعزيز بنيانها العسكري واستيعاب التقنيات والأساليب العسكرية المتطورة وكانت هذه أول نواة للجيش الإسرائيلي.
أسست الهيئة العربية في دمشق قوات الجهاد المقدس في هذه الفترة برئاسة القائد عبد القادر الحسيني ونائبه كامل عريقات وأمين السر قاسم الريماوي وبعد النكبة وافق على تأليف حكومة عموم فلسطين وترأس مؤتمر غزة في 1/ديسمبر/1948م الذي أعلن الاستقلال والعمل على تحرير القسم المحتل من فلسطين لكن السلطات المصرية طلبت إليه الإقامة في القاهرة كما نقلت حكومة عموم فلسطين إلى القاهرة وجمدت نشاطها واستمر يناضل ويقاوم مشاريع التوطين والتصفية وبعد قيام الثورة المصرية عام 1952م تعاون مع الضباط الأحرار الذين كان يعرفهم منذ حرب فلسطين وقد تمخض هذا التعاون عن تشكيل وحدات فدائية وأنشأ جيشاً فلسطينياً في غزة كما اشترك في مؤتمر باندونغ عام 1955م على رأس وفد فلسطيني بصفة مراقب ولكنه اختلف مع القيادة المصرية وانتقل إلى بيروت ونقل مقر الهيئة العربية العليا إلى هناك( ).
عبد القادر الحسيني: ولد في استانبول حيث كان والده عضواً في مجلس المبعوثين درس في دار المعارف ومدرسة صهيون بالقدس والتحق بكلية العلوم بالجامعة الأمريكية في القاهرة وعايش الحركة الوطنية المصرية والنشاط السياسي من خلال رابطة الطلبة الشرقيين وكشف زيف الجامعة الأمريكية ودورها وطلب من المصريين مقاطعتها فطرد من مصر في عهد حكومة إسماعيل صدقي وعاد إلى فلسطين وعمل في الصحافة ودائرة تسوية الأراضي حيث أحبط أكثر من محاولة للاستيلاء على الأرض العربية من قبل اليهود.
استقال من عمله وانضم إلى الحزب العربي الفلسطيني من أجل إعداد ثورة على الاحتلال البريطاني والحركة الصهيونية واشترك في ثورة 1936م – 1939م وخاض اشتباكات مسلحة ضد الجنود البريطانيين في عام 1937 منها اشتباك الخضر الذي استشهد فيه القائد السوري سعيد العاص وجُرح عبد القادر وأسر لكنه استطاع الهرب من المستشفى العسكري بالقدس وتوجه إلى دمشق حيث استكمل علاجه وعاد إلى فلسطين عام 1938م.
تولى قيادة الثوار في عدد من المعارك في القدس وبيت لحم والخليل وأريحا ورام الله وبئر السبع وجُرح مرة ثانية في معارك الخليل ونقله زملاؤه إلى المستشفى الإنجليزي بالخليل ثم إلى سوريا ولبنان والعراق حيث التحق بدورة ضباط احتياط.
شارك في ثورة رشيد علي الكيلاني عام 1941م وسجن بعد هزيمة ثورة رشيد الكيلاني ولكن تحت ضغط الرموز الوطنية والرأي العام ثم تخفيف الحكم عليه ونفي إلى مدينة زاخو, واتهم بمحاولة اغتيال فخري النشاشيبي الذي اغتيل في بغداد في وضح النهار على يد أحد الفلسطينيين في العراق, واعتقل في سجن العمارة وتم الإفراج عنه اثر تدخل الملك عبد العزيز بن سعود فتوجه إلى السعودية ثم برلين حيث تلقى دورة تدريب على صنع المتفجرات انتقل بعدها إلى القاهرة.
لكن السلطات المصرية حاولت إبعاده بسبب نشاطه السياسي وعلاقته مع حزب مصر الفتاة وحركة الإخوان المسلمين بالإضافة إلى شراء أسلحة وتدريب بعض الفلسطينيين والمصريين على المتفجرات( ) لكن قرار الإبعاد لم ينفذ بسبب الضغط الذي مارسته القوى الوطنية المصرية وبعد صدور قرار التقسيم 29/نوفمبر/1947م قررت الهيئة العربية العليا تشكيل منظمة الجهاد المقدس المسلحة وتعيين الحاج أمين الحسيني قائداً أعلى لها وعبد القادر الحسيني قائداً عاماً انتقل إلى فلسطين في 22/ديسمبر/1947م وألف مجلس قيادة الثورة ولجنة التموين وحشد النجدات وكانت خطته تقوم على:
1- اعتماد الشعب الفلسطيني على نفسه.
2- طلب الإمداد العسكري من الأقطار العربية.
3- إعلان قيام حكومة عربية فلسطينية.
حققت قوات الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني انتصارات مهمة رغم قلة الإمكانيات حيث استسلم يهود القدس بعد الحصار ونسفت بعض المؤسسات مثل بناية حزبون ومقر الوكالة اليهودية وبناية شركة سوليل بونيه ودار الصحافة اليهودية وصحيفة عل همشمار وهامشكيف ووكالة اليونايتدبرس والوكالة اليهودية للأنباء وحي منتفيوري وشارع بن يهوذا في القدس ومصنع الكحول في يافا وبناية المطاحن في حيفا.
شن عبد القادر الحسيني على رأس قوات الجهاد المقدس هجمات قوية ضد مستعمرات إزفي يعقوب وعطاروت وميكور حاييم ورامات راحيل وتل بيوت وسانهدريا بالإضافة إلى السيطرة على منطقة القدس والتحكم في خطوط المواصلات التي تربط بين أغلب المستعمرات الصهيونية في فلسطين وفي أواخر عام 1947م توجه عبد القادر الحسيني إلى دمشق طلباً للسلاح من اللجنة العسكرية التابعة لجامعة الدول العربية ولكن لم يستطع الحصول إلا علي ستين بندقية إنجليزية قديمة وعشرة مدافع رشاش وبضع قنابل وثمانمائة جنيه فلسطيني أعطاها له الحاج أمين الحسيني وصل عبد القادر القدس صباح يوم 7/إبريل/1948م ونظم هجوماً مسلحاً لاستعادة القسطل.
استطاعت قواته أن تسترد القرية في اليوم التالي 8/إبريل/1948م واستشهد أثناء القتال ودعته فلسطين كلها ودفن إلى جانب قبر والده بالقدس.
إن علاقة الشيخ هاشم مع آل الحسيني مميزة وكان يعتبر عبد القادر الحسيني البطل الحقيقي والأمل المنشود هو ورفاقه من المناضلين فشجاعة عبد القادر الحسيني وأمانته وحسن أخلاقه كانت تؤهله لأن يكون القائد المتميز في فلسطين وقد ظل الشيخ هاشم محافظاً على ذكراه وانتقلت العلاقة إلى نجله المرحوم فيصل الحسيني استقبله الشيخ هاشم الخزندار في بيته في أول زيارة له لمدينة غزة وحين زار بلدية غزة عمل على تلبية كل طلباته ويومها قال الشيخ هاشم الخزندار أمام المجلس البلدي: "إن هذا الشبل من ذاك الأسد" ففيصل فيه كل صفات عبد القادر الحسيني رحمه الله وجعله خلف لخير سلف( ).
حسن سلامة: ولد في قرية قولة ونال التعليم الابتدائي واشتغل عامل كسارات ثم عمل في البيارات و كان أحد قادة الثورة الكبرى 1936م - 1939م وحرب عام 1948م واشترك في مظاهرات يافا الدامية عام 1933م طاردته قوات الانتداب فلجأ إلى القرى يدعو أهلها إلى الثورة وعندما أعلنت الثورة الكبرى في مطلع مايو/1936م أسندت إليه قيادة منطقة اللد والرملة ويافا فخطط وقاد عدداً من العمليات العسكرية الناجحة ضد قوات الاحتلال البريطاني والمستعمرات الصهيونية مثل نسف خطوط السكك الحديدية وأعمدة الكهرباء وخطوط المواصلات وإحراق بيارات الصهاينة ونسف قطار اللد حيفا عام 1938م مع رفيقه محمد سلامة وتمكن من النجاة وأطلق لحيته كي يتخفى فدعاه الناس الشيخ ولازمه هذا اللقب حتى استشهاده.
غادر فلسطين إلى لبنان وسوريا ثم العراق حيث التحق بالكلية الحربية واشترك في ثورة رشيد علي الكيلاني وأُسندت إليه قيادة مائة وخمسة وستين مناضلاً فلسطينياً انتظموا بالثورة العراقية في محاربة الإنجليز وبعد إخفاق الثورة غادر العراق إلى تركيا ثم ألمانيا حيث أتم تدريبه على القتال وصناعة الألغام وعاد عام 1943م إلى فلسطين جواً مع المناضل ذي الكفل عبد اللطيف وثلاثة من الألمان للاتصال بالقوة الوطنية وإشعال الثورة ضد الإنجليز ولكن قوات الاحتلال البريطاني اعتقلت ذا الكفل عبد اللطيف واثنين من الألمان وتمكن هو والألماني الثالث من الاختفاء في جبال القدس والانتقال إلى سوريا.
عاد إلى فلسطين بعد صدور قرار التقسيم في شهر نوفمبر/1947م وأُسندت إليه قيادة القطاع الغربي من المنطقة الوسطى ثم منطقة القدس بعد استشهاد القائد عبد القادر الحسيني في معركة القسطل أُصيب في معركة رأس العين شمال غرب القدس أثناء قيادته هجوماً مضاداً على مراكز العدو الصهيوني في 31/مايو/1948م.
نقل إلى المستشفى واستمر رجاله يقاتلون الأعداء بحماسة حتى تمكنوا من طرد الصهاينة من رأس العين ولكن القائد استشهد في 2/يونيو/1948م بعد أن علٍم بانتصار رجاله واندحار الأعداء وقد كان على صداقة وثيقة وتعاون واتصال دائم مع مجموعات الثوار في غزة وقضائها( ).
فوزي القاوقجي: تم تشكيل جيش الانقاذ بقيادة فوزي القاوقجي اللبناني الأصل وقد كان جيش الإنقاذ خليطاً غير متجانس وبدون تنظيم وإدارة وتم تسليحه بعتاد قديم لا يتناسب مع صميم المهام الموكلة إليه واتهم فوزي القاوقجي الحاج أمين الحسيني أنه يشكل عصابات مسلحة في فلسطين ويعين لهذه العصابات قادة من الجهلاء ويعمل على تحريض المتطوعين في جيش الإنقاذ على الهرب بأسلحتهم والانضمام إلى الجماعات التي تنتمي إلى الحاج أمين الحسيني.
عرف اسم فوزي القاوقجي في فلسطين خلال المرحلة الأولى من ثورة 1936م وقد عين نفسه قائداً عاماً للثورة في فلسطين وعند اشتداد الثورة وامتدادها طلب من الشعب الفلسطيني أن ينهي ثورته اعتماداً على ضمانات الملوك والأمراء العرب وخاصة الملك عبد الله الذي منحه درجة الباشاوية وكان الخلاف بين فوزي القاوقجي والحاج أمين الحسيني كبيراً لدرجة أن الحاج أمين الحسيني اتهم فوزي القاوقجي أنه عميل للملك عبد الله والإنجليز( ).
اللواء أحمد فؤاد صادق: قائد القوات المصرية هو الذي رفض خطة جلوب باشا بإنسحاب الجيش المصري المحاصر في الفالوجة وكانت هذه الخطة لو قدر لها ونفذت كافية لإبادة الجيش المصري وكانت أوامر اللواء أحمد فؤاد صادق إلى الأميرالاي السيد طه الملقب الضبع الأسود: "دافعوا عن موقفكم لأخر طلقة ولأخر رجل فهكذا يجب أن يكون جنود مصر( ).
الأميرالاي السيد طه (الضبع الأسود): قائد القوات المصرية في الفالوجة وهو من أصل نوبي كان رجلاً عسكرياً بحتاً لم يطمح لأي منصب سياسي وقد حاول الضباط الأحرار الاتصال به حتى يقود ثورة يوليو ولكنه رفض وقاد الجيش المصري المحاصر في الفالوجة في أحلك الأوقات وكافح عدواً يفوقه عدة وعدداً وأجرى المفاوضات مع إيجال ألون في كيبوتس قريات جات الذي يبعد عن الفالوجة خمسة كيلو مترات حيث عرض إيجال ألون على السيد طه علاج الجرحى المصريين المحاصرين في الفالوجة في المستشفيات اليهودية مقابل أخذهم أسرى وعرض عليه الاستسلام وكان رد السيد طه "أنه يفضل الموت هو وجنوده على الاستسلام" وقاد فترة الحصار ببسالة وشجاعة حتى نهاية حرب فلسطين عام 1948( ).
مدحت الوحيدي: من أبطال مدينة غزة الذين سقطوا شهداء الوطنية والواجب وقد اشترك في ثورة 1936م وأصبح قائداً لفصيل مدينة غزة والمنطقة المحيطة بها ولقب بسهم الموت لسرعة إغارته وانقضاضه على العدو كما سمى فصيله باسم فصيل سهم الموت.
قام الثوار في منطقة غزة بأعمال كثيرة بقيادة مدحت الوحيدي من أبرزها: نسف خطوط مواصلات العدو في منطقة يبنا بناءً على اتفاق مع قائد الثورة عبد الرحيم الحاج محمد لمنع وصول الإمدادات للعدو من قاعدة القناة في مصر وقد استطاع مدحت ورجاله منع الجنود البريطانيين من دخول مدينة غزة وله في ذلك حادث معروف فقد علم أن عدداً من جنود الإنجليز يتجولون في حي الزيتون بحثاً عن الثوار فطوق الحي برجاله وقتل اثنين من المسئولين الإنجليز وكتب بجانب جثث القتلى رسالة ينذر فيها باغتيال كل من يعتدي على الشعب الفلسطيني كذلك ركز كثيراً على الهجمات باتجاه محطة غزة التي اتخذ منها العدو قاعدة لقواته وفي عام 1938م صدر الأمر من المندوب السامي بالقبض على عدد من الثوار ومن ضمنهم مدحت الوحيدي لذلك اضطر إلى مغادرة البلاد سراً إلى مصر حيث أقام في قرية هريه رزنه في مديرية الشرقية بمصر وظل مقيماً هنالك حتى انتهت الثورة عام 1939م ثم عاد إلى البلاد ولكنه عاد أكثر إصراراً وعزيمة فقام في أواخر أيام الثورة بنسف بعض خطوط المواصلات واشتبك مع الإنجليز في معركة ضارية عند محطة غزة وبسبب مطاردته من قبل السلطات عاد ثانيةً إلى مصر ومكث بها حتى عام 1942م.
عندما قامت حرب فلسطين عام 1947م تولى مدحت الوحيدي قيادة المناضلين في المنطقة واتخذ من مسجد السيد هاشم مقراً لقيادته كما جعل من بيارته مخزناً للسلاح.
قام مدحت الوحيدي ومعه مجموعة من المناضلين بالاشتباك مع الصهاينة في عدد من المعارك أشهرها المعركة في أرض شحيبر على أطراف غزة من الشرق (نحال عوز حالياً) وهي المعركة التي استشهد فيها هو ورفاقه عبد ربه جمعة الإفرنجي ويوسف داوود من غزة ومحمد علي بكر زايدة وجرح فيها سلامة الهزيّل وخليل الصانع حيث هُزم الصهاينة وتركوا على أرض المعركة عدداً من القتلى وكميات كبيرة من السلاح.
فقدت غزة باستشهاد مدحت الوحيدي ورفاقه في عام 1947م مناضلاً صلباً لم يعرف الهوادة في مكافحة الاستعمار والصهيونية.
عبد الله أبو ستة: كان قائد العمليات الحربية التي أدارها بكفاءة واقتدار وكان قد التحق بثورة 1936م - 1939م وطارده الإنجليز وهرب إلى مصر ومكث فيها ثلاث سنوات لاجئاً سياسياً حيث استقبله الشيخ هاشم الخزندار في القاهرة وتوطدت العلاقات بينهما لما يحملانه من فكر نضالي مشترك ولما صدر العفو العام من حكومة الانتداب 1941م عاد إلى فلسطين وعمل هذا البطل مع الشهيد عبد القادر الحسيني في قوات الجهاد المقدس حيث عين من الهيئة العربية العليا قائداً للمناضلين في بئر السبع ثم عمل مديراً لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية في الخليج العربي ثم عين قائداً لقوات التحرير الفلسطينية إلى أن استشهد في أحداث جرش عام 1970م رحمه الله.
حافظ عبد الله أبو ستة على الصداقة والمودة مع الشيخ هاشم الخزندار حتى آخر أيامه ومن المعارك المشهورة التي قادها الشهيد عبد الله أبو ستة معركة نفذها مع مجموعة من الإخوان المسلمين وخمسة خبراء ألمان حيث شنوا هجوماً على قافلة يهودية على طريق بئر السبع شرقي العمارة واستشهد خلال الهجوم الشيخ حسين أبو عمرة بعد أن قتل سبعة وعشرين يهودياً وكذلك الهجوم على مستوطنة سدي عقيفا الوايرلي وقد قابل اليهود هذه البطولات بمداهمة بلدة معن شرقي خان يونس مضارب عشيرة أبو ستة ونسفوا بيت الشيخ حسين أبو ستة وجرفوا بيارته.
عبد الله مهنا: أحد أبرز قياديي الثوار من أهالي قرية المسمية وكان من الثوار القلائل الذين أدركوا قيمة العمل المسلح.
قاد فصيل المسمية عام 1938م الهجوم على الحراس اليهود الذين كانوا يحرسون عمال تصليح الهاتف شمال المسمية وقتل ستة من العمال والحراس اليهود واستولى الثوار على أسلحتهم واستشهد فيها ثلاثة ثوار منهم الشهيد يوسف مهنا وقد اشترك فصيل المسمية بقيادة عبد الله مهنا مع فصيل يبنا بقيادة أسعد الرنتيسي والشيخ محمد طه النجار بزرع مجموعة من الألغام في قريتي بشيت وأبو صويلح على الساحل فانفجر أحد الألغام المزروعة وأدى إلى مقتل خمسة جنود من الجيش البريطاني وقد اشترك هذان الفصيلان في أكثر من هجوم على القوات البريطانية وفي أكثر من معركة.
إن أواصر الصداقة التي ربطت الشيخ هاشم الخزندار بعبد الله مهنا استمرت حتى أواخر حياته ولم تنقطع هذه العلاقة التي بدأت مع أهالي المسمية في بداية الأربعينيات وقد كان الشيخ هاشم يحرص دوماً على إمداد فصيل المسمية وفصيل يبنا بالمال والسلاح وظل عبد الله مهنا وفياً لذكرى الشهيد هاشم الخزندار وعلى اتصال بأبنائه أثناء دراستهم في الجامعات المصرية( ).
عمران شقورة الملقب شوشار: قائد فصيل المجدل استولى بمساعدة خليل العشي إثر عدد من العمليات العسكرية على أسلحة الجنود البريطانيين وعلى أموال مكتب بريد المجدل وعلى حظيرة خيول مركز شرطة المجدل وقد استشهد بانفجار لغم أثناء إعداده في بيت خليل العاوور ومعه عدد من الثوار وهم: خليل العاوور وسليم العشي وأحمد حمدان ودياب الشريف وحسن شقورة وعوض حبوب وأحمد الضابوس وسعيد طه الخطيب وأحمد عبد الرحيم مهدي ومحمد القدرة ومحمد الفران ويوسف شقورة وصابر زرندح وريا نجم.
سعيد صالح العشي: ولد في بئر السبع حوالي عام 1905م وعُين شرطياً في الشرطة الفلسطينية وتنقل في كثير من البلدان الفلسطينية ساعد الثوار سراً وأمدّهم بالمعلومات عن تحركات القوافل البريطانية كما سهل عمليات الثوار عام 1936م حين كان مسئولاً عن مركز شرطة المجدل فسهل لهم الاستيلاء على خزينة البريد وخيل الشرطة هناك.
لقد كان أبيَ النفس لا يخضع للضباط الإنجليز الذين سلمتهم السلطات رئاسة مراكز الشرطة حتى أنه لطم مرة رقيباً إنجليزياً لأنه وجه له كلاماً قاسياً وكانت النتيجة أن خُفضت رتبته ونُقل إلى قرية بعيدة في جبال نابلس واستمر في تأدية أعماله الوظيفية والوطنية عندما تقرر مشروع التقسيم عام 1947م استقال من وظيفته للتفرغ للأعمال الوطنية وأخذ يعمل في تدريب الشباب على حمل السلاح واشترك في غزة في صنع الألغام والمتفجرات وفي إحدى العمليات كان يجهز لغماً بمساعدة اثنين من الألمان وحوله عدد كبير من الثوار فرأى أن المتفجرات تكاد تنطلق وتوقع إصابات كثيرة بين الثوار فألقى بنفسه فوق اللغم ليفدي بجسمه بقية إخوانه فانفجر اللغم ومزق جسده ونجا بقية الثوار وشيعت غزة فقيدها البار في احتفال مهيب اشتركت فيه كل طبقات الشعب( ).
عبد الحليم الجولاني الملقب بالشلف: كان قائداً شجاعاً ذكياً جريئاً مراوغاً اشترك في عدة معارك منها معركة احتلال شرطة بئر السبع ومعركة جورة بحلص ومعركة بيت خيران ومعركة القسطل وقاد العمليات العسكرية في منطقة الخليل وبالرغم من نقص السلاح لدى رجاله إلا إنهم تمتعوا بروح معنوية عالية ومن أهم ما قاموا به تحرير مدينة بئر السبع للاستيلاء على السلاح الموجود بها ولتطهيرها من قوات العدو لهذا استولى القائد عبد الحليم الجولاني على أربعٍ من سيارات شحن من قضاء الخليل ركب في كل منها فصيل يتكون من نحو عشرين ثائراً وتوجهوا إلى بئر السبع وعند الظهر تمت عملية التطويق لجميع جهات البلدة وتمكن الفصيل من دخول مخازن السلاح والاستيلاء على أكثر من ستمائة قطعة من البنادق والرشاشات والمسدسات والمدافع الجبلية والذخائر والقنابل اليدوية واشترك في الهجوم عدد من مجاهدي بئر السبع ومنطقة غزة وقتل خمسة أفراد من رجال الشرطة الإنجليز.
استطاع عبد الحليم الجولاني أن يجند مئات من أفراد الشعب الفلسطيني ليتمكنوا من القيام بالأعمال الحربية بصورة أكثر تنظيماً وأعظم أثراً كذلك سيطر عبد الحليم الجولاني علي مدينة الخليل وساعد على تحرير مدينة القدس القديمة وبقي مناضلاً صامداً حتى منعت السلطة الأردنية نشاطه هو وجماعته بعد عام 1948م ( ).
أحمد عبد العزيز: بلغ الضيق أشده بالعرب في فلسطين بسبب تفوق السلاح اليهودي الحديث على السلاح العربي القليل القديم وبعد أن خسروا كثيراً من رجالهم وخسروا بعض مدنهم وقراهم وسرت أنباء مذبحة دير ياسين عام 1947 وغيرها من أعمال اليهود الوحشية إلى البلاد العربية اشتد حماس الشعب في مصر وتلهف ضباطها الثوار إلى خوض غمار الحرب إلى جانب إخوانهم عرب فلسطين للدفاع عنهم أمام وحشية أعدائهم اليهود وكانت الحكومة المؤتمرة بأمر الاستعمار في ذلك الوقت تؤجل الأمر على أن تدخل الحرب مع سائر الجيوش العربية عند نهاية الانتداب في 15/مايو/1948م.
نفد صبر بعض الأبطال من الضباط وكونوا فرقة من المتطوعين لتدريب الشباب الراغبين في التطوع ثم اشتدت الأزمة فقرروا دخول فلسطين وفي 5/مايو/1948 توجه الفوج الأول من هؤلاء الضباط المتطوعين إلى فلسطين بقيادة العقيد أحمد عبد العزيز الذي عسكر في مدنية خان يونس وأخذ يرسل الطلائع لاستكشاف أمر العدو.
قام مع جماعة من الثوار بأول هجوم على قافلة عسكرية مدرعة في 13/مايو/1948م خرجت من مستعمرة دنجور اليهودية قرب رفح فقتل عدداً من جنود القافلة واستشهد في هذه المعركة الثائر فتحي الخولي وفي 14/مايو/1948 قام البطل أحمد عبد العزيز مع جماعة من المتطوعين بالهجوم على مستعمرة كفار داروم قرب دير البلح بعد أن أحكم الطوق عليها من سائر الجهات ودكت المدفعية حصون المستعمرة ومراكز العدو تقدم المتطوعون لاحتلال المستعمرة فاصطدموا بأسلاك شائكة ملغومة مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الثوار بين شهداء وجرحى وتوقف الهجوم لكن التطويق استمر حتى اليوم التالي حين تقدم عدد من مدرعات العدو اليهودي مكونة من ثماني عشرة مدرعة فوقعت في كمين أعده لها الثوار فقتلوا أربعة وخمسين يهودياً واستولوا على المدرعات والأسلحة والمؤن اليهودية.
تحرك أحمد عبد العزيز على رأس قوات من المتطوعين في 14/مايو/1948نحو بئر السبع ودكت مدفعيته على الطريق مستعمرة بيت ايشل اليهودية وقتلت حراسها واستشهد الضابط الشجاع أنور الصيحي وتقدم القائد أحمد عبد العزيز في 20/مايو/1948 من بئر السبع إلى الشمال حتى وصل مدينة الخليل.
علم بأن قوات الجهاد المقدس والمقاومة الشعبية تقوم بالهجوم على مستعمرة رامات راحيل فاشترك بمدفعيته في ضرب مستعمرة رامات راحيل واستمر قصف المدفعية ثماني وأربعين ساعةً أدى إلى توقف نيران العدو فقرر أحمد عبد العزيز اقتحام المستعمرة وأحاطت فصائل من الثوار الفلسطينيين والأردنيين بالمستعمرة وتقدمت من سائر الجهات فسقطت بعد ساعات قليلة مستعمرة رامات راحيل في أيديهم وانهارت مقاومتها بعد أن قتل من جنودها نحو سبعين جنديا وقد قاد المعركة كلها أحمد عبد العزيز وقاد القوة المصرية النقيب كمال الدين حسين والثوار الفلسطينيين إبراهيم أبو دية ومن الثوار الأردنيين حكمت مهيار وبلغ عدد الشهداء العرب في هذه المعركة نحو اثنين وثلاثين منهم تسعة مصريين وتسعة عشر أردنياً وثلاثة عشر فلسطينياً.
علم القائد البريطاني جلوب باشا بأنباء هذه المعركة أصدر أمره للفصيلة الأردنية بالانسحاب فانسحبت منها دون إخطار القيادة المصرية بذلك ولم تتخذ احتياطات لوضع قوات مكانها فعادت القوات اليهودية واحتلت المستعمرة ثانية واستمر الثوار يشتبكون مع اليهود فيها طيلة مدة الحرب الفلسطينية وكان القائد أحمد عبد العزيز يرى ألا يستمر في مناوشة اليهود في قراهم الحصينة وإنما يتوجه نحو مركز القوة عندهم فأسرع في زحفه نحو القدس وكانت قيادة الجهاد المقدس الفلسطيني تتمركز في قرية صور باهر فعسكر هناك مع مدفعيته ورجاله وأخذ يضرب الأحياء اليهودية مثل تل بيوت بنيرانٍ المدفعيه ويجعل استقرار اليهود في تلك المناطق أمراً مستحيلاً فوجهوا نحوه قواتهم وكان يحبط هجومهم بحسن قياديته وخططه العسكرية الفنية.
استقبل القائد أحمد عبد العزيز والنقيب صلاح سالم سيارة جيب عسكرية في 27/أغسطس/1948م واتجه إلى الجنوب للاجتماع مع القيادة في غزة لبحث دعم الجبهة العربية ولدى وصوله قرية عراق المنشية قرب الفالوجة انطلقت رصاصة غدر مجهولة اخترقت صدر القائد فسقط شهيداً وروى دمه الطاهر أرض فلسطين وهكذا خسر عرب فلسطين باستشهاده دعامة وطنية كبرى وعم الحزن سائر المدن والقرى الفلسطينية على البطل الذي لم ينهزم في معركة اشترك فيها( ).
خالد فيصل: من مدينة غزة, نشأ في أسرة عريقة عرفت بوطنيتها وكان متحمساً للقتال وحمل راية الجهاد والمقاومة لطرد الاحتلال الإسرائيلي الغاشم والدفاع عن فلسطين وعروبتها في حرب عام 1948 على الرغم من حداثة سنه الذي لم يتجاوز العشرين عاماً.
عندما خرجت القوات البريطانية من فلسطين تركت خلفها في معسكر الجيش قرب قرية دمرة شرق قرية بيت حانون خمسة عشر دبابة وقام الثوار من أهالي غزة بمساعدة متطوعين يوغسلاف بإحضار جرافة كان يقودها صبحي فيصل وقام بسحب الدبابة إلى الشجاعية حيث أعطى الشيخ هاشم الخزندار صبحي فيصل لثقته به وخبرته مبلغاً من المال وكلفه بالسفر إلى الإسماعيلية ليشتري قطع غيار هربت هذه القطع إلى غزة وتم إصلاح الدبابة ( ).
والجدير بالذكر أن الشيخ محمد فرغلي والشيخ هاشم وعادل فيصل وهم من قادة المجموعات المتطوعة من الإخوان المسلمين في حرب عام 1948 قد آلوا على أنفسهم العمل على تطوير ما غنمه الثوار من أسلحة العدو من مستعمرة كفار داروم حيث كلفوا هؤلاء القادة مجموعة من المختصين وهم محمد عاشور وصبحي فيصل ورشدي خضر لاستغلال هذه الأسلحة واستخدامها كقذائف ومدافع في المعارك ضد اليهود.
قاد الدبابة التي قام شقيقه صبحي فيصل بإصلاحها بأمر من الشيخ هاشم وكان له شرف الجهاد مع إخوانه المتطوعين من الإخوان المسلمين الذين قدموا من مصر وقاتل قتال الأبطال وأبلى بلاء حسناً في تحرير مستعمرة كفار داروم في مطلع عام 1948.
رفع خالد فيصل العلم الفلسطيني على ربوع المستعمرة المحررة التي استلمها الجيش المصري وأسر عدداً من اليهود مع أسلحتهم وقام الجيش المصري بعرض الأسرى في شوارع قطاع غزة.
توجه خالد بدبابته التي يقودها مع إخوانه المجاهدين إلى مستعمرة دير سنيد والتي كانت تشكل عائقاً في طريق الجيش المصري لوصول القيادة إلى المجدل تم تحرير هذه المستعمرة أيضاً ورفع خالد فيصل العلم الفلسطيني على المستعمرة واشترك باقتحام مستعمرة نقبا على مشارف الفالوجة إلا أن القدر عاجله فسقط شهيداً قام الشيخ هاشم بالصلاة عليه في المسجد العمري الكبير ويروي إبراهيم سكيك مشهد جنازته فيقول : "من أيام غزة الخالدة التي لا تنسى يوم تشييع جنازة القائد البطل خالد فيصل حيث كان خبر استشهاده محزناً على اعتبار أن غزة تفقد شاباً بطلاً جريئاً تجرأ وحده الدخول إلى المستعمرة غير مبالٍ بما يصادفه من ألغام أو كمائن حتى قضى نحبه وسرى الخبر في مدينة غزة فاجتمع الشباب عند المسجد العمري ورأيتُ عدداً غير قليلٍ من الأكاليل تشيد بمناقب هذا البطل ومآثره الخالدة والتي أعدتها المؤسسات الوطنية واذكر منها عصبة التحرر الوطني والإدارة العمالية ودائرة الأوقاف ونادي غزة والنادي الأرثوذكسي، وسرتُ في جنازة الشهيد كغيري من آلاف المشيعين في موكب مهيب قل أن شهدت غزة مثيلاً له في تلك الفترة حيث تقدمته القيادات الوطنية الفلسطينية والمصرية حتى وري الثرى في مقبرة ابن مروان التي دفن فيها كثير من شهداء حرب عام 1948 بما في ذلك الشهداء المصريون الذين تم نقل جثثهم فيما بعد إلى مصر العطاء".
ومما تجدر الإشارة إليه أن صورة تلك الدبابة موجودة في المتحف العسكري المصري بالقلعة وعليها اسم خالد فيصل وصورته كما ذكره عارف العارف في سجل الخلود ومنقوش اسمه أيضاً في ميدان الشهداء بإجديدة الشجاعية على لوحة رخامية مكتوب عليها (فلسطين التي تعرف الشهداء فهم أنبل بني البشر وأكرم منا جميعاً).
كمال إبراهيم البربري: دافع المحامي كمال إبراهيم البربري خال الشيخ هاشم الذي تخصص في الدفاع عن المناضلين الفلسطينيين أمام محاكم الانتداب حيث دافع عن المناضل محمد شملخ من غزة وعائلته التي شاركت في أعمال الثورة مبكراً منذ بداية الثلاثينات وعبد العزيز داود من المجدل عام 1936 الذي اعتقل في سجن نور الشمس قرب القدس وكان للمحامي كمال البربري مواقف معروفة كفضح سماسرة الأراضي والوقوف أمام المحاكم ضد بيع الأرض إلى اليهود وقد أصدر في غزة جريدة السلام عام 1958م وتوقفت عام 1967م واستمر صدورها إلى أن توقفت على إثر احتلال غزة سنة 1967 واختفاء رئيس تحريرها حيث لم يعرف أو يعلم له أثر حتى الآن وقد كانت هذه الصحيفة إسلامية سياسية جامعة وكانت تدعو إلى السلام القائم على العدل وتميزت هذه الجريدة بإسلامها المعتدل وبعقلانية طروحتها وبنبذها للتطرف( ).
المراجع
1-أميل الغوري: المؤامرة الكبرى اغتيال فلسطين و محق العرب ط1-1955 ص120.
2- رفيق شاكر النتشة: الاستعمار وفلسطين- دار الجليل للنشر- عمان- الطبعة الأولى 1984- صـ325-347
3- أميل الغوري: المؤامرة الكبرى اغتيال فلسطين و محق العرب ص 125.
4- أميل الغوري المؤامرة الكبرى اغتيال فلسطين و محق العرب ص 124-128.
5- عبد الوهاب الكيالي: تاريخ فلسطين الحديث- بيروت- المؤسسة العربية للدراسات والنشر ط1- 1970- ص202.
6- محمد عزة دروزة: القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها- ج1- منشورات المكتبة المصري 1959- ص48.
7- عادل غنيم: الحركة الوطنية الفلسطينية- (1917-1936) الهيئة العامة للكتاب- القاهرة ص152-156.
8- نجيب الأحمد: فلسطين تاريخاً ونضالاً- دار الجليل- عمان 1985- ص181-185.
9- أميل الغوري: المؤامرة الكبرى اغتيال فلسطين و محق العرب ص131-134.
10- حسني الصالح: فلسطين ذكريات مؤلمة دار الحداثة- بيروت- ط1- 1997- ص 26-30.
11- مذكرات عجاج نويهض: ستون عاماً مع القافلة العربية- دار الاستقلال- الطبعة الأولى- بيروت 1993- صـ216-217.
12- أميل الغوري: المؤامرة الكبرى اغتيال فلسطين و محق العرب ص 140-142.
13- ناجي علوش: المقاومة العربية في فلسطين(1917-1948) الأسوار للطباعة والنشر عكا- 1979 ص150.
14- عصبة التحرر الوطني منظمة سياسة ماركسية أعضاؤها من عرب فلسطين كانت نتيجة انشقاق الحزب الشيوعي الفلسطيني خلال ثورة 1936-1939 ويعلم انشاؤها رسمياً إلا سنة 1940.
15- جميل الشقيري: مجموعة الشهادات والمذكرات المقدمة إلى لجنة التحقيق الأنكلو أمريكية المشتركة حول قضية فلسطين- ط1-1946- ص63-74 – مذكرة اللجنة العربية العليا.
16- محمد عزة دروزرة: القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها - ج2- ط2- 1960- ص52.
17- أنيس الصايغ: الهاشميون وقضية فلسطين- بيروت- المكتبة العصرية- الطبعة الأولى- ص215 وما بعدها كذلك صحيفة المحرر 1966.
18- محمد عزة دروزرة: القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها ص58.
19- ماهر الشريف: الشيوعية والمسألة القومية العربية في فلسطين 1919-1948- مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي 1986- ص 102-107.
20- عمر الغول: عصبة التحرر الوطني- فلسطين نشأتها وتطورها ودورها (1943-1948) وللمزيد المرجع السابق ص 120-130
21- الموسوعة الفلسطينية- ج3- دمشق 1984 ص 169.
22- محمد عزة دروزة: فلسطين وجهاد الفلسطينيين(1917-1948) الهيئة العربية العليا – فلسطين 1959 وللمزيد مذكرات المناضل بهجت أبو غربية: مرجع سبق ذكره ص245 وما بعدها.
23- الموسوعة الفلسطينية: المجلد الثالث- ص238, للمزيد راجع خيرية قاسم: مذكرات فوزي القاوقجي- بيروت 1975-ص 136-142, كذلك الموسوعة الفلسطينية المجلد الثالث ص480 وما بعدها وكذلك مذكرات المناضل بهجت أبو غربية ص245 وما بعدها.
24- عوني جدوع العبيدي: صفحات من حياة الحاج أمين الحسيني- مكتبة المنار- الأردن ط1- 1985 ص23-25.
25- زهير مرديني: فلسطين والحاج أمين الحسيني- دار اقراط 1986 ص286.
26- الدكتور عبد الوهاب الكيالي: تاريخ فلسطين الحديث- المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت- الطبعة الثالثة 1985.
27- الموسوعة الفلسطينية الجزء الرابع- ط1 دمشق 1984- ص138.
28- الموسوعة الفلسطينية الجزء الثالث- ط1 دمشق 1984- 169.
29- صالح مسعود بونصير: جهاد شعب فلسطين خلال قرن من الزمن- الطبعة الثانية- وزارة الثقافة الفلسطينية- رام الله صـ380-382.
30- الموسوعة الفلسطينية: المجلد الثاني- ص237
-أكرم زعيتر: الحركة الوطنية الفلسطينية 1935-1939 – بيروت 1980 ص85.
31- الموسوعة الفلسطينية: المجلد الثالث ص283 كذلك انظر منير الريس: الكتاب الذهبي للثورات الوطنية في الشرق العربي- بيروت 1976 وكذلك محمد عزة دروزة: القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها .
32- أحمد خليل الحاج: رؤيتي في ما جرى ويجري بشأن فلسطين- مطبعة الطويل- غزة 2004- الطبعة الأولى- صـ119-121.
33- إبراهيم خليل سكيك: غزة عبر التاريخ العمليات الحربية في الديار الغزة- ج 5 – 1981 – ص130-132.
34- إسماعيل أحمد ياغي: بلادنا فلسطين كي لا ننسى المسمية الكبيرة- مكتبة غزة بالفجالة- القاهرة 2001- ص 83-84.
35- إبراهيم سكيك وآخرون: "بطولات فلسطينية وعربية " –مطابع دار أخبار فلسطين 1966- ص77.
36- عمر عناني: "بين الجد والهزل" –مطابع دار الأيتام الاسلامية -القدس ص 64-68.
37- إبراهيم سكيك وآخرون: "بطولات فلسطينية وعربية"- ص 66.
38- عارف العارف: نكبة فلسطين والفردوس المفقود
39- معلومات مستقاه من الأستاذة يسرى البربري, للمزيد من المعلومات راجع محمد سليمان: الصحافة في قطاع غزة (1886-1994) وزارة الإعلام- رام الله 2001 صـ15.