الأخبار
"التربية" توضح طبيعة أسئلة امتحان الثانوية العامة لطلبة غزةسلطة النقد تصدر تعليمات للمصارف برفع نسبة الإيداعات الإلكترونية لمحطات الوقود إلى 50%يوم دامٍ في غزة: أكثر من 100 شهيد وعشرات الجرحى والمفقودينإعلام إسرائيلي: نتنياهو يبحث "صيغاً مخففة" لإنهاء الحرب على غزةجيش الاحتلال يعلن اعتراض صاروخ أُطلق من اليمنأول اتصال هاتفي بين بوتين وماكرون منذ ثلاث سنواتبالأسماء.. الاحتلال يفرج عن 14 أسيرًا من قطاع غزةتوجيه تهم القتل والشروع به لـ 25 متهماً في قضية الكحول بالأردنالسعودية تسجل أعلى درجة حرارة في العالم خلال الـ24 ساعة الماضيةمصر: أمطار غزيرة تفاجئ القاهرة والجيزة رغم ارتفاع درجات الحرارةمسؤولون إسرائيليون: تقدم في محادثات صفقة المحتجزين.. والفجوات لا تزال قائمة(كان): قطر تسلّم إسرائيل مقترحًا جديدًا لوقف لإطلاق النار في غزةترامب: سأكون حازمًا مع نتنياهو بشأن إنهاء حرب غزة وأتوقع هدنة خلال أسبوعوزير الخارجية المصري: خلافات تعرقل الهدنة في غزة والفرصة لا تزال قائمة للتوصل لاتفاقجامعة النجاح الوطنية: الجامعة الفلسطينية الوحيدة في تصنيف U.S. News لأفضل الجامعات العالمية 2025/2026
2025/7/2
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ربط العروسة بقلم: أحمد خيري

تاريخ النشر : 2009-11-14
ربط العروسة بقلم: أحمد خيري
بصابونه ..
وزجاجة زيت ..
ترتشي العفاريت ..
وينتحر السر الباتع

مع انسكاب الأعوام تناسي زوار قريتنا أسمها الحقيقي (العلما)،وتعلقت بأذهانهم (المربوطة) .. وصفة المربوطة لها حكاية ، تلوكونها النسوة في جلسات النميمة أمام عتبات البيوت ، ويمضغها الرجال وهم يتسامرون فوق أكوام القش أو وهم ممددين في المصلية المنحوتة في حافة الترعة.. ولأنها غريبة فهي عالقة بأدمغتهم ، تؤنس أوقات فراغهم الكثيرة ، يضيف إليها كل مدع للمعرفة بما وسعه خياله ، حتى باتت أسطورة تتميز بها القرية دونا عن قري المحافظة بأكملها..
اسم المربوطة لا تتعلق بعملية ربط العريس ليلة الدخلة ، لأنها تحولت بالعادة إلى شئ مألوف ، وبالعادة أيضا أصبحت أخبار العرسان المربوطين تتطاير مع أنفاس الجوزة على الغرز الصغيرة ، تغلغلت في كل قرى وعذب وكفور مصر بصورة تنافس فيها حمي البقر.. بدون مقدمات يجيء العريس يوم الصباحية ، يتمسح في حوائط الدار ، وبصوت متحشرج .. متهدج.. فيه رعشة الانكسار .. يطلب إحضار الشيخ عبد المغيث .. وبدون أدني فكاكه يدرك السامع بأن العريس مربوط ، وفي حاجة لسر الشيخ الباتع .. ليتم المراد ويرفع رأسه وسط الأهل ..
أما حكاية ( ربط العروسة ) فهي المرة الأولي والأخيرة التي حدثت في قريتنا ، حدثت بالضبط بعد خمسة أيام من ليلة الدخلة ، بعد أن تباطأ عارف أفندي في إعطاء أهل العروسة المراد ، والمراد في قريتنا ينهيه العريس في العادة ليلة الدخلة بمساعدة أم العروسة وبعض قريباتها ..
ولأن عارف أفندي يختلف عن بقية رجال القرية ، فهو المتنور الوحيد فيها ، ومقامه يناطح مكانة حضرة العمدة بشحمه ولحمه ، لذا أطاعه أهل العروسة ، ونزلوا على رغبته رغم غرابتها أمام أهل القرية ، ورغبته كانت تحوم حول أخذه " المراد" بينه وبين عروسه على مهل.
ولكن الأيام الخمسة فرت بسرعة ، والمهل طال وامتد ، وتحولت القرية بقدرة قادر إلى طبلة كبيرة جوفاء ، كالتي يعوي بها " إبراهيم الطبال " أثناء تشييع الجنازات ، فتخرج منها أصوات لا تختلف عن نحيب النسوة .. وتنوع عوائها بين الهمز واللمز ، والإشاعات في قريتنا تشبه النمل عندما ينطلق من جحره في رحلة البحث عن طعام .. وقائد سرب النمل في القرية كانت زوجة عم العروس ، التي أخذت تبعثر الإشاعات بين نسوة القرية ، لتتشف في أم العروس وأبوها ..
لم يبرح أهل العروس دارهم ، وأهملوا الغيط .. والبهائم .. لأن عيون أهل القرية تتكلم في صمت عن "المراد " الذي تأخر .. وللصبر حدود .. ويجب فك عارف أفندي إذا كان مربوطا.
المشكلة أن عارف والشيخ عبد المغيث لا يطيقان بعضهما البعض ،لذا يحتاج عرض الأمر على عارف لنفر يتميز بالجرأة والقوة .
فعارف أفندي رغم صغر سنه ، إلا أنه والحق يقال يمثل مقصدا لأهل قريتنا في وقت الشدائد ، لا ترد له مشورة أو رأي .. وكيف ترد وهو الوحيد عندنا الذي يحفظ القرآن ، ويلقنه لأطفال القرية في الكتاب الذي ورثه عن أبيه ، وفوق ذلك كان يعظ الناس في المصلية الكبيرة الموجودة على جسر الترعة ، ويوعيهم من سحر ونصب الشيخ عبد المغيث ... ومع ذلك كان شابا حدقا يعرف كيف يجارى نساء القرية همزهن وكلامهن المعسول ، وأبدا جلبابه الأبيض وطاقيته الشبيكة المستوردة من السعودية مكويتين تحت المرتبة ، وجزمته تلمع دونا عن شباب القرية .
على النقيض كان الشيخ عبد المغيث ، الذي يسكن في عزبة مجاورة للقرية .. رجل مزواج .. يكتب ويقرأ بالعافية .. ورث سره الباتع في كتابة العملات وفك المربوط عن والده الذي أقام له مقاما كبيرا بعد موته ، وكان يري في عارف أفندي العدو الوحيد له.
بصراحة أن عارف أفندي لم يكن يتوقع في حياته أن يجلس مع الشيخ عبد المغيث في مكان واحد ، لا أن يكون حل مشكلته في يده ..
ولكن ما باليد حيله ، فأمام إلحاح أهل العروسة ، وما كان يراه على شفاة أهل القرية ، وافق على الحل لعلها تكون قشة الإنقاذ .
جاء الشيخ عبد المغيث لدار عارف أفندي التي تقع وسط القرية ، بجوار الجرن الكبير الذين يقيمون فيه المناسبات ويدرسون محصول الأرز به ، وسط ذهول ودهشة أهل القرية ، وهم يرونه مارقا داخل حواري وأذقة القرية منتصبا بقامته القصيرة فوق حمار لا يختلف عن سحنته كثيرا ، يرمي عليهم السلام في مسكنه مصطنعة وبسمة باهتة ..
- أتفضل يا شيخ أشرب الشاي
- لحد هنا وجاي .. أصل عارف أفندي صعبان على .. ربنا يفك رباطه على يدي ..
بعد أن لف الشيخ القرية كلها ، وصل إلى دار عارف أفندي الجالس في وجوم وشرود .. بأي عين سيقابل أهل القرية بعد ذلك .. وكيف يحذرهم من سحر الشيخ .
ووسط مندرة الكنب الزاهية بألوان الفرح ، وصور الجد والأب المعلقة على الجدار دارت التهديدات .. والتشنجات ولكن أمام رجوات وتوسلات أم العروسة توقف عارف أفندي على الاستهانة بالسر الباتع للشيخ ، وتوقفت الأصوات وبدأ الشيخ في عمله ..
- أسمك بالكامل يا عارف أفندي
- عارف ..
وأنبري الشيخ بعد معرفته للاسم في عد الأحرف التي يتكون منها ، ليخرج من سيالة جلبابه المطلية بطفح قلم أحمر كتيب قديم ورثه عن أبوه .. والجلابية لو رآها أحد لأقسم بأن الشيخ لم يتزوج من قبل ، لا أن يكون على ذمته أربع نساء ، آخرهن في سن بناته ، رماها نصيبها الأسود في طريقه ، عندما ذهبت له ليكتب لها عمل باتع تحافظ به على زوجها الأول ، ولكن عينيه زاغت ، فطلقها بسحرة وتزوجها هو ..
أخذ الشيخ في دعك عينيه عددا من المرات حتى تزول عنهما السحابة البيضاء.. وبدأ يقرأ في الكتيب ذي الورق الأصفر المتآكل من كثرة مرور الزمن عليه ويدى الشيخ المتسختين .. وبنبرة المنتصر مد رأسه وقال..
- أنت سليم يا عارف أفندي ومفيش حاجة فيك ..
- دي حاجة أنا عارفها .. وميت مرة قولتها لحماتي وهي مش مصدقة ..
لم يكد الشيخ عبد المغيث ينتهي من كلامه حتى شعرت أم العروس ، بكوم من السباخ يكبس فوق صدرها ، حتى أخذ يضيق .. ويتمزق .. ويبحث عن نسمة هواء ليلتقطها من داخل المندرة التي فرغت تماما من الهواء ..
فكلام الشيخ لا يعني إلا شئ واحد ، نفس الشيء الذي تؤكده زوجة عم العروس داخل القرية ، وهو الذي طالما كانت تخيف أبنتها منه باستمرار ..
وللأنصاف كان عارف أفندي يخاف منه هو الآخر ، ويعرف أن شرف البنت في القرية زي عود الكبريت ، لذلك أصر على عقد خطوبته وكتب كتابه في يوم واحد حتى تصبح حلاله .
وكاد يغمي على أم العروسه ، وتخيلت عروق الخشب في السقف تلامس ضلوعها البارزة .. لولا أن تفتق ذهن الشيخ في آخر لحظة وأنار سره الباتع ، وبنظرة كلها افتخار وثقة ..
- مالكو يا جماعة .. لسه هنشوف العروسة .
انعقدت الوجوه والألسنة بعد أن علتها الدهشة ، فمن العادة أن يربط العريس ، لا أن تكون العروس هي المربوطة .
شعر عارف أفندي وعروسه براحة شديدة ، فكلام الشيخ لا يعني إلا قشة يمكنهما التعلق والنجاة بها .. وكأن جسدهما الغرقان بالعرق من الصدمة ، قد هدأ بعد أن قذفهما شخص على غرة داخل الترعة .
لم تدم دهشتهم كثيرا ، فقد سارع الشيخ بفتح الصفحة ، بعد أن دعك عينيه مرة أخري .. وفي رعب واضح قال ..
- يا ساتر يارب .. أستر يا ستار ..
وفي خوف واضح ولهفة سألت أم العروس ..
- جري إيه يا شيخ وقعت قلبي .
- دا معمول لبنتك عمل على راس قرموط .. يا ساتر دا معقود كذا عقدة ، بأن تظل مليسة مثل الحائط ، لحد جوزها ما يزهق منها ويطلقها وهي مازالت بكرا ..
- أنا عارفة أم قلب أسود اللي عملت العمل .. مفيش غيرها.. ربنا يقعدوا في بناتها .
- وأيه الحل دلوقتي يا شيخ .. يا بركه .
- اللي يعمله ربنا هيكون يا حاجة يا كريمة .
خرج عارف أفندي يبحث في دكاكين القرية عن زجاجة خل وزيت زيتون طلبهما الشيخ منه قبل دخوله لحجرة النوم مع العروس وأمها .
كان كل شئ في الحجرة يكتسي بلون أحمر .. لون المصباح الكهربائي المتدلي من السقف.. السرير النحاسي .. الدولاب .. الحوائط .. صلعة الشيخ.
حتى جلباب العروس الشفاف الأبيض ، الذي كان يظهر تفاصيل جسدها البارزة ، فهي للحقيقة رغم سمرتها كانت تثير كوامن الرجال بأنوثتها الطاغية ، ومن كثرة أنوثتها تمناها كبرات القرية ، ولكن القلب وما يريد لم توافق إلا على عارف أفندي بمقامه العالي .
شد الشيخ شعر وأذن العروس ، قبل أن يأمر أمها بأن تدير ظهرها العريض لهما وتشيح بوجهها ناحية الباب ، وهي تدوم بإصبعها داخل طبق ملأه الشيخ بالماء وعدد من نقط كانت في قطارة عيون معه ..
تدوم وهي تقول ..
- يا للي ربطوها فكوها .. يا للي ربطوها فكوها .. يا للي ربطوها..
أما العروس فكان مستلقية تحت ملاءة السرير ، بينما الشيخ يجلس على حافته وهو يدمدم بكلمات غير مفهومة والعرق يتساقط منه ، الأمر الذي أدخل الخوف والرعب في قلب العروس وأمها ، التي كان تحاول اختلاس النظر إليهما ، فينهرها الشيخ باستمرار ويهددها بأنها ستكون السبب في عدم تطفيش العفاريت من جسد بنتها ..
أما العروسة فقد ماتت في جلدها بعد أن رأت العرق يخترق طريقه من صلعة الشيخ إلى وجهه المليء بالتجاعيد ، وعيناه اللتان تضيقان في إصرار وتحد ..وتضاعف خوفها حينما كانت يده تمر فوق جسدها اللين الطري وتقترب من بطنها .
استمر هذا الوضع فترة حتى عاد عارف أفندي بالزيت والخل إلى المندرة التي يجلس فيها حماه .. بعدها خرج الشيخ ..
- احمدوا ربكم كان العمل معقود بطريقة لا يمكن لحد فكه .
- يعني كده خلاص يا شيخ .
- والله يا حج ربنا راضي على بنتك .. وهيرزقها بالعيال .
خلط الشيخ عبد المغيث الخل بالزيت ، الذي ستشربه العروسة بالليل قبل نومها ، ووضع فيها ورقة مكتوبة بطريق لا يمكن معرفة حروفها إلا عن طريق العفاريت ، ووضع ورقة أخري في زيت أكل حتى يستعمله العروسان عندما يكونان معا فوق السرير..
وقبل أن يختفي الشيخ بما حمله من صابون وأكل وأموال ، نظر إلى عارف أفندي بنظرة القائد المنتصر ، وهو يعطيه حجابا يعلقه في رقبته وقال له :
- لولا سري الباتع لكنت طلقت زوجتك ، وأنت يا حجة متخافيش .. دم البكارة هيرتفع في صدر بنتك وهتحبل على طول ..
رمي الشيخ تلك الكلمات وأنصرف وسط دعوات حما وحماة عارف أفندي ، وضحكات عارف أفندي وعروسه التي شعرت بالاطمئنان ..
في حقيقة الأمر كانت فرحة عارف أفندي أكثر من الدنيا كلها ..
فلأول مرة سيأكل .. ويشرب .. ويداعب زوجته ، بعد خمسة أيام مرت كأنها خمسة قرون ، كان عارف فيهم وعروسه يضربون أخماسا في أسداس وهم يبحثون عن حل لمشكلتهما ، ولكن أخيرا أراحهما الشيخ بسرة الباتع، ووسط هذه الفرحة قام عارف وعروسه برمي الخل والزيت والاحجبة مع سرها الباتع..
وسط فرحة بخيبة القائد ذي السر الباتع ، وفشله في معرفة أن العروس حامل في شهرها الثاني .
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف