إسماعيل بك ألجليلي- كناس الكعبة الشريفة-
حين قررت الكتابة عن شخصية جليلية موصلية احترت بمن أبدأ:
هل اكتب عن جدهم عبدالجليل التغلبي؟ أم اكتب عن حسين باشا الجليلي بطل الموصل وحاميها من غزو نادر شاه 1743؟ أم عن الغازي محمد أمين باشا البطل الموصلي قائد الجيوش العثمانية في حربها مع روسيا وهو الذي منحته الدولة العثمانية لقب – الغازي – وهو أول وأخر لقب منح لشخص خارج السلالة العثمانية. كثيرة كانت الأسماء أمامي وأكثر منها المواقف المشرفة...
للجليليين تجاه مدينتهم الموصل التي حرسوها بدمائهم ولذلك أسموها في وقفياتهم ورسائلهم (الموصل المحروسة).
بالصدفة كنت اقرأ كتابا يحوي زهيريات الشاعر الموصلي عبو المحمد علي فجلب انتباهي (زهيري) كتبه خصيصا لإسماعيل بك الجليلي وهذا الاسم لم أقرأ عنه كثيرا فبدأت اجمع المعلومات عنه والتقيت بأحفاده وساعدوني مشكورين واطلعت على بعض الصور والوثائق فكانت مقالتي هذه أقدمها لمحبي تاريخنا ، وكون إسماعيل بك يستحق أن يكون قدوة لنا في زمن نبحث فيه عن القدوة.
ولد إسماعيل بك بن محمد صديق بك بن محمد سعيد بك الجليلي في الموصل سنة 1856م في بيت كريم جليل في محلة أمام عون الدين، وتربى في كنف والده واشرف على تعليمه معلمين خاصين ورجال دين يختارهم والده بدقة ورغبة منه في أن يكون ولده إسماعيل مثل أجداده -فارسا- بكل ماتعنيه هذه الكلمة من معنى فدرس علوم الدين والتفسير وحفظ القران والحديث وكان يحضر معظم حلقات العلم التي تقام في بيت والده والجوامع الخاصة بالأسرة.
وشاهد عن كثب والده وهو يستقبل رجال العلم والتجار وشخصيات البلد والفقراء والمرضى والمحتاجين وتعلم منه أهم الدروس لحياته وهي الضيافة والكرم ولهفة المحتاج وإيثار النفس وان المال زائل والعمل الصالح هو الباقي، بهذا الجو تربى وكبر وتوفي والده محمد صديق بك وحل إسماعيل مكانه بإدارة الشؤون الخاصة في الأسرة وأصبح كما تمنى والده متعلما ومتديناً سخي القلب واليد وكان يقف في بابه الأيتام والأرامل والمساكين يوزع عليهم الطعام والمال بل كان يأمر بصنع الخبز من الخزين الموجود في بيته ويقوم بوزن الأرغفة ويوزعها حصصا متساوية للفقراء أيام المجاعة والضيق والشدائد وفي الأعياد يوزع النقود (عيدية) ليرة ذهب لكل فقير من الذين ينتظرون خروجه من بيته وصولا إلى جامع نعمان باشا ألجليلي وبعد تقدمه في السن حرص على أن يقف على باب داره مستندا إلى عكازيه ليوزع العيدية ولذلك أسموه الموصليون (أبو الليرات).
وحبه للعلم واضح بدليل انه يوزع الكتب والمصاحف على المدارس ويوصي مدرائها بتقديم كشف بأسماء الطلاب المحتاجين ليرعاهم ويزودهم بما يضمن مستقبلهم العلمي والدراسي وكان مشتركا بكافة الصحف والمجلات العراقية والعربية كالمقتبس والهلال والمقتطف وغيرها وبعد انتهائه من قراءتها يقوم بتوزيعها على رواد مجلسه مجانا كون أعدادها كثيرة وأسعارها غالية آنذاك وندرتها أحيانا فكيف يبخل بالمجلات من لم يبخل بالمال والطعام؟ ولهذه الأسباب اكتسب شعبية كبيرة بين أبناء مدينته المحروسة فقرائهم وأغنيائهم.
أما عن رفقه بالحيوانات فهذا شيء رائع جميل لا يصدق ! وانأ أتصفح أوراقه القديمة وصوره قرأت بعض من مذكراته التي دونها يوميا بخط يده في مفكرات صغيرة ذكر فيها الحوادث والأخبار والوفيات وأخبار عديدة عن الموصل وهي محفوظة لدى أحفاده وسأنقل ماكتبه بأمانة وصدق:
• أمرت الخادمات اليوم بنشر فتات الخبز حول البستان الداخلي في حوش (الحرملك) لأن اللقالق ظهرت وبدأت تنزل جائعة تبحث عن الطعام في بيتي ومنعت دخول أي شخص إلى الحرملك ومضايقة اللقالق وهي تأكل حول البستان.
• أثناء عودتي للبيت قابلت شخصا يحمل (كونية) بداخلها قطه وصغارها يصرخن ومواء كأنه البكاء فسألته لماذا وضعتهم بالكيس؟ فأجابني بأنها تأكل طعام بيته وسيرميها بالنهر انتقاما منها فاشتريتها منه . وحمل خادمي كيس القطة وصغارها. وأوصيت الخادم أن يطعم القطة كل يوم. ويضعها في البستان.
هذا ما دونه بيده فأي رجل كان وأي أخلاق فرسان ملكها!؟.
• تم منحه العضوية الدائمة في جمعية ولاية بنسلفانيا بسبب مساعدته للبعثات المهتمة بالآثار والتنقيب ودوام استقباله لمبعوثيها في بيته ومجلسه وكثيرا ما كان يقدم لهم المعلومات الوافية عن حضارة وادي الرافدين وعلى نحو خاص مدينة نينوى لإلمامه التام بتلكم المعلومات ومعرفته بحضارة العراق وحديقة نينوى.
ومن أعماله الأخرى تجديده لجامع نعمان باشا المعروف أيضا ( بجامع القطانين ) الكائن في السرجخانه وتولى أوقافه.
• أما أهم شيء انشره وكان مخفيا على الكثير من أهل مدينتي كون هذه المعلومة أمانة للتاريخ:
قام إسماعيل بك الجليلي بتمويل مد خط سكة حديد الحجاز-موصل بمبلغ كبير جدا وغايته مساعدة المسلمين بالوصول إلى الديار المقدسة واداء فريضة الحج بسلامة بقليل من الوقت والجهد كون السفر إلى الحج مرهقا جدا آنذاك.
وعلى أثرها منحه السلطان عبدالحميد رتبة (كناس في الكعبة!!)
كون السلطان برتبة (باش كناس!!) أي مايقابلها اليوم (خادم الحرمين) وأهداه أيضا جزء من ستار الكعبة وجزء من غطاء قبر الرسول (ص) وشمعة من التي توقد داخل الكعبة حين تغسل ولازالت محفوظة لدى أحفاده الكرام وقد شاهدتها بأم عيني، فيا له من شرف عظيم ليكون كناساً في الكعبة اطهر بقعة في الكون يتمنى الجميع تقبيل حجارتها!!.
أعقب من الولد اثنين أولهما محمد صديق بك ألجليلي (الدكتور العالم رجل المزاول الشمسية والتراث الموصلي) وثانيهما القاضي قيدار بك ألجليلي.
توفي المرحوم الحاج إسماعيل بك بن محمد صديق بك ألجليلي سنة 1943 م عن عمر 87عاما ودفن في مقبرة الشيخ العناز.
لقد أبدع عبو المحمد علي الموصلي في (ازهيريه) حين قال:
يا محصن النفس عن التيـــه واضلالهـا
أيام عزك تــــدوم عليك وظلالهـــا
لو جنت أوصف عديد سنين واضلالهــا
بأوصاف حلمك لساني جــان قصر وجل
لأنك بحر والبحر من حــاز وصف وجل
أنت شجرة الثمر للجـــــاع دنا وجل
منها واني محروم الذوق واظلالهــــا
وخاتمة قولي:
ليرحمك الله يا حاج إسماعيل ألجليلي يا من كنت (الفارس والبحر والشجرة) ويكفيك فخرا انك تشرفت بكونك (كناس الكعبة الشريفة).
ولي مع آل ألجليلي عودة أخرى.........
حين قررت الكتابة عن شخصية جليلية موصلية احترت بمن أبدأ:
هل اكتب عن جدهم عبدالجليل التغلبي؟ أم اكتب عن حسين باشا الجليلي بطل الموصل وحاميها من غزو نادر شاه 1743؟ أم عن الغازي محمد أمين باشا البطل الموصلي قائد الجيوش العثمانية في حربها مع روسيا وهو الذي منحته الدولة العثمانية لقب – الغازي – وهو أول وأخر لقب منح لشخص خارج السلالة العثمانية. كثيرة كانت الأسماء أمامي وأكثر منها المواقف المشرفة...
للجليليين تجاه مدينتهم الموصل التي حرسوها بدمائهم ولذلك أسموها في وقفياتهم ورسائلهم (الموصل المحروسة).
بالصدفة كنت اقرأ كتابا يحوي زهيريات الشاعر الموصلي عبو المحمد علي فجلب انتباهي (زهيري) كتبه خصيصا لإسماعيل بك الجليلي وهذا الاسم لم أقرأ عنه كثيرا فبدأت اجمع المعلومات عنه والتقيت بأحفاده وساعدوني مشكورين واطلعت على بعض الصور والوثائق فكانت مقالتي هذه أقدمها لمحبي تاريخنا ، وكون إسماعيل بك يستحق أن يكون قدوة لنا في زمن نبحث فيه عن القدوة.
ولد إسماعيل بك بن محمد صديق بك بن محمد سعيد بك الجليلي في الموصل سنة 1856م في بيت كريم جليل في محلة أمام عون الدين، وتربى في كنف والده واشرف على تعليمه معلمين خاصين ورجال دين يختارهم والده بدقة ورغبة منه في أن يكون ولده إسماعيل مثل أجداده -فارسا- بكل ماتعنيه هذه الكلمة من معنى فدرس علوم الدين والتفسير وحفظ القران والحديث وكان يحضر معظم حلقات العلم التي تقام في بيت والده والجوامع الخاصة بالأسرة.
وشاهد عن كثب والده وهو يستقبل رجال العلم والتجار وشخصيات البلد والفقراء والمرضى والمحتاجين وتعلم منه أهم الدروس لحياته وهي الضيافة والكرم ولهفة المحتاج وإيثار النفس وان المال زائل والعمل الصالح هو الباقي، بهذا الجو تربى وكبر وتوفي والده محمد صديق بك وحل إسماعيل مكانه بإدارة الشؤون الخاصة في الأسرة وأصبح كما تمنى والده متعلما ومتديناً سخي القلب واليد وكان يقف في بابه الأيتام والأرامل والمساكين يوزع عليهم الطعام والمال بل كان يأمر بصنع الخبز من الخزين الموجود في بيته ويقوم بوزن الأرغفة ويوزعها حصصا متساوية للفقراء أيام المجاعة والضيق والشدائد وفي الأعياد يوزع النقود (عيدية) ليرة ذهب لكل فقير من الذين ينتظرون خروجه من بيته وصولا إلى جامع نعمان باشا ألجليلي وبعد تقدمه في السن حرص على أن يقف على باب داره مستندا إلى عكازيه ليوزع العيدية ولذلك أسموه الموصليون (أبو الليرات).
وحبه للعلم واضح بدليل انه يوزع الكتب والمصاحف على المدارس ويوصي مدرائها بتقديم كشف بأسماء الطلاب المحتاجين ليرعاهم ويزودهم بما يضمن مستقبلهم العلمي والدراسي وكان مشتركا بكافة الصحف والمجلات العراقية والعربية كالمقتبس والهلال والمقتطف وغيرها وبعد انتهائه من قراءتها يقوم بتوزيعها على رواد مجلسه مجانا كون أعدادها كثيرة وأسعارها غالية آنذاك وندرتها أحيانا فكيف يبخل بالمجلات من لم يبخل بالمال والطعام؟ ولهذه الأسباب اكتسب شعبية كبيرة بين أبناء مدينته المحروسة فقرائهم وأغنيائهم.
أما عن رفقه بالحيوانات فهذا شيء رائع جميل لا يصدق ! وانأ أتصفح أوراقه القديمة وصوره قرأت بعض من مذكراته التي دونها يوميا بخط يده في مفكرات صغيرة ذكر فيها الحوادث والأخبار والوفيات وأخبار عديدة عن الموصل وهي محفوظة لدى أحفاده وسأنقل ماكتبه بأمانة وصدق:
• أمرت الخادمات اليوم بنشر فتات الخبز حول البستان الداخلي في حوش (الحرملك) لأن اللقالق ظهرت وبدأت تنزل جائعة تبحث عن الطعام في بيتي ومنعت دخول أي شخص إلى الحرملك ومضايقة اللقالق وهي تأكل حول البستان.
• أثناء عودتي للبيت قابلت شخصا يحمل (كونية) بداخلها قطه وصغارها يصرخن ومواء كأنه البكاء فسألته لماذا وضعتهم بالكيس؟ فأجابني بأنها تأكل طعام بيته وسيرميها بالنهر انتقاما منها فاشتريتها منه . وحمل خادمي كيس القطة وصغارها. وأوصيت الخادم أن يطعم القطة كل يوم. ويضعها في البستان.
هذا ما دونه بيده فأي رجل كان وأي أخلاق فرسان ملكها!؟.
• تم منحه العضوية الدائمة في جمعية ولاية بنسلفانيا بسبب مساعدته للبعثات المهتمة بالآثار والتنقيب ودوام استقباله لمبعوثيها في بيته ومجلسه وكثيرا ما كان يقدم لهم المعلومات الوافية عن حضارة وادي الرافدين وعلى نحو خاص مدينة نينوى لإلمامه التام بتلكم المعلومات ومعرفته بحضارة العراق وحديقة نينوى.
ومن أعماله الأخرى تجديده لجامع نعمان باشا المعروف أيضا ( بجامع القطانين ) الكائن في السرجخانه وتولى أوقافه.
• أما أهم شيء انشره وكان مخفيا على الكثير من أهل مدينتي كون هذه المعلومة أمانة للتاريخ:
قام إسماعيل بك الجليلي بتمويل مد خط سكة حديد الحجاز-موصل بمبلغ كبير جدا وغايته مساعدة المسلمين بالوصول إلى الديار المقدسة واداء فريضة الحج بسلامة بقليل من الوقت والجهد كون السفر إلى الحج مرهقا جدا آنذاك.
وعلى أثرها منحه السلطان عبدالحميد رتبة (كناس في الكعبة!!)
كون السلطان برتبة (باش كناس!!) أي مايقابلها اليوم (خادم الحرمين) وأهداه أيضا جزء من ستار الكعبة وجزء من غطاء قبر الرسول (ص) وشمعة من التي توقد داخل الكعبة حين تغسل ولازالت محفوظة لدى أحفاده الكرام وقد شاهدتها بأم عيني، فيا له من شرف عظيم ليكون كناساً في الكعبة اطهر بقعة في الكون يتمنى الجميع تقبيل حجارتها!!.
أعقب من الولد اثنين أولهما محمد صديق بك ألجليلي (الدكتور العالم رجل المزاول الشمسية والتراث الموصلي) وثانيهما القاضي قيدار بك ألجليلي.
توفي المرحوم الحاج إسماعيل بك بن محمد صديق بك ألجليلي سنة 1943 م عن عمر 87عاما ودفن في مقبرة الشيخ العناز.
لقد أبدع عبو المحمد علي الموصلي في (ازهيريه) حين قال:
يا محصن النفس عن التيـــه واضلالهـا
أيام عزك تــــدوم عليك وظلالهـــا
لو جنت أوصف عديد سنين واضلالهــا
بأوصاف حلمك لساني جــان قصر وجل
لأنك بحر والبحر من حــاز وصف وجل
أنت شجرة الثمر للجـــــاع دنا وجل
منها واني محروم الذوق واظلالهــــا
وخاتمة قولي:
ليرحمك الله يا حاج إسماعيل ألجليلي يا من كنت (الفارس والبحر والشجرة) ويكفيك فخرا انك تشرفت بكونك (كناس الكعبة الشريفة).
ولي مع آل ألجليلي عودة أخرى.........