Le Horla لغي دو موباسان
1- غي دو موباسان:
غي دو موباسان من مواليد 1850، بشاطو دو ميروميسميل، قرب دييب بنورماندي. توفي اخوه( هيرفي) بدار الصحة في السن الثالثة والثلاثين. وبعد فراق والديه سنة 1860، استقر مع أمه وأخيه ب – أوتروتا) . تلقى تعليمه بليسي الامبريالي نابوليون، ثم بالمعهد إيكيلزياستيك ل ( إيفيتو).
نتائجه كانت مضطربة، هوايته الحقيقية كانت هي الماء. فقي سنة 1866 أنقذ من الغرق ب( أوتروتا) الكاتب الإنجليزي : شارلز. أ. سونيوبرغ. وبالتالي أصبح يمارس رياضة الزوارق، والتجديف، وانضم إلى نادي (guingnettes)، حيث كان يقضي وقته بالسين.
وبين 1872 و 1880 بدا يعد مستقبله الروائي، فقد كان فلوبير يوجه جهوده، ويلاقيه بالروائيين المنتمين للمدرسة الطبيعية، والواقعية( زولا- هايسمانس). وقد أصيب غي دوموباسان بالزهري في 1878، فبدأ يعاني من آلام الرأس، وبدأت صحته تتدهور.
كان لوفاة فلوبير في 8 ماي 1880، الوقع الشديد على نفسية موباسان. وهذا دفعه إلى إبداع قصته( Boule de suif)، وقد نشر من 1880 إلى 1891 حولي 300 قصة، والتي منها (la parure) و(le horla). وقد انتقل إلى كتابة الرواية فأصدر(Une vie) في 1883، و(Bel Ami) في 1885، و(Mont Orid) في 1887.
كما أن اضطراباته العصبية منعته من إكمال روايته(L’Angélus). وبعد محاولة انتحار فاشلة بنيس، يدخل مصحة الدكتور بلانس، حيث مات فيها في 6 يوليوز 1893..
2- شكل الكتابة: اليومية/ المذكرة:
كما يدل على ذلك اسمها ، فاليومية تسجل يوما بعد يوم الأحداث اليومية، أي إنها كتابة يومية للأحداث والانطباعات. فقد كان يحكي كل ما يجري في حياة المحررين، وأيضا ما يجري في نفسهن وفي علاقاته مع محيطه.
إن هذه الكتابة تمثل نوعا من الاعتراف، والإقرار.واليومية هي نوع من إفشاء لأسرار،وشكوك كاتبها... لا تخضع لأي
قانون.
إنها مرتبطة بوصاية، وإبداع المؤلف. وهذا الأخير يمكن أن يكون صادقا في كتاباته، أو متخيلا لها... موضوعيا في طرحه، أو مبالغا فيه...أو متجاوزا عن كثير من الأحداث.
واليومية لا تكتب للنشر. والكاتب عندما يلجأ إلى مثل هذه الكتابة، فإنه يستجيب لحاجة، ويضع ضميره في امتحان..أو يقوم باستيداع وخزن كتابة التعابير، والأحداث التي يمكن نسيانها.
ففي قصته(le horla)، موبسان يتبنى شكل كتابة اليومية. وذلك بجمع انطباعاته اليومية يوما بعد يوم. منذ 8 ماي إلى 10 شتمبر.
السياق الثقافي العام:
موبسان يستوحي في كثير من قصصه، الأحداث المتنوعة اللحظية. وبالنسبة ل ( le horla)، فقد احتوت على تيمات متنوعة، عفوية، مثل الجنون، والتنويم المغناطيسي، متابعا عن قرب النجاح الكبير الذي عرفته الدراسات حول الأمراض العصبية، التي كان يشرف عليها الدكتور شاركو....
إن موبسان يطور تيمة الرعب ، ويجعلها من الخوارق في قصته (le horla).
الغرائبي والعجائبي:
عندما يجنح الطبيعي نحو الغرائبي، فإن القارئ يتردد بين منطق عقلاني ن وتفسير لا واقعي.ولحظة التردد هذه،تكون العجائبي والغرائبي.
فعند تودوروف، العجائبي:<< يشغل زمان هذا الارتياب>>. فالعجائبي يمكن أن يقرأ كرد فعل ضد العقلانية مع كتاب ، مثل :فيليبي دو ليزل أدام ( القرن 19)، والذي أعلن الحرب على العلمية في كتاباته.
فالعجائبي يأخذ أحداث المجتمع في القرن العشرين، نع نجاحات الفلكيين، والعرافين. فهو يمكن أن يترجم اضطرابا داخليا لدى الكاتب،كما عند دوبوDe poe، الذي غرق في الكحولية. ودوموباسان الذي تأثر بحرب 1870، وبالمحتل البروسي.
والعجائبي في هذه الحالات الأخيرة يساعد الكتاب على التحرر من قلقهم.
والتيمات التي يعالجها العجائبي، هي بين: ( التعاقد مع الشيطان، كما في فاوست)- المرأة الشبح ( الشيطان المحب)- تيمة الازدواج( الحالة الغريبة للدكتور جيكلي و م. هايد)، أو الشيء(الهورلا)).
عجائبي موباسان:
يلعب موباسان دورا أساسيا في تجديد العجائبي، فقد كان قويا في الأحداث الشخصية المتعلقة بحياته. وكان قويا أيضا في المواضيع الهامة المرتبطة بزمانه. لقد كان ينتحل النماذج التي يوظفها، ويستعملها. لقد كان شديد الاهتمام بالأمراض العقلية، وبالتنويم المغناطيسي، وبالاكتشافات العلمية.
فقد كان يدمج هذه التجارب في كتاباته. كما انه استفاد من تجاربه الخاصة، وعمل على توظيفها، مثل جنون أخيه الأصغر ( هيرني)، واضطرابه العقلي.
العنوان وعجائبيته:
(الهورلا)هو اسم أطلق من طرف الكائن الجديد ليقدم نفسه، ويظهر أنه يشير للسارد الشخص الذي يعيش هنا (là)،خارج (hors)، يتعايش مع أنا السارد، الشخصية. إنه يمثل الكائن الجديد، الذي لا يخاف لا التقهقر، ولا الانحلال، ولا التدمير. إنه كائن خفي، قوي، يدرك بواسطة الحواس كاملة. إنه كائن شفاف:<< جسد مجهول،إنه روح، وشبح>>.
الشخصيات:
- أنا: تمثل الشخصية الساردة.
- سائق السارد.
- خدم السارد.
- السيدة سابلي: قريبة السارد.
- زوج السيدة سابلي: قائد فرقة القناصة رقم 76 بليموجز.
- الدكتور برانت: طبيب مهتم كثيرا بالأمراض النفسية ، والعصبية، والخوارق. يمارس التنويم المغناطيسي، والبارانورمال.
- الهورلاle horla: الكائن الجديد. إنه كائن خفي لا يرى. وجوده خفي،ثابت. يعلن وجوده عن طريق ظواهر خارقة.
تلخيص للقصة:
Le horlaهي أول نص لموباسان في المجموعة (le recueil) ( 1850- 1893). وهي على شكل مذكرة أو يومية. فالسارد يبدأ بالحكي عن شعوره بخطر يحدق به...ومن شدة فزعه، يحلم بكابوس كل ليلة، حيث يرى في كابوسه كائنا يأتي لخنقه. الشيء الذي دفع به إلى البحث عن علاج له في الطب، والسفر. فيرحل إلى مونت سانت ميشيل. وعندما يعود إلى بيته يعاوده الكابوس المرعب ثانية. فيتأكد السارد بأن الكائن الخارق يشرب الماء ، والحليب أثناء نومه المضطرب، والمتقطع.
يرحل السارد إلى باريس،حيث إن زياراته الباريزية ساهمت في نسيانه هذه الكوابيس، والهلوسات.
ويحضر عشاء عند قريبة له. فيتعرف السارد على الدكتور بارانت، وهو اختصاصي في التنويم المغناطيسي. هذا الأخير يعلن أن الاكتشافات العلمية الجديدة، ستدمر الاعتقادات بالخوارق، ومن جملتها الاعتقاد بالله.
ولإظهار براعته، يخضع قريبته لتجربة التنويم المغناطيسي، ويطلب منها أن تقرض قريبها مالا في صباح الغد، ويوقظها بعد ذلك. القريبة تنفذ الأمر في صبيحة الغد. وكان لزاما تدخل الدكتور بارانت لإلغائه.
هذه التجربة خلخلت السارد، الذي بدأ يبحث عن المتعة في بوجينال.
يعود إلى بيته،يظن انه شوفي من هلوساته. لكن أثناء جولة في حديقته، يرى ولأول مرة ان الكائن الخارق يصبح شيئا مرئيا.حيث يرى يدا خفية تقطف الورود... يمتلئ قلبه فزعا لهذا المنظر. فالسارد يحس شيئا فشيئا بضيقه، وانحباسه، فيفرض عليه ( الهورلا) إرادته، ورغباته، ويمتص كل طاقته. ولدى قراءته لمقال علمي حول الظواهر التبعية الجماعية بالبرازيل، يعتقد السارد أن ( الهورلا) جاء بواسطة سفينة شوهدت على نهر السين منذ ثلاثة أشهر...لذا يخطط السارد لتدمير هذا الكائن، فيلجأ إلى حرق منزله لكن هل مات ( الهورلا)؟. لا شيء مؤكد...
التصميم التفصيلي للحكاية:
تلخيص المقطع الأول: السارد يعي تدريجيا أن كائنا خفيا يعيش في بيته.
المقطع الأول يبدأ من :<< منذ 8 ماي....ياله من يوم جميل ورائع...>> إلى << وقرر الذهاب إلى باريس>>.
القراءة المنهجية للمقطع الأول:
المقدمة:
Le horla الصادرة في 1887، هي نسخة جيدة، ومتقنة، من مجموعة قصصية تحمل نفس الاسم. نشرت في 1886. نجد فيها أنا السارد / الشخصية ، والتي تعي تدريجيا بالضيق الذي يسببه لها شيء ما غريب.
وفي هذا المقطع، نرى كيف أن السارد يعي وجود كائن خفي، و يعترف بوجود قوى خفية.
1- يوم رائع وجميل:
• غناء حب: السارد يبدأ القصة بتصوير الطمأنينة، والهدوء. يوم مر بمنزله، مستلق فوق العشب الأخضر، يتأمل بانشراح النباتات، والمغروسات التي تكسو حديقة بيته، وجنبات السين.
وتكرار المدلول الفعلي ( أحب) تبين سرور السارد وبهجته. كما تبين ارتباطه بمحيطه:<< أحب هذا البلد، وأحب العيش فيها...أحب منزلي الذي كبرت فيه...>>. فوجوده في بيت أسلافه يعطيه فرحة كبيرة، حيث الحقل المعجمي للسرور والسعادة واسع جدا. ويظهر من خلال العبارات التالية:
<< يا له من يوم رائع...(...) صبحيات جميلة... كم هو جميل هذا الصباح...>>.
• مرور سفينة برازيلية:
بينما السارد ممد يتملى نهر السين من حديقته، يبصر<< قافلة من المراكب يجرها مركب جرار>>. هذا الأخير يظهر كشخصك<< يحشرج بمشقة، نافثا دخانا كثيفا>>. وبعد هذه الصورة للجرار الذي يجهد نفسه لصعود المياه، يرى السارد ظهور ثلاث صواري برازيلية، كلها بيضاء، جميلة، نقية، ولامعة. هذا المركب الذي يجر انتباه القارئ، ويترك فيه انطباعا جيدان يثير السارد، ويجعله يقول:<< أحبه...لا أعرف لماذا. مادام هذا المركب يمتعني، ويدفعني إلى رؤيته>>.
2- تأثير الكائن الغريب:
السارد الذي كان يتمتع بصحة جيدة إلى حدود 8 ماي، التاريخ الذي بدأت فيه القصة،يشعر بغضب شديد. فأياما من بعد، بدأت حالته تتدهور، وتؤثر على عقله، وبالتالي أصبح نومه متقطعا، وقليلا.
• الشعور بالتهديد: السارد ، وهو محموم يتساءل حول:<< التأثيرات الغريبة على أرواحنا... يمكن القول أن الهواء، الهواء الخفي مليء بالقوى غير المعروفة>>. فالسارد يحس فجأة انه مهدد من شيء ما. ولم يستطع تحديده. حيث إن وفرة الحقل المعجمي للخطر تبين مدى شعور السارد بالخطر:<< لذا هذا الشعور رهيب و دائم، بهذا الخطر المهدد. هذا الخوف من مصيبة...حالتي غريبة...وكلما اقترب المساء، قلق واضطراب ، وخوف يغزوني، كان الليل يخفي لي تهديدا رهيبا...>>.
مفزوع بهذا الإحساس بالخوف الذي يغزوه، السارد بدا يحلم بالكوابيس ليلا. إنه يحس أن أحدا ما يقترب منه، وانه يريد خنقه بكل قوته...
جميع العلاجات الطبية لم تخفف عنه مصابه. فالسارد يقرر أن يقوم برحلة إلى غابة رومار، ظنا منه أن الهواء النقي يحسن حاله. لكنه يغير من لهجته بسرعة:<< قشعريرة تأخذه فجأة...لا...ليس قشعريرة برودة، بلكن قشعريرة غريبة من القلق والخوف>>. لقد كان يحس أن شخصا ما يتبعه، لذا كان يلتفت وراءه كل مرة، ولكنه لا يجد أحدا.
• أحداث غير مفهومة: أثناء جولته بغابة رومار، السارد لم يفهم لماذا هو خائف:<<كنت أسرع في خطوي، مضطربا...قلقا...لأني وحيد في هذه الغابة...فزع بدون سبب، وببلادة هو سبب هذه الوحدة العميقة>>.
ويظهر انه يعرف انه تحدث له انفعالات وردود أفعال لا يتحكم فيها:<<كنت أغلق عيني...لماذا؟...وكنت ألتفت على عقبي، بسرعة مثل الخدر وف...>>.
ويعود من زيارة لجبل مونت سانت ميشيل، فتنتابه هلوساته القديمة:<<هذه الليلة، أحسست أن أحدا يتكئ علي، ويضع فمه على فمي، قم يشرب حياتي من بين شفتيه>>. فالكابوس يتحدد شيئا فشيئا. والوجود الشيطاني الذي يريد خنقه، يمتص الآن حياته، وطاقته الحياتية، تاركا ضحيته:<< ميتا من الخوف، مكسورا...ومحطما، ومبادا>>...
هذه الصورة الشيطانية التي تمثل مصاصي الدماء...( يشرب حياتي...)، وتمثل الغول، تثبت جوا من العجائبي، الذي يغنى أكثر بأحداث 5 يوليوز، حيث يستيقظ السارد جراء شعوره بالعطش. فيفاجأ بوجود قنينته فارغة...فيتساءل: هل هو يحلم. وبالتالي يريد كل من السارد، والقارئ معرفة بأي ثمن، ماذا يجري فعلا.
• تجربة اعترافية: منذرا بواسطة اختفاء الماء من القنينة، فإن السارد يبحث عن معرفة هل هو الذي قام بذلك تحت تأثير كائن<< غريب غير معروف، خفي>>. فيخضع نفسه إلى تجارب مدهشة، حيث بدأ يترك على المائدة التي قرب السرير، الماء والحليب، و<< يمسح شفتيه، ولحيته ويديه برصاص القلم>>، كي يجد الآثار إذا ما كان هو المقترف لذلك.وعندما استيقظ من نوه، وجد<< الملابس في مكان محكم الإغلاق، والقنينات نقية لا اثر لرصاص القلم بها....لكن لقد شرب كل الماء، وكل الحليب>>. فليس السارد هو الشارب بما انه لا يوجد اثر لرصاص القلم. هناك شخص آخر يعيش مع السارد، دون أن يراه هذا الأخير... فالسارد من شدة رعبه، وخوفه يقرر الذهاب إلى باريس.
3- رمزية معبرة:
هذا المرور الأول للقصة، هو موسوم بكثير من المؤثرات الممهدة، والتي تحدد وجود ( الهورلا).
• رمزية اللون الأبيض: اللون الأبيض يظهر بعد مسافة عادية في هذا المرور. ففي البداية، السارد ممدد في حديقة بيته، يرى مركبا رائعا قادما على نهر السين. مركب برازيلي بثلاث صواري، نقي ولماع. وفي نهاية المرور الشيء الخفين والذي يحاول خنقه، ومص حياته، وطاقته، يشرب أيضا الحليب الأبيض. فاللون الأبيض يظهر انه يجسدن ويمثل الخطر.
• رمزية اللون الأحمر: في قافلة المراكب التي تعبر السين، السارد أبصر:<< زورقين إنجليزين، علمهما احمر يرفرفان في السماء>>. فالأحمر رمز للخطر، ويعلن بالفعل وصول العدو الغازي على السفينة البيضاء. إن اللون الأحمر يظهر أنه يوظف إذن كعلامة معلنة عن الخطر.
• رمزية الأسطورة: محاولة من السارد التخلص من همه، وعذابه، دفعه إلى القيام برحلة إلى مونت سان ميشيل. وحكاية الأسطورة المحكية من طرف الراهب، تلعب دورا هاما. فمن جهة ، إنها تساهم في تثبيت الغرائبي والعجائبي في النص، ومن جهة ثانية، فإنها تقرن وتعترف بوجود قوة خفية. فشك الراهب، وصوره الحكيمة، تعطي كل الأهمية لهذه المرحلة الأولى من حيث التساؤل حول قوانين الواقع.
• الخلاصة:
في هذا المقطع الأول من القصة، القارئ يقف على التطور التدريجي لأنا السارد/ الشخصية. هذا الأخير يدرك وجود كائن خفين والذي يمتلك شيئا فشيئا كيانه،ويمتص حياته، ويشرب حليبه، ويحاول خنقه أثناء نومه.
ومفارقة، أن المشهد يبين سخرية وتراجيدية الموقف، حين يحيي السارد وبكل سرور مقدم مركب عدوه:<< أحييه... لا اعرف لماذا؟...بما أن هذا المركب تسرني رؤيته>>. فالسارد يحيي وصول من سيمتلكه، ويسيطر عليه.
تلخيص للمقطع 2: السارد يستقر بباريس، يحضر تجربة في التنويم المغناطيسي ... مضطربا يقرر العودة إلى بيته.
يبدأ المقطع الثاني من :<< منذ 12 يوليوز، باريس...لقد فقدت عقلي في الأيام الأخيرة(...) إلى، 21 يوليوز سأعود إلى بيتي الأسبوع المقبل>>..
إن الزيارة لباريس سمحت للسارد بالتعافي...افتراضاته في الأسبوع المنصرم مرت كلها خاطئة:<< بين الزحام، وتدافع الجموع، فكرت في خطأ رعبي، وفي افتراضاتي السابقة، التي كانت في الأسبوع المنصرم>>. ويشعر بالأمن، فيتجول السارد في يوم 14 يوليوز، يوم عيد الجمهورية. ينتقد الشعب ورؤساءه، حيث يجد:<< هذا الحيوان القوي الفرح، في تاريخ محدد، بواسطة مرسوم حكومي>>.، يتناول عشاءه عند قريبته السيدة سابلي. السارد يلتقي عندها بالدكتور بارانت، اختصاصي في الأمراض العصبية(...)، والتجارب المذهلة التي حصل عليها العلماء الإنجليز، وأطباء مدرسة نانسي...
لقد أكد أن أبحاث الدكتور الألماني ميسمر حول المغناطيسية الحيوانية، قد ساعدت كثيرا العلم. وان هذه التقدمات ستلغي أكثر وأكثر الاعتقاد بالخوارق، وأيضا حتى الاعتقاد في الله...
وللتغلب على شكية مستمعيه، قتم الدكتور بارانت بتنويم السيدة سابلي، وقد أعطاها بطاقة قائلا لها أنها تمسك في يدها مرآة...وبالنظر إلى هذه البطاقة، تمكنت من وصف أشياء، لا يمكن رؤيتها. كما طلب منها أيضا أن تذهب في الغد لتقدم إلى قريبها مبلغا كبيرا من المال. السيدة سابلي نفذت بالحرف ما طلب منها الدكتور بارانت.
لم يتمكن السارد من إفهامها أنها تحت تأثير التنويم، فلم يجد بدا من إخبار الدكتور بارانت، هذا الأخير الذي نوم ثانية السيدة سابلي ليلغي الأمر الصادر سابقا للعجوز.وبعدما استيقظت، قدم لها السارد المبلغ المحصل، لكن السيدة سابلي:<<ظنت أنه يسخر منها، وغضبت في الأخير>>. وأمام اضطرابه بعد هذه التجربة،يتعشى السارد في بوجيفال، ويقضي الليلة بحفلة الرقص بكانوتيي...ويستنتج أن المحيط له تأثير كبير في شرح الأحداث التي مرت به، فيقرر العودة إلى بيته الأسبوع المقبل.
القراءة المنهجية للمقطع الثاني:
المقدمة:
الأيام التي قضاها السارد باريس، سمحت له اخذ تأجيلات بسبب هواجسه السابقة. وعندما أحس يتحسن حله، بدا يقضي وقته في زيارة المدينة... وأثناء تناوله العشاء عند قريبته السيدة سابلي، يلتقي بالدكتور برانت، ويحضر تجربة في التنويم المغناطيسي.
1- تحسن الحال بباريس:
وساطة باريس يظهر أن لها تأثيرا جيدا على السارد، حيث تحرر من مخاوفه، ومن لبسه من طرف كائن خفي. فقضى أياما سعيدة.
• الغم المتغلب عليه: ما عن كان بباريس حتى شعر السارد أنه قد تخلص، وتحرر من مخاوفه القديمة. وعندما حلل حالته بكل وضوح، اعتقد أنه كان لعبة لخياله، أو وقع تحت تأثير ما يسمى ب( الإيحاء). فاستنتج إذن أن <<ذعره بدأ يمس الجنون... وأن أربع وعشرين ساعة بباريس كانت كافية لوضعه في شبه راحة>>. وعندما استشعر سعادته، بدأ يتراجع عن اعتقاداته في مواقفه السابقة، ويسخر من تفكيره، عوض الاستنتاج بهذه الكلمات البسيط:<< لا أفهم...لأن السبب يهرب مني...نحن نتخيل بسرعة خرائب مفزعة، وقوى خارقة>>... هذه غمزة للقارئ من خلال انحراف وميل الضمير ( نحن)، ذات القيمة المغلقة، التي تجعل من خطأ السارد، خطا الإنسان عامة.
• الزيارات الشافية: السارد يحارب الوحدة التي يدينها:<< عندما نكون لوحدنا طويلا، فإننا نسكن فراغ الأشباح>>...وأمام هذا ، كان يضاعف من الأنشطة الاجتماعية. فكان يقوم بالزيارات، ويقضي الأمسيات بالمسرح الفرنسي.
الزحام، والاختلاط بالناس يطمئنهن ويجعله يشعر بالأمان. كما أن اجتماعه مع بني جنسه، يقويه، وينسيه قلقه وهمه... وعندما حضر عشاء عند قريبته السيدة سابلي، فإن السارد تعرف على الدكتور برانت، وعلم من خلال كلام هذا الأخير، وحكايته، أن تقدم العلم بدأ يدمر شيئا فشيئا الاعتقاد في الخوارق والغيبيات.
2- استراتيجية التوقع:
الفائدة الأساس لهذا المقطع، تكمن في الفعل الذي يتضمن الحلقات التي تؤسس لتمثيل الاختزال داخل القصة.
• عيد 14يوليوز: السارد ينتقد بطريقة مرة، الروح الوديعة، والساذجة للشعب، ويتهكم من التحكم في زمامه من طرف حاكميه. إذ إنه وجد<< أنهم بطريقة حيوانية يفرحون في تاريخ محدد بمرسوم حكومي>>... وامتد نقده اللاذع إلى المسيرين، الذي نعتهم بالأغبياء، وان لهم مبادئ مخالفة لقوانين العالم.
أهمية العيد الجمهوري، يكمن في الفعل الذي يتصور مسبقا، وهو خضوع إرادة السارد إلى الكائن الذي سيسيطر عليه تماما في نهاية القصة.
• برهنة التنويم المغناطيسي: التنويم المغناطيسي الذي خضعت له السيدة سابلين سمح برؤية كيف يمكن السيطرة على إرادة آخرين. فالخضوع الذي تم من خلال الأمر الذي توصلت به، والقيام بفعل العرافة، وقراءة الغيب. فإن السيدة سابلي رأت على بطاقة صورة غير موجودة لقريبها...فوجدت نفسها أنها مجبرة على الكذب عليه للبرهنة ن والتدليل على القرض المالي. وكما أسلفنا، فإن السيطرة على إرادتها تصور مسبق لإرادة قريبها، التي سيطر عليها الهورلا.
3- الخارقي والعجائبي الممتص:
العجائبي الذي يسبح في القصة من بدايتها، بدأ ينمحي.
• شرح علمي: الاكتشافات العلمية المروية في حكايات الدكتور برانت، بالإضافة إلى برهنته، تبين التقدم العجيب للتجارب حول التنويم المغناطيسي، والإيحاء. وقد استطاع الدكتور إقناع سامعيه بواسطة حجة دامغة. لقد انتصر برانت على نزعة الشك. أولا السارد كان لا يثق ولا يصدق، وفي الأخير اقتنع:<< هل تصدق الآن؟...نعم، ينبغي ذلك.>>
• توقع في النهاية: السارد قبل كل شيء كان رافضان وفي الأخير استسلم. وقبل بسلطة العلم. تسليمه هذا واستسلامه وقبولهن تصور مسبق لقبول نهائي بوجود الهورلا.
تلخيص المقطع الثالث:
المظاهر المادية للكائن الخفي الهورلا، ومحاولة السارد قتله.
ويبدأ المقطع الثالث من :<< منذ 30يوليوز، عدت منذ أمس إلى منزلي. كل شيء على ما يرام(...). 10 شتمبر...لا...لا... بدون شك... بدون شك...إنه لم يمت... إذن... إذن... يجب أن أقتل نفسي !!...>>
عندما عاد السارد إلى بيته، أحس بالتحسن. لكنه أثناء نزهة في جو مشمس داخل حديقته المنزلية، حيث شجيرات الزهر، أبصر الكائن الغريب يظهر: يد خفية تقطف زهرة، وتقربها من فمه. ساعتها أصبح وجود الكائن الخفي يقينا...
وفي الغد بدأ السارد يتساءل: هل هو مجنون:<< ألا يمكن أن يكون جزء من مخه مشلولا؟>>. وعندما كان يتجول قرب ضفة النهر، أحس بشعور غريب يدفعه بالإسراع بالعودة إلى بيته.
الأيام الموالية لا مظاهر للكائن الخفي. لكن السارد يحس بوجوده الخفي، والدائم. فقد أصبح يحس شيئا فشيئا أن الكائن الخفي يسيطر عليه أكثر وأكثر.
فالسارد لم يبق له أي سلطة.إنه يشعر أن الكائن الخفي يملي عليه تصرفاته، وهو يطيع ويلبي، ويطبق. وقد استطاع رغم ذلك الهروب إلى روين. واستعار من المكتبة دراسة الدكتور هيرمان هوريستوس حول الساكنة المجهولة للعالم القديم والحديث، وأحس أنه أخذ ثانية من طرف الكائن الخفي....
ويقرأ كتاب الدكتور هيرمان هوريستوس ليلا. يأخذه النعاس، وعندما استيقظ لاحظ أن أوراق الكتاب تقلب لوحدها. حينها تيقن أن الكائن الخفي موجود أمامه، وهو يتصفح الكتاب. فينطلق بدون جدوى لقتله.
لاحظ هروبه. فاستنتج السارد أنه خاف منه...كما أنه بعد قراءة مقال البروفيسور دون بيدرو هنريكيز حول حالة جنون جماعي، ربط بين المركب البرازيلي الذي أبصره بالسين منذ ثلاثة أشهر، ومجيء الكائن الجديد. وبالتفكير في هذا الأخير، استنتج بعد مجموعة من العلامات المؤشرة، أن حكم وسيادة الهورلا قد وصل. هذا الأخير سيراقب ويسيطر على الروح الإنسانية التي ستصبح عبدا له.
فتوجد إذن كائنات أخرى. والتي يعجز الإدراك الكامل للإنسان تحديدها، وتحديد هويتها... وبما أنه قرر قتل الكائن الجديد، فإن السارد نصب له فخا. وأمام عجزه في الوصول إليه، ذعر لما وجد صورته تختفي في المرآة،وظنا أنه سجين في غرفته، أشعل السارد النار في بيته ليدمر الهورلا... لكنه لم يكن متيقنا من موته.
القراءة المنهجية للمقطع الثالث:
التقديم: السارد أصبح متيقنا أكثر من أي قبل، بوجود الكائن الخفي: ومن خلال المظاهر الخارقة، خدع الكائن الخفي وجوده، حيث أعلن عن اسمه الهورلا... وقد سيطر على إرادة السارد، وأصبح يملي عليه تصرفاته... لقد سيطر عليه نهائيا...ويثور السارد، فيقرر قتل الكائن الخفي.
1- التيقن من أن الكائن الخفي موجود فعلا:
لقد أصبح السارد متيقنا من خلال الحجج الدامغة التي جربها، على وجود كائن خفي/ قرينه معه.
• مظاهر الكائن الخفي: لقد كان الكائن الخفي( القرين)، وجوده في هذا المقطع. فكلما شعر السارد بتحسن، وبأنه تعافى من غمه، إلا ويثور الكائن الخفي، ويجعله يشك في يقينه... وأثناء نزهة في جنينة أزهاره، رأى السارد يدا تقطف وردة، وتقربها من فمه:<<إني أرى...أرى بوضوح...بالقرب مني عود أزهار ينثني، كأن يدا خفية تثنيه، ثم ينكسر، كان هذه اليد تقطفه>>. وفي مرة أخرى ، كان يقرأ كتاب الدكتور هرمان هوريستوس، فأخذته غفوة، وعندما استيقظ لاحظ أن الأوراق تقلب لوجدها:<< إنني أرى...أرى...نعم أرى بأم عيني، صفحة أخرى ترتفع وتقلب نحو سابقتها...كان أصبعا يتصفحها>>.... وفي مرة أخرى أيضا، وضع السارد فخا للقبض على الكائن النفي( القرين)، فتفاجأ عندما لم ير صورته معكوسة في المرآة:<< إنني أرى كأنني في يوم مشرق، ورغم ذلك لا أراني على المرآة !! إنها فارغة ... واضحة ... عميقة ... مليئة بالضوء ... صورتي لا توجد بها ... وكنت وجها لوجه معي>>.
هذه التمظهرات المتتابعة، والمتسلسلة للقرين/ الكائن الخفي، زعزعت السارد، وأغرقته في الشك والقلق ن والغم...
• غم السارد وحزنه: كل مرة يظهر فيها القرين/ الكائن الخفي، فإن خوفا كبيرا يغزو السارد. والحقل المعجمي للغم والكمد يبقى متطورا في هذا المقطع:<<ولهان- وله- الروح مضطربة(...)- وانظر هذا بعينين مرعوبتين- ولم أستطع فعل أي حركة>>.
• اسم القرين/ الكائن الخفي: الهورلا: الكائن الجديد يصرخ باسمه، والسارد يكتبه. الكائن الخفي يسمى ب( الهورلا)... غرائبية اسمه تعكس غرائبية شخصيته...مادته خفية. لم يشاهد بالمكان الذي يتمظهر فيه. إنه( Hors là).
• مسكون بالهورلا: الهورلا مخيف جدا...إنه يعلن سيطرة كائن جديد،يستعبد الإنسان، ويجعل منه عبدا وتابعا له،
• مراقبة وتملك السارد: كلما أقر السارد وجود الهورلا، إلا وأحس أن سيطرته على نفسه تسلب منه...إن هذه القوة الغريبة أكثر سيطرة عليه....فمفهوم الاحتواء، والسيطرة واللبس محلل جيدا:<< قوة... كما يظهر لي...قوة خفية...تثقلني...توقفني...تمنعني من الذهاب بعيدا(...)سأعود رغما عني(...) كل يوم أريد الرحيل، لم أتمكن(...) ليست لي أي قوة...أية شجاعة...أي سيطرة على نفسي...أي سلطة لأحرك إرادتي(...)...آخر يملي علي تصرفاتي...وأنا أطيع(...)، هناك من يسكن روحي...ويوجهها>>.
• وصول الهورلا بواسطة المركب البرازيلي: ربطا بظاهرة الجنون الجماعي بريو دي جانيرو، ووصول المركب البرازيلي الذي كان يعبر مياه السين منذ ثلاثة أشهر، يستنتج السارد أن القرين/ الكائن الخفي جاء على ظهر هذا المركب. ولنتذكر أن المركب كان ابيض مثل منزل السارد. فالأبيض يصور مسبقا الهورلا، ويقدمه:<< آه...آه...إنني أتذكر...تذكرت المركب البرازيلي الجميل ذي الصواري الثلاث، والذي كان يمر تحت نوافذي...عابرا نهر السين...يوم 8 ماي المنصرم ... لقد وجدته جميلا ... أبيض ... مبهجا ... الكائن كان متنه، قادم من هناك...حيث بني جنسه... وقد رآني... رأى مسكني الأبيض أيضا... وقفز من المركب نحو الضفة.
• الهورلا: منقذ- مدمر: وتحت سيطرة الكائن الجديد، يتساءل السارد إذا لم يكن الهورلا إلها:<< يا إلهي...هل هو إله؟...إذا كان...خلصني...أنقذني...أغثني...>>. قم يستنتج:<< والآن أنا أعرف، أفكر...حكم وعهد الإنسان انتهى>>. لقد عوض بحكم الهورلا....هذا الأخير يعلن من خلال صور إنجليكية انه المنقذ:<< لقد جاء... يا إلهي ... تبا لنا جميعا>>... لم يأت لمساعدة الإنسان،وإنقاذه. لقد جاء لتدميره،واستعباده.
3- سخرية مأساوية:
مغموما ومفزوعا بسب شعوره بان كائنا خفيا يعيش معه،جعل السارد يتيقن من ذلك من خلال مجموعة من الظواهر الخارقة. فيثور لهذا الوضع، ويقرر قتل الهورلا.
• المحاولات والتي كانت سدى ،للهروب والثورة: أيقن السارد بوجود الهورلا، وعرف سيطرته عليه،ولبسه له. وبأنه أصبح منقادا له، وأن كل محاولاته للهرب والثورة باءت بالفشل... فكيف له أن يثور ضد من يملي عليه تصرفاته؟.
• مشروع كتابة مطلوبة: إذا كانت سيطرة الهورلا على إرادة السارد، فغن مشروع كتابة القصة كان مطلوبا ومرغوبا من طرفه...فشكل اليومية أو المذكرة سيطر إذن على كل اهتمامه. فالمركب البرازيلي الذي كان على متنه الهورلا، والذي كان يعبر السين في 8 ماي، التاريخ الذي يوقع بداية القصة.
• انقلاب الوضعية: ورغبة منه في قتل الهورلا، أضاع السارد الكثير... من جهة لا شيء يبرهن على أن الكائن الجديد قد مات. ومن جهة أخرى لقد أضاع بيت أسلافه، بإشعال النار فيه...للأسف، لقد أصبح في وضعية غير ثابتة،ومؤقتة. لقد أصبح مكتريا بفندق كونتينانتال بروين.
• الخاتمة: هذا المقطع، يبقى هو الأهم. فالسارد بعد كثير من الترددات، ينتهي بقبول وجود الهورلا، هذا الأخير الذي خان سريته، وفضح وجوده بهذه الظواهر الخارقة...
مسكون بواسطة هذا القرين، الذي يسيطر عليه، ويجعله منقادا له...حاول السارد قتله بدون جدوى. فلم يجد بدا من إشعال النار في بيته ليتخلص منه، ولكنه ليس متيقنا من موت الهورلا...
بيبليوغرافيا
- Castexe, J- P : Le conte fantastique en France de Nodier à Maupassant, José- conti, 1951 .
-Todorov,Tazvatan :Introduction à la littérature fantastique ; seuil , Paris , 1976 .
1- غي دو موباسان:
غي دو موباسان من مواليد 1850، بشاطو دو ميروميسميل، قرب دييب بنورماندي. توفي اخوه( هيرفي) بدار الصحة في السن الثالثة والثلاثين. وبعد فراق والديه سنة 1860، استقر مع أمه وأخيه ب – أوتروتا) . تلقى تعليمه بليسي الامبريالي نابوليون، ثم بالمعهد إيكيلزياستيك ل ( إيفيتو).
نتائجه كانت مضطربة، هوايته الحقيقية كانت هي الماء. فقي سنة 1866 أنقذ من الغرق ب( أوتروتا) الكاتب الإنجليزي : شارلز. أ. سونيوبرغ. وبالتالي أصبح يمارس رياضة الزوارق، والتجديف، وانضم إلى نادي (guingnettes)، حيث كان يقضي وقته بالسين.
وبين 1872 و 1880 بدا يعد مستقبله الروائي، فقد كان فلوبير يوجه جهوده، ويلاقيه بالروائيين المنتمين للمدرسة الطبيعية، والواقعية( زولا- هايسمانس). وقد أصيب غي دوموباسان بالزهري في 1878، فبدأ يعاني من آلام الرأس، وبدأت صحته تتدهور.
كان لوفاة فلوبير في 8 ماي 1880، الوقع الشديد على نفسية موباسان. وهذا دفعه إلى إبداع قصته( Boule de suif)، وقد نشر من 1880 إلى 1891 حولي 300 قصة، والتي منها (la parure) و(le horla). وقد انتقل إلى كتابة الرواية فأصدر(Une vie) في 1883، و(Bel Ami) في 1885، و(Mont Orid) في 1887.
كما أن اضطراباته العصبية منعته من إكمال روايته(L’Angélus). وبعد محاولة انتحار فاشلة بنيس، يدخل مصحة الدكتور بلانس، حيث مات فيها في 6 يوليوز 1893..
2- شكل الكتابة: اليومية/ المذكرة:
كما يدل على ذلك اسمها ، فاليومية تسجل يوما بعد يوم الأحداث اليومية، أي إنها كتابة يومية للأحداث والانطباعات. فقد كان يحكي كل ما يجري في حياة المحررين، وأيضا ما يجري في نفسهن وفي علاقاته مع محيطه.
إن هذه الكتابة تمثل نوعا من الاعتراف، والإقرار.واليومية هي نوع من إفشاء لأسرار،وشكوك كاتبها... لا تخضع لأي
قانون.
إنها مرتبطة بوصاية، وإبداع المؤلف. وهذا الأخير يمكن أن يكون صادقا في كتاباته، أو متخيلا لها... موضوعيا في طرحه، أو مبالغا فيه...أو متجاوزا عن كثير من الأحداث.
واليومية لا تكتب للنشر. والكاتب عندما يلجأ إلى مثل هذه الكتابة، فإنه يستجيب لحاجة، ويضع ضميره في امتحان..أو يقوم باستيداع وخزن كتابة التعابير، والأحداث التي يمكن نسيانها.
ففي قصته(le horla)، موبسان يتبنى شكل كتابة اليومية. وذلك بجمع انطباعاته اليومية يوما بعد يوم. منذ 8 ماي إلى 10 شتمبر.
السياق الثقافي العام:
موبسان يستوحي في كثير من قصصه، الأحداث المتنوعة اللحظية. وبالنسبة ل ( le horla)، فقد احتوت على تيمات متنوعة، عفوية، مثل الجنون، والتنويم المغناطيسي، متابعا عن قرب النجاح الكبير الذي عرفته الدراسات حول الأمراض العصبية، التي كان يشرف عليها الدكتور شاركو....
إن موبسان يطور تيمة الرعب ، ويجعلها من الخوارق في قصته (le horla).
الغرائبي والعجائبي:
عندما يجنح الطبيعي نحو الغرائبي، فإن القارئ يتردد بين منطق عقلاني ن وتفسير لا واقعي.ولحظة التردد هذه،تكون العجائبي والغرائبي.
فعند تودوروف، العجائبي:<< يشغل زمان هذا الارتياب>>. فالعجائبي يمكن أن يقرأ كرد فعل ضد العقلانية مع كتاب ، مثل :فيليبي دو ليزل أدام ( القرن 19)، والذي أعلن الحرب على العلمية في كتاباته.
فالعجائبي يأخذ أحداث المجتمع في القرن العشرين، نع نجاحات الفلكيين، والعرافين. فهو يمكن أن يترجم اضطرابا داخليا لدى الكاتب،كما عند دوبوDe poe، الذي غرق في الكحولية. ودوموباسان الذي تأثر بحرب 1870، وبالمحتل البروسي.
والعجائبي في هذه الحالات الأخيرة يساعد الكتاب على التحرر من قلقهم.
والتيمات التي يعالجها العجائبي، هي بين: ( التعاقد مع الشيطان، كما في فاوست)- المرأة الشبح ( الشيطان المحب)- تيمة الازدواج( الحالة الغريبة للدكتور جيكلي و م. هايد)، أو الشيء(الهورلا)).
عجائبي موباسان:
يلعب موباسان دورا أساسيا في تجديد العجائبي، فقد كان قويا في الأحداث الشخصية المتعلقة بحياته. وكان قويا أيضا في المواضيع الهامة المرتبطة بزمانه. لقد كان ينتحل النماذج التي يوظفها، ويستعملها. لقد كان شديد الاهتمام بالأمراض العقلية، وبالتنويم المغناطيسي، وبالاكتشافات العلمية.
فقد كان يدمج هذه التجارب في كتاباته. كما انه استفاد من تجاربه الخاصة، وعمل على توظيفها، مثل جنون أخيه الأصغر ( هيرني)، واضطرابه العقلي.
العنوان وعجائبيته:
(الهورلا)هو اسم أطلق من طرف الكائن الجديد ليقدم نفسه، ويظهر أنه يشير للسارد الشخص الذي يعيش هنا (là)،خارج (hors)، يتعايش مع أنا السارد، الشخصية. إنه يمثل الكائن الجديد، الذي لا يخاف لا التقهقر، ولا الانحلال، ولا التدمير. إنه كائن خفي، قوي، يدرك بواسطة الحواس كاملة. إنه كائن شفاف:<< جسد مجهول،إنه روح، وشبح>>.
الشخصيات:
- أنا: تمثل الشخصية الساردة.
- سائق السارد.
- خدم السارد.
- السيدة سابلي: قريبة السارد.
- زوج السيدة سابلي: قائد فرقة القناصة رقم 76 بليموجز.
- الدكتور برانت: طبيب مهتم كثيرا بالأمراض النفسية ، والعصبية، والخوارق. يمارس التنويم المغناطيسي، والبارانورمال.
- الهورلاle horla: الكائن الجديد. إنه كائن خفي لا يرى. وجوده خفي،ثابت. يعلن وجوده عن طريق ظواهر خارقة.
تلخيص للقصة:
Le horlaهي أول نص لموباسان في المجموعة (le recueil) ( 1850- 1893). وهي على شكل مذكرة أو يومية. فالسارد يبدأ بالحكي عن شعوره بخطر يحدق به...ومن شدة فزعه، يحلم بكابوس كل ليلة، حيث يرى في كابوسه كائنا يأتي لخنقه. الشيء الذي دفع به إلى البحث عن علاج له في الطب، والسفر. فيرحل إلى مونت سانت ميشيل. وعندما يعود إلى بيته يعاوده الكابوس المرعب ثانية. فيتأكد السارد بأن الكائن الخارق يشرب الماء ، والحليب أثناء نومه المضطرب، والمتقطع.
يرحل السارد إلى باريس،حيث إن زياراته الباريزية ساهمت في نسيانه هذه الكوابيس، والهلوسات.
ويحضر عشاء عند قريبة له. فيتعرف السارد على الدكتور بارانت، وهو اختصاصي في التنويم المغناطيسي. هذا الأخير يعلن أن الاكتشافات العلمية الجديدة، ستدمر الاعتقادات بالخوارق، ومن جملتها الاعتقاد بالله.
ولإظهار براعته، يخضع قريبته لتجربة التنويم المغناطيسي، ويطلب منها أن تقرض قريبها مالا في صباح الغد، ويوقظها بعد ذلك. القريبة تنفذ الأمر في صبيحة الغد. وكان لزاما تدخل الدكتور بارانت لإلغائه.
هذه التجربة خلخلت السارد، الذي بدأ يبحث عن المتعة في بوجينال.
يعود إلى بيته،يظن انه شوفي من هلوساته. لكن أثناء جولة في حديقته، يرى ولأول مرة ان الكائن الخارق يصبح شيئا مرئيا.حيث يرى يدا خفية تقطف الورود... يمتلئ قلبه فزعا لهذا المنظر. فالسارد يحس شيئا فشيئا بضيقه، وانحباسه، فيفرض عليه ( الهورلا) إرادته، ورغباته، ويمتص كل طاقته. ولدى قراءته لمقال علمي حول الظواهر التبعية الجماعية بالبرازيل، يعتقد السارد أن ( الهورلا) جاء بواسطة سفينة شوهدت على نهر السين منذ ثلاثة أشهر...لذا يخطط السارد لتدمير هذا الكائن، فيلجأ إلى حرق منزله لكن هل مات ( الهورلا)؟. لا شيء مؤكد...
التصميم التفصيلي للحكاية:
تلخيص المقطع الأول: السارد يعي تدريجيا أن كائنا خفيا يعيش في بيته.
المقطع الأول يبدأ من :<< منذ 8 ماي....ياله من يوم جميل ورائع...>> إلى << وقرر الذهاب إلى باريس>>.
القراءة المنهجية للمقطع الأول:
المقدمة:
Le horla الصادرة في 1887، هي نسخة جيدة، ومتقنة، من مجموعة قصصية تحمل نفس الاسم. نشرت في 1886. نجد فيها أنا السارد / الشخصية ، والتي تعي تدريجيا بالضيق الذي يسببه لها شيء ما غريب.
وفي هذا المقطع، نرى كيف أن السارد يعي وجود كائن خفي، و يعترف بوجود قوى خفية.
1- يوم رائع وجميل:
• غناء حب: السارد يبدأ القصة بتصوير الطمأنينة، والهدوء. يوم مر بمنزله، مستلق فوق العشب الأخضر، يتأمل بانشراح النباتات، والمغروسات التي تكسو حديقة بيته، وجنبات السين.
وتكرار المدلول الفعلي ( أحب) تبين سرور السارد وبهجته. كما تبين ارتباطه بمحيطه:<< أحب هذا البلد، وأحب العيش فيها...أحب منزلي الذي كبرت فيه...>>. فوجوده في بيت أسلافه يعطيه فرحة كبيرة، حيث الحقل المعجمي للسرور والسعادة واسع جدا. ويظهر من خلال العبارات التالية:
<< يا له من يوم رائع...(...) صبحيات جميلة... كم هو جميل هذا الصباح...>>.
• مرور سفينة برازيلية:
بينما السارد ممد يتملى نهر السين من حديقته، يبصر<< قافلة من المراكب يجرها مركب جرار>>. هذا الأخير يظهر كشخصك<< يحشرج بمشقة، نافثا دخانا كثيفا>>. وبعد هذه الصورة للجرار الذي يجهد نفسه لصعود المياه، يرى السارد ظهور ثلاث صواري برازيلية، كلها بيضاء، جميلة، نقية، ولامعة. هذا المركب الذي يجر انتباه القارئ، ويترك فيه انطباعا جيدان يثير السارد، ويجعله يقول:<< أحبه...لا أعرف لماذا. مادام هذا المركب يمتعني، ويدفعني إلى رؤيته>>.
2- تأثير الكائن الغريب:
السارد الذي كان يتمتع بصحة جيدة إلى حدود 8 ماي، التاريخ الذي بدأت فيه القصة،يشعر بغضب شديد. فأياما من بعد، بدأت حالته تتدهور، وتؤثر على عقله، وبالتالي أصبح نومه متقطعا، وقليلا.
• الشعور بالتهديد: السارد ، وهو محموم يتساءل حول:<< التأثيرات الغريبة على أرواحنا... يمكن القول أن الهواء، الهواء الخفي مليء بالقوى غير المعروفة>>. فالسارد يحس فجأة انه مهدد من شيء ما. ولم يستطع تحديده. حيث إن وفرة الحقل المعجمي للخطر تبين مدى شعور السارد بالخطر:<< لذا هذا الشعور رهيب و دائم، بهذا الخطر المهدد. هذا الخوف من مصيبة...حالتي غريبة...وكلما اقترب المساء، قلق واضطراب ، وخوف يغزوني، كان الليل يخفي لي تهديدا رهيبا...>>.
مفزوع بهذا الإحساس بالخوف الذي يغزوه، السارد بدا يحلم بالكوابيس ليلا. إنه يحس أن أحدا ما يقترب منه، وانه يريد خنقه بكل قوته...
جميع العلاجات الطبية لم تخفف عنه مصابه. فالسارد يقرر أن يقوم برحلة إلى غابة رومار، ظنا منه أن الهواء النقي يحسن حاله. لكنه يغير من لهجته بسرعة:<< قشعريرة تأخذه فجأة...لا...ليس قشعريرة برودة، بلكن قشعريرة غريبة من القلق والخوف>>. لقد كان يحس أن شخصا ما يتبعه، لذا كان يلتفت وراءه كل مرة، ولكنه لا يجد أحدا.
• أحداث غير مفهومة: أثناء جولته بغابة رومار، السارد لم يفهم لماذا هو خائف:<<كنت أسرع في خطوي، مضطربا...قلقا...لأني وحيد في هذه الغابة...فزع بدون سبب، وببلادة هو سبب هذه الوحدة العميقة>>.
ويظهر انه يعرف انه تحدث له انفعالات وردود أفعال لا يتحكم فيها:<<كنت أغلق عيني...لماذا؟...وكنت ألتفت على عقبي، بسرعة مثل الخدر وف...>>.
ويعود من زيارة لجبل مونت سانت ميشيل، فتنتابه هلوساته القديمة:<<هذه الليلة، أحسست أن أحدا يتكئ علي، ويضع فمه على فمي، قم يشرب حياتي من بين شفتيه>>. فالكابوس يتحدد شيئا فشيئا. والوجود الشيطاني الذي يريد خنقه، يمتص الآن حياته، وطاقته الحياتية، تاركا ضحيته:<< ميتا من الخوف، مكسورا...ومحطما، ومبادا>>...
هذه الصورة الشيطانية التي تمثل مصاصي الدماء...( يشرب حياتي...)، وتمثل الغول، تثبت جوا من العجائبي، الذي يغنى أكثر بأحداث 5 يوليوز، حيث يستيقظ السارد جراء شعوره بالعطش. فيفاجأ بوجود قنينته فارغة...فيتساءل: هل هو يحلم. وبالتالي يريد كل من السارد، والقارئ معرفة بأي ثمن، ماذا يجري فعلا.
• تجربة اعترافية: منذرا بواسطة اختفاء الماء من القنينة، فإن السارد يبحث عن معرفة هل هو الذي قام بذلك تحت تأثير كائن<< غريب غير معروف، خفي>>. فيخضع نفسه إلى تجارب مدهشة، حيث بدأ يترك على المائدة التي قرب السرير، الماء والحليب، و<< يمسح شفتيه، ولحيته ويديه برصاص القلم>>، كي يجد الآثار إذا ما كان هو المقترف لذلك.وعندما استيقظ من نوه، وجد<< الملابس في مكان محكم الإغلاق، والقنينات نقية لا اثر لرصاص القلم بها....لكن لقد شرب كل الماء، وكل الحليب>>. فليس السارد هو الشارب بما انه لا يوجد اثر لرصاص القلم. هناك شخص آخر يعيش مع السارد، دون أن يراه هذا الأخير... فالسارد من شدة رعبه، وخوفه يقرر الذهاب إلى باريس.
3- رمزية معبرة:
هذا المرور الأول للقصة، هو موسوم بكثير من المؤثرات الممهدة، والتي تحدد وجود ( الهورلا).
• رمزية اللون الأبيض: اللون الأبيض يظهر بعد مسافة عادية في هذا المرور. ففي البداية، السارد ممدد في حديقة بيته، يرى مركبا رائعا قادما على نهر السين. مركب برازيلي بثلاث صواري، نقي ولماع. وفي نهاية المرور الشيء الخفين والذي يحاول خنقه، ومص حياته، وطاقته، يشرب أيضا الحليب الأبيض. فاللون الأبيض يظهر انه يجسدن ويمثل الخطر.
• رمزية اللون الأحمر: في قافلة المراكب التي تعبر السين، السارد أبصر:<< زورقين إنجليزين، علمهما احمر يرفرفان في السماء>>. فالأحمر رمز للخطر، ويعلن بالفعل وصول العدو الغازي على السفينة البيضاء. إن اللون الأحمر يظهر أنه يوظف إذن كعلامة معلنة عن الخطر.
• رمزية الأسطورة: محاولة من السارد التخلص من همه، وعذابه، دفعه إلى القيام برحلة إلى مونت سان ميشيل. وحكاية الأسطورة المحكية من طرف الراهب، تلعب دورا هاما. فمن جهة ، إنها تساهم في تثبيت الغرائبي والعجائبي في النص، ومن جهة ثانية، فإنها تقرن وتعترف بوجود قوة خفية. فشك الراهب، وصوره الحكيمة، تعطي كل الأهمية لهذه المرحلة الأولى من حيث التساؤل حول قوانين الواقع.
• الخلاصة:
في هذا المقطع الأول من القصة، القارئ يقف على التطور التدريجي لأنا السارد/ الشخصية. هذا الأخير يدرك وجود كائن خفين والذي يمتلك شيئا فشيئا كيانه،ويمتص حياته، ويشرب حليبه، ويحاول خنقه أثناء نومه.
ومفارقة، أن المشهد يبين سخرية وتراجيدية الموقف، حين يحيي السارد وبكل سرور مقدم مركب عدوه:<< أحييه... لا اعرف لماذا؟...بما أن هذا المركب تسرني رؤيته>>. فالسارد يحيي وصول من سيمتلكه، ويسيطر عليه.
تلخيص للمقطع 2: السارد يستقر بباريس، يحضر تجربة في التنويم المغناطيسي ... مضطربا يقرر العودة إلى بيته.
يبدأ المقطع الثاني من :<< منذ 12 يوليوز، باريس...لقد فقدت عقلي في الأيام الأخيرة(...) إلى، 21 يوليوز سأعود إلى بيتي الأسبوع المقبل>>..
إن الزيارة لباريس سمحت للسارد بالتعافي...افتراضاته في الأسبوع المنصرم مرت كلها خاطئة:<< بين الزحام، وتدافع الجموع، فكرت في خطأ رعبي، وفي افتراضاتي السابقة، التي كانت في الأسبوع المنصرم>>. ويشعر بالأمن، فيتجول السارد في يوم 14 يوليوز، يوم عيد الجمهورية. ينتقد الشعب ورؤساءه، حيث يجد:<< هذا الحيوان القوي الفرح، في تاريخ محدد، بواسطة مرسوم حكومي>>.، يتناول عشاءه عند قريبته السيدة سابلي. السارد يلتقي عندها بالدكتور بارانت، اختصاصي في الأمراض العصبية(...)، والتجارب المذهلة التي حصل عليها العلماء الإنجليز، وأطباء مدرسة نانسي...
لقد أكد أن أبحاث الدكتور الألماني ميسمر حول المغناطيسية الحيوانية، قد ساعدت كثيرا العلم. وان هذه التقدمات ستلغي أكثر وأكثر الاعتقاد بالخوارق، وأيضا حتى الاعتقاد في الله...
وللتغلب على شكية مستمعيه، قتم الدكتور بارانت بتنويم السيدة سابلي، وقد أعطاها بطاقة قائلا لها أنها تمسك في يدها مرآة...وبالنظر إلى هذه البطاقة، تمكنت من وصف أشياء، لا يمكن رؤيتها. كما طلب منها أيضا أن تذهب في الغد لتقدم إلى قريبها مبلغا كبيرا من المال. السيدة سابلي نفذت بالحرف ما طلب منها الدكتور بارانت.
لم يتمكن السارد من إفهامها أنها تحت تأثير التنويم، فلم يجد بدا من إخبار الدكتور بارانت، هذا الأخير الذي نوم ثانية السيدة سابلي ليلغي الأمر الصادر سابقا للعجوز.وبعدما استيقظت، قدم لها السارد المبلغ المحصل، لكن السيدة سابلي:<<ظنت أنه يسخر منها، وغضبت في الأخير>>. وأمام اضطرابه بعد هذه التجربة،يتعشى السارد في بوجيفال، ويقضي الليلة بحفلة الرقص بكانوتيي...ويستنتج أن المحيط له تأثير كبير في شرح الأحداث التي مرت به، فيقرر العودة إلى بيته الأسبوع المقبل.
القراءة المنهجية للمقطع الثاني:
المقدمة:
الأيام التي قضاها السارد باريس، سمحت له اخذ تأجيلات بسبب هواجسه السابقة. وعندما أحس يتحسن حله، بدا يقضي وقته في زيارة المدينة... وأثناء تناوله العشاء عند قريبته السيدة سابلي، يلتقي بالدكتور برانت، ويحضر تجربة في التنويم المغناطيسي.
1- تحسن الحال بباريس:
وساطة باريس يظهر أن لها تأثيرا جيدا على السارد، حيث تحرر من مخاوفه، ومن لبسه من طرف كائن خفي. فقضى أياما سعيدة.
• الغم المتغلب عليه: ما عن كان بباريس حتى شعر السارد أنه قد تخلص، وتحرر من مخاوفه القديمة. وعندما حلل حالته بكل وضوح، اعتقد أنه كان لعبة لخياله، أو وقع تحت تأثير ما يسمى ب( الإيحاء). فاستنتج إذن أن <<ذعره بدأ يمس الجنون... وأن أربع وعشرين ساعة بباريس كانت كافية لوضعه في شبه راحة>>. وعندما استشعر سعادته، بدأ يتراجع عن اعتقاداته في مواقفه السابقة، ويسخر من تفكيره، عوض الاستنتاج بهذه الكلمات البسيط:<< لا أفهم...لأن السبب يهرب مني...نحن نتخيل بسرعة خرائب مفزعة، وقوى خارقة>>... هذه غمزة للقارئ من خلال انحراف وميل الضمير ( نحن)، ذات القيمة المغلقة، التي تجعل من خطأ السارد، خطا الإنسان عامة.
• الزيارات الشافية: السارد يحارب الوحدة التي يدينها:<< عندما نكون لوحدنا طويلا، فإننا نسكن فراغ الأشباح>>...وأمام هذا ، كان يضاعف من الأنشطة الاجتماعية. فكان يقوم بالزيارات، ويقضي الأمسيات بالمسرح الفرنسي.
الزحام، والاختلاط بالناس يطمئنهن ويجعله يشعر بالأمان. كما أن اجتماعه مع بني جنسه، يقويه، وينسيه قلقه وهمه... وعندما حضر عشاء عند قريبته السيدة سابلي، فإن السارد تعرف على الدكتور برانت، وعلم من خلال كلام هذا الأخير، وحكايته، أن تقدم العلم بدأ يدمر شيئا فشيئا الاعتقاد في الخوارق والغيبيات.
2- استراتيجية التوقع:
الفائدة الأساس لهذا المقطع، تكمن في الفعل الذي يتضمن الحلقات التي تؤسس لتمثيل الاختزال داخل القصة.
• عيد 14يوليوز: السارد ينتقد بطريقة مرة، الروح الوديعة، والساذجة للشعب، ويتهكم من التحكم في زمامه من طرف حاكميه. إذ إنه وجد<< أنهم بطريقة حيوانية يفرحون في تاريخ محدد بمرسوم حكومي>>... وامتد نقده اللاذع إلى المسيرين، الذي نعتهم بالأغبياء، وان لهم مبادئ مخالفة لقوانين العالم.
أهمية العيد الجمهوري، يكمن في الفعل الذي يتصور مسبقا، وهو خضوع إرادة السارد إلى الكائن الذي سيسيطر عليه تماما في نهاية القصة.
• برهنة التنويم المغناطيسي: التنويم المغناطيسي الذي خضعت له السيدة سابلين سمح برؤية كيف يمكن السيطرة على إرادة آخرين. فالخضوع الذي تم من خلال الأمر الذي توصلت به، والقيام بفعل العرافة، وقراءة الغيب. فإن السيدة سابلي رأت على بطاقة صورة غير موجودة لقريبها...فوجدت نفسها أنها مجبرة على الكذب عليه للبرهنة ن والتدليل على القرض المالي. وكما أسلفنا، فإن السيطرة على إرادتها تصور مسبق لإرادة قريبها، التي سيطر عليها الهورلا.
3- الخارقي والعجائبي الممتص:
العجائبي الذي يسبح في القصة من بدايتها، بدأ ينمحي.
• شرح علمي: الاكتشافات العلمية المروية في حكايات الدكتور برانت، بالإضافة إلى برهنته، تبين التقدم العجيب للتجارب حول التنويم المغناطيسي، والإيحاء. وقد استطاع الدكتور إقناع سامعيه بواسطة حجة دامغة. لقد انتصر برانت على نزعة الشك. أولا السارد كان لا يثق ولا يصدق، وفي الأخير اقتنع:<< هل تصدق الآن؟...نعم، ينبغي ذلك.>>
• توقع في النهاية: السارد قبل كل شيء كان رافضان وفي الأخير استسلم. وقبل بسلطة العلم. تسليمه هذا واستسلامه وقبولهن تصور مسبق لقبول نهائي بوجود الهورلا.
تلخيص المقطع الثالث:
المظاهر المادية للكائن الخفي الهورلا، ومحاولة السارد قتله.
ويبدأ المقطع الثالث من :<< منذ 30يوليوز، عدت منذ أمس إلى منزلي. كل شيء على ما يرام(...). 10 شتمبر...لا...لا... بدون شك... بدون شك...إنه لم يمت... إذن... إذن... يجب أن أقتل نفسي !!...>>
عندما عاد السارد إلى بيته، أحس بالتحسن. لكنه أثناء نزهة في جو مشمس داخل حديقته المنزلية، حيث شجيرات الزهر، أبصر الكائن الغريب يظهر: يد خفية تقطف زهرة، وتقربها من فمه. ساعتها أصبح وجود الكائن الخفي يقينا...
وفي الغد بدأ السارد يتساءل: هل هو مجنون:<< ألا يمكن أن يكون جزء من مخه مشلولا؟>>. وعندما كان يتجول قرب ضفة النهر، أحس بشعور غريب يدفعه بالإسراع بالعودة إلى بيته.
الأيام الموالية لا مظاهر للكائن الخفي. لكن السارد يحس بوجوده الخفي، والدائم. فقد أصبح يحس شيئا فشيئا أن الكائن الخفي يسيطر عليه أكثر وأكثر.
فالسارد لم يبق له أي سلطة.إنه يشعر أن الكائن الخفي يملي عليه تصرفاته، وهو يطيع ويلبي، ويطبق. وقد استطاع رغم ذلك الهروب إلى روين. واستعار من المكتبة دراسة الدكتور هيرمان هوريستوس حول الساكنة المجهولة للعالم القديم والحديث، وأحس أنه أخذ ثانية من طرف الكائن الخفي....
ويقرأ كتاب الدكتور هيرمان هوريستوس ليلا. يأخذه النعاس، وعندما استيقظ لاحظ أن أوراق الكتاب تقلب لوحدها. حينها تيقن أن الكائن الخفي موجود أمامه، وهو يتصفح الكتاب. فينطلق بدون جدوى لقتله.
لاحظ هروبه. فاستنتج السارد أنه خاف منه...كما أنه بعد قراءة مقال البروفيسور دون بيدرو هنريكيز حول حالة جنون جماعي، ربط بين المركب البرازيلي الذي أبصره بالسين منذ ثلاثة أشهر، ومجيء الكائن الجديد. وبالتفكير في هذا الأخير، استنتج بعد مجموعة من العلامات المؤشرة، أن حكم وسيادة الهورلا قد وصل. هذا الأخير سيراقب ويسيطر على الروح الإنسانية التي ستصبح عبدا له.
فتوجد إذن كائنات أخرى. والتي يعجز الإدراك الكامل للإنسان تحديدها، وتحديد هويتها... وبما أنه قرر قتل الكائن الجديد، فإن السارد نصب له فخا. وأمام عجزه في الوصول إليه، ذعر لما وجد صورته تختفي في المرآة،وظنا أنه سجين في غرفته، أشعل السارد النار في بيته ليدمر الهورلا... لكنه لم يكن متيقنا من موته.
القراءة المنهجية للمقطع الثالث:
التقديم: السارد أصبح متيقنا أكثر من أي قبل، بوجود الكائن الخفي: ومن خلال المظاهر الخارقة، خدع الكائن الخفي وجوده، حيث أعلن عن اسمه الهورلا... وقد سيطر على إرادة السارد، وأصبح يملي عليه تصرفاته... لقد سيطر عليه نهائيا...ويثور السارد، فيقرر قتل الكائن الخفي.
1- التيقن من أن الكائن الخفي موجود فعلا:
لقد أصبح السارد متيقنا من خلال الحجج الدامغة التي جربها، على وجود كائن خفي/ قرينه معه.
• مظاهر الكائن الخفي: لقد كان الكائن الخفي( القرين)، وجوده في هذا المقطع. فكلما شعر السارد بتحسن، وبأنه تعافى من غمه، إلا ويثور الكائن الخفي، ويجعله يشك في يقينه... وأثناء نزهة في جنينة أزهاره، رأى السارد يدا تقطف وردة، وتقربها من فمه:<<إني أرى...أرى بوضوح...بالقرب مني عود أزهار ينثني، كأن يدا خفية تثنيه، ثم ينكسر، كان هذه اليد تقطفه>>. وفي مرة أخرى ، كان يقرأ كتاب الدكتور هرمان هوريستوس، فأخذته غفوة، وعندما استيقظ لاحظ أن الأوراق تقلب لوجدها:<< إنني أرى...أرى...نعم أرى بأم عيني، صفحة أخرى ترتفع وتقلب نحو سابقتها...كان أصبعا يتصفحها>>.... وفي مرة أخرى أيضا، وضع السارد فخا للقبض على الكائن النفي( القرين)، فتفاجأ عندما لم ير صورته معكوسة في المرآة:<< إنني أرى كأنني في يوم مشرق، ورغم ذلك لا أراني على المرآة !! إنها فارغة ... واضحة ... عميقة ... مليئة بالضوء ... صورتي لا توجد بها ... وكنت وجها لوجه معي>>.
هذه التمظهرات المتتابعة، والمتسلسلة للقرين/ الكائن الخفي، زعزعت السارد، وأغرقته في الشك والقلق ن والغم...
• غم السارد وحزنه: كل مرة يظهر فيها القرين/ الكائن الخفي، فإن خوفا كبيرا يغزو السارد. والحقل المعجمي للغم والكمد يبقى متطورا في هذا المقطع:<<ولهان- وله- الروح مضطربة(...)- وانظر هذا بعينين مرعوبتين- ولم أستطع فعل أي حركة>>.
• اسم القرين/ الكائن الخفي: الهورلا: الكائن الجديد يصرخ باسمه، والسارد يكتبه. الكائن الخفي يسمى ب( الهورلا)... غرائبية اسمه تعكس غرائبية شخصيته...مادته خفية. لم يشاهد بالمكان الذي يتمظهر فيه. إنه( Hors là).
• مسكون بالهورلا: الهورلا مخيف جدا...إنه يعلن سيطرة كائن جديد،يستعبد الإنسان، ويجعل منه عبدا وتابعا له،
• مراقبة وتملك السارد: كلما أقر السارد وجود الهورلا، إلا وأحس أن سيطرته على نفسه تسلب منه...إن هذه القوة الغريبة أكثر سيطرة عليه....فمفهوم الاحتواء، والسيطرة واللبس محلل جيدا:<< قوة... كما يظهر لي...قوة خفية...تثقلني...توقفني...تمنعني من الذهاب بعيدا(...)سأعود رغما عني(...) كل يوم أريد الرحيل، لم أتمكن(...) ليست لي أي قوة...أية شجاعة...أي سيطرة على نفسي...أي سلطة لأحرك إرادتي(...)...آخر يملي علي تصرفاتي...وأنا أطيع(...)، هناك من يسكن روحي...ويوجهها>>.
• وصول الهورلا بواسطة المركب البرازيلي: ربطا بظاهرة الجنون الجماعي بريو دي جانيرو، ووصول المركب البرازيلي الذي كان يعبر مياه السين منذ ثلاثة أشهر، يستنتج السارد أن القرين/ الكائن الخفي جاء على ظهر هذا المركب. ولنتذكر أن المركب كان ابيض مثل منزل السارد. فالأبيض يصور مسبقا الهورلا، ويقدمه:<< آه...آه...إنني أتذكر...تذكرت المركب البرازيلي الجميل ذي الصواري الثلاث، والذي كان يمر تحت نوافذي...عابرا نهر السين...يوم 8 ماي المنصرم ... لقد وجدته جميلا ... أبيض ... مبهجا ... الكائن كان متنه، قادم من هناك...حيث بني جنسه... وقد رآني... رأى مسكني الأبيض أيضا... وقفز من المركب نحو الضفة.
• الهورلا: منقذ- مدمر: وتحت سيطرة الكائن الجديد، يتساءل السارد إذا لم يكن الهورلا إلها:<< يا إلهي...هل هو إله؟...إذا كان...خلصني...أنقذني...أغثني...>>. قم يستنتج:<< والآن أنا أعرف، أفكر...حكم وعهد الإنسان انتهى>>. لقد عوض بحكم الهورلا....هذا الأخير يعلن من خلال صور إنجليكية انه المنقذ:<< لقد جاء... يا إلهي ... تبا لنا جميعا>>... لم يأت لمساعدة الإنسان،وإنقاذه. لقد جاء لتدميره،واستعباده.
3- سخرية مأساوية:
مغموما ومفزوعا بسب شعوره بان كائنا خفيا يعيش معه،جعل السارد يتيقن من ذلك من خلال مجموعة من الظواهر الخارقة. فيثور لهذا الوضع، ويقرر قتل الهورلا.
• المحاولات والتي كانت سدى ،للهروب والثورة: أيقن السارد بوجود الهورلا، وعرف سيطرته عليه،ولبسه له. وبأنه أصبح منقادا له، وأن كل محاولاته للهرب والثورة باءت بالفشل... فكيف له أن يثور ضد من يملي عليه تصرفاته؟.
• مشروع كتابة مطلوبة: إذا كانت سيطرة الهورلا على إرادة السارد، فغن مشروع كتابة القصة كان مطلوبا ومرغوبا من طرفه...فشكل اليومية أو المذكرة سيطر إذن على كل اهتمامه. فالمركب البرازيلي الذي كان على متنه الهورلا، والذي كان يعبر السين في 8 ماي، التاريخ الذي يوقع بداية القصة.
• انقلاب الوضعية: ورغبة منه في قتل الهورلا، أضاع السارد الكثير... من جهة لا شيء يبرهن على أن الكائن الجديد قد مات. ومن جهة أخرى لقد أضاع بيت أسلافه، بإشعال النار فيه...للأسف، لقد أصبح في وضعية غير ثابتة،ومؤقتة. لقد أصبح مكتريا بفندق كونتينانتال بروين.
• الخاتمة: هذا المقطع، يبقى هو الأهم. فالسارد بعد كثير من الترددات، ينتهي بقبول وجود الهورلا، هذا الأخير الذي خان سريته، وفضح وجوده بهذه الظواهر الخارقة...
مسكون بواسطة هذا القرين، الذي يسيطر عليه، ويجعله منقادا له...حاول السارد قتله بدون جدوى. فلم يجد بدا من إشعال النار في بيته ليتخلص منه، ولكنه ليس متيقنا من موت الهورلا...
بيبليوغرافيا
- Castexe, J- P : Le conte fantastique en France de Nodier à Maupassant, José- conti, 1951 .
-Todorov,Tazvatan :Introduction à la littérature fantastique ; seuil , Paris , 1976 .