
خشوع في مقام النبي يونس
بقلم
حسين أحمد سليم
بين الحين والآخر تحرضني نفسي أو تقودني عند فجر يوم الأحد من كل أسبوع , لألملم بعضي من هدأة النوم, وتراني على عجل أحمل ذاتي, بلا أدنى تفكر في موضوع آخر, وأيمم وجهي قبلة شاطيء بلدة الجية, إلى الجنوب من مدينة الغد العاصمة بيروت, أرود رواق مقام النبي يونس, مع بزوغ سيالات الشمس الصباحية, وهي تحيط المكان بدفء أشعتها, توقظ العصافير على أغصان شجرة السرو المعمرة, التي تستقبل زوار المقام وتودعهم دون كلل أو ملل, وأدخل على مهل أجر أذيالي ببطء لأتنسك في رحاب بهو المقام وأقضي بعض الوقت أمارس الوحدة, مختليا إلى نفسي أحاسبها وتحاسبني, لأقف بين يدي الله تعالى ضارعا متوسلا متهجدا مستغيثا صارخا, قبل أن يغشى علي مطولا على مقربة من الضريح المبارك, الذي يمارس هجعته بسكينة عند الزاوية الجنوبية الشرقية من المسجد الذي يحمل إسم النبي يونس.
البناء الأثري القديم بحجارته الرملية, وقبته التي تعلو بهو المسجد بنوافذه الهوائية, وأعمدته التي تحمل القناطر المتشابكة مع السقف, والهدأة الخشوعية التي يتحسسها المرء, وهو قائم يتبتل لوجه الله تعالى, على وقع دغدغات النسائم الرقيقة الناعمة, المنسابة من حركات أمواج البحر القريب من المقام, تخترق فتحات النوافذ, لتتلاعب بالمشهديات واللوحات المعلقة تتماهى على الجدران, تاركة بعض التباينات التي تشوه الحجارة الرملية, نازعة عنها ثوب البساطة في ممارسة وإيحاءات فعل الخشوع. وهديل الحمائم كأنها تقيم صلواتها المباركة في حضرة ضريح الولي الذي أتى ذكره في الكتاب, الحمائم التي بنت بيوتها على متن أغصان شجرة السرو المعمرة, القائمة كالحارس عند الباب الرئيسي للدخول للمسجد. تذكرني في االماضي حيث أقامت بيتها عند المغارة التاريخية في جبل حراء, تتبارك من وجود النبي وأصحابه في الداخل, وهي تمتع الطرف الرافل من خلال خيوط شبكية العنكبوت بالنور المشع من جبين النبي الرسول. وبعض الورود والرياحين المنتشرة في المحيط, كلها توحي للزائر بطمأنينة النفس في ربوع المكان.
أنتحي جانبا بعد الصلاة قربة لله تعالى, متخذا مكاني عند باب غرفة الضريح, أمسك حدائد الباب بيدي وأهزها هزا يتأرجح بين اللمس واللطافة والمرونة والشدة, وأنا أترنم مبتهلا بكلمات حانية من دعاء زيارة المقام المخصصة به, تخاطرني قصة الحوت في الكتاب المبين, تتهادى خيالاتي بين كلمات آيات السورة, فتراني أباشر الترتيل حينا والتجويد أحيانا, رافعا صوتي وفراغات المكان تردد الصدى, لتتداخل الكلمات برنيم الصوت قبل فلتانها من نوافذ القبة. أشعر وأنا أمدد في غنة الصوت, التي يحلو لي المزاج في تويل تردادها, وكأن أعمدة البناء تهتز مكبرة وهي قائمة في محورها, والقناطر تتراقص للتراتيل وهي تترنح على أكتاف الأعمدة القديمة, والقبة الخضراء تمارس الإرتفاع علوا وهبوطا مع كل آية أجودها, وكأنها تسير على سكة وجدت لها خصيصا, وكلما واصلت القراءة عن ظهر القلب للآيات, أتحسس كل الأشياء تمارس الخشوع في سكينتها داخل بهو المقام الأثري القديم, ليغدو المكان في سكينة الهدأة المثلى وفي خشوع تام, تطيب عنده النفس التواقة للقيا الحق وتطمئن, وهي قائمة تصلي بين يدي الله تعالى في محراب من محاريبه, المطهرة المباركة ببركة وجود مقام نبي من أنبيائه في ترابها, رافعة الصوت الشجي الجهوري مكبرة, الله أكبر , الله أكبر, لا إله إلا الله, لا إله إلا الله...
بقلم
حسين أحمد سليم
بين الحين والآخر تحرضني نفسي أو تقودني عند فجر يوم الأحد من كل أسبوع , لألملم بعضي من هدأة النوم, وتراني على عجل أحمل ذاتي, بلا أدنى تفكر في موضوع آخر, وأيمم وجهي قبلة شاطيء بلدة الجية, إلى الجنوب من مدينة الغد العاصمة بيروت, أرود رواق مقام النبي يونس, مع بزوغ سيالات الشمس الصباحية, وهي تحيط المكان بدفء أشعتها, توقظ العصافير على أغصان شجرة السرو المعمرة, التي تستقبل زوار المقام وتودعهم دون كلل أو ملل, وأدخل على مهل أجر أذيالي ببطء لأتنسك في رحاب بهو المقام وأقضي بعض الوقت أمارس الوحدة, مختليا إلى نفسي أحاسبها وتحاسبني, لأقف بين يدي الله تعالى ضارعا متوسلا متهجدا مستغيثا صارخا, قبل أن يغشى علي مطولا على مقربة من الضريح المبارك, الذي يمارس هجعته بسكينة عند الزاوية الجنوبية الشرقية من المسجد الذي يحمل إسم النبي يونس.
البناء الأثري القديم بحجارته الرملية, وقبته التي تعلو بهو المسجد بنوافذه الهوائية, وأعمدته التي تحمل القناطر المتشابكة مع السقف, والهدأة الخشوعية التي يتحسسها المرء, وهو قائم يتبتل لوجه الله تعالى, على وقع دغدغات النسائم الرقيقة الناعمة, المنسابة من حركات أمواج البحر القريب من المقام, تخترق فتحات النوافذ, لتتلاعب بالمشهديات واللوحات المعلقة تتماهى على الجدران, تاركة بعض التباينات التي تشوه الحجارة الرملية, نازعة عنها ثوب البساطة في ممارسة وإيحاءات فعل الخشوع. وهديل الحمائم كأنها تقيم صلواتها المباركة في حضرة ضريح الولي الذي أتى ذكره في الكتاب, الحمائم التي بنت بيوتها على متن أغصان شجرة السرو المعمرة, القائمة كالحارس عند الباب الرئيسي للدخول للمسجد. تذكرني في االماضي حيث أقامت بيتها عند المغارة التاريخية في جبل حراء, تتبارك من وجود النبي وأصحابه في الداخل, وهي تمتع الطرف الرافل من خلال خيوط شبكية العنكبوت بالنور المشع من جبين النبي الرسول. وبعض الورود والرياحين المنتشرة في المحيط, كلها توحي للزائر بطمأنينة النفس في ربوع المكان.
أنتحي جانبا بعد الصلاة قربة لله تعالى, متخذا مكاني عند باب غرفة الضريح, أمسك حدائد الباب بيدي وأهزها هزا يتأرجح بين اللمس واللطافة والمرونة والشدة, وأنا أترنم مبتهلا بكلمات حانية من دعاء زيارة المقام المخصصة به, تخاطرني قصة الحوت في الكتاب المبين, تتهادى خيالاتي بين كلمات آيات السورة, فتراني أباشر الترتيل حينا والتجويد أحيانا, رافعا صوتي وفراغات المكان تردد الصدى, لتتداخل الكلمات برنيم الصوت قبل فلتانها من نوافذ القبة. أشعر وأنا أمدد في غنة الصوت, التي يحلو لي المزاج في تويل تردادها, وكأن أعمدة البناء تهتز مكبرة وهي قائمة في محورها, والقناطر تتراقص للتراتيل وهي تترنح على أكتاف الأعمدة القديمة, والقبة الخضراء تمارس الإرتفاع علوا وهبوطا مع كل آية أجودها, وكأنها تسير على سكة وجدت لها خصيصا, وكلما واصلت القراءة عن ظهر القلب للآيات, أتحسس كل الأشياء تمارس الخشوع في سكينتها داخل بهو المقام الأثري القديم, ليغدو المكان في سكينة الهدأة المثلى وفي خشوع تام, تطيب عنده النفس التواقة للقيا الحق وتطمئن, وهي قائمة تصلي بين يدي الله تعالى في محراب من محاريبه, المطهرة المباركة ببركة وجود مقام نبي من أنبيائه في ترابها, رافعة الصوت الشجي الجهوري مكبرة, الله أكبر , الله أكبر, لا إله إلا الله, لا إله إلا الله...