ربما من المبكر تحديد الهوية الحقيقية لمرتكبي مجازر الشاطئ في غزة وهو أمر منوط بالتحقيقات التي تجري لتحديد دقيق "للفاعلين". غير أن الثابت إلى الآن أن جهة سياسية ما تقف خلف هؤلاء وهو ما دلل عليه توقيت هذه المجازر وطبيعة الهدف الذي تم اختياره، بغض النظر عن النتائج التي تم تحقيقها.
فالرسالة السياسية التي أريد إيصالها قد وصلت ، ممهورة بالدم الفلسطيني لعشرات الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى إنهم فلسطينيون ومن قاطني غزة حصرا.
وبغض النظر عما نسب من بيان صادر عن حركة فتح " كتائب العودة" بتبني المجزرة – وهي كتائب لم نسمع بها من قبل –فإن توقيتها يؤكد أن من يقف وراءها جهة سياسية تتضرر من الحوار الوطني الفلسطيني ، وكذا الوحدة الوطنية الفلسطينية التي ستكون من خلال حكومة الوحدة الوطنية المرجوة، وهو مطلب وطني فلسطيني بامتياز.
والواضح أن ضرب أية مفاعيل للحوار الوطني الفلسطيني هو مطلب أمريكي _ صهيوني وبالتالي فإن هناك تقاطعا بين المشروعين ، سواء لجهة الهدف أو الأسلوب.
فاختيار الهدف لرموز قيادية تابعة لحركة حماس أو ما يرمز لهم وما يمت إليهم بصلة وهذا الشكل الفاقع كما جاء في البيان المنسوب لحركة فتح، يشير إلى أن فتنة ما يراد منها أن تكون شرارة لإعادة إنتاج الاقتتال الفلسطيني _ الفلسطيني.
كما أن إقدام حركة حماس على شن حملة اعتقالات أمر له ما يبرره ، وإجراء يمكن أن تقوم به أية دولة أو جهة أمنية في العالم للامساك بخيوط الجريمة والتحقيق معهم بغية الوصول إلى الحقيقة. لكن المستغرب هو قيام السلطة الفلسطينية برد فعل "غريب" وتنفيذ حملة اعتقالات في الضفة الغربية مستهدفة ما أسمته مصادرها كوادر في حركة حماس أو المقربين منها إيديولوجيا أو عقائديا.
إن المنطق الطبيعي يقول بإصدار بيان إدانة للمجزرة ويطلب المساهمة في التحقيقات ، وحتى توسيع رقعة المشاركة في التحقيقات مع المتهمين "المفترضين" من قبل الفصائل الفلسطينية كافة ، لان ما حدث في غزة لا يعني حركة حماس لوحدها أو يخص حركة فتح، بل هو شأن وطني فلسطيني.
وإذا كانت القوى الفلسطينية قد أجمعت سابقا على إدانة ما حدث في غزة وفق ما أسموه " الانقلاب" فإن ما يتردد اليوم عبر البيانات السياسية والتراشق الإعلامي والصحافي المتبادل عقب مجزرة غزة هو إعادة إنتاج " للانقلاب " المرفوض سابقا والمدان من قبل الجميع ، أو بعبارة أخرى محاولة لتصحيح الخطأ بالخطأ . وهو أمر يحتاج إلى وقفة وطنية جادة لتجنب ويلات ومآس قادمة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه. وهي ويلات كان لها مقدمات بدأت فعليا بخرق الإجماع الفلسطيني للتهدئة التي تم التوقيع على التفاهم من أجلها مع الجانب المصري. فيما لم تقف ذات القوى الموقعة على التفاهم في القاهرة موقفا حاسما تجاه تلك الخروقات، بغض النظر عن رؤيتنا لماهية التهدئة والموقف منها ، ما دامت تمت بجماع فلسطيني.
وإذا كان البعض قد وجد في الخرق مناخا للتنصل من هذا الإجماع ، إلا انه قد وضع نفسه في خانة الخروج عن الإجماع وأبقى الباب مواربا لدخول الأجواء المسمومة والتي كانت مجزرة غزة احد مقدماتها.
إن المفارقة التي يجب التنبه إليها في هذا المقام هي قدرة الفصائل الفلسطينية على إلزام الجميع بما يتم الاتفاق عليه كون القرار بالإجماع يخص الشعب الفلسطيني برمته. وهذا بيت القصيد لوضع اللبنة الأولى في بنيان تحصين البيت الفلسطيني.
ولم يعد خافيا على احد أن الأمور مرشحة للتصيد من خلال التحريض المتبادل ، في ظل دخول صهيوني على خط الأزمة وان كان بأدوات محلية ، الأمر الذي يفرض على الفصائل الوطنية الفلسطينية القيام بواجبها الوطني عبر :
_ تشكيل لجنة وطنية فلسطينية للتحقيق بما جرى ووضع النقاط على الحروف بتحديد واضح وصريح لكل من يقف خلف المجرمين، وسوقهم للعدالة باسم الشعب الفلسطيني.
_ العمل على إطلاق كافة المعتقلين في الضفة الغربية على خلفية رد الفعل، باستثناء من يظهره التحقيق متورطا ومذنبا.
_ تشكيل لجنة حوار وطني فلسطيني تأخذ على عاتقها تنفيذ التفاهمات التي تم التوصل إليها بين القوى الفلسطينية في القاهرة ومكة واليمن تكون نواة لترتيب البيت الفلسطيني الداخلي.
لقد بات ضروريا التحرك الجاد نحو تحديد المسؤوليات عمن يعرقل الحوار الوطني الفلسطيني وفضح وتعرية من يضعون العصي في دواليب انطلاقته.
انه الموقف الوطني المسؤول الذي يحدد وطنيتنا تجاه قضايا مصيرية باتت تعصف بفلسطين.. فهل نكون على قدر هذه المسؤولية الوطنية...؟ سؤال يحدده سلوكنا القادم أمام فلسطين والتاريخ.
• حسين موسى
كاتب وصحافي فلسطيني / سوريا
فالرسالة السياسية التي أريد إيصالها قد وصلت ، ممهورة بالدم الفلسطيني لعشرات الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى إنهم فلسطينيون ومن قاطني غزة حصرا.
وبغض النظر عما نسب من بيان صادر عن حركة فتح " كتائب العودة" بتبني المجزرة – وهي كتائب لم نسمع بها من قبل –فإن توقيتها يؤكد أن من يقف وراءها جهة سياسية تتضرر من الحوار الوطني الفلسطيني ، وكذا الوحدة الوطنية الفلسطينية التي ستكون من خلال حكومة الوحدة الوطنية المرجوة، وهو مطلب وطني فلسطيني بامتياز.
والواضح أن ضرب أية مفاعيل للحوار الوطني الفلسطيني هو مطلب أمريكي _ صهيوني وبالتالي فإن هناك تقاطعا بين المشروعين ، سواء لجهة الهدف أو الأسلوب.
فاختيار الهدف لرموز قيادية تابعة لحركة حماس أو ما يرمز لهم وما يمت إليهم بصلة وهذا الشكل الفاقع كما جاء في البيان المنسوب لحركة فتح، يشير إلى أن فتنة ما يراد منها أن تكون شرارة لإعادة إنتاج الاقتتال الفلسطيني _ الفلسطيني.
كما أن إقدام حركة حماس على شن حملة اعتقالات أمر له ما يبرره ، وإجراء يمكن أن تقوم به أية دولة أو جهة أمنية في العالم للامساك بخيوط الجريمة والتحقيق معهم بغية الوصول إلى الحقيقة. لكن المستغرب هو قيام السلطة الفلسطينية برد فعل "غريب" وتنفيذ حملة اعتقالات في الضفة الغربية مستهدفة ما أسمته مصادرها كوادر في حركة حماس أو المقربين منها إيديولوجيا أو عقائديا.
إن المنطق الطبيعي يقول بإصدار بيان إدانة للمجزرة ويطلب المساهمة في التحقيقات ، وحتى توسيع رقعة المشاركة في التحقيقات مع المتهمين "المفترضين" من قبل الفصائل الفلسطينية كافة ، لان ما حدث في غزة لا يعني حركة حماس لوحدها أو يخص حركة فتح، بل هو شأن وطني فلسطيني.
وإذا كانت القوى الفلسطينية قد أجمعت سابقا على إدانة ما حدث في غزة وفق ما أسموه " الانقلاب" فإن ما يتردد اليوم عبر البيانات السياسية والتراشق الإعلامي والصحافي المتبادل عقب مجزرة غزة هو إعادة إنتاج " للانقلاب " المرفوض سابقا والمدان من قبل الجميع ، أو بعبارة أخرى محاولة لتصحيح الخطأ بالخطأ . وهو أمر يحتاج إلى وقفة وطنية جادة لتجنب ويلات ومآس قادمة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه. وهي ويلات كان لها مقدمات بدأت فعليا بخرق الإجماع الفلسطيني للتهدئة التي تم التوقيع على التفاهم من أجلها مع الجانب المصري. فيما لم تقف ذات القوى الموقعة على التفاهم في القاهرة موقفا حاسما تجاه تلك الخروقات، بغض النظر عن رؤيتنا لماهية التهدئة والموقف منها ، ما دامت تمت بجماع فلسطيني.
وإذا كان البعض قد وجد في الخرق مناخا للتنصل من هذا الإجماع ، إلا انه قد وضع نفسه في خانة الخروج عن الإجماع وأبقى الباب مواربا لدخول الأجواء المسمومة والتي كانت مجزرة غزة احد مقدماتها.
إن المفارقة التي يجب التنبه إليها في هذا المقام هي قدرة الفصائل الفلسطينية على إلزام الجميع بما يتم الاتفاق عليه كون القرار بالإجماع يخص الشعب الفلسطيني برمته. وهذا بيت القصيد لوضع اللبنة الأولى في بنيان تحصين البيت الفلسطيني.
ولم يعد خافيا على احد أن الأمور مرشحة للتصيد من خلال التحريض المتبادل ، في ظل دخول صهيوني على خط الأزمة وان كان بأدوات محلية ، الأمر الذي يفرض على الفصائل الوطنية الفلسطينية القيام بواجبها الوطني عبر :
_ تشكيل لجنة وطنية فلسطينية للتحقيق بما جرى ووضع النقاط على الحروف بتحديد واضح وصريح لكل من يقف خلف المجرمين، وسوقهم للعدالة باسم الشعب الفلسطيني.
_ العمل على إطلاق كافة المعتقلين في الضفة الغربية على خلفية رد الفعل، باستثناء من يظهره التحقيق متورطا ومذنبا.
_ تشكيل لجنة حوار وطني فلسطيني تأخذ على عاتقها تنفيذ التفاهمات التي تم التوصل إليها بين القوى الفلسطينية في القاهرة ومكة واليمن تكون نواة لترتيب البيت الفلسطيني الداخلي.
لقد بات ضروريا التحرك الجاد نحو تحديد المسؤوليات عمن يعرقل الحوار الوطني الفلسطيني وفضح وتعرية من يضعون العصي في دواليب انطلاقته.
انه الموقف الوطني المسؤول الذي يحدد وطنيتنا تجاه قضايا مصيرية باتت تعصف بفلسطين.. فهل نكون على قدر هذه المسؤولية الوطنية...؟ سؤال يحدده سلوكنا القادم أمام فلسطين والتاريخ.
• حسين موسى
كاتب وصحافي فلسطيني / سوريا