
طهران أفسدت "مناورة" الأسد!
جواد البشيتي
كانت غاية الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد لطهران أن يأتي منها بنتائج يمكن أن تساعد في خفض منسوب القلق الفرنسي، فالغربي عموماً وبالتالي، من البرنامج النووي الإيراني، فإذا به يجد نفسه مضطَّراً هناك إلى أن يسعى في خفض منسوب القلق الإيراني من بعض أبعاد وجوانب المفاوضات غير المباشرة (في تركيا) بين سورية وإسرائيل، ومن احتمال أن يطرأ تغيير على السياسة السورية بما يرضي الغرب، ويثير حفيظة وقلق ومخاوف إيران، التي لم يسرها أن يُسْمَح لبعضٍ من خصومها ومعارضيها (الدوليين والإقليميين) بإظهار وتصوير "الزيارة" على أنَّها بداية انتقال لسورية وسياستها من موقع "الحليف"، و"الحليف الاستراتيجي" لإيران، إلى موقع "الوسيط"، و"ساعي البريد"، بينها وبين الغرب.
وربما نجحت طهران في إقناع زائرها الكبير، وحليفها الاستراتيجي، بأنَّ "الحليف"، تعريفاً ومنطقاً وخواصَّاً، لا يمكنه أن يكون "وسيطاً"؛ ولو كان الجمع بين الدورين ممكناً لنجحت سورية وسائر الدول العربية بإقناع الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، وهو الولايات المتحدة، بأن يكون "وسيطاً (نزيهاً وموضوعياً وصادقاً)" في تسوية النزاع بين الطرفين (العرب وإسرائيل).
وهذا النجاح الإيراني ظَهَر وتأكَّد إذ أظهر الرئيس الأسد حرصاً (مثيراً لتساؤلات لا تخلو من علامات التعجُّب) على أن ينفي غير مرَّة عزمه القيام بدور الوسيط، أو ناقل الرسائل من الغرب إلى إيران، وكأنَّه لم يَزُرْ طهران إلاَّ ليُعْلِن منها عدم استعداده للاضطَّلاع بدور كهذا، وإنْ أبدى استعداداً للاضطِّلاع بدور "المساعِد في تهدئة النزاع (النووي بين إيران والغرب)" مستقبلاً، فإذا أردت أن تُطاع فاطلب المستطاع.
وأحسبُ أنَّ الرئيس الأسد لم يعلِّل نفسه بوهم أنَّ في مقدوره أن يضطَّلع بدور، يعطى من النتائج، ما يُظْهِره للعالم على أنَّه الشخص الذي نجح في ما فشل فيه غيره، أي في "نزع الألغام" من الملف النووي الإيراني، وطمأنة القلقين (عالمياً وإقليمياً) من "النيَّات النووية الإيرانية المُضْمَرة" إلى أنَّ طهران لن "تُعَسْكِر" أبداً برنامجها النووي، فالرئيس السوري إنَّما قَصَدَ وحاول أن يُقْنِع دعاة فك وإنهاء تحالفه مع إيران بأنَّ العلاقة بين دمشق وطهران يمكن أن تصبح في منزلة بين منزلتين، أي في منزلة "الوسيط"، فلا قطيعة، ولا استمرار للتحالف بما يُفْسِد سير المفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل، ويمنع تحسُّناً محتملاً لعلاقة دمشق بكثير من عواصم الغرب، وفي مقدَّمها، في الوقت الحاضر، باريس، التي عَرَفَت، ولو عن اضطِّرار، كيف تُعدِّل سياستها اللبنانية بما يقع موقعاً حسناً من نفس الرئيس الأسد.
لقد أراد الرئيس السوري "المناورة" ليس إلاَّ، فالإسرائيليون بذلوا وسعهم لإقناعه بأنَّ "المفاوضات غير المباشرة" جادة وليست بالمناورة، وبأنَّها يمكن أن تغدو "مباشِرة"، وتنتهي إلى إنهاء النزاع بين سورية وإسرائيل، إذا ما استوفت شرطها الجوهري والجديد، وهو إنهاء دمشق لتحالفها مع طهران، فـ "الجولان في مقابل إيران".
وكان دور "الوسيط" بين إيران والغرب هو قوام تلك "المناورة" السورية؛ ولكنَّ طهران عَرَفَت كيف تُفْسِد هذه "المناورة"، وتُظْهِر سورية، بالتالي، على أنَّها "الحليف" الذي لا يصلح أبداً لأن يغدو "وسيطاً"؛ ثمَّ أنَّ طهران لا يهمها أمر باريس، فواشنطن، وواشنطن فحسب، هي مقصدها. وإذا أريد للنزاع النووي بين إيران والغرب أن يُحلَّ سِلْماً فلن يُحلَّ، بحسب قرار طهران، إلاَّ عبر مفاوضات مباشِرة بينها وبين واشنطن. ويكفي أن تظل طهران مصرِّة على قرارها هذا حتى لا يبقى من وزن يُذْكَر لباريس، التي طلبت مساعدة دمشق، ولدمشق التي حاولت (ولكن فشلت) أن تلبِّي هذا الطلب.
الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لخَّص النتائج النهائية لزيارة ومباحثات الأسد خير تلخيص إذا قال وهو يجلس إلى جانبه في مؤتمرهما الصحافي المشترك: "إنَّ شقيقي السيد بشار الأسد يقف إلى جانب إيران في ممارستها لحقِّها في امتلاك تقنية الطاقة النووية السلمية".
وغني عن البيان أنَّ الرئيس الفرنسي ساركوزي، وإذا ما ضربنا صفحاً عن الغاية الحقيقية الكامنة في طلبه المساعدة السورية، لم يكن في لهفة إلى سماع "خبر" كهذا الذي أذاعه نجاد، فـ "الخبر" الذي كان ممكناً أن يكون "خبراً"، أي كلاماً جديداً ومفيداً، هو نجاح الرئيس الأسد في إقناع الرئيس نجاد بإبداء الاستعداد لوقفٍ مؤقَّت لـ "تخصيب اليورانيوم"، فهذا هو وحده الإنجاز الذي يمكن أن "يساعِد في تهدئة النزاع".
ومع ذلك فالرئيس الأسد مضطَّرٌ إلى أن يبلغ الرئيس ساركوزي أنَّ الرئيس نجاد أكَّد له أنْ لا نيَّة لدى إيران لصنع قنبلة نووية، وأنَّ برنامجها النووي لن يُنْتِج مستقبلاً سوى الكهرباء، فما الضير في أن تمضي قُدُماً في عملية تخصيب اليورانيوم ما دامت الكهرباء هي الغاية النهائية؟!
عندئذٍ، قد يفهم الرئيس ساركوزي أنَّ الاحتمال الأقوى، إذا ما "تَصفَّر" احتمال الضربة العسكرية، هو أن تتولَّى طهران مستقبلاً دور "الوسيط"، أي أن تتوسط لتحسين العلاقة بين دمشق والعواصم الغربية.
جواد البشيتي
كانت غاية الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد لطهران أن يأتي منها بنتائج يمكن أن تساعد في خفض منسوب القلق الفرنسي، فالغربي عموماً وبالتالي، من البرنامج النووي الإيراني، فإذا به يجد نفسه مضطَّراً هناك إلى أن يسعى في خفض منسوب القلق الإيراني من بعض أبعاد وجوانب المفاوضات غير المباشرة (في تركيا) بين سورية وإسرائيل، ومن احتمال أن يطرأ تغيير على السياسة السورية بما يرضي الغرب، ويثير حفيظة وقلق ومخاوف إيران، التي لم يسرها أن يُسْمَح لبعضٍ من خصومها ومعارضيها (الدوليين والإقليميين) بإظهار وتصوير "الزيارة" على أنَّها بداية انتقال لسورية وسياستها من موقع "الحليف"، و"الحليف الاستراتيجي" لإيران، إلى موقع "الوسيط"، و"ساعي البريد"، بينها وبين الغرب.
وربما نجحت طهران في إقناع زائرها الكبير، وحليفها الاستراتيجي، بأنَّ "الحليف"، تعريفاً ومنطقاً وخواصَّاً، لا يمكنه أن يكون "وسيطاً"؛ ولو كان الجمع بين الدورين ممكناً لنجحت سورية وسائر الدول العربية بإقناع الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، وهو الولايات المتحدة، بأن يكون "وسيطاً (نزيهاً وموضوعياً وصادقاً)" في تسوية النزاع بين الطرفين (العرب وإسرائيل).
وهذا النجاح الإيراني ظَهَر وتأكَّد إذ أظهر الرئيس الأسد حرصاً (مثيراً لتساؤلات لا تخلو من علامات التعجُّب) على أن ينفي غير مرَّة عزمه القيام بدور الوسيط، أو ناقل الرسائل من الغرب إلى إيران، وكأنَّه لم يَزُرْ طهران إلاَّ ليُعْلِن منها عدم استعداده للاضطَّلاع بدور كهذا، وإنْ أبدى استعداداً للاضطِّلاع بدور "المساعِد في تهدئة النزاع (النووي بين إيران والغرب)" مستقبلاً، فإذا أردت أن تُطاع فاطلب المستطاع.
وأحسبُ أنَّ الرئيس الأسد لم يعلِّل نفسه بوهم أنَّ في مقدوره أن يضطَّلع بدور، يعطى من النتائج، ما يُظْهِره للعالم على أنَّه الشخص الذي نجح في ما فشل فيه غيره، أي في "نزع الألغام" من الملف النووي الإيراني، وطمأنة القلقين (عالمياً وإقليمياً) من "النيَّات النووية الإيرانية المُضْمَرة" إلى أنَّ طهران لن "تُعَسْكِر" أبداً برنامجها النووي، فالرئيس السوري إنَّما قَصَدَ وحاول أن يُقْنِع دعاة فك وإنهاء تحالفه مع إيران بأنَّ العلاقة بين دمشق وطهران يمكن أن تصبح في منزلة بين منزلتين، أي في منزلة "الوسيط"، فلا قطيعة، ولا استمرار للتحالف بما يُفْسِد سير المفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل، ويمنع تحسُّناً محتملاً لعلاقة دمشق بكثير من عواصم الغرب، وفي مقدَّمها، في الوقت الحاضر، باريس، التي عَرَفَت، ولو عن اضطِّرار، كيف تُعدِّل سياستها اللبنانية بما يقع موقعاً حسناً من نفس الرئيس الأسد.
لقد أراد الرئيس السوري "المناورة" ليس إلاَّ، فالإسرائيليون بذلوا وسعهم لإقناعه بأنَّ "المفاوضات غير المباشرة" جادة وليست بالمناورة، وبأنَّها يمكن أن تغدو "مباشِرة"، وتنتهي إلى إنهاء النزاع بين سورية وإسرائيل، إذا ما استوفت شرطها الجوهري والجديد، وهو إنهاء دمشق لتحالفها مع طهران، فـ "الجولان في مقابل إيران".
وكان دور "الوسيط" بين إيران والغرب هو قوام تلك "المناورة" السورية؛ ولكنَّ طهران عَرَفَت كيف تُفْسِد هذه "المناورة"، وتُظْهِر سورية، بالتالي، على أنَّها "الحليف" الذي لا يصلح أبداً لأن يغدو "وسيطاً"؛ ثمَّ أنَّ طهران لا يهمها أمر باريس، فواشنطن، وواشنطن فحسب، هي مقصدها. وإذا أريد للنزاع النووي بين إيران والغرب أن يُحلَّ سِلْماً فلن يُحلَّ، بحسب قرار طهران، إلاَّ عبر مفاوضات مباشِرة بينها وبين واشنطن. ويكفي أن تظل طهران مصرِّة على قرارها هذا حتى لا يبقى من وزن يُذْكَر لباريس، التي طلبت مساعدة دمشق، ولدمشق التي حاولت (ولكن فشلت) أن تلبِّي هذا الطلب.
الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لخَّص النتائج النهائية لزيارة ومباحثات الأسد خير تلخيص إذا قال وهو يجلس إلى جانبه في مؤتمرهما الصحافي المشترك: "إنَّ شقيقي السيد بشار الأسد يقف إلى جانب إيران في ممارستها لحقِّها في امتلاك تقنية الطاقة النووية السلمية".
وغني عن البيان أنَّ الرئيس الفرنسي ساركوزي، وإذا ما ضربنا صفحاً عن الغاية الحقيقية الكامنة في طلبه المساعدة السورية، لم يكن في لهفة إلى سماع "خبر" كهذا الذي أذاعه نجاد، فـ "الخبر" الذي كان ممكناً أن يكون "خبراً"، أي كلاماً جديداً ومفيداً، هو نجاح الرئيس الأسد في إقناع الرئيس نجاد بإبداء الاستعداد لوقفٍ مؤقَّت لـ "تخصيب اليورانيوم"، فهذا هو وحده الإنجاز الذي يمكن أن "يساعِد في تهدئة النزاع".
ومع ذلك فالرئيس الأسد مضطَّرٌ إلى أن يبلغ الرئيس ساركوزي أنَّ الرئيس نجاد أكَّد له أنْ لا نيَّة لدى إيران لصنع قنبلة نووية، وأنَّ برنامجها النووي لن يُنْتِج مستقبلاً سوى الكهرباء، فما الضير في أن تمضي قُدُماً في عملية تخصيب اليورانيوم ما دامت الكهرباء هي الغاية النهائية؟!
عندئذٍ، قد يفهم الرئيس ساركوزي أنَّ الاحتمال الأقوى، إذا ما "تَصفَّر" احتمال الضربة العسكرية، هو أن تتولَّى طهران مستقبلاً دور "الوسيط"، أي أن تتوسط لتحسين العلاقة بين دمشق والعواصم الغربية.