الأخبار
الهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينيةمستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية مشددة من قوات الاحتلالعائلات أسرى الاحتلال تطالب الوفد بتسريع إنجاز الصفقة خلال هذا الأسبوع
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

غزة....حرب الحصار ومعركة العبور بقلم:علاالجراح

تاريخ النشر : 2008-08-03
بين خطابين يقف المحلل السياسي العربي أمام المشهد الغزِّيّ ليعيد قراءته وتقييمه في ثورة وجدان تاريخية يُؤيدها العقل المطلق تدفع نحو المسار الأول هذا المسار يتعاطى بالفعل مع حدث تاريخي يعتبر من أبرز أحداث العالم والمنطقة العربية منذ الاستقلال، بل ومنذ تأسيس عصبة الأمم المتحدة فلقد كشفت المعركة الكبرى التي خاضها المجتمع الشعبي في غزة وأسقط الحصار ولو جزئيًا ونسبيًا بالعبور الجماعي إلى أشقائهم المصريين في رفح والعريش وبأخلاقيات عالية وكفاح أسطوري جمع بين الإصرار والعزيمة اللامتناهية المستندة إلى الإيمان بمفاهيم ومبادئ الرسالة الإسلامية والانتماء العربي الصلب، حين كان هذا التدفق البشري الهائل ينتقل إلى الجانب المصري أمام مشهد العالم ورؤية ناظريه، والذي قدّمت صورته في اقتدار ومهنية عظيمة قناة الجزيرة العربية في قطر.
لقد سجّل هذا المشهد في عبور أهل غزة وعودتهم ببضائعهم واحتياجاتهم الرئيسية إلى بيوتهم دلالات متتالية وقطعيات نهائية تقول للعالم: كم هي هذه الجريمة التاريخية التي ارتكبت تحت سمعه وبصره ومباركة زعماء الإرهاب الدولي في واشنطن حين يُقرر هؤلاء الإرهابيون دعم مجموعة من الصهاينة احتلّت أرضًا وجعلت جزءًا منها سجنًا لا يكتفي بحبس أهل الأرض، بل ويقطع عنهم الماء والكهرباء والوقود ووسائل المعيشة الضرورية للحياة.
ومهما بلغت تعبيرات الخطاب الإنساني والسياسي عن كارثة غزة التي تبناها المحيط العربي المؤمن بقضية فلسطين وبمشروع غزّة فلم تصل إلى الحدّ الذي قدَّمه مشروع العبور لشعب غزة، ولعلّ من أهم هذه الدلالات والتي بذل فيها شعب غزة كل أسباب التضحية والفداء والمقاومة التي سطرتها شعوب البشرية في حركة التحرير المعاصرة كانت تتركَّز في ما يُشبه العبور إلى وجدان الوطن العربي أرضًا وشعبًا وصعقه بمنقذ الحياة الكهربائي، وكأنه قد استفاقَ إلى عهد جديد من البعث التاريخي لأمته ورسالته صرخت في وجهه بقوة: إن تحطيم الحصار ومواجهة الطغاة والبغاة أمر في المقدور أن يُحقق لو صدقت العزيمة وتتابعت الوسيلة، وها نحن أمامكم شعبُ غزة: أكثركم حرمانًا وأقلكم إمكانيات قد تقدَّمنا لإسقاط خطّ بارليف الأكبر، فماذا أنتــم صانعون؟!
كيف نجح الشعبُ بحماس
أما المسار الثاني الذي نستعرض فيه إعادة قراءة الصورة وفهم تسلسل الأحداث، وكيف وصلت إلى معركة العبور في مواجهة مشروع حرب غزة العالمي الذي يدار بعزيمة ومتابعة دولية وصهيونية وعربية من الداخل والخارج، هذه الحرب رغم قوة معركة العبور إلا أنها لا تزال في بدايتها وشراستها لمواجهة مشروع التحرير الوطني للشعب الفلسطيني والأمة العربية بقيادة حماس.
لقد كان واضحًا لكل المراقبين السياسيين بأن مخططًا قد اعتمد من القيادة الدولية المعادية للوطن العربي والمرتبطة كليًا بمشروع الكيان الصهيوني لتنفيذ مشروع حرب إبادة بمواجهة عنيفة ضدّ شعب غزة أولاً ثم ينتقل إلى الضفة الغربية وعرب الثمانية والأربعين، فمدارات الأحداث والإعلان عن المشروع الأمريكي في أنابوليس وجلب الغطاء العربي له كان يُهيئ لمشروع هذه الحرب، وكان بالفعل ينتظر زيارة الرئيس الأمريكي حتى تُستكمل كل التوافقات الرئيسية لبدء المشروع وتنطلق بعد اختتامه؛ لأنه ليس من المعقول أن يُباشرَ الصهاينة هذا المشروع خلال زيارة بوش لا مراعاة للوجدان والرأي العام العربي، ولكن للناحية الأمنية والجوانب اللوجستية التي تعني واشنطن كثيرًا وهذا ما يُدلل على أنَّ قرار قطع إمدادات النفط وبالتالي الكهرباء وتحويل مستشفيات غزة إلى مقابر جماعية تتصدَّر حالة الإعدام الجماعي التي تتمُّ عبر الحصار وعبر القصف والاجتياحات الصهيونية كان مخططًا له ولم يكن مطلقًا لمواجهة صواريخ المقاومة الفلسطينية.
ومن الضروري جدًا أن نعي أن حركة حماس وفصائل المقاومة قد أقدمت لمرات عدَّة على تهدئاتٍ شاملة وعرض هدنة مرحلية يكفُّ بمقابلها الكيان الصهيوني عن عدوانه المتكرر المستبيح لكل الحرمات الإنسانية، ولكن تل أبيب لم تتجاوب ولم تقبل بهذا الاتفاق العسكري المحدود لتتجنَّب الصواريخ حسب زعمها، ولكنها سلسلة من الأعذار لا تنقطع قد احترفت تل أبيب تقديمها واستمرَّ الأمريكيون في الترويج لها.
المقاومة الشعبية ونجاح تاريخي
رغم حجم المعوقات والحرب السياسية والإعلامية التي شُنّت على حركة حماس وحكومتها الشرعية في غزة ودُعمت بأعمال اغتيال وهجوم عسكري منظم على شخصياتها ورموزها ومواقعها الاستراتيجية مع تحويل تلّ أبيب لسلطة رام الله لكي تكون ذراعًا أمنيًا مباشرًا يُعزز مشروعها ويضرب البنية التحتية للوحدة الاجتماعية للشعب الفلسطيني إلا أنَّ كل ذلك قد فشل فشلاً مضاعفًا.
لقد استطاعت حماس أن تتحوَّل في قطاع غزّة من حركة مقاومة طليعية رائدة في الفداء والاستشهاد وفي ضبط العمل العسكري وقوته وإدارة الصراع السياسي في مواجهة حرب عالمية أممية، ثمَّ انتقلت بهذا التحول لتندمج كليًا في شعب غزة وتذوب في شارعه حتى تحوَّل هذا الشعب إلى برنامج مقاومة شعبية كسر كل رهانات العدو على تفتيته.
فحركة الدفع الاحتجاجية التي انتهت بمعركة العبور للمقاومة الشعبية نحو الأشقاء للعودة إلى العمق العربي الطبيعي الذي يربطُ قضية فلسطين بالأمة لم تكن تُدار بصيغة قرارات من حركة حماس أو بياناتٍ إعلامية أو سياسية، إنما تُركت مفاهيم المقاومة الشعبية المدنية لكي تواجه واقع الحصار الإرهابي بكل المعايير وتُسقطه مع وجود عناصر حماس للمؤازرة المعنوية وضبط حركة الشارع المحتجّ؛ حتى لا يصدر منه أي موقف ذي عواقب سلبية، رغمَ حالة الإحباط والغضب المشروعة التي عاشها شعب غزة مع الصمت العربي الرسمي والتقصير الشعبي.
حماس في الصدارة
بدأت معركة العبور في مشهد مذهل تصدرته الحركة النسوية لحركة حماس مع جموع حاشدة من نساء وفتيات فلسطين وتجسَّد هذا النجاح الباهر في قدرة هذه الجموع عبر الإصرار والصبر في ظروف صعبة من تحقيق الاقتحام المدني السلمي لبوابة رفح المصرية، ذلك المشهد الذي كانت تتساقط فيه المناضلات الإسلاميات من جرَّاء البرد والإنهاك وتعرضهم لمدافع الضخّ المائي من قبل السلطات المصرية لم يُوقف هذه المسيرة والتي أحيت نبض رجل العروبة المصري أكان أمنيًا أو سياسيًا أو شعبيًا، وحطمت كل العوائق دون الإيمان بأن هذا العبور فريضة إنسانية لإنقاذ شعب مخنوق ومطارَد ومُصِرّ على قضيته التحررية الكبرى مهما بــلغ الثمن.
لقد هيأت هذه المسيرة المشهد للموقف الرسمي والشعبي لتتلوه معركة العبور، ولعلَّ من المفارقات الكبيرة في تاريخنا العربي المعاصر أن تكون حماس هذه الحركة الإسلامية بمشروع المقاومة النسائي التقدمي الذي خاضته حركتها النسوية في طليعة كل المشاريع النسائية العربية التي ترفع شعار النهضة والتحرّر، ولكنها في حركة حماس تأتي منطلقة من عمق الرسالة الإسلامية ومبادئ العروبة الخالصة.
توازنات حماس الدقيقة مستمرّة
وأمام كل هذه الثورة الوجدانية والعاطفية المشروعة حقّقت حماس في هذه المفاصل التاريخية الصعبة من حركة الكفاح الوطني الفلسطيني تقدمًا كبيرًا في قدرتها على ضبط خطابها ومواصلة جسورها مع النظام السياسي العربي والعمق الشعبي في الوطن العربي من خلال عدم محاسبة هذا النظام، رغم تورُّطه، واستمرار مدّ الجسور وإطلاق الاستعداد تلو الآخر لتحقيق الحدّ الأدنى من موازين التفاهم لتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية التي شقّتها سلطة رام الله مع تبنيها لخطاب مُلِحّ ومتجاوب للتعاطي مع الأطراف العربية التي رعت مسيرة الحوار الفلسطيني، رغم انقلاب سلطة رام الله على كل التوافقات التي عقدتها مع حماس، والتي كانت فيها تلتزم التزامًا مبدئيًا ومهنيًا بواجباتها ويسعى الآخرون لنقضها مباشرة كما حصل ذلك بعد اتفاق مكة حين أعلنت أطراف رام الله بعد وقت قصير من التوقيع عليه معارضتها الضمنية لبعض بنوده ورفضها لتطبيق البنود الأخرى، بل وانتهى الأمر إلى سخرية بعض الشخصيات المقرَّبة من محمود عباس من هذا الاتفاق ولَمْز رُعاته.
ماذا ينتظر المجتمع العربي؟!
ورغم هذا النجاح الكبير الذي تحقق بكفاح وتضحيات عظيمة من أبناء الشعب الفلسطيني إلا أن حلقات مشروع الحرب لن تقف عند هذه الحالة، لكن ما يعنينا هو ما قدمته معركة العبور من دلالة واقعية على قدرة الحراك الشعبي في إسقاط مشاريع العدوّ وحلفائه ومع حركة التضامن الشعبية التي سادت الوطن العربي إلا أن التقصير كان كبيرًا ولم يُقابل حجم الدفع الذي قدمته المقاومة الشعبية الفلسطينية.
وإن كانت المسئولية شاملة على العرب من المحيط إلى الخليج بالتحرك الشامل لكل أطراف المجتمع المدني العربي وتياراته الإسلامية والقومية ونخبه المستقلة وغيرهم للضغط في اتجاه دعم مبادرة المقاومة الشعبية الفلسطينية وضمان عدم إحباطها من جانب الطرف العربي غير أن الواجهة تتحول إلى مصر دون إعفاء الباقين، فقد كان متوقعًا بأن تتحرَّك قوى المجتمع المدني المصري وبالذات الإخوان المسلمون للمسئولية المبدئية والإسلامية والتاريخية لإقامة وجود مدني مكثّف في الجهة المصرية المقابلة لحدود غزة والاستمرار في تحريك الاحتجاجات الشعبية في الداخل لكن ذلك لم يحصل إلى الآن ولعله يأخذ مساره مستقبلاً.
إن من الواجب على التوجه السياسي العربي أن يدرك ضرورة التعامل مع الحكومة القائمة في غزة مهما اختلف الموقف الرسمي معها وتحديدًا في فتح المعابر الرسمية من كلا الاتجاهين لحركة الأفراد والبضائع وفتح المجال لتأمين إمدادات الصحة والأغذية والوقود والذي ستتكفله المساهمات الشعبية والرسمية في الوطن العربي، ومبادرة مصر بهذا الموقف سيضمن لها انضباطًا في حركة العبور حين تعترف بحكومة حماس على الميدان الواقعي، وتجربة الحكومات العربية مع حماس تؤكد حجم المصداقية والأداء الأمين الذي تتمتع به لإنجاز هذه المهام الإنسانية، فضلاً عن العمق العربي والإسلامي لعلاقة التاريخ والجوار.
ومرَّة أخرى فنحن نؤكد على هذه الحقيقة التي تُؤمن بمسئولية الجميع بمن فيهم أهل الخليج الذي توجَّه الخطاب الإعلامي لقناة الأقصى إليهم بصورة مكثفة لتذكرهم بالمسئولية للتضامن الفعلي مع غزة بالمال الإغاثي والدعم المعنوي وإمدادات الوقود المكتنز في أرضنا في الخليج، وأن الواجب الإسلامي الآن ليس تقديم الوعظ لشعب غزة فهو من يعظنا في هذه المحن وليس ذلك نُكوصًا عن الركون إلى الحقِّ عزَّ وجلَّ والإيمان بنصره، ولكنه تحرير للواجب الشرعي المطلوب تقديمه لأهل غزة عبر الدعم الذي ذكرناه، ولذا فإن خطابنا لمصر لكون معركة العبور قد آوت إلى أرضهم والجغرافيا تعني الكثير في مثل هذه القضايا الحساسة، فما بالك إن كانت الأرض المقابلة أرض مصر رمز العروبة والدفاع الإسلامي.
بقلم:علاالجراح.
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف