
أيام دراستي الجامعية حصل خلاف بين احد الدكاترة وواحد من زملائي وارتفع صوت الطالب على أستاذه .. وصمت الأستاذ حتى أنهى زميلي هذا صراخه .. وبعدها قال له أستاذي : اعلم أن الحق كان معك ، ولكن بمجرد انك بدأت بالصراخ ، فقد ضاع الحق بصراخك ..
ومن هذا المنطلق نجد أن العقلاء من الناس يلجئون إلى الحوار الجاد والمناقشات الهادئة الهادفة ، محاولة من كل واحد منهم أن يثبت حجته ويبين رأيه .. فكيف به إذ كان من طبقة متميزة مثقفة !!
فتراهم إذا وافقتهم فكرة ما اثنوا على ما ذهب إليه كاتبها ، فمرة يؤكدونها .. وأخرى يأتون باستدلالات جديدة لتؤكد صحة هذه الفكرة ..
وإذا رأوا أن ما أتاهم يخالف ما عرفوه وما علموه .. تراهم في الوقت نفسه يأتون بحججهم وأدلتهم .. لان الهدف في الأساس هو الوصول إلى الحق ، وليس تضيعه !!
هذا ما يحدث بالنسبة إلى العقلاء .. أما عند الجهلة من الناس فلأحاديثهم وردود الأفعال عندهم أشياء عجيبة وغريبة فترى أن لكل واحد منهم حجته في دحض البراهين والأفكار .. فتجد منهم من ينبح وآخر ينهق ووو ..
المهم انه إذا كان موافقا رايته يشير برأسه .. وإذا لم يوافق هواه فتراه يعبر عن غضبه ، وكلٌ حسبَ بيئته التي وجد نفسه فيها !! ولكن محصلة ذلك الغضب انك لا ترى سوى القاذورات تتطاير من هنا وهناك ..
فما الذي سيقوله القاري الكريم إذا ما شنف سمعه تلك الألفاظ النابية ، واستنشقت أذنيه تلك الروائح الكريهة ؟؟ وأي خارطة ذهنية سترتسم بذهنه عن أصحابها عندئذ ؟؟
وحرصا منا على الخير لنا ولكل كاتب في دنيا الوطن – من اجل أن يكون منبرنا راسخا ابيضا وان اختلفت أفكارنا فلا نجعل منها مدعاة لذهاب الود – ولذلك ومن هذا المبدأ أن يسعى القوي منا على أن يعين الضعيف ، لترتفع مستويات كل كاتب في هذا المنبر ..
فقد ورد أن عصفورا سقط في حفرة عميقة ضيقة في الأرض وحاول كثيرون إنقاذ هذا العصفور، بعضهم قال : نمد له خيطا ونلف الخيط حول عنقه ونسحبه ، ولكن لو فعلوا ذلك لاختنق العصفور ومات .. وبعضهم قال : نلقي لعصفور بشريط من الورق الطويل ونضع على الورق صمغا يلتصق بالعصفور ونجبه إلى أعلى .. وبعض الناس اخذ يدعوا الله أن يحقق المعجزة وينقد العصفور . وبعض الناس أدرك أن العصفور ميت لا محالة فاخذ يبكي عليه ثم انصرف إلى عمله ..
وجاء طفل صغير .. ولا بد انه فكر في كل هذه الاحتمالات .. وان لم يظهر عليه ذلك .. وفكر واهتدى إلى حل . هذا الحل هو نوع من المعجزة وجاء الطفل بزجاجة من الرمل الناعم . وبدا يلقي بالرمل بخفة وقليلا قليلا .. وعلى مهل وبصبر، فكان الرمل يهبط إلى قاع الحفرة الضيقة .. فيتحرك فوقه العصفور .. وبعد ساعات ارتفع الرمل تحت قدمي العصفور فارتفع العصفور نفسه ، وامتدت يد الطفل وأنقذت العصفور .
فالطفل بصبر ورفق رفع الأرض تحت قدمي العصفور فارتفع العصفور .
شيء من هذا يمكن أن يرفع الأرض تحت قدم كل شخص سقط في مثل هذه الحفر ، وان يعود إلى رشده وإنسانيته وان يرد الحجة بغيرها وان يدحض الدليل بدليل ..
وان قال إنسان أن هذا مستحيلا فنقول لا أن هذا ليس مستحيلا أبدا ..
فقد جاء شاعر من البادية إلى احد خلفاء بني العباس وبدأ يمتدحه :
أنت كالكلب في الوفاء .. وكالتيس في مقارعة الخطوب
فقام من في مجلس الخليفة وهموا قتله ، لأنه أساء للخليفة فضحك الخليفة وقال لهم : " اتركوه فهذه بيئته التي تعلم منها "
ثم أمر الخليفة بوضع الشاعر في احد قصوره إلى تظللها الأشجار الخضراء والمياه الرقراقة واسمعه من الأصوات العذبة ما جعله يشعر انه في إحدى الجنان .. فانطلق صادحا
عيون المها بين الرصافة والجسر .. جلبن لي الهوى من حيث ادري ولا أدري
حتى قال الخليفة لقد خشيت على الشاعر أن يموت رقة وعذوبة
وهذا القصيدة معروفة وأما الشاعر فهو علي بن الجهم قالها في احد خلفاء بني العباس ..
أما أن لنا أن نترك الصراخ والسباب والعويل .. ونصدح بعيون المها بين الرصافة والجسر .. وان تنوعت نغماتنا واختلفت ..
احمد النعيمي
[email protected]
ومن هذا المنطلق نجد أن العقلاء من الناس يلجئون إلى الحوار الجاد والمناقشات الهادئة الهادفة ، محاولة من كل واحد منهم أن يثبت حجته ويبين رأيه .. فكيف به إذ كان من طبقة متميزة مثقفة !!
فتراهم إذا وافقتهم فكرة ما اثنوا على ما ذهب إليه كاتبها ، فمرة يؤكدونها .. وأخرى يأتون باستدلالات جديدة لتؤكد صحة هذه الفكرة ..
وإذا رأوا أن ما أتاهم يخالف ما عرفوه وما علموه .. تراهم في الوقت نفسه يأتون بحججهم وأدلتهم .. لان الهدف في الأساس هو الوصول إلى الحق ، وليس تضيعه !!
هذا ما يحدث بالنسبة إلى العقلاء .. أما عند الجهلة من الناس فلأحاديثهم وردود الأفعال عندهم أشياء عجيبة وغريبة فترى أن لكل واحد منهم حجته في دحض البراهين والأفكار .. فتجد منهم من ينبح وآخر ينهق ووو ..
المهم انه إذا كان موافقا رايته يشير برأسه .. وإذا لم يوافق هواه فتراه يعبر عن غضبه ، وكلٌ حسبَ بيئته التي وجد نفسه فيها !! ولكن محصلة ذلك الغضب انك لا ترى سوى القاذورات تتطاير من هنا وهناك ..
فما الذي سيقوله القاري الكريم إذا ما شنف سمعه تلك الألفاظ النابية ، واستنشقت أذنيه تلك الروائح الكريهة ؟؟ وأي خارطة ذهنية سترتسم بذهنه عن أصحابها عندئذ ؟؟
وحرصا منا على الخير لنا ولكل كاتب في دنيا الوطن – من اجل أن يكون منبرنا راسخا ابيضا وان اختلفت أفكارنا فلا نجعل منها مدعاة لذهاب الود – ولذلك ومن هذا المبدأ أن يسعى القوي منا على أن يعين الضعيف ، لترتفع مستويات كل كاتب في هذا المنبر ..
فقد ورد أن عصفورا سقط في حفرة عميقة ضيقة في الأرض وحاول كثيرون إنقاذ هذا العصفور، بعضهم قال : نمد له خيطا ونلف الخيط حول عنقه ونسحبه ، ولكن لو فعلوا ذلك لاختنق العصفور ومات .. وبعضهم قال : نلقي لعصفور بشريط من الورق الطويل ونضع على الورق صمغا يلتصق بالعصفور ونجبه إلى أعلى .. وبعض الناس اخذ يدعوا الله أن يحقق المعجزة وينقد العصفور . وبعض الناس أدرك أن العصفور ميت لا محالة فاخذ يبكي عليه ثم انصرف إلى عمله ..
وجاء طفل صغير .. ولا بد انه فكر في كل هذه الاحتمالات .. وان لم يظهر عليه ذلك .. وفكر واهتدى إلى حل . هذا الحل هو نوع من المعجزة وجاء الطفل بزجاجة من الرمل الناعم . وبدا يلقي بالرمل بخفة وقليلا قليلا .. وعلى مهل وبصبر، فكان الرمل يهبط إلى قاع الحفرة الضيقة .. فيتحرك فوقه العصفور .. وبعد ساعات ارتفع الرمل تحت قدمي العصفور فارتفع العصفور نفسه ، وامتدت يد الطفل وأنقذت العصفور .
فالطفل بصبر ورفق رفع الأرض تحت قدمي العصفور فارتفع العصفور .
شيء من هذا يمكن أن يرفع الأرض تحت قدم كل شخص سقط في مثل هذه الحفر ، وان يعود إلى رشده وإنسانيته وان يرد الحجة بغيرها وان يدحض الدليل بدليل ..
وان قال إنسان أن هذا مستحيلا فنقول لا أن هذا ليس مستحيلا أبدا ..
فقد جاء شاعر من البادية إلى احد خلفاء بني العباس وبدأ يمتدحه :
أنت كالكلب في الوفاء .. وكالتيس في مقارعة الخطوب
فقام من في مجلس الخليفة وهموا قتله ، لأنه أساء للخليفة فضحك الخليفة وقال لهم : " اتركوه فهذه بيئته التي تعلم منها "
ثم أمر الخليفة بوضع الشاعر في احد قصوره إلى تظللها الأشجار الخضراء والمياه الرقراقة واسمعه من الأصوات العذبة ما جعله يشعر انه في إحدى الجنان .. فانطلق صادحا
عيون المها بين الرصافة والجسر .. جلبن لي الهوى من حيث ادري ولا أدري
حتى قال الخليفة لقد خشيت على الشاعر أن يموت رقة وعذوبة
وهذا القصيدة معروفة وأما الشاعر فهو علي بن الجهم قالها في احد خلفاء بني العباس ..
أما أن لنا أن نترك الصراخ والسباب والعويل .. ونصدح بعيون المها بين الرصافة والجسر .. وان تنوعت نغماتنا واختلفت ..
احمد النعيمي
[email protected]