م . ت . ف
خالد عبد القادر احمد
[email protected]
من المسائل التي ينقسم عليها اطراف الحوار الفلسطيني الداخلي , وتشكل بالنسبة للبعض اهمية قصوى في حين تشكل للبعض الاخر مستوى اقل من الاهمية , الذي يطرحه اليمين الفلسطيني, اما الصيغة التي يتم طرح الموضوع بها فهي ( صيغة المطالبة بتثوير هذه المنظمة ) . ان اللذين يطرحون الان بالحاح شديد مسالة ( تثوير) المنظمة, هم القوى اليمينة الفلسطينية ويتصدر موقفهم هذا حركة حماس , حيث من الواضح ان وزن الحركة في الواقع الفلسطيني , والاستقلالية الجغرافية والسياسية التي حصلت عليها بعمليتها الانفصالية , تجعل منها مظلة واقية وامنة تتجمع تحتها باقي قوى اليمين واليسار الفلسطينية في مطالب متعددة منها هذا المطلب.
بالطبع من المحزن المبكي , ذيلية موقف هذا اليسار , لقوى اليمين , خاصة اذا تذكرنا ان اليسار منذ عقود من السنين من بادر الى طرح مطلب ( تثوير ) المنظمة , وعجز عن تحقيق انجاز يذكر بهذا الصدد , وقد تغير الزمن والظروف المحيطة بهذا المطلب , فهل لا يزال محتوى ومضمون الشعار/ الطلب نفسه , ام ان النفوس والنوايا ( السياسية) تغيرت ايضا , وهل ياتي الطلب في سياق نفس محاولة التوظيف السابقة أم ان محاولة توظيف باتجاه اخر هو المطروح الان؟
كنا قد بينا في كتابات لنا سابقة وجهة نظرنا في اساس الانقسام الفلسطيني , ودللنا وبرهنا ان الفارق خطي بين ما هو وطني فلسطيني وما هو لاوطني, اما نتائج تفاعل هذا الاساس الخطي مع تواتر الاحداث والوقائع , فهو يكثف فحسب الصراع حول الوقائع ويجسده بصورة مواقف , لا بد وان تكون في حالة انقسام هي ايضا , بين محتوى موقف وطني ومحتوى موقف لا وطني , ان الخط النظري الاساس هو النظارة التي تحدد لون ما ننظر اليه في مختلف الاتجاهات والزوايا.
ان الاجابة على التساؤلات السابقة يتطلب التذكير بالبدايات وكيف تفاعلت مع مستجد الوقائع وكيف حصل التغير :
في نهاية الحرب العالمية الثانية استطاعت مجموعة من المجتمعات على الصعيد العالمي بفضل غريزة النزوع الى الحرية وبفضل التنوير الاشتراكي حول حق الامم بتقرير المصير ان تبلور قوى تحررقومي و وطني نجحت في قيادة مقاومة وطنية انتصرت على ( الوجود المباشر العسكري ) للاستعمار في بلدانها , وقد عملت هذه المجتمعات ودولها القومية يعد انتصارها على محاولة استكمال استقلالها عن الاستعمار اقتصاديا ايضا مستغلة ظروف الصراع العالمي بين المعسكرين الراسمالي والاشتراكي , مع استمرار نزوعها الى الاستقلال الوطني عن التبعية لاي من المعسكرين , وهي فعلا نجحت في تحقيق استقلال نسبي سياسي اقتصادي عنه , بل انها ايضا حاولت التعاضد والتحالف في صورة قوة عالمية عرفت بمعسكر عدم الانحياز
وتفاديا من الاستعمار ولمنع تكرار هذه التجربة فقد لجا الى الانسحاب عسكريا بصورة طوعية من مجتمعات اخرى مخلفا في هذه المجتمعات انظمة رجعية على علاقة وثيقة به , الامر الذي اورث منطقة الشرق الاوسط حالة الصراع بين الانظمة التقدمية والوطنية ( انظمة الاستقلال النسبي التي تحررت بفعل النضال الوطني ) والانظمة الرجعية ( التي انسحب عسكريا بصورة طوعية منها الاستعمار ) , وبالطبع انقسم موقف ونهج هذه الانظمة حول مختلف القضايا الاقليمية والعالمية
لقد كانت القضية الفلسطينية , احد مجالات صراع هذه الانظمة في المنطقة الناطقة بالعربية , فكان الاختلاف بالشعار والموقف والنهج ....الخ , بينهما حولها الذي انتهى بحسب ميزان القوى الذي يميل لصالح انظمة الاستقلال النسبي بفعل التاييد الشعبي العارم في المنطقة , الى قرار استقلالية التمثيل الفلسطيني لنفسه وسحبه من الرجعية الرسمية ,وهكذا ولدت م. ت. ف. كممثل للمجتمع الفلسطيني وقضيته وكان ذلك اول ضربة توجه فعليا لصيغة قرار التقسيم الذي تاسست القضية الفلسطينية بموجبه غير ان شرعية واستقلالية المنظمة للشعب الفلسطيني لم يكن لها مكان في الصراع والشرعية الدولية
ثم جاءت انطلاقة المبادرة الفلسطينية الخاصة في الحلقة الراهنة من عمر النضال التحرري الفلسطيني انطلاقا من مقولة الخصوصية الفلسطينية لتفجر الثورة الفلسطينية في صورة عمل فدائي ( ازعاجي ) غير متحرر بالكامل من فكرة المعركة القومية العربية الواحدة الشاملة لتحرير فلسطين , ودعم النظام السوري الوطني ( في ذلك الوقت ) هذه المبادرة الفلسطينية الامر الذي لم يتحمله صبر الاستعمار العالمي في ظل ظروف الصراع العالمي فكانت حرب 1967 التي وضع المعسكر الغربي كل ثقله السياسي والعسكري اثناءها لصالح الكيان الصهيوني مما انتهى بالحرب الى الهزيمة المعروفة , والتي كان من نتائجها
• تغير صيغة الاحتلال في الوضع الفلسطيني من صيغة التقسيم الى صيغة السيطرة الصهيونية الكلية عليها
• وضع الانظمة المهزومة في حالة ضعف واختلال ميزان قوى شديدين امام الاستعمار العالمي يسمح له بتعميق ازمة هذه الانظمة الداخلية وتوظيفها ( الازمة الداخلية ) لفرض الشروط الاستعمارية على هذه الانظمة
• ترسيخ موقع الثورة الفلسطينية جماهيريا واتساعها بصورة مفاجئة كتنت نتيجتها ابراز مستوى اعلى من استقلالية م ت ف بحكم استنادها الى قوة الثورة الفلسطينية , وتبعا لذلك تصاعد الصراع بين م ت ف وانظمة اقتسام فلسطين حول مسالة تمثيل المجتمع الفلسطيني في التسوية التي تاسس لها عالميا بقرار242 بهدف منع شغل م ت ف في الشرعية الدولية مكانة التمثيل الفلسطيني المستقل
لكن توسع الاعتراف الدولي بالنضال الفلسطيني والثورة الفلسطينية وتوسع علاقات الثورة الفلسطينية بالمعسكر الاشتراكي كان يمهد بصورة تراكمية لتثبيت مكانة م ت ف في ساحة العلاقات السياسية الدولية بصفتها ممثلا للمجتمع الفلسطيني وقضيته حيث كان من نتيجة ذلك تصعيد الهجوم الرجعي ضد هذه النقطة وقد واكب ذلك تغيرا في طبيعة نظام الحكم السوري ليعيد ترتيب نتائج المعركة لصالح نهج ضرب استقلالية التمثيل الفلسطيني فكان تصفية وجود الثورة في الاردن وقطع صلتها بالجماهير الفلسطينية فيه واغلاق اوسع نطاق جغرافي للاحتكاك العسكري بالكيان الصهيوني ومحاصرة الثورة في لبنان
وفي ردة فعل فلسطينية على نتائج الصراع والهزيمة في الاردن رفع شعار المطالبة بالبديل الثوري وكان في جوانب منه يمس القيادة الفلسطينية وعلى وجه الخصوص قيادة فتح اما الجانب الاخر فكان تثوير م ت ف , حيث بادر اليسار الفلسطيني الى رفع هذه المطالب والشعارات , والذي وان كان يحتوي على هدف تحسين مواقع اليسار في مركزية القرار الفلسطيني , الا ان الحجم الاساس من الهدف كان في محاولة تسخير امكانيات م ت ف للمهمة النضالية الفلسطينية وهو امر ولا شك ان م ت ف كانت بحاجة اليه كاطار للقومية الفلسطينية ومركز للقرار السياسي والمفروض ايضا انها موجه للمهمة الوطنية الفلسطينية وعلى وجه الخصوص في الشتات الفلسطيني
لقد انقسم في هذه المسالة ايضا الفلسطينيون وذلك تبعا للاسس الخطية ايضا
بهذا الصدد كانت حركة فتح الاكثر تمثيلا لمقولة الخصوصية الفلسطينية تعارض توسيع تمثيل اصحاب مقولة القومية العربية في موقع مركزية القرار الفلسطيني في المنظمة وقد تمسكت بنسب التمثيل السائدة فيها والتي كانت تحاصر بتنفذها حجم القرار الرسمي العربي في المنظمة من خلال محاصرة نسبة تمثيل الفصائل التي تمثل امتدادا لها في الواقع الفلسطيني , وقد استمر الوضع على هذا المنوال الى حين هزيمة الثورة في لبنان عبر تنسيق صهيوني عربي سمح بنجاح الاجتياح الاسرائيلي للبنان والقضاء على وجود الثورة فيه , ولم يقف الامر عند هذا الحد بل ان النظام السوري حاول الحاق مستوى اكبر من الهزيمة بالثورة الفلسطينية عبر عملية الانشقاق التي اسهم بصورة رئيسية في استحداثها في الواقع الفلسطيني ومحاولة استبدال م ت ف الوطنية ب م ف العوبة بيده , لكن الامر لم يتم له بفضل وعي الجماهير الفلسطينية ورفع شعار الحفاظ على استقلالية القرار الوطني الفلسطيني الذي يبدو ان واقعنا لا يزال حتى اللحظة يحتاجه
ان المتغيرات التي تلت الاجتياح الصهيوني للبنان وعلى الخصوص انهيار المعسكر الاشتراكي والاتقلاب الذي حمله في موقف المراكز الاستعمارية العالمية من نتائج فترة الحرب الباردة لعبت دورا ايجابيا بالنسبة للثورة الفلسطينية وموقع م ت ف في الصراع الدولي بالرغم من الهزيمة العسكرية التي لحقتها في لبنان , فقد تم اقليميا التقدم حطوة اخرى فلسطينيا في مسالة استقلالية وشرعية ووحدانية تمثيل م ت ف للشعب الفلسطيني وتوج ذلك بقرار فك الارتباط الاردني ( الاداري والقانوني ) اي بمستوى الحكم الذاتي حيث لم يشار الى السياسي والعسكري , كما ان اعتراف المركز الاهم في معسكر الاستعمار العالمي ب م ت ف واقامة العلاقات معها كان يشكل لطمة للمحاولات الاقليمية الصهيونية العربية لالغاء تمثيل م ت ف للشعب الفلسطيني اعتمادا على النتائج العسكرية للصراع
اما المتغير الاخر الذي حدث فهوانخراط الخط الديني في الصراع مع الكيان الصهيوني وطرحه الخط العسكري الجهادي الذي وان لم يزد عن الطابع الازعاجي , الا انه بسبب المقولة الدينية والايمان الشعبي بضرورة الكفاح المسلح ضد العدو الصهيوني فانه ازداد وزنا في ميزان العلاقات الداخلية الفلسطينية وعمق من وزن الخط اللاوطني عبر تقاطعه مع اصحاب مقولة القومية العربية الواحدة , وقد تبدى الاثر الضار لهذا التقاطع والتحالف بعد اتفاقيات اوسلو وتبلور السلطة الوطنية الفلسطينية حيث عمل مجمل تحالف الخط القومي العربي والخط الديني على عرقلة مسار التسوية واعاقة تطبيق الاتفاقيات في الواقع
ان مشكلة الخط القومي العربي والخط الديني واثرها في الواقع الفلسطيني انها تتمترس خلف رفض الانجاز السياسي الوطني الفلسطيني لانهم في اساسهم الخطي لا يرون خصوصية ولا استقلالية فلسطينية وتغيب عن رؤيتهم واقعة التنفيذ العربي الصهيوني المشترك لقرار التقسيم وكون السيطرة العربية على ما كان خارج السيطرة الصهيونية من فلسطين لم يكن سوى احتلالا لذلك فان هذا التحالف لا يرى
• في اي انجازات تعترف بالاستقلالية الفلسطينية انجازا يضرب صيغة تقسيم فلسطين التي كانت الاساس السياسي للحلقة الراهنة من القضية الفلسطينية
• انهم لا يرون في السلطة كمؤسسة تجسيدا ماديا للانجاز الوطني الفلسطيني ويحاكمون وجودها من خلال محاكمتهم لسلوك الافراد الذين يشغلون المناصب في هذه السلطة ( رغم انهم مارسو الديموقراطية المحرمة من اجل الوصول لهذه المناصب)
• انهم يريدون نظم الحركة الفلسطينية في الصراع تبعا لوتائر واتجاه حركة العواصم الاقليمية ويرفضون استقلالية الحركة الفلسطينية
هنا نجد معنى تثوير م ت ف الذي يرفعه كشعار القوميون العرب والاسلاميون , انه بالضبط ليس تثويرا بمقدار ما هو محاولة لزيادة وزن الخط القومي العربي والنهج الديني في م ت ف ويعبر عن ذلك في المطالبة بمحاصصة غير المحاصصة السائدة دون الاعتراف باتفاقيات م ت ف الدولية
لذلك يقتضي الامر توضيح خطورة هذا التثوير الذي يطالبون به وضرورة لفت انتباه اليسار الفلسطيني لخطورة هذا الامر وتفاوتاته مع مفهوم اليسار الفلسطيني في معنى التثوير
فنحن لسنا ضد مطلب التثوير الا اذا كان بالمعني الخطير المشار له في الفقرة السايقة , اما التثوير بمعنى ضرورة التفات م ت ف لمهمتها النضالية اي حشد قوة ومقدرات الشعب الفلسطيني للمهمة الوطنية وتقوية صلة م ت ف بالجماهير الفلسطينية فنحن معها اذا كانت بهدف الحفاظ على الانجاز الوطني الفلسطيني وتطويره
خالد عبد القادر احمد
[email protected]
من المسائل التي ينقسم عليها اطراف الحوار الفلسطيني الداخلي , وتشكل بالنسبة للبعض اهمية قصوى في حين تشكل للبعض الاخر مستوى اقل من الاهمية , الذي يطرحه اليمين الفلسطيني, اما الصيغة التي يتم طرح الموضوع بها فهي ( صيغة المطالبة بتثوير هذه المنظمة ) . ان اللذين يطرحون الان بالحاح شديد مسالة ( تثوير) المنظمة, هم القوى اليمينة الفلسطينية ويتصدر موقفهم هذا حركة حماس , حيث من الواضح ان وزن الحركة في الواقع الفلسطيني , والاستقلالية الجغرافية والسياسية التي حصلت عليها بعمليتها الانفصالية , تجعل منها مظلة واقية وامنة تتجمع تحتها باقي قوى اليمين واليسار الفلسطينية في مطالب متعددة منها هذا المطلب.
بالطبع من المحزن المبكي , ذيلية موقف هذا اليسار , لقوى اليمين , خاصة اذا تذكرنا ان اليسار منذ عقود من السنين من بادر الى طرح مطلب ( تثوير ) المنظمة , وعجز عن تحقيق انجاز يذكر بهذا الصدد , وقد تغير الزمن والظروف المحيطة بهذا المطلب , فهل لا يزال محتوى ومضمون الشعار/ الطلب نفسه , ام ان النفوس والنوايا ( السياسية) تغيرت ايضا , وهل ياتي الطلب في سياق نفس محاولة التوظيف السابقة أم ان محاولة توظيف باتجاه اخر هو المطروح الان؟
كنا قد بينا في كتابات لنا سابقة وجهة نظرنا في اساس الانقسام الفلسطيني , ودللنا وبرهنا ان الفارق خطي بين ما هو وطني فلسطيني وما هو لاوطني, اما نتائج تفاعل هذا الاساس الخطي مع تواتر الاحداث والوقائع , فهو يكثف فحسب الصراع حول الوقائع ويجسده بصورة مواقف , لا بد وان تكون في حالة انقسام هي ايضا , بين محتوى موقف وطني ومحتوى موقف لا وطني , ان الخط النظري الاساس هو النظارة التي تحدد لون ما ننظر اليه في مختلف الاتجاهات والزوايا.
ان الاجابة على التساؤلات السابقة يتطلب التذكير بالبدايات وكيف تفاعلت مع مستجد الوقائع وكيف حصل التغير :
في نهاية الحرب العالمية الثانية استطاعت مجموعة من المجتمعات على الصعيد العالمي بفضل غريزة النزوع الى الحرية وبفضل التنوير الاشتراكي حول حق الامم بتقرير المصير ان تبلور قوى تحررقومي و وطني نجحت في قيادة مقاومة وطنية انتصرت على ( الوجود المباشر العسكري ) للاستعمار في بلدانها , وقد عملت هذه المجتمعات ودولها القومية يعد انتصارها على محاولة استكمال استقلالها عن الاستعمار اقتصاديا ايضا مستغلة ظروف الصراع العالمي بين المعسكرين الراسمالي والاشتراكي , مع استمرار نزوعها الى الاستقلال الوطني عن التبعية لاي من المعسكرين , وهي فعلا نجحت في تحقيق استقلال نسبي سياسي اقتصادي عنه , بل انها ايضا حاولت التعاضد والتحالف في صورة قوة عالمية عرفت بمعسكر عدم الانحياز
وتفاديا من الاستعمار ولمنع تكرار هذه التجربة فقد لجا الى الانسحاب عسكريا بصورة طوعية من مجتمعات اخرى مخلفا في هذه المجتمعات انظمة رجعية على علاقة وثيقة به , الامر الذي اورث منطقة الشرق الاوسط حالة الصراع بين الانظمة التقدمية والوطنية ( انظمة الاستقلال النسبي التي تحررت بفعل النضال الوطني ) والانظمة الرجعية ( التي انسحب عسكريا بصورة طوعية منها الاستعمار ) , وبالطبع انقسم موقف ونهج هذه الانظمة حول مختلف القضايا الاقليمية والعالمية
لقد كانت القضية الفلسطينية , احد مجالات صراع هذه الانظمة في المنطقة الناطقة بالعربية , فكان الاختلاف بالشعار والموقف والنهج ....الخ , بينهما حولها الذي انتهى بحسب ميزان القوى الذي يميل لصالح انظمة الاستقلال النسبي بفعل التاييد الشعبي العارم في المنطقة , الى قرار استقلالية التمثيل الفلسطيني لنفسه وسحبه من الرجعية الرسمية ,وهكذا ولدت م. ت. ف. كممثل للمجتمع الفلسطيني وقضيته وكان ذلك اول ضربة توجه فعليا لصيغة قرار التقسيم الذي تاسست القضية الفلسطينية بموجبه غير ان شرعية واستقلالية المنظمة للشعب الفلسطيني لم يكن لها مكان في الصراع والشرعية الدولية
ثم جاءت انطلاقة المبادرة الفلسطينية الخاصة في الحلقة الراهنة من عمر النضال التحرري الفلسطيني انطلاقا من مقولة الخصوصية الفلسطينية لتفجر الثورة الفلسطينية في صورة عمل فدائي ( ازعاجي ) غير متحرر بالكامل من فكرة المعركة القومية العربية الواحدة الشاملة لتحرير فلسطين , ودعم النظام السوري الوطني ( في ذلك الوقت ) هذه المبادرة الفلسطينية الامر الذي لم يتحمله صبر الاستعمار العالمي في ظل ظروف الصراع العالمي فكانت حرب 1967 التي وضع المعسكر الغربي كل ثقله السياسي والعسكري اثناءها لصالح الكيان الصهيوني مما انتهى بالحرب الى الهزيمة المعروفة , والتي كان من نتائجها
• تغير صيغة الاحتلال في الوضع الفلسطيني من صيغة التقسيم الى صيغة السيطرة الصهيونية الكلية عليها
• وضع الانظمة المهزومة في حالة ضعف واختلال ميزان قوى شديدين امام الاستعمار العالمي يسمح له بتعميق ازمة هذه الانظمة الداخلية وتوظيفها ( الازمة الداخلية ) لفرض الشروط الاستعمارية على هذه الانظمة
• ترسيخ موقع الثورة الفلسطينية جماهيريا واتساعها بصورة مفاجئة كتنت نتيجتها ابراز مستوى اعلى من استقلالية م ت ف بحكم استنادها الى قوة الثورة الفلسطينية , وتبعا لذلك تصاعد الصراع بين م ت ف وانظمة اقتسام فلسطين حول مسالة تمثيل المجتمع الفلسطيني في التسوية التي تاسس لها عالميا بقرار242 بهدف منع شغل م ت ف في الشرعية الدولية مكانة التمثيل الفلسطيني المستقل
لكن توسع الاعتراف الدولي بالنضال الفلسطيني والثورة الفلسطينية وتوسع علاقات الثورة الفلسطينية بالمعسكر الاشتراكي كان يمهد بصورة تراكمية لتثبيت مكانة م ت ف في ساحة العلاقات السياسية الدولية بصفتها ممثلا للمجتمع الفلسطيني وقضيته حيث كان من نتيجة ذلك تصعيد الهجوم الرجعي ضد هذه النقطة وقد واكب ذلك تغيرا في طبيعة نظام الحكم السوري ليعيد ترتيب نتائج المعركة لصالح نهج ضرب استقلالية التمثيل الفلسطيني فكان تصفية وجود الثورة في الاردن وقطع صلتها بالجماهير الفلسطينية فيه واغلاق اوسع نطاق جغرافي للاحتكاك العسكري بالكيان الصهيوني ومحاصرة الثورة في لبنان
وفي ردة فعل فلسطينية على نتائج الصراع والهزيمة في الاردن رفع شعار المطالبة بالبديل الثوري وكان في جوانب منه يمس القيادة الفلسطينية وعلى وجه الخصوص قيادة فتح اما الجانب الاخر فكان تثوير م ت ف , حيث بادر اليسار الفلسطيني الى رفع هذه المطالب والشعارات , والذي وان كان يحتوي على هدف تحسين مواقع اليسار في مركزية القرار الفلسطيني , الا ان الحجم الاساس من الهدف كان في محاولة تسخير امكانيات م ت ف للمهمة النضالية الفلسطينية وهو امر ولا شك ان م ت ف كانت بحاجة اليه كاطار للقومية الفلسطينية ومركز للقرار السياسي والمفروض ايضا انها موجه للمهمة الوطنية الفلسطينية وعلى وجه الخصوص في الشتات الفلسطيني
لقد انقسم في هذه المسالة ايضا الفلسطينيون وذلك تبعا للاسس الخطية ايضا
بهذا الصدد كانت حركة فتح الاكثر تمثيلا لمقولة الخصوصية الفلسطينية تعارض توسيع تمثيل اصحاب مقولة القومية العربية في موقع مركزية القرار الفلسطيني في المنظمة وقد تمسكت بنسب التمثيل السائدة فيها والتي كانت تحاصر بتنفذها حجم القرار الرسمي العربي في المنظمة من خلال محاصرة نسبة تمثيل الفصائل التي تمثل امتدادا لها في الواقع الفلسطيني , وقد استمر الوضع على هذا المنوال الى حين هزيمة الثورة في لبنان عبر تنسيق صهيوني عربي سمح بنجاح الاجتياح الاسرائيلي للبنان والقضاء على وجود الثورة فيه , ولم يقف الامر عند هذا الحد بل ان النظام السوري حاول الحاق مستوى اكبر من الهزيمة بالثورة الفلسطينية عبر عملية الانشقاق التي اسهم بصورة رئيسية في استحداثها في الواقع الفلسطيني ومحاولة استبدال م ت ف الوطنية ب م ف العوبة بيده , لكن الامر لم يتم له بفضل وعي الجماهير الفلسطينية ورفع شعار الحفاظ على استقلالية القرار الوطني الفلسطيني الذي يبدو ان واقعنا لا يزال حتى اللحظة يحتاجه
ان المتغيرات التي تلت الاجتياح الصهيوني للبنان وعلى الخصوص انهيار المعسكر الاشتراكي والاتقلاب الذي حمله في موقف المراكز الاستعمارية العالمية من نتائج فترة الحرب الباردة لعبت دورا ايجابيا بالنسبة للثورة الفلسطينية وموقع م ت ف في الصراع الدولي بالرغم من الهزيمة العسكرية التي لحقتها في لبنان , فقد تم اقليميا التقدم حطوة اخرى فلسطينيا في مسالة استقلالية وشرعية ووحدانية تمثيل م ت ف للشعب الفلسطيني وتوج ذلك بقرار فك الارتباط الاردني ( الاداري والقانوني ) اي بمستوى الحكم الذاتي حيث لم يشار الى السياسي والعسكري , كما ان اعتراف المركز الاهم في معسكر الاستعمار العالمي ب م ت ف واقامة العلاقات معها كان يشكل لطمة للمحاولات الاقليمية الصهيونية العربية لالغاء تمثيل م ت ف للشعب الفلسطيني اعتمادا على النتائج العسكرية للصراع
اما المتغير الاخر الذي حدث فهوانخراط الخط الديني في الصراع مع الكيان الصهيوني وطرحه الخط العسكري الجهادي الذي وان لم يزد عن الطابع الازعاجي , الا انه بسبب المقولة الدينية والايمان الشعبي بضرورة الكفاح المسلح ضد العدو الصهيوني فانه ازداد وزنا في ميزان العلاقات الداخلية الفلسطينية وعمق من وزن الخط اللاوطني عبر تقاطعه مع اصحاب مقولة القومية العربية الواحدة , وقد تبدى الاثر الضار لهذا التقاطع والتحالف بعد اتفاقيات اوسلو وتبلور السلطة الوطنية الفلسطينية حيث عمل مجمل تحالف الخط القومي العربي والخط الديني على عرقلة مسار التسوية واعاقة تطبيق الاتفاقيات في الواقع
ان مشكلة الخط القومي العربي والخط الديني واثرها في الواقع الفلسطيني انها تتمترس خلف رفض الانجاز السياسي الوطني الفلسطيني لانهم في اساسهم الخطي لا يرون خصوصية ولا استقلالية فلسطينية وتغيب عن رؤيتهم واقعة التنفيذ العربي الصهيوني المشترك لقرار التقسيم وكون السيطرة العربية على ما كان خارج السيطرة الصهيونية من فلسطين لم يكن سوى احتلالا لذلك فان هذا التحالف لا يرى
• في اي انجازات تعترف بالاستقلالية الفلسطينية انجازا يضرب صيغة تقسيم فلسطين التي كانت الاساس السياسي للحلقة الراهنة من القضية الفلسطينية
• انهم لا يرون في السلطة كمؤسسة تجسيدا ماديا للانجاز الوطني الفلسطيني ويحاكمون وجودها من خلال محاكمتهم لسلوك الافراد الذين يشغلون المناصب في هذه السلطة ( رغم انهم مارسو الديموقراطية المحرمة من اجل الوصول لهذه المناصب)
• انهم يريدون نظم الحركة الفلسطينية في الصراع تبعا لوتائر واتجاه حركة العواصم الاقليمية ويرفضون استقلالية الحركة الفلسطينية
هنا نجد معنى تثوير م ت ف الذي يرفعه كشعار القوميون العرب والاسلاميون , انه بالضبط ليس تثويرا بمقدار ما هو محاولة لزيادة وزن الخط القومي العربي والنهج الديني في م ت ف ويعبر عن ذلك في المطالبة بمحاصصة غير المحاصصة السائدة دون الاعتراف باتفاقيات م ت ف الدولية
لذلك يقتضي الامر توضيح خطورة هذا التثوير الذي يطالبون به وضرورة لفت انتباه اليسار الفلسطيني لخطورة هذا الامر وتفاوتاته مع مفهوم اليسار الفلسطيني في معنى التثوير
فنحن لسنا ضد مطلب التثوير الا اذا كان بالمعني الخطير المشار له في الفقرة السايقة , اما التثوير بمعنى ضرورة التفات م ت ف لمهمتها النضالية اي حشد قوة ومقدرات الشعب الفلسطيني للمهمة الوطنية وتقوية صلة م ت ف بالجماهير الفلسطينية فنحن معها اذا كانت بهدف الحفاظ على الانجاز الوطني الفلسطيني وتطويره