الأخبار
الاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينيةمستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية مشددة من قوات الاحتلالعائلات أسرى الاحتلال تطالب الوفد بتسريع إنجاز الصفقة خلال هذا الأسبوعنعيم قاسم: لن نكون جزءاً من شرعنة الاحتلال في لبنان ولن نقبل بالتطبيعفتوح: تهجير عشرات العائلات من عرب المليحات امتداد مباشر لسياسة التطهير العرقي والتهجيرالنيابة والشرطة تباشر إجراءاتهما القانونية في واقعة مقتل شابة في مدينة يطا
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الصوت الخافت بقلم:مصطفى نصر

تاريخ النشر : 2008-08-03
الصوت الخافت
قصة : مصطفى نصر
طبول تدوي وتدق أذنيها ، القلب كسير والجسد يرتعش تحت الغطاء، فاجأتها حالة نشيج فاستسلمت لها وبكت، اهتز الجسد كله من أثر البكاء.
البنت روحية – أكبر بناتها – تنام بجوارها، تضع يديها مضمومتين أمام وجهها كأنها تتعبد ،والفتاتان الأخريان تنامان في الحجرة الأخرى. تداخلت الأصوات ، رعد ودقات طبول كأنها طلقات مدافع، وأصوات بعيدة لحيوانات مفترسة تقترب منها كلما اقترب النوم من عينيها ؛ فتوقظها .
لا حول ولا قوة إلا بالله ، الليل طويل لا ينتهي ،متى سيذهب ذلك الكابوس الذي يطاردها ؛ فتنام – كما كانت – ملء جفنيها وترتاح ؟
لقد مات الرجل منذ شهور ، مات موتة ربنا بعد معاناة طويلة مع المرض، كان – رغم المرض – ينام في الحجرة معها ، تغلق بابها عندما يحين وقت النوم ، والبنات الثلاث في الحجرة الأخرى وقتها ، لم تكن تسمع تلك الأصوات التي تأتي من بعيد ولا كانت الوحوش المفترسة تطاردها في نومها ويقظتها ، كان الجو هادئا وساكنا ومريحا ، والنوم يأتي بعد أن تضع رأسها على الوسادة مباشرة وتحلم في النوم، فتصحو فتجده بجوارها فوق الفراش .
عملت في إحدى المستشفيات ، وعملت البنت روحية لدى بائع مفروشات في شارع العطارين ليساعدا الرجل المريض ،كانتا راضيتين عن هذه الحياة ، لكن الرجل مات .
منذ أيام قلائل قالت لها امرأة جاءت تواسيها:
- المفروض أن يأتي أبوزيد ليربي أولاد أخيه.
- ماذا تقصدين ؟
قالت المرأة مستنكرة سؤالها هذا : لا أعلم .
أبوزيد – شقيق زوجها – أصغر منه، وأصغر منها . جاء إلى الإسكندرية مرات قليلة ، لم يبق بها سوى أيام معدودات ، وعاد بعدها إلى الصعيد . هو طويل مثل أخيه الذي مات ، لكنه أقوى ، يحكي الذين يأتون من بلدته عن قوته، وعن كمية الطعام غير العادية التي يتناولها في كل وجبة .
هذه عاداتهم في الصعيد ، أن يتزوج شقيق المتوفى أرملة أخيه ليربي أولاده؛ بدلا من أن يربيهم الغريب ، فيسب الزوج السابق ولا يحسن معاملة أبناءه .
لكن أبا زيد أصغر منها بكثير .
البنات الثلاث غير راضيات عن هذه الزيجة ، بل غير راضيات عن حضور عمهن إلى الإسكندرية ، ما الذي يشغلك ، أنت لست في حاجة إلى المال ، لديك راتب شهري أنت وأبنتك روحية يكفي كل الحاجات ،كما أن المرضى وزوارهم يعطونك بقشيشا يغنيك .
لكن البيت لابد له من رجل ، أي رجل .
جاءت عمة البنات ، ضربت على صدر المرأة قائلة :
- سيأتي أبوزيد إليك .
- إلى أنا ؟
- نعم .
- فليأتي إلى الإسكندرية ، لكن عندي ليس له مكان .
ضربتها العمة على صدرها ثانية بدلال:
- سيأتي أبوزيد إلى الإسكندرية من أجلك أنت .
- كيف ؟
ارتبكت ، تلعثمت ، لا تستطيع أن تنكر أن أشياء كثيرة في جسدها قد تغيرت ، وأن الحدة التي كانت تتحدث بها وتعارض؛ قد زالت . حاولت أن تستعيد حدتها وأن تتظاهر بالغضب لمجيء ذلك الرجل ، لكنها خابت وبدت الكلمات ضعيفة وواهنة .
ابتسمت عمة البنات وأدركت أن المرأة راغبة في الزواج منه.
الرجل الذي مات كان مريضا طوال الوقت، حتى في أيامه الأولى من الزواج ، تزوجته المرأة ولم تكن تدري أنه مريض ،وأنجبت منه البنات الثلاث .
لكن أبا زيد – أخاه الأصغر – مختلف، جسد كالجبل .
البنات الثلاث ينمن في الحجرة الأخرى الآن . ليلة الزواج أخذتهن عمتهن لتترك للعروسين الحجرتين يرتعان فيهما ،بكت البنات حزنا على أمهن وغضبن منها لأنها نسيت كل شيء من أجل شاب صغير .
أخفت البنات الثلاث دموعهن عنها ، لم يرتحن لعمهن ،خاصة البنت الثانية والثالثة ،فالأم وروحية تذهبان إلى عملهما ،ويبقى الرجل في فراشه ،يستيقظ بعد ذهاب المرأة إلى عملها بساعات عديدة، توصي المرأة البنتين بأن يستجيبا لطلباته ، تضعان الطعام له فوق الفراش.
تعجبت البنتان من القدر الكبير من الطعام الذي يأكله، ثم ينزل عن الفراش بعد استرخاء طويل،يدخن الشيشة وهو جالس على الكنبة يتابع المارة من خلال النافذة .
الرجل – والحق يقال- لم يسيء أبدا إلى بنت من بنات أخيه ، فهو يعامل امرأته بالحسنى، لم يغضبها ولم يسبها يوما ، لكن البنات غير راضيات عنه ، فهو يأكل كثيرا ، ولا يأتي بمليم واحد ،منذ أن جاء من الصعيد وهو عاطل ، لاحظت المرأة هذا في شهوره الأولى فابتسمت خجلي من نفسها، وقالت :"عريس وفي حاجة إلى الراحة " لكن الوقت يمر وهو كما هو ، لم تحس المرأة بالتغيير الذي حدث لميزانية البيت ، أو ربما أرادت ألا تحس بذلك ، فنبهتها روحية : يا أمي نقودك ونقودي تذهب إلى زوجك الذي يأكل كثيرا .
أول الأمر لم تهتم وقررت أن تأتي على نفسها ، فامتنعت عن شرب الشاي في المستشفى، ولم تشارك زميلاتها في شراء شيء هناك ، اكتفت بطعام المستشفى المجاني من أجل توفير النقود لأكله ودخانه، لكن الوقت طال ،وهو لم يفكر في العمل .اقتربت منه وقالت وهي منحنية فوق جسده القوي:
- أبا زيد ، لماذا لا تتقدم لعمل ما ؟
تثاءب ورفع صدره لأعلى ؛ فرفعها معه ، وقال: سأفكر في الأمر .
اعتذرت وداعبته ولم تتركه إلا بعد أن أطمأنت أنه لم يغضب ولم يأخذ على خاطره.
الشهور تمر وهو كما هو وهي كما هي، تتحمل المشاق في المستشفى من أجل مبالغ قليلة لكي تغطي نفقاته.
البنت روحية أعلنتها صريحة وبلا حياء :
- حرام أن نعمل أنا وأنت من أجله وهو نائم معظم الوقت .
لم تجبها المرأة ، هي لا تريد أن تغضبه ، لكن روحية عندها حق وألف حق، هو لا يريد أن يفعل شيئا . كل الذين جاءوا من الصعيد بعده عملوا أعمالا منتظمة واكتفى هو بالزواج وحمد الله على هذا .
كان صدر أبوزيد العريض يعلو ويهبط في انتظام فوق الفراش، والمرأة تنظر إليه في تردد ، تريد أن تلمس الجسد القوي بيديها ؛ توقظه ، والبنات الثلاث في الحجرة الأخرى يدفعنها لكي تتخذ موقفا .
والدهن كان مريضا ، تزوجته مريضا ولم تحس بمدى ضعفه إلا بعد أن جاء هذا الشاب إليها من الصعيد .الرجل عيبه الوحيد أنه لا يعمل ويريد أن يعيش من عرقها وعرق ابنتها وأن يأخذ من قوتها وقوت بناتها الثلاث، وياليته يقنع بالقليل ، فطعامه يتكلف كثيرا ، أكثر مما تقدر عليه .
البنات الثلاث لا يحببنه ولم يرغبن فيه زوجا لأمهن ،هن يدفعنها لاتخاذ موقف معه، ويشرن إليها من الحجرة الأخرى لكي تدخل حجرته لتواجهه.
المرأة لم تستطع، بكت وارتدت ملابسها وخرجت. عندما اقتربت البنات منها دفعتهن عنها في غضب وأجهشت في البكاء .ذهبت إلى عمة البنات ، قالت لها :
- أخوك لا يريد أن يعمل، يريد أن يقضي كل وقته في الفراش
- وماذا تريدين منه ؟
- أريد ، أريد .
لم تستطع أن تكمل ، ارتمت في صدر عمة البنات وأجهشت في البكاء.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف