بعد السهولة المفرطة لانقلاب 17 يوليو 1968 ,والذي تم على أساسه تغيير حكم و نظام الرئيس السابق الراحل عبد الرحمن عارف من خلال فتح ضباط حماية الرئيس من أفراد عشيرته لوانيت (بيك آب ) حزب البعث العراقي و تقاسم السلطة بين البعثيين والعناصر العسكرية الخائنة لولي أمرها, وأهمهم المقدم عبد الرزاق النايف و المقدم إبراهيم الداود والرائد سعدون غيدان , كان واضحا أن الصراع على السلطة و الحكم قد بلغ درجة أخرى من درجات التصعيد, خصوصا و أن صيغة التقاسم و بالشكل الذي تمت به لم يكن مرغوبا بها من الكثير من الأطراف , فالبعثيون قد علموا بنية العسكريين من حماية الرئيس بالقيام بانقلاب عسكري من خلال أحد رجالهم و هو الرائد أحمد العاني أحد أقارب القيادي البعثي المعروف طاهر العاني والذي أخبرهم فيما بعد أن عبد الرزاق النايف قد قرر التعامل مع البعثيين على مضض, ولكنه قد وضع خطته للتخلص منهم في وقت لن يتجاوز منتصف شهر أغسطس عن طريق قتل البكر و عدد من الضباط الموالين له و للبعث! و من هنا قرر البعثيون التغذي بالنايف و مجموعته قبل أن يتعشى النايف بهم , و بدأ صراع الذئاب من الإنقلابيين وسط أنباء عن خلافات عقائدية و سياسية بشأن التعامل مع الملف النفطي أو القضايا الداخلية و بدأ الوئام على السطح و في ظاهر الصورة بين الرئيس الجديد البكر و رئيس وزرائه عبد الرزاق النايف فيما كان الجهاز السري لحزب البعث " حنين " و بقيادة صدام حسين و مجموعته من عتاة الشقاوات و "السرسرية" و القتلة, و في طليعتهم أخوه برزان التكريتي و سعدون شاكر و صلاح عمر العلي وجعفر الجعفري, يعد العدة و الخطة السريعة للقضاء على النايف بأسرع وقت و قبل الموعد المحدد من قبل النايف للإجهاز عليهم , و فعلا نصب الكمين و "الفخ" و "المصيدة" غدرا لفئران النايف و على الطريقة التي إتبعها والي مصر محمد علي ضد المماليك في مجزرة القلعة الشهيرة و تمت دعوة النايف لوليمة غذاء في القصر الجمهوري ظهر يوم 30 يوليو 1968 , و بعد الإنتهاء من تناول الغذاء و كانت وجبته الرئيسية "لحم الغزال" و خلال تناول الرئيس البكر و ضيفه و رئيس وزرائه النايف للقهوة و الشاي إقتحمت عليهم الجلسة مجموعة مسلحة كان على رأسها صدام حسين نفسه و أجبرت النايف على الإستسلام و الخروج بهدوء من القصر الجمهوري بإتجاه المطار الذي كانت تربض فيه طائرة خاصة كانت معدة لنقله للعاصمة المغربية الرباط ليكون سفيرا للعراق هناك بعد أن تم الإتفاق على عدم تصفيته جسديا, بل إبعاده فقط لأن الصراع البريطاني- الأميركي على الملف العراقي وقتذاك لم يكن يحبذ نهايات دموية! فكلا الطرفين البعثيون و العسكريون, كانوا من المنخرطين و المتورطين في ملفات الصراع تلك, و كانوا أحد أهم أدواته!
أما شريك النايف المقدم إبراهيم الداود فقد كان في زيارة للقطعات العسكرية العراقية في الأردن و حيث تم الإتصال بالضابط البعثي وقتذاك المرحوم حسن مصطفى النقيب لغرض إعتقال الداود و إعادته مخفورا للعراق إلا أنه تم فيما بعد السماح له باللجوء لإحدى دول الجوار العراقي دون أن يعود للعراق أبدا , فيما جرت حملة إعتقالات داخلية لأنصار النايف في العراق و في الحرس الجمهوري أدت لهيمنة مطلقة للبعثيين على السلطة , و الغريب أن جاسوس البعثيين داخل تجمع جماعة النايف, و هو الرائد أحمد سليمان العاني, قد إنتهى نهاية غامضة بعد أسابيع من الانقلاب إذ كان من المقرر أن يسافر لألمانيا لعلاج زوجته المريضة, و لكنه اختفى في مطار بغداد و لم يعد أي أحد ولا حتى عائلته يسمع بأخباره أبدا ,بل أن قريبه القيادي البعثي والموجود حاليا في السجن الاميركي في العراق و الوزير و القيادي البعثي السابق طاهر توفيق العاني لم يعرف بمصيره أبدا! ولربما كان يعلم و لكنه فضل الصمت المطبق حتى اليوم! و إختفاء ذلك الضابط الذي كان عين البعثيين على العسكريين يظل واحدا من أعجب و أغرب الألغاز في قصة ذلك الانقلاب الذي سلم العراق لمجموعة من المغامرين و انتهوا به فيما بعد لذل الإحتلال و الدمار الرهيب الحالي.
البعثيون و بعد سنوات من التضليل و الصمت الإعلامي ذكروا رواية معاكسة لقصة انقلابهم على شريكهم النايف من خلال ما ذكره التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر القطري الثامن لحزب البعث و الذي عقد العام 1974 بعد الإنتهاء من مجموعة المرحوم القيادي البعثي اللامع عبد الخالق السامرائي, وكذلك الإنتهاء من قصة مدير الأمن العام السفاح ناظم كزار بزون و مجموعته من القتلة و السفاحين اذ ذكر التقرير بأن البعثيين كانوا في نية ووارد الانقلاب على عبد الرحمن عارف قبل أن يفاجئهم العسكريون بالدعوة للإنضمام لهم! وهي رواية مضحكة و غير سليمةاذ ان البعثيين لم يكونوا يمتلكون النفوذ و لا القوة العسكرية و الشعبية التي تتيح لهم الإجهاز على النظام و لكن بعد التخلص من جميع المنافسين تمكنوا من ترتيب ورواية ما يريدونه من روايات و أساطير , و قد كانت نهايات العسكريين من الإنقلابيين مفجعة , فعبد الرزاق النايف الذي لم يقتل يوم 30 يوليو قتل بعد عشرة أعوام في صيف 1978 و في وسط مدينة لندن وعلى بوابة فندق" شيراتون ماي فير" وقاتله ما زال حتى اليوم في السجون البريطانية! أما الآخرون فالبعض بقي في السلطة البعثية حتى مات كمدا مثل سعدون غيدان و الآخرون طواهم النسيان , و كل أطراف الانقلاب باتت اليوم في حكم العدم بين مشنوق أو مقطوع الرأس أو مشرد
لقد كان انقلاب 30 يوليو هو الواجهة الحقيقية لانفراد حزب البعث العراقي بحكم العراق, و من ثم بروز الظاهرة الفاشية فيه بقيادة صدام و مجموعته, والذي تمكن في النهاية من التخلص من حزب البعث ذاته ليحول الحكم في العراق لاقطاعية عشائرية و عائلية خاصة إنتهت في آخر المطاف بالجحيم الحالي المعاش.
أربعون عاما مرت على عض ذئاب الانقلابيين للحوم بعضهم البعض فيما يظل العراق في حالة نزيف حتى تقرر لعبة الأمم الخبيثة لعبتها الجديدة.
[email protected]
أما شريك النايف المقدم إبراهيم الداود فقد كان في زيارة للقطعات العسكرية العراقية في الأردن و حيث تم الإتصال بالضابط البعثي وقتذاك المرحوم حسن مصطفى النقيب لغرض إعتقال الداود و إعادته مخفورا للعراق إلا أنه تم فيما بعد السماح له باللجوء لإحدى دول الجوار العراقي دون أن يعود للعراق أبدا , فيما جرت حملة إعتقالات داخلية لأنصار النايف في العراق و في الحرس الجمهوري أدت لهيمنة مطلقة للبعثيين على السلطة , و الغريب أن جاسوس البعثيين داخل تجمع جماعة النايف, و هو الرائد أحمد سليمان العاني, قد إنتهى نهاية غامضة بعد أسابيع من الانقلاب إذ كان من المقرر أن يسافر لألمانيا لعلاج زوجته المريضة, و لكنه اختفى في مطار بغداد و لم يعد أي أحد ولا حتى عائلته يسمع بأخباره أبدا ,بل أن قريبه القيادي البعثي والموجود حاليا في السجن الاميركي في العراق و الوزير و القيادي البعثي السابق طاهر توفيق العاني لم يعرف بمصيره أبدا! ولربما كان يعلم و لكنه فضل الصمت المطبق حتى اليوم! و إختفاء ذلك الضابط الذي كان عين البعثيين على العسكريين يظل واحدا من أعجب و أغرب الألغاز في قصة ذلك الانقلاب الذي سلم العراق لمجموعة من المغامرين و انتهوا به فيما بعد لذل الإحتلال و الدمار الرهيب الحالي.
البعثيون و بعد سنوات من التضليل و الصمت الإعلامي ذكروا رواية معاكسة لقصة انقلابهم على شريكهم النايف من خلال ما ذكره التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر القطري الثامن لحزب البعث و الذي عقد العام 1974 بعد الإنتهاء من مجموعة المرحوم القيادي البعثي اللامع عبد الخالق السامرائي, وكذلك الإنتهاء من قصة مدير الأمن العام السفاح ناظم كزار بزون و مجموعته من القتلة و السفاحين اذ ذكر التقرير بأن البعثيين كانوا في نية ووارد الانقلاب على عبد الرحمن عارف قبل أن يفاجئهم العسكريون بالدعوة للإنضمام لهم! وهي رواية مضحكة و غير سليمةاذ ان البعثيين لم يكونوا يمتلكون النفوذ و لا القوة العسكرية و الشعبية التي تتيح لهم الإجهاز على النظام و لكن بعد التخلص من جميع المنافسين تمكنوا من ترتيب ورواية ما يريدونه من روايات و أساطير , و قد كانت نهايات العسكريين من الإنقلابيين مفجعة , فعبد الرزاق النايف الذي لم يقتل يوم 30 يوليو قتل بعد عشرة أعوام في صيف 1978 و في وسط مدينة لندن وعلى بوابة فندق" شيراتون ماي فير" وقاتله ما زال حتى اليوم في السجون البريطانية! أما الآخرون فالبعض بقي في السلطة البعثية حتى مات كمدا مثل سعدون غيدان و الآخرون طواهم النسيان , و كل أطراف الانقلاب باتت اليوم في حكم العدم بين مشنوق أو مقطوع الرأس أو مشرد
لقد كان انقلاب 30 يوليو هو الواجهة الحقيقية لانفراد حزب البعث العراقي بحكم العراق, و من ثم بروز الظاهرة الفاشية فيه بقيادة صدام و مجموعته, والذي تمكن في النهاية من التخلص من حزب البعث ذاته ليحول الحكم في العراق لاقطاعية عشائرية و عائلية خاصة إنتهت في آخر المطاف بالجحيم الحالي المعاش.
أربعون عاما مرت على عض ذئاب الانقلابيين للحوم بعضهم البعض فيما يظل العراق في حالة نزيف حتى تقرر لعبة الأمم الخبيثة لعبتها الجديدة.
[email protected]