
"قضاءٌ" وظَّف عنده "القضاء والقدر"!
جواد البشيتي
مَنْ أراد أن يقف على الحقيقة العارية (من كل وهم وخداع وتضليل.. وتجميل) لـ "القضاء"، نظاماً ومؤسَّسات وأشخاص، في عالمنا العربي، فها هي محكمة مدينة سفاجا (جنوب مصر) تُهيِّئ له الفرصة، وتساعده كثيراً.
أعْلَم أنَّ هناك من رجال القانون، المتعصِّبين للقضاء، والمنافحين عن نزاهته وموضوعيته واستقلاله، مَنْ سيعترِض قائلاً إنَّ حُكْم تلك المحكمة، مع حيثياته، يصلح، أو قد يصلح دليلاً، على صحَّة وصدق "الصورة الرمزية" لـ "العدالة (القضائية)"، والتي تَظْهَر فيها تلك العدالة على هيئة شخص معصوب العينين، يُمْسِك بيده ميزاناً تتوازن كفَّتاه، فـ "العدالة" إذا أخذت مجراها الطبيعي والسليم في قضية ما قد تُصْدِر حُكْماً لا يقع موقعاً حسناً من نفوس أُناسٍ كُثْر، فتُبرِّئ فيه مُتَّهماً؛ لأنَّه يستحق التبرئة، وتُجرِّم الضحية؛ لأنَّها تستحق التجريم.
ولكنَّ التاريخ الواقعي للقضاء في عالمنا العربي، الذي فيه من الظُلْم والغبن وضياع الحقوق وفساد العدالة ما يجعله مملكة للاستبداد الشرقي، لا يُثْبِت دائماً إلاَّ شيئاً واحداً هو أنَّ "الفصل بين السلطات الثلاث"، و"استقلال القضاء"، ليسا سوى أُكذوبة وخرافة ووهم خالص، فأصغر عضو في السلطة الفعلية الحقيقية يستطيع أن يُسيِّر رياح العدالة (القضائية) بما تشتهي سفينته، أو "عبَّارته".
كبير المتَّهمين في قضية موت أكثر من ألف مواطن مصري بسبب غرق العبَّارة "السلام 98"، والتي لم يُغْرِقها سوى الفساد، ليس بالمواطن العادي، فهو المالك للشركة التي تملك تلك "العبَّارة"، والذي بفضل ما يملك من مال وثراء ونفوذ اقتصادي اشترى منصب "العضو في مجلس الشورى"، واشترى نفوذاً له بين كبار أعضاء السلطة الفعلية الحقيقة، فمكَّنوه، أوَّلاً، من الهروب إلى بريطانيا، ثمَّ زجوا بكل قواهم في معركة تبرئة ساحته، وكأنَّهم في دفاعهم عنه يدافعون عن أنفسهم، وعن المصالح المشتركة بينهم وبينه، فأنطقوا القاضي، في تلك المحكمة، إذ أروه ما يكفي من "الجَزَر" و"العِصِيِّ"، بما يُبرِّئ ساحته، ويُجرِّم أحد الضحايا وهو رُبَّان العبَّارة الذي اعتقد أنَّه قادر وحده على مكافحة الحريق الذي اندلع فيه، رافضاً، على ما زُعِم، العودة إلى الميناء السعودي الذي منه غادرت العبَّارة المنكوبة، فـ "الحقيقة"، كلها أو معظمها، تسكن دائماً جثَّة القتيل، ولا بأس، بالتالي، من تجريم الضحية، والضحايا جميعاً!
القاضي "المستقل النزيه"، لم يرَ من جريمة في ذلك الذي حدث قبل نحو سنتين، فكيف له، بالتالي، أن يرى مجرماً حقيقياً، أو مجرمين حقيقيين؛ ولقد حَمَلَتْهُ "العدالة"، التي يزنها بـ "ميزان الذهب"، في معناه الحقيقي لا المجازي، على أن يُصوِّر الجريمة على أنَّها "حادث"، تضافر "القضاء والقدر" و"الضحايا" على إحداثه!
وإنْ كان لا بدَّ من "مؤاخَذة" أحد على ما حدث فَلِمَ لا يؤاخِذ ربَّان باخرة أخرى على تقاعسه عن مساعدة تلك العبَّارة عندما أرسلت نداء استغاثة غير مرَّة، فاتُّهِم هذا الربَّان بأنَّه كان "عديم الرحمة"، ثمَّ عوقِب بالسجن ستة أشهر مع تغريمه غرامة قيمتها 1200 يورو.
حتى "العبَّارة" نفسها بُرِّئت ساحتها، فـ التحقيق الفنِّي" أثبت أنَّها كانت سليمة، خالية من العيوب والأعطال، فالحقُّ كل الحقِّ على الضحايا أنفسهم، وعلى ربَّان العبَّارة الذي قضى نحبه وهو يحاول إخماد الحريق، مع التذكير، إنْ نفعت الذكرى، بيد "القضاء والقدر"، الذي هو "موظَّف" عندنا، وظيفته الدائمة هي توزيع "صكوك البراءة"!
الجريمة كانت كبيرة؛ أمَّا "الجريمة الكبرى" فوقعت إذ صَدَر ذلك الحُكْم القضائي، الذي على ما ألحقه بالعدالة والضحايا من ضرر أفادنا كثيراً إذ جاء بمزيد من الأدلة على أن لا معنى لـ "الفصل بين السلطات" و"استقلال القضاء" سوى المعنى الآتي: انفصال واستقلال السلطة التنفيذية، في عالمنا العربي، عن المجتمع والشعب.
جواد البشيتي
مَنْ أراد أن يقف على الحقيقة العارية (من كل وهم وخداع وتضليل.. وتجميل) لـ "القضاء"، نظاماً ومؤسَّسات وأشخاص، في عالمنا العربي، فها هي محكمة مدينة سفاجا (جنوب مصر) تُهيِّئ له الفرصة، وتساعده كثيراً.
أعْلَم أنَّ هناك من رجال القانون، المتعصِّبين للقضاء، والمنافحين عن نزاهته وموضوعيته واستقلاله، مَنْ سيعترِض قائلاً إنَّ حُكْم تلك المحكمة، مع حيثياته، يصلح، أو قد يصلح دليلاً، على صحَّة وصدق "الصورة الرمزية" لـ "العدالة (القضائية)"، والتي تَظْهَر فيها تلك العدالة على هيئة شخص معصوب العينين، يُمْسِك بيده ميزاناً تتوازن كفَّتاه، فـ "العدالة" إذا أخذت مجراها الطبيعي والسليم في قضية ما قد تُصْدِر حُكْماً لا يقع موقعاً حسناً من نفوس أُناسٍ كُثْر، فتُبرِّئ فيه مُتَّهماً؛ لأنَّه يستحق التبرئة، وتُجرِّم الضحية؛ لأنَّها تستحق التجريم.
ولكنَّ التاريخ الواقعي للقضاء في عالمنا العربي، الذي فيه من الظُلْم والغبن وضياع الحقوق وفساد العدالة ما يجعله مملكة للاستبداد الشرقي، لا يُثْبِت دائماً إلاَّ شيئاً واحداً هو أنَّ "الفصل بين السلطات الثلاث"، و"استقلال القضاء"، ليسا سوى أُكذوبة وخرافة ووهم خالص، فأصغر عضو في السلطة الفعلية الحقيقية يستطيع أن يُسيِّر رياح العدالة (القضائية) بما تشتهي سفينته، أو "عبَّارته".
كبير المتَّهمين في قضية موت أكثر من ألف مواطن مصري بسبب غرق العبَّارة "السلام 98"، والتي لم يُغْرِقها سوى الفساد، ليس بالمواطن العادي، فهو المالك للشركة التي تملك تلك "العبَّارة"، والذي بفضل ما يملك من مال وثراء ونفوذ اقتصادي اشترى منصب "العضو في مجلس الشورى"، واشترى نفوذاً له بين كبار أعضاء السلطة الفعلية الحقيقة، فمكَّنوه، أوَّلاً، من الهروب إلى بريطانيا، ثمَّ زجوا بكل قواهم في معركة تبرئة ساحته، وكأنَّهم في دفاعهم عنه يدافعون عن أنفسهم، وعن المصالح المشتركة بينهم وبينه، فأنطقوا القاضي، في تلك المحكمة، إذ أروه ما يكفي من "الجَزَر" و"العِصِيِّ"، بما يُبرِّئ ساحته، ويُجرِّم أحد الضحايا وهو رُبَّان العبَّارة الذي اعتقد أنَّه قادر وحده على مكافحة الحريق الذي اندلع فيه، رافضاً، على ما زُعِم، العودة إلى الميناء السعودي الذي منه غادرت العبَّارة المنكوبة، فـ "الحقيقة"، كلها أو معظمها، تسكن دائماً جثَّة القتيل، ولا بأس، بالتالي، من تجريم الضحية، والضحايا جميعاً!
القاضي "المستقل النزيه"، لم يرَ من جريمة في ذلك الذي حدث قبل نحو سنتين، فكيف له، بالتالي، أن يرى مجرماً حقيقياً، أو مجرمين حقيقيين؛ ولقد حَمَلَتْهُ "العدالة"، التي يزنها بـ "ميزان الذهب"، في معناه الحقيقي لا المجازي، على أن يُصوِّر الجريمة على أنَّها "حادث"، تضافر "القضاء والقدر" و"الضحايا" على إحداثه!
وإنْ كان لا بدَّ من "مؤاخَذة" أحد على ما حدث فَلِمَ لا يؤاخِذ ربَّان باخرة أخرى على تقاعسه عن مساعدة تلك العبَّارة عندما أرسلت نداء استغاثة غير مرَّة، فاتُّهِم هذا الربَّان بأنَّه كان "عديم الرحمة"، ثمَّ عوقِب بالسجن ستة أشهر مع تغريمه غرامة قيمتها 1200 يورو.
حتى "العبَّارة" نفسها بُرِّئت ساحتها، فـ التحقيق الفنِّي" أثبت أنَّها كانت سليمة، خالية من العيوب والأعطال، فالحقُّ كل الحقِّ على الضحايا أنفسهم، وعلى ربَّان العبَّارة الذي قضى نحبه وهو يحاول إخماد الحريق، مع التذكير، إنْ نفعت الذكرى، بيد "القضاء والقدر"، الذي هو "موظَّف" عندنا، وظيفته الدائمة هي توزيع "صكوك البراءة"!
الجريمة كانت كبيرة؛ أمَّا "الجريمة الكبرى" فوقعت إذ صَدَر ذلك الحُكْم القضائي، الذي على ما ألحقه بالعدالة والضحايا من ضرر أفادنا كثيراً إذ جاء بمزيد من الأدلة على أن لا معنى لـ "الفصل بين السلطات" و"استقلال القضاء" سوى المعنى الآتي: انفصال واستقلال السلطة التنفيذية، في عالمنا العربي، عن المجتمع والشعب.