
جريمة في حقِّ "العقل الفلسطيني"!
جواد البشيتي
على شاطئ بحر غزة وقع انفجار..
الانفجار وقع ليلاً، على مقربة من سيارة، فيها أشخاص من "كتائب القسام"، وحولها مدنيون، فقُتِل خمسة، هُمْ هؤلاء الأشخاص، أو منهم، وقتلت طفلة في السادسة من عمرها، وأصيب أكثر من عشرين مدنياً بجروح.
من الفاعل، أو المجرم، الذي ارتكب هذه الجريمة؟
ما اسمه؟
ما هويته وانتماؤه؟
أين هو الآن؟
هل أُلْقي القبض عليه؟
هل اسْتُجْوِب وأعترف؟
هل أدلى باعترافات تكشف "الحقيقة" كاملةً؟
الجريمة وقعت؛ أمَّا المُجْرِم، في معناه القانوني والقضائي، فظلَّ مجهولاً تماماً؛ ومع ذلك (وهنا وقعت جريمة أُخرى، لا تَقِل، إنْ لم تَزِدْ، عن الجريمة الأولى بشاعةً) تقرَّر "العقاب"!
نحن العرب، ومنذ زمن طويل، اعتدنا أن ننسب إلى "العدو الخارجي" كل ما يحل بنا من مصائب وكوارث، ولو كانت، بشهادة الواقع والتاريخ، من صُنْع أيادينا، ضاربين صفحاً عن حقيقة أنَّ المأساة مِنْ صُنْع ضحيتها في المقام الأوَّل.
أمَّا الآن، وبعد هذا الذي حدث بعد جريمة الشاطئ في غزة، فلا يسعنا إلاَّ أن نحمد الله الذي لا يُحْمَد على مكروه سواه، فلقد شفينا من ذاك المرض؛ ولكن ليس بدواء ناجع، وإنَّما بمرضٍ آخر؛ فها نحن نتَّهِم أنفسنا بجريمة ارتكبتها إسرائيل في حقِّنا؛ وها نحن نقيم الدليل على أنَّ ما يسمَّى "اتفاق التهدئة" قي قطاع غزة قد خلق لنا مصلحة في تبرئة ساحة إسرائيل، مع أنَّ كل من له أذن تسمع، وعين تبصر، وعقل يعقل، لا يمكنه إلاَّ أن يوجِّه إصبع الاتِّهام إلى إسرائيل.
غير مرَّة، ومنذ زمن طويل، قلنا إنَّ إسرائيل لن تسمح لفشل "مفاوضات السلام"، التي تجريها مع الفلسطينيين، والتي أطلقها "لقاء أنابوليس"، بأنْ يذلِّل العقبات من طريق إنهاء النزاع بين "فتح" و"حماس"، والانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة. وقُلْنا قبل أن تزفَّ "حماس" إلينا بشرى "اتفاق التهدئة"، وتُظْهِرَه على أنَّه "نصر مبين"، إنَّ إسرائيل لن تنفِّذ هذا الاتفاق بما يؤدِّي إلى إنهاء الحصار الذي تضربه (مع غيرها) على قطاع غزة، وإلى إنهاء ما أُنْجِز من انفصال بين شطري "فلسطين الصغرى".
"مفاوضات السلام" تلك ماتت؛ وإن تواضع ذوو الميِّت على نعيه بعد (وليس قبل) دفنه؛ وإذا ما أردتم دليلاً على موتها فها هي جريمة الشاطئ في غزة تأتيكم (أو تأتي للعقلاء منكم على قلَّتهم) بالدليل.
إنَّ الفلسطينيين يجب أن يغرقوا في نزاعهم الداخلي، الذي يُفضَّل أن يكون بالحديد والنار؛ لأنَّ "الخيار"، الذي يُولِّده فشل تلك المفاوضات كما يولِّد الفسفور اللمعان، يجب أن يظل بمنأى عن أبصارهم وبصائرهم؛ بل يُفضَّل أن يُدْفَن (وفي قبر واحد) مع "مفاوضات أنابوليس".
هذا هو ما يقوله "الواقع" في معرض توجيهه إصبع الاتِّهام إلى إسرائيل، التي على ثبوت ارتكابها جريمة الشاطئ في غزة وَجَدَت بين الفلسطينيين (أي بين ضحاياها) من له مصلحة فئوية ضيِّقة في أن يبرِّئ ساحتها.
افْتَرِضوا معي أنَّ "حماس"، التي تعرف أنَّ ارتكاب إسرائيل لهذه الجريمة هو كالنهار لا يحتاج إلى دليل، قد وجَّهت إصبع الاتِّهام إلى إسرائيل، فهل تستطيع بعد ذلك، وبسبب ذلك، أن تظل ملتزمة "اتفاق التهدئة"؟!
إنَّها المصلحة الفئوية الضيِّقة في أن نفضِّل (بعد المفاضلة) التسبُّب بمزيد من الصراع والنزاع بين الفلسطينيين أنفسهم على عواقب توجيه إصبع الاتِّهام إلى إسرائيل، وكأنَّ "التهدئة المبقية على الحصار والانفصال والنزاع.." هي خير مصلحة خلقها لنا أخيراً "الخيار الآخر والمضاد" الذي تبنته، أو أخذت به، "حماس"!
وإنصافاً للحقيقة نقول أيضاً إنَّ هناك من خصوم "حماس" من له مصلحة في تفضيل ما فضَّلته "حماس" نفسها، فالفلسطينيون بعد دفن "أنابوليس" عمَّا قريب يجب ألاَّ يكونوا في حالٍ قد يجدون فيها ما يشجِّعهم على أن يسألوا "ما العمل الآن؟".
إنَّها قصة "فشل خيارين"، فهل يجرؤون (هنا وهناك) على الاعتراف بالفشل أم يفضِّلون على ذلك تبرئة ساحة إسرائيل من تلك الجريمة، ومن جرائم أُخرى قد يرتكبها المجرم ذاته، وتوجيه إصبع الاتِّهام بما يُتَرْجَم بمزيدٍ من جرائم من نمط الجريمة التي ارتكبها قابيل في حقِّ هابيل.
إذا لم يَظْهَر من جرأة الاعتراف بفشل "الخيارين" ما يفي بالغرض، وهو استخلاص الدروس والعبر المهمة، فلن يبقى بعد ذلك، وبسبب ذلك، إلاَّ أن "يتناكح" هذا الفشل وذاك، فينجبان "خيار دارفور"!
جواد البشيتي
على شاطئ بحر غزة وقع انفجار..
الانفجار وقع ليلاً، على مقربة من سيارة، فيها أشخاص من "كتائب القسام"، وحولها مدنيون، فقُتِل خمسة، هُمْ هؤلاء الأشخاص، أو منهم، وقتلت طفلة في السادسة من عمرها، وأصيب أكثر من عشرين مدنياً بجروح.
من الفاعل، أو المجرم، الذي ارتكب هذه الجريمة؟
ما اسمه؟
ما هويته وانتماؤه؟
أين هو الآن؟
هل أُلْقي القبض عليه؟
هل اسْتُجْوِب وأعترف؟
هل أدلى باعترافات تكشف "الحقيقة" كاملةً؟
الجريمة وقعت؛ أمَّا المُجْرِم، في معناه القانوني والقضائي، فظلَّ مجهولاً تماماً؛ ومع ذلك (وهنا وقعت جريمة أُخرى، لا تَقِل، إنْ لم تَزِدْ، عن الجريمة الأولى بشاعةً) تقرَّر "العقاب"!
نحن العرب، ومنذ زمن طويل، اعتدنا أن ننسب إلى "العدو الخارجي" كل ما يحل بنا من مصائب وكوارث، ولو كانت، بشهادة الواقع والتاريخ، من صُنْع أيادينا، ضاربين صفحاً عن حقيقة أنَّ المأساة مِنْ صُنْع ضحيتها في المقام الأوَّل.
أمَّا الآن، وبعد هذا الذي حدث بعد جريمة الشاطئ في غزة، فلا يسعنا إلاَّ أن نحمد الله الذي لا يُحْمَد على مكروه سواه، فلقد شفينا من ذاك المرض؛ ولكن ليس بدواء ناجع، وإنَّما بمرضٍ آخر؛ فها نحن نتَّهِم أنفسنا بجريمة ارتكبتها إسرائيل في حقِّنا؛ وها نحن نقيم الدليل على أنَّ ما يسمَّى "اتفاق التهدئة" قي قطاع غزة قد خلق لنا مصلحة في تبرئة ساحة إسرائيل، مع أنَّ كل من له أذن تسمع، وعين تبصر، وعقل يعقل، لا يمكنه إلاَّ أن يوجِّه إصبع الاتِّهام إلى إسرائيل.
غير مرَّة، ومنذ زمن طويل، قلنا إنَّ إسرائيل لن تسمح لفشل "مفاوضات السلام"، التي تجريها مع الفلسطينيين، والتي أطلقها "لقاء أنابوليس"، بأنْ يذلِّل العقبات من طريق إنهاء النزاع بين "فتح" و"حماس"، والانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة. وقُلْنا قبل أن تزفَّ "حماس" إلينا بشرى "اتفاق التهدئة"، وتُظْهِرَه على أنَّه "نصر مبين"، إنَّ إسرائيل لن تنفِّذ هذا الاتفاق بما يؤدِّي إلى إنهاء الحصار الذي تضربه (مع غيرها) على قطاع غزة، وإلى إنهاء ما أُنْجِز من انفصال بين شطري "فلسطين الصغرى".
"مفاوضات السلام" تلك ماتت؛ وإن تواضع ذوو الميِّت على نعيه بعد (وليس قبل) دفنه؛ وإذا ما أردتم دليلاً على موتها فها هي جريمة الشاطئ في غزة تأتيكم (أو تأتي للعقلاء منكم على قلَّتهم) بالدليل.
إنَّ الفلسطينيين يجب أن يغرقوا في نزاعهم الداخلي، الذي يُفضَّل أن يكون بالحديد والنار؛ لأنَّ "الخيار"، الذي يُولِّده فشل تلك المفاوضات كما يولِّد الفسفور اللمعان، يجب أن يظل بمنأى عن أبصارهم وبصائرهم؛ بل يُفضَّل أن يُدْفَن (وفي قبر واحد) مع "مفاوضات أنابوليس".
هذا هو ما يقوله "الواقع" في معرض توجيهه إصبع الاتِّهام إلى إسرائيل، التي على ثبوت ارتكابها جريمة الشاطئ في غزة وَجَدَت بين الفلسطينيين (أي بين ضحاياها) من له مصلحة فئوية ضيِّقة في أن يبرِّئ ساحتها.
افْتَرِضوا معي أنَّ "حماس"، التي تعرف أنَّ ارتكاب إسرائيل لهذه الجريمة هو كالنهار لا يحتاج إلى دليل، قد وجَّهت إصبع الاتِّهام إلى إسرائيل، فهل تستطيع بعد ذلك، وبسبب ذلك، أن تظل ملتزمة "اتفاق التهدئة"؟!
إنَّها المصلحة الفئوية الضيِّقة في أن نفضِّل (بعد المفاضلة) التسبُّب بمزيد من الصراع والنزاع بين الفلسطينيين أنفسهم على عواقب توجيه إصبع الاتِّهام إلى إسرائيل، وكأنَّ "التهدئة المبقية على الحصار والانفصال والنزاع.." هي خير مصلحة خلقها لنا أخيراً "الخيار الآخر والمضاد" الذي تبنته، أو أخذت به، "حماس"!
وإنصافاً للحقيقة نقول أيضاً إنَّ هناك من خصوم "حماس" من له مصلحة في تفضيل ما فضَّلته "حماس" نفسها، فالفلسطينيون بعد دفن "أنابوليس" عمَّا قريب يجب ألاَّ يكونوا في حالٍ قد يجدون فيها ما يشجِّعهم على أن يسألوا "ما العمل الآن؟".
إنَّها قصة "فشل خيارين"، فهل يجرؤون (هنا وهناك) على الاعتراف بالفشل أم يفضِّلون على ذلك تبرئة ساحة إسرائيل من تلك الجريمة، ومن جرائم أُخرى قد يرتكبها المجرم ذاته، وتوجيه إصبع الاتِّهام بما يُتَرْجَم بمزيدٍ من جرائم من نمط الجريمة التي ارتكبها قابيل في حقِّ هابيل.
إذا لم يَظْهَر من جرأة الاعتراف بفشل "الخيارين" ما يفي بالغرض، وهو استخلاص الدروس والعبر المهمة، فلن يبقى بعد ذلك، وبسبب ذلك، إلاَّ أن "يتناكح" هذا الفشل وذاك، فينجبان "خيار دارفور"!