
الشهيد القائد أبو صبري ((ممدوح صيدم ))عملاق العاصفة
رواية وتجربة نضالية حقيقية
بقلم : منذر ارشيد
مقدمة
بداية أشكر الأخ الدكتور ناصر جربوع ( أبو محمد ) على إلتفاتته الطيبة لتذكيرنا بقائد كبير من قادة الثورة الفلسطينية" قائد فتحاوي غادرنا مبكراً وهو في قمة عطائه " وكان يشكل أحد أركان فتح وأبرز قادة قوات العاصفة
وقد وعدت أخي زياد صيدم قبل مدة بأني سأروي ما يُمكنني من ذكريات حول هذا القائد العملاق
(أن كل ما أسرده في هذا الموضوع حقيقة وأشهده الله على ما أقول )
إن ما أذكره في هذا الموضوع " ورغم أن فيه بعضُ القساوة أو الحوارات الصعبة إلا أن ليس عندي أكثر أو أقل من الحقيقة وهذه التفاصيل التي عشتها بكل تفاصيلها أرويها كما حصلت ربما أحذف بعض الكلام الجارح .
(( رحلة إلى بيروت ))
لا أتذكر التاريخ بالضبط وفي بدايات عام 1970 وكل ما أذكره أن الوقت كان في فصل الشتاء وقد اخترقت بسيار فولكس فاجن بيضاء الطريق من دمشق الى بيروت عبر ظهور الشوير وظهر البيدر التي تكدست الثلوج عليها وحسب الأخبار أنها أسوأ عاصفة ثلجية منذ عقود " وصلت الى شتورا بأعجوبة بعد صراعٍ مع الرياح والثلوج التي كانت تحجب الرؤيا وقد توقفت الماسحات عن عمل أي نتيجة في إزالة الثلج عن الزجاج
وكنت أمد يدي خارجاً لأنزع الثلج في رحلة ربما كانت من أصعب رحلاتي التي كانت" وفي طريق أقود سيارة فيها لأول مرة في حياتي ناهيك عن صعبة الطريق وتعرجاتها ومنحدراتها التي تودي الى القيعان من الوديان في الظروف الطبيعية "فكيف في مثل هذه الظروف ..!
باختصار .. كانت معجزة أني تخطيت الخطر ووصلت سالماً " وقد روت الأخبار بعد أيام عن موت خمسة عشر شخصا ً متجمدين داخل اربعة سيارات على طول الطريق الذي مررت منه , وجدوهم متجمدين على الطريق الذي مررت منه " كان بأمكاني العودة من بداية الطريق " لكنه الأمر الذي أعتبره أمراً عسكرياً
من قائدي أبو علي إياد " قال لي ....
( خذ هذه السيارة وسلمها إلى فلان فوراً ( لا أعرفه )
سلمها الى الأخ أعتقد ان إسمه جواد ..... تسأل عنه .! ينتظرك الساعة العاشرة صباح الغد " هو موجود في غرفه رقم كذا في مستشفى الجامعة الأمريكة في بيروت "
وصلت المستشفى وحسب التوقيت المطلوب وتوجهت الى الغرفة المذكورة وكان بها ثلاثة رجال أحدهم ينام على السرير "
قلت : هل هنا شخص إسمه فلان ....! فاقترب منس شاب وقال : نعم
أنا فلان " قلت : أبو علي ...لم أكمل ...قال أرسل لي السيارة " قلت نعم
قال شكراً يا اخ بارك الله بك ...سلمته المفتاح " وإذا بالشخص الذي ينام على السرير ينادي علي بصوت خافت ويقول منذر .....منذر ...تعال يا حبيبي تعال عندي يا منذر
نظرت الى السرير كان رجلاً نحيلاً جدا ً عظام وجهه تبرز وكأنها تريد أن تخرج من جلده ....لم أعرفه ....اقتربت منه .... مد يده ليصافحني فصافحته..... فشدني إليه فاقتربت حتى قبلني ودموعه تترقرق في عينيه وهو متلهف لي وكأني به يحاول الجلوس أو حتى القفز من السرير "
إستغربت الوضع .... فالرجل لا أعرفه وهو ينادي علي بإسمي " بدى علي الأستغراب والذهول وكنت أرد د مين حضرتك مين إنت..!
قال : ألم تعرفني يا حبيبي ..!!!
نظرت الى الأخوة بجانبي فقال أحدهم مالك يا منذر ..!! شو مش عارفه أنظر اليه جيداً ستعرفه .... نظرت ودققت النظر ولم أتمكن من معرفته
نظرت اليهم في حيرة وانا لا اعرف حتى أي شخص منهم " وقلت بالله عليكم من هو ومن انتم ...!!
فقال : نفس الرجل المريض وبصوت شبه مبحوح أنا أبو صبري ...أنا أبو صبري ... نظرت ودققت فتبيت لي الحقيقة وعرفته رغم الصعوبة البالغة
صُعقت ... أصابني دوار وكدت أقع على الأرض " بين مصدق ومُكذب
ليس هناك ملامح أبو صبري المعروفة ....الوجه المليئ والعريض والمعبر بعيونه الواسعة ونظراته الخارقة ، وشفتيه العريضتين ...
لم أكن أعرف أنه مريض أصلاً " ولم يخبرني أبو علي عن الأمر إطلاقاً وكأنه كان قاصداً ...حتى لا أرفض توصيل السيارة أو ان السيارة كانت كوسيلة ....لا أدري ..!!!
...............................................
غبت عن الوعي للحظات مع مرور السيناريوا العجيب الذي حصل معي
والحدث الخطير الذي كان سبباً في بقائي مع أبو علي إياد حتى استشهاده
وأحدث نفسي في تلك الثواني وانا أقف أمام الرجل وهو على السرير
أبو صبري .....! يا إلآهي أي قائد هذا ..!
لم أرى في حياتي رجل بهذه القوة والصلابة (وليعذرني من يهمهم الأمر) ...... والشراسة
نعم كان يمتلك من الشراسة والعنف الثوري أكثر مما كان أبو علي إياد المعروف بالعنف الثوري والحزم
وعادت بي الذكرى إلى كل الماضي القريب وربما مر عليه عامان أو اكثر بقليل ........
أبو صبري ..الله أكبر.. أبو صبري ذاك العملاق الضخم الذي رفعني من قميصي قبل عام وقذفني في الهواء وألقاني على بعد خمسة أمتاروكأني ريشة
هذا الرجل الذي كانت كفة يده تعادل خف جمل " هذا الرجل صاحب الوجه الأسمر الجميل الذي إن نظرت اليه لا تستطيع الصمود أمام نظره من عينيه وخاصة إن كان غاضباً ..! وما أكثر غضبه
وكأنك ترى شخصية ذُكرت في التاريخ العربي والأسلامي بقامته الطويلة وصوته الهادر ..أبو صبري قائد عملية بيت فوريك عام 67 والتي خاض فيها أبطال فتح أضخم عملية عسكرية بعد حرب حزيران عام 67 وقد استمر الأشتباك ثماني ساعات تكبد العدو عشرات الأصابات في معركة سُجلت في سجل التاريخ الفتحاوي العريق وقواتها العاصفة الذي كان ابو صبري القائد العسكري لها "
إشتباك مع العدو في منطقة نابلس بيت فوريك والتي سقط خلالها الشهيد
مازن أبو غزالة وثلاثة من رفاقه وانسحب أبو صبري وثلاثة من رفاقه .
هل هذا أبو صبري الذي أقف أمامه على سرير المرض ..!
يكاد ان يكون هيكلاً عظمياً
إقتربت منه وعانقته وهو يتمتم ويقول ..... يا حبيبي يا منذر تعال اقبلك يا حبيبي .....سامحني سامحني !!!!!
لماذا قال هذا ..!!وما مبررات ما حدث ....!!
بداية القصة .................
(في معسكر الهامة.... أول لقاء )
بعد عام 67 وقد دخلنا الى الوطن ثلاث مرات كانت مهمتنا فقط إيصال السلاح الى الأرض المحتلة وتخزينها أو تسليمها لمن يهمهم الأمر "
ثلاث مرات ولم نشتبك مع العدو رغم أننا كنا ندخل من طرق خطرة وممرات تسيطر عليها القوات الصهيونية" وقد سقط العديد من الشهداء
ونحن نعود سالمين بفضل الله وقدره وحمايته
لأول مرة نرى هذا الرجل وكما وصفته بطوله وعرضه وشخصيته القوية " في مكتب أبو علي اياد يجلس ويستمع الى حديثنا وتقريرنا عن مسار عمليتنا " ينظر إلينا باستهجان ويقول "" يخرب شركم والله أنا مستغرب كيف كل هذا العمل ولم يُجرح أي شخص منكم ..! وما في مجموعة الا خسرت عدد من الشهداء والجرحى ..!شو انتم لابسين طواقي إخفاء ..!!!
لازم نجري تحقيق معكم ....!!! "يعني خلط الجد بالهزار "
صمت جميع الأخوة ونظروا لبعضهم وكأنهم أحرجوا من قوله
لم أستطع السكوت وقد استفزني كلامه فقلت : شو لازم نموت حتى تصدق ...!
وبعدين مين انت بلا صغرة ...! نظر إلي أبو علي وهو يبتسم وقال والله ما انت قليل يا غضيب " ولك هذا ابو صبري ما بتعرفه "ولك هذا قائدنا كلنا "وضحك وقال هذا بيمزح معكم "
فرد أبو صبري وهو مكشراً العفو يا اخي ابو علي أنت القائد والعين ما بتعلى على الحاجب وأضاف موجها كلامه الينا مجموعة جنين .... لا أنا ما بمزح وبجد أنا بدي أشوف حكايتكم هذه ""
فقلت شو حكايتنا ..! يا عمي كل الحكاية أن ربنا حامينا وهذا كل ما في الأمر" وإلا انت ما بتآمن بالله " فقال : بلا فلسفة وحط الله على جنب " وبعدين إنت لش بتتنطح دأئما ليش غيرك ما بيحكي
وبشكل غيرمتوقع قلت له : إسمع بدل ما تحكي هيك يا بطل اخلع البوت اللي انت لابسه (بوط فرنسي مشهور ) كان نادراً ما نراه الا مع القادة أو أصحاب الحظوظ لأنه بوط (حذاء ) قوي جداً وخفيف الوزن ومريح في المسير في الجبال والوديان (يعني بوط فدائي )
قلت : اسمع مش بتقولوا مال الثورة للثوار هاته وأعطيني إياه لأني أنا أولى منك فيه أنا بدي أنزل غداً على الأرض المحتلة وأنت قاعد هنا في المعسكر ..!
ضحك أبوعلي وقال : الله اكبر بحكي صحيح هالغضيب يا أبو صبري كان (أبو علي يستعمل الغضيب للتحبب )
فقال أبو صبري وهو يكاد يضحك : ولك أي هو بيجي على رجلك ..! م هوَ أكبر من راسك
فقلت: طيب إذا كان على قياس رجلي شو بتقول ..!!
أخذ الرجل الموضع بشكل جدي وقال: خُذ ...وخلعه وأعطاني اياه وقال إلبس يا فصح وعليها وجهك يا ابو علي إذا بيجي على رجله مبروك عليك
خذ.... إلبسه تا نشوف ..!
خرجت وبحثت عن أشياء أحشوها في الحذاء لأنه فعلا كان أكبر من قدمي بما يقارب أربعه أرقام ( قدم ابو صبري ربما 46 وقدمي 42 فحشوت مقدمة الحذاء بجربان ممزقة وخرق بالية ولبسته وعدت إليه أتباهى به
قلت : تفضل على قياس قدمي قول لي مبروك ...
قهقه أبو علي ضاحكا وقال..............خلص مبروك عليك
كان منظر أبو صبري مضحكا وهو حافي القدمين ينتظرني وهو متأكد بأن الحذاء لن يفي بغرضي وسيعود سالما الى قدميه
نظر اليه أبو علي وقال مداعباً ....خلص إلبس حفاي ( شبشب ) يا رجل بعينك الله ...ظر ابو صبري وهو في دهشة وجاء الى قدمي وأعس مقدمتها وقال بدي أفهم كيف طولت رجلك ..ولك ما انا شايفها قد نصف رجلي
ضحك أبو علي وقالوا هاي بسيطة ربنا طول قدمه جكاره فيك وضحك كل من كان في الغرفة
( أعدت البوت في اليوم التالي لأني لم أستطع الأستمرار بلبسه )
((في السلط حدثت الكارثة ))
دارت الأيام .. كنا قادمين من دورة عسكرية كانت من مصر وكان هذا بعد معركة الكرامة بشهر أو أكثر بقليل
تم تجميعنا في منطقة السلط وبدأ فرزنا على القواعد " وكان من المعروف ان كل مجموعة أو حتى شخص يجب أن يتواجد في قاعدته التي غادرها قبل الدورة وخاصة منطقته المطلة على بلدته الأصلية التي يعرف تضاريسها " وحيث كنا مجموعة من شمال الوطن من نابلس وجنين وطولكرم فمن الطبيعي ان نتوجه الى القطاع الشمالي
فوجئنا بالأ خ أبو صبري وهو قائد القطاع الأوسط ذاك الوقت وجمعنا وقال سنوزعكم الى قواعدكم " فظننا اننا سنتوجه الى الشمال "
كنا ما يقارب السبعين مقاتلا ً من جميع مناطق فلسطين " خطب فينا القائد قائلا ً... نريد ان نؤسس قاعدة متقدمة تسيطر علىالأغوار الوسطى وعلى البحر الميت وأنتم خير من يؤسسها خاصة أنكم تدرتم تدريباً جيداً " وأشار الى شخص يقف بجانبه وقال... وهذا الأخ ( شخص أسمر يبدو من ملامحه انه من أهل الأغوار ) هذا سيكون دليلكم ومسؤولكم الى أن أرسل لكم قائداً خلال أربع وعشرون ساعة
نظرت الى مسؤلنا وكان الشهيد رياض عواد وقلت له....شو يا رياض .!
قل شيئاً يا رجل يجب ان نتوجه الى الشمال "
سمعني أبو صبري فصرخ قائلاً : انت
اسمع أنت كل الناس تحكي الا أنت فاهم .... إنت َ من دون الناس ما بدي أسمع صوتك .!
فصرخت وقلت له ....شو يعني هذا ظلم ترسلنا الى منطقة لا نعرف تضاريسها و لنا واجبات في المنطقة الشمالية وهناك من ينتظرنا في بلداننا "
فقال شو بدك تشتغل جنين بس ..!!
قلت لا يا عمي بدي اشتغل فلسطين بس بدي أعرف مين هذا الي بدك ترسله مسؤول عنا ..!!
قال هذه مش شغلك فاهم هذا هو اللي راح يساعدكم ويعرفكم على كل شيء " وبلاش فلسفة وبعدين في الك مسؤول وهو رياض عواد "
وتوجه الى رياض وقال له : شو رأيك انت يا رياض هل لك إعتراض..!
فقال رياض : نحن تحت أمرك ونحن فقط ننفذ وما يهمك منه توكل على الله "
فقال أبو صبري.... هيك بدي ياك يا بطل ووجه كلامه الي وقال ....
أعتقد ان ما في الك أي كلام يا فلعوص انت ..!!!
نظرت الى رياض وأنا احبه وهو اخي وصديقي وقلت .... والله انك انتهازي يا صديقي
(( أول صدام مسلح مع الأردنيين ))
وصلنا الى القاعدة وهي تُطل على البحر الميت ومررنا بقوات عراقية تنتشر حول المكان وبشكل كبير وهم أول من استقبلونا حيث المنطقة تحت سيطرتهم على ما يبدو
بتنا ليلتنا في مغارة كبيرة حتى إستفقنا من نومنا على صوت إطلاق نار كثيف "
لم نستطع الخروج من المغارة لكثافة النيران التي كانت تعفر على مدخل المغارة " وكنا نسمع صراخ رجال يقولون يا مجرمين يا مخربين يا فلسطينية يا اولاد الكلب " أخرجوا من المغارة والله الا ندمرها عليكم وما يطلع منكم واحد حي " صعقنا مما سمعنا "أقسم اني اكثر من خمس دقائق وأنا أضرب وجهي ورأسي حتى استبين أنني في حلم او في علم ..!!!
يا أخوان شو القصة ..! الكل يتسائل ..! ولا احد يعرف شيء
لم نعرف ما المشكلة الا بعد ساعة وقد وصل إلينا ضباط عراقيين وأخبرونا أن الدليل الذي أرسله معنا الأخ أبو صبري قد قتل أحد أبناء القرية في عيرا ويرقا ( حيث أخذ حمار من باب بيته لينقل عليه ماء ولكن صاحب الحمار إعترضه وحاول منعه " فأطلق عليه النار فأرداه قتيلا وفر من المنطقة وتركنا نواجه مصيرنا ونحن لا ذنب لنا
قال لنا الضابط العراقي المسؤول .... المسألة خطيرة وبصعوبة أقنعناهم بهدنه حتى نصل اليكم وتسلموهم القاتل ...قلنا له لا نعرفه ولا نعرف حتى اسمه ..." فقال طيب خلونا نتصرف ونلاقي لكم مخرج..!
أنتم اعزاء علينا وما يصير نترككم في هذه الأزمة
تشاورنا فيما بيننا وكنا أمام خيارين
أما أن نشتبك مع المسلحين أو نخرج بسلام فكان الرأي بأن نخرج بسلام ولكن كيف ..!! ولا يمكن أن نسجل على أنفسنا مقتل أي شخص وما سيترتب عليه وخاصة أن الأمور كانت ممتازة بيننا وبين الشعب الأردني والجيش ومعركة الكرامة كان أثرها مازال حيا والتكاتف والتلاحم في أوجه
(مثل هذا العميل وامثاله الذين تواجدوا بين صفوفنا كانوا عاملاً مساعداً على تأليب الجيش والشعب في الأردن على الثورة )..!!!
وبعد أكثر من خمس ساعات تمكن الجيش العراقي من العمل على إخراجنا من المنطقة بشاحنات تابعة لقواته وأخرجونا بطريقة سرية لم يكتشف محاصرينا من أهل القرية أمرنا حيث عمل العراقيون على إلهائهم بطريقة لم نعرفها " وإلا لتكبدنا خسائر في أرواحنا بسبب جريمة لم نقترفها .!
عدنا الى قيادة القطاع الأوسط وتجمعنا هناك وحضر الأخ ابو صبري وأخذ يتأسف لما حدث " فوقفت وقلت له بالحرف الواحد
يعني يا أخ أبو صبري جاي تتأسف الان ..!!
لما سألتك وقلت لك ممكن نعرف مين هو هذا اللي بدك تسلم رقابنا له ُ ما عجبك كلامي وقلت لي يا فلعوص انت شو بيفهمك ..!
فتقدم نحوي وقال : شو قصدك يا ولد ها شو قصدك ..!
قلت له قصدي إنك ورطتنا مع واحد حقير وقاتل ومجرم وليس بعيد ان يكون جاسوس .! وكنا راح ندفع أرواحنا ببلاش وأنت السبب "
ولولا ربنا لطف فينا لكنا الان في خبر كان.." أو ارتكبنا مجزرة مع الأهالي وهات خلصنا وخلص الثورة من تبعاتها
فنظر الي رياض عواد وقال شو رأيك يا رياض في اللي بيحكيه هذا المهبول ..!! فقال رياض يا أخ ابو صبري احنا بنعرف أنك ما الك ذنب وانت ربما إنخدعت بهذا الرجل وبتحصل يعني مش قصة وبلاش تكبرها يا منذر .! قلت : شو أكبرها يا عالم ...أي في أكبر من اللي جرى لنا كدنا نروح ببلاش وأضفت هذا جاسوس يا عمي
فقال أبو صبري لا كل المسأله انه حمار فقط
قلت : سامعين يا اخوان حمار " يعني أحنا الي استلمنا وكان قائدنا حمار
فصرخ ابو صبري وقال اسكت يا بنيي الله يرضى عليك
راح نمسكه ونعدمه بكفي ولك أنا بدي انفجر ما تزود همي خلاص
فقلت : إعدمه او لا تعدمه بعد إيش .! بعد ما خرب بيتنا وحرمنا من قاعدة كان يمكن أ ن تكون من أهم قواعدنا وخاصة ان الموقع إستراتيجي جداً
قبل ما تعدمه " في سؤآل كيف جبته وكيف وثقت فيه وسلمته رقابنا .! ونتورط بهيك مصيبة " شو إحنا مرتزقه ولا أولاد ناس " أساسا شكله شكل جاسوس وأضفت ....أي انا الولد عرفته من اولها وما كنت موافق عليه ..... والله أنكم حرام تقودوا غنم ."
((هروب من السجن ))
فتقدم نحوي وهو في قمة غضبه وقال ....شو بتحكي ..!! وأمسك بي من قبة قميصي ولفها بطرقة كادت تخنقني " فقلت له نعم أنت السبب وأنت بعتنا حتى تضيعنا وأنا مصمم على رأيي
زاد حنقه ورفعني بيد واحدة وقذفني بقوة فرماني في الهواء حتى وقعت على بعد خمسة أمتار" فنهضت وأنا أصرخ به ولا ادري ما الكلام الذي صرخت به وقلته خارج الوعي " حتى وضعني في مغارة صغيرة تُستعمل كسجن توقيف وعقاب للمخالفين
غادر المكان وأخذ معه مجموعات المقاتلين ، وبقيت وحدي مع حارس واحد فقط .
وبعد ثلاث ساعات إستطعت الهروب بعد أن فتح الحارس الباب ليدخل لي الطعام حيث قلت له أريد أن اقضي حاجة ....
فتسللت بين الأحراش الكثيفة حتى وصلت الى الشارع واستقليت سيارة وتوجهت الى عمان ومن ثم الى دمشق
وصلت الى الهامة في اليوم التالي ...ورويت لأبو علي اياد القصة كاملة
فقال لي .. هون عليك وابقى في المعسكر حتى أرى الموضوع
وبينما أنا خارج من غرفة أبو علي وإذا بأبو صبري يدخل الى مكتب أبو علي " ولما رآني خَفَ عقله وقال والله اني عرفت إنك هنا يا سا ......!
وحاول إمساكي ولكني لم أمكنه وخرج أبو علي على صوت الصراخ وقال ..مالك يا ابو صبري مالك يا رجل ..!
دخل أبو صبري وهو يزمجر ويقول ... كل الثورة كوم وهذا الولد كوم راح يجنني يا أبو علي هذا متمرد هذا قليل أدب هذا مش معقول يا رجل "وروى له القصة ....
فقال أبو علي : تعال يا منذر تعال .... سلم على عمك أبو صبري واعتذر منه " فقلت والله ما بعتذر " كيف اعتذر ..! وهو ضربني وراح ما يكسر ظهري ..والله ظهري يؤلمني من الرمية اللي رماني اياها هذا وحش يا عمي أبو علي ....
سلمت عليه وهو ينظر إلي نظرة غضب وقال :تشمني ها تشتمني يا ....!
وأضاف ...والله لولا أخي ابو علي الان لخليتك تشوف نجوم الظهر
قلت له : نجوم الظهر..! شفتها في السلط " أي انت لما رميتني بايدك بتفكر ما شفت نجوم الظهر " ضحك ابو علي وقال خلاص يا ابو صبري أي الواحد بشوفها مرة واحدة وبتكفيه طول العمر وبيظل يخرف ولاده واولاد اولاده أي هي سيره عاد أي لازم كل يوم يعني بعدين بيبطل إلها رونق "كتان ابو علي يحاول ان يضفي جواً مرحاً على الجلسه
فقال : صحيح يا أبو علي بس بدي يفهم إن هاي ولا شيء "انت بعدك ما جربت عمك أبو صبري هاي كانت مزحة وما ثقلت ايدي عليك والا كان فطست" وأضاف .... على كل حال نفدت مني وانت بحماية ابو علي حظك مليح والا انا بدي أخذك مربط بايديك ورجليك على السلط واخليك فرجة واعلمك كيف تهرب ...بس خلاص صارت بوجه اخوي ابو علي
لكن أوعي تفرجيني وجهك " وإذا بشوفك بعد اليوم إلا أفرمك فرم إنت فاهم "
فقال أبو علي : يا أخي خلاص مش راح تشوف وجهه"
راح يبقى عندي وراح أريحك منه
فقال : هيك أحسن بلكي طخيته لأنه لا يمكن يهدأ بعدك ما جربته
ضحك ابو علي وقال له يا رجل هذا بس انت مش فاهمه هذا رجل يا أبو صبري بس قبل أوانه" هيك يظهر الله خالقه شو نعمل بخلقة ربنا.!
خلاص يا خوي يا بو صبري روق وروقنا "
وأضاف ....دخلك مين هو هذا الكلب اللي أرسلته معهم وورطكم هالورطة ..! يا رجل ايعثو لعندي " هذا لازم ينطخ مئة رصاصة في عيونه يخرب بيت أهله ما أنجسه
فقال: هذا يا أخوي يا ابو علي إنغشينا فيه وعرفنا عليه فلان وقال انه يعرف كل الأغوار والمنطقة " والله يا ابو علي ما شفنا منا شيء عاطل
بيوصل الدوريات وبيقطعه النهر وبيرجعوا بسلام " وصار له معانا مدة وبيساعدنا في المنطقة بيعرف كل حجر فيها " على كل الأحوال أمسكنابه بعد ساعات واعترف أنه مرتبط مع العدو وأدلى باعترافات كامله
وتبين من كلامه أنه عمل عملته حتى يورطنا مع الأهالي لأثارة الفتنة " على العموم إنتهى أمره ....
وأخذناه الى القرية وتم إعدامه أمام أهل البلد اليوم وقبل ما أحضر الى دمشق وانتهت القصة.....وغداً بمعية أخوك ابو عمار بدنا نروح ونعقد الصلح وندفع الدية ....
فقلت الله أكبر تركت كل هالبلاوي في الأردن وجاي لاحقني لهون ..!
فضحك ابو علي وقال ولك خلاص اسكت وبعدين معك
فنظر ابو صبري وكاد يضحك وقال أنا جاي يا ابو علي بدنا شويه مصاري
اذا في عندك " لملمنا حالنا في الأردن وناقص علينا حوالي الفين دينار تا نكمل دية الزلمة اللي انقتل ...فقال أبو علي :من وين يا حسرة أي هو أخوك أبو عمار بيخلي معانا شيء فمد يده في جيبه وأخرج كومة من نقود سوري وقال خذ يا خوي هاي كل اللي عندي
بقيت مع أبو علي حتى كلفني بإقامة معسكر للأشبال في منطقة قريبة من مقره
نعود إلى ..........................
((المشهد الأخير وفي المستشفى ))
بعد أن قال ..أنا ظلمتك ياحبيبي يا إبني
نزلت على رأسه أقبله وأجهشت بالبكاء لدرجة أنه صار يكفكف دموعي وحضن رأسي وهو يقبلني وأختلطت دموعي مع دموعه وهو يردد يا منذر يا ..... يا..... أنت ...... كذا وكذا........كلام كبير ما زلت أعتز به
وأضاف .................
أنا ظلمتك يا شهم يا شجاع ....سامحني يا إبني سامحني يا حبيبي .....
عانقته وهمست ....أنت يا حبيبي وأبي وأخي وقائدي
ربما أدبتني يا عمي يا ابو صبري"وانا تعلمت منك الكثير
أنا كنت قليل الأدب معك ولم أكن أفهمك " أنت قائد عظيم وستقوم من فراشك وستقودنا حتى النصر
فنظر الي نظرة جادة ورفع رأسي وقال إسمع يا منذر : لن أعود أنا انتهيت
المرض أخذ مني كل شيء " مين انا الان ..!
هل أنا أبو صبري الذي رماك بيد واحدة ....!!
وبدأ يبكي ويقول أنا لا أنسى أني رميتك كنت قوي اليس كذلك ..!!!
أنا آذيتك يا إبني وأنت لا تستحق الا كل الرعاية والأهتمام "الله يرضى عليه أبو علي الي بيرعاك لأنه بيعرف الرجال
شايف شايف .... أنا لا استطيع أن أحمل كوب الماء الآن ..... يا ليتك تحملني وترميني كما رميتك يا إبني يا ريت " أو تسامحني من قلبك "
قلت : له يا أبو صبري الله يسامحك يا عمي الله يسامحك من قلبي وما صار شيء........ أب عاقب إبنه هاي كل الحكاية
فقال الحمد لله إني رأيتك ..أنا طلبت من أبو علي أن يرسلك إلي بارك الله بيك يا ابو علي يا أمين "أنا أمنته وحلفته بدم (منهل شديد) قبل يومين
قلت له بدي أطلب منك هالطلب ...بدي أشوف منذر والحمد لله إني شفتك
وأضاف إسمع يا إبني دير بالك على أبو علي" هذا أبو علي رجل فلسطين
الي قليل رجاله "تعلموا منه الشهامة والصدق والحكمة " ربنا يعطيه الصحة " أنت ما بتعرفه قبل إصابته وقال كلمه ما زالت ترن في أذني "أباييييييييييه يا منذر" أبو علي كان جمل ...جمااااااال جمل " بس برضو بعدو جمل والله " ولو إنه بعين واحده بس شوف كيف عينه الثانية عين صقر " وهو صقر والله "
بس بدو مين يساعده ويقف بجانبه" وأنت واللي مثلك " خير من يقوم بهذا
إياك تفارقه إلا للضرورة " خليك بجانبه " أبو علي ما فيه منه رجال "
خلي عينك عليه لأني والله خايف عليه من الملاعين والغدارين " إنت فاهم علي ..! الله يرضى عليك ويوفقك ويحميك .......... رددها اكثر من عشر مرات انت حبيبي يا منذر
غادرت المكان ودموعي تعتم علي رؤية الطريق
مات بالسرطان بعد أشهر ولكن للأسف كان قد سبقه أبو علي إياد بأيام وقد سمعت الخبر وأنا في السجن في الأردن
رحم الله الغالي والحبيب أبو صبري وسامحه وعفى عنه وجمعنا به في رياض الجنة إنه سميع مجيب
انا لله وانا اليه راجعون
" فقد كان تقياً نقياً مناضلاً قويا شجاعا ً
معذرة من أختنا المناضلة أم صبري اذا سردت بعض من سيرة هذا القائد الكبير وقد تخللها بعضٌ من آلآم " ولكنها الحقيقة ولها ولأخي البطل إبن البطل صبري صيدم (هذا الشبل من ذاك الأسد ) الذي خدم شعبه في كل المواقع التي استلمها بكل نزاهة .... كل تقدير واحترام
منذر ارشيد
رواية وتجربة نضالية حقيقية
بقلم : منذر ارشيد
مقدمة
بداية أشكر الأخ الدكتور ناصر جربوع ( أبو محمد ) على إلتفاتته الطيبة لتذكيرنا بقائد كبير من قادة الثورة الفلسطينية" قائد فتحاوي غادرنا مبكراً وهو في قمة عطائه " وكان يشكل أحد أركان فتح وأبرز قادة قوات العاصفة
وقد وعدت أخي زياد صيدم قبل مدة بأني سأروي ما يُمكنني من ذكريات حول هذا القائد العملاق
(أن كل ما أسرده في هذا الموضوع حقيقة وأشهده الله على ما أقول )
إن ما أذكره في هذا الموضوع " ورغم أن فيه بعضُ القساوة أو الحوارات الصعبة إلا أن ليس عندي أكثر أو أقل من الحقيقة وهذه التفاصيل التي عشتها بكل تفاصيلها أرويها كما حصلت ربما أحذف بعض الكلام الجارح .
(( رحلة إلى بيروت ))
لا أتذكر التاريخ بالضبط وفي بدايات عام 1970 وكل ما أذكره أن الوقت كان في فصل الشتاء وقد اخترقت بسيار فولكس فاجن بيضاء الطريق من دمشق الى بيروت عبر ظهور الشوير وظهر البيدر التي تكدست الثلوج عليها وحسب الأخبار أنها أسوأ عاصفة ثلجية منذ عقود " وصلت الى شتورا بأعجوبة بعد صراعٍ مع الرياح والثلوج التي كانت تحجب الرؤيا وقد توقفت الماسحات عن عمل أي نتيجة في إزالة الثلج عن الزجاج
وكنت أمد يدي خارجاً لأنزع الثلج في رحلة ربما كانت من أصعب رحلاتي التي كانت" وفي طريق أقود سيارة فيها لأول مرة في حياتي ناهيك عن صعبة الطريق وتعرجاتها ومنحدراتها التي تودي الى القيعان من الوديان في الظروف الطبيعية "فكيف في مثل هذه الظروف ..!
باختصار .. كانت معجزة أني تخطيت الخطر ووصلت سالماً " وقد روت الأخبار بعد أيام عن موت خمسة عشر شخصا ً متجمدين داخل اربعة سيارات على طول الطريق الذي مررت منه , وجدوهم متجمدين على الطريق الذي مررت منه " كان بأمكاني العودة من بداية الطريق " لكنه الأمر الذي أعتبره أمراً عسكرياً
من قائدي أبو علي إياد " قال لي ....
( خذ هذه السيارة وسلمها إلى فلان فوراً ( لا أعرفه )
سلمها الى الأخ أعتقد ان إسمه جواد ..... تسأل عنه .! ينتظرك الساعة العاشرة صباح الغد " هو موجود في غرفه رقم كذا في مستشفى الجامعة الأمريكة في بيروت "
وصلت المستشفى وحسب التوقيت المطلوب وتوجهت الى الغرفة المذكورة وكان بها ثلاثة رجال أحدهم ينام على السرير "
قلت : هل هنا شخص إسمه فلان ....! فاقترب منس شاب وقال : نعم
أنا فلان " قلت : أبو علي ...لم أكمل ...قال أرسل لي السيارة " قلت نعم
قال شكراً يا اخ بارك الله بك ...سلمته المفتاح " وإذا بالشخص الذي ينام على السرير ينادي علي بصوت خافت ويقول منذر .....منذر ...تعال يا حبيبي تعال عندي يا منذر
نظرت الى السرير كان رجلاً نحيلاً جدا ً عظام وجهه تبرز وكأنها تريد أن تخرج من جلده ....لم أعرفه ....اقتربت منه .... مد يده ليصافحني فصافحته..... فشدني إليه فاقتربت حتى قبلني ودموعه تترقرق في عينيه وهو متلهف لي وكأني به يحاول الجلوس أو حتى القفز من السرير "
إستغربت الوضع .... فالرجل لا أعرفه وهو ينادي علي بإسمي " بدى علي الأستغراب والذهول وكنت أرد د مين حضرتك مين إنت..!
قال : ألم تعرفني يا حبيبي ..!!!
نظرت الى الأخوة بجانبي فقال أحدهم مالك يا منذر ..!! شو مش عارفه أنظر اليه جيداً ستعرفه .... نظرت ودققت النظر ولم أتمكن من معرفته
نظرت اليهم في حيرة وانا لا اعرف حتى أي شخص منهم " وقلت بالله عليكم من هو ومن انتم ...!!
فقال : نفس الرجل المريض وبصوت شبه مبحوح أنا أبو صبري ...أنا أبو صبري ... نظرت ودققت فتبيت لي الحقيقة وعرفته رغم الصعوبة البالغة
صُعقت ... أصابني دوار وكدت أقع على الأرض " بين مصدق ومُكذب
ليس هناك ملامح أبو صبري المعروفة ....الوجه المليئ والعريض والمعبر بعيونه الواسعة ونظراته الخارقة ، وشفتيه العريضتين ...
لم أكن أعرف أنه مريض أصلاً " ولم يخبرني أبو علي عن الأمر إطلاقاً وكأنه كان قاصداً ...حتى لا أرفض توصيل السيارة أو ان السيارة كانت كوسيلة ....لا أدري ..!!!
...............................................
غبت عن الوعي للحظات مع مرور السيناريوا العجيب الذي حصل معي
والحدث الخطير الذي كان سبباً في بقائي مع أبو علي إياد حتى استشهاده
وأحدث نفسي في تلك الثواني وانا أقف أمام الرجل وهو على السرير
أبو صبري .....! يا إلآهي أي قائد هذا ..!
لم أرى في حياتي رجل بهذه القوة والصلابة (وليعذرني من يهمهم الأمر) ...... والشراسة
نعم كان يمتلك من الشراسة والعنف الثوري أكثر مما كان أبو علي إياد المعروف بالعنف الثوري والحزم
وعادت بي الذكرى إلى كل الماضي القريب وربما مر عليه عامان أو اكثر بقليل ........
أبو صبري ..الله أكبر.. أبو صبري ذاك العملاق الضخم الذي رفعني من قميصي قبل عام وقذفني في الهواء وألقاني على بعد خمسة أمتاروكأني ريشة
هذا الرجل الذي كانت كفة يده تعادل خف جمل " هذا الرجل صاحب الوجه الأسمر الجميل الذي إن نظرت اليه لا تستطيع الصمود أمام نظره من عينيه وخاصة إن كان غاضباً ..! وما أكثر غضبه
وكأنك ترى شخصية ذُكرت في التاريخ العربي والأسلامي بقامته الطويلة وصوته الهادر ..أبو صبري قائد عملية بيت فوريك عام 67 والتي خاض فيها أبطال فتح أضخم عملية عسكرية بعد حرب حزيران عام 67 وقد استمر الأشتباك ثماني ساعات تكبد العدو عشرات الأصابات في معركة سُجلت في سجل التاريخ الفتحاوي العريق وقواتها العاصفة الذي كان ابو صبري القائد العسكري لها "
إشتباك مع العدو في منطقة نابلس بيت فوريك والتي سقط خلالها الشهيد
مازن أبو غزالة وثلاثة من رفاقه وانسحب أبو صبري وثلاثة من رفاقه .
هل هذا أبو صبري الذي أقف أمامه على سرير المرض ..!
يكاد ان يكون هيكلاً عظمياً
إقتربت منه وعانقته وهو يتمتم ويقول ..... يا حبيبي يا منذر تعال اقبلك يا حبيبي .....سامحني سامحني !!!!!
لماذا قال هذا ..!!وما مبررات ما حدث ....!!
بداية القصة .................
(في معسكر الهامة.... أول لقاء )
بعد عام 67 وقد دخلنا الى الوطن ثلاث مرات كانت مهمتنا فقط إيصال السلاح الى الأرض المحتلة وتخزينها أو تسليمها لمن يهمهم الأمر "
ثلاث مرات ولم نشتبك مع العدو رغم أننا كنا ندخل من طرق خطرة وممرات تسيطر عليها القوات الصهيونية" وقد سقط العديد من الشهداء
ونحن نعود سالمين بفضل الله وقدره وحمايته
لأول مرة نرى هذا الرجل وكما وصفته بطوله وعرضه وشخصيته القوية " في مكتب أبو علي اياد يجلس ويستمع الى حديثنا وتقريرنا عن مسار عمليتنا " ينظر إلينا باستهجان ويقول "" يخرب شركم والله أنا مستغرب كيف كل هذا العمل ولم يُجرح أي شخص منكم ..! وما في مجموعة الا خسرت عدد من الشهداء والجرحى ..!شو انتم لابسين طواقي إخفاء ..!!!
لازم نجري تحقيق معكم ....!!! "يعني خلط الجد بالهزار "
صمت جميع الأخوة ونظروا لبعضهم وكأنهم أحرجوا من قوله
لم أستطع السكوت وقد استفزني كلامه فقلت : شو لازم نموت حتى تصدق ...!
وبعدين مين انت بلا صغرة ...! نظر إلي أبو علي وهو يبتسم وقال والله ما انت قليل يا غضيب " ولك هذا ابو صبري ما بتعرفه "ولك هذا قائدنا كلنا "وضحك وقال هذا بيمزح معكم "
فرد أبو صبري وهو مكشراً العفو يا اخي ابو علي أنت القائد والعين ما بتعلى على الحاجب وأضاف موجها كلامه الينا مجموعة جنين .... لا أنا ما بمزح وبجد أنا بدي أشوف حكايتكم هذه ""
فقلت شو حكايتنا ..! يا عمي كل الحكاية أن ربنا حامينا وهذا كل ما في الأمر" وإلا انت ما بتآمن بالله " فقال : بلا فلسفة وحط الله على جنب " وبعدين إنت لش بتتنطح دأئما ليش غيرك ما بيحكي
وبشكل غيرمتوقع قلت له : إسمع بدل ما تحكي هيك يا بطل اخلع البوت اللي انت لابسه (بوط فرنسي مشهور ) كان نادراً ما نراه الا مع القادة أو أصحاب الحظوظ لأنه بوط (حذاء ) قوي جداً وخفيف الوزن ومريح في المسير في الجبال والوديان (يعني بوط فدائي )
قلت : اسمع مش بتقولوا مال الثورة للثوار هاته وأعطيني إياه لأني أنا أولى منك فيه أنا بدي أنزل غداً على الأرض المحتلة وأنت قاعد هنا في المعسكر ..!
ضحك أبوعلي وقال : الله اكبر بحكي صحيح هالغضيب يا أبو صبري كان (أبو علي يستعمل الغضيب للتحبب )
فقال أبو صبري وهو يكاد يضحك : ولك أي هو بيجي على رجلك ..! م هوَ أكبر من راسك
فقلت: طيب إذا كان على قياس رجلي شو بتقول ..!!
أخذ الرجل الموضع بشكل جدي وقال: خُذ ...وخلعه وأعطاني اياه وقال إلبس يا فصح وعليها وجهك يا ابو علي إذا بيجي على رجله مبروك عليك
خذ.... إلبسه تا نشوف ..!
خرجت وبحثت عن أشياء أحشوها في الحذاء لأنه فعلا كان أكبر من قدمي بما يقارب أربعه أرقام ( قدم ابو صبري ربما 46 وقدمي 42 فحشوت مقدمة الحذاء بجربان ممزقة وخرق بالية ولبسته وعدت إليه أتباهى به
قلت : تفضل على قياس قدمي قول لي مبروك ...
قهقه أبو علي ضاحكا وقال..............خلص مبروك عليك
كان منظر أبو صبري مضحكا وهو حافي القدمين ينتظرني وهو متأكد بأن الحذاء لن يفي بغرضي وسيعود سالما الى قدميه
نظر اليه أبو علي وقال مداعباً ....خلص إلبس حفاي ( شبشب ) يا رجل بعينك الله ...ظر ابو صبري وهو في دهشة وجاء الى قدمي وأعس مقدمتها وقال بدي أفهم كيف طولت رجلك ..ولك ما انا شايفها قد نصف رجلي
ضحك أبو علي وقالوا هاي بسيطة ربنا طول قدمه جكاره فيك وضحك كل من كان في الغرفة
( أعدت البوت في اليوم التالي لأني لم أستطع الأستمرار بلبسه )
((في السلط حدثت الكارثة ))
دارت الأيام .. كنا قادمين من دورة عسكرية كانت من مصر وكان هذا بعد معركة الكرامة بشهر أو أكثر بقليل
تم تجميعنا في منطقة السلط وبدأ فرزنا على القواعد " وكان من المعروف ان كل مجموعة أو حتى شخص يجب أن يتواجد في قاعدته التي غادرها قبل الدورة وخاصة منطقته المطلة على بلدته الأصلية التي يعرف تضاريسها " وحيث كنا مجموعة من شمال الوطن من نابلس وجنين وطولكرم فمن الطبيعي ان نتوجه الى القطاع الشمالي
فوجئنا بالأ خ أبو صبري وهو قائد القطاع الأوسط ذاك الوقت وجمعنا وقال سنوزعكم الى قواعدكم " فظننا اننا سنتوجه الى الشمال "
كنا ما يقارب السبعين مقاتلا ً من جميع مناطق فلسطين " خطب فينا القائد قائلا ً... نريد ان نؤسس قاعدة متقدمة تسيطر علىالأغوار الوسطى وعلى البحر الميت وأنتم خير من يؤسسها خاصة أنكم تدرتم تدريباً جيداً " وأشار الى شخص يقف بجانبه وقال... وهذا الأخ ( شخص أسمر يبدو من ملامحه انه من أهل الأغوار ) هذا سيكون دليلكم ومسؤولكم الى أن أرسل لكم قائداً خلال أربع وعشرون ساعة
نظرت الى مسؤلنا وكان الشهيد رياض عواد وقلت له....شو يا رياض .!
قل شيئاً يا رجل يجب ان نتوجه الى الشمال "
سمعني أبو صبري فصرخ قائلاً : انت
اسمع أنت كل الناس تحكي الا أنت فاهم .... إنت َ من دون الناس ما بدي أسمع صوتك .!
فصرخت وقلت له ....شو يعني هذا ظلم ترسلنا الى منطقة لا نعرف تضاريسها و لنا واجبات في المنطقة الشمالية وهناك من ينتظرنا في بلداننا "
فقال شو بدك تشتغل جنين بس ..!!
قلت لا يا عمي بدي اشتغل فلسطين بس بدي أعرف مين هذا الي بدك ترسله مسؤول عنا ..!!
قال هذه مش شغلك فاهم هذا هو اللي راح يساعدكم ويعرفكم على كل شيء " وبلاش فلسفة وبعدين في الك مسؤول وهو رياض عواد "
وتوجه الى رياض وقال له : شو رأيك انت يا رياض هل لك إعتراض..!
فقال رياض : نحن تحت أمرك ونحن فقط ننفذ وما يهمك منه توكل على الله "
فقال أبو صبري.... هيك بدي ياك يا بطل ووجه كلامه الي وقال ....
أعتقد ان ما في الك أي كلام يا فلعوص انت ..!!!
نظرت الى رياض وأنا احبه وهو اخي وصديقي وقلت .... والله انك انتهازي يا صديقي
(( أول صدام مسلح مع الأردنيين ))
وصلنا الى القاعدة وهي تُطل على البحر الميت ومررنا بقوات عراقية تنتشر حول المكان وبشكل كبير وهم أول من استقبلونا حيث المنطقة تحت سيطرتهم على ما يبدو
بتنا ليلتنا في مغارة كبيرة حتى إستفقنا من نومنا على صوت إطلاق نار كثيف "
لم نستطع الخروج من المغارة لكثافة النيران التي كانت تعفر على مدخل المغارة " وكنا نسمع صراخ رجال يقولون يا مجرمين يا مخربين يا فلسطينية يا اولاد الكلب " أخرجوا من المغارة والله الا ندمرها عليكم وما يطلع منكم واحد حي " صعقنا مما سمعنا "أقسم اني اكثر من خمس دقائق وأنا أضرب وجهي ورأسي حتى استبين أنني في حلم او في علم ..!!!
يا أخوان شو القصة ..! الكل يتسائل ..! ولا احد يعرف شيء
لم نعرف ما المشكلة الا بعد ساعة وقد وصل إلينا ضباط عراقيين وأخبرونا أن الدليل الذي أرسله معنا الأخ أبو صبري قد قتل أحد أبناء القرية في عيرا ويرقا ( حيث أخذ حمار من باب بيته لينقل عليه ماء ولكن صاحب الحمار إعترضه وحاول منعه " فأطلق عليه النار فأرداه قتيلا وفر من المنطقة وتركنا نواجه مصيرنا ونحن لا ذنب لنا
قال لنا الضابط العراقي المسؤول .... المسألة خطيرة وبصعوبة أقنعناهم بهدنه حتى نصل اليكم وتسلموهم القاتل ...قلنا له لا نعرفه ولا نعرف حتى اسمه ..." فقال طيب خلونا نتصرف ونلاقي لكم مخرج..!
أنتم اعزاء علينا وما يصير نترككم في هذه الأزمة
تشاورنا فيما بيننا وكنا أمام خيارين
أما أن نشتبك مع المسلحين أو نخرج بسلام فكان الرأي بأن نخرج بسلام ولكن كيف ..!! ولا يمكن أن نسجل على أنفسنا مقتل أي شخص وما سيترتب عليه وخاصة أن الأمور كانت ممتازة بيننا وبين الشعب الأردني والجيش ومعركة الكرامة كان أثرها مازال حيا والتكاتف والتلاحم في أوجه
(مثل هذا العميل وامثاله الذين تواجدوا بين صفوفنا كانوا عاملاً مساعداً على تأليب الجيش والشعب في الأردن على الثورة )..!!!
وبعد أكثر من خمس ساعات تمكن الجيش العراقي من العمل على إخراجنا من المنطقة بشاحنات تابعة لقواته وأخرجونا بطريقة سرية لم يكتشف محاصرينا من أهل القرية أمرنا حيث عمل العراقيون على إلهائهم بطريقة لم نعرفها " وإلا لتكبدنا خسائر في أرواحنا بسبب جريمة لم نقترفها .!
عدنا الى قيادة القطاع الأوسط وتجمعنا هناك وحضر الأخ ابو صبري وأخذ يتأسف لما حدث " فوقفت وقلت له بالحرف الواحد
يعني يا أخ أبو صبري جاي تتأسف الان ..!!
لما سألتك وقلت لك ممكن نعرف مين هو هذا اللي بدك تسلم رقابنا له ُ ما عجبك كلامي وقلت لي يا فلعوص انت شو بيفهمك ..!
فتقدم نحوي وقال : شو قصدك يا ولد ها شو قصدك ..!
قلت له قصدي إنك ورطتنا مع واحد حقير وقاتل ومجرم وليس بعيد ان يكون جاسوس .! وكنا راح ندفع أرواحنا ببلاش وأنت السبب "
ولولا ربنا لطف فينا لكنا الان في خبر كان.." أو ارتكبنا مجزرة مع الأهالي وهات خلصنا وخلص الثورة من تبعاتها
فنظر الي رياض عواد وقال شو رأيك يا رياض في اللي بيحكيه هذا المهبول ..!! فقال رياض يا أخ ابو صبري احنا بنعرف أنك ما الك ذنب وانت ربما إنخدعت بهذا الرجل وبتحصل يعني مش قصة وبلاش تكبرها يا منذر .! قلت : شو أكبرها يا عالم ...أي في أكبر من اللي جرى لنا كدنا نروح ببلاش وأضفت هذا جاسوس يا عمي
فقال أبو صبري لا كل المسأله انه حمار فقط
قلت : سامعين يا اخوان حمار " يعني أحنا الي استلمنا وكان قائدنا حمار
فصرخ ابو صبري وقال اسكت يا بنيي الله يرضى عليك
راح نمسكه ونعدمه بكفي ولك أنا بدي انفجر ما تزود همي خلاص
فقلت : إعدمه او لا تعدمه بعد إيش .! بعد ما خرب بيتنا وحرمنا من قاعدة كان يمكن أ ن تكون من أهم قواعدنا وخاصة ان الموقع إستراتيجي جداً
قبل ما تعدمه " في سؤآل كيف جبته وكيف وثقت فيه وسلمته رقابنا .! ونتورط بهيك مصيبة " شو إحنا مرتزقه ولا أولاد ناس " أساسا شكله شكل جاسوس وأضفت ....أي انا الولد عرفته من اولها وما كنت موافق عليه ..... والله أنكم حرام تقودوا غنم ."
((هروب من السجن ))
فتقدم نحوي وهو في قمة غضبه وقال ....شو بتحكي ..!! وأمسك بي من قبة قميصي ولفها بطرقة كادت تخنقني " فقلت له نعم أنت السبب وأنت بعتنا حتى تضيعنا وأنا مصمم على رأيي
زاد حنقه ورفعني بيد واحدة وقذفني بقوة فرماني في الهواء حتى وقعت على بعد خمسة أمتار" فنهضت وأنا أصرخ به ولا ادري ما الكلام الذي صرخت به وقلته خارج الوعي " حتى وضعني في مغارة صغيرة تُستعمل كسجن توقيف وعقاب للمخالفين
غادر المكان وأخذ معه مجموعات المقاتلين ، وبقيت وحدي مع حارس واحد فقط .
وبعد ثلاث ساعات إستطعت الهروب بعد أن فتح الحارس الباب ليدخل لي الطعام حيث قلت له أريد أن اقضي حاجة ....
فتسللت بين الأحراش الكثيفة حتى وصلت الى الشارع واستقليت سيارة وتوجهت الى عمان ومن ثم الى دمشق
وصلت الى الهامة في اليوم التالي ...ورويت لأبو علي اياد القصة كاملة
فقال لي .. هون عليك وابقى في المعسكر حتى أرى الموضوع
وبينما أنا خارج من غرفة أبو علي وإذا بأبو صبري يدخل الى مكتب أبو علي " ولما رآني خَفَ عقله وقال والله اني عرفت إنك هنا يا سا ......!
وحاول إمساكي ولكني لم أمكنه وخرج أبو علي على صوت الصراخ وقال ..مالك يا ابو صبري مالك يا رجل ..!
دخل أبو صبري وهو يزمجر ويقول ... كل الثورة كوم وهذا الولد كوم راح يجنني يا أبو علي هذا متمرد هذا قليل أدب هذا مش معقول يا رجل "وروى له القصة ....
فقال أبو علي : تعال يا منذر تعال .... سلم على عمك أبو صبري واعتذر منه " فقلت والله ما بعتذر " كيف اعتذر ..! وهو ضربني وراح ما يكسر ظهري ..والله ظهري يؤلمني من الرمية اللي رماني اياها هذا وحش يا عمي أبو علي ....
سلمت عليه وهو ينظر إلي نظرة غضب وقال :تشمني ها تشتمني يا ....!
وأضاف ...والله لولا أخي ابو علي الان لخليتك تشوف نجوم الظهر
قلت له : نجوم الظهر..! شفتها في السلط " أي انت لما رميتني بايدك بتفكر ما شفت نجوم الظهر " ضحك ابو علي وقال خلاص يا ابو صبري أي الواحد بشوفها مرة واحدة وبتكفيه طول العمر وبيظل يخرف ولاده واولاد اولاده أي هي سيره عاد أي لازم كل يوم يعني بعدين بيبطل إلها رونق "كتان ابو علي يحاول ان يضفي جواً مرحاً على الجلسه
فقال : صحيح يا أبو علي بس بدي يفهم إن هاي ولا شيء "انت بعدك ما جربت عمك أبو صبري هاي كانت مزحة وما ثقلت ايدي عليك والا كان فطست" وأضاف .... على كل حال نفدت مني وانت بحماية ابو علي حظك مليح والا انا بدي أخذك مربط بايديك ورجليك على السلط واخليك فرجة واعلمك كيف تهرب ...بس خلاص صارت بوجه اخوي ابو علي
لكن أوعي تفرجيني وجهك " وإذا بشوفك بعد اليوم إلا أفرمك فرم إنت فاهم "
فقال أبو علي : يا أخي خلاص مش راح تشوف وجهه"
راح يبقى عندي وراح أريحك منه
فقال : هيك أحسن بلكي طخيته لأنه لا يمكن يهدأ بعدك ما جربته
ضحك ابو علي وقال له يا رجل هذا بس انت مش فاهمه هذا رجل يا أبو صبري بس قبل أوانه" هيك يظهر الله خالقه شو نعمل بخلقة ربنا.!
خلاص يا خوي يا بو صبري روق وروقنا "
وأضاف ....دخلك مين هو هذا الكلب اللي أرسلته معهم وورطكم هالورطة ..! يا رجل ايعثو لعندي " هذا لازم ينطخ مئة رصاصة في عيونه يخرب بيت أهله ما أنجسه
فقال: هذا يا أخوي يا ابو علي إنغشينا فيه وعرفنا عليه فلان وقال انه يعرف كل الأغوار والمنطقة " والله يا ابو علي ما شفنا منا شيء عاطل
بيوصل الدوريات وبيقطعه النهر وبيرجعوا بسلام " وصار له معانا مدة وبيساعدنا في المنطقة بيعرف كل حجر فيها " على كل الأحوال أمسكنابه بعد ساعات واعترف أنه مرتبط مع العدو وأدلى باعترافات كامله
وتبين من كلامه أنه عمل عملته حتى يورطنا مع الأهالي لأثارة الفتنة " على العموم إنتهى أمره ....
وأخذناه الى القرية وتم إعدامه أمام أهل البلد اليوم وقبل ما أحضر الى دمشق وانتهت القصة.....وغداً بمعية أخوك ابو عمار بدنا نروح ونعقد الصلح وندفع الدية ....
فقلت الله أكبر تركت كل هالبلاوي في الأردن وجاي لاحقني لهون ..!
فضحك ابو علي وقال ولك خلاص اسكت وبعدين معك
فنظر ابو صبري وكاد يضحك وقال أنا جاي يا ابو علي بدنا شويه مصاري
اذا في عندك " لملمنا حالنا في الأردن وناقص علينا حوالي الفين دينار تا نكمل دية الزلمة اللي انقتل ...فقال أبو علي :من وين يا حسرة أي هو أخوك أبو عمار بيخلي معانا شيء فمد يده في جيبه وأخرج كومة من نقود سوري وقال خذ يا خوي هاي كل اللي عندي
بقيت مع أبو علي حتى كلفني بإقامة معسكر للأشبال في منطقة قريبة من مقره
نعود إلى ..........................
((المشهد الأخير وفي المستشفى ))
بعد أن قال ..أنا ظلمتك ياحبيبي يا إبني
نزلت على رأسه أقبله وأجهشت بالبكاء لدرجة أنه صار يكفكف دموعي وحضن رأسي وهو يقبلني وأختلطت دموعي مع دموعه وهو يردد يا منذر يا ..... يا..... أنت ...... كذا وكذا........كلام كبير ما زلت أعتز به
وأضاف .................
أنا ظلمتك يا شهم يا شجاع ....سامحني يا إبني سامحني يا حبيبي .....
عانقته وهمست ....أنت يا حبيبي وأبي وأخي وقائدي
ربما أدبتني يا عمي يا ابو صبري"وانا تعلمت منك الكثير
أنا كنت قليل الأدب معك ولم أكن أفهمك " أنت قائد عظيم وستقوم من فراشك وستقودنا حتى النصر
فنظر الي نظرة جادة ورفع رأسي وقال إسمع يا منذر : لن أعود أنا انتهيت
المرض أخذ مني كل شيء " مين انا الان ..!
هل أنا أبو صبري الذي رماك بيد واحدة ....!!
وبدأ يبكي ويقول أنا لا أنسى أني رميتك كنت قوي اليس كذلك ..!!!
أنا آذيتك يا إبني وأنت لا تستحق الا كل الرعاية والأهتمام "الله يرضى عليه أبو علي الي بيرعاك لأنه بيعرف الرجال
شايف شايف .... أنا لا استطيع أن أحمل كوب الماء الآن ..... يا ليتك تحملني وترميني كما رميتك يا إبني يا ريت " أو تسامحني من قلبك "
قلت : له يا أبو صبري الله يسامحك يا عمي الله يسامحك من قلبي وما صار شيء........ أب عاقب إبنه هاي كل الحكاية
فقال الحمد لله إني رأيتك ..أنا طلبت من أبو علي أن يرسلك إلي بارك الله بيك يا ابو علي يا أمين "أنا أمنته وحلفته بدم (منهل شديد) قبل يومين
قلت له بدي أطلب منك هالطلب ...بدي أشوف منذر والحمد لله إني شفتك
وأضاف إسمع يا إبني دير بالك على أبو علي" هذا أبو علي رجل فلسطين
الي قليل رجاله "تعلموا منه الشهامة والصدق والحكمة " ربنا يعطيه الصحة " أنت ما بتعرفه قبل إصابته وقال كلمه ما زالت ترن في أذني "أباييييييييييه يا منذر" أبو علي كان جمل ...جمااااااال جمل " بس برضو بعدو جمل والله " ولو إنه بعين واحده بس شوف كيف عينه الثانية عين صقر " وهو صقر والله "
بس بدو مين يساعده ويقف بجانبه" وأنت واللي مثلك " خير من يقوم بهذا
إياك تفارقه إلا للضرورة " خليك بجانبه " أبو علي ما فيه منه رجال "
خلي عينك عليه لأني والله خايف عليه من الملاعين والغدارين " إنت فاهم علي ..! الله يرضى عليك ويوفقك ويحميك .......... رددها اكثر من عشر مرات انت حبيبي يا منذر
غادرت المكان ودموعي تعتم علي رؤية الطريق
مات بالسرطان بعد أشهر ولكن للأسف كان قد سبقه أبو علي إياد بأيام وقد سمعت الخبر وأنا في السجن في الأردن
رحم الله الغالي والحبيب أبو صبري وسامحه وعفى عنه وجمعنا به في رياض الجنة إنه سميع مجيب
انا لله وانا اليه راجعون
" فقد كان تقياً نقياً مناضلاً قويا شجاعا ً
معذرة من أختنا المناضلة أم صبري اذا سردت بعض من سيرة هذا القائد الكبير وقد تخللها بعضٌ من آلآم " ولكنها الحقيقة ولها ولأخي البطل إبن البطل صبري صيدم (هذا الشبل من ذاك الأسد ) الذي خدم شعبه في كل المواقع التي استلمها بكل نزاهة .... كل تقدير واحترام
منذر ارشيد