
قاذفات استراتيجية روسية مقابل الدرع الصاروخية الامريكية
بقلم : واصف عريقات
خبير ومحلل عسكري
لم يكن مستغربا حديث الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" ومقارنته بين منظومة الدرع الصاروخية الامريكية وأزمة الصواريخ في كوبا عام 1962 ، أزمة الكاريبي هذه نشبت اثر نشر صواريخ نووية من قبل الاتحاد السوفياتي في كوبا باتجاه الولايات المتحدة الامريكية التي كانت قد غضبت من كوبا أكبر جزر البحر الكاريبي لأنها أصبحت شيوعية عام 1959 ، واعتبرتها الولايات المتحدة تهديدا لها فتوترت العلاقات بينهما ، وخططت الولايات المتحدة لاسقاط النظام الشيوعي في كوبا من خلال استخدام المعارضة الكوبية اللاجئة وتم تسليحها وانزالها في خليج الخنازير لكنها فشلت، أعلن الزعيم الكوبي "فيدل كاسترو" أن الثورة الكوبية أصبحت ماركسية لينينية، وتعرضت كوبا لاعتداء ، فطلب "كاسترو" تدخل موسكو التي ارسلت بعثة عسكرية وتقنية سرية، وأنشأ السوفييت في كوبا قواعد صاروخية عام 1962 ، سرب معلوماتها الكولونيل "أولج بينكوفسكي" رجل المخابرات السوفييتي ، تم تأكيد هذه المعلومات من قبل طائرات التجسس الامريكية U- 2 وذلك يوم 15 اوكتوبر 1962، رفض الرئيس الامريكي "كينيدي" على أثرها توصية القيادة العامة لجيش الولايات المتحدة بقصف كوبا بكثافة، لكنه قرر فرض طوق بحري حول الجزيرة شاركت فيه مائة وثلاث وثمانون سفينة حربية بينها ثماني حاملات طائرات على متنها قوة انزال مؤلفة من اربعين ألف جندي، وفي فلوريدا تركز خمسمائة وتسع وسبعون طائرة حربية، وخمس فرق عسكرية تحت الطلب لنقلها جوا من ضمنها الفرقتين الامريكيتين المختارتين 82 ، 101، بالمقابل تواجد اثنان واربعون ألف جندي سوفياتي وثلاثماية ألف مسلح كوبي، وأعلن "كنيدي" أن على الاتحاد السوفياتي أن يسحب صواريخه، أو يتحمل مخاطرة حرب نووية، في نفس الوقت أوضح بأن الطوق البحري جاء ليمنع وصول صواريخ إضافية الى كوبا، رافق ذلك طلعات استكشافية للطائرات الامريكية بشكل منخفض فوق الاراضي الكوبية، قامت بطارية صواريخ سوفياتية باسقاط احدى الطائرات الامريكية من طراز بيون U- 2وقتل طيارها "رودولف اندرسون"، عندها أدرك العالم كله الأزمة، وأنه يقف على شفا حرب نووية، وجرى نقاش شهير في مجلس الأمن بين السفير الامريكي" أدلي ستيفنسون"، وبين السفير السوفياتي "فلريان زورين"، واتهم السوفيات السفير الامريكي بعرض وثائق ملفقة عن قواعد الصواريخ السوفياتية، كما فعل "كولن باول" في الخامس من شباط 2003 ، حين عرض "اثباتات" ملفقة لتبرير الحرب على العراق، في نفس الوقت قام "كينيدي" بفتح قناة اتصال مع "خروتشوف"، وفي 28 اوكتوبر انتهت الأزمة بموافقة الرئيس الروسي "نيكيتا خروتشوف" على تفكيك الصواريخ الروسية التي نصبت في كوبا، مقابل التخلص من الصواريخ البالستية الامريكية التي نصبت في تركيا، والتعهد الامريكي بعدم الاعتداء على كوبا، وكانت هذه الأزمة بالإضافة لأزمة جدار برلين من أعظم أزمات الحرب الباردة.
ما يجري الآن يذكرنا بتلك الحرب الباردة، كيف بدأت وكيف تطورت، ففي حين يعتبر الامريكيون أن وجود قاذفات روسية استراتيجية فوق الاراضي الكوبية ( وهذا ما يسهل لها عملية التزويد بالوقود، ويسهل تنفيذ مهماتها القتالية لقربها من مسرح العمليات) خطا أحمر كما صرح الجنرال "نورتون شوارتز" رئيس اركان سلاح الجو الامريكي، تعتبر موسكو أن من حقها ذلك لا سيما وأن خطة الولايات المتحدة الشاملة تتضمن نشر درع صاروخي في اوروبا ويمتد الى كاليفورنيا والاسكا، وقاعدة مراقبة جوية في تشيكيا و10 مضادات للصواريخ في بولندا، وهما عضوان سابقان في حلف وارسو قبل أن ينضما قبل عشر سنوات الى حلف شمال الأطلسي، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تقول ان هذا الدرع الصاروخي أنشأ لمواجهة أي هجوم بصواريخ بعيدة المدى تطلق من دول مثل كوريا الشمالية وايران ، تعتبر موسكو أنه يستهدفها، خاصة وأن الولايات المتحدة رفضت اقتراح روسيا باستخدام محطة رادار " غابالا " في أذربيجان كبديل عن الدرع الصاروخية.
لكن تحذير الجنرال الأمريكي يأتي في ظل موازين قوى تختلف عما كانت عليه في تلك الأيام التي أدت للحرب الباردة، وكذلك الظروف الدولية، وحجم العداء للولايات المتحدة الأمريكية، ولم تكن أمريكا وجيشها متورطان في حروب كالعراق وأفغانستان ، ولم تكن جبهتها الداخلية وقوات حرسها الوطني كما هي عليه الآن مستنزفة ومستنفرة من أجل مكافحة " الارهاب "، ولم يكن اقتصادها في حالة ركود، وهي أيضا تخوض المعركة الانتخابية، ومن الصعب عليها فرض طوق بحري على كوبا وغيرها ، ولا يمكن لها حشد أوارسال قوات برية، فإذا حذر رئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية الأدميرال " مايكل مولين " من صعوبة فتح جبهة ثالثة بعد العراق وأفغانستان، فماذا سيقول عن جبهة رابعة وربما أكثر...؟؟؟؟ أم أن في ذلك فرصة للولايات المتحدة الأمريكية لأن تعيد صياغة سياساتها الخارجية على قاعدة أنها جزء من العالم وتكف عن التدخل في شؤون غيرها وتسعى للسلم العالمي وتجنب البشر شر الحروب، وتساهم في بناء وتطوير الدول، تمد الفقيرة منها بالمال بدل السلاح، وتسلح الجاهلة بالعلم وتغذيها بالمعرفة ، وتجمع بين الفرقاء بدلا من تشتيتهم، وليس الشرطي الذي يتسلح بالهراوة والأصفاد الفولاذية وما عليه إلا أن يضرب هذا ويعتقل ذاك، فزمن الكاوبوي لم يعد مقبولا حتى في الأفلام السينمائية.
شفير الهاوية هذا فيه احتمال أن يؤدي الى الإنفجار، ولكن الإحتمال الأكبر أن يؤدي الى الإنفراج ، وعلى قاعدة اشتدي أزمة تنفرجي.
[email protected]
24 تموز 2008
بقلم : واصف عريقات
خبير ومحلل عسكري
لم يكن مستغربا حديث الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" ومقارنته بين منظومة الدرع الصاروخية الامريكية وأزمة الصواريخ في كوبا عام 1962 ، أزمة الكاريبي هذه نشبت اثر نشر صواريخ نووية من قبل الاتحاد السوفياتي في كوبا باتجاه الولايات المتحدة الامريكية التي كانت قد غضبت من كوبا أكبر جزر البحر الكاريبي لأنها أصبحت شيوعية عام 1959 ، واعتبرتها الولايات المتحدة تهديدا لها فتوترت العلاقات بينهما ، وخططت الولايات المتحدة لاسقاط النظام الشيوعي في كوبا من خلال استخدام المعارضة الكوبية اللاجئة وتم تسليحها وانزالها في خليج الخنازير لكنها فشلت، أعلن الزعيم الكوبي "فيدل كاسترو" أن الثورة الكوبية أصبحت ماركسية لينينية، وتعرضت كوبا لاعتداء ، فطلب "كاسترو" تدخل موسكو التي ارسلت بعثة عسكرية وتقنية سرية، وأنشأ السوفييت في كوبا قواعد صاروخية عام 1962 ، سرب معلوماتها الكولونيل "أولج بينكوفسكي" رجل المخابرات السوفييتي ، تم تأكيد هذه المعلومات من قبل طائرات التجسس الامريكية U- 2 وذلك يوم 15 اوكتوبر 1962، رفض الرئيس الامريكي "كينيدي" على أثرها توصية القيادة العامة لجيش الولايات المتحدة بقصف كوبا بكثافة، لكنه قرر فرض طوق بحري حول الجزيرة شاركت فيه مائة وثلاث وثمانون سفينة حربية بينها ثماني حاملات طائرات على متنها قوة انزال مؤلفة من اربعين ألف جندي، وفي فلوريدا تركز خمسمائة وتسع وسبعون طائرة حربية، وخمس فرق عسكرية تحت الطلب لنقلها جوا من ضمنها الفرقتين الامريكيتين المختارتين 82 ، 101، بالمقابل تواجد اثنان واربعون ألف جندي سوفياتي وثلاثماية ألف مسلح كوبي، وأعلن "كنيدي" أن على الاتحاد السوفياتي أن يسحب صواريخه، أو يتحمل مخاطرة حرب نووية، في نفس الوقت أوضح بأن الطوق البحري جاء ليمنع وصول صواريخ إضافية الى كوبا، رافق ذلك طلعات استكشافية للطائرات الامريكية بشكل منخفض فوق الاراضي الكوبية، قامت بطارية صواريخ سوفياتية باسقاط احدى الطائرات الامريكية من طراز بيون U- 2وقتل طيارها "رودولف اندرسون"، عندها أدرك العالم كله الأزمة، وأنه يقف على شفا حرب نووية، وجرى نقاش شهير في مجلس الأمن بين السفير الامريكي" أدلي ستيفنسون"، وبين السفير السوفياتي "فلريان زورين"، واتهم السوفيات السفير الامريكي بعرض وثائق ملفقة عن قواعد الصواريخ السوفياتية، كما فعل "كولن باول" في الخامس من شباط 2003 ، حين عرض "اثباتات" ملفقة لتبرير الحرب على العراق، في نفس الوقت قام "كينيدي" بفتح قناة اتصال مع "خروتشوف"، وفي 28 اوكتوبر انتهت الأزمة بموافقة الرئيس الروسي "نيكيتا خروتشوف" على تفكيك الصواريخ الروسية التي نصبت في كوبا، مقابل التخلص من الصواريخ البالستية الامريكية التي نصبت في تركيا، والتعهد الامريكي بعدم الاعتداء على كوبا، وكانت هذه الأزمة بالإضافة لأزمة جدار برلين من أعظم أزمات الحرب الباردة.
ما يجري الآن يذكرنا بتلك الحرب الباردة، كيف بدأت وكيف تطورت، ففي حين يعتبر الامريكيون أن وجود قاذفات روسية استراتيجية فوق الاراضي الكوبية ( وهذا ما يسهل لها عملية التزويد بالوقود، ويسهل تنفيذ مهماتها القتالية لقربها من مسرح العمليات) خطا أحمر كما صرح الجنرال "نورتون شوارتز" رئيس اركان سلاح الجو الامريكي، تعتبر موسكو أن من حقها ذلك لا سيما وأن خطة الولايات المتحدة الشاملة تتضمن نشر درع صاروخي في اوروبا ويمتد الى كاليفورنيا والاسكا، وقاعدة مراقبة جوية في تشيكيا و10 مضادات للصواريخ في بولندا، وهما عضوان سابقان في حلف وارسو قبل أن ينضما قبل عشر سنوات الى حلف شمال الأطلسي، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تقول ان هذا الدرع الصاروخي أنشأ لمواجهة أي هجوم بصواريخ بعيدة المدى تطلق من دول مثل كوريا الشمالية وايران ، تعتبر موسكو أنه يستهدفها، خاصة وأن الولايات المتحدة رفضت اقتراح روسيا باستخدام محطة رادار " غابالا " في أذربيجان كبديل عن الدرع الصاروخية.
لكن تحذير الجنرال الأمريكي يأتي في ظل موازين قوى تختلف عما كانت عليه في تلك الأيام التي أدت للحرب الباردة، وكذلك الظروف الدولية، وحجم العداء للولايات المتحدة الأمريكية، ولم تكن أمريكا وجيشها متورطان في حروب كالعراق وأفغانستان ، ولم تكن جبهتها الداخلية وقوات حرسها الوطني كما هي عليه الآن مستنزفة ومستنفرة من أجل مكافحة " الارهاب "، ولم يكن اقتصادها في حالة ركود، وهي أيضا تخوض المعركة الانتخابية، ومن الصعب عليها فرض طوق بحري على كوبا وغيرها ، ولا يمكن لها حشد أوارسال قوات برية، فإذا حذر رئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية الأدميرال " مايكل مولين " من صعوبة فتح جبهة ثالثة بعد العراق وأفغانستان، فماذا سيقول عن جبهة رابعة وربما أكثر...؟؟؟؟ أم أن في ذلك فرصة للولايات المتحدة الأمريكية لأن تعيد صياغة سياساتها الخارجية على قاعدة أنها جزء من العالم وتكف عن التدخل في شؤون غيرها وتسعى للسلم العالمي وتجنب البشر شر الحروب، وتساهم في بناء وتطوير الدول، تمد الفقيرة منها بالمال بدل السلاح، وتسلح الجاهلة بالعلم وتغذيها بالمعرفة ، وتجمع بين الفرقاء بدلا من تشتيتهم، وليس الشرطي الذي يتسلح بالهراوة والأصفاد الفولاذية وما عليه إلا أن يضرب هذا ويعتقل ذاك، فزمن الكاوبوي لم يعد مقبولا حتى في الأفلام السينمائية.
شفير الهاوية هذا فيه احتمال أن يؤدي الى الإنفجار، ولكن الإحتمال الأكبر أن يؤدي الى الإنفراج ، وعلى قاعدة اشتدي أزمة تنفرجي.
[email protected]
24 تموز 2008