الأخبار
(حماس): قدمنا رداً إيجابياً وجاهزون للدخول فوراً في مفاوضات حول آلية التنفيذلماذا على حماس أن توافق لا أن تناور؟(أونروا): الناس يسقطون مغشياً عليهم في غزة من شدة الجوعفلسفة المصلحةقناة إسرائيلية: جدال كبير بين نتنياهو وقيادة الجيش حول استمرار العمليات العسكرية في غزةغزة: 138 شهيداً و452 جريحاً غالبيتهم من طالبي المساعدات في آخر 24 ساعة(رويترز): مصرفان عالميان يرفضان فتح حسابات لـ"مؤسسة غزة الإنسانية"كاتس: الجيش الإسرائيلي يعد خطة لضمان ألا تتمكن إيران من العودة لتهديدناترقُّب لرد حماس.. وإعلام إسرائيلي: ترامب قد يعلن الاثنين التوصل لاتفاق بغزة(فتح) ترد على تصريحات وزير الصناعة الإسرائيلي الداعية لتفكيك السلطة الفلسطينية30 عائلة تنزح قسراً من تجمع عرب المليحات شمال أريحا بفعل اعتداءات الاحتلال ومستوطنيهمقتل جنديين إسرائيليين وإصابة اثنين آخرين بجروح خطيرة في معارك قطاع غزة20 شهيداً في غارات للاحتلال على مواصي خانيونس وحي الصبرة بمدينة غزةغوتيريش: آخر شرايين البقاء على قيد الحياة بغزة تكاد تنقطعترامب وبوتين يبحثان الحرب في أوكرانيا والتطورات بالشرق الأوسط
2025/7/5
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الزعيم جمال عبد الناصر الذي كاد ان يكون !! بقلم:رمضان جربوع

تاريخ النشر : 2008-07-24
..رمضان جربوع:
الزعيم جمال عبد الناصر، الذي كاد أن يكون ...
القدس العربي 24/7/2008
بداية .أقرّ بعدم مقدرتي على أن أكون محايدا تماما في استعراض ظاهرة "الزعامة" عند التطرق لجمال عبد الناصر، فأنا من الجيل الذي انفتح على الوعي وعبد الناصر كان ملزمة في أسرتي ومدينتي بنغازي بل وليبيا كلها وبلاد العرب.
ولن يمنعني ذلك من المحاولة.
نحن بني يعرب، تحكمنا ثقافيا ثلاثةاعتبارات:
- القلب، عندما يكون موقفنا بدواعي العاطفة وما يحب الإنسان أن تكون عليه الأمور (أية أمور! كانت) وما قد ينجذب إليه هذا الإنسان إلى شيء ما بكونه معبرا عن مكنونه ...
- العقل، وكلّ عقل أيا كان، وهو ما قد يراه إنسان بحكم تحكيم العقل وإعمال الفكر، والكل مرتبط أيما ارتباط بمقدار وعي "الإنسان" في برهته، وتتفاوت رجاحة "الموقف" المتخذ اعتمادا على "صحة" أو وجاهة بيانات وعي صاحب الموقف.
- الروح، وأقصد بها هنا ما قد يكون الجمع بين الاثنين أو استقرار في منهج وعقيدة يعتقد بها الإنسان ورثها صغيرا من بيئته أو بفعل اجتهاد تحصيل ووقف عندها راضيا مستقرا، وهي كما يقول الإمام أبو حامد الغزالي رضي الله عنه ما معناه "يفتح الله صدرك ويقذف فيه الإيمان" أو كما يشابه ما يقول بعض من السلف: التسليم البسيط والقناعة به مع الإشارة على سبيل التدليل بـ "إيمان العجائز" ...
قبل الولوج إلى زعامة جمال عبد الناصر وممارسته لها، لا مفر من استعراض حال مصر قليلا على مستوى التاريخ والسياسة والاجتماع ولو باقتضاب حتى نستطيع عرض موضوعنا هذا الخميس.
مصر، شأنها شأن بلدان المسلمين والعرب، تحت الخلافة العثمانية التي تولدت عند أفول نجم بني العباس في بغداد، فحلـّت محلها، فئة قادها أشاوس حرب أفذاذ، من قبائل التركمان، استطاعت بناء امبراطورية تمتد عبر آسيا وأفريقيا ووسط أوروبا حيث توقفت على أبواب فيينا النمسا.
عانت مصر ومعها نحن، عندما أخذت مملكة آل عثمان التركمان في الأفول شأنها شأن غيرها من الأمم كما يقول سيدنا ابن خلدون، من التخلف والركود والسكون.
يحلو لنا نحن بني يعرب بوضع مثالب الماضي على بني عثمان من آل تركمان، بل ونقول حتى استعمارهم لنا، كما ولو لم نكن نستعمر أنفسنا بأنفسنا، ونتناسى وننسى أن دولة بني عثمان قامت على أكتاف العرب وإسلام العرب، وأن قرابة نصف كوادر الدولة العثمانية طوال الخمسة قرون كان من بني يعرب، حتى وإن تترّكو أو تعثمنوا إن شئتم ! ... كلنا في الهم شرق و "ونشرق" في لعابنا أحيانا!
مصر كانت أول ضحايا غزوات الفرنجة الجدد (بعد الصليبيين) في حملة نابوليون الشهيرة بنهاية القرن الثامن عشر، ثم أجلى الإنجليز الفرنسيس بتحالف مع آل عثمان، أصحاب العهدة في الحكم وإن كان متوليه طوائفهم من المماليك، وكانت هجمة الفرنجة الجديدة وما صاحبها بمثابة صعقة كهربائية لمجتمع غارق في الخمول استفاق منه عقبها، وأول المستفيقين كان محمد علي باشا الألباني وهو أحد المماليك من ذوي الصولة والجولة وبعض من الدهاء، وتمثل دهاؤه في التمكن من التخلص مبكرا، عبر عملية تصفية دموية، من منافسيه الطامحين لتبوأ مرتبته، فيما صار يعرف بمذبحة القلعة بمطلع القرن التاسع عشر (بالمناسبة بعدها ببضع سنوات قام باشا آخر، هذه المرة لدينا في ليبيا – يوسف باشا القرمللي – من إعادة إنتاج ذات المذبحة في مدينة بنغازي بسنة 1816 وكان الضحايا شيوخ قبائل الجوازي، عندما رأى أنهم يشكلون خطرا على باشويته. ... والمذبحتان كانتا بعد "مأدبة"!
سيدنا محمد علي عندما استقر له الوضع شرع في مشروعه المتمثل في إقامة مملكة لعائلته. كان مستنيرا واستفاد من تجربة غزوة الفرنجة، وتأثر بهم دون شك، وعزم على إنشاء دولة حديثة وابتعث الدارسين إلى فرنسا، ونجح إلى حد ما في تحديث نسبي لمصر وإخراجها، او إخراج هيكلية الدولة إلى العصر الحديث، بل وشرع في ترتيب الجيوش وقام بغزوات هو وابنه ابراهيم، واستطاعت دولته بلوغ مرتبة عالية من حيث القوة العسكرية والاقتصادية، إلا أن ذلك العصر كانت دول عظمى تهيمن عليه (فرنسا، إنجلترا والامبراطورية النمساوية الهنغارية) ولم تر السماح له بالتمادي، فأحكمت عليه الخناق وقصّت أجنحته إلى حد ما في نفس الوقت كانت تخطط فيه للقضاء على ما بقي للمسلمين ومعهم آل عثمان من خلافة وقوة وتأثير، فالعالم أصبح لهم، وهم في حاجة لأسواق ومناطق نفوذ يتقاسمونها بينهم. وهم بالتأكيد قرروا القضاء على أي تواجد لقوّة إسلامية كبرى تنافسهم.
شيئا فشيئا صار نفوذ الغرب عظيما في مصر، ليس في تقليص نطاق حراكها خارج البلاد فحسب، بل حتى في التركيبة الاجتماعية الجديدة التي أخذت طابعا هجينا:
عائلة مالكة برئاسة عاهل (خديوي) يحكم بتخويل اسمي من عاصمة الخلافة بالآستانة، باعتماد من دول الغرب، حاشية ومقربون للعائلة يستظلون بها وبالدرجة الأولى من كبار ملاك الأراضي الزراعية وكبار الإداريين والعسكريين، ثم طبقة جديدة تتكون أساسا من الجاليات الأجنبية التي بدأت في التوارد على مصر إما باستدعاء من الحكومة في سبيل تحديث الدولة أو من المستوطنين من ذوي الميزة، نظرا لتأهلهم المهنى وما يتمتعون به من حصانات.
كارثتي قناة السويس والتوسع في زراعة القطن
ما رسخ هذه التركيبة حدثان عظيمان، تمثل الأول في تنفيذ مشروع حفر قناة السويس، ثم توسيع الإنجليز لنطاق زراعة القطن لأكثر مما تحتاجه البلاد عند اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية في (1861-1865) وما نتج عنها من انقطاع توريد قطن الولايات الجنوبية بأمريكا لمحالج بريطانيا العظمى. وكان لابد من بديل، فكانت مصر! بالدرجة الأولى.
نتناول الحدثين لأهميتهما فيما سيحدث لمصر:
قناة السويس
أحدثت ما يشبه الزلازل في عالم التجارة الدولية، فلقد اختصرت المسافة إلى أكثر من النصف ما بين أوروبا وأسواقها ومستعمراتها في آسيا. المشروع قام به الفرنسيون عن طريق شركة مساهمة طرحت أسهمها بالسوق حازوا فيها نصيب الأسد، وخُصّص جزء منها للدولة المصرية أو الخديوي اسماعيل؛ بريطانيا التي لم تكن تعتقد كثيرا بالجدوى استيقظت متأخرا بعد تحققها لما توفره لها القناة من سهولة الوصول لمستعمراتها في الهند وتجارتها مع الصين.
خشيت على ممتلكاتها ومصالحها والطريق إليها فغيرت رأيها واهتمت بمصر بهمة انتهت في خاتمة المطاف باحتلالتها وإعلان الوصاية عليها، بمعنى أن الاستقلال النسبي لمصر انخفض مقداره لحد كبير جدا، منطقة قناة السويس المصرية أصبحت بمثابة منطقة محتلة لا سلطان للخديوي عليها. هذا الخديوي كان مأخوذا أصلا بالحدث والحداثة القادمة معه وصار يقلد الغرب، بل ويحاول تحويل مملكته إلى قطعة من أوروبا، فأهدر أموالا لا حصر لها في تشييد العمائر وفي مشاريع عديدة بكلفة مرتفعة لم تتحملها خزائنه، فأخذ يقترض بل وباع أو ارتهن جزءا كبيرا جدا من أسهم الدولة المصرية في قناة السويس، من ضمن مشاريعه الغريبة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، إصراره على إقامة دار للأوبرا حيث كلف الموسيقار الإيطالي الشهير (فيردي) بتأليف أوبرا (عايدة)، هذا التكليف لوحده، ولكي نتبين مدى التبذير بل السفاهة التي وصل إليها الخديوي اسماعيل، وصل إلى مبلغ مائة وخمسين ألف فرنك ذهب، ولا يدخل في ذلك ما أنفق على الإخراج والديكور والملابس (لا ندري ما استفاد الفلاح المصري أو عامل السخرة – الرقيق – من هذه الأوبرا!)، لا بد أن نضيف أن من تغلب على إسماعيل باشا في مثل هذا الإسفاف هو شاه إيران السابق في الاحتفال بذكرى مرور ألفي عام على إنشاء بيرسيبوليس حيث كاد أن يفرغ خزانة إيران، وكل ذلك عشقا وتماهيا في الروم والفرنجة والأنغلوساكسون! ... .
لو كان "العز بن عبد السلام" حيا وذا قضاء، لحجر على الاثنين!
قناة السويس أسهمت في تشكيل الطبقات، المسحوقة منها (عمال السخرة والفلاحين) والطبقة المتميزة المدعية بأرستقراطية (ملاك الأراضي الزراعية وذوي العلاقة بالقصر) وطبقة "الخواجات" الأجانب ثم طبقة البيروقراط المصرية الوطنية، قليلة الشأن نوعا ولكنها كانت تجاهد وتكافح، إلى جانب كل هؤلاء طبقة بورجوازية صغيرة (سكان المدن والبلدات) من تجار وموظفين ومهنيين.
المأساة الكبرى لقناة السويس أنها رسخت الفرقة بين كل هؤلاء والطبقة المسحوقة للنخاع من عموم المصريين وتحديدا الفلاحين وعمال السخرة الذين تم جرّهم قسرا للعمل في حفر القناة ويعاملون معاملة لا تمت للإنسانية بصلة،ويموتون هناك؛ الحيوانات التي كانت تستخدم في عمليات حفر القناة من حمير وبغال وإبل، كانت تعامل بطريقة أفضل!
هذه الطبقة في تقديري قد تصل إلى 70% من الشعب المصري.... والجناة؟
الأجانب ومن تعاون معهم من أهل البلاد!
القطن القطن!
المأساة الثانية التي ربما زادت من معاناة الشعب المصري أضعافا أخرى، هي نشرالإنجليز لزراعة القطن على نطاق واسع في مصر (القطن معروف في مصر منذ القدم ولكنه للاستعمال المحلي)، وكما أسلفنا السبب هو انقطاع تدفق قطن الولايات الجنوبية من أمريكا (والذي كان ينتج بالمناسبة من قبل الرقيق الأفارقة المستعبدين قسرا).
نجحت تجربة زراعة القطن وحلت مشاكل محالج ليفربول البريطانية إلا أن القطن المصري (طويل التيلة المتميز) صار سلعة تجارية دولية ذات شأن وتعيير في بورصات العالم ومضارباتها، ومن الذي استفاد؟ .... ثلاث فئات لا غير! وليس من بينهم صاحب المصلحة!
سماسرة القطن وبورصته في مصر والعالم، ثم الإنجليز بكونهم تحصلوا على سلعة مطلوبة وذات مكسب وجدوى، ثم؟ ... ملاك الأراضي الزراعية الكبرى في وادي نهر النيل والدلتا.
وهنا نتوقف قليلا لنتعرف على ما أصبح يعرف بالإقطاع:
الإقطاع
الإقطاع في مصر لم يتأسس كما صنوه في أوروبا، أي من قبل أمراء ولوردات وبارونات تملكوا الأراضي واستعبدوا الناس – لحمايتهم كما كانوا يبررون – بل بفعل منح مباشر من صاحب بيت المال في مصر، ومن هو صاحبه؟ ... الوالي أو المملوك أو الباشا ومن بعده الخديوي، أي الذين تولوا أمر حكم مصر، وكيف؟
لإن مصر فتحت على يدي عمرو بن العاص عنوة، أي ليس صلحا، بل حربا، والسبب؟ المسلمون قاموا بالغزو والحرب ضد الرومان، حكام مصر، الذين كانوا يشكلون تهديدا للدولة الإسلامية الناهضة، والتوصيف الشرعي؟ ...
كل بلد يفتح عنوة تؤول أراضيه إلى بيت مال المسلمين، ويسمح لمالكها السابق أو مستغلها بالاستمرار في استثمارها مقابل دفع العشر لبيت المال.
عادة لا يسمح بالتنازل عن ملكية عقار تعود لبيت المال، ولكن في ظروف محددة عينها الفقهاء قديما، كان ذلك لا يسمح به إلا في حالات معينة تتعلق بالمصلحة العليا للأمة، وحيث أن الأمة "تطرطشت" وانتصب على مقعد الحكم أناس أخر دون شورى (يعني بلا ديموقراطية بلا كلام فاضي)، صار الجالس على كرسي العرش ينصب نفسه أمين بيت المال، ومن ثم كانت الأراضي والإقطاعات تمنح على الهوى، إما مكافأة على تعاون أو على سبيل مرتب تقاعد أو ثمن يدفع لكي يبتعد فلان أو علان عن التفكير في أشياء أخرى
من قام بهذا في مصر تحديدا؟ ...
حسنا، القائمة طويلة ولكنها تبدأ من الممالك والمماليك من حين آل بنو أميّة وصولا لمحمد علي باشا، ونهبت مصر وبيعت وأعطيت لغير أصحابها المستغلين لها وامتهن الفلاح الكادح من الفجر إلى العشاء وأصبح "يباع" مع الأرض التي يجلس فوقها مثله مثل الأنعام! !(محمد علي باشا كان يصادر الأراضي التي اقتطعها للملاّك مقابل عدم دفع الضرائب المستحقّة، وكذلك فعل ورثته الخديوات) وهكذا عندما صار للقطن إقبال، ترسخ الوضع أكثر ولم يستفد الفلاح الذي ينتجه سوى بعض من فتات! وتكونت ثروات سمحت بشراء ألقاب الباشوات والبكوات وأصحاب السعادات.
طرفة فتوى إيطالية في ليبيا!
أنتقل بكم لطرفة لعلها تخفف وقع المقال وطوله:
في ثلاثينات القرن الماضي، عندما تمكن الإيطاليون بعد حرب استمرت عشرين سنة، من القضاء على المقاومة الليبية في إقليم برقة، شرعوا في إنشاء المشاريع ومنح امتيازات بها لشركاتهم، هذه الشركات كانت تريد أوراقا شرعية لإثبات ملكية الأراضي الزراعية في بورصات إيطاليا، فما كان من الإيطاليين إلا أن قاموا بالبحث والتنقيب وعثروا على ما ذكرت آنفا بخصوص ملكية أراضي البلاد التي يتم فتحها عنوة، ومن ثم بكونها تعود ملكيتها القطعية لبيت مال المسلمين، وما كان الأمين على بيت المال هذا، الذي هو الخليفة العثماني عند احتلال إيطاليا لليبيا في سنة 1911، ولما كان سيدنا الخليفة العصمللي قد أبرم معاهدة صلح مع إيطاليا في مدنية لوزان بسنة 1912 تنازل فيها عن كل صلاحياته الشرعية وحقوقه في ممارسة السلطة (طبعا لم يتنازل عن حقه في ممتلكاته "الخاصة" في ليبيا) وكذلك اقر واعترف بأن ليبيا أصبحت إيطالية، حسنا وبناء على ذلك خرّج المستعمرون الطليان (الليبيراليّون!) ون بعدهم الفاشيست بأن "الأمين" على بيت مال المسلمين في ليبيا الآن هو (قصير الضرطة) أومبرتوا ملك إيطاليا، وبالتالي يصبح لسيدنا الملك الإيطالي الحق في إصدار مرسوم يسحب فيه حق "الانتفاع" من مواطني الجبل الأخضر في برقة! لماذا؟ لأنهم لم يسددوا العشر السنوي عن دخلهم. ولما كانت إيطاليا قادرة وحنونة، خصوصا بعد تبينها حالة الليبيين الغارقين في البؤس والفقر، لذلك أعفتهم من تسديد العشر وطلبت منهم الانسحاب من الأراضي بهدوء ووعدتهم ببضع فرنكات على سبيل التعويض (ابشروا يا أهل فلسطين!) وهكذا صار ...
ما سلف هو فحوى "فتوى" إيطالية إسلامية، هل تعرفون من حررها؟ ..... السيد العالم المستشرق "نيللينو" ، وهو شيخ الاستشراق في بلاد المعكرونة .... العبرة؟ .... استشراق؟ أكاديميا؟ بحوث علمية؟ تسهيل استعمار؟ .... اللهم ارحم حبيبنا "إدوارد سعيد" مؤلف كتاب الاستشراق!
لمن يشك في معلومتي أفيده بأن لدي نص فتوى الشيخ "نيللينو" بلغتها الإيطالية الأصلية!
نيللينيو (NELLINO)أفنى عمره في دراسة الإسلام واللغة العربية (وكان أستاذا بجامعة القاهرة).
مصر التي نحب وما لا نحب لها!
نعود لمصرنا التي نحب ويؤلمنا ما لا نحب لها، في نهاية القرن التاسع عشر تكبلت الدولة من ثقل أحمال الديون التي أنفقت في عبثيات وترّهات لا فائدة منها ولا يحزنون، فما كان للدول العظمى إلا أن تأتي لمصر هذه المرة بمنطق جديد:
رقابة موارد الدولة المصرية وضمان عدم "شعترتها" وتسديد القروض وفوائدها للدائنين الأوروبيين، الهيمنة على الحكومة بحيث تعمل تماما ما يقال لها في باريس ولندرة.
في هذه الآونة تشكلت في مصر طبقة من الوطنيين الذين لم يتحملوا الغبن، وكانت ثورات، دنشاوي، عرابي ... الخ. ولما كانت مصر قلب الإسلام والعروبة النابض (شاء البعض أم أبى) فلقد اهتم أهل مصر (من غيرالمداهنين) وانتبهوا لما يدبر لهم ولإخوانهم خصوصا بعد الاحتلال العسكري المباشر لمصر من قبل الإنجليز (1882) وما يحاك في سبيل القضاء على "هوية" المسلمين والعرب عموما ومن ثم ضرورة التوعية والحشد للأمة، فكان جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومعهم الكواكبي .. الخ. ونشطت في مصر حركة تدعو للتصدي للقادم من الشمال! العازم طرّا على الهيمنة على الجميع، بالمال بالسلاح بالثقافة ... بجميع الوسائل.
في بدايات القرن العشرين، ظهرت صحافة وخرجت كتابات في المضمون (لطفي السيد – إلى حين- عبد العزيز جاويش (من مواليد بنغازي 1861) سعد زغلول (والذي يتنازع البعض إلى الآن في كونه استقطب أم لم يٌستقطب من طرف إخوتنا الإنجليز) .....
استقر الحال على المطالبة بالاستقلال والجلاء كيفما كان، ولم يكن ذلك سهلا، استعرت الحركة التي صارت وطنية وعانى منها الإنجليز وأصحاب العرش المعينين، ثم الاتفاق على دستور وإلغاء الحماية و "استقلال" بشكل ما ولكن مع دوام احتلال القنال.
في عام 1936، كان اتفاق آخر، أخذ فيه الاستقلال طابعا أكثر وضوحا، وفي هذا العام سمح لأول مرة بدخول الكلية العسكرية لعامة الناس، وهي السنة الفصل، لصاحبنا جمال عبد الناصر وصحبه، إذ تمكن أبناء "البورجوازية" الصغيرة من دخول المراتب العليا التي كانت قصرا على أهل الحظوة.
أحسب أنه كان في وعي جمال عبد الناصر ما ذكرت سلفا، وعند تأملنا أحداث الحقبة التالية:
الحرب العالمية الثانية والتهديد بضياع مصر من يد الإنجليز، وحسم أمر إعادة تعيين النحاس رئيسا للوزراء في يوم 4 فبراير تحت وطأة دبابات بريطانيا، انتهاء الحرب وبدء مأساة فلسطين والحرب هناك ثم المرارة من الهوان وحال الفقر والبؤس وهيمنة الأجانب والإقطاع وقناة السويس وملكية خانعة خائبة وارستقراطية تعاني من عقد النقص ... الخ. ثم تيار وحراك إسلامي جارف متمثل في حركة الإخوان المسلمين وبعض حراك من جماعة أهل اليسار لا يظهر للعيان سوى في مجال الثقافة والبيان.
عبد الناصر كان مهموما بقضايا الوطن، ومن هنا شرع في التدبير والتخطيط وجمع من حوله أفرادا من طبقة العسكر وقليل من أهل الفكر، نجح في انقلاب، سرعان ما تحول إلى "ثورة" فعلا وتفعيلا، لقد كان الرجل ينطق بما يحب أن يسمعه شعبه ...بل حتى بما كنا نحن نحب أن نسمعه في ليبيا وبقية أوطان العروبة والإسلام بل وحتى في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، في بضع سنين
ماذا كان يريد عبد الناصر أن يفعل؟
الاستقلال الكامل لمصر، إجلاء القوات البريطانية، مكافحة الفساد، إصلاح الدولة والقضاء على الإقطاع، إقامة الحكم الرشيد، الإصلاح الزراعي والاقتصادي، التعليم العام المجاني، الثأر لهزيمة 48 في فلسطين، وربما التخلص من شركة قناة السويس –الفرنسية- المتمتعة بحماية الإمبراطورية البريطانية .... ثم و من بعد؟ .... بعد أن هاجت به الجماهير حبا، في مصر وبلاد العرب وغيرها ..... الوحدة العربية، الحياد الإيجابي، دعم حركات التحرر ومكافحة الاستعمار، ثم والأهم من ذلك كله، صار الرجل زعيما لأننا كلنا في ذلك الوقت أردنا ذلك! كنا نبحث عن زعيم!
المشروع كبير، واللحاف قصير، وإن كان هنالك أمل في أن يطول بدعم وزخم ... ولكن، وكالعادة، "الآخر" متربص، الغرب وماضيه وتاريخه وطموحاته، كان متربصا، لم يكن يخشى كثيرا من عبد الناصر لشخصه، ولكنه ارتعب مما يمكن أن ينتج عن خطابه في مصر والأخطر منها، رحاب عالم العرب والإسلام ودول العالم النامي، فالرجل لم يكن سوى عسكري من دول العالم الثالث، وطني عفوي، متحمس، تصادف أن كان خطيبا مفوها يلامس القلوب والعقول أيضا من حيث الذاكرة، لاقى صدى عظيما، القضاء عليه أو احتواؤه لم يكن صعبا، ولكن إن قدر لخطابه السريان فجمهور المتلقين عظيم ورحابهم يغطي رقعا شاسعة من العالم بالغة الحساسية الإستراتيجية وقد يمس مصالحهم إلا أنه رأوا التريث إلى حين .
سير الأحداث كان بوتيرة سريعة، انتهت الملكية وذهبت طبقات الحكم الأولى بعيدا، وتولى نصاب الدولة شباب بدوا وكأنهم لا يخشون شيئا، انضوت مصر كلها تحت لوائه، بمن فيهم أهل الحراك الإسلامي، ألهب المشاعر! ولا يلام الرجل إن شرع في مشروعه، أخذ يقلص من حجم تأثير رأس المال القديم ومن في ركابه من دهاقنة السياسة المعتادين، إصلاح زراعي، تأميمات، تعبئة جماهيرية ... صارت مصر تحكم من قبل مصريين لا غير ... لأول مرة منذ زمن بعيد!
باشر بالإنجليز، ونجح في ترحيلهم فما كان لهم من عزيمة على المقاومة، وعمل على غستقلال السودان من الهيمنة الأنجلو – مصريّة ، أخذ في وضع المشاريع الكبرى .... وحين منع عليه تمويل بناء السدّ العالي ، عجّل بتأميم قناة السويس، آخر معاقل الكبار.
حرب 56
ارتعب القوم وقرروا، الإنجليز والفرنسيس اتحدوا ومع آل عبران، المتوجسين شرا، تآمروا ثم ضربوا (حرب 56) كاد عبد الناصر أن يذهب سدى، التفاف شعبي منقطع النظير، مقاومة شعبية غير متوقعة (بورسعيد)، إهتزازات وتوازنات دولية، إنذار الرفيق " بولجانين"، غضب أيزنهاور من الحلفاء الأقدمين وعزوفه عن تغطيتهم ودعمهم كما كانوا يتوقعون (لإنهم لم يستشيروه؟ أم لأنه كان يريد إنقضاءهم ؟ حزر فزر!)
في الختام باءت الحملة بالخيبة وانتصر عبد الناصر! من الذي كان يستطيع في ذلك الوقت أن يطعن في الزعيم؟ ... اكتسح جمال الجميع، جاؤوا إليه أهل الشام للوحدة طالبين، توحدا البلدان، وبقصر نظر البعض من الجهتين لم يتحقق المنشود، وكانت أولى الخيبات، ثم المواجهة تمنّع الغرب عن التعامل، والتعاون اضطر للجوء للشرق، الاتحاد السوفييتي وركبه، ثم الاشتراكية والتأميمات وتوليد ديناصور "القطاع العام" وبعدها "اليمن"، هذه لوحدها يستحق عليها الجائزة، وإن كانت الكلفة جد عظيمة، ثم الحرب في 67 والكارثة التي نتجت عنها ... نجاح هنا وفشل هناك! ... لماذا؟
الاعتداد بالرأي؟ إعلان الحرب على الإسلاميين وبالتالي فقدان اللٌحمة؟ الاضطرار للشرق بسبب نفور وعزوف الغرب؟ إعادة إنتاج "البوليس السياسي" خاصة جهاز الملك فاروق؟ مباحث ... أمن .... مخابرات .... إعلام على الطراز السوفييتي؟ شطيطح بن طيطح؟ زمرة الطبل والمزمارالمتزلفين؟ تغييب الرأي الآخر؟ .... شطحات الحلفاء اليساريين ثقافة؟ تكون طبقة بيروقراطية عسكرية؟ تعدّد مراكز السلطة؟ معلومات خطأ؟ أم هي مجرد عدم مواءمة الديمقراطية مع طبقة العسكرية؟
أيًا كان الأمر، أحمال وأعباء الرحل كانت مما تنوء به الجبال!
استيقظ بعد نكبته ، وأخذ يراجع ذاته، وتصدى لدرء ضرر الموبقات وأخذ في محاكمات (فساد المخابرات؟!) ثم باشر بالاستعدادات لاستعادة المسلوبات وكاد أن يحقق ... إلا أن المنية وافته، وجاء بعده غيره، تلك سنة الله في خلقه ... ونعود نسأل:
كيف نحكم عليه؟ ...
من جهتي أعلنت مقدما بأني لن أستطيع أن أكون محايدا، فأنا وعيت على الدنيا وأنا وأسرتي نحب الرجل، أتذكر شقيقي الأكبر عندما أحضر صوره في إطارات لتعليقها في "مربوعة" الوالد، لم يمانع أبي فلقد كانت لمجلس قيادة الثورة المصرية وأخرى لجمال عبد الناصر وبجانبه محمد نجيب، هل لا زلت أحبه؟ لا أدري ولكنه كان ينفخ فينا روحا! لازلت أعاني .... منه!
فشل وانتكس وتسبب في أذى واعتقال وتعذيب وقتل بالآلاف، ثم جعل من جماعة البصاصة والعساسة يصولون ويجولون ويصنفون ويكتبون التقارير ويكيلون التهم بالباطل يمنة ويسرة، ماذا اقول؟
فعلها كثير غيره ممن سبقوه وبه لحقوا...
أو لم يكن زعيما؟
نعم كان زعيما ... وكاد أن يكون "الزعيم" ...
هل نحن بحاجة لزعيم؟
لا أحير لكم جوابا ....
لكل جواب، فليبحث كل واحد عن جوابه!
(صادف يوم أمس الإربعاء الذكرى السادسة والخمسون لثورة 23 يوليو .. ثورة عبد الناصر!
[email protected]
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف