إسلاميون وطنيون ... مقاومون عالميون
بلال حسن التل
تواجه أمتنا حرباً شاملة أخطر ما فيها جانبها الثقافي لأنه الجانب الذي يتعلق ببناء القيم والمفاهيم التي على ضوئها يتحدد الموقف والسلوك من القضايا واتجاهها . وفي إطار هذه الحرب الثقافية تغيرت دلالات الكثير من المصطلحات فصارت المقاومة إرهابا وصار الاستسلام سلاماً. ومثلما تغيرت دلالات الكثير من المصطلحات فقد تشوهت أيضاً الكثير من المفاهيم ،إما عن سوء قصد، أو عن سوء فهم، أو عن قراءة مجزوءة للمعطيات والوقائع التاريخية لهذه المفاهيم، التي يتم تشويهها. ومن بينها مفهوم الوطن وعلاقة الإسلاميين به. فالكثيرون يعتقدون أنه لا مكان للوطن والوطنية في برامج الاسلاميين وطروحاتهم.وهواعتقاد خاطئ ينم عن عدم فهم للإسلام أولاً .وعن قصور في قراءة تجربة الإسلاميين خاصة في العصر الحديث ، فالإسلام يجعل حب الوطن من الإيمان كما يقول الإمام علي عليه السلام. وهذه القاعدة الإيمانية وجدت بعدها في قاعدة ثابتة في الفقه الإسلامي، تجعل الدفاع عن الوطن فرض عين على كل مسلم ومسلمة خاصة إذا احتل جزء من أرض الوطن،وهذه القاعدة الفقهية مثلما تبين مكانة الوطن في ضمير المسلم ،فإنها تنفي نفياً قاطعاً امكانية نشوب إشكالية في العلاقة بين المشروع الوطني وبين الإسلاميين من جهة باعتبار أن حب الوطن من تمام إيمان المسلم .أو بينهم وبين مشروع المقاومة التي هي فرض عين على المسلم عندما يحتل وطنه أو جزء من هذا الوطن، ويصبح الموت في سبيل تحرير هذا الجزء المحتلشهادة هي أعلى مرتبة يسعى إليها المؤمن عند ربه.
إن ما قلناه في السطور السابقة ليس مجرد نظرية في بطون الكتب لكن وقائع التاريخ تؤكدها. فالدارس لحركات التحرر الوطني في هذه المنطقة من العالم ، سيجد أن الاسلاميين إن لم يكونوا رواد هذه الحركات ومؤسسيها، فإنهم شكلوا جزءاً مهماً وأساسياً منها .بعد أن مهدوا لها . و تجارب عبد الحميد بن باديس وجمعية العلماء في الجزائر و عمر المختار والسنوسية في ليبيا مازالت ماثلة للعيان ،ولايتسع المجال لتعداد تجارب الإسلاميين ودورهم في حركات التحرر الوطني. ولكن لابد من الإشارة إلى دورهم في فلسطين ابتداء من الشيخ عز الدين القسام مروراً بالحسيني وانتهاء بشهيد الفجر الشيخ أحمد ياسين. غير أن ما ميز الاسلاميين عن غيرهم من شركاء الوطن هو أن الاسلاميين ربطوا مشاريعهم الوطنية بمشروع الأمة. ولم تلههم مشاغلهم المحلية عن هموم الأمة، باعتبارها تكمل بعضها بعضاً ،وباعتبار أن العدو يتعامل مع أمتنا ومع هذه المنطقة من العالم كوحدة واحدة ساعياً إلى تفتيتها واستغلالها.وبالتالي فإن من الضروري مواجهته كوحدة واحدة بالاضافة إلى أن وحدة الأمة تكليف شرعي وجزء من عقيدة المسلم.
ومثلما كان الاسلاميون رواداً وشركاء أساسيين في مشروع التحرر الوطني، من الاستعمار عبر المقاومة بكل أشكالها العسكرية والسياسية والثقافية ،فقد كانوا شركاء في بناء مشروع الدولة الوطنية رغم انها لا تمثل طموحهم الذي يتطلع إلى قيام دولة الوحدة التي يتطابق فيها مفهوم الأمة مع مفهوم الجغرافيا التي تتمدد عليها الأمة، غير أن هذا الطموح لم يثن الاسلاميين عن المساهمة في بناء الدولة الوطنية وتطويرها، والأمثلة كثيرة على مساهمة الاسلاميين في بناء المشروع الوطني في بلدانهم ،لعل ابرزها مثال الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي قامت بفعل انتصار الثورة الاسلامية التي قادها الامام الخميني .فرغم انشغال هذه الثورة بقضايا الأمة وفي طليعتها قضية فلسطين، فقد استطاعت أن تحقق مشروعها الوطني. فانتقلت إيران في ظل حكم الإسلاميين من دولة تابعة للمستعمر إلى شوكة في خاصرته. ومن دولة متخلفة تكنولوجياً إلى دولة صار تقدمها التكنولوجي مصدر قلق للغرب الذي لايريد لمنطقتنا أن تخرج من أسر التخلف الشامل
ومثل نجاح الاسلاميين في إيران بتحقيق مشروعهم الوطني .مع مواصلة الاهتمام بقضايا الامة والانشغال بها، كذلك الحال بالنسبة لتركيا التي استطاع الاسلاميون وبفضل نجاحاتهم المتواصلة في خدمة مواطنيهم وتطوير تركيا أن يحصدوا أعلى النتائج عبر صناديق الانتخاب ويحكموا تركيا سلمياً ، وهناك عشرات الحالات التي تؤشر جميعها على قبول الاسلاميين بالشراكة الوطنية مع سائر أبناء الوطن ،ولعل في ورقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر أسطع دليل على قبول الإسلاميين بالشراكة الوطنية، وهو القبول الذي ترجمه الإسلاميون في أكثر من بلد إسلامي عبر قبولهم بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع و القبول بنتائجها .
وهذا القبول بالآخر والشراكة الوطنية معه ،ليس موقفاً تكتيكياً، ولا مرحلياً، بل هو ثابت من ثوابت الاسلام رسخه رسول الله عليه الصلاة والسلام عندما أقام أول دولة إسلامية بعد هجرته إلى المدينة المنورة. فقد أعلن عليه الصلاة والسلام صحيفة المدينة فكانت أول دستور مكتوب يحترم التنوع بين أبناء الوطن الواحد على اختلاف أديانهم وأعراقهم فقد قامت الدولة الاسلامية الأولى في المدينة المنورة على عدم الإكراه في الدين وعلى احترام عقائد الناس واعرافهم وتقاليدهم وعلى أساس التنوع العرقي.فبالاضافة الى يهود يثرب كان هناك بلال سابق الحبش وصهيب سابق الروم وسلمان سابق الفرس. ولم يكن أحد من هؤلاء يشعر أنه مواطن من الدرجة الثانية في ظل الدولة الاسلامية التي اسسها عليه السلام كدولة مدنية لا علاقة لها بالدولة الدينية،التي عرفتها مناطق أخرى من العالم ، والتي كان عنوانها محاكم التفتيش واجبار الناس على تغيير أديانهم أو الفرار من أوطانهم. في حين مازال أصحاب الأديان الأخرى من غير المسلمين يعيشون في أوطانهم التي حكمها الإسلام الذي حافظ لكل شعوب الارض التي خضعت لسلطانه على خصوصياتها الثقافية والاجتماعية والدينية بل و على لغاتها الخاصة وظل ابناء هذه الشعوب سادة في أوطانهم شركاء في إدراتها يتمتعون بكافة حقوق المواطنة وواجباتها بما في ذلك واجب الدفاع عن أرض الوطن جنباً إلى جنب مع المسلمين
إن القراءة المتأنية والمحايدة للنص الإسلامي كتاباً وحديثاً ،وللتجربة الإسلامية كما وضع أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيفة المدينة المنورة تؤكد أن الإسلاميين وطنيون حتى العظم، مقاومون حتى النخاع. لكنهم في نفس الوقت عالميون بحكم عالمية دينهم
بلال حسن التل
تواجه أمتنا حرباً شاملة أخطر ما فيها جانبها الثقافي لأنه الجانب الذي يتعلق ببناء القيم والمفاهيم التي على ضوئها يتحدد الموقف والسلوك من القضايا واتجاهها . وفي إطار هذه الحرب الثقافية تغيرت دلالات الكثير من المصطلحات فصارت المقاومة إرهابا وصار الاستسلام سلاماً. ومثلما تغيرت دلالات الكثير من المصطلحات فقد تشوهت أيضاً الكثير من المفاهيم ،إما عن سوء قصد، أو عن سوء فهم، أو عن قراءة مجزوءة للمعطيات والوقائع التاريخية لهذه المفاهيم، التي يتم تشويهها. ومن بينها مفهوم الوطن وعلاقة الإسلاميين به. فالكثيرون يعتقدون أنه لا مكان للوطن والوطنية في برامج الاسلاميين وطروحاتهم.وهواعتقاد خاطئ ينم عن عدم فهم للإسلام أولاً .وعن قصور في قراءة تجربة الإسلاميين خاصة في العصر الحديث ، فالإسلام يجعل حب الوطن من الإيمان كما يقول الإمام علي عليه السلام. وهذه القاعدة الإيمانية وجدت بعدها في قاعدة ثابتة في الفقه الإسلامي، تجعل الدفاع عن الوطن فرض عين على كل مسلم ومسلمة خاصة إذا احتل جزء من أرض الوطن،وهذه القاعدة الفقهية مثلما تبين مكانة الوطن في ضمير المسلم ،فإنها تنفي نفياً قاطعاً امكانية نشوب إشكالية في العلاقة بين المشروع الوطني وبين الإسلاميين من جهة باعتبار أن حب الوطن من تمام إيمان المسلم .أو بينهم وبين مشروع المقاومة التي هي فرض عين على المسلم عندما يحتل وطنه أو جزء من هذا الوطن، ويصبح الموت في سبيل تحرير هذا الجزء المحتلشهادة هي أعلى مرتبة يسعى إليها المؤمن عند ربه.
إن ما قلناه في السطور السابقة ليس مجرد نظرية في بطون الكتب لكن وقائع التاريخ تؤكدها. فالدارس لحركات التحرر الوطني في هذه المنطقة من العالم ، سيجد أن الاسلاميين إن لم يكونوا رواد هذه الحركات ومؤسسيها، فإنهم شكلوا جزءاً مهماً وأساسياً منها .بعد أن مهدوا لها . و تجارب عبد الحميد بن باديس وجمعية العلماء في الجزائر و عمر المختار والسنوسية في ليبيا مازالت ماثلة للعيان ،ولايتسع المجال لتعداد تجارب الإسلاميين ودورهم في حركات التحرر الوطني. ولكن لابد من الإشارة إلى دورهم في فلسطين ابتداء من الشيخ عز الدين القسام مروراً بالحسيني وانتهاء بشهيد الفجر الشيخ أحمد ياسين. غير أن ما ميز الاسلاميين عن غيرهم من شركاء الوطن هو أن الاسلاميين ربطوا مشاريعهم الوطنية بمشروع الأمة. ولم تلههم مشاغلهم المحلية عن هموم الأمة، باعتبارها تكمل بعضها بعضاً ،وباعتبار أن العدو يتعامل مع أمتنا ومع هذه المنطقة من العالم كوحدة واحدة ساعياً إلى تفتيتها واستغلالها.وبالتالي فإن من الضروري مواجهته كوحدة واحدة بالاضافة إلى أن وحدة الأمة تكليف شرعي وجزء من عقيدة المسلم.
ومثلما كان الاسلاميون رواداً وشركاء أساسيين في مشروع التحرر الوطني، من الاستعمار عبر المقاومة بكل أشكالها العسكرية والسياسية والثقافية ،فقد كانوا شركاء في بناء مشروع الدولة الوطنية رغم انها لا تمثل طموحهم الذي يتطلع إلى قيام دولة الوحدة التي يتطابق فيها مفهوم الأمة مع مفهوم الجغرافيا التي تتمدد عليها الأمة، غير أن هذا الطموح لم يثن الاسلاميين عن المساهمة في بناء الدولة الوطنية وتطويرها، والأمثلة كثيرة على مساهمة الاسلاميين في بناء المشروع الوطني في بلدانهم ،لعل ابرزها مثال الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي قامت بفعل انتصار الثورة الاسلامية التي قادها الامام الخميني .فرغم انشغال هذه الثورة بقضايا الأمة وفي طليعتها قضية فلسطين، فقد استطاعت أن تحقق مشروعها الوطني. فانتقلت إيران في ظل حكم الإسلاميين من دولة تابعة للمستعمر إلى شوكة في خاصرته. ومن دولة متخلفة تكنولوجياً إلى دولة صار تقدمها التكنولوجي مصدر قلق للغرب الذي لايريد لمنطقتنا أن تخرج من أسر التخلف الشامل
ومثل نجاح الاسلاميين في إيران بتحقيق مشروعهم الوطني .مع مواصلة الاهتمام بقضايا الامة والانشغال بها، كذلك الحال بالنسبة لتركيا التي استطاع الاسلاميون وبفضل نجاحاتهم المتواصلة في خدمة مواطنيهم وتطوير تركيا أن يحصدوا أعلى النتائج عبر صناديق الانتخاب ويحكموا تركيا سلمياً ، وهناك عشرات الحالات التي تؤشر جميعها على قبول الاسلاميين بالشراكة الوطنية مع سائر أبناء الوطن ،ولعل في ورقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر أسطع دليل على قبول الإسلاميين بالشراكة الوطنية، وهو القبول الذي ترجمه الإسلاميون في أكثر من بلد إسلامي عبر قبولهم بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع و القبول بنتائجها .
وهذا القبول بالآخر والشراكة الوطنية معه ،ليس موقفاً تكتيكياً، ولا مرحلياً، بل هو ثابت من ثوابت الاسلام رسخه رسول الله عليه الصلاة والسلام عندما أقام أول دولة إسلامية بعد هجرته إلى المدينة المنورة. فقد أعلن عليه الصلاة والسلام صحيفة المدينة فكانت أول دستور مكتوب يحترم التنوع بين أبناء الوطن الواحد على اختلاف أديانهم وأعراقهم فقد قامت الدولة الاسلامية الأولى في المدينة المنورة على عدم الإكراه في الدين وعلى احترام عقائد الناس واعرافهم وتقاليدهم وعلى أساس التنوع العرقي.فبالاضافة الى يهود يثرب كان هناك بلال سابق الحبش وصهيب سابق الروم وسلمان سابق الفرس. ولم يكن أحد من هؤلاء يشعر أنه مواطن من الدرجة الثانية في ظل الدولة الاسلامية التي اسسها عليه السلام كدولة مدنية لا علاقة لها بالدولة الدينية،التي عرفتها مناطق أخرى من العالم ، والتي كان عنوانها محاكم التفتيش واجبار الناس على تغيير أديانهم أو الفرار من أوطانهم. في حين مازال أصحاب الأديان الأخرى من غير المسلمين يعيشون في أوطانهم التي حكمها الإسلام الذي حافظ لكل شعوب الارض التي خضعت لسلطانه على خصوصياتها الثقافية والاجتماعية والدينية بل و على لغاتها الخاصة وظل ابناء هذه الشعوب سادة في أوطانهم شركاء في إدراتها يتمتعون بكافة حقوق المواطنة وواجباتها بما في ذلك واجب الدفاع عن أرض الوطن جنباً إلى جنب مع المسلمين
إن القراءة المتأنية والمحايدة للنص الإسلامي كتاباً وحديثاً ،وللتجربة الإسلامية كما وضع أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيفة المدينة المنورة تؤكد أن الإسلاميين وطنيون حتى العظم، مقاومون حتى النخاع. لكنهم في نفس الوقت عالميون بحكم عالمية دينهم