الأخبار
كاتس: الجيش الإسرائيلي يعد خطة لضمان ألا تتمكن إيران من العودة لتهديدناترقُّب لرد حماس.. وإعلام إسرائيلي: ترامب قد يعلن الاثنين التوصل لاتفاق بغزة(فتح) ترد على تصريحات وزير الصناعة الإسرائيلي الداعية لتفكيك السلطة الفلسطينية30 عائلة تنزح قسراً من تجمع عرب المليحات شمال أريحا بفعل اعتداءات الاحتلال ومستوطنيهالإعلان عن مقتل جندي إسرائيلي وأحداث أمنية جديدة في القطاع20 شهيداً في غارات للاحتلال على مواصي خانيونس وحي الصبرة بمدينة غزةغوتيريش: آخر شرايين البقاء على قيد الحياة بغزة تكاد تنقطعترامب وبوتين يبحثان الحرب في أوكرانيا والتطورات بالشرق الأوسطشهيد وثلاثة جرحى بغارة إسرائيلية استهدفت مركبة جنوب بيروتاستشهاد مواطن برصاص الاحتلال قرب مخيم نور شمس شرق طولكرمالشيخ يبحث مع وفد أوروبي وقف العدوان على غزة واعتداءات المستوطنيننحو صفقة ممكنة: قراءة في المقترح الأمريكي ومأزق الخياراتالكشف عن تفاصيل جديدة حول اتفاق غزة المرتقبمسؤولون إسرائيليون: نتنياهو يرغب بشدة في التوصل لصفقة تبادل "بأي ثمن"أخطاء شائعة خلال فصل الصيف تسبب التسمم الغذائي
2025/7/4
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

"نور".. صورتنا! بقلم:جواد البشيتي

تاريخ النشر : 2008-07-20
"نور".. صورتنا!

جواد البشيتي

إنَّه كموعد أذان الإفطار في رمضان، فأفراد العائلة جميعاً، في العالم العربي، يتحلَّقون مساء كل يوم، حول تلفزيون MBC4 لمشاهدة مسلسل "نور" التركي المدبلج إلى العربية في اللهجة السورية، والذي بفضله سُوِّقَت تركيا (كثيراً، وأكثر من ذي قبل) في مشاعرنا السياحية والسياسية.. والثقافية، وإنْ تسبَّبت، في مسلسلها هذا، وعن غير قصد، ببعض المشاكل العائلية بين الأزواج، أو بين الآباء وأبنائهم.

كثيرٌ من مثقَّفينا، الذين بينهم وبين مسلسل "نوار" جدار من الاغتراب الثقافي، يُنْكِرون مشاهدته، أو الاهتمام بمشاهدته، أو التفاعل الإيجابي معه، فذكَّرني موقفهم هذا بموقف جمهور واسع من المثقَّفين (الجادين والملتزمين.. واليساريين) من شِعْر نزار قباني في المرأة، فهم كانوا يلعنونه نهاراً وعلانيةً، وعند الإدلاء بآرائهم "الرسمية"، ليتوفَّروا على قراءته ليلاً وسِرَّاً، فنحن قوم جُبِلْنا على أن يكون ظاهرنا غير باطننا، وباطننا غير ظاهرنا، حتى في السياسة والفكر، وفيهما على وجه الخصوص.

مسلسل "نور" هو تركي؛ ولكنَّه عربي لجهة أثره وتأثيره ووقعه في النفس، فهو في مناخنا السيكولوجي فحسب، أو في المقام الأوَّل، ينتشر انتشار النار في الهشيم، فهذا المسلسل، الذي في حدِّ ذاته مُفْتَقِرٌ إلى الأهمية الفنية والفكرية، يكتسب كل أهميته تقريباً من هذا الاهتمام العائلي العربي الواسع بمشاهدته، ومِمَّا يتركه من أثرٍ في نفوس مشاهديه العرب، حتى أصبحت إجابة السؤال "لماذا هذا الاهتمام والتأثُّر؟" من الأهمية بمكان لدى الباحثين السوسيولوجيين الجادين.

المرء لا يرى في غيره، عندما ينظر إليه ببصره وبصيرته، إلاَّ تلك الأشياء التي يفتقر هو إليها، ويرغب في امتلاكها والحصول عليه، فالأصلع يرى في غيره الشَعْر أوَّلاً، وسريعاً، والسمين يرى النحافة، والفقير يرى الثراء، والضعيف يرى القوَّة، والمريض يرى الصحة، والذي يعاني في علاقته بـ "نصفه الآخر" تصحُّراً عاطفياً، يرى الخصب والرغد في العيش العاطفي لدى مَنْ ينعمون به، و"سلطان العائلة"، كالأب أو الجد، الذي أصبح في عائلته كملكة بريطانيا، والذي يحنُّ إلى ما أصبح أثراً بعد عين من سلطانه ونفوذه، لا بدَّ له من أن يُعْجَب ويتأثَّر كثيراً بشخصية ومكانة الجد "فكري" في مسلسل "نور".

هذا المسلسل يشبه "المرآة" التي نرى فيها ما نرغب في استعادته، أو امتلاكه، من أشياء فقدناها، أو نفتقر إليها، وكأنَّ "الصورة" التي نُحِبُّ أن نظهر أو نكون فيها، لا "الصورة" الحقيقية والواقعية لنا، هي ما يشدنا إلى هذا "المسلسل ـ المرآة".

إذا كنتِ زوجةً فها هو "الزوج مهنَّد" يؤلِّبكِ على زوجكِ، الذي لا يسمعكَ كلاماً يهفو إليه قلبكِ، الذي كان، قبل الزواج، حديقة، فأصبح بعده، وبفضله، صحراء قاحلة؛ ولا يُفاجئكِ بالثمين من الهدايا، ولا بورود وشموع ينثرها هنا وهناك من أرجاء وزوايا المنزل.. وغرفة النوم على وجه الخصوص؛ ولا يُظْهِر لكِ، في حبِّه وكرهه، في فرحه وحزنه، "الطفل" الكامن فيه، فزوجكِ، ولو كان شاباً، لا يُظْهِر لكِ، في ذلك، وفي غيره، إلاَّ شيخاً يَعْدِل الإمبراطورية الرومانية عُمْراً.

نحن معشر الرجال العرب يجب أن نعترف بـ "قصورنا العاطفي (والرومانسي)"، فتجاربنا في الحُبِّ والزواج إنَّما أظهرت وأكَّدت أنِّنا فاشلون في الحُبِّ والزواج، ناجحون فحسب في التناسل والتكاثر، وفي بذر بذور الطلاق، وفي الحصول على مزيدٍ من الزوجات، فمجتمعنا، وتاريخنا، علَّمانا "المرأة"، و"علاقة الرجل بها"، بما أصابنا بـ "البطالة العاطفية" في علاقتنا بـ "النصف الآخر ("الأقل أهميةً").

على أنَّ هذا الاعتراف لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، أنَّ النساء عندنا على خير وجه وحال، فهذا الذي يُعْجِبُهُنَّ بـ "مهنَّد" إنَّما يُظْهِر ويؤكِّد أنَّ الأزمة في العلاقة بين الرجل والمرأة تضرب جذورها عميقاً في المرأة أيضاً، فـ "الزوج مهنَّد" لا يعطي "زوجته نور" من محتوى وشكل علاقة الحب والزواج إلاَّ ما يقع موقعاً حسناً من نفس امرأة مَسَخَت "ثقافة الحب والزواج"، في مجتمعنا، عقلها وقلبها، فقولي لي ما يُعْجِبُكِ في "العطاء العاطفي" لـ "الزوج مهنَّد" أقول لكِ من أنتِ!

"مهنَّد" الأمير، أي الوسيم، الأنيق المظهر، ابن القصور، الثري، الذي بالمال يحلُّ كل المشاكل، ويُحْسِن إلى الفقراء، هو الرجل الذي ما زال مستوطناً أحلام اليقظة لدى المرأة عندنا، والذي لم يغرسه في نفوس النساء عندنا سوى الرجال أنفسهم، بمجتمعهم وثقافتهم.

العائلة عندنا ما عادت بالإمارة التي "تَنْعُم" بسلطان "المستبد العادل"، الذي هو الأب، أو الجد، الذي يستخذي الأبناء والأحفاد لمشيئته، ويظلُّون طَوْع أمره، والذي يَعْلَم كل صغيرة وكبيرة، وتعود إليه وحده سلطة بت وحسم كل الأمور.

هذا السلطان أصبح أثراً بعد عين، وكظِلٍّ فَقَدَ جسمه، فاشتد إليه الشوق والحنين في نفوس الآباء والأجداد الذين يتمنون أن يملكوا من الأسباب ما يجعلهم في منزلة ومكانة "الجد فكري".

و"الحماة" تَحِنُّ إلى فردوسها المفقود، فتميل بقلبها ومشاعرها إلى "شريفة" الآمرة الناهية؛ والفقراء من المشاهدين لا يرون من "حلٍّ واقعي" لمشكلاتهم التي يُنْتِجُها فقرهم (الاقتصادي) إلاَّ في تحلِّي الأغنياء بفضيلة "البرِّ والإحسان"، فالفقير "مروان" ما أن يشعر بشيء من "القهر الطبقي" حتى يُسْرِع المُحْسِن "مهنَّد" في مساعدته وإغاثته، فيحلُّ "الشعور الأُسَريِّ" محلَّ الشعور بـ "القهر الطبقي".

مسلسل "نور"، ولجهة نجاحه في أن يجتذب إليه عيون وأسماع واهتمام الملايين من العرب، إنَّما يُظْهِر ويؤكِّد أنَّنا في "أزمة ثقافة وقِيَم"، لا نرى من "حلٍّ" لها إلاَّ في جعل "كفَّة الماضي" ترجح أكثر، فأكثر، على "كفَّة المستقبل" في حاضرنا.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف