رمضان جربوع:
عن الزعيم عنترة هتلر الشدّاد من بني عبس الجرمان
القدس العربي 17/7/2008
تناولنا بنيتو (المبارك) موسيلليني في مقالة الخميس السابقة، وكنا بمعرض البحث في سمات الزعامة وتواردها في تاريخنا، أو بالأحرى في تاريخ بني الإنسان. اخترنا التاريخ الحديث القريب، وبدأنا بسيدنا موسيلليني، وأشبعناه تناولا. هذا الخميس نتناول سيدنا "أدولف هتلر" وكيف استزعم الزعامة وصار زعيما. قاد أمة الجرمان من مصاف الفقر والهزائم، إلى أمة أخرى تصدت للعالم أجمع وصالت وطغت .. إلا أنه، وكما موسيلليني، في فترة ما، وبعد انتصارات أولية، عسكرية واقتصادية واجتماعية، خيّل له العلم بالعلم كله، والسياسة، أو سوْس الأمم، تصفي في نهاية المطاف إلى خيارات بقرارات، تبني على "علم" ما ورأي ...
و"الرأي" هنا، رأي الزعيم في حينه، زعيمنا هتلر هذا، بعد أن فوجئ بنجاحات خياراته العسكرية في البداية، والتي كانت متعارضة مع ما كان يقول كبار جنرالاته، وسبق ذلك نجاحات أخرى جد باهرة في إعادة ترتيب أمور ألمانيا واقتصادها بعد الحرب الكونية، اعتقد، ولا يلام المسكين كثيراً في هذا، بأنه أعلم العالمين، فأخذ يخبط خبط العشواء..معتقدا أن شعبه فهمه وصار تابعه، وأن عبقريته عندما تضاف لعبقرية الجرمان ستحقق المستحيلات، وسينتصر بعد الاندحارات.
الاندحارات التي كانت وشيكة وبينة لمن كان له عيان.
ولا بد من العطوف على المعية المحيطة ببطل الألمعية، هيملر وغوبلز وغورنغ ...الخ، وهم المسؤولون عن "الإعلام" – شطيطح بن طيطيح يعني- والعسكر والتنظيم والتنظير والاستخبارات (أهل البصاصة والعساسة، مباحث يعني) وما أنتجوه له من تحليلات ونظرات، وكلهم كانوا يعانون من قصر النظر وسوء التحليل، أو إن شئتم، كانوا غير قادرين على قول الحقيقة، التي مفادها أن ألمانيا قد توسعت، وامتد نطاق أعمال عسكرها، وجف اقتصادها، ولم تعد تقدر على مواكبة "طموحات" الزعيم! ..
من كان يستطيع أن يقول ذلك؟
ما كان مؤكداً، وواضحاً تمام الوضوح في الأفق، أن أمريكا "مرة أخرى" على وشك الدخول في الحرب، وتنتظر أي ترسو سفن الفوهرر، وعندما حان الميعاد واتخذ القرار، اتخذت أمريكا القرار، ولم يكن ينقص سوى "سبب" مباشر ... فكان هجوم اليابان على بلاد الأمريكان (بيرل هاربر) ومن قبل في الحرب العالمية الأولى، إغراق باخرة الركاب الأمريكان "لوزيتينيا؟ – ألا يذكرنا هذا بــ 11 شهر تسعة؟- فاندفعوا للحرب بدون هوادة، وكرسوا عجلة الصناعة، ومعها رجال المال والتجارة، لقضاء الحاجة، خصوصا بعدما ما أنجز الأوروبيون المطلوب:
أي قتل الملايين من بعضهم البعض (55 مليوناً ضحية الحرب العالمية الثانية) ودمروا بلدانهم واقتصادهم ولم يعد لهم شيء ..لا شيء على الإطلاق، وعلى الصفين كانت المجازر وجنون التناحر....
هتلر صار زعيما لأن اللحظة التاريخية اقتضت أن يوجد زعيم، تماماً مثل موسيلليني. لماذا؟ لأن كلا الاثنين تمتعا بملكة الخطابة أولا، ثم قول ما يريد أن يسمع عامة الشعب.
ونسأل ماذا كان يريد الشعب في ألمانيا؟
كان الناس يعانون من الفقر الشديد ومن الإحباط النفسي والشعور بالفشل في الحرب الكونية الكبرى، والتعويضات المجحفة التي فرضت عليهم، ونتج عنها أزمة اقتصادية خانقة ... وأيضا البحث عن "كبش فداء" يرمون عليه مسؤولية الهزيمة!
ألمانيا، وهي أيضا لم تتوحد إلا في منتصف القرن التاسع عشر (بجهود الداهية بسمارك) مثل إيطاليا (بمجهودات غاريبالدي)، كانت إمبراطورية فعلية يحكمها "قيصر" من عائلات شمال ألمانيا (البروسيون أو التوتونيون إن فضلتم) من ذوي الجبروت والناسوت وحتى "الألموت" – عساكر أشداء مثلهم مثل قبائل التركمان قديما!
وضع القيصر وتبعه طموحات كبيرة لبلادهم حديثة التوحد والإنشاء نسبيا، فقاموا باستعمار أوطان (شرق وحنوب غرب أفريقيا وجيوب من الصين) ووضعوا المخططات الصناعية الضخمة، وكانوا يستطيعون..فقد كان لديهم الفحم والحديد، ومن الفحم (بترول زمان) تمكنوا من إقامة صناعة كيماوية لا نظير لها في العالم ربما لتاريخ اليوم، وتبع ذلك نشاط وحيوية أدت بجماعة القيصر، شأنهم شأن جيرانهم، للنظر في التوسع والهيمنة على محيطهم، لكي يصبحوا القوة الأعظم، (طبعا سمعنا مثل هذا من الأقدمين) فاستعدوا للحرب على الفرنسيس والإنجليز، وقاموا بالتعبئة، والتعبئة هذه مصيبة، فعندما تستمر يصبح لها زخمٌ لا يمكن إيقافه، والبركة في رجال الأعمال والصناعة والمال.
دخل القيصر الحرب، عندما حانت الفرصة (اغتيال ولي عهد النمسا)، وتفوقت قواته في البداية، وأثبت جدارة وإمكانيات غير متوقعة، إلا أن الحرب سرعان ما انتهت إلى مواجهة خنادق وتقاذف حمم من نار وكبريت، تحصد الأرواح يومياً بالآلاف، وكادت ألمانيا أن تنتصر، إلا أن سيدتنا أمريكا، وكالعادة قدمت في اللحظة الحرجة، وأنقذت أوروبا من نفسها، وحسمت الحرب لصالحها. المفاوضات التي تلت أدت لفرض شروط صلح مهينة مشينة على العزيزة ألمانيا.
ما يهمنا في هذا السياق هو الحقبة التاريخية المعينة التي أدت إلى ميلاد زعيم، ولن نقوم بتقييمه أو الإشادة به أو الطعن فيه، فليس هذا موضوع المقال، ولكنا سنناقش "الإنسان" الذي تنصّب أو نصّب زعيماً، وفقاً لما نرى من توفر متطلبات ولحظة تاريخية معينة، أدت لاعتلائه مرتبة الزعامة، فصار زعيماً.
السيد أدولف بن هتلر، ولد وترعرع في بلدة قصية بشمال شرق النمسا. والده كان "بوصطاجيا" يعني: موظف مكتب بريد وجمارك... الدخل محدود، والمستقبل محصور، فإما السعي وراء وظيفة أو اللجوء لمجال الفنون والرسوم والشعور، الشاب الصغير أدولف، تيقن مبكرا أن لا مجال له في الوظيفة العمومية ومتطلباتها، فترك الدراسة، وباشر الفنون، فأخذ بالرسم بألوان الزيت والماء، وأخرج العديد من اللوحات، لم تنل أي تقدير أو تنبئ بمستقبل في المجال.
يئس الوالدان من الابن، وكفّا عن الاستثمار في الوهم، ثم ماتا، فارتحل سيدنا أدولف يبحث عن قضية أو رسالة، إلى الشمال، حيث الألمان هناك أكثر "جرمانية" من بلاد النمسا (ذات أخلاط الأعراق) وقيل أيضا للفرار من التجنيد... عندما وصل إلى هناك، في عاصمة البافار التي كانت موطن الملوك الجرمان قبل التوحد، ميونيخ، وجد نفسه، وأصبح منهم حقاً وحقيقاً، واختلط بالقوم وصار منهم، فلما نشبت الحرب، وجدناه يتطوع بالخدمة العسكرية بمرتبة البوسطاجية أو المراسلية الحربية. وكان الغريب في الأمر أنه قُبل، رغم أوراقه الثبوتية النمساوية... المهم، أصيب صاحبنا أدولفو "المندلف".. وكاد يفقد بصره بفعل الكيماوي، وعندما سُرّح التحق بالحزب الاشتراكي القومي (أو الوطني كما تشاؤون)، وانضم لمحفل الباحثين عن كبش فداء لتبرير الخسارة.. لفت الأنظار.. وتركزت عليه الأبصار، فالرجل مشهود له بحسن الخطاب وإثارة الحماس. سقطت الإمبراطورية الجرمانية، وانتهى القيصر، واضطر الجنرالات وعلى رأسهم (فون هيندبيرغ) لعقد الصلح مع الخصم، مقابل ترتيب تعويضات مالية بشكل غير معقول، واستلاب المعمور من المستعمرات ... حلت محل القيصرية مصطنع الجمهورية المدعاة بالفايمارية، وتم احتلال قرابة نصف أرض الجرمان، وصارت قيمة مارك الألمان أقل من واحد من المليونين من قيمة زمان ما قبل الحربين، وتخلى الممولون الأمريكان ومعهم بنو عمومتنا من بني آل عبران ... وانهارت الدولة والمكلمان البرلمان.. وصار رغيف الخبز يساوي حمل برويطتين من ورق بنكنوت الفايمار... نما الحزب الاجتماعي/الاشتراكي، الذي صار يعرف بالنازي .. وأخذ يدعو الشعب لتأييده وتحميل وزر الخسارة على أكتاف اليهود والشيوعيين والمصرفيين الرأسماليين، بالإضافة إلى قوائم أخرى منتقاة ترتكز شيئاً فشيئاً على تلوث نقاء جنس الألمان وضرورة تطهير الرايخ من غير الجرمان وإعلان لا مواربة فيه بأن الجنس الآري يجب أن يكون هو "السيد" على الجميع ويجب أن نقيا! ...
مع الخسائر والمعاناة نتاج الحرب أضيف الكساد الاقتصادي العالمي العظيم (ابتداء من 1929) بعد انهيار المصارف الأمريكية. دخل الحزب الانتخابات بطريقة شرعية، بعد محاولة غير سوية للزحف على مركز السلطة في مسيرة.. تقليداً لما فعله بينيتو المبارك ابن الموسييللينية في روما الأبية (اقرؤوا ليلة الكريستال في ميونيخ) فاز الحزب النازي بأغلبية تقريبية..وصار لزاما على رئيس الدولة (المارشال فون هيندنبيرغ) تعيين عنترة ابن شداد الألمان، هتلر بن عبس أدولف، وكان ذلك على مضض!
هنا، وخلال سنة واحدة، تمكن سيدنا عنترة الألمان من اختزال السلطة في يديه، ودفع المارشال فون هيندنبيرغ للاختفاء ثم النسيان، وصار زعيماً .. أدولف ابن ألويوس، حجر على كل ما يرى غير ما رأى، وحبس وقتل وعاقب كل من سولت له نفسه غير ذلك...
عند ابتداء ممارسة الزعامة، كان نجاحاً ساحقاً، قلد، إلى حد ما، ما قام به الرئيس الجديد لبلاد الأمريكان (فرانكلين روزفلت) وشرع في مشاريع لا أول لها ولا آخر... من إعادة تسلح، إلى بناء (أو تعبئة) الجماهير في تنظيمات للمجتمع الألماني شيباً وشباباً، ثم تشييد بنية تحتية منقطعة النظير (أقلها شأنا ستة آلاف كيلومتر من الأتوبان... الأوتوستراد) – لإدراك حجم ذلك: فرنسا لم يكن لديها حتى سنة 1964 سوى 70 كيلومتراً فقط لا غير.. وبريطانيا تقريبا (اطناش إلا خمسة) – ثم أخذ يحطم قيود معاهدة الصلح قطعة قطعة، قضي بضربة واحدة، لم تستغرق سوى سنتين أو ثلاث، على البطالة.. بل أصبح الرايخ يعاني من قلة اليد العاملة.. وبدأ تدريجياً يعِدّ للانتقام واحتلال ما كان يراه (هو) حق الألمان ...
إذن هي الحرب من جديد! .. ومن يمول يا ترى؟
عرفتموهم؟ الأمريكان بالطبع عن طريق مصارفهم وتجارهم، وعلى رأسهم مورغان وستانلي وفورد وعديد من الشركات الكبرى ورجال البيزنس (منهم عائلة بوش الميامين) إلخ ...
نهضت ألمانيا من جديد.. واستحق الزعيم زعامته بدفع من شعبه، وصارت دولة من جديد.. يخطب ودها الجميع.. بل ويتفاوضون معها ويعطونها غنائم وأسلاباً.. بل وبلداناً.. مقابل ألا تقوم بحرب جديدة (تشمبرلين وبلاد التشيك) ...
تم الحشد والتجهيز .. فالحرب واقعة لا محالة، فرأي الزعيم وحزبه النازي كان محسوماً، لابد للشعب الألماني أن ينتقم من الفرنسيس ويذلهم.. كما أذلوه.. ولابد لدولة الرايخ الثالث أن تحوز "مجالها الحيوي" في أوروبا (ثلاثة أرباعها تقريباً).. واندلعت الحرب. وكما في سابقتها اكتسحت كتائب "الفيرماخت" أوروبا في بضعة أسابيع.. وانهارت فرنسا في ستة.. واستسلمت بإذلال.. وكادت أشلاء الجيش البريطاني أن تحرق بكاملها بدروع "البانزر"، لولا غطرسة قائد سلاح الجو النازي.. وإصراره على قيامه هو بذلك بطائراته، فتمكن الإنجليز من تهريب معظم جندهم من ميناء دنكرك الفرنسي.
سكنت الحرب قليلا، وصار كل طرف يخطط، ولما كان انتصار ألمانيا في حكم المؤكد التحق موسيلليني بهتلر ولحقت به اليابان، وكل "لديه" ليلى يريد أن يغني لها.
على غير المتوقع ضرب هتلر بلاد الروس.. ليقضي على الشيوعية، ويخفف عددهم، ويستفيد من مواردهم، وكاد يصل إلى مبتغاه، لولا مقاومة شرسة من جهة، ونقص الموارد، لاستغراق الحرب أكثر مما خطط لها من جهة ثانية. ثم كان يجب إنقاذ الحليف الخائب موسيلليني، حيث اندحرت جيوشه التي انطلقت من ليبيا لاستعادة مصر لبحر الرومان، فبعث له بالفيلق الألماني الأفريقي بقيادة رومل، وكاد ينجح ويقهر الإنجليز.. لولا الدعم الأمريكي الهائل للحليفة العزيزة، وقلة ما يصل من مدد للشيخ أروين بن رومل! فخسر معركة العلمين وكانت بداية الانكفاء للرايخ الثالث.
أما نحن أهل ليبيا.. فلم ننل سوى دمار مدننا في حرب أغراب.. لا لنا ناقة لنا فيها ولا حتى هرّة! ولا زالت ألغام الملاعين تقتل مواطنينا إلى يومنا هذا.
الأمريكيون كانوا ينتظرون على ضفاف الأطلسي الأخرى، لقد عزموا على الحرب، ولكن وفق توقيتهم هم، وكما فعلوا من قبل تركوا الدول المتقاتلة تدمر نفسها شيئاً فشيئاً، لتصبح هشة رخوة جاهزة لإحكام الخناق عليها، ومن ثم يسهل قيادها فيما بعد. وبالطبع أوائل الضاغطين في سبيل الدخول في الحرب كانوا جماعة "المركّب الصناعي العسكري". وحان الميعاد عندما أيقن اليابان بلزوم ضرب بلاد العم سام، فضربوا (وقيل تركهم الأمريكان يفعلون!) ييرل هاربر، مكمن الأسطول اليانكي المخصص للمحيط الهادي، الذي كان يشكل عائقاً في سبيل حصول طوكيو على "المجال الحيوي" اللعين إياه! وما به من نفط وموارد. فكانت الحرب. وفي بضع سنين مع مزيد قتل وذبح وحرق، انتصر الأمريكان، واندحر الألمان واليابان والطليان ... وهؤلاء كانوا مدحورين أصلا!
نعود للاعتبار من تجربة زعيم الألمان:
كان هتلر بمثابة بطل بني عبس، عنترة بن شداد، رجل يريد أن ينقذ أمة ويسمو بها، طموح عنترة بن شداد كان فقط إثبات جدارته والفوز بعبلاه، ولقد فعل، إلا أن هتلر أو عنترة بني الجرمان، تمادى في "عنترته"، بعد النجاحات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية الأولى، واعتقد بأنه يعلم العلم كله، وأخذ يقرر على هواه، ووجد من يطبل له ويزمر من طائفة الأعوان، وكان لحافه طويلا فأمة الألمان كانت من أكثر الأمم تقديساً للعمل والتعلم والآداب والفنون، ولكنه رأى بأنه من الممكن إطالة الساقين أو الرجلين، فصار يحارب على العديد من الجبهات، فلم يعد اللحاف بمقاس الأرجل، التي استطالت، فاختل التوازن، واختل هو وبلده.
لو أن الأمر انحصر في بلاده، لكان ذلك شأنه وشأنها، ولكن الرجل تحول إلى "وحش" عالمي تسبب في أكثر الكوارث الإنسانية فظاعة على نطاق العالم (مباشرة بعد الطاعون من حيث عدد الضحايا) الجرمان أو النمساويون الجرمان هم الذين أنجبوه، وهم الذين انقادوا له واستسلموا، طوعا حينا، وكرها في غالب الأحيان..
عندما أخذ الحزب النازي يعتمد أكثر فأكثر نظرية العرق "الآري"، والقائلة بكونه أفضل من مشى البسيطة، وضرورة تطهير ألمانيا من غيرهم، تصور أنه لا يأتيه باطل من بين يديه، هذا بكل بساطة هراء.. أودى بالقائلين به للفناء ... على مر التاريخ!
ستظل أسئلة كثيرة تطرح عن قصة خروج هذا "العنترة"، وستكون كلها مثيرة للجدل: هل فطن به بنو العم سام، فأمدوه بالعون إلى أن وصل إلى ما وصل إليه، ثم أنهوه بعد أن أدى المهمة المطلوبة؟.. أي تفتيت أوروبا والعالم، وجعلها وجعله أسهل انقيادا لسادة واشنطن؟.. نظرية مؤامراتية؟ ربما.. ألا يذكركم هذا بشيء قريب حصل عندنا في بلاد يعرب الشرق؟
ولكن الذين ساروا في ركب الزعيم، من غير الأعوان – المضحكين أحيانا – كان هنالك آلاف وآلاف من العلماء والمفكرين والقادة والإداريين من الطراز الأول، هل كانوا كلهم مسحورين؟
بعد سحق ألمانيا وتدميرها، أخذ الحلفاء من الأمريكيين والإنجليز والروس، وأضيف لهم الفرنسيس، في نهب قاعدة ألمانيا الصناعية والعلمية، بل اختطفوا أيضا الكثير من علمائهم وباحثيهم. أخذوا كل شيء لبلدانهم (من بينها تصاميم جديدة استخدمت في آلات الحرب مثل المقاتلات النفاثة والصواريخ وطائرات نقل الركاب العملاقة، بل حتى نتائج البحوث والتجارب الطبية التي كانت تجرى على ضحايا من المعتقلين في معسكرات الإبادة واستفادوا منها بدون خجل)
ومن لا يصدق عليه قراءة كتاب ممتاز يتحدث بالتفصيل عما أسلفت لمؤلف صحفي باحث بريطاني (لم أعد أذكر اسمه) ولكن الكتاب يحمل عنوان:
THE PAPER CLIP CONSPIRACY
ازدهرت إيطاليا بعد الحرب وكذلك ألمانيا (الغربية في حينه) ولكن الأخيرة كانت أسرع وأعظم قوة، والسبب؟... لقد كان أصحابنا من جماعة (المركّب الصناعي العسكري) بصدد البحث عن أسواق جديدة، أعداء جدد، حروب جديدة، لترويج صناعتهم وتوسيع هيمنتهم، فمن يا ترى؟.. حسنا: حليف الأمس، أمة الروس السوفييت والشيوعية والاشتراكية و"طاف عطيه"، تم تصويرهم بأنهم أعداء البشرية.. ولابد لأمريكا أن تقود العالم للقضاء عليهم، وهنا تبين "للجماعة" بأنه يمكن استغلال الألمان والتحالف معهم واستعمالهم كخط الدفاع الأول ضد الزحف الشيوعي المنتظر. وهكذا كان.
أغدقت الأموال بكميات هائلة، وأعيد بناء البنية الصناعية التحتية بمعدات جديدة أكثر تفوقاً من القديمة التي نهبها الإنجليز والروس والفرنسيس. وفي أقل من عشرين سنة صارت ألمانيا الدولة الصناعية الأولى في أوروبا... من جديد! وبقية القصة معروفة.
لا يزال الأمريكان في بلاد الألمان ولن يغادروها... هيمنة غير مباشرة.. حرب جديدة؟ ضد الإرهاب؟..حزر فزر!
ونختتم بطرفة:
السيدة مستشارة ألمانيا ميركل "الحنطوشة" موافقة على الدور المنصوب لبلادها مع العم سام، وهي الآن، كما تقول التقارير، تسعى لزيادة عدد الجنود الألمان في أفغانستان، وتحاول جاهدة الحصول على موافقة البرلمان (يعني مكلمان الألمان) على عدد عشرين ألفا من أفراد "الفيرماخت" هناك.. لماذا؟
هل السبب أن الألمان، وحالهم مثل حال معظم سكان أوروبا، أتوا في الأصل من شمال شبه القارة الهندية؟ كان ذلك بعد بدء انحسار العصر الجليدي في أوروبا.. تأملوا معي:
الجنس الآري؟... أريانا في أفغانستان؟
هل تحن السيدة ميركل للرجوع إلى حيث كان أجدادها؟ ...
ألا تخشى من أن يعود لها بعد الألمان وقد صاروا "أفغان" ... مثل العرب "الأفغان"؟ ....
هل تستطيع ارتداء البرقع (النقاب)؟ وتتعلم رطانة الطالبان؟ ...
لا أدري
ولكن "العود" إلى موطن أسلاف وأجداد، حجّة اعتمدتها "أوروبا" من قبل.. ألم تسلب شعبا أرضه وأوطنت فيه بني عبران الأشكناز؟.. وأجبرت معهم بعض السيفارديم!
أخشى أن يأتي اليوم الذي يقولون فيه إن الموطن الأصل لهؤلاء السادة هو بالضبط حيث كان سيدنا ابراهيم عليه السلام، أتعرفونه؟ .. بلاد ما بين نهرين؟
فلم هندي طويل شاهدناه من قبل .. وسنراه من بعد!
عن الزعيم عنترة هتلر الشدّاد من بني عبس الجرمان
القدس العربي 17/7/2008
تناولنا بنيتو (المبارك) موسيلليني في مقالة الخميس السابقة، وكنا بمعرض البحث في سمات الزعامة وتواردها في تاريخنا، أو بالأحرى في تاريخ بني الإنسان. اخترنا التاريخ الحديث القريب، وبدأنا بسيدنا موسيلليني، وأشبعناه تناولا. هذا الخميس نتناول سيدنا "أدولف هتلر" وكيف استزعم الزعامة وصار زعيما. قاد أمة الجرمان من مصاف الفقر والهزائم، إلى أمة أخرى تصدت للعالم أجمع وصالت وطغت .. إلا أنه، وكما موسيلليني، في فترة ما، وبعد انتصارات أولية، عسكرية واقتصادية واجتماعية، خيّل له العلم بالعلم كله، والسياسة، أو سوْس الأمم، تصفي في نهاية المطاف إلى خيارات بقرارات، تبني على "علم" ما ورأي ...
و"الرأي" هنا، رأي الزعيم في حينه، زعيمنا هتلر هذا، بعد أن فوجئ بنجاحات خياراته العسكرية في البداية، والتي كانت متعارضة مع ما كان يقول كبار جنرالاته، وسبق ذلك نجاحات أخرى جد باهرة في إعادة ترتيب أمور ألمانيا واقتصادها بعد الحرب الكونية، اعتقد، ولا يلام المسكين كثيراً في هذا، بأنه أعلم العالمين، فأخذ يخبط خبط العشواء..معتقدا أن شعبه فهمه وصار تابعه، وأن عبقريته عندما تضاف لعبقرية الجرمان ستحقق المستحيلات، وسينتصر بعد الاندحارات.
الاندحارات التي كانت وشيكة وبينة لمن كان له عيان.
ولا بد من العطوف على المعية المحيطة ببطل الألمعية، هيملر وغوبلز وغورنغ ...الخ، وهم المسؤولون عن "الإعلام" – شطيطح بن طيطيح يعني- والعسكر والتنظيم والتنظير والاستخبارات (أهل البصاصة والعساسة، مباحث يعني) وما أنتجوه له من تحليلات ونظرات، وكلهم كانوا يعانون من قصر النظر وسوء التحليل، أو إن شئتم، كانوا غير قادرين على قول الحقيقة، التي مفادها أن ألمانيا قد توسعت، وامتد نطاق أعمال عسكرها، وجف اقتصادها، ولم تعد تقدر على مواكبة "طموحات" الزعيم! ..
من كان يستطيع أن يقول ذلك؟
ما كان مؤكداً، وواضحاً تمام الوضوح في الأفق، أن أمريكا "مرة أخرى" على وشك الدخول في الحرب، وتنتظر أي ترسو سفن الفوهرر، وعندما حان الميعاد واتخذ القرار، اتخذت أمريكا القرار، ولم يكن ينقص سوى "سبب" مباشر ... فكان هجوم اليابان على بلاد الأمريكان (بيرل هاربر) ومن قبل في الحرب العالمية الأولى، إغراق باخرة الركاب الأمريكان "لوزيتينيا؟ – ألا يذكرنا هذا بــ 11 شهر تسعة؟- فاندفعوا للحرب بدون هوادة، وكرسوا عجلة الصناعة، ومعها رجال المال والتجارة، لقضاء الحاجة، خصوصا بعدما ما أنجز الأوروبيون المطلوب:
أي قتل الملايين من بعضهم البعض (55 مليوناً ضحية الحرب العالمية الثانية) ودمروا بلدانهم واقتصادهم ولم يعد لهم شيء ..لا شيء على الإطلاق، وعلى الصفين كانت المجازر وجنون التناحر....
هتلر صار زعيما لأن اللحظة التاريخية اقتضت أن يوجد زعيم، تماماً مثل موسيلليني. لماذا؟ لأن كلا الاثنين تمتعا بملكة الخطابة أولا، ثم قول ما يريد أن يسمع عامة الشعب.
ونسأل ماذا كان يريد الشعب في ألمانيا؟
كان الناس يعانون من الفقر الشديد ومن الإحباط النفسي والشعور بالفشل في الحرب الكونية الكبرى، والتعويضات المجحفة التي فرضت عليهم، ونتج عنها أزمة اقتصادية خانقة ... وأيضا البحث عن "كبش فداء" يرمون عليه مسؤولية الهزيمة!
ألمانيا، وهي أيضا لم تتوحد إلا في منتصف القرن التاسع عشر (بجهود الداهية بسمارك) مثل إيطاليا (بمجهودات غاريبالدي)، كانت إمبراطورية فعلية يحكمها "قيصر" من عائلات شمال ألمانيا (البروسيون أو التوتونيون إن فضلتم) من ذوي الجبروت والناسوت وحتى "الألموت" – عساكر أشداء مثلهم مثل قبائل التركمان قديما!
وضع القيصر وتبعه طموحات كبيرة لبلادهم حديثة التوحد والإنشاء نسبيا، فقاموا باستعمار أوطان (شرق وحنوب غرب أفريقيا وجيوب من الصين) ووضعوا المخططات الصناعية الضخمة، وكانوا يستطيعون..فقد كان لديهم الفحم والحديد، ومن الفحم (بترول زمان) تمكنوا من إقامة صناعة كيماوية لا نظير لها في العالم ربما لتاريخ اليوم، وتبع ذلك نشاط وحيوية أدت بجماعة القيصر، شأنهم شأن جيرانهم، للنظر في التوسع والهيمنة على محيطهم، لكي يصبحوا القوة الأعظم، (طبعا سمعنا مثل هذا من الأقدمين) فاستعدوا للحرب على الفرنسيس والإنجليز، وقاموا بالتعبئة، والتعبئة هذه مصيبة، فعندما تستمر يصبح لها زخمٌ لا يمكن إيقافه، والبركة في رجال الأعمال والصناعة والمال.
دخل القيصر الحرب، عندما حانت الفرصة (اغتيال ولي عهد النمسا)، وتفوقت قواته في البداية، وأثبت جدارة وإمكانيات غير متوقعة، إلا أن الحرب سرعان ما انتهت إلى مواجهة خنادق وتقاذف حمم من نار وكبريت، تحصد الأرواح يومياً بالآلاف، وكادت ألمانيا أن تنتصر، إلا أن سيدتنا أمريكا، وكالعادة قدمت في اللحظة الحرجة، وأنقذت أوروبا من نفسها، وحسمت الحرب لصالحها. المفاوضات التي تلت أدت لفرض شروط صلح مهينة مشينة على العزيزة ألمانيا.
ما يهمنا في هذا السياق هو الحقبة التاريخية المعينة التي أدت إلى ميلاد زعيم، ولن نقوم بتقييمه أو الإشادة به أو الطعن فيه، فليس هذا موضوع المقال، ولكنا سنناقش "الإنسان" الذي تنصّب أو نصّب زعيماً، وفقاً لما نرى من توفر متطلبات ولحظة تاريخية معينة، أدت لاعتلائه مرتبة الزعامة، فصار زعيماً.
السيد أدولف بن هتلر، ولد وترعرع في بلدة قصية بشمال شرق النمسا. والده كان "بوصطاجيا" يعني: موظف مكتب بريد وجمارك... الدخل محدود، والمستقبل محصور، فإما السعي وراء وظيفة أو اللجوء لمجال الفنون والرسوم والشعور، الشاب الصغير أدولف، تيقن مبكرا أن لا مجال له في الوظيفة العمومية ومتطلباتها، فترك الدراسة، وباشر الفنون، فأخذ بالرسم بألوان الزيت والماء، وأخرج العديد من اللوحات، لم تنل أي تقدير أو تنبئ بمستقبل في المجال.
يئس الوالدان من الابن، وكفّا عن الاستثمار في الوهم، ثم ماتا، فارتحل سيدنا أدولف يبحث عن قضية أو رسالة، إلى الشمال، حيث الألمان هناك أكثر "جرمانية" من بلاد النمسا (ذات أخلاط الأعراق) وقيل أيضا للفرار من التجنيد... عندما وصل إلى هناك، في عاصمة البافار التي كانت موطن الملوك الجرمان قبل التوحد، ميونيخ، وجد نفسه، وأصبح منهم حقاً وحقيقاً، واختلط بالقوم وصار منهم، فلما نشبت الحرب، وجدناه يتطوع بالخدمة العسكرية بمرتبة البوسطاجية أو المراسلية الحربية. وكان الغريب في الأمر أنه قُبل، رغم أوراقه الثبوتية النمساوية... المهم، أصيب صاحبنا أدولفو "المندلف".. وكاد يفقد بصره بفعل الكيماوي، وعندما سُرّح التحق بالحزب الاشتراكي القومي (أو الوطني كما تشاؤون)، وانضم لمحفل الباحثين عن كبش فداء لتبرير الخسارة.. لفت الأنظار.. وتركزت عليه الأبصار، فالرجل مشهود له بحسن الخطاب وإثارة الحماس. سقطت الإمبراطورية الجرمانية، وانتهى القيصر، واضطر الجنرالات وعلى رأسهم (فون هيندبيرغ) لعقد الصلح مع الخصم، مقابل ترتيب تعويضات مالية بشكل غير معقول، واستلاب المعمور من المستعمرات ... حلت محل القيصرية مصطنع الجمهورية المدعاة بالفايمارية، وتم احتلال قرابة نصف أرض الجرمان، وصارت قيمة مارك الألمان أقل من واحد من المليونين من قيمة زمان ما قبل الحربين، وتخلى الممولون الأمريكان ومعهم بنو عمومتنا من بني آل عبران ... وانهارت الدولة والمكلمان البرلمان.. وصار رغيف الخبز يساوي حمل برويطتين من ورق بنكنوت الفايمار... نما الحزب الاجتماعي/الاشتراكي، الذي صار يعرف بالنازي .. وأخذ يدعو الشعب لتأييده وتحميل وزر الخسارة على أكتاف اليهود والشيوعيين والمصرفيين الرأسماليين، بالإضافة إلى قوائم أخرى منتقاة ترتكز شيئاً فشيئاً على تلوث نقاء جنس الألمان وضرورة تطهير الرايخ من غير الجرمان وإعلان لا مواربة فيه بأن الجنس الآري يجب أن يكون هو "السيد" على الجميع ويجب أن نقيا! ...
مع الخسائر والمعاناة نتاج الحرب أضيف الكساد الاقتصادي العالمي العظيم (ابتداء من 1929) بعد انهيار المصارف الأمريكية. دخل الحزب الانتخابات بطريقة شرعية، بعد محاولة غير سوية للزحف على مركز السلطة في مسيرة.. تقليداً لما فعله بينيتو المبارك ابن الموسييللينية في روما الأبية (اقرؤوا ليلة الكريستال في ميونيخ) فاز الحزب النازي بأغلبية تقريبية..وصار لزاما على رئيس الدولة (المارشال فون هيندنبيرغ) تعيين عنترة ابن شداد الألمان، هتلر بن عبس أدولف، وكان ذلك على مضض!
هنا، وخلال سنة واحدة، تمكن سيدنا عنترة الألمان من اختزال السلطة في يديه، ودفع المارشال فون هيندنبيرغ للاختفاء ثم النسيان، وصار زعيماً .. أدولف ابن ألويوس، حجر على كل ما يرى غير ما رأى، وحبس وقتل وعاقب كل من سولت له نفسه غير ذلك...
عند ابتداء ممارسة الزعامة، كان نجاحاً ساحقاً، قلد، إلى حد ما، ما قام به الرئيس الجديد لبلاد الأمريكان (فرانكلين روزفلت) وشرع في مشاريع لا أول لها ولا آخر... من إعادة تسلح، إلى بناء (أو تعبئة) الجماهير في تنظيمات للمجتمع الألماني شيباً وشباباً، ثم تشييد بنية تحتية منقطعة النظير (أقلها شأنا ستة آلاف كيلومتر من الأتوبان... الأوتوستراد) – لإدراك حجم ذلك: فرنسا لم يكن لديها حتى سنة 1964 سوى 70 كيلومتراً فقط لا غير.. وبريطانيا تقريبا (اطناش إلا خمسة) – ثم أخذ يحطم قيود معاهدة الصلح قطعة قطعة، قضي بضربة واحدة، لم تستغرق سوى سنتين أو ثلاث، على البطالة.. بل أصبح الرايخ يعاني من قلة اليد العاملة.. وبدأ تدريجياً يعِدّ للانتقام واحتلال ما كان يراه (هو) حق الألمان ...
إذن هي الحرب من جديد! .. ومن يمول يا ترى؟
عرفتموهم؟ الأمريكان بالطبع عن طريق مصارفهم وتجارهم، وعلى رأسهم مورغان وستانلي وفورد وعديد من الشركات الكبرى ورجال البيزنس (منهم عائلة بوش الميامين) إلخ ...
نهضت ألمانيا من جديد.. واستحق الزعيم زعامته بدفع من شعبه، وصارت دولة من جديد.. يخطب ودها الجميع.. بل ويتفاوضون معها ويعطونها غنائم وأسلاباً.. بل وبلداناً.. مقابل ألا تقوم بحرب جديدة (تشمبرلين وبلاد التشيك) ...
تم الحشد والتجهيز .. فالحرب واقعة لا محالة، فرأي الزعيم وحزبه النازي كان محسوماً، لابد للشعب الألماني أن ينتقم من الفرنسيس ويذلهم.. كما أذلوه.. ولابد لدولة الرايخ الثالث أن تحوز "مجالها الحيوي" في أوروبا (ثلاثة أرباعها تقريباً).. واندلعت الحرب. وكما في سابقتها اكتسحت كتائب "الفيرماخت" أوروبا في بضعة أسابيع.. وانهارت فرنسا في ستة.. واستسلمت بإذلال.. وكادت أشلاء الجيش البريطاني أن تحرق بكاملها بدروع "البانزر"، لولا غطرسة قائد سلاح الجو النازي.. وإصراره على قيامه هو بذلك بطائراته، فتمكن الإنجليز من تهريب معظم جندهم من ميناء دنكرك الفرنسي.
سكنت الحرب قليلا، وصار كل طرف يخطط، ولما كان انتصار ألمانيا في حكم المؤكد التحق موسيلليني بهتلر ولحقت به اليابان، وكل "لديه" ليلى يريد أن يغني لها.
على غير المتوقع ضرب هتلر بلاد الروس.. ليقضي على الشيوعية، ويخفف عددهم، ويستفيد من مواردهم، وكاد يصل إلى مبتغاه، لولا مقاومة شرسة من جهة، ونقص الموارد، لاستغراق الحرب أكثر مما خطط لها من جهة ثانية. ثم كان يجب إنقاذ الحليف الخائب موسيلليني، حيث اندحرت جيوشه التي انطلقت من ليبيا لاستعادة مصر لبحر الرومان، فبعث له بالفيلق الألماني الأفريقي بقيادة رومل، وكاد ينجح ويقهر الإنجليز.. لولا الدعم الأمريكي الهائل للحليفة العزيزة، وقلة ما يصل من مدد للشيخ أروين بن رومل! فخسر معركة العلمين وكانت بداية الانكفاء للرايخ الثالث.
أما نحن أهل ليبيا.. فلم ننل سوى دمار مدننا في حرب أغراب.. لا لنا ناقة لنا فيها ولا حتى هرّة! ولا زالت ألغام الملاعين تقتل مواطنينا إلى يومنا هذا.
الأمريكيون كانوا ينتظرون على ضفاف الأطلسي الأخرى، لقد عزموا على الحرب، ولكن وفق توقيتهم هم، وكما فعلوا من قبل تركوا الدول المتقاتلة تدمر نفسها شيئاً فشيئاً، لتصبح هشة رخوة جاهزة لإحكام الخناق عليها، ومن ثم يسهل قيادها فيما بعد. وبالطبع أوائل الضاغطين في سبيل الدخول في الحرب كانوا جماعة "المركّب الصناعي العسكري". وحان الميعاد عندما أيقن اليابان بلزوم ضرب بلاد العم سام، فضربوا (وقيل تركهم الأمريكان يفعلون!) ييرل هاربر، مكمن الأسطول اليانكي المخصص للمحيط الهادي، الذي كان يشكل عائقاً في سبيل حصول طوكيو على "المجال الحيوي" اللعين إياه! وما به من نفط وموارد. فكانت الحرب. وفي بضع سنين مع مزيد قتل وذبح وحرق، انتصر الأمريكان، واندحر الألمان واليابان والطليان ... وهؤلاء كانوا مدحورين أصلا!
نعود للاعتبار من تجربة زعيم الألمان:
كان هتلر بمثابة بطل بني عبس، عنترة بن شداد، رجل يريد أن ينقذ أمة ويسمو بها، طموح عنترة بن شداد كان فقط إثبات جدارته والفوز بعبلاه، ولقد فعل، إلا أن هتلر أو عنترة بني الجرمان، تمادى في "عنترته"، بعد النجاحات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية الأولى، واعتقد بأنه يعلم العلم كله، وأخذ يقرر على هواه، ووجد من يطبل له ويزمر من طائفة الأعوان، وكان لحافه طويلا فأمة الألمان كانت من أكثر الأمم تقديساً للعمل والتعلم والآداب والفنون، ولكنه رأى بأنه من الممكن إطالة الساقين أو الرجلين، فصار يحارب على العديد من الجبهات، فلم يعد اللحاف بمقاس الأرجل، التي استطالت، فاختل التوازن، واختل هو وبلده.
لو أن الأمر انحصر في بلاده، لكان ذلك شأنه وشأنها، ولكن الرجل تحول إلى "وحش" عالمي تسبب في أكثر الكوارث الإنسانية فظاعة على نطاق العالم (مباشرة بعد الطاعون من حيث عدد الضحايا) الجرمان أو النمساويون الجرمان هم الذين أنجبوه، وهم الذين انقادوا له واستسلموا، طوعا حينا، وكرها في غالب الأحيان..
عندما أخذ الحزب النازي يعتمد أكثر فأكثر نظرية العرق "الآري"، والقائلة بكونه أفضل من مشى البسيطة، وضرورة تطهير ألمانيا من غيرهم، تصور أنه لا يأتيه باطل من بين يديه، هذا بكل بساطة هراء.. أودى بالقائلين به للفناء ... على مر التاريخ!
ستظل أسئلة كثيرة تطرح عن قصة خروج هذا "العنترة"، وستكون كلها مثيرة للجدل: هل فطن به بنو العم سام، فأمدوه بالعون إلى أن وصل إلى ما وصل إليه، ثم أنهوه بعد أن أدى المهمة المطلوبة؟.. أي تفتيت أوروبا والعالم، وجعلها وجعله أسهل انقيادا لسادة واشنطن؟.. نظرية مؤامراتية؟ ربما.. ألا يذكركم هذا بشيء قريب حصل عندنا في بلاد يعرب الشرق؟
ولكن الذين ساروا في ركب الزعيم، من غير الأعوان – المضحكين أحيانا – كان هنالك آلاف وآلاف من العلماء والمفكرين والقادة والإداريين من الطراز الأول، هل كانوا كلهم مسحورين؟
بعد سحق ألمانيا وتدميرها، أخذ الحلفاء من الأمريكيين والإنجليز والروس، وأضيف لهم الفرنسيس، في نهب قاعدة ألمانيا الصناعية والعلمية، بل اختطفوا أيضا الكثير من علمائهم وباحثيهم. أخذوا كل شيء لبلدانهم (من بينها تصاميم جديدة استخدمت في آلات الحرب مثل المقاتلات النفاثة والصواريخ وطائرات نقل الركاب العملاقة، بل حتى نتائج البحوث والتجارب الطبية التي كانت تجرى على ضحايا من المعتقلين في معسكرات الإبادة واستفادوا منها بدون خجل)
ومن لا يصدق عليه قراءة كتاب ممتاز يتحدث بالتفصيل عما أسلفت لمؤلف صحفي باحث بريطاني (لم أعد أذكر اسمه) ولكن الكتاب يحمل عنوان:
THE PAPER CLIP CONSPIRACY
ازدهرت إيطاليا بعد الحرب وكذلك ألمانيا (الغربية في حينه) ولكن الأخيرة كانت أسرع وأعظم قوة، والسبب؟... لقد كان أصحابنا من جماعة (المركّب الصناعي العسكري) بصدد البحث عن أسواق جديدة، أعداء جدد، حروب جديدة، لترويج صناعتهم وتوسيع هيمنتهم، فمن يا ترى؟.. حسنا: حليف الأمس، أمة الروس السوفييت والشيوعية والاشتراكية و"طاف عطيه"، تم تصويرهم بأنهم أعداء البشرية.. ولابد لأمريكا أن تقود العالم للقضاء عليهم، وهنا تبين "للجماعة" بأنه يمكن استغلال الألمان والتحالف معهم واستعمالهم كخط الدفاع الأول ضد الزحف الشيوعي المنتظر. وهكذا كان.
أغدقت الأموال بكميات هائلة، وأعيد بناء البنية الصناعية التحتية بمعدات جديدة أكثر تفوقاً من القديمة التي نهبها الإنجليز والروس والفرنسيس. وفي أقل من عشرين سنة صارت ألمانيا الدولة الصناعية الأولى في أوروبا... من جديد! وبقية القصة معروفة.
لا يزال الأمريكان في بلاد الألمان ولن يغادروها... هيمنة غير مباشرة.. حرب جديدة؟ ضد الإرهاب؟..حزر فزر!
ونختتم بطرفة:
السيدة مستشارة ألمانيا ميركل "الحنطوشة" موافقة على الدور المنصوب لبلادها مع العم سام، وهي الآن، كما تقول التقارير، تسعى لزيادة عدد الجنود الألمان في أفغانستان، وتحاول جاهدة الحصول على موافقة البرلمان (يعني مكلمان الألمان) على عدد عشرين ألفا من أفراد "الفيرماخت" هناك.. لماذا؟
هل السبب أن الألمان، وحالهم مثل حال معظم سكان أوروبا، أتوا في الأصل من شمال شبه القارة الهندية؟ كان ذلك بعد بدء انحسار العصر الجليدي في أوروبا.. تأملوا معي:
الجنس الآري؟... أريانا في أفغانستان؟
هل تحن السيدة ميركل للرجوع إلى حيث كان أجدادها؟ ...
ألا تخشى من أن يعود لها بعد الألمان وقد صاروا "أفغان" ... مثل العرب "الأفغان"؟ ....
هل تستطيع ارتداء البرقع (النقاب)؟ وتتعلم رطانة الطالبان؟ ...
لا أدري
ولكن "العود" إلى موطن أسلاف وأجداد، حجّة اعتمدتها "أوروبا" من قبل.. ألم تسلب شعبا أرضه وأوطنت فيه بني عبران الأشكناز؟.. وأجبرت معهم بعض السيفارديم!
أخشى أن يأتي اليوم الذي يقولون فيه إن الموطن الأصل لهؤلاء السادة هو بالضبط حيث كان سيدنا ابراهيم عليه السلام، أتعرفونه؟ .. بلاد ما بين نهرين؟
فلم هندي طويل شاهدناه من قبل .. وسنراه من بعد!