إلى جلالة الملك فيصل الثاني .. في الذكرى الخمسين لجريمة اغتياله
أثير عادل
هلا سمحت لي يا جلالة الملك أن أضع وردة ودمعة على ضريحك الغافي في المقبرة الملكية في الأعظمية،ها وشيئا آخر .. ثلاثة وعشرين شمعة بعدد سني حياتك القصيرة يا آخر الملوك.
أتعلم يا سيدي أن الفرحة فارقت البلاد منذ أن سال عليها دمك في قصر الرحاب في مثل هذا اليوم قبل خمسين عاما؛ نصف قرن وليس سوى الدم والخراب في أرض السواد؛ نصف قرن وكم من مرة قادنا العسكر الذي اغتالك من كارثة إلى فاجعة، والدماء تفور .. وتطلب المزيد.
ولكن واعجباه ملك يقتله جنوده؟! عساكر أجلاف يقتلون الملك ويحرقون الحياة في بلاده. جنود خونة أقسموا بالله وبالشرف على القتال ضد أعداء الملك والتاج ثم صاروا هم الأعداء.
لقد تركوك تنزف حتى متّ يا سيدي، حتى انطفت جذوة الشباب في جسدك الغض، حتى باتت المأساة عنوان حياتنا المريرة.
بيما كنت مضرجا بدمك ودم والدتك الملكة وخالتك الأميرة كانت خطيبتك الأميرة فاضلة في تركيا تنتظرك صبيحة الرابع عشر من تموز كي ترتبا زفافكما الذي أعدمه العسكر.
أسمح لي يا جلالة الملك أن يرتسم ظلي الراجف على قبرك الهادىء هدوء طبعك، ودعني أسرح البصر في قسمات الرخام.
بدل هذا القبر البارد، والبلد المحطم كان يمكن أن تكون الآن شيخا مهيبا في الثالثة والسبعين يحكم بلدا عامرا وشعبا سعيدا.
هل تعلم يا سيدي أن قتلتك قتلوا بعضهم بعضا. خمس سنوات على جريمتهم وأعدم "زعيمهم" عبد الكريم قاسم على يد "رئيسهم" عبد السلام عارف. ولم تمض إلا ثلاث سنين حتى تحطم جسد عارف بحادث غامض. أما النقيب عبد الستار العبوسي الذي لعب دور "الشمر" في هذه المأساة فقد انتحر كيهوذا لكي يتخلص من عذابه النفسي الذي رافقه منذ أن صب عليك نيران رشاشته.
قال له عبد السلام عارف: "عفارم زين سويت"، ولكنه تركه للندم يأكله شيئا فشيئا. كان طيفك يزوره كل ليلة. طيفك يسأل قاتلك: "لماذا حرمتني من شبابي؟ لم أؤذ أحدا يوما! أنا الملك الشاب هل جنيت بحق أحد؟ لماذا حرمتني من حياتي ومن ملكي؟".
رفعت والدتك الملكة القرآن فوق رأسك، وتوسلت بالجنود: "لا تقتلوه. هذا الملك. هذا ابن الرسول محمد" لكن العبوسي أقبل كالمجنون فقتلك وقتلها.
كم مرة كنت الضحية يا جلالة الملك؟ ضحية قتلة والدك الذين أيتموك وتركوك بعهدة الوصاية؟ وضحية خالك عبد الإله الذي سامك الخسف وخرب مملكتك؟ وضحية جيشك الذي خانك؟
ثم ماذا صنعت الجمهوريات، ثلاث جمهوريات يا مليكنا: خطابات ثورية "جنجلوتية" وحروبا كارثية حرقت العراق من أقصاه إلى أقصاه، فظائع ودمارا شاملا في كل شيء وتناحرا، وحربا طائفية و احتلالا، ورؤساء وقادة مجانين. خذ عينة منهم: عبد الكريم قاسم الملقب بـ"أبو جنية" وعبد السلام عارف الذي لا يختلف أحد على اختلاله العقلي، وصدام حسين الدموي المصاب بجنون العظمة.
لا شارع في العراق باسمك يا ملك العراق وابن ملكيه: غازي وفيصل الأول، ولا مدرسة ولا زقاق ولا ساحة، ولا ذكرى لرحيلك المؤسف في الرابع عشر الأسود من تموز الأحزان العراقية. كأنك لم تكن. هكذا هم الأبرياء في زمن الدماء. ولكن حسبك أنك كنت ملاكا وملكا ولم تمتد يدك أبدا لتؤذي مخلوقا.
استميحك يا سيدي عذرا. أطلت الكلام في حضرتك. ولكن من أكون أنا لأخاطب جلالة الملك فيصل الثاني؛ بيد أننا شعب اعتاد التجرؤ والجموح والشطط.
كانت نهايتك بداية مأساتنا المتواصة منذ خمسين عاما، فهل لها الآن أن تنتهي؟
أدنو في خاطري بأصابع راجفة لأمسح التراب من على ضريحك، وأصلي لكي تنام الجراح في جسدك وفي وطنك الذي جفته الأفراح منذ أن أغمضت عينيك في مثل هذا اليوم قبل نصف قرن من الآن.
أيها الملك الذي قتله جيشه ونساه شعبه إنني لا أملك رغم ذلك إلا أن أرفع الرجاء لجلالتك: امنحنا بركتك. عاملنا بأخلاق الملوك!
أثير عادل
هلا سمحت لي يا جلالة الملك أن أضع وردة ودمعة على ضريحك الغافي في المقبرة الملكية في الأعظمية،ها وشيئا آخر .. ثلاثة وعشرين شمعة بعدد سني حياتك القصيرة يا آخر الملوك.
أتعلم يا سيدي أن الفرحة فارقت البلاد منذ أن سال عليها دمك في قصر الرحاب في مثل هذا اليوم قبل خمسين عاما؛ نصف قرن وليس سوى الدم والخراب في أرض السواد؛ نصف قرن وكم من مرة قادنا العسكر الذي اغتالك من كارثة إلى فاجعة، والدماء تفور .. وتطلب المزيد.
ولكن واعجباه ملك يقتله جنوده؟! عساكر أجلاف يقتلون الملك ويحرقون الحياة في بلاده. جنود خونة أقسموا بالله وبالشرف على القتال ضد أعداء الملك والتاج ثم صاروا هم الأعداء.
لقد تركوك تنزف حتى متّ يا سيدي، حتى انطفت جذوة الشباب في جسدك الغض، حتى باتت المأساة عنوان حياتنا المريرة.
بيما كنت مضرجا بدمك ودم والدتك الملكة وخالتك الأميرة كانت خطيبتك الأميرة فاضلة في تركيا تنتظرك صبيحة الرابع عشر من تموز كي ترتبا زفافكما الذي أعدمه العسكر.
أسمح لي يا جلالة الملك أن يرتسم ظلي الراجف على قبرك الهادىء هدوء طبعك، ودعني أسرح البصر في قسمات الرخام.
بدل هذا القبر البارد، والبلد المحطم كان يمكن أن تكون الآن شيخا مهيبا في الثالثة والسبعين يحكم بلدا عامرا وشعبا سعيدا.
هل تعلم يا سيدي أن قتلتك قتلوا بعضهم بعضا. خمس سنوات على جريمتهم وأعدم "زعيمهم" عبد الكريم قاسم على يد "رئيسهم" عبد السلام عارف. ولم تمض إلا ثلاث سنين حتى تحطم جسد عارف بحادث غامض. أما النقيب عبد الستار العبوسي الذي لعب دور "الشمر" في هذه المأساة فقد انتحر كيهوذا لكي يتخلص من عذابه النفسي الذي رافقه منذ أن صب عليك نيران رشاشته.
قال له عبد السلام عارف: "عفارم زين سويت"، ولكنه تركه للندم يأكله شيئا فشيئا. كان طيفك يزوره كل ليلة. طيفك يسأل قاتلك: "لماذا حرمتني من شبابي؟ لم أؤذ أحدا يوما! أنا الملك الشاب هل جنيت بحق أحد؟ لماذا حرمتني من حياتي ومن ملكي؟".
رفعت والدتك الملكة القرآن فوق رأسك، وتوسلت بالجنود: "لا تقتلوه. هذا الملك. هذا ابن الرسول محمد" لكن العبوسي أقبل كالمجنون فقتلك وقتلها.
كم مرة كنت الضحية يا جلالة الملك؟ ضحية قتلة والدك الذين أيتموك وتركوك بعهدة الوصاية؟ وضحية خالك عبد الإله الذي سامك الخسف وخرب مملكتك؟ وضحية جيشك الذي خانك؟
ثم ماذا صنعت الجمهوريات، ثلاث جمهوريات يا مليكنا: خطابات ثورية "جنجلوتية" وحروبا كارثية حرقت العراق من أقصاه إلى أقصاه، فظائع ودمارا شاملا في كل شيء وتناحرا، وحربا طائفية و احتلالا، ورؤساء وقادة مجانين. خذ عينة منهم: عبد الكريم قاسم الملقب بـ"أبو جنية" وعبد السلام عارف الذي لا يختلف أحد على اختلاله العقلي، وصدام حسين الدموي المصاب بجنون العظمة.
لا شارع في العراق باسمك يا ملك العراق وابن ملكيه: غازي وفيصل الأول، ولا مدرسة ولا زقاق ولا ساحة، ولا ذكرى لرحيلك المؤسف في الرابع عشر الأسود من تموز الأحزان العراقية. كأنك لم تكن. هكذا هم الأبرياء في زمن الدماء. ولكن حسبك أنك كنت ملاكا وملكا ولم تمتد يدك أبدا لتؤذي مخلوقا.
استميحك يا سيدي عذرا. أطلت الكلام في حضرتك. ولكن من أكون أنا لأخاطب جلالة الملك فيصل الثاني؛ بيد أننا شعب اعتاد التجرؤ والجموح والشطط.
كانت نهايتك بداية مأساتنا المتواصة منذ خمسين عاما، فهل لها الآن أن تنتهي؟
أدنو في خاطري بأصابع راجفة لأمسح التراب من على ضريحك، وأصلي لكي تنام الجراح في جسدك وفي وطنك الذي جفته الأفراح منذ أن أغمضت عينيك في مثل هذا اليوم قبل نصف قرن من الآن.
أيها الملك الذي قتله جيشه ونساه شعبه إنني لا أملك رغم ذلك إلا أن أرفع الرجاء لجلالتك: امنحنا بركتك. عاملنا بأخلاق الملوك!