على هامش أزمة امتحانات الثانوية العامة الفلسطينية لعام 2007/ 2008: المسيرة التعليمية إلى أين؟
الدكتور/ أحمد سعيد دحلان
أستاذ الجغرافيا البشرية المشارك
جامعة الأزهر بغزة
في أعقاب نهاية امتحانات الثانوية العامة لهذا العام، وفي محاولة لتقييم التجربة الامتحانية من بعض أجهزة الإعلام الفلسطينية، شاهدت يوم الأربعاء الموافق 2/7/ 2008 برنامجاً تلفزيونياً بُث على قناة تلفزيون فلسطين من رام الله ، حول امتحان الثانوية العامة وأحوال التعليم في فلسطين . حيث بدا أحد المسؤولين ـ طوال الوقت ـ رافضاً لكل نقد ، مدعياً أن المسيرة التعليمية بألف خير، وأنها مطمئنة ومثالية ومطابقة للمعايير الدولية. وهو ما نتمناه . وهنا لا بد من أن أسجل ابتداءً أن البرنامج المذكور ركز على الضفة الغربية ولم يتحدث عن قطاع غزة إلا في إشارة عابرة عندما استشهد السيد وكيل الوزارة المساعد بحدث معين مشيراً إلى أن الوقت كان مناسباً لامتحان الإدارة والاقتصاد، على الرغم من الإقرار بصعوبته خاصة لطلبة القسم الأدبي وعدم كفاية الوقت المحدد. ومهما يكن من أمر فقد وجدت أن من واجبي أن أكتب تعقيباً على بعض ما حدث في امتحانات هذا العام ( 2008 م )، وبخاصة لطلبة القسم العلمي وما واجهوا من تحديات أشار لها الكاتب هاني المصري بشجاعة؛ وإنني أتحدث عن صدمات أصابت الطالب وولي الأمر بل وقطاع عريض من المعلمين الذين شاهدوا جهودهم تنهار أمام ذلك الممتحن الذي استعرض قدرته الفتاكة بالطلبة وبمستقبلهم فأمعن في التحدي وكأن لسان حاله يقول، أتحداكم أن تنجحوا أو تتفوقوا.
وبما أنني ولي أمر طالب اجتهد وثابر، وأحد الحريصين على سلامة المسيرة التعليمية وعلى التأسيس لمستقبل واعد للأجيال الصاعدة ، وبما أنني أعمل في حقل التعليم العالي منذ عام 1981 وأعيي جيداً معنى أن تقيس الأسئلة درجة التحصيل وتراعي الفروق الفردية، وأن تتناسب مع الوقت المحدد للامتحان، وأعلم أيضاً أن من بين كوادر وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية نفراً يهمهم أمر التعليم ومستقبله، ويجب أن تكون لهم بصمات إيجابية على التعليم ومسيرته في المستقبل القريب ـ فإنني أرى أن من المصلحة الوطنية أن نركز على تشخيص الحالة الامتحانية من جوانبها المختلفة . وما كان الأمر يحتاج إلى وقفات ووقفات ، فإنني سأركز ـ في هذا المقال ـ على موضوعين اثنين ، أولهما هو ما تعرض له طلبة قطاع غزة ـ ذلك الإقليم الذي يعاني من حالة الانقسام والحصار ـ وبخاصة طلبة القسم العلمي ، من صدمة الامتحان وأسئلة التحدي التي جاءت من رام الله. أما الثاني فهو الحاجة الماسة والعاجلة إلى إجراءات تعالج مسيرة التعليم قبل الانهيار. وقبل الخوض في التفاصيل أود التأكيد على عدة حقائق تنفرد بها البيئة التعليمية في قطاع غزة. ومنها :
1- أن معظم، إن لم يكن كل، مدارس قطاع غزة ومنها المدارس الثانوية بالطبع تعمل بنظام الفترتين الدراسيتين، أي أن برنامج التعليم فيها مضغوط من الناحية الزمنية.
2- أن المنهاج الفلسطيني يمتاز بالطول والعصرنة، ويتم تدريسه على نظام الفصلين الدراسيين إلا أن الامتحان يعقد مرة واحدة في نهاية العام الدراسي، مع ضرورة ملاحظة أن الوحدات الدراسية الرئيسية للمباحث العلمية تأتي في الفصل الثاني حسب الخطة الزمنية المقررة، بالرغم من أن معدل التسرب في ذلك الفصل تكون مرتفعةً، وهي ظاهرة متأصلة بين الطلبة الذكور في مدارس القطاع، لا نجد مجالاً لسرد أسبابها والمشاركين فيها في هذا المقال، حيث تبدأ إرهاصات التسرب الملحوظ ابتداءً من النصف الثاني من شهر فبراير، وتكاد تتوقف العملية التدريسية في الأسبوع الأول من مارس من كل عام تقريباً ليحل مكانها حمى الدروس الخصوصية. وبالتأكيد فإن هذه الحقيقة لا تُُعجب القائمين على العملية التعليمية في القطاع لأن فيها مساس بهم وبمسئولياتهم ويتعارض تماماً مع تقاريرهم الورقية بأن الأمور على ما يرام. ولذلك أدعو من يتحمل المسئولية أن يتفقد المدارس ابتداءً من مارس من كل عام ليتأكد من هذه الحقيقة، ويعمل على معالجة أسبابها والتي سنقترح لها الحل المناسب في نهاية هذا المقال.
3- أن العملية التعليمية في قطاع غزة تخضع لتداخل قرارات وزارتين كل منها تؤكد أنها الجهة الشرعية وذات المسئولية الإدارية والقانونية والتنفيذية على المدارس في القطاع مما يربك العملية التعليمية، وقد أدى هذا الخلل إلى انقسام خطير بين الهيئتين التدريسية والإدارية، مما انعكس سلباً على الأداء ومن ثم على تحصيل الطلبة واستقرارهم النفسي، ولولا ظاهرة الدروس الخصوصية التي أصبحت أحد أهم مكونات العملية التعليمية لمن يريد النجاح أو التفوق، لظهرت الكارثة المحققة.
4- أن مستوى العملية التعليمية، من حيث المهنية والمتابعة والرقابة الإدارية، في مدارس الأونروا بقطاع غزة تتفوق تماماً عن مثيلاتها في المدارس الحكومية التابعة لوزارة التربية والتعليم العالي، بل لا مجال للمقارنة فيما بينهما. وعلى الرغم من تلك الحقيقة، إلا أن إدارة الأونروا بغزة أدركت بأن التعليم في مدارسها يتجه إلى الانهيار، وبالتالي أعلنت منذ بداية العام الدراسي 2007/2008 حالة الاستنفار والطوارئ ووضعت الخطط التنفيذية اللازمة لوقف انهيار التعليم كما سنوضحه لاحقاًً، فأين مسئولي وزارة التربية والتعليم الحكومي من هذه الكارثة!؟ وهل التعليم الحكومي على ما يرام حقاً ، وأنه يشكل حالة مختلفة وواقعاً أجمل وأفضل من حال مدارس الوكالة!؟
5- أن قطاع غزة كان يعاني من التهميش من قبل الوزارة المركزية برام الله سابقاً، وتعزز ذلك بعد حالة الانقسام، والدليل على ذلك البرنامج التلفزيوني المشار إليه أعلاه الذي اقتصر على أبناء الضفة الغربية ولم يُشْرَك فيه أحد من غزة، وكأن الأزمة محصورة في طلبة الضفة الذين أكدوا تعاطف المراقبين معهم حسب ما جاء في اللقطات المصورة لإفادات الطلبة، علماً بأن كاتب هذا المقال قد هيأ آلية الاتصال عبر تقنية الفيديوكونفرس لضمان حق أبناء القطاع في التعبير عن أنفسهم وإبداء الرأي في قضية الامتحانات التي مست عدداً كبيراً منهم.
وبالعودة إلى الموضوع الأول المتعلق بأسئلة الامتحانات فإنني أسجل الملاحظات الأساسية التالية:
أولاً ـ صعوبة ظروف الامتحان، حيث أجري الامتحان في ظروف حياتية قاسية وصعبة على المجتمع في قطاع غزة في ظل الانقسام الفلسطيني والحصار الإسرائيلي الجائر، فأزمة الكهرباء والوقود والمواصلات كانت علامات فارقة. أما أجواء الامتحانات فقد أجريت بانضباط غير مسبوق في القطاع، حيث ساد الهدوء لجان الامتحانات وكانت المراقبة على اللجان صارمة ومشددة، وفي بعض الأحيان القليلة استفزازية.
ثانياً ـ التأثير السلبي لعامل الوقت، حيث جاءت الأسئلة غير متناسبة مع الوقت ، إذ كان المطلوب دائماً الإجابة عن خمسة أسئلة من أصل ستة، وأولها إجباري والوقت المحدد للإجابة ساعتين ونصف، أي أن نصيب كل سؤال نصف ساعة فقط . ولو طبقنا ذالك على السؤال الأول الإجباري في مادة الفيزياء وهو مكون من عشرة أجزاء نجد أن كل جزء مخصص له ثلاث دقائق فقط، فالطالب عليه أن يقرأ المطلوب ويفكر ويبدأ في الحل والإثبات في ذلك الوقت اليسير، فهل هذا ممكن!؟ بل إن مادة الاقتصاد والإدارة لم يخُصص لها سوى ساعتين فقط، على الرغم من الاحتجاج الشامل عليها في الضفة والقطاع، فما هي الحكمة من ذلك!؟. وبالتالي يمكن القول إن الطالب لم يجد وقتاً كافياً للحل ناهيك عن حاجته لبعض الوقت المخصص للمراجعة . لقد ضاع كل ذلك أمام إصرار الممتحن على الإجابة على خمسة أسئلة مجزأة إلى عشرات الأجزاء ، وهو ما يجعل الطالب غير قادر على القراءة والتركيز ، وما يضطره للإجابة المتعجلة؛ لأنه مطارد من غول الوقت وغول الأسئلة المكدسة.
ثالثاً ـ صعوبة الأسئلة، حيث جاءت الأسئلة في بعض المباحث صعبة ويظهر فيها روح التحدي الأمر الذي أكده الكاتب الصحفي هاني المصري في البرنامج المتلفز المشار إليه أعلاه حيث أكد أنه كان يتردد في الضفة الغربية منذ بداية العام الدراسي أن أسئلة هذا العام ستكون صعبة. وهذا الأمر لم يكن معلوماً لأبناء قطاع غزة، ومما لا شك فيه أن المقارنة بين أسئلة عام 2006/2007 وأسئلة 2007/2008 تُظهر البون الشاسع فيما بينها. وقد ظهرت بعض الصعوبة أو عدم كفاية الوقت في مباحث الإدارة والاقتصاد، والأحياء ـ التي وصفها أحد مسئولي الوزارة في غزة بأنها تحتوي على "مسحة" من الصعوبة ! ـ والرياضيات الورقة الثانية. أما أسئلة الفيزياء فقد سجلت التحدي الحقيقي حيث كانت الأسئلة طويلة جداً ولا تتناسب مع الوقت وشديدة الصعوبة وتحتوي على أخطاء، مما شكل حالة من الإحباط الشديد والصدمة لدى الطلبة وأولياء الأمور والمعلمين حسب ما أُبلغت به منهم.
رابعاً ـ أخطاء في الأسئلة ، حيث اشتملت الأسئلة على أخطاء كما ظهر في امتحان الفيزياء، ومما لا شك فيه أن تصحيح مثل هذه الأخطاء أثناء الامتحان يربك الطلبة ويؤدي إلى توتير وتشويش أفكارهم. فمن المسئول عن الوقت الذي يفقده الطالب وهو يحاول التعامل مع أسئلة غير سليمة المعطيات. ألم يكن من الأفضل أن تتم مراجعة نسختها الأصلية قبل طباعة النسخ المحددة. وأقول بصراحة إنه لو وُضعت للأسئلة إجابات نموذجية قبل عملية الاستنساخ لتم تلاشي الأخطاء بدلاً من التنبيه عليها وتصويبها أثناء تأدية الامتحان.
خامساً ـ خلل في نوعية الأسئلة، حيث لم تراع أسئلة بعض المباحث قياس الفروق الفردية بين الطلبة، بل جاءت لقياس الفروق الفردية بين النخب الطلابية والمتميزين، وأكرر كأنها أسئلة مسابقات لا أسئلة امتحانات.
وقبل طرح بعد الأفكار التي يمكن أن تُساعد الطلبة وتخفف عنهم أعباء المنهاج الفلسطيني العصري، وترفع من مستوى التعليم، أود الإشارة إلى ظاهرة ريادية يجري إنفاذها في مدارس الأونروا بقطاع غزة خلال العام 2007/2008 لوقف انهيار التعليم ألا وهي ظاهرة جون جينج: وهو مدير عمليات الأونروا بغزة الايرلندي الجنسية، حيث لاحظ تدهور مستوى التعليم وانخفاض التحصيل الدراسي عند التلاميذ لاسيما الذكور منهم من خلال متابعة علمية، فاتخذ إجراءات عاجلة حيث قلص الكثافة الصفية إلى 30 تلميذاً فقط في المستويات من السابع حتى التاسع، وتبنى برنامج التعليم العلاجي لذوي التحصيل المتدني من الصف الأول وحتى الرابع حيث تم تعيين 1664 معلماً مسانداً لهذا الغرض. واستحدث التعليم الليلي من خلال افتتاح مركزين في كل محافظة وهو برنامج موجه للتلاميذ الذكور من الصف الرابع وحتى التاسع بهدف المساعدة في حل الواجبات البيتية وتوضيح المفاهيم والدروس التي لم يتم استيعابها في مبحثي اللغة العربية والرياضيات بواقع ساعة واحدة لكل مبحث. وأمر بعقد امتحانات موحدة من الصف الرابع وحتى التاسع على مستوى مدارس الأونروا وأن يتم تصحيح الأوراق بوساطة لجان عامة، واعتمد نظام الفصلين الدراسيين بامتحانين منفصلين على أن يستفيد الطلبة من رصد الدرجة الأفضل، واعتمد مادتي اللغة العربية والرياضيات كأساس للرسوب، وتبنى برنامجاً للتعليم الصيفي للراسبين في المبحثين المذكورين مدته 16 أسبوعاً ومكون من 36 بطاقة للمهارات الأساسية، فمن يجتاز الامتحان يرفع, ومن يفشل ولو في أحد المبحثين يعيد العام الدراسي. وتبنى جينج برنامجاً لتطوير المناهج وتكيفها وشكل لها أربعة لجان متخصصة لمراجعة مقررات اللغة العربية والرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية في جميع المراحل الدراسية، بحيث تكون مناسبة وسهلة الاستيعاب للتلاميذ وسهلة التدريس للمعلمين، على أن تُقدم المقترحات قبل نهاية أغسطس 2008 لتطبيقها ابتداءً من العام الدراسي 2008/ 2009. وكان ذلك نتاجاًً لعدة لقاءات وورش عمل مع العاملين في مهنة التعليم وفعاليات المجتمع المحلي والمتخصصين التربويين والأكاديميين. وطبق نظام المسائلة والمحاسبة وشدد الرقابة الإدارية على كافة المستويات ولوح باتخاذ إجراءات حازمة بحق المقصرين قد تصل إلى الاستغناء عن الخدمة. ولم يقم باعتماد اللغة الانجليزية ضمن مواد الرسوب على ما يبدو حتى لا يتهم جينج بأنه ينفذ مخططات الإمبريالية والصهيونية في تغريب الثقافة والحضارة العربية، خاصة وأن شعبنا يعشق ثقافة الاختلاف من أجل الاختلاف، ويؤمن بنظرية المؤامرة حتى وإن كانت على الشخص نفسه.
وبناءً على ما سبق، وانتقالاً للموضوع الثاني ، فإنني أتقدم بالأفكار البسيطة التالية:
أولاً ـ البحث في إشكاليات الامتحان: ، حيث أرى أن هناك ضرورة ملحة لتشكيل لجنة مختصة مهنية تدرس الإشكاليات التي تمت خلال الامتحانات وتقدر درجة التدخل اللازم لتصويب الأخطاء ورفع الإجحاف، وإنصاف الطلبة خاصة أبناء غزة في القسم العلمي، تأخذ بالحسبان عدم عقد امتحان تجريبي في القطاع غزة وأوضاع القطاع، وألا يدفع طلبة قطاع غزة ثمن حالة الانقسام والتجاذبات السياسية، وألا يُكتفي بمعالجة النتائج حسب المنحنى الطبيعي لتوزيع الدرجات كما يتم الترويج لذلك.
ثانياً ـ إعداد نماذج تجريبية: وهنا أرى ضرورة أن تقوم الوزارة في السنة القادمة بإعداد نماذج لأسئلة تجريبية متعددة في المباحث الأساسية مثل الرياضيات والكيمياء والفيزياء والأحياء حتى يتدرب عليها الطلبة، ويتأقلموا مع المنهاج الفلسطيني، وألا يقعوا مستقبلاً في مصيدة الممتحنين.
ثالثاً ـ مراجعة المنهاج: إذ مما لاشك فيه أن المنهاج الفلسطيني طويل وغزير في المفردات وغير متوازن في الكم المعرفي والمواضيع العلمية، ويُشكل عبئاً ثقيلاً على الطالب. وبالتالي لماذا لا تتم مراجعته من قبل لجان مهنية مختصة؛ تعمل على تبسيطه وتَكْيِفيِِهِ بحيث يسهل استيعابه، وبحيث يتم التركيز على المواضيع الهامة وحذف المواضيع غير الضرورية إن أمكن، مع مراعاة عدم اختيار لجان المراجعة على أسس المحسوبية أو العائلية أو الحزبية، أو المكانية .. الخ كما يظهر بوضوح لمن يتفقد الصفحات الأولى من الكتب المدرسية الحالية !؟
رابعاً ـ التأكيد على مبدأ الشراكة في العملية التعليمية: ويُقصد بها تأكيد وترسيخ مبدأ الشراكة ين جناحي الوطن في تنفيذ وتقييم ومراجعة العملية التعليمية بكافة جوانبها الفنية والإدارية، وإلغاء كافة أشكال تبعية القطاع للضفة!؟ وضرورة إشراك كفاءات وكوادر القطاع في وضع أسئلة الامتحانات حتى لا تبقى مساهمة غزة هامشية أو غير موجودة، وإنني في هذا السياق أناشد كوادر الوزارة والمديريات في غزة أن يقولوا الحقائق التي سمعتها وأسمعها من بعضهم، ولماذا يخشون التعبير عنها رسمياً في تقاريرهم !؟
خامساً ـ مراعاة الوقت المخصص للامتحانات: إذ يجب أن يتناسب الوقت مع الأسئلة ويوفر للطالب بعض الوقت للمراجعة، فإذا كان عدد الأسئلة المطلوب الإجابة عليها مقدس ومن ثوابت الوزارة أي الإجابة على خمس أسئلة من أصل ستة وأن يكون الامتحان مكون من أربع صفحات، فإنني أقترح أن يكون الوقت ثلاث ساعات، أو يخفض عدد الأسئلة إلى خمسة والإجابة عن أربعة ويبقى الوقت ساعتين ونصف.
سادساً ـ إعادة النظر في نظام الامتحان: نظراً لأن المنهاج طويل ويحتوي على كم معرفي غزير، ويُدرس على فصلين دراسيين، ولمعالجة التسرب وتوقف العملية التعليمية في الفصل الدراسي الثاني، فإنه من المناسب أن يُجرى الامتحان على مرحلتين في نهاية كل فصل، مما يحقق انضباط العملية التعليمية ويحافظ على استمراريتها، ويقلص العبء الملقى على الطالب، ويؤدي إلى التزام المدرسين بالدوام المدرسي، ويقلص من ظاهرة الدروس الخصوصية، ويُعيد الهيبة للتعليم. صحيح أن هذا يحتاج إلى جهد جيش المدراء العامين والمدراء بدرجاتهم المختلفة وعمل مرهق، ولكن إنقاذ التعليم من الانهيار والمحافظة على مستقبل أبنائنا ألا يحتاج إلى تضحيات.
سابعاً ـ اعتماد مبدأ المسائلة والمحاسبة، حيث لابد من تطبيق نظام المسائلة والمحاسبة وتحييد التعليم من التجاذبات السياسية والحزبية والمناطقية والعائلية، والتركيز على المهنية والتخصص حماية لمستقبل طلبتنا ووطننا المنشود.
إن إصلاح مسيرة التعليم تحتاج إلى جهد كافة المخلصين حتى لا يقتصر دور كبار مسئولي التربية والتعليم في المحافظات الشمالية والجنوبية على زيارة المديريات، والتجوال فيها، وتفقد لجان الامتحانات، والتصريحات أمام وسائل الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي وكأن غاية همهم هو إثبات الذات وتأكيد الشرعية، فشرعية الموقع تأتي من تفقد المنهاج الفلسطيني والتجول فيه، والعمل على إصلاحه، ووضع وتنفيذ الخطط اللازمة لذلك بما يتناسب والإمكانيات المتوفرة قبل حدوث الكارثة!؟ أم أن إصلاح المنهاج يحتاج إلى جهد كبير وعمل شاق ومرهق، ولا يمكن إنجازه من خلال برامج الزيارات والوقوف أمام الكاميرات ، والتي ترى أن إطلاق التصريحات أيسر وأسهل من العمل!؟ . وهنا ينبغي أن أؤكد أن التعليم لا يقاس بالكم وإنما بالكيف، ولا يقاس بعدد أجهزة الحاسوب المتوفرة في المدارس بل بمهارة استخدامها وتوظيفها في العملية التعليمية، وبمقدار اكتساب الطلبة للمهارات التعليمية الأساسية الكتابة والقراءة والرياضة، ومن المؤسف بل والمحزن أن أقول بالبينة الدامغة والدليل القاطع أن هناك طلبة جامعين؛ وبعضهم على أعتاب التخرج؛ بحاجة إلى دروس لتعلم الإملاء والكتابة.
وفي الختام، فإنني أُجزم بأن طلبتنا ووزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية بحاجة ماسة وعاجلة لجون جينج فلسطيني يعمل على تطوير التعليم في فلسطين، ويسهر على مصالح الطلبة ويرعى مستقبلهم متسلحاً بعقيدة أصيلة تعي أن الإنسان الفلسطيني هو أغلى ما نملك، وأن تعليمه وتأهيله وإعداده للمستقبل أهم بكثير من مصالح ضيقة أو حسابات غير متوازنة أو شخصيات موتورة، فهل نجد ذلك الجينج قريباً!؟ أتمنى أن يحدث ذلك حتى لا تكرر مأساة جديدة للطلبة العام القادم.
الدكتور/ أحمد سعيد دحلان
أستاذ الجغرافيا البشرية المشارك
جامعة الأزهر بغزة
في أعقاب نهاية امتحانات الثانوية العامة لهذا العام، وفي محاولة لتقييم التجربة الامتحانية من بعض أجهزة الإعلام الفلسطينية، شاهدت يوم الأربعاء الموافق 2/7/ 2008 برنامجاً تلفزيونياً بُث على قناة تلفزيون فلسطين من رام الله ، حول امتحان الثانوية العامة وأحوال التعليم في فلسطين . حيث بدا أحد المسؤولين ـ طوال الوقت ـ رافضاً لكل نقد ، مدعياً أن المسيرة التعليمية بألف خير، وأنها مطمئنة ومثالية ومطابقة للمعايير الدولية. وهو ما نتمناه . وهنا لا بد من أن أسجل ابتداءً أن البرنامج المذكور ركز على الضفة الغربية ولم يتحدث عن قطاع غزة إلا في إشارة عابرة عندما استشهد السيد وكيل الوزارة المساعد بحدث معين مشيراً إلى أن الوقت كان مناسباً لامتحان الإدارة والاقتصاد، على الرغم من الإقرار بصعوبته خاصة لطلبة القسم الأدبي وعدم كفاية الوقت المحدد. ومهما يكن من أمر فقد وجدت أن من واجبي أن أكتب تعقيباً على بعض ما حدث في امتحانات هذا العام ( 2008 م )، وبخاصة لطلبة القسم العلمي وما واجهوا من تحديات أشار لها الكاتب هاني المصري بشجاعة؛ وإنني أتحدث عن صدمات أصابت الطالب وولي الأمر بل وقطاع عريض من المعلمين الذين شاهدوا جهودهم تنهار أمام ذلك الممتحن الذي استعرض قدرته الفتاكة بالطلبة وبمستقبلهم فأمعن في التحدي وكأن لسان حاله يقول، أتحداكم أن تنجحوا أو تتفوقوا.
وبما أنني ولي أمر طالب اجتهد وثابر، وأحد الحريصين على سلامة المسيرة التعليمية وعلى التأسيس لمستقبل واعد للأجيال الصاعدة ، وبما أنني أعمل في حقل التعليم العالي منذ عام 1981 وأعيي جيداً معنى أن تقيس الأسئلة درجة التحصيل وتراعي الفروق الفردية، وأن تتناسب مع الوقت المحدد للامتحان، وأعلم أيضاً أن من بين كوادر وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية نفراً يهمهم أمر التعليم ومستقبله، ويجب أن تكون لهم بصمات إيجابية على التعليم ومسيرته في المستقبل القريب ـ فإنني أرى أن من المصلحة الوطنية أن نركز على تشخيص الحالة الامتحانية من جوانبها المختلفة . وما كان الأمر يحتاج إلى وقفات ووقفات ، فإنني سأركز ـ في هذا المقال ـ على موضوعين اثنين ، أولهما هو ما تعرض له طلبة قطاع غزة ـ ذلك الإقليم الذي يعاني من حالة الانقسام والحصار ـ وبخاصة طلبة القسم العلمي ، من صدمة الامتحان وأسئلة التحدي التي جاءت من رام الله. أما الثاني فهو الحاجة الماسة والعاجلة إلى إجراءات تعالج مسيرة التعليم قبل الانهيار. وقبل الخوض في التفاصيل أود التأكيد على عدة حقائق تنفرد بها البيئة التعليمية في قطاع غزة. ومنها :
1- أن معظم، إن لم يكن كل، مدارس قطاع غزة ومنها المدارس الثانوية بالطبع تعمل بنظام الفترتين الدراسيتين، أي أن برنامج التعليم فيها مضغوط من الناحية الزمنية.
2- أن المنهاج الفلسطيني يمتاز بالطول والعصرنة، ويتم تدريسه على نظام الفصلين الدراسيين إلا أن الامتحان يعقد مرة واحدة في نهاية العام الدراسي، مع ضرورة ملاحظة أن الوحدات الدراسية الرئيسية للمباحث العلمية تأتي في الفصل الثاني حسب الخطة الزمنية المقررة، بالرغم من أن معدل التسرب في ذلك الفصل تكون مرتفعةً، وهي ظاهرة متأصلة بين الطلبة الذكور في مدارس القطاع، لا نجد مجالاً لسرد أسبابها والمشاركين فيها في هذا المقال، حيث تبدأ إرهاصات التسرب الملحوظ ابتداءً من النصف الثاني من شهر فبراير، وتكاد تتوقف العملية التدريسية في الأسبوع الأول من مارس من كل عام تقريباً ليحل مكانها حمى الدروس الخصوصية. وبالتأكيد فإن هذه الحقيقة لا تُُعجب القائمين على العملية التعليمية في القطاع لأن فيها مساس بهم وبمسئولياتهم ويتعارض تماماً مع تقاريرهم الورقية بأن الأمور على ما يرام. ولذلك أدعو من يتحمل المسئولية أن يتفقد المدارس ابتداءً من مارس من كل عام ليتأكد من هذه الحقيقة، ويعمل على معالجة أسبابها والتي سنقترح لها الحل المناسب في نهاية هذا المقال.
3- أن العملية التعليمية في قطاع غزة تخضع لتداخل قرارات وزارتين كل منها تؤكد أنها الجهة الشرعية وذات المسئولية الإدارية والقانونية والتنفيذية على المدارس في القطاع مما يربك العملية التعليمية، وقد أدى هذا الخلل إلى انقسام خطير بين الهيئتين التدريسية والإدارية، مما انعكس سلباً على الأداء ومن ثم على تحصيل الطلبة واستقرارهم النفسي، ولولا ظاهرة الدروس الخصوصية التي أصبحت أحد أهم مكونات العملية التعليمية لمن يريد النجاح أو التفوق، لظهرت الكارثة المحققة.
4- أن مستوى العملية التعليمية، من حيث المهنية والمتابعة والرقابة الإدارية، في مدارس الأونروا بقطاع غزة تتفوق تماماً عن مثيلاتها في المدارس الحكومية التابعة لوزارة التربية والتعليم العالي، بل لا مجال للمقارنة فيما بينهما. وعلى الرغم من تلك الحقيقة، إلا أن إدارة الأونروا بغزة أدركت بأن التعليم في مدارسها يتجه إلى الانهيار، وبالتالي أعلنت منذ بداية العام الدراسي 2007/2008 حالة الاستنفار والطوارئ ووضعت الخطط التنفيذية اللازمة لوقف انهيار التعليم كما سنوضحه لاحقاًً، فأين مسئولي وزارة التربية والتعليم الحكومي من هذه الكارثة!؟ وهل التعليم الحكومي على ما يرام حقاً ، وأنه يشكل حالة مختلفة وواقعاً أجمل وأفضل من حال مدارس الوكالة!؟
5- أن قطاع غزة كان يعاني من التهميش من قبل الوزارة المركزية برام الله سابقاً، وتعزز ذلك بعد حالة الانقسام، والدليل على ذلك البرنامج التلفزيوني المشار إليه أعلاه الذي اقتصر على أبناء الضفة الغربية ولم يُشْرَك فيه أحد من غزة، وكأن الأزمة محصورة في طلبة الضفة الذين أكدوا تعاطف المراقبين معهم حسب ما جاء في اللقطات المصورة لإفادات الطلبة، علماً بأن كاتب هذا المقال قد هيأ آلية الاتصال عبر تقنية الفيديوكونفرس لضمان حق أبناء القطاع في التعبير عن أنفسهم وإبداء الرأي في قضية الامتحانات التي مست عدداً كبيراً منهم.
وبالعودة إلى الموضوع الأول المتعلق بأسئلة الامتحانات فإنني أسجل الملاحظات الأساسية التالية:
أولاً ـ صعوبة ظروف الامتحان، حيث أجري الامتحان في ظروف حياتية قاسية وصعبة على المجتمع في قطاع غزة في ظل الانقسام الفلسطيني والحصار الإسرائيلي الجائر، فأزمة الكهرباء والوقود والمواصلات كانت علامات فارقة. أما أجواء الامتحانات فقد أجريت بانضباط غير مسبوق في القطاع، حيث ساد الهدوء لجان الامتحانات وكانت المراقبة على اللجان صارمة ومشددة، وفي بعض الأحيان القليلة استفزازية.
ثانياً ـ التأثير السلبي لعامل الوقت، حيث جاءت الأسئلة غير متناسبة مع الوقت ، إذ كان المطلوب دائماً الإجابة عن خمسة أسئلة من أصل ستة، وأولها إجباري والوقت المحدد للإجابة ساعتين ونصف، أي أن نصيب كل سؤال نصف ساعة فقط . ولو طبقنا ذالك على السؤال الأول الإجباري في مادة الفيزياء وهو مكون من عشرة أجزاء نجد أن كل جزء مخصص له ثلاث دقائق فقط، فالطالب عليه أن يقرأ المطلوب ويفكر ويبدأ في الحل والإثبات في ذلك الوقت اليسير، فهل هذا ممكن!؟ بل إن مادة الاقتصاد والإدارة لم يخُصص لها سوى ساعتين فقط، على الرغم من الاحتجاج الشامل عليها في الضفة والقطاع، فما هي الحكمة من ذلك!؟. وبالتالي يمكن القول إن الطالب لم يجد وقتاً كافياً للحل ناهيك عن حاجته لبعض الوقت المخصص للمراجعة . لقد ضاع كل ذلك أمام إصرار الممتحن على الإجابة على خمسة أسئلة مجزأة إلى عشرات الأجزاء ، وهو ما يجعل الطالب غير قادر على القراءة والتركيز ، وما يضطره للإجابة المتعجلة؛ لأنه مطارد من غول الوقت وغول الأسئلة المكدسة.
ثالثاً ـ صعوبة الأسئلة، حيث جاءت الأسئلة في بعض المباحث صعبة ويظهر فيها روح التحدي الأمر الذي أكده الكاتب الصحفي هاني المصري في البرنامج المتلفز المشار إليه أعلاه حيث أكد أنه كان يتردد في الضفة الغربية منذ بداية العام الدراسي أن أسئلة هذا العام ستكون صعبة. وهذا الأمر لم يكن معلوماً لأبناء قطاع غزة، ومما لا شك فيه أن المقارنة بين أسئلة عام 2006/2007 وأسئلة 2007/2008 تُظهر البون الشاسع فيما بينها. وقد ظهرت بعض الصعوبة أو عدم كفاية الوقت في مباحث الإدارة والاقتصاد، والأحياء ـ التي وصفها أحد مسئولي الوزارة في غزة بأنها تحتوي على "مسحة" من الصعوبة ! ـ والرياضيات الورقة الثانية. أما أسئلة الفيزياء فقد سجلت التحدي الحقيقي حيث كانت الأسئلة طويلة جداً ولا تتناسب مع الوقت وشديدة الصعوبة وتحتوي على أخطاء، مما شكل حالة من الإحباط الشديد والصدمة لدى الطلبة وأولياء الأمور والمعلمين حسب ما أُبلغت به منهم.
رابعاً ـ أخطاء في الأسئلة ، حيث اشتملت الأسئلة على أخطاء كما ظهر في امتحان الفيزياء، ومما لا شك فيه أن تصحيح مثل هذه الأخطاء أثناء الامتحان يربك الطلبة ويؤدي إلى توتير وتشويش أفكارهم. فمن المسئول عن الوقت الذي يفقده الطالب وهو يحاول التعامل مع أسئلة غير سليمة المعطيات. ألم يكن من الأفضل أن تتم مراجعة نسختها الأصلية قبل طباعة النسخ المحددة. وأقول بصراحة إنه لو وُضعت للأسئلة إجابات نموذجية قبل عملية الاستنساخ لتم تلاشي الأخطاء بدلاً من التنبيه عليها وتصويبها أثناء تأدية الامتحان.
خامساً ـ خلل في نوعية الأسئلة، حيث لم تراع أسئلة بعض المباحث قياس الفروق الفردية بين الطلبة، بل جاءت لقياس الفروق الفردية بين النخب الطلابية والمتميزين، وأكرر كأنها أسئلة مسابقات لا أسئلة امتحانات.
وقبل طرح بعد الأفكار التي يمكن أن تُساعد الطلبة وتخفف عنهم أعباء المنهاج الفلسطيني العصري، وترفع من مستوى التعليم، أود الإشارة إلى ظاهرة ريادية يجري إنفاذها في مدارس الأونروا بقطاع غزة خلال العام 2007/2008 لوقف انهيار التعليم ألا وهي ظاهرة جون جينج: وهو مدير عمليات الأونروا بغزة الايرلندي الجنسية، حيث لاحظ تدهور مستوى التعليم وانخفاض التحصيل الدراسي عند التلاميذ لاسيما الذكور منهم من خلال متابعة علمية، فاتخذ إجراءات عاجلة حيث قلص الكثافة الصفية إلى 30 تلميذاً فقط في المستويات من السابع حتى التاسع، وتبنى برنامج التعليم العلاجي لذوي التحصيل المتدني من الصف الأول وحتى الرابع حيث تم تعيين 1664 معلماً مسانداً لهذا الغرض. واستحدث التعليم الليلي من خلال افتتاح مركزين في كل محافظة وهو برنامج موجه للتلاميذ الذكور من الصف الرابع وحتى التاسع بهدف المساعدة في حل الواجبات البيتية وتوضيح المفاهيم والدروس التي لم يتم استيعابها في مبحثي اللغة العربية والرياضيات بواقع ساعة واحدة لكل مبحث. وأمر بعقد امتحانات موحدة من الصف الرابع وحتى التاسع على مستوى مدارس الأونروا وأن يتم تصحيح الأوراق بوساطة لجان عامة، واعتمد نظام الفصلين الدراسيين بامتحانين منفصلين على أن يستفيد الطلبة من رصد الدرجة الأفضل، واعتمد مادتي اللغة العربية والرياضيات كأساس للرسوب، وتبنى برنامجاً للتعليم الصيفي للراسبين في المبحثين المذكورين مدته 16 أسبوعاً ومكون من 36 بطاقة للمهارات الأساسية، فمن يجتاز الامتحان يرفع, ومن يفشل ولو في أحد المبحثين يعيد العام الدراسي. وتبنى جينج برنامجاً لتطوير المناهج وتكيفها وشكل لها أربعة لجان متخصصة لمراجعة مقررات اللغة العربية والرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية في جميع المراحل الدراسية، بحيث تكون مناسبة وسهلة الاستيعاب للتلاميذ وسهلة التدريس للمعلمين، على أن تُقدم المقترحات قبل نهاية أغسطس 2008 لتطبيقها ابتداءً من العام الدراسي 2008/ 2009. وكان ذلك نتاجاًً لعدة لقاءات وورش عمل مع العاملين في مهنة التعليم وفعاليات المجتمع المحلي والمتخصصين التربويين والأكاديميين. وطبق نظام المسائلة والمحاسبة وشدد الرقابة الإدارية على كافة المستويات ولوح باتخاذ إجراءات حازمة بحق المقصرين قد تصل إلى الاستغناء عن الخدمة. ولم يقم باعتماد اللغة الانجليزية ضمن مواد الرسوب على ما يبدو حتى لا يتهم جينج بأنه ينفذ مخططات الإمبريالية والصهيونية في تغريب الثقافة والحضارة العربية، خاصة وأن شعبنا يعشق ثقافة الاختلاف من أجل الاختلاف، ويؤمن بنظرية المؤامرة حتى وإن كانت على الشخص نفسه.
وبناءً على ما سبق، وانتقالاً للموضوع الثاني ، فإنني أتقدم بالأفكار البسيطة التالية:
أولاً ـ البحث في إشكاليات الامتحان: ، حيث أرى أن هناك ضرورة ملحة لتشكيل لجنة مختصة مهنية تدرس الإشكاليات التي تمت خلال الامتحانات وتقدر درجة التدخل اللازم لتصويب الأخطاء ورفع الإجحاف، وإنصاف الطلبة خاصة أبناء غزة في القسم العلمي، تأخذ بالحسبان عدم عقد امتحان تجريبي في القطاع غزة وأوضاع القطاع، وألا يدفع طلبة قطاع غزة ثمن حالة الانقسام والتجاذبات السياسية، وألا يُكتفي بمعالجة النتائج حسب المنحنى الطبيعي لتوزيع الدرجات كما يتم الترويج لذلك.
ثانياً ـ إعداد نماذج تجريبية: وهنا أرى ضرورة أن تقوم الوزارة في السنة القادمة بإعداد نماذج لأسئلة تجريبية متعددة في المباحث الأساسية مثل الرياضيات والكيمياء والفيزياء والأحياء حتى يتدرب عليها الطلبة، ويتأقلموا مع المنهاج الفلسطيني، وألا يقعوا مستقبلاً في مصيدة الممتحنين.
ثالثاً ـ مراجعة المنهاج: إذ مما لاشك فيه أن المنهاج الفلسطيني طويل وغزير في المفردات وغير متوازن في الكم المعرفي والمواضيع العلمية، ويُشكل عبئاً ثقيلاً على الطالب. وبالتالي لماذا لا تتم مراجعته من قبل لجان مهنية مختصة؛ تعمل على تبسيطه وتَكْيِفيِِهِ بحيث يسهل استيعابه، وبحيث يتم التركيز على المواضيع الهامة وحذف المواضيع غير الضرورية إن أمكن، مع مراعاة عدم اختيار لجان المراجعة على أسس المحسوبية أو العائلية أو الحزبية، أو المكانية .. الخ كما يظهر بوضوح لمن يتفقد الصفحات الأولى من الكتب المدرسية الحالية !؟
رابعاً ـ التأكيد على مبدأ الشراكة في العملية التعليمية: ويُقصد بها تأكيد وترسيخ مبدأ الشراكة ين جناحي الوطن في تنفيذ وتقييم ومراجعة العملية التعليمية بكافة جوانبها الفنية والإدارية، وإلغاء كافة أشكال تبعية القطاع للضفة!؟ وضرورة إشراك كفاءات وكوادر القطاع في وضع أسئلة الامتحانات حتى لا تبقى مساهمة غزة هامشية أو غير موجودة، وإنني في هذا السياق أناشد كوادر الوزارة والمديريات في غزة أن يقولوا الحقائق التي سمعتها وأسمعها من بعضهم، ولماذا يخشون التعبير عنها رسمياً في تقاريرهم !؟
خامساً ـ مراعاة الوقت المخصص للامتحانات: إذ يجب أن يتناسب الوقت مع الأسئلة ويوفر للطالب بعض الوقت للمراجعة، فإذا كان عدد الأسئلة المطلوب الإجابة عليها مقدس ومن ثوابت الوزارة أي الإجابة على خمس أسئلة من أصل ستة وأن يكون الامتحان مكون من أربع صفحات، فإنني أقترح أن يكون الوقت ثلاث ساعات، أو يخفض عدد الأسئلة إلى خمسة والإجابة عن أربعة ويبقى الوقت ساعتين ونصف.
سادساً ـ إعادة النظر في نظام الامتحان: نظراً لأن المنهاج طويل ويحتوي على كم معرفي غزير، ويُدرس على فصلين دراسيين، ولمعالجة التسرب وتوقف العملية التعليمية في الفصل الدراسي الثاني، فإنه من المناسب أن يُجرى الامتحان على مرحلتين في نهاية كل فصل، مما يحقق انضباط العملية التعليمية ويحافظ على استمراريتها، ويقلص العبء الملقى على الطالب، ويؤدي إلى التزام المدرسين بالدوام المدرسي، ويقلص من ظاهرة الدروس الخصوصية، ويُعيد الهيبة للتعليم. صحيح أن هذا يحتاج إلى جهد جيش المدراء العامين والمدراء بدرجاتهم المختلفة وعمل مرهق، ولكن إنقاذ التعليم من الانهيار والمحافظة على مستقبل أبنائنا ألا يحتاج إلى تضحيات.
سابعاً ـ اعتماد مبدأ المسائلة والمحاسبة، حيث لابد من تطبيق نظام المسائلة والمحاسبة وتحييد التعليم من التجاذبات السياسية والحزبية والمناطقية والعائلية، والتركيز على المهنية والتخصص حماية لمستقبل طلبتنا ووطننا المنشود.
إن إصلاح مسيرة التعليم تحتاج إلى جهد كافة المخلصين حتى لا يقتصر دور كبار مسئولي التربية والتعليم في المحافظات الشمالية والجنوبية على زيارة المديريات، والتجوال فيها، وتفقد لجان الامتحانات، والتصريحات أمام وسائل الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي وكأن غاية همهم هو إثبات الذات وتأكيد الشرعية، فشرعية الموقع تأتي من تفقد المنهاج الفلسطيني والتجول فيه، والعمل على إصلاحه، ووضع وتنفيذ الخطط اللازمة لذلك بما يتناسب والإمكانيات المتوفرة قبل حدوث الكارثة!؟ أم أن إصلاح المنهاج يحتاج إلى جهد كبير وعمل شاق ومرهق، ولا يمكن إنجازه من خلال برامج الزيارات والوقوف أمام الكاميرات ، والتي ترى أن إطلاق التصريحات أيسر وأسهل من العمل!؟ . وهنا ينبغي أن أؤكد أن التعليم لا يقاس بالكم وإنما بالكيف، ولا يقاس بعدد أجهزة الحاسوب المتوفرة في المدارس بل بمهارة استخدامها وتوظيفها في العملية التعليمية، وبمقدار اكتساب الطلبة للمهارات التعليمية الأساسية الكتابة والقراءة والرياضة، ومن المؤسف بل والمحزن أن أقول بالبينة الدامغة والدليل القاطع أن هناك طلبة جامعين؛ وبعضهم على أعتاب التخرج؛ بحاجة إلى دروس لتعلم الإملاء والكتابة.
وفي الختام، فإنني أُجزم بأن طلبتنا ووزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية بحاجة ماسة وعاجلة لجون جينج فلسطيني يعمل على تطوير التعليم في فلسطين، ويسهر على مصالح الطلبة ويرعى مستقبلهم متسلحاً بعقيدة أصيلة تعي أن الإنسان الفلسطيني هو أغلى ما نملك، وأن تعليمه وتأهيله وإعداده للمستقبل أهم بكثير من مصالح ضيقة أو حسابات غير متوازنة أو شخصيات موتورة، فهل نجد ذلك الجينج قريباً!؟ أتمنى أن يحدث ذلك حتى لا تكرر مأساة جديدة للطلبة العام القادم.