بين الواقعية الفجة والفانتازيا اليوم، خيط رفيع لا تراه العين المجردة ولا حتى اقوى المجاهر، حتى ليخيل لقارئ أو مستقرئ متسرع أن بين اللفظين مسافة مترامية تفصل بين عالمين، فيما قد يتجليان لمستقرئ مترو عالمين متداخلين تتلاشى بينهما أي مسافة، ولا يعود يستقيم أحدهما ويظهر في غياب الآخر. فما يشهده عالم اليوم من غرائب يتعود عليها يسهم في استهداف الفانتازيا بوصفها مفهوما مستقلا.
قبل سنوات أنتجت السينما المصرية فلما يعالج موضوعة (فانتازية) في عالم واقعي، وكانت قصة الفلم تدور عن اختفاء هرم خوفو فجأة، دون مسبقات، ما دفع بالحكومة إلى الإسراع في إجراء تحقيقات واستجوب خصوم الدولة المنتمون إلى أحزاب معارضة، بوصفهم أول المتهمين بسرقته خفية وتهريبه خارج البلاد لصالح جهات معادية.
طبعا كان الفلم عند ظهوره في حينه، يحاول، برغم رمزيته الواضحة، ولوج وجه آخر لفانتازيا، لا ينكر أحد أنها أدهشتنا، ربما لأننا قرأناها سهوا أو عمدا على أنها عالم نقيض لواقعية سنوات انتاج الفلم حرصا منا ربما للحفاظ على الفانتازيا الخالصة.
يومها تذكرت، وأنا أتابع الفلم، رواية عن هتلر لا أعرف مدى دقتها، كان رواها لي شيخ ناهز المائة، بسيط لكنه عميق، بذاكرة لا تغفل التفاصيل، وكان الشيخ هذا يقدم قراءة للأحداث خارج سياقات الروايات التاريخية الرسمية الموثقة، لكنه يدهشك. فهو إن كان لما يرويه أساس في مصدر محقق أو سيحقق لاحقا، فتلك في الأقل معرفة جديدة ستلم بها، وإن لم يكن لها ذكر ولن يكون في مصدر، فلك أن تتصور، كيف يمكن لقراءة مغايرة للأحداث أن تقدم وجها آخر أو وجوها من (حقيقة) قدرها أن تبقى مطموسة، على رأي هتلر في أن هناك حقيقة واحدة في الوجود هي (عدم وجود حقيقة) التي أجيز لنفسي بتصويبها فأقول هناك حقيقة في الوجود دائما هي تلك الحقيقة التي يسرقها الإعلام المضاد ويضع محلها بدائل وهمية يلهي بها العالم لغايات في نفوس صانعي السياسات في كل مكان، فالسياسات المعادية خطيرة لكنها على وفق مارك توين لا تستطيع أكثر من إزهاق أرواحنا، ولكن الأخطر يكمن في إعلامها الذي يسرق شرفنا.
قال الشيخ إن هتلر سأل معاونيه مرة وهو يرصد خارطة العالم تدفعه حماسة التوسع باسم (التحرير)، مشيرا إلى موقع هو العراق، ما هذا؟ فأجابه أحدهم أنه العراق، وبعد شرح موجز، امتعض الفوهرر – الذي دعا الشيخ لروحه بالرحمة لأنه عادى اليهود ولامه على ترك البعض منهم ليرينا لماذا كان يقتلهم- وتناول الفوهرر ممحاة مطاطية محا بها الموقع من على الخارطة، تاركا آسيا إلى أوربا ثانية.
طبعا ليس في جرة الممحاة على موقع العراق في الخارطة شيء من فانتازيا بالمعنى الفني للمفردة، ولا لدعاء الشيخ لروح الفوهرر بالرحمة، ولا للومه له، لكنها حادثة بقيت ملتصقة بحيثياتها في ذاكرتي، ربما لأنني أنا من افترضها صورة فانتازية.
قبل أسابيع أعادت إحدى القنوات الفضائية عرض ذلك الفلم الذي يبحث في الهرم المسروق، الذي يعود في النهاية إلى مكانه بقدرة قادر، لكنني لم أجد فيه وأنا أتابعه بوعي اليوم ذلك الوجه الفانتازي، على العكس كانت وجوهه كلها واقعية، بتنا نشهد أمرّ منها منذ أول يوم من احتلال العراق قبل خمس سنوات، تمتد إليه الأيادي وتسرقه يوميا، مقدرات وشعبا وإرثا ، تحت تسميات لا تحصى يتهم بها فاعلون لا يحصون، ولكن الكل يعلم أن الفاعل رسمي، ومعلوم وها هو اليوم يستعين بـ(معاهدة) مقتولة درسا بعقول عباقرة الأمم وعباقرة إعلام تبيح له، تحت لافتات فجة كالحفاظ على ما أنجز من (تقدم) أمني وديمقراطي واقتصادي واجتماعي وحتى فلكي، وانفتاح على الثقافات والحضارات، تبيح له شراء بالمجان للبلد أرضا وماء وهواء وشرفا وما بين هذه المرتكزات الأربعة من ثوابت وخصوصيات وهويات ومفاهيم وكفاءات وكائنات لا تبدأ بالإنسان ولا تنتهي بالبكتيريا، وكل ذلك تحقيقا لرغبة همجية هي حقيقة (الحضارات الزائفة) المغيبة عن الأنظار، التي لم تبدأ في هتلر ولن تنتهي في أوباما.
طبعا ما أردت الوصول إليه ليس المعاهدة التي تعترض عليها الجماهيرنصا وروحا بالجملة لأنها ستمرر علينا برغم الأصوات المرتفعة الرافضة، بل ما أردته هو أن أجد فسحة أقول من خلالها لمفهوم الفانتازيا الخالصة الذي ابتلعته أوحال الواقعية الفجة: وداعا
قبل سنوات أنتجت السينما المصرية فلما يعالج موضوعة (فانتازية) في عالم واقعي، وكانت قصة الفلم تدور عن اختفاء هرم خوفو فجأة، دون مسبقات، ما دفع بالحكومة إلى الإسراع في إجراء تحقيقات واستجوب خصوم الدولة المنتمون إلى أحزاب معارضة، بوصفهم أول المتهمين بسرقته خفية وتهريبه خارج البلاد لصالح جهات معادية.
طبعا كان الفلم عند ظهوره في حينه، يحاول، برغم رمزيته الواضحة، ولوج وجه آخر لفانتازيا، لا ينكر أحد أنها أدهشتنا، ربما لأننا قرأناها سهوا أو عمدا على أنها عالم نقيض لواقعية سنوات انتاج الفلم حرصا منا ربما للحفاظ على الفانتازيا الخالصة.
يومها تذكرت، وأنا أتابع الفلم، رواية عن هتلر لا أعرف مدى دقتها، كان رواها لي شيخ ناهز المائة، بسيط لكنه عميق، بذاكرة لا تغفل التفاصيل، وكان الشيخ هذا يقدم قراءة للأحداث خارج سياقات الروايات التاريخية الرسمية الموثقة، لكنه يدهشك. فهو إن كان لما يرويه أساس في مصدر محقق أو سيحقق لاحقا، فتلك في الأقل معرفة جديدة ستلم بها، وإن لم يكن لها ذكر ولن يكون في مصدر، فلك أن تتصور، كيف يمكن لقراءة مغايرة للأحداث أن تقدم وجها آخر أو وجوها من (حقيقة) قدرها أن تبقى مطموسة، على رأي هتلر في أن هناك حقيقة واحدة في الوجود هي (عدم وجود حقيقة) التي أجيز لنفسي بتصويبها فأقول هناك حقيقة في الوجود دائما هي تلك الحقيقة التي يسرقها الإعلام المضاد ويضع محلها بدائل وهمية يلهي بها العالم لغايات في نفوس صانعي السياسات في كل مكان، فالسياسات المعادية خطيرة لكنها على وفق مارك توين لا تستطيع أكثر من إزهاق أرواحنا، ولكن الأخطر يكمن في إعلامها الذي يسرق شرفنا.
قال الشيخ إن هتلر سأل معاونيه مرة وهو يرصد خارطة العالم تدفعه حماسة التوسع باسم (التحرير)، مشيرا إلى موقع هو العراق، ما هذا؟ فأجابه أحدهم أنه العراق، وبعد شرح موجز، امتعض الفوهرر – الذي دعا الشيخ لروحه بالرحمة لأنه عادى اليهود ولامه على ترك البعض منهم ليرينا لماذا كان يقتلهم- وتناول الفوهرر ممحاة مطاطية محا بها الموقع من على الخارطة، تاركا آسيا إلى أوربا ثانية.
طبعا ليس في جرة الممحاة على موقع العراق في الخارطة شيء من فانتازيا بالمعنى الفني للمفردة، ولا لدعاء الشيخ لروح الفوهرر بالرحمة، ولا للومه له، لكنها حادثة بقيت ملتصقة بحيثياتها في ذاكرتي، ربما لأنني أنا من افترضها صورة فانتازية.
قبل أسابيع أعادت إحدى القنوات الفضائية عرض ذلك الفلم الذي يبحث في الهرم المسروق، الذي يعود في النهاية إلى مكانه بقدرة قادر، لكنني لم أجد فيه وأنا أتابعه بوعي اليوم ذلك الوجه الفانتازي، على العكس كانت وجوهه كلها واقعية، بتنا نشهد أمرّ منها منذ أول يوم من احتلال العراق قبل خمس سنوات، تمتد إليه الأيادي وتسرقه يوميا، مقدرات وشعبا وإرثا ، تحت تسميات لا تحصى يتهم بها فاعلون لا يحصون، ولكن الكل يعلم أن الفاعل رسمي، ومعلوم وها هو اليوم يستعين بـ(معاهدة) مقتولة درسا بعقول عباقرة الأمم وعباقرة إعلام تبيح له، تحت لافتات فجة كالحفاظ على ما أنجز من (تقدم) أمني وديمقراطي واقتصادي واجتماعي وحتى فلكي، وانفتاح على الثقافات والحضارات، تبيح له شراء بالمجان للبلد أرضا وماء وهواء وشرفا وما بين هذه المرتكزات الأربعة من ثوابت وخصوصيات وهويات ومفاهيم وكفاءات وكائنات لا تبدأ بالإنسان ولا تنتهي بالبكتيريا، وكل ذلك تحقيقا لرغبة همجية هي حقيقة (الحضارات الزائفة) المغيبة عن الأنظار، التي لم تبدأ في هتلر ولن تنتهي في أوباما.
طبعا ما أردت الوصول إليه ليس المعاهدة التي تعترض عليها الجماهيرنصا وروحا بالجملة لأنها ستمرر علينا برغم الأصوات المرتفعة الرافضة، بل ما أردته هو أن أجد فسحة أقول من خلالها لمفهوم الفانتازيا الخالصة الذي ابتلعته أوحال الواقعية الفجة: وداعا