
الفقر في الوطن غربة
بقلم:وليد خالد القدوة
هيئة التوجيه السياسي والوطني
قال الشاعر:-
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
الفقر مشكلة عالمية تعاني منها الدول الفقيرة والغنية على حد سواء, ففي الولايات المتحدة الأمريكية يوجد 30مليون إنسان فقير يعيشون في أطراف المدن الكبرى على الأرصفة وفي الشوارع بلا مأوى ولا طعام.
عندنا في فلسطين مشكلة الفقر تتفاقم بصورة خطيرة ومدمرة لمعنويات الإنسان الفلسطيني وهذا يؤدي إلى خلق مشاكل اجتماعية داخل الأسرة الفلسطينية بسبب عدم مقدرة الآباء على الوفاء بالتزاماتهم تجاه أبناءهم… الأمر الذي يؤدي إلى إحساس الإنسان الفلسطيني بالغربة داخل وطنه بسبب الفقر والجوع والحرمان.
بعد أسبوع من وفاة والدتي رحمها الله التي لبت نداء ربها في منتصف شهر حزيران 2008 بعد صراع مرير مع مرض السرطان ذهبت إلى المقبرة الشرقية بغزة لأزرع لها شجرة بجوار قبرها, فشاهدت أعداداً كبيرة من الرجال ينظفون المقبرة يتجاوز عددهم المائة شخص, كانوا يعملون بهمة ونشاط في منطقة حدودية وسط أجواء حارة جداً تبادلت مع بعضهم الحديث عن هذا العمل الإنساني المشرف, فأخبروني أنهم يعملون على نظام البطالة بمبلغ شهري 500 شيكل كانوا سعداء بهذا المبلغ المتواضع وأخبرني بعضهم أنهم يذهبون إلى المقبرة من بيوتهم صباح كل يوم مشياً على الأقدام لتوفير ثمن المواصلات المرتفعة لأبنائهم وأسرهم .
وقد حدثني صديق عزيز يعمل في إحدى الإذاعات المحلية بغزة وهو إنسان صبور ومبدع في عمله إن راتبه الشهري 1000 شيكل ولديه سبعة أبناء وزوجة ووالدته, إنه يضطر للذهاب من بيته الكائن في أطراف مدينة غزة إلى مقر الإذاعة مشياً على الأقدام ذهاباً وإياباً لتوفير ثمن المواصلات لأسرته… حيث قال لي حرفياً إن ذهابي للإذاعة بسيارة يومياً يحتاج لمواصلتين وهذا سيكلفني يومياً 8 شيكل لذلك أفضل الذهاب للإذاعة مشياً على الأقدام.
الفقر بحد ذاته ليس عيباً ولا جريمة فالأنبياء الكرام صلوات الله وسلامه عليهم كل منهم رعى الغنم, وكان داود حداداً, وزكريا نجاراً, وإدريس خياطاً, وهم صفوة الناس وخير البشر.
في عصر الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز امتلأ بيت مال المسلمين بأموالٍ كثيرة جداً فكانوا يبحثون عن إنسان فقير ليقدموا له المال من بيت مال المسلمين فلم يجدوا… وهذا دليل قاطع على قوة إيمان المسلمين في ذلك العصر من أجل إسعاد بعضهم بالعطاء المتدفق والتكافل الاجتماعي المتواصل والمحبة التي لا حدود لها.
العالم العربي لديه من الإمكانيات المادية الكافية لعدم وجود أي إنسان فقير في أي دولة عربية ومع ذلك نسبة الفقر مرتفعة جداً في فلسطين والصومال والسودان ولبنان والعراق وموريتانيا, معدلات الفقر تختلف بين الدول في العالم العربي ولكن في المحصلة يوجد فقراء في السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وهي دول غنية بالنفط.
دائماً أفكر بدول الإتحاد الأوروبي, 25 دولة تجمعت في إطار واحد وعملة موحدة وكيان اقتصادي واحد هذه الدول لديها لغات مختلفة وعملات مختلفة وثقافات مختلفة وعادات وتقاليد مختلفة ورغم ذلك استطاعت خلق قواسم مشتركة لتوفير المزيد من الرفاهية والاستقرار والأمن الغذائي لشعوبها..... ما يجمع الدول العربية أكبر بكثير مما يجمع دول الإتحاد الأوروبي يجمعهم ديانة واحدة الدين الإسلامي العظيم ولغة واحدة وعادات وتقاليد واحدة ورغم ذلك غير قادرين على إيجاد قواسم مشتركة توفر الأمن والرخاء والاستقرار لشعوبهم.
عشرات آلاف المفكرين والعلماء والمبدعين والمثقفين هاجروا من العالم العربي لدول أكثر أمناً واستقرارا بسبب مشكلة الفقر... هجرة هذه النخبة من العالم العربي أدت إلى خسارة سنوية للعالم العربي تتجاوز إلى 200 مليار دولار.
الحلول الواقعية والمنطقية لمشكلة الفقر في العالم العربي موجودة إذا صدقت النوايا لدى أصحاب القرار وهنا سأقدم بعض الأفكار لمعالجة مشكلة الفقر في فلسطين والعالم العربي:-
أولاً:- كيف نواجه مشكلة الفقر في فلسطين:-
- إنشاء هيئة تحمل إسم "الهيئة الوطنية لمواجهة ظاهرة الفقر في فلسطين" أو أي إسم يتم الاتفاق عليه.
- يقدم الأغنياء في فلسطين زكاة أموالهم لهذه الهيئة.
- يتم استقطاع 5% من الموظفين الذين تتجاوز رواتبهم 3000 شيكل سواء الموظفين العاملين في القطاع الحكومي أو الوكالة أو الجامعات أو المؤسسات الأهلية واستقطاع 3% من الموظفين الذين تقل رواتبهم عن 3000 شيكل وهذا سيخلق حالة من التكافل الاجتماعي بين أبناء شعبنا الفلسطيني ويتم إيداع هذه الأموال في حساب الهيئة
- تشكيل مجلس إدارة لهذه الهيئة من خيرة أبناء شعبنا الفلسطيني للقيام بجولات عربية وعالمية لتوفير الدعم لهذه الهيئة.
- نحن نتحدث عن تشغيل وليس تقديم مبالغ بدون مجهود, أي يتم إنشاء بنك للمعلومات بكل العاطلين عن العمل في فلسطين خاصة المتزوجين من أجل تشغيلهم ليكونوا أشخاص منتجين داخل فلسطين.
ثانياً:- كيف نواجه مشكلة الفقر في العالم العربي:-
- التخلص من التبعية للولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها
- قيام دول النفط برصد أموال كبيرة لاستصلاح الصحاري في العالم العربي, نسبة الصحاري في الوطن العربي 89%, لو تم التخطيط بصورة سليمة لاستصلاح هذه الأراضي الشاسعة وزراعتها لتمكنها من استيعاب الملايين من العاطلين عن العمل في العالم العربي ولتحول هذا العالم الغني بموارده الطبيعية والبشرية إلى جنة خضراء.
- العمل على استقطاب العلماء والمفكرين والمبدعين من كل دول العالم وتوفير الإمكانيات المادية لهم ومراكز البحث العلمي للنهوض بالعالم العربي.
- إنشاء هيئة تعرف باسم "الهيئة العربية لمواجهة ظاهرة لفقر في العالم العربي" بحيث تتفرع منها هيئات في كل دولة عربية للتنسيق والتعاون والتفكير بعقلية جماعية لمواجهة مشكلة الفقر في العالم العربي.
- التوزيع العادل لمقدرات الأمة العربية لجميع الدول والشعوب كفيل بإنهاء مشكلة الفقر.
أتمني من الله العلي القدير أن أكون قد وفقت في توصيل هذه الرسالة المتواضعة لأصحاب القرار في فلسطين والعالم العربي لأن تفاقم هذه المشكلة سيؤدي إلى المزيد من الشعور بالغربة داخل الوطن وبالتالي المغادرة إلى دول أكثر أمنا واستقرارا.
بقلم:وليد خالد القدوة
هيئة التوجيه السياسي والوطني
قال الشاعر:-
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
الفقر مشكلة عالمية تعاني منها الدول الفقيرة والغنية على حد سواء, ففي الولايات المتحدة الأمريكية يوجد 30مليون إنسان فقير يعيشون في أطراف المدن الكبرى على الأرصفة وفي الشوارع بلا مأوى ولا طعام.
عندنا في فلسطين مشكلة الفقر تتفاقم بصورة خطيرة ومدمرة لمعنويات الإنسان الفلسطيني وهذا يؤدي إلى خلق مشاكل اجتماعية داخل الأسرة الفلسطينية بسبب عدم مقدرة الآباء على الوفاء بالتزاماتهم تجاه أبناءهم… الأمر الذي يؤدي إلى إحساس الإنسان الفلسطيني بالغربة داخل وطنه بسبب الفقر والجوع والحرمان.
بعد أسبوع من وفاة والدتي رحمها الله التي لبت نداء ربها في منتصف شهر حزيران 2008 بعد صراع مرير مع مرض السرطان ذهبت إلى المقبرة الشرقية بغزة لأزرع لها شجرة بجوار قبرها, فشاهدت أعداداً كبيرة من الرجال ينظفون المقبرة يتجاوز عددهم المائة شخص, كانوا يعملون بهمة ونشاط في منطقة حدودية وسط أجواء حارة جداً تبادلت مع بعضهم الحديث عن هذا العمل الإنساني المشرف, فأخبروني أنهم يعملون على نظام البطالة بمبلغ شهري 500 شيكل كانوا سعداء بهذا المبلغ المتواضع وأخبرني بعضهم أنهم يذهبون إلى المقبرة من بيوتهم صباح كل يوم مشياً على الأقدام لتوفير ثمن المواصلات المرتفعة لأبنائهم وأسرهم .
وقد حدثني صديق عزيز يعمل في إحدى الإذاعات المحلية بغزة وهو إنسان صبور ومبدع في عمله إن راتبه الشهري 1000 شيكل ولديه سبعة أبناء وزوجة ووالدته, إنه يضطر للذهاب من بيته الكائن في أطراف مدينة غزة إلى مقر الإذاعة مشياً على الأقدام ذهاباً وإياباً لتوفير ثمن المواصلات لأسرته… حيث قال لي حرفياً إن ذهابي للإذاعة بسيارة يومياً يحتاج لمواصلتين وهذا سيكلفني يومياً 8 شيكل لذلك أفضل الذهاب للإذاعة مشياً على الأقدام.
الفقر بحد ذاته ليس عيباً ولا جريمة فالأنبياء الكرام صلوات الله وسلامه عليهم كل منهم رعى الغنم, وكان داود حداداً, وزكريا نجاراً, وإدريس خياطاً, وهم صفوة الناس وخير البشر.
في عصر الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز امتلأ بيت مال المسلمين بأموالٍ كثيرة جداً فكانوا يبحثون عن إنسان فقير ليقدموا له المال من بيت مال المسلمين فلم يجدوا… وهذا دليل قاطع على قوة إيمان المسلمين في ذلك العصر من أجل إسعاد بعضهم بالعطاء المتدفق والتكافل الاجتماعي المتواصل والمحبة التي لا حدود لها.
العالم العربي لديه من الإمكانيات المادية الكافية لعدم وجود أي إنسان فقير في أي دولة عربية ومع ذلك نسبة الفقر مرتفعة جداً في فلسطين والصومال والسودان ولبنان والعراق وموريتانيا, معدلات الفقر تختلف بين الدول في العالم العربي ولكن في المحصلة يوجد فقراء في السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وهي دول غنية بالنفط.
دائماً أفكر بدول الإتحاد الأوروبي, 25 دولة تجمعت في إطار واحد وعملة موحدة وكيان اقتصادي واحد هذه الدول لديها لغات مختلفة وعملات مختلفة وثقافات مختلفة وعادات وتقاليد مختلفة ورغم ذلك استطاعت خلق قواسم مشتركة لتوفير المزيد من الرفاهية والاستقرار والأمن الغذائي لشعوبها..... ما يجمع الدول العربية أكبر بكثير مما يجمع دول الإتحاد الأوروبي يجمعهم ديانة واحدة الدين الإسلامي العظيم ولغة واحدة وعادات وتقاليد واحدة ورغم ذلك غير قادرين على إيجاد قواسم مشتركة توفر الأمن والرخاء والاستقرار لشعوبهم.
عشرات آلاف المفكرين والعلماء والمبدعين والمثقفين هاجروا من العالم العربي لدول أكثر أمناً واستقرارا بسبب مشكلة الفقر... هجرة هذه النخبة من العالم العربي أدت إلى خسارة سنوية للعالم العربي تتجاوز إلى 200 مليار دولار.
الحلول الواقعية والمنطقية لمشكلة الفقر في العالم العربي موجودة إذا صدقت النوايا لدى أصحاب القرار وهنا سأقدم بعض الأفكار لمعالجة مشكلة الفقر في فلسطين والعالم العربي:-
أولاً:- كيف نواجه مشكلة الفقر في فلسطين:-
- إنشاء هيئة تحمل إسم "الهيئة الوطنية لمواجهة ظاهرة الفقر في فلسطين" أو أي إسم يتم الاتفاق عليه.
- يقدم الأغنياء في فلسطين زكاة أموالهم لهذه الهيئة.
- يتم استقطاع 5% من الموظفين الذين تتجاوز رواتبهم 3000 شيكل سواء الموظفين العاملين في القطاع الحكومي أو الوكالة أو الجامعات أو المؤسسات الأهلية واستقطاع 3% من الموظفين الذين تقل رواتبهم عن 3000 شيكل وهذا سيخلق حالة من التكافل الاجتماعي بين أبناء شعبنا الفلسطيني ويتم إيداع هذه الأموال في حساب الهيئة
- تشكيل مجلس إدارة لهذه الهيئة من خيرة أبناء شعبنا الفلسطيني للقيام بجولات عربية وعالمية لتوفير الدعم لهذه الهيئة.
- نحن نتحدث عن تشغيل وليس تقديم مبالغ بدون مجهود, أي يتم إنشاء بنك للمعلومات بكل العاطلين عن العمل في فلسطين خاصة المتزوجين من أجل تشغيلهم ليكونوا أشخاص منتجين داخل فلسطين.
ثانياً:- كيف نواجه مشكلة الفقر في العالم العربي:-
- التخلص من التبعية للولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها
- قيام دول النفط برصد أموال كبيرة لاستصلاح الصحاري في العالم العربي, نسبة الصحاري في الوطن العربي 89%, لو تم التخطيط بصورة سليمة لاستصلاح هذه الأراضي الشاسعة وزراعتها لتمكنها من استيعاب الملايين من العاطلين عن العمل في العالم العربي ولتحول هذا العالم الغني بموارده الطبيعية والبشرية إلى جنة خضراء.
- العمل على استقطاب العلماء والمفكرين والمبدعين من كل دول العالم وتوفير الإمكانيات المادية لهم ومراكز البحث العلمي للنهوض بالعالم العربي.
- إنشاء هيئة تعرف باسم "الهيئة العربية لمواجهة ظاهرة لفقر في العالم العربي" بحيث تتفرع منها هيئات في كل دولة عربية للتنسيق والتعاون والتفكير بعقلية جماعية لمواجهة مشكلة الفقر في العالم العربي.
- التوزيع العادل لمقدرات الأمة العربية لجميع الدول والشعوب كفيل بإنهاء مشكلة الفقر.
أتمني من الله العلي القدير أن أكون قد وفقت في توصيل هذه الرسالة المتواضعة لأصحاب القرار في فلسطين والعالم العربي لأن تفاقم هذه المشكلة سيؤدي إلى المزيد من الشعور بالغربة داخل الوطن وبالتالي المغادرة إلى دول أكثر أمنا واستقرارا.