بقلم: محمد أبو علان:*
المنطق السياسي يقول عندما تتعمق أزمة الولايات المتحدة السياسية والاقتصادية والأمنية على المستوى الدولي يفترض أن يكون هذا الواقع محفزاً للاتحاد الأوروبي أن يأخذ دوراً أكثر فاعلية وتأثير نتيجة هذا الواقع الذي تعيشه هذه السياسية الأمريكية خاصة في العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين على وجه التحديد، ولكن الأمور في هذا المجال تسير بشكل عكسي فكلما زاد واقع السياسية الأمريكية تراجعاً كلما تهافتت دول الاتحاد الأوروبي لإنقاذ الولايات المتحدة الأمريكية وسياستها في مناطق التوتر، ومن أجل هذا أرسل الاتحاد الأوروبي قواته إلى أفغانستان، وبات رأس الحربة في فرض العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي.
ولو حاولنا تطبيق هذا النهج الأوروبي على واقع القضية الفلسطينية لرأينا الدور الأوروبي المساند للسياسية الأمريكية بطرق مباشرة وطرق غير مباشرة في دعم دولة الاحتلال في كل المحافل السياسية الدولية، وما رفع مستوى الشراكة الأوروبية الإسرائيلية إلا إحدى المؤشرات على هذا الدعم المتواصل، محاولاً استغلال دعمه المادي البحت للشعب الفلسطيني مقابل توفير الدعم والتغطية على سياسية الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني وعلى نمط المثل الشعبي القائل "اطعم الثم تستحي العين"، فالاتحاد الأوروبي الذي كان الممول الرئيسي لتنفيذ الانتخابات التشريعية الثانية 2006 كان أول من استجاب للدعوة الأمريكية لفرض الحصار السياسي والاقتصادي على الشعب الفلسطيني عقب فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الثانية، واعتبر موافقة حماس على الشروط الأمريكية شرطاً لاستئناف الدعم والمساعدات للشعب الفلسطيني، مما يجعل الدعم المادي بدون الدعم السياسي للشعب الفلسطيني موضوع فيه الكثير الشبهات حول الهدف الحقيقي من وراء هذا الدعم.
بعد هذا جاء مؤتمر أنابوليس الذي دعت إليه الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق رؤية بوش في قيام الدولة الفلسطينية، والذي تلاه مؤتمر باريس الاقتصادي لدعم الدولة الفلسطينية، فمقابل رؤية بوش السياسية تجاه الدولة الفلسطينية جند الاتحاد الأوروبي وبعض المنظمات الدولية ما يقارب السبعة مليارات ونصف المليار دولار لمساندة مؤتمر أنابولس السياسي، ومنذ مؤتمر باريس وصل لخزينة السلطة الوطنية منها ما يقارب 820 مليون دولار وفق ما صرح به وزير الإعلام الفلسطيني قبيل أيام من انعقاد مؤتمر برلين لدعم الشرطة والقضاء الفلسطيني، مما يعني أن تقديم هذه الأموال مرهون بتقدم عملية السلام على الأرض، بكلمات أخرى لسان حال الاتحاد الأوروبي يقول للشعب الفلسطيني وقيادته السياسية إن أردتم الحصول على مليارات باريس عليكم تحقيق تقدم في عملية السلام مع الإسرائيليين، وكأن السلطة الوطنية الفلسطينية هي من يضع العقبات أمام عملية السلام المزعومة وليس الاحتلال بسياسته القائمة على المجازر والاستيطان وبناء الجدران وتكريس الحواجز، مما يعني علينا قبول الشروط الإسرائيلية لعملية السلام من أجل ضمان الدعم الاقتصادي الأوروبي، مع أن هذا الدعم ليس منّه من الاتحاد الأوروبي لا بل هو جزء من اتفاقية أوسلو والتي تعهدت فيها دول الاتحاد الأوروبي بتقديم الدعم للشعب الفلسطيني حتى قيام دولته المستقلة.
وفي هذا الإطار تتوالى المؤتمرات واللقاءات التي تقوم على نفس الأساس ونفس المبدأ، فكان مؤتمر استثمار بيت لحم الذي تباينت الآراء الفلسطينية حوله إن كان مؤتمر استثماري بالدرجة الأولى أم مؤتمر تطبيعي ليس أكثر، حيث كانت المشاركة الإسرائيلية فيه وكأن دولة الاحتلال باتت قطر شقيق إلى جانب بعض الدول العربية، لا بل أن بعض الوفود العربية لم تضاهي المشاركة الإسرائيلية في هذا المؤتمر والتي تمثلت بحوالي 25 شخصية بين سياسية واقتصادية.
وها هو مؤتمر برلين لدعم الشرطة الفلسطينية والذي استمر لساعات يجمع 242 مليون دولار لصالح الشرطة والقضاء الفلسطيني تصرف على مدار ثلاثة أعوام، وجاء هذا المؤتمر لدعم الأمن الفلسطيني على وقع مجزرة نابلس مع ساعات بدء المؤتمر، وسقف التوقعات من هذا المؤتمر من الواضح أنها مرتفعة جداً، وخاصة أن هناك من اعتبره خطوة في إطار دعم الدولة الفلسطينية العتيدة، متناسين هؤلاء أن دعم قيام الدولة الفلسطينية يبدأ من الساحة السياسية وليس من الزاوية الأمنية بالدرجة الأولى، ومن يريد دعم الشرطة الفلسطينية ومؤسسات السلطة الفلسطينية المختلفة عليه توفير الأجواء السياسية والاقتصادية والأمنية التي تمكنها من العمل في ظروف مريحة، مما يعني أن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس هو الشرط الأول والأساسي لجعل هذا الدعم ذو جدوى وأثر إيجابي على حياة الشعب الفلسطيني، فالأمن الحقيقي والاقتصاد القابل للنمو والتطور لا يمكن أن يكون تحت سلطة الاحتلال، في المقابل عليه منع قوات الاحتلال من تدمير إمكانيات وطاقات الشرطة الفلسطينية وبقية مؤسسات السلطة الوطنية بهدف إضعافها ومنعها من القيام بدورها في تثبيت الأمن وحماية المواطن.
وكل هذا لا يتم من خلال زيادة عدد سيارات الشرطة أو من خلال أجهزة اتصال وتواصل حديثه ومتطورة فقط، فكل هذه الإمكانيات المادية ممكن أن يقوم الاحتلال بتدميرها خلال ساعات كما فعل ذلك مرات ومرات خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، لا بل يجب أن توجه كافة الجهود السياسية الأوروبية تجاه الاحتلال لإجباره على الإقرار والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني السياسية المتمثلة بقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وحق العودة وحقه في السيطرة على معابره ومقدراته الاقتصادية المصادرة والمسيطر عليها من قبل الاحتلال، فلا يكفي تنازل الشعب الفلسطيني على 78% من الأراضي الفلسطينية مقابل إقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967 لكي ينال الدعم السياسي الأوروبي.
فمليارات باريس التي لم نرى منها سوى الفتات حتى الآن، ولا ملايين برلين (242 مليون دولار) التي لا نعلم إن كانت ستصل أم لا رغم إقرارها لن تستطيع تغير الواقع الفلسطيني دون حل سياسي عادل يمنح الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة في الدولة والعودة، وانعقاد المؤتمر تحت شعار" مزيد من الأمن للفلسطينيين يعني مزيدا من الأمن لإسرائيل" يكفي لقراءة ما يمكن أن يأتي به هذا المؤتمر.
* - كاتب فلسطيني
[email protected]
http://blog.amin.org/yafa1948/
المنطق السياسي يقول عندما تتعمق أزمة الولايات المتحدة السياسية والاقتصادية والأمنية على المستوى الدولي يفترض أن يكون هذا الواقع محفزاً للاتحاد الأوروبي أن يأخذ دوراً أكثر فاعلية وتأثير نتيجة هذا الواقع الذي تعيشه هذه السياسية الأمريكية خاصة في العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين على وجه التحديد، ولكن الأمور في هذا المجال تسير بشكل عكسي فكلما زاد واقع السياسية الأمريكية تراجعاً كلما تهافتت دول الاتحاد الأوروبي لإنقاذ الولايات المتحدة الأمريكية وسياستها في مناطق التوتر، ومن أجل هذا أرسل الاتحاد الأوروبي قواته إلى أفغانستان، وبات رأس الحربة في فرض العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي.
ولو حاولنا تطبيق هذا النهج الأوروبي على واقع القضية الفلسطينية لرأينا الدور الأوروبي المساند للسياسية الأمريكية بطرق مباشرة وطرق غير مباشرة في دعم دولة الاحتلال في كل المحافل السياسية الدولية، وما رفع مستوى الشراكة الأوروبية الإسرائيلية إلا إحدى المؤشرات على هذا الدعم المتواصل، محاولاً استغلال دعمه المادي البحت للشعب الفلسطيني مقابل توفير الدعم والتغطية على سياسية الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني وعلى نمط المثل الشعبي القائل "اطعم الثم تستحي العين"، فالاتحاد الأوروبي الذي كان الممول الرئيسي لتنفيذ الانتخابات التشريعية الثانية 2006 كان أول من استجاب للدعوة الأمريكية لفرض الحصار السياسي والاقتصادي على الشعب الفلسطيني عقب فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الثانية، واعتبر موافقة حماس على الشروط الأمريكية شرطاً لاستئناف الدعم والمساعدات للشعب الفلسطيني، مما يجعل الدعم المادي بدون الدعم السياسي للشعب الفلسطيني موضوع فيه الكثير الشبهات حول الهدف الحقيقي من وراء هذا الدعم.
بعد هذا جاء مؤتمر أنابوليس الذي دعت إليه الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق رؤية بوش في قيام الدولة الفلسطينية، والذي تلاه مؤتمر باريس الاقتصادي لدعم الدولة الفلسطينية، فمقابل رؤية بوش السياسية تجاه الدولة الفلسطينية جند الاتحاد الأوروبي وبعض المنظمات الدولية ما يقارب السبعة مليارات ونصف المليار دولار لمساندة مؤتمر أنابولس السياسي، ومنذ مؤتمر باريس وصل لخزينة السلطة الوطنية منها ما يقارب 820 مليون دولار وفق ما صرح به وزير الإعلام الفلسطيني قبيل أيام من انعقاد مؤتمر برلين لدعم الشرطة والقضاء الفلسطيني، مما يعني أن تقديم هذه الأموال مرهون بتقدم عملية السلام على الأرض، بكلمات أخرى لسان حال الاتحاد الأوروبي يقول للشعب الفلسطيني وقيادته السياسية إن أردتم الحصول على مليارات باريس عليكم تحقيق تقدم في عملية السلام مع الإسرائيليين، وكأن السلطة الوطنية الفلسطينية هي من يضع العقبات أمام عملية السلام المزعومة وليس الاحتلال بسياسته القائمة على المجازر والاستيطان وبناء الجدران وتكريس الحواجز، مما يعني علينا قبول الشروط الإسرائيلية لعملية السلام من أجل ضمان الدعم الاقتصادي الأوروبي، مع أن هذا الدعم ليس منّه من الاتحاد الأوروبي لا بل هو جزء من اتفاقية أوسلو والتي تعهدت فيها دول الاتحاد الأوروبي بتقديم الدعم للشعب الفلسطيني حتى قيام دولته المستقلة.
وفي هذا الإطار تتوالى المؤتمرات واللقاءات التي تقوم على نفس الأساس ونفس المبدأ، فكان مؤتمر استثمار بيت لحم الذي تباينت الآراء الفلسطينية حوله إن كان مؤتمر استثماري بالدرجة الأولى أم مؤتمر تطبيعي ليس أكثر، حيث كانت المشاركة الإسرائيلية فيه وكأن دولة الاحتلال باتت قطر شقيق إلى جانب بعض الدول العربية، لا بل أن بعض الوفود العربية لم تضاهي المشاركة الإسرائيلية في هذا المؤتمر والتي تمثلت بحوالي 25 شخصية بين سياسية واقتصادية.
وها هو مؤتمر برلين لدعم الشرطة الفلسطينية والذي استمر لساعات يجمع 242 مليون دولار لصالح الشرطة والقضاء الفلسطيني تصرف على مدار ثلاثة أعوام، وجاء هذا المؤتمر لدعم الأمن الفلسطيني على وقع مجزرة نابلس مع ساعات بدء المؤتمر، وسقف التوقعات من هذا المؤتمر من الواضح أنها مرتفعة جداً، وخاصة أن هناك من اعتبره خطوة في إطار دعم الدولة الفلسطينية العتيدة، متناسين هؤلاء أن دعم قيام الدولة الفلسطينية يبدأ من الساحة السياسية وليس من الزاوية الأمنية بالدرجة الأولى، ومن يريد دعم الشرطة الفلسطينية ومؤسسات السلطة الفلسطينية المختلفة عليه توفير الأجواء السياسية والاقتصادية والأمنية التي تمكنها من العمل في ظروف مريحة، مما يعني أن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس هو الشرط الأول والأساسي لجعل هذا الدعم ذو جدوى وأثر إيجابي على حياة الشعب الفلسطيني، فالأمن الحقيقي والاقتصاد القابل للنمو والتطور لا يمكن أن يكون تحت سلطة الاحتلال، في المقابل عليه منع قوات الاحتلال من تدمير إمكانيات وطاقات الشرطة الفلسطينية وبقية مؤسسات السلطة الوطنية بهدف إضعافها ومنعها من القيام بدورها في تثبيت الأمن وحماية المواطن.
وكل هذا لا يتم من خلال زيادة عدد سيارات الشرطة أو من خلال أجهزة اتصال وتواصل حديثه ومتطورة فقط، فكل هذه الإمكانيات المادية ممكن أن يقوم الاحتلال بتدميرها خلال ساعات كما فعل ذلك مرات ومرات خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، لا بل يجب أن توجه كافة الجهود السياسية الأوروبية تجاه الاحتلال لإجباره على الإقرار والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني السياسية المتمثلة بقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وحق العودة وحقه في السيطرة على معابره ومقدراته الاقتصادية المصادرة والمسيطر عليها من قبل الاحتلال، فلا يكفي تنازل الشعب الفلسطيني على 78% من الأراضي الفلسطينية مقابل إقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967 لكي ينال الدعم السياسي الأوروبي.
فمليارات باريس التي لم نرى منها سوى الفتات حتى الآن، ولا ملايين برلين (242 مليون دولار) التي لا نعلم إن كانت ستصل أم لا رغم إقرارها لن تستطيع تغير الواقع الفلسطيني دون حل سياسي عادل يمنح الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة في الدولة والعودة، وانعقاد المؤتمر تحت شعار" مزيد من الأمن للفلسطينيين يعني مزيدا من الأمن لإسرائيل" يكفي لقراءة ما يمكن أن يأتي به هذا المؤتمر.
* - كاتب فلسطيني
[email protected]
http://blog.amin.org/yafa1948/