حين أعياه تطرفه وغضبه وزراعة الليمون، وحين ضاق ذرعاً بآلامه وأحلامه المحطمة وذلك في بداية أربعين عمره الذي يضيع بين الكؤوس والإخفاقات والتجارب الفاشلة، قرر صديقي أن يشرب نخباً لتجربةٍ جديدةٍ بدأها بأن فوّض منشاره الكهربائي بمصير شجيرات الليمون التي زرعها وسقاها لسنين.
كانت الأشجار تتلوى تحت المنشار الكهربائي بأغصانها وجزوعها، وتهوي بما تبقى لديها من خضرةٍ لتكون رحلتها الأخيرة في الحياة، وكانت هذه الشجيرات ترى أنّ قيامتها أتت فلا مهرب أو مفر، ولم يغنها ندمها لضعف موسمها وانخفاض أسعاره، ولا لعنتها على بعض الأغصان اليابسة الكافرة بنعم العطاء.
ومشاهدة قطع الأشجار أمر مؤلم وحزين، فها قد تحولت بلادنا إلى صحارى متجاورة تزيد من حدة قهرنا وآلامنا.
ولكنّ الملفت أثناء قطع الأشجار هي تلك الحشرات التي كانت تعيش على خير الأشجار فكانت تطير هاربة إلى البستان المجاور، حتى الحلزون الذي كان يغزو هذا البستان، بدأ بحركاته الثقيلة وهو أقل المتضررين بالتحرك إلى الأعشاب الباقية أو الشجيرات التي لم تقطع وهو في طريقه إلى البساتين المجاورة ليغزوها، بعد أن فعل ما فعله ببستان صديقي، وهذه الجيوش الطفيلية مستعدة للعودة في حال سنحت لها الفرص ووجدت ما تبتغيه من بساتين خيّرة تقلّ فيها المكافحة وتكثر فيها الفوضى أو الإهمال.
ما أشبه هذه الحشرات بتلك، وما أشبه هذه الطفيليات بتلك المتفشية في مجتمعاتنا اليعروبية، تنهش وتسلب خيرات مجتمعاتها الرازحة تحت شتى أنواع الضياع والظلمة والقهر.
فها هي في كل اللحظات تهرب بأموالها عند أي خطر يحدق بهذه المجتمعات، أو أنّها في أحوالها العادية تنمي لديه ثقافة خدمة الطفيليين والطفيليات، لتنعم بثرواته وتعميه عن أفعالها باختراع ترهات وإحياء أفكار قبليةٍ عشائريةٍ بائسة.
وهذا ليس بالأمر المستغرب، فلم تكن هذه الكائنات (وهنا نخصّ فئة اللصوص بكافة أنواعهم ومهما تنوعت أنماطهم ومسمياتهم الحالية أو السابقة والمهربين و(تجّار الصنف)، وأصحاب الصفقات المسمومة والفاسدة والمسرطنة، وكل من يسهّل لهم ويساعدهم ويروّج لهم قولاً وفعلاً و....) منتمية روحاً ومصيراً لبلدانها، فنشأتها وصعودها الصاروخي كان ضمن آليات الفساد والإفساد وهي إحدى منتجاته والمشاركة الأساسية في إعادة صنعه بمسميات وأساليب جديدة.
نقول هذا لما نراه ونسمعه ونلمسه من حقائق، تتصاعد وتيرة ظهورها أو تخفت حسب متطلبات الظروف، ولأنّا تلطّخنا بالسواد وفسادنا ومفسدونا أصبحوا الأنموذج والهدف، وفاشلونا أصبحوا السادة، وركنّا للهجرة والعجز والندم واللهاث وراء لقمة العيش، " ولأنّ الفهم بهذا الزمن سكاكين" نرغب بوقفةٌٍ لإعادة المراجعة والمصارحة، لإعادة إنتاج القيم وإعادة بساتيننا إلى الخضرة وشواطئنا للبحر، وكلماتنا للعقل، لترميم شروخ الروح والارتقاء على سلّم الإنسانية والتحضّر، مساهمين في وقف الانكسار والعبثيّة والضياع.
م. محمد أحمد – اللاذقية
[email protected]
كانت الأشجار تتلوى تحت المنشار الكهربائي بأغصانها وجزوعها، وتهوي بما تبقى لديها من خضرةٍ لتكون رحلتها الأخيرة في الحياة، وكانت هذه الشجيرات ترى أنّ قيامتها أتت فلا مهرب أو مفر، ولم يغنها ندمها لضعف موسمها وانخفاض أسعاره، ولا لعنتها على بعض الأغصان اليابسة الكافرة بنعم العطاء.
ومشاهدة قطع الأشجار أمر مؤلم وحزين، فها قد تحولت بلادنا إلى صحارى متجاورة تزيد من حدة قهرنا وآلامنا.
ولكنّ الملفت أثناء قطع الأشجار هي تلك الحشرات التي كانت تعيش على خير الأشجار فكانت تطير هاربة إلى البستان المجاور، حتى الحلزون الذي كان يغزو هذا البستان، بدأ بحركاته الثقيلة وهو أقل المتضررين بالتحرك إلى الأعشاب الباقية أو الشجيرات التي لم تقطع وهو في طريقه إلى البساتين المجاورة ليغزوها، بعد أن فعل ما فعله ببستان صديقي، وهذه الجيوش الطفيلية مستعدة للعودة في حال سنحت لها الفرص ووجدت ما تبتغيه من بساتين خيّرة تقلّ فيها المكافحة وتكثر فيها الفوضى أو الإهمال.
ما أشبه هذه الحشرات بتلك، وما أشبه هذه الطفيليات بتلك المتفشية في مجتمعاتنا اليعروبية، تنهش وتسلب خيرات مجتمعاتها الرازحة تحت شتى أنواع الضياع والظلمة والقهر.
فها هي في كل اللحظات تهرب بأموالها عند أي خطر يحدق بهذه المجتمعات، أو أنّها في أحوالها العادية تنمي لديه ثقافة خدمة الطفيليين والطفيليات، لتنعم بثرواته وتعميه عن أفعالها باختراع ترهات وإحياء أفكار قبليةٍ عشائريةٍ بائسة.
وهذا ليس بالأمر المستغرب، فلم تكن هذه الكائنات (وهنا نخصّ فئة اللصوص بكافة أنواعهم ومهما تنوعت أنماطهم ومسمياتهم الحالية أو السابقة والمهربين و(تجّار الصنف)، وأصحاب الصفقات المسمومة والفاسدة والمسرطنة، وكل من يسهّل لهم ويساعدهم ويروّج لهم قولاً وفعلاً و....) منتمية روحاً ومصيراً لبلدانها، فنشأتها وصعودها الصاروخي كان ضمن آليات الفساد والإفساد وهي إحدى منتجاته والمشاركة الأساسية في إعادة صنعه بمسميات وأساليب جديدة.
نقول هذا لما نراه ونسمعه ونلمسه من حقائق، تتصاعد وتيرة ظهورها أو تخفت حسب متطلبات الظروف، ولأنّا تلطّخنا بالسواد وفسادنا ومفسدونا أصبحوا الأنموذج والهدف، وفاشلونا أصبحوا السادة، وركنّا للهجرة والعجز والندم واللهاث وراء لقمة العيش، " ولأنّ الفهم بهذا الزمن سكاكين" نرغب بوقفةٌٍ لإعادة المراجعة والمصارحة، لإعادة إنتاج القيم وإعادة بساتيننا إلى الخضرة وشواطئنا للبحر، وكلماتنا للعقل، لترميم شروخ الروح والارتقاء على سلّم الإنسانية والتحضّر، مساهمين في وقف الانكسار والعبثيّة والضياع.
م. محمد أحمد – اللاذقية
[email protected]