
التهدئة: تدوير الزوايا واختبار النوايا
بقلم: آصف قزموز
21/6/2008
... وفي الوقت الذي كانت تعلن فيه مصر الشقيقة عن التوصل إلى اتفاق تهدئة ما بين إسرائيل و"حماس"، كان وزير الجيش الإسرائيلي يُعقّب على هذا الإعلان قائلاً إنه "لا يزال من المبكّر جداً إعلان تهدئة". وعلى الرغم من مسارعة قادة "حماس" إلى التأكيد على التزامهم بالاتفاق فور دخوله حيز التنفيذ، كان المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية حسام زكي يؤكد أن إسرائيل لم تصل "إلى حد تأكيد موعد ما وصفته بأنه اتفاق غير رسمي وان إسرائيل وصفت الاتفاق بأنه غير رسمي لأنها لا تريد أن تعترف بحركة حماس" وهو ما يعني عملياً أنه بمقدار ما تحاول حركة "حماس" التقاط مثل اتفاق كهذا، ليكون بمثابة طوق نجاة من المأزق الصعب الذي حشرت نفسها فيه، ما زالت تعيشه وغزة منذ عام مضى حتى الآن، فإن إسرائيل هي الأخرى ما زالت تتمسّك برؤيتها في التعامل مع "حماس"، بحيث لا تضفي صفة الشرعية على أي اتفاق إلاّ بمقدار ما يمكن لذلك أن يخدم مصالحها في استمرار التعنّت ووضع العراقيل والحفاظ على العقبات التي تضعف المفاوض الفلسطيني، وتبقيه تحت السيطرة والابتزاز لتحول دون تمكينه من تحقيق أية إنجازات تذكر، وهذا هو بيت القصيد الذي طالما مكّن الإسرائيليين من الاستمرار بلعبة التفاوض إلى أطول المديات الممكنة، مبعدين من خلال ذلك "شبح" الحل السياسي الذي لم يجهزوا له بعد.
نعم. إسرائيل عوّدتنا أن لا تعطي أحداً نجاحات بالمجان، بل هي التي عودتنا أن تصنع لنا انتصارات وهمية نتغنّى بها في كل مرة وندفع ثمنها باهظاً، وهي في حقيقة الأمر انكسارات وهزائم تعيدنا من حيث ندري ولا ندري كما في كل مرة إلى المربعات الخلفية، بل وإلى ما قبل المربع الأول، وهي التي ما زالت تراوغنا وتخادعنا وتضع كل ما ملكت من العصي في دواليبنا ودواليب كل الحلول السياسية المأمولة، وأقصى ما تتحدث به من وعود نظرية وكلامية في الحل لم يتجاوز حدود استعدادها لقبول قيام "دولة يسمح لنا بتسميتها دولة وما هي بدولة على الإطلاق.
يخطىء من يعتقد بأن ثمة فلسطينياً حرّاً لا يحلم بتهدئة تفك كُربة غزة وترفع المعاناة عن شعبنا المظلوم هناك بعد أن استبد به الاحتلال وغول الاقتتال. لكن كل هذا لا يجوز أن يعني التعامي عن قراءة الواقع والمعطيات كما هي لا وفق أهوائنا ورغباتنا الخاصة المداعبة لتطلعاتنا الرومانسية الحالمة. فاتفاق التهدئة الذي جاء مصحوباً بتساقط المزيد من الشهداء والجرحى هو في الحقيقة إنجاز سياسي مهم لحركة "حماس أولاً، وإذا ما قيس بحجم المعاناة التي اجتاحت بظلالها جل حياة المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة على امتداد عام مضى، فهو أيضاً إنجاز مهم بالنسبة لأبناء شعبنا في قطاع غزة. لكن طالما أن الأمر كذلك على هذا النحو فسيبقى الشك كبيراً في إمكانية السماح بإنجاح اتفاق كهذا من جانب إسرائيل، خصوصاً أن في هذا الأمر إنجازاً فلسطينياً ولا إنجازَ إسرائيلياً يذكر أو يعتد به بالمفهوم الإسرائيلي المتطرف الذي تعوّدناه. وبالتالي لم تعتد إسرائيل أن تقدم إنجازات لأحد على طبق من ذهب أو فضة.
ولا أرى أن ثمة اثنين يمكن أن يختلفا هذه الأيام في أن أولمرت بأمسّ الحاجة إلى تحقيق إنجاز أكبر من هذا بكثير، كي ينجيه من ويلات ولعنات ما هو فيه. لا سيما وأن محاور الصراع الإسرائيلي الداخلية ما زالت محتدمة في حالة شد وجذب وكل منها يبحث عن إنجاز ما يزايد فيه على الطرف الآخر بهدف إقصائه وإزاحته والحلول مكانه، ولعل في باراك وليفني قبالة أولمرت شواهد ساطعة وأمثلة فاقعة. لكنني أعود وأقول، هل هو قدر على الشعب الفلسطيني أن يظل في حالة صعود دائم نحو الهاوية؟! وإلى متى سيظل شعبنا يدفع ثمن معارك وطنية غير محسوبة سرعان ما يصار إلى تجييرها واختصارها كما في كل مرة لحسابات فئوية أو حزبية ضيقة؟! أليسوا هم من استدرجونا وعوّدونا على التطيُّر في رفع سقوفنا لنرفض الحاضر الذي سرعان ما نعاود اللهاث خلفه وقبوله بعد فوات الأوان، وهبوط سقوفنا إلى ما دون ذلك لنبدأ مرحلة جديدة بشروط جديدة من المربع الأول كما في كل مرة؟! ألسنا اليوم أمام ذات المنطق الذي أدخلنا بالأمس القريب في أتون انتفاضة حصدت آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين ودمّرت آلاف المنازل والمنشآت وأفقدتنا من الأرض تحت جنازير دبابات الاحتلال ما يجعلنا اليوم نحلم بأمسنا الذي مضى ونستجدي المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل كي تقبل بإعادتنا إلى مربع (28/9/2000)؟! وبالتالي فإن جميع المراحل النضالية التي مررنا بها كانت تنقلنا القهقرى من مربع إلى ما قبله وصولاً لمربعنا الحالي الذي لا يعلم إلاّ اللّه مدى حظوظنا بالثبات فيه. وحتى لو جاءت إسرائيل على نفسها ومرّرت هذه التهدئة على النحو الذي أعلن، وهذا أمر يقرب من المحال وغير مألوف في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي، فإن من حق كل مواطن فلسطيني أن يتساءل عن حجم مكاسب هذا الإنجاز. خصوصاً أن الطرف الفلسطيني أعلن أن هذه التهدئة تحقق شروطه المتمثلة في رفع الحصار، وفتح المعابر، ووقف العدوان وفقاً لما أعلنه رئيس وزراء الحكومة المقالة إسماعيل هنية.
صحيح أن رفع الحصار عن كاهل شعبنا وتخفيف معاناته، وفتح المعابر ووقف العدوان هي مهام وطنية ملقاة على عاتقنا جميعاً ولها قدسيتها وحقها علينا، ولكن من ذا الذي قال إن من حق أحد أن يفرض على شعبنا معارك تطيح بمصالحه وحقوقه إلى درك أسفل وأسفل على هذا النحو الذي جلب الحصار والدمار وعزز العدوان، وأغلق المعابر لتصبح اليوم شروطاً للتهدئة تجسدها معادلة السبب والنتيجة، فالمعابر كانت مفتوحة والحصار كان مرفوعاً والعدوان لم يكن مستعراً. يعني ”شو جابت من دار أبوها غير خراب الديار اللّي صار بدّو مواقفه" على راي إمّي؟! بل وأكثر من ذلك إن السقف الذي كان مطروحاً من قبل الرئيس أبو مازن قبل نحو عام كان أعلى بكثيرمما جاء به اتفاق التهدئة الحالية!
لكن كل هذا لا يجوز أن يلغي من عقولنا حقيقة أن ما يمكن لـ "حماس" أن تنجزه في هذا الاتفاق التهدوي مع الجانب الإسرائيلي، بقدر ما، يؤشر إلى ترسيم الشراكة وشرعنتها صراحة وضمناً خارج سياج الكيانية الفلسطينية كطرف معترف به خارج سياج منظمة التحرير بل ومواز له، إنما يذكر أيضاً بأن ما يضفي على صفقة التهدئة أهمية استثنائية وبُعداً استراتيجياً غير مسبوق، هو أن هذا الاعتراف المتحاصص بشريك مضارب أحياناً ومحاصص أحياناً أخرى ينبع من كون حركة الإخوان المسلمين بتجربتهم الطويلة التي تشكل ”حماس” اليوم بالنسبة لها صانع الهدف الأول في شباك السلطة الرسمية التي ناضلت للفوز بها في مختلف الساحات والبلدان منذ تأسيسها العام 1928 وحتى يومنا هذا، وهو ما يضفي أهمية استراتيجية ونقلة نوعية في مسار حركة ”حماس” ومسيرة النضال التاريخي لحركة الإخوان المسلمين.
وإذا كان الشارع الإسرائيلي بوجه عام لا يرى أملاً في النجاح في تحقيق التهدئة التي يصبون إليها، رغم التجاوب الرسمي من قبل الحكومة مع هذه التهدئة، فإن في ذلك ما يمكن أن يجعل منها الفرصة الأخيرة أو النداء الأخير ما قبل الشروع بالعملية الإسرائيلية الواسعة التي ما زال يهدد ويلوّح بها القادة الإسرائيليون. فإلى متى سنظل نقدم الفرص ونمنح الأفضلية للجانب الإسرائيلي في استثمار أخطائنا ومشاكلنا الداخلية لصالحه وغير صالحنا، ونبتعد عن المصالح الوطنية العليا لحساب المصالح الخاصة؟! فهل تشكّل التهدئة مقدمة لمصالحة وطنية فلسطينية أم عقبة كأداء تجعل من هذا ”الإنجاز” سبباً دافعاً إلى تسعير حدة الشروط من جانب ”حماس” في تحقيق المصالحة؟ وهنا سيكون الاختبار الحقيقي والفرصة المناسبة لظهور أم الولد الحقيقية لا الزائفة والمزيّفة.
ولو تقدمت المصالحة الوطنية على هذه التهدئة لكانت بالتأكيد أكثر يُسراً وسهولة، ذلك لأن البحث عن مصالحة في ظل حصار ومعاناة يومية ضاق بها البشر والحجر والشجر، يختلف عنه بالتأكيد في ظل هذه التهدئة التي ستشكل انفراجاً للناس و”حماس”. فالعقل والمنطق يقولان دون مواربة: إن المصالحة كان يجب أن تتقدم على التهدئة باعتبار أنها ستشكل عامل قوة وورقة قوية تعزز الوحدة الوطنية الفلسطينية في وجه الإسرائيلي، وهذا ربما ما يفسر سر التجاوب الإسرائيلي مع موضوع التهدئة الذي طالما رفضه وأفسده ورأى فيه نقطة في غير صالحه. أسئلة وتساؤلات تبقى برسم الإجابة والاختبار خلال الأيام المقبلة.
[email protected]
بقلم: آصف قزموز
21/6/2008
... وفي الوقت الذي كانت تعلن فيه مصر الشقيقة عن التوصل إلى اتفاق تهدئة ما بين إسرائيل و"حماس"، كان وزير الجيش الإسرائيلي يُعقّب على هذا الإعلان قائلاً إنه "لا يزال من المبكّر جداً إعلان تهدئة". وعلى الرغم من مسارعة قادة "حماس" إلى التأكيد على التزامهم بالاتفاق فور دخوله حيز التنفيذ، كان المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية حسام زكي يؤكد أن إسرائيل لم تصل "إلى حد تأكيد موعد ما وصفته بأنه اتفاق غير رسمي وان إسرائيل وصفت الاتفاق بأنه غير رسمي لأنها لا تريد أن تعترف بحركة حماس" وهو ما يعني عملياً أنه بمقدار ما تحاول حركة "حماس" التقاط مثل اتفاق كهذا، ليكون بمثابة طوق نجاة من المأزق الصعب الذي حشرت نفسها فيه، ما زالت تعيشه وغزة منذ عام مضى حتى الآن، فإن إسرائيل هي الأخرى ما زالت تتمسّك برؤيتها في التعامل مع "حماس"، بحيث لا تضفي صفة الشرعية على أي اتفاق إلاّ بمقدار ما يمكن لذلك أن يخدم مصالحها في استمرار التعنّت ووضع العراقيل والحفاظ على العقبات التي تضعف المفاوض الفلسطيني، وتبقيه تحت السيطرة والابتزاز لتحول دون تمكينه من تحقيق أية إنجازات تذكر، وهذا هو بيت القصيد الذي طالما مكّن الإسرائيليين من الاستمرار بلعبة التفاوض إلى أطول المديات الممكنة، مبعدين من خلال ذلك "شبح" الحل السياسي الذي لم يجهزوا له بعد.
نعم. إسرائيل عوّدتنا أن لا تعطي أحداً نجاحات بالمجان، بل هي التي عودتنا أن تصنع لنا انتصارات وهمية نتغنّى بها في كل مرة وندفع ثمنها باهظاً، وهي في حقيقة الأمر انكسارات وهزائم تعيدنا من حيث ندري ولا ندري كما في كل مرة إلى المربعات الخلفية، بل وإلى ما قبل المربع الأول، وهي التي ما زالت تراوغنا وتخادعنا وتضع كل ما ملكت من العصي في دواليبنا ودواليب كل الحلول السياسية المأمولة، وأقصى ما تتحدث به من وعود نظرية وكلامية في الحل لم يتجاوز حدود استعدادها لقبول قيام "دولة يسمح لنا بتسميتها دولة وما هي بدولة على الإطلاق.
يخطىء من يعتقد بأن ثمة فلسطينياً حرّاً لا يحلم بتهدئة تفك كُربة غزة وترفع المعاناة عن شعبنا المظلوم هناك بعد أن استبد به الاحتلال وغول الاقتتال. لكن كل هذا لا يجوز أن يعني التعامي عن قراءة الواقع والمعطيات كما هي لا وفق أهوائنا ورغباتنا الخاصة المداعبة لتطلعاتنا الرومانسية الحالمة. فاتفاق التهدئة الذي جاء مصحوباً بتساقط المزيد من الشهداء والجرحى هو في الحقيقة إنجاز سياسي مهم لحركة "حماس أولاً، وإذا ما قيس بحجم المعاناة التي اجتاحت بظلالها جل حياة المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة على امتداد عام مضى، فهو أيضاً إنجاز مهم بالنسبة لأبناء شعبنا في قطاع غزة. لكن طالما أن الأمر كذلك على هذا النحو فسيبقى الشك كبيراً في إمكانية السماح بإنجاح اتفاق كهذا من جانب إسرائيل، خصوصاً أن في هذا الأمر إنجازاً فلسطينياً ولا إنجازَ إسرائيلياً يذكر أو يعتد به بالمفهوم الإسرائيلي المتطرف الذي تعوّدناه. وبالتالي لم تعتد إسرائيل أن تقدم إنجازات لأحد على طبق من ذهب أو فضة.
ولا أرى أن ثمة اثنين يمكن أن يختلفا هذه الأيام في أن أولمرت بأمسّ الحاجة إلى تحقيق إنجاز أكبر من هذا بكثير، كي ينجيه من ويلات ولعنات ما هو فيه. لا سيما وأن محاور الصراع الإسرائيلي الداخلية ما زالت محتدمة في حالة شد وجذب وكل منها يبحث عن إنجاز ما يزايد فيه على الطرف الآخر بهدف إقصائه وإزاحته والحلول مكانه، ولعل في باراك وليفني قبالة أولمرت شواهد ساطعة وأمثلة فاقعة. لكنني أعود وأقول، هل هو قدر على الشعب الفلسطيني أن يظل في حالة صعود دائم نحو الهاوية؟! وإلى متى سيظل شعبنا يدفع ثمن معارك وطنية غير محسوبة سرعان ما يصار إلى تجييرها واختصارها كما في كل مرة لحسابات فئوية أو حزبية ضيقة؟! أليسوا هم من استدرجونا وعوّدونا على التطيُّر في رفع سقوفنا لنرفض الحاضر الذي سرعان ما نعاود اللهاث خلفه وقبوله بعد فوات الأوان، وهبوط سقوفنا إلى ما دون ذلك لنبدأ مرحلة جديدة بشروط جديدة من المربع الأول كما في كل مرة؟! ألسنا اليوم أمام ذات المنطق الذي أدخلنا بالأمس القريب في أتون انتفاضة حصدت آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين ودمّرت آلاف المنازل والمنشآت وأفقدتنا من الأرض تحت جنازير دبابات الاحتلال ما يجعلنا اليوم نحلم بأمسنا الذي مضى ونستجدي المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل كي تقبل بإعادتنا إلى مربع (28/9/2000)؟! وبالتالي فإن جميع المراحل النضالية التي مررنا بها كانت تنقلنا القهقرى من مربع إلى ما قبله وصولاً لمربعنا الحالي الذي لا يعلم إلاّ اللّه مدى حظوظنا بالثبات فيه. وحتى لو جاءت إسرائيل على نفسها ومرّرت هذه التهدئة على النحو الذي أعلن، وهذا أمر يقرب من المحال وغير مألوف في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي، فإن من حق كل مواطن فلسطيني أن يتساءل عن حجم مكاسب هذا الإنجاز. خصوصاً أن الطرف الفلسطيني أعلن أن هذه التهدئة تحقق شروطه المتمثلة في رفع الحصار، وفتح المعابر، ووقف العدوان وفقاً لما أعلنه رئيس وزراء الحكومة المقالة إسماعيل هنية.
صحيح أن رفع الحصار عن كاهل شعبنا وتخفيف معاناته، وفتح المعابر ووقف العدوان هي مهام وطنية ملقاة على عاتقنا جميعاً ولها قدسيتها وحقها علينا، ولكن من ذا الذي قال إن من حق أحد أن يفرض على شعبنا معارك تطيح بمصالحه وحقوقه إلى درك أسفل وأسفل على هذا النحو الذي جلب الحصار والدمار وعزز العدوان، وأغلق المعابر لتصبح اليوم شروطاً للتهدئة تجسدها معادلة السبب والنتيجة، فالمعابر كانت مفتوحة والحصار كان مرفوعاً والعدوان لم يكن مستعراً. يعني ”شو جابت من دار أبوها غير خراب الديار اللّي صار بدّو مواقفه" على راي إمّي؟! بل وأكثر من ذلك إن السقف الذي كان مطروحاً من قبل الرئيس أبو مازن قبل نحو عام كان أعلى بكثيرمما جاء به اتفاق التهدئة الحالية!
لكن كل هذا لا يجوز أن يلغي من عقولنا حقيقة أن ما يمكن لـ "حماس" أن تنجزه في هذا الاتفاق التهدوي مع الجانب الإسرائيلي، بقدر ما، يؤشر إلى ترسيم الشراكة وشرعنتها صراحة وضمناً خارج سياج الكيانية الفلسطينية كطرف معترف به خارج سياج منظمة التحرير بل ومواز له، إنما يذكر أيضاً بأن ما يضفي على صفقة التهدئة أهمية استثنائية وبُعداً استراتيجياً غير مسبوق، هو أن هذا الاعتراف المتحاصص بشريك مضارب أحياناً ومحاصص أحياناً أخرى ينبع من كون حركة الإخوان المسلمين بتجربتهم الطويلة التي تشكل ”حماس” اليوم بالنسبة لها صانع الهدف الأول في شباك السلطة الرسمية التي ناضلت للفوز بها في مختلف الساحات والبلدان منذ تأسيسها العام 1928 وحتى يومنا هذا، وهو ما يضفي أهمية استراتيجية ونقلة نوعية في مسار حركة ”حماس” ومسيرة النضال التاريخي لحركة الإخوان المسلمين.
وإذا كان الشارع الإسرائيلي بوجه عام لا يرى أملاً في النجاح في تحقيق التهدئة التي يصبون إليها، رغم التجاوب الرسمي من قبل الحكومة مع هذه التهدئة، فإن في ذلك ما يمكن أن يجعل منها الفرصة الأخيرة أو النداء الأخير ما قبل الشروع بالعملية الإسرائيلية الواسعة التي ما زال يهدد ويلوّح بها القادة الإسرائيليون. فإلى متى سنظل نقدم الفرص ونمنح الأفضلية للجانب الإسرائيلي في استثمار أخطائنا ومشاكلنا الداخلية لصالحه وغير صالحنا، ونبتعد عن المصالح الوطنية العليا لحساب المصالح الخاصة؟! فهل تشكّل التهدئة مقدمة لمصالحة وطنية فلسطينية أم عقبة كأداء تجعل من هذا ”الإنجاز” سبباً دافعاً إلى تسعير حدة الشروط من جانب ”حماس” في تحقيق المصالحة؟ وهنا سيكون الاختبار الحقيقي والفرصة المناسبة لظهور أم الولد الحقيقية لا الزائفة والمزيّفة.
ولو تقدمت المصالحة الوطنية على هذه التهدئة لكانت بالتأكيد أكثر يُسراً وسهولة، ذلك لأن البحث عن مصالحة في ظل حصار ومعاناة يومية ضاق بها البشر والحجر والشجر، يختلف عنه بالتأكيد في ظل هذه التهدئة التي ستشكل انفراجاً للناس و”حماس”. فالعقل والمنطق يقولان دون مواربة: إن المصالحة كان يجب أن تتقدم على التهدئة باعتبار أنها ستشكل عامل قوة وورقة قوية تعزز الوحدة الوطنية الفلسطينية في وجه الإسرائيلي، وهذا ربما ما يفسر سر التجاوب الإسرائيلي مع موضوع التهدئة الذي طالما رفضه وأفسده ورأى فيه نقطة في غير صالحه. أسئلة وتساؤلات تبقى برسم الإجابة والاختبار خلال الأيام المقبلة.
[email protected]