د. اميل قسطندي خوري
لقد كان تطوير نظرية الادارة واختلاق مباديء راسخة تضبطها في قوالب واطر سليمة مبنية على اسس علمية ومعايير عالمية، مجالا للبحث المتواصل والدراسة المستفيضة على مدار السنين. ومن الباحثين والصناعيين المعروفين والمدراء المخضرمين الذين كانت لهم الخبرة الواسعة والباع الطويل في مجالات الادارة الانتاجية والتجارية والصناعية وغيرها، نذكر منهم على سبيل المثال هنري فايول، شيستر بارنارد، الفين براون، فريدريك تايلور، بيتر دركر، اوليفر شيلدون، وهنري دنيسون.
تعرف الادارة بانها هي المهمة التي تعنى بتحقيق اهداف معينة ومحددة للمؤسسة/للشركة من خلال اشخاص (اي الموظفين) يعملون ويتعاونون ويتواصلون ويتفاعلون بعضهم مع بعض في مجموعات منظمة من اجل الوصول الى هذه الاهداف. وقد تاخذ هذه الاهداف اشكالا متعددة حسب رؤية المؤسسة/الشركة او رسالتها التي قامت من اجلها او الاتجاه الاستراتيجي الذي رسمته لنفسها في مجتمع الاعمال، كتحقيق الربح او تعظيم ايراداتها او رفع نسبة حصتها السوقية او زيادة حجم مبيعاتها او تحسين مستوى خدماتها او توسيع رقعة مشاريعها الاستثمارية (اذا كانت الشركة ذات توجه ربحي( او خدمة شرائح معينة من المجتمع كالمؤسسات غير الحكومية والتي تعنى مثلا بتقديم خدمات خيرية جليلة ذات طابع انساني اواجتماعي او مجتمعي تهدف الى تحسين ورفع سوية تركيبة النسيج المجتمعي (هذا اذا كانت المؤسسة طبعا تعمل في الحقل غير الربحي).
وفيما يتعلق بالمزايا الشخصية للمسؤولين الاداريين، يقول هنري فايول في كتابه "الادارة الصناعية والعامة" الذي نشر عام 1949، انه يجب ان تتوفر في هؤلاء الاشخاص صفات مميزة وفريدة تتلخص في القدرات الجسدية مثل الصحة الجيدة والقوة البدنية، والقدرات الذهنية مثل القدرة على الاستيعاب والتعلم والتكيف والحكم الحصيف على الامور، والقدرات الاخلاقية مثل الرغبة في تحمل المسؤولية، الى غيرها من الميزات والقدرات الاخرى كالتحصيل العلمي والمهارات التقنية والخبرات المهنية. ومن خلال خبرته الادارية في مجال الاعمال، يضيف فايول ان هناك خمس وظائف ادارية اساسية وهي ما يسميها فايول عناصر الادارة وهي التخطيط والتنظيم واصدار الاوامر والتنسيق والتحكم/السيطرة. فالمدير مثلا هو الشخص المسؤول في المقام الاول عن تخطيط عمل ومهمات وواجبات الموظفين والمرؤوسين، وهو الذي يقوم بدور التنسيق بينهم، وهو الذي يقوم باختيارهم وتوظيفهم وتعيينهم في الشاغر المناسب، وهو الذي يقوم بتاهيلهم وتدريبهم مهنيا وتقنيا، وهو الذي يقوم بتوجيه التعليمات واصدار الاوامر لهم، وهو الذي يقوم بمراقبة عملهم ومتابعة انجازاتهم، وهو الذي يقوم بتقييم ادائهم الوظيفي وقياس النتائج الفعلية لمجمل انشطتهم العملية ومن ثم مقارنتها بالاهداف المنشودة حسب الخطط المرسومة والمعايير المحددة من قبل المؤسسة/الشركة، وهو الذي يقوم ايضا بتصحيح اية انحرافات سلوكية مهنية كانت ام شخصية تكون خارجة عن المسار الصحيح لحيثييات او متطلبات العمل، او قد تكون غير ملتزمة الالتزام الكلي المطلوب بالميثاق المؤسسي لاخلاقيات العمل وذلك من خلال اعطاء الارشادات والتعليمات اللازمة لهم لكي يتمكنوا من تنفيذ ما هومطلوب منهم تنفيذا دقيقا ضمن اطار استراتيجيات وبرامج واهداف العمل الموضوعة.
وقد قام فايول بوضع مجموعة من المباديء الاساسية لنظرية الادارة، نذكر منها على سبيل المثال ان الوظائف يجب ان يتم تقسيمها حسب التخصص العملي، مما يؤدي بالنتيجة الى تحقيق كفاءة اكبر في استخدام العمالة، وان السلطة الادارية للمدير هي مزيج من مكونين رئيسيين: الاول يتمثل في مركز المدير الوظيفي الرسمي والثاني يتعلق بالوضع الشخصي للمدير كخبرته العملية مثلا، وان على المدير ان يحصل على الولاء المؤسسي للموظفين وحبهم للعمل والتزامهم به من خلال التعامل معهم بلطف وعدالة. ومن اكثر المباديء الرئيسية التي شدد على اهميتها فايول هي الحاجة الماسة الى العمل الجماعي ومدى اهمية التواصل الفعال في الحصول على اقصى درجات التعاون بين افراد المجموعة. كذلك ركزفايول على نقطة عظيمة الاهمية وهي ان المباديء الاساسية للادارة يمكن استخدامها وتطبيقها في جميع النشاطات الاجتماعية ابتداء من ابسط الاعمال الفردية وانتهاء بعمل اكبر المؤسسات او الشركات، اذ انها تدعو جميعها الى افضل سبل التعاون المشترك.
اما شيلدون فهو يعتقد ان الادارة تشمل مباديء مهمة مثل تحديد سياسات المؤسسة/الشركة، وتنفيذ هذه السياسات، وتنسيق الوظائف. اما دنيسون فقد قام بتطوير مباديء ومفاهيم ذات قيمة عالية في النظام المؤسسي للشركات، نذكر منها مثلا تحفيز الموظف والعمل الجماعي. اما موني ورايلي فقد قاما باضافة مباديء ومفاهيم اخرى الى المنظومة الادارية، نذكر منها على سبيل المثال مبدأ التنسيق ومفهوم الوظائفيه ومفهوم الصلاحيات الادارية والتي يصفها موني بانها قدرة الشخص او المسؤول الاداري على التنسيق. اما شيستر بارنارد فقد جاء هو ايضا بمباديء ومفاهيم شديدة الحساسية كانت لها مساهمات كبيرة في تطوير نظرية الادارة. ففي كتابه الشهير " وظائف المدير التنفيذي" الذي نشر عام 1938، ركز بارنارد على ثلاثة مفاهيم ادارية رفيعة المستوى وهي القيادة والتواصل مع الاخرين وتعاون المجموعة. وفيما يخص اللامركزية في الادارة وعملية صنع القرار يقول دركر ان اللامركزية تتحلى بحسنات عديدة، نذكر منها مثلا السرعة في صنع القرار وغياب النزاعات او الخلافات بين الادارة المركزية العليا ورؤساء الاقسام.
هناك امور حساسة ومهمة جدا يتوجب على المسؤول التنفيذي اما ان يتجنبها او ان يحرص على الاهتمام بها. فمن الامور التي يجب على المدير ان يتجنبها مثلا التصلب في الرأي لا سيما اذا كان يعلم انه فعلا على خطأ، وان لا يتناسى ابدا حقيقة بديهية واساسية وهي ان نجاحه في موقعه المؤسسي يعتمد بالدرجة الاولى على موظفيه ومرؤوسيه الذين يشكلون بالنسبة اليه مصدر ونبع المعلومات التي يحتاجها باستمرار لانجاح مهامه التنفيذية وعمله الاداري. كذلك يجب على المدير ان يقف على مسافة شاسعة عما يسميه بيتر دركر الغرور الاداري، اذ ان التعنت الاصم والتشبث الاعمى بهذا المفهوم السلبي ممكن ان يؤدي بالمؤسسة/الشركة الى الفشل الذريع في تحقيق مصالحها واهدافها الاستراتيجية مما قد يلحق بها اضرارا فادحة هي في غنى عنها، كأن يصل بها الحال مثلا الى اعلان افلاسها او الخروج من سوق الاعمال بشكل قسري وبصورة نهائية. ومن الامور شديدة الحساسية التي يجب على المدير ان يبتعد كل البعد عن القيام بها اجراء اية تغييرات او تعديلات مؤسسية دون المراعاة التامة لمصالح الموظفين الذين قد يتاثرون سلبا بمثل هذه الاجراءات، وان لا يقوم بتكليف الموظفين اية مهام بعيدة عن او خارج دائرة اهتماماتهم الوظيفية، وان لا يوكل الى مرؤوسيه اية صلاحيات ادارية قد تكون خارج مدى قدراتهم الاشرافية او نطاق امكانياتهم التنفيذية او اكبر من حجم معرفتهم التقنية او المامهم المعرفي.
ومن بوتقة الامور المهمة التي يتوجب على المسؤول الاداري ان يعمل على تعزيزها والحرص على الاهتمام بها، نذكر مثلا انه يجب على المدير ان يبني ويقوي علاقاته العامة داخل وخارج مكان العمل، وان يقدم كل مساعدة ممكنة مهنية كانت ام عملية لموظفيه ومرؤوسيه حتى يتسنى لهم تأدية عملهم على اكمل وجه، وان يولي اهتماما خاصا بالمميزين والبارزين منهم كل في مجال عمله او تخصصه المهني، وان يحاول ان يتفهم مشاكلهم الشخصية والعائلية، اذ ان الروابط الاسرية لها النصيب الاكبر في التاثير المباشر على حالتهم النفسية، الامر الذي من شانه ان يؤثر سلبا على كفائتهم المهنية او نوعية ادائهم الوظيفي او مستوى عطاؤهم في مكان العمل. كذلك على المدير ان يحترم الموظفين ويعترف باهميتهم ويثمن جهودهم لما لهذا الادراك الحسي من اهمية كبرى ليس فقط في تحسين الاداء المهني ورفع معدلات الانتاجية بل ايضا في الحصول على ولاء وظيفي اعظم للمؤسسة او الشركة، وان يعمل على تحسين مهاراتهم المهنية والتقنية من خلال اتاحة كل الفرص الممكنة لتعليمهم وتدريبهم مما يساهم في تحقيق مستويات انتاجية اعلى، وان يعمل على تنشيط الموظفين وشحن طاقاتهم ورفع معنوياتهم حرصا على ان لا يصابوا بحالة من الكسل او الجمود او القصور الذاتي وذلك منعا للترهل الوظيفي، وان يستخدم اسلوب الاقناع بدلا من اصدار الاوامر لهم من خلال التواصل الفعال معهم سواء في ارسال الارشادات او اعطاء التعليمات او مناقشة افكار جديدة او ابداء مقترحات مفيدة قد تساهم في تحسين مستوى عملهم او رفع سوية اداؤهم الوظيفي. كذلك على المدير ان يعمل على اشراك الموظفين في المناقشات والتحليلات الادارية للمؤسسة/الشركة كيفما امكن، الامر الذي من شانه ان يساعدهم على فهم اكبر لمجريات امورها وتقدير اوفى لمجمل احوالها واوضاعها وشؤونها. فعلى سبيل المثال، عندما يتمكن الموظفون والمرؤوسون من فهم كيفية سير المؤسسة/الشركة او الى اين تتجه في بيئة الاعمال او ماهية الحقيقة الفعلية لوضعها المالي او السوقي او التنافسي فان هذا بلا شك سوف يساعدهم على ادراك اعمق لحجم مسؤولياتهم المؤسسية وحساسية دورهم الوظيفي في تحديد مستقبلها وتوجهها الاستراتيجي واهمية مشاركتهم الفاعلة في ترسيم حدودها على خريطة بيئة الاعمال، ناهيك عن تحمسهم واندفاعهم الشديدين لاداء عملهم على نحو افضل، خصوصا اذا كانت معطيات المؤسسة/الشركة توحي بانها في طور نمو وازدهار او ترتقي من نجاح الى نجاح اكبر او تتقدم الى الامام بوتيرة اسرع. كذلك على المدير ان يستخدم معيار او نظام معين لقياس اداء الموظفين ومن ثم القيام بضبط نظام المكافئات على اساس التفريق بين مستويات الاداء المميز من العادي او الضعيف او الواعد الخ، فان وجود مثل هذه المعايير او الانظمة كم له من دور مهم وحيوي في متابعة وتصنيف نوعية اداء الموظفين، وبالتالي العمل على تحسينه اينما لزم الامر. وبيد ان هناك من يعتقد ان الادارة هي علم بحد ذاته، فان هناك ايضا من يعتقد ان الادارة هي فن، وان العلم والفن (في سياق مفهوم او منظومة الادارة) ليسا منفصلين بل مكملين لبعضهما البعض. فعلى سبيل المثال، يقول فايول في كتابه "مباديء الادارة العلمية" الذي نشر عام 1913، ان الادارة هي علم يرتكز على مباديء ونظم وقوانين واضحة ومحددة. اما بارنارد فهو يرى ان الادارة هي فن انطلاقا من اعتقاده ان التكنولوجيا العملية ممكن لها ان تصبح فنا تطبيقيا من خلال ما يسميه المعرفة السلوكية. فالفن سواء كان طب او موسيقى او هندسة او ادارة، هو من اكثر ابداعات السعي الانساني الذي تكمن مهمته الرئيسية في ايجاد استعمالات مفيدة للمعرفة العلمية.
ومن خلال خبراتي الشخصية في مجالات الادارة العليا والتسويق الاستراتيحي والمبيعات الاقليمية وتدريب الموارد البشرية، فانني وفي رأيي المتواضع ارى ان الادارة هي عملية شبيهة وقريبة من علم الاقتصاد، ولا عجب في ذلك اذ ان الاثنين يعتبران من فصيلة العلوم الاجتماعية. فكما ان الاقتصاد يقوم على خلق التوازنات المطلوبة بين الاطراف ذات العلاقة (كرفع نسبة الفائدة مثلا لاحتواء التضخم وذلك من خلال العمل على تخفيض معدلات الطلب على القروض/التسهيلات المصرفية، وبالتالي تقليص نسب الانفاق الاستهلاكي والاستثماري مما قد يساعد على تراجع المستوى العام للاسعار)، هكذا هي الادارة. فالادارة في نظري عبارة عن موقف محدد يستطيع ان يقف من خلاله المسؤول التنفيذي الاعلى على مسافة متوازنة من ثلاثي زوايا او كيان المثلث المؤسسي بحيث يكون بامكانه تحقيق الاهداف الكلية للمؤسسة/الشركة )كتحقيق مستوى اعلى من الارباح او المبيعات مثلا) بالشكل الذي يرضى عنه المالك الفردي او الشركاء او المستثمرين فيها، والمضي بها قدما الى المزيد من التقدم والنجاح والاستمرارية مما يجعل اعضاء مجلس الادارة/الهيئة الادارية راضين عن الاداء الاجمالي لعملياتها المؤسسية، انجاح عمل ومهمات الموظفين على النحو الذي يجعلهم يشعرون بالفخر والرضى عما قدموه من انجازات لصاحب العمل. وبهذا تكون قوى او عناصر الاداره التنفيذية العليا قد قامت فعلا بتحقيق المصلحة العامة لجميع الاطراف ذات العلاقة بحيث تكون كلها قد خرجت من دائرة صراع الاعمال ومعضلة التوازنات المؤسسية الشائكة وحلقات شد الحبل اللامنتهية راضية كل الرضى عن مجمل الاداء العام للمؤسسة/الشركة والنتائج التي استطاعت ان تحققها خلال مسيرتها المهنيه والعملية.
_________________________________
د. اميل قسطندي خوري
[email protected]
لقد كان تطوير نظرية الادارة واختلاق مباديء راسخة تضبطها في قوالب واطر سليمة مبنية على اسس علمية ومعايير عالمية، مجالا للبحث المتواصل والدراسة المستفيضة على مدار السنين. ومن الباحثين والصناعيين المعروفين والمدراء المخضرمين الذين كانت لهم الخبرة الواسعة والباع الطويل في مجالات الادارة الانتاجية والتجارية والصناعية وغيرها، نذكر منهم على سبيل المثال هنري فايول، شيستر بارنارد، الفين براون، فريدريك تايلور، بيتر دركر، اوليفر شيلدون، وهنري دنيسون.
تعرف الادارة بانها هي المهمة التي تعنى بتحقيق اهداف معينة ومحددة للمؤسسة/للشركة من خلال اشخاص (اي الموظفين) يعملون ويتعاونون ويتواصلون ويتفاعلون بعضهم مع بعض في مجموعات منظمة من اجل الوصول الى هذه الاهداف. وقد تاخذ هذه الاهداف اشكالا متعددة حسب رؤية المؤسسة/الشركة او رسالتها التي قامت من اجلها او الاتجاه الاستراتيجي الذي رسمته لنفسها في مجتمع الاعمال، كتحقيق الربح او تعظيم ايراداتها او رفع نسبة حصتها السوقية او زيادة حجم مبيعاتها او تحسين مستوى خدماتها او توسيع رقعة مشاريعها الاستثمارية (اذا كانت الشركة ذات توجه ربحي( او خدمة شرائح معينة من المجتمع كالمؤسسات غير الحكومية والتي تعنى مثلا بتقديم خدمات خيرية جليلة ذات طابع انساني اواجتماعي او مجتمعي تهدف الى تحسين ورفع سوية تركيبة النسيج المجتمعي (هذا اذا كانت المؤسسة طبعا تعمل في الحقل غير الربحي).
وفيما يتعلق بالمزايا الشخصية للمسؤولين الاداريين، يقول هنري فايول في كتابه "الادارة الصناعية والعامة" الذي نشر عام 1949، انه يجب ان تتوفر في هؤلاء الاشخاص صفات مميزة وفريدة تتلخص في القدرات الجسدية مثل الصحة الجيدة والقوة البدنية، والقدرات الذهنية مثل القدرة على الاستيعاب والتعلم والتكيف والحكم الحصيف على الامور، والقدرات الاخلاقية مثل الرغبة في تحمل المسؤولية، الى غيرها من الميزات والقدرات الاخرى كالتحصيل العلمي والمهارات التقنية والخبرات المهنية. ومن خلال خبرته الادارية في مجال الاعمال، يضيف فايول ان هناك خمس وظائف ادارية اساسية وهي ما يسميها فايول عناصر الادارة وهي التخطيط والتنظيم واصدار الاوامر والتنسيق والتحكم/السيطرة. فالمدير مثلا هو الشخص المسؤول في المقام الاول عن تخطيط عمل ومهمات وواجبات الموظفين والمرؤوسين، وهو الذي يقوم بدور التنسيق بينهم، وهو الذي يقوم باختيارهم وتوظيفهم وتعيينهم في الشاغر المناسب، وهو الذي يقوم بتاهيلهم وتدريبهم مهنيا وتقنيا، وهو الذي يقوم بتوجيه التعليمات واصدار الاوامر لهم، وهو الذي يقوم بمراقبة عملهم ومتابعة انجازاتهم، وهو الذي يقوم بتقييم ادائهم الوظيفي وقياس النتائج الفعلية لمجمل انشطتهم العملية ومن ثم مقارنتها بالاهداف المنشودة حسب الخطط المرسومة والمعايير المحددة من قبل المؤسسة/الشركة، وهو الذي يقوم ايضا بتصحيح اية انحرافات سلوكية مهنية كانت ام شخصية تكون خارجة عن المسار الصحيح لحيثييات او متطلبات العمل، او قد تكون غير ملتزمة الالتزام الكلي المطلوب بالميثاق المؤسسي لاخلاقيات العمل وذلك من خلال اعطاء الارشادات والتعليمات اللازمة لهم لكي يتمكنوا من تنفيذ ما هومطلوب منهم تنفيذا دقيقا ضمن اطار استراتيجيات وبرامج واهداف العمل الموضوعة.
وقد قام فايول بوضع مجموعة من المباديء الاساسية لنظرية الادارة، نذكر منها على سبيل المثال ان الوظائف يجب ان يتم تقسيمها حسب التخصص العملي، مما يؤدي بالنتيجة الى تحقيق كفاءة اكبر في استخدام العمالة، وان السلطة الادارية للمدير هي مزيج من مكونين رئيسيين: الاول يتمثل في مركز المدير الوظيفي الرسمي والثاني يتعلق بالوضع الشخصي للمدير كخبرته العملية مثلا، وان على المدير ان يحصل على الولاء المؤسسي للموظفين وحبهم للعمل والتزامهم به من خلال التعامل معهم بلطف وعدالة. ومن اكثر المباديء الرئيسية التي شدد على اهميتها فايول هي الحاجة الماسة الى العمل الجماعي ومدى اهمية التواصل الفعال في الحصول على اقصى درجات التعاون بين افراد المجموعة. كذلك ركزفايول على نقطة عظيمة الاهمية وهي ان المباديء الاساسية للادارة يمكن استخدامها وتطبيقها في جميع النشاطات الاجتماعية ابتداء من ابسط الاعمال الفردية وانتهاء بعمل اكبر المؤسسات او الشركات، اذ انها تدعو جميعها الى افضل سبل التعاون المشترك.
اما شيلدون فهو يعتقد ان الادارة تشمل مباديء مهمة مثل تحديد سياسات المؤسسة/الشركة، وتنفيذ هذه السياسات، وتنسيق الوظائف. اما دنيسون فقد قام بتطوير مباديء ومفاهيم ذات قيمة عالية في النظام المؤسسي للشركات، نذكر منها مثلا تحفيز الموظف والعمل الجماعي. اما موني ورايلي فقد قاما باضافة مباديء ومفاهيم اخرى الى المنظومة الادارية، نذكر منها على سبيل المثال مبدأ التنسيق ومفهوم الوظائفيه ومفهوم الصلاحيات الادارية والتي يصفها موني بانها قدرة الشخص او المسؤول الاداري على التنسيق. اما شيستر بارنارد فقد جاء هو ايضا بمباديء ومفاهيم شديدة الحساسية كانت لها مساهمات كبيرة في تطوير نظرية الادارة. ففي كتابه الشهير " وظائف المدير التنفيذي" الذي نشر عام 1938، ركز بارنارد على ثلاثة مفاهيم ادارية رفيعة المستوى وهي القيادة والتواصل مع الاخرين وتعاون المجموعة. وفيما يخص اللامركزية في الادارة وعملية صنع القرار يقول دركر ان اللامركزية تتحلى بحسنات عديدة، نذكر منها مثلا السرعة في صنع القرار وغياب النزاعات او الخلافات بين الادارة المركزية العليا ورؤساء الاقسام.
هناك امور حساسة ومهمة جدا يتوجب على المسؤول التنفيذي اما ان يتجنبها او ان يحرص على الاهتمام بها. فمن الامور التي يجب على المدير ان يتجنبها مثلا التصلب في الرأي لا سيما اذا كان يعلم انه فعلا على خطأ، وان لا يتناسى ابدا حقيقة بديهية واساسية وهي ان نجاحه في موقعه المؤسسي يعتمد بالدرجة الاولى على موظفيه ومرؤوسيه الذين يشكلون بالنسبة اليه مصدر ونبع المعلومات التي يحتاجها باستمرار لانجاح مهامه التنفيذية وعمله الاداري. كذلك يجب على المدير ان يقف على مسافة شاسعة عما يسميه بيتر دركر الغرور الاداري، اذ ان التعنت الاصم والتشبث الاعمى بهذا المفهوم السلبي ممكن ان يؤدي بالمؤسسة/الشركة الى الفشل الذريع في تحقيق مصالحها واهدافها الاستراتيجية مما قد يلحق بها اضرارا فادحة هي في غنى عنها، كأن يصل بها الحال مثلا الى اعلان افلاسها او الخروج من سوق الاعمال بشكل قسري وبصورة نهائية. ومن الامور شديدة الحساسية التي يجب على المدير ان يبتعد كل البعد عن القيام بها اجراء اية تغييرات او تعديلات مؤسسية دون المراعاة التامة لمصالح الموظفين الذين قد يتاثرون سلبا بمثل هذه الاجراءات، وان لا يقوم بتكليف الموظفين اية مهام بعيدة عن او خارج دائرة اهتماماتهم الوظيفية، وان لا يوكل الى مرؤوسيه اية صلاحيات ادارية قد تكون خارج مدى قدراتهم الاشرافية او نطاق امكانياتهم التنفيذية او اكبر من حجم معرفتهم التقنية او المامهم المعرفي.
ومن بوتقة الامور المهمة التي يتوجب على المسؤول الاداري ان يعمل على تعزيزها والحرص على الاهتمام بها، نذكر مثلا انه يجب على المدير ان يبني ويقوي علاقاته العامة داخل وخارج مكان العمل، وان يقدم كل مساعدة ممكنة مهنية كانت ام عملية لموظفيه ومرؤوسيه حتى يتسنى لهم تأدية عملهم على اكمل وجه، وان يولي اهتماما خاصا بالمميزين والبارزين منهم كل في مجال عمله او تخصصه المهني، وان يحاول ان يتفهم مشاكلهم الشخصية والعائلية، اذ ان الروابط الاسرية لها النصيب الاكبر في التاثير المباشر على حالتهم النفسية، الامر الذي من شانه ان يؤثر سلبا على كفائتهم المهنية او نوعية ادائهم الوظيفي او مستوى عطاؤهم في مكان العمل. كذلك على المدير ان يحترم الموظفين ويعترف باهميتهم ويثمن جهودهم لما لهذا الادراك الحسي من اهمية كبرى ليس فقط في تحسين الاداء المهني ورفع معدلات الانتاجية بل ايضا في الحصول على ولاء وظيفي اعظم للمؤسسة او الشركة، وان يعمل على تحسين مهاراتهم المهنية والتقنية من خلال اتاحة كل الفرص الممكنة لتعليمهم وتدريبهم مما يساهم في تحقيق مستويات انتاجية اعلى، وان يعمل على تنشيط الموظفين وشحن طاقاتهم ورفع معنوياتهم حرصا على ان لا يصابوا بحالة من الكسل او الجمود او القصور الذاتي وذلك منعا للترهل الوظيفي، وان يستخدم اسلوب الاقناع بدلا من اصدار الاوامر لهم من خلال التواصل الفعال معهم سواء في ارسال الارشادات او اعطاء التعليمات او مناقشة افكار جديدة او ابداء مقترحات مفيدة قد تساهم في تحسين مستوى عملهم او رفع سوية اداؤهم الوظيفي. كذلك على المدير ان يعمل على اشراك الموظفين في المناقشات والتحليلات الادارية للمؤسسة/الشركة كيفما امكن، الامر الذي من شانه ان يساعدهم على فهم اكبر لمجريات امورها وتقدير اوفى لمجمل احوالها واوضاعها وشؤونها. فعلى سبيل المثال، عندما يتمكن الموظفون والمرؤوسون من فهم كيفية سير المؤسسة/الشركة او الى اين تتجه في بيئة الاعمال او ماهية الحقيقة الفعلية لوضعها المالي او السوقي او التنافسي فان هذا بلا شك سوف يساعدهم على ادراك اعمق لحجم مسؤولياتهم المؤسسية وحساسية دورهم الوظيفي في تحديد مستقبلها وتوجهها الاستراتيجي واهمية مشاركتهم الفاعلة في ترسيم حدودها على خريطة بيئة الاعمال، ناهيك عن تحمسهم واندفاعهم الشديدين لاداء عملهم على نحو افضل، خصوصا اذا كانت معطيات المؤسسة/الشركة توحي بانها في طور نمو وازدهار او ترتقي من نجاح الى نجاح اكبر او تتقدم الى الامام بوتيرة اسرع. كذلك على المدير ان يستخدم معيار او نظام معين لقياس اداء الموظفين ومن ثم القيام بضبط نظام المكافئات على اساس التفريق بين مستويات الاداء المميز من العادي او الضعيف او الواعد الخ، فان وجود مثل هذه المعايير او الانظمة كم له من دور مهم وحيوي في متابعة وتصنيف نوعية اداء الموظفين، وبالتالي العمل على تحسينه اينما لزم الامر. وبيد ان هناك من يعتقد ان الادارة هي علم بحد ذاته، فان هناك ايضا من يعتقد ان الادارة هي فن، وان العلم والفن (في سياق مفهوم او منظومة الادارة) ليسا منفصلين بل مكملين لبعضهما البعض. فعلى سبيل المثال، يقول فايول في كتابه "مباديء الادارة العلمية" الذي نشر عام 1913، ان الادارة هي علم يرتكز على مباديء ونظم وقوانين واضحة ومحددة. اما بارنارد فهو يرى ان الادارة هي فن انطلاقا من اعتقاده ان التكنولوجيا العملية ممكن لها ان تصبح فنا تطبيقيا من خلال ما يسميه المعرفة السلوكية. فالفن سواء كان طب او موسيقى او هندسة او ادارة، هو من اكثر ابداعات السعي الانساني الذي تكمن مهمته الرئيسية في ايجاد استعمالات مفيدة للمعرفة العلمية.
ومن خلال خبراتي الشخصية في مجالات الادارة العليا والتسويق الاستراتيحي والمبيعات الاقليمية وتدريب الموارد البشرية، فانني وفي رأيي المتواضع ارى ان الادارة هي عملية شبيهة وقريبة من علم الاقتصاد، ولا عجب في ذلك اذ ان الاثنين يعتبران من فصيلة العلوم الاجتماعية. فكما ان الاقتصاد يقوم على خلق التوازنات المطلوبة بين الاطراف ذات العلاقة (كرفع نسبة الفائدة مثلا لاحتواء التضخم وذلك من خلال العمل على تخفيض معدلات الطلب على القروض/التسهيلات المصرفية، وبالتالي تقليص نسب الانفاق الاستهلاكي والاستثماري مما قد يساعد على تراجع المستوى العام للاسعار)، هكذا هي الادارة. فالادارة في نظري عبارة عن موقف محدد يستطيع ان يقف من خلاله المسؤول التنفيذي الاعلى على مسافة متوازنة من ثلاثي زوايا او كيان المثلث المؤسسي بحيث يكون بامكانه تحقيق الاهداف الكلية للمؤسسة/الشركة )كتحقيق مستوى اعلى من الارباح او المبيعات مثلا) بالشكل الذي يرضى عنه المالك الفردي او الشركاء او المستثمرين فيها، والمضي بها قدما الى المزيد من التقدم والنجاح والاستمرارية مما يجعل اعضاء مجلس الادارة/الهيئة الادارية راضين عن الاداء الاجمالي لعملياتها المؤسسية، انجاح عمل ومهمات الموظفين على النحو الذي يجعلهم يشعرون بالفخر والرضى عما قدموه من انجازات لصاحب العمل. وبهذا تكون قوى او عناصر الاداره التنفيذية العليا قد قامت فعلا بتحقيق المصلحة العامة لجميع الاطراف ذات العلاقة بحيث تكون كلها قد خرجت من دائرة صراع الاعمال ومعضلة التوازنات المؤسسية الشائكة وحلقات شد الحبل اللامنتهية راضية كل الرضى عن مجمل الاداء العام للمؤسسة/الشركة والنتائج التي استطاعت ان تحققها خلال مسيرتها المهنيه والعملية.
_________________________________
د. اميل قسطندي خوري
[email protected]