ترددت كثيراً قبل نفض الغبار عن قضيةٍ شائكة وحساسة، من يتطرق إليها يُقذف مباشرة لأنها تُعتبر من المحرمات، ولكني إحتراماً لمبادئ الدين الحنيف واستجابةً لمعاناة أبناء العرب من المسلمين، كان لابد من وقفة صادقة صريحة لفهم معنى البِرّ في الإسلام، وهل التكليف لطرف واحد فقط، أم هو عملية متَبَادلة بين كِلتا أطراف المجتمع؟
عبادات كثيرة تُميز الدين الإسلامي الحنيف، ومن هذه العبادات العظيمة عبادةُ البِرُّ، وأهمها: بِرُّ الوالدين، فبرُّ الوالدين يميز المسلمين عن غيرهم. حيث يُعاني غير المسلمين من إنتشار العقوق في مجتمعاتهم، وعلاقاتهم الأسرية باردة بل تكاد أن تكون معدومة مقارنةً مع المجتمعات الإسلامية، ولكن أتسائل عن مدى فَهم المجتمعات الإسلامية لقضية البِرّ وأخص بذلك الوالدين أنفسهم في مجتمعاتنا العربية، حيث تكثر شكوى الوالدين عقوق أبنائهم، ومن يُتابع برامج الإفتاء على القنوات الفضائية يُدرك مدى إنتشار هذا الوباء، نسأل الله العلي القدير أن يُطهر مجتمعاتنا منه.
ولكن ألا تعتقدون معي أن هذا العقوق الذي ينتشر بكثرة في آخر الزمان مصداقاً لما تنبأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم له أسباب كثيرة ومن أهمها الوالدان أنفسهم؟ تأمل معي ماذا يقول نيوتن في قانونه الثالث: "لكل فعل رد فعل، مساوي له في المقدار ومعاكس له في الإتجاه"، بغض النظر إن كان رد الفعل هذا إيجابياً أم سلبياً، لكن بالتأكيد سيكون له رد. للأسف، نسمع دائماً عن بِرِّ الوالدين ونُطالب بتفعيله في الوقت الذي لا نسمع أبداً عن بِرِّ الأبناء، ذلك المصطلح المعدوم من قاموسنا. يُروى أنَّ رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر الإبن وأنّبه على عقوقه لأبيه ونسيانه لحقوقه، فقال الإبن: ( يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى ، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه، ويحسن إسمه، ويعلمه الكتاب، قال الإبن: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك، أما أمي فإنها عبدة كانت لمجوسي، وقد سماني جُعلاً – أي خنفساء – ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً، فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت إلي تشكو عقوق إبنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك ) تربية الأولاد في الإسلام 1/127-128.
ألم يَعِ الآباء الأفاضل أن عقوق أبنائهم لهم سببه الرئيسي عقوقهم المُسبَـق لأبنائهم؟ ماذا ينتظر الآباء الأجلاَّء من أبنائهم عندما لا يوفرون لهم التربية السليمة والرعاية الحقيقية؟ كيف يتسنى للأبناء أن يودوا آبائَهم وآبائُهم يُشعِرونهم دائماً أنهم قد فُرضوا عليهم بسبب سباق الإنجاب العربي الذي أثقل كاهل العوائل بأعداد كبيرة؟ كيف بهم والآباء متحمسون للإنجاب للمفاخرة بالعدد لا بالكيف، من الصعب أن يكون نتاج هذه الأعراف بِرٌّ للوالدين.
يَنشأ الطفل العربي في حرمان واسع بخلاف الطفل الغربي، إذ تجده يُشارك آبائه همومهم من الصِغَر، ويُفكر معهم في حل معضلاتهم الإجتماعية والمالية والصحية وغيرها من مشاكل الحياة المختلفة وهو برعم صغير لا يفقه قوانين الحياة، إضافة إلى ذلك لا تجد نظاماً عربياً واحداً يدعم طفولته ويجعل له كياناً كما يحدث في أمريكا والدول المتقدمة، تجد معظمهم – إلاَّ من رَحِم الله – يتوق إلى أن يُصبح شاباً يافعاً يعتمد على نفسه ليستقل بعيداً عن أهله.
ولعل من الأمور القديمة المُستجدة التي تجعل الأبناء يعقون آبائهم سوء استخدام الآباء لقضية الغضب وتهديدهم لأبنائهم باستمرار، إذ أنهم يُجبرون أبنائهم على كثير من الأمور التي قد تصل إلى إغضاب الرب عز وجل بحجة الطاعة، وإن لم يفعلوا فسيحل عليهم الغضب إلى يوم الدين، مفارقة عجيبة تجعل الإبن المتفقه أكثر من والديه يحتار ما بين الجنة والنار... إلى أين المصير؟ الغرب وصلوا إلى آعالي قمم الحضارة والإبن مازال في الوادي يُفكر ليل نهار كيف له أن يُرضي والديه الذين أصبحوا ينافسون الله سبحانه وتعالى في الطاعة – والعياذ بالله – يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لا طاعة في المعصية، إنما الطاعة في المعروف )) الجامع الصحيح للبخاري 7257.
عجيبة أمتي، أذكر أني تعرفت إلى شاب يعمل في دولة خليجية، وكان راتبه جيداً ولكنه كان دائماً في ملابس مُبتذله ويشكو قلة المال وكثرة الديون، فدفعني الفضول إلى سؤاله عن سبب قلة يده وهو يتقاضى راتباً لا بأس فيه، فقال لي والأسى يملأ قلبه: "أجبرني والديَّ أن أسدد قروضهم البنكية التي إقترفوها"، تحمَّـل وزر والديه الذين لم يُفلحوا في تحمل مسؤولياتهم ولم يُخططوا لمستقبلهم ولا مستقبل أبنائهم، ويبقى الإبن البار يُصلح ما أفسده الأولون إلى أن يوارى الثرى، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
البِرُّ المفقود، موضوع جال في خاطري وكان لابد من إثارته ليبدأ الأباء العقلاء بإعادة حساباتهم قبل أن يُفارقوا الدنيا، والله ليسئلوا عما فعلوه مع أبنائهم، يقول الله تعالى: { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ } الصافات الآية 24، وسيُسأل الأبناء عما فعلوه مع الآباء، فقضية البِرِّ قضية مُتبَادلة ولها طرفان وليس طرفٌ واحد، وفي الوقت ذاته أدعو الأبناء إلى التَعـقُّـل والتحلّي بالحكمة والصبر، فلا يهدم المسلم بيته ويعصي ربه بحجة طاعة والديه، وليتذكر الأبناء أنهم آباء الغد، فلينظروا إلى التاريخ وليتعلموا منه كي لا يزلّوا ويقعوا في وحل أخطاء السابقين، وليرسموا مستقبلاً واعداً ونماذج حسنة من صور بِرِّ الأبناء التي ستؤدي بدورها إلى بناء المدينة الفاضلة والمجتمع الصحي الخالي من الأوبئة النفسية.
عبادات كثيرة تُميز الدين الإسلامي الحنيف، ومن هذه العبادات العظيمة عبادةُ البِرُّ، وأهمها: بِرُّ الوالدين، فبرُّ الوالدين يميز المسلمين عن غيرهم. حيث يُعاني غير المسلمين من إنتشار العقوق في مجتمعاتهم، وعلاقاتهم الأسرية باردة بل تكاد أن تكون معدومة مقارنةً مع المجتمعات الإسلامية، ولكن أتسائل عن مدى فَهم المجتمعات الإسلامية لقضية البِرّ وأخص بذلك الوالدين أنفسهم في مجتمعاتنا العربية، حيث تكثر شكوى الوالدين عقوق أبنائهم، ومن يُتابع برامج الإفتاء على القنوات الفضائية يُدرك مدى إنتشار هذا الوباء، نسأل الله العلي القدير أن يُطهر مجتمعاتنا منه.
ولكن ألا تعتقدون معي أن هذا العقوق الذي ينتشر بكثرة في آخر الزمان مصداقاً لما تنبأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم له أسباب كثيرة ومن أهمها الوالدان أنفسهم؟ تأمل معي ماذا يقول نيوتن في قانونه الثالث: "لكل فعل رد فعل، مساوي له في المقدار ومعاكس له في الإتجاه"، بغض النظر إن كان رد الفعل هذا إيجابياً أم سلبياً، لكن بالتأكيد سيكون له رد. للأسف، نسمع دائماً عن بِرِّ الوالدين ونُطالب بتفعيله في الوقت الذي لا نسمع أبداً عن بِرِّ الأبناء، ذلك المصطلح المعدوم من قاموسنا. يُروى أنَّ رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر الإبن وأنّبه على عقوقه لأبيه ونسيانه لحقوقه، فقال الإبن: ( يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى ، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه، ويحسن إسمه، ويعلمه الكتاب، قال الإبن: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك، أما أمي فإنها عبدة كانت لمجوسي، وقد سماني جُعلاً – أي خنفساء – ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً، فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت إلي تشكو عقوق إبنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك ) تربية الأولاد في الإسلام 1/127-128.
ألم يَعِ الآباء الأفاضل أن عقوق أبنائهم لهم سببه الرئيسي عقوقهم المُسبَـق لأبنائهم؟ ماذا ينتظر الآباء الأجلاَّء من أبنائهم عندما لا يوفرون لهم التربية السليمة والرعاية الحقيقية؟ كيف يتسنى للأبناء أن يودوا آبائَهم وآبائُهم يُشعِرونهم دائماً أنهم قد فُرضوا عليهم بسبب سباق الإنجاب العربي الذي أثقل كاهل العوائل بأعداد كبيرة؟ كيف بهم والآباء متحمسون للإنجاب للمفاخرة بالعدد لا بالكيف، من الصعب أن يكون نتاج هذه الأعراف بِرٌّ للوالدين.
يَنشأ الطفل العربي في حرمان واسع بخلاف الطفل الغربي، إذ تجده يُشارك آبائه همومهم من الصِغَر، ويُفكر معهم في حل معضلاتهم الإجتماعية والمالية والصحية وغيرها من مشاكل الحياة المختلفة وهو برعم صغير لا يفقه قوانين الحياة، إضافة إلى ذلك لا تجد نظاماً عربياً واحداً يدعم طفولته ويجعل له كياناً كما يحدث في أمريكا والدول المتقدمة، تجد معظمهم – إلاَّ من رَحِم الله – يتوق إلى أن يُصبح شاباً يافعاً يعتمد على نفسه ليستقل بعيداً عن أهله.
ولعل من الأمور القديمة المُستجدة التي تجعل الأبناء يعقون آبائهم سوء استخدام الآباء لقضية الغضب وتهديدهم لأبنائهم باستمرار، إذ أنهم يُجبرون أبنائهم على كثير من الأمور التي قد تصل إلى إغضاب الرب عز وجل بحجة الطاعة، وإن لم يفعلوا فسيحل عليهم الغضب إلى يوم الدين، مفارقة عجيبة تجعل الإبن المتفقه أكثر من والديه يحتار ما بين الجنة والنار... إلى أين المصير؟ الغرب وصلوا إلى آعالي قمم الحضارة والإبن مازال في الوادي يُفكر ليل نهار كيف له أن يُرضي والديه الذين أصبحوا ينافسون الله سبحانه وتعالى في الطاعة – والعياذ بالله – يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لا طاعة في المعصية، إنما الطاعة في المعروف )) الجامع الصحيح للبخاري 7257.
عجيبة أمتي، أذكر أني تعرفت إلى شاب يعمل في دولة خليجية، وكان راتبه جيداً ولكنه كان دائماً في ملابس مُبتذله ويشكو قلة المال وكثرة الديون، فدفعني الفضول إلى سؤاله عن سبب قلة يده وهو يتقاضى راتباً لا بأس فيه، فقال لي والأسى يملأ قلبه: "أجبرني والديَّ أن أسدد قروضهم البنكية التي إقترفوها"، تحمَّـل وزر والديه الذين لم يُفلحوا في تحمل مسؤولياتهم ولم يُخططوا لمستقبلهم ولا مستقبل أبنائهم، ويبقى الإبن البار يُصلح ما أفسده الأولون إلى أن يوارى الثرى، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
البِرُّ المفقود، موضوع جال في خاطري وكان لابد من إثارته ليبدأ الأباء العقلاء بإعادة حساباتهم قبل أن يُفارقوا الدنيا، والله ليسئلوا عما فعلوه مع أبنائهم، يقول الله تعالى: { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ } الصافات الآية 24، وسيُسأل الأبناء عما فعلوه مع الآباء، فقضية البِرِّ قضية مُتبَادلة ولها طرفان وليس طرفٌ واحد، وفي الوقت ذاته أدعو الأبناء إلى التَعـقُّـل والتحلّي بالحكمة والصبر، فلا يهدم المسلم بيته ويعصي ربه بحجة طاعة والديه، وليتذكر الأبناء أنهم آباء الغد، فلينظروا إلى التاريخ وليتعلموا منه كي لا يزلّوا ويقعوا في وحل أخطاء السابقين، وليرسموا مستقبلاً واعداً ونماذج حسنة من صور بِرِّ الأبناء التي ستؤدي بدورها إلى بناء المدينة الفاضلة والمجتمع الصحي الخالي من الأوبئة النفسية.