الجامعة العربية تعمِّق الخلافات العربية
احمد الفلو - كاتب فلسطيني [email protected]
من المؤكد أن فكرة إنشاء جامعة الدول العربية قد ظهرت للوجود نتيجة لحل توافقي بين الدول السبع المؤسسة لها , فبينما كانت بعض الدول تروم إلى تحقيق الوحدة العربية الكاملة و بعضها الآخر يسعى إلى دولة اتحادية فإن أغلبية الأنظمة كانت تتفادى مثل هذه الطروحات الوحدوية مكتفية بالطرح الذي يقول بإيجاد خيمة تجمع العرب تحت سقفها يتباحثون فيها عند حصول المُلمّات و الحوادث الجِسام مع الاحتفاظ بالكيانات الإقليمية و سيادتها الوطنية , ولما كانت الأسس و القواعد التي اتفق عليها الزعماء العرب حينئذ ٍ قد حددت مهام و آليات عمل الجامعة بحيث لا تتمكن الجامعة من تحقيق أي إنجاز حقيقي و عملي على صعيد الوحدة العربية الاقتصادية أو السياسية أو حتى الجمركية , فكيف للجامعة أن تتقدم في مجال حل المشكلات المستديمة و الطارئة , سواء كانت خلافات عربية بينية أو تحديات قومية و إقليمية و دولية .
ونظرا ًلتعاظم الأخطار الخارجية المحيطة بأمتنا و حالة التردي و الضعف الذي استشرى في أوصالها , إضافة ً إلى الخلافات بين الأنظمة العربية و التي تعدَّت مرحلة التنازع إلى مرتبة التآمر و التعاون مع أعداء الأمة ضد الشقيق بل أضحت بعض الأنظمة العربية أداة فتك وتدمير موجهة ضد الدول العربية الأخرى كما هو حال دولة المقر للجامعة العربية التي تحاصر قطاع غزة وتفتك بأهله عن طريق التجويع ومنع الدواء , ولعلنا نناقش أهم الأسباب التي أدَّت إلى تحول الجامعة العربية إلى مِعْوَل يهدم كل جهد للتقريب بين الأشقاء :
أولاً – انعدام النوايا الحسنة لدى الأنظمة العربية لتحقيق أي إنجاز على الصعيد الأخوي بين الدول العربية و ربما أن ذلك يعود إلى عدم توافر الحد الأدنى من الثقة بين الزعماء العرب حيث يكتفي هؤلاء بالمصافحات الشكلية والابتسامات المصطنعة بينما تحتقن قلوبهم بالبغض والضغينة كل منهم للآخر , ولعل ارتهان أنظمة الحكم وخضوعها لإرادة القوى العظمى و فقدان الشعبية جعل من المستحيل إيجاد أي صيغة تضامنية عربية و لو بالحد الأدنى للعمل العربي المشترك .
ثانياً ─ الهيمنة المصرية على الجامعة العربية حيث مصر هي دولة المقر و الأمين العام يجب أن يكون مصريا ًو معظم الهيكل الإداري من المصريين , وللتدليل على ذلك نتذكر ما حدث عندما وقَّع أنور السادات على اتفاقيات كامب ديفيد حينها قرر العرب مجتمعين طرد مصر من الجامعة العربية ونقل المقر من القاهرة إلى تونس , وتلا ذلك مصادرة النظام في مصر لجميع وثائق الجامعة ثم مصادرة أموال الجامعة في البنوك المصرية و اعتقال بعض مسؤولي الجامعة أو منعهم من السفر , إنَّ أي قرار سياسي للجامعة لا يتم إقراره إلا إذا كان متسقا ً مع توجهات النظام المصري , وحتى لو تمَّ إقراره فإنه لن يكون قابلاً للتنفيذ إلاّ بعد منحه الضوء الأخضر من قِبَل النظام المصري بل يمكننا بكل بساطة القول بأن الجامعة العربية ليست سوى مجرد فرع من فروع وزارة الخارجية للنظام المصري , وربما كان القرار الذي اتُّخذ بالإجماع لفك الحصار عن غزة وافقت عليه مصر ولكنها رفضت تنفيذه و أبقت على إغلاق معبر رفح كرماً لعيون إسرائيل ونكايةً بالشعب العربي في فلسطين , و لا نعلم لماذا لم يتحرك عمرو موسى حتى الآن لفك الحصار عن غزة ؟ بينما قام بأكثر ست زيارات إلى بيروت للمساهمة في حل الأزمة اللبنانية وفي كل مرة كان يطلق تصريحات تحمل تهديدا ً مبطناً لسورية وذلك ما يتناغم مع التوجهات السياسية لنظام حسني مبارك , ثم بائت جهوده بالفشل الذريع .
وبينما قام الأمين العام السابق للجامعة عصمت عبد المجيد بحضور حفل غنائي ترفيهي في الكويت فإنه لم يتجاوب حينها مع براءة الرضَّع و الشيوخ المرضى وهم يعانون سكرات الموت في العراق نتيجة الحصار الغذائي والدوائي الأمريكي والذي ساندته مصر , و لم يقم حتى بزيارة تضامنية مع أطفال العراق .
أما الأمين العام الحالي عمرو موسى فإننا شهدنا له موقفا ًقبل سنوات معارضا ًوغاضبا ًمن إقامة علاقات دبلوماسية و فتح سفارة للعدو الإسرائيلي في موريتانيا , ولكن حين سأله أحد الصحفيين عن عدم اعتراضه الآن وسابقاً عن مثل تلك العلاقات بين مصر و إسرائيل , فانتفض الرجل غاضبا ًطالباً من الصحفي عدم التعرض للسياسة المصرية و مدعياً بأن لمصر خصوصية في إقامة العلاقة مع إسرائيل , وحتى الآن لم يخبرنا سيادة عمرو موسى هل موقفه هذا ناتج عن تلك النزعة الاستعلائية و ادعاء الاستفراد بالفهم على بقية الأشقاء العرب التي يتمتع بها المسؤولون المصريون أم إنها تبعية الجامعة العربية وراء توجهات سياسة النظام في مصر ؟
ثالثاً ─ إن التحديات و المخاطر التي تواجه الأمة العربية غدت من حيث الكم والنوع بحجم فيل ضخم بينما الأمة العربية تواجه ذلك الفيل بهيئات الجامعة وأدواتها الشبيهة بسكِّين صغيرة لتقشير الفاكهة , فبينما تتكالب القوى الإقليمية والعظمى و تنهش من جسد الأمة ما تشاء في فلسطين والعراق والصومال و أوغادين و إسكندرون و الأحواز و سبته , فإن أقصى استجابة لتلك المخاطر لا تتجاوز إصدار بيان استنكار و إدانة خجول صادر عن مجلس الجامعة .
لقد أضحى من الضروري إيجاد بدائل عملية للتضامن العربي المشترك بحيث تكون هذه البدائل أكثر قدرة و فاعلية في الاستجابة للتحديات وبعيدا ًعن الهيمنة الرسمية المصرية , و إلاّ فإن الفرصة ستكون مواتية للقوى الشعبية و المخلصة كي تتجاهل الأنظمة الرسمية العربية وجامعتها الكرتونية لتبادر بنفسها و تنهي تلك المسرحية الممجوجة التي تسمّى النظام العربي الرسمي وجامعته كما فعل الشعب الفلسطيني في انتفاضته الأخيرة و انتخابه لحكومة المقاومة المسلَّحة في مواجهة أعداء الأمة وهدمه لجدار الخزي والعار الذي يفصل بين أبناء الأمة الواحدة , بعيدا ًعن الجامعة وهيئاتها .
احمد الفلو - كاتب فلسطيني [email protected]
من المؤكد أن فكرة إنشاء جامعة الدول العربية قد ظهرت للوجود نتيجة لحل توافقي بين الدول السبع المؤسسة لها , فبينما كانت بعض الدول تروم إلى تحقيق الوحدة العربية الكاملة و بعضها الآخر يسعى إلى دولة اتحادية فإن أغلبية الأنظمة كانت تتفادى مثل هذه الطروحات الوحدوية مكتفية بالطرح الذي يقول بإيجاد خيمة تجمع العرب تحت سقفها يتباحثون فيها عند حصول المُلمّات و الحوادث الجِسام مع الاحتفاظ بالكيانات الإقليمية و سيادتها الوطنية , ولما كانت الأسس و القواعد التي اتفق عليها الزعماء العرب حينئذ ٍ قد حددت مهام و آليات عمل الجامعة بحيث لا تتمكن الجامعة من تحقيق أي إنجاز حقيقي و عملي على صعيد الوحدة العربية الاقتصادية أو السياسية أو حتى الجمركية , فكيف للجامعة أن تتقدم في مجال حل المشكلات المستديمة و الطارئة , سواء كانت خلافات عربية بينية أو تحديات قومية و إقليمية و دولية .
ونظرا ًلتعاظم الأخطار الخارجية المحيطة بأمتنا و حالة التردي و الضعف الذي استشرى في أوصالها , إضافة ً إلى الخلافات بين الأنظمة العربية و التي تعدَّت مرحلة التنازع إلى مرتبة التآمر و التعاون مع أعداء الأمة ضد الشقيق بل أضحت بعض الأنظمة العربية أداة فتك وتدمير موجهة ضد الدول العربية الأخرى كما هو حال دولة المقر للجامعة العربية التي تحاصر قطاع غزة وتفتك بأهله عن طريق التجويع ومنع الدواء , ولعلنا نناقش أهم الأسباب التي أدَّت إلى تحول الجامعة العربية إلى مِعْوَل يهدم كل جهد للتقريب بين الأشقاء :
أولاً – انعدام النوايا الحسنة لدى الأنظمة العربية لتحقيق أي إنجاز على الصعيد الأخوي بين الدول العربية و ربما أن ذلك يعود إلى عدم توافر الحد الأدنى من الثقة بين الزعماء العرب حيث يكتفي هؤلاء بالمصافحات الشكلية والابتسامات المصطنعة بينما تحتقن قلوبهم بالبغض والضغينة كل منهم للآخر , ولعل ارتهان أنظمة الحكم وخضوعها لإرادة القوى العظمى و فقدان الشعبية جعل من المستحيل إيجاد أي صيغة تضامنية عربية و لو بالحد الأدنى للعمل العربي المشترك .
ثانياً ─ الهيمنة المصرية على الجامعة العربية حيث مصر هي دولة المقر و الأمين العام يجب أن يكون مصريا ًو معظم الهيكل الإداري من المصريين , وللتدليل على ذلك نتذكر ما حدث عندما وقَّع أنور السادات على اتفاقيات كامب ديفيد حينها قرر العرب مجتمعين طرد مصر من الجامعة العربية ونقل المقر من القاهرة إلى تونس , وتلا ذلك مصادرة النظام في مصر لجميع وثائق الجامعة ثم مصادرة أموال الجامعة في البنوك المصرية و اعتقال بعض مسؤولي الجامعة أو منعهم من السفر , إنَّ أي قرار سياسي للجامعة لا يتم إقراره إلا إذا كان متسقا ً مع توجهات النظام المصري , وحتى لو تمَّ إقراره فإنه لن يكون قابلاً للتنفيذ إلاّ بعد منحه الضوء الأخضر من قِبَل النظام المصري بل يمكننا بكل بساطة القول بأن الجامعة العربية ليست سوى مجرد فرع من فروع وزارة الخارجية للنظام المصري , وربما كان القرار الذي اتُّخذ بالإجماع لفك الحصار عن غزة وافقت عليه مصر ولكنها رفضت تنفيذه و أبقت على إغلاق معبر رفح كرماً لعيون إسرائيل ونكايةً بالشعب العربي في فلسطين , و لا نعلم لماذا لم يتحرك عمرو موسى حتى الآن لفك الحصار عن غزة ؟ بينما قام بأكثر ست زيارات إلى بيروت للمساهمة في حل الأزمة اللبنانية وفي كل مرة كان يطلق تصريحات تحمل تهديدا ً مبطناً لسورية وذلك ما يتناغم مع التوجهات السياسية لنظام حسني مبارك , ثم بائت جهوده بالفشل الذريع .
وبينما قام الأمين العام السابق للجامعة عصمت عبد المجيد بحضور حفل غنائي ترفيهي في الكويت فإنه لم يتجاوب حينها مع براءة الرضَّع و الشيوخ المرضى وهم يعانون سكرات الموت في العراق نتيجة الحصار الغذائي والدوائي الأمريكي والذي ساندته مصر , و لم يقم حتى بزيارة تضامنية مع أطفال العراق .
أما الأمين العام الحالي عمرو موسى فإننا شهدنا له موقفا ًقبل سنوات معارضا ًوغاضبا ًمن إقامة علاقات دبلوماسية و فتح سفارة للعدو الإسرائيلي في موريتانيا , ولكن حين سأله أحد الصحفيين عن عدم اعتراضه الآن وسابقاً عن مثل تلك العلاقات بين مصر و إسرائيل , فانتفض الرجل غاضبا ًطالباً من الصحفي عدم التعرض للسياسة المصرية و مدعياً بأن لمصر خصوصية في إقامة العلاقة مع إسرائيل , وحتى الآن لم يخبرنا سيادة عمرو موسى هل موقفه هذا ناتج عن تلك النزعة الاستعلائية و ادعاء الاستفراد بالفهم على بقية الأشقاء العرب التي يتمتع بها المسؤولون المصريون أم إنها تبعية الجامعة العربية وراء توجهات سياسة النظام في مصر ؟
ثالثاً ─ إن التحديات و المخاطر التي تواجه الأمة العربية غدت من حيث الكم والنوع بحجم فيل ضخم بينما الأمة العربية تواجه ذلك الفيل بهيئات الجامعة وأدواتها الشبيهة بسكِّين صغيرة لتقشير الفاكهة , فبينما تتكالب القوى الإقليمية والعظمى و تنهش من جسد الأمة ما تشاء في فلسطين والعراق والصومال و أوغادين و إسكندرون و الأحواز و سبته , فإن أقصى استجابة لتلك المخاطر لا تتجاوز إصدار بيان استنكار و إدانة خجول صادر عن مجلس الجامعة .
لقد أضحى من الضروري إيجاد بدائل عملية للتضامن العربي المشترك بحيث تكون هذه البدائل أكثر قدرة و فاعلية في الاستجابة للتحديات وبعيدا ًعن الهيمنة الرسمية المصرية , و إلاّ فإن الفرصة ستكون مواتية للقوى الشعبية و المخلصة كي تتجاهل الأنظمة الرسمية العربية وجامعتها الكرتونية لتبادر بنفسها و تنهي تلك المسرحية الممجوجة التي تسمّى النظام العربي الرسمي وجامعته كما فعل الشعب الفلسطيني في انتفاضته الأخيرة و انتخابه لحكومة المقاومة المسلَّحة في مواجهة أعداء الأمة وهدمه لجدار الخزي والعار الذي يفصل بين أبناء الأمة الواحدة , بعيدا ًعن الجامعة وهيئاتها .