
وداعا يا لغة"المليارونصف المليار"..!
أبدأ مقالي هذا قائلا لأولادنا وشبابنا وشاباتنا:" ويلي منكم وويلي عليكم"..! أكتب هذه الكلمات من باب حرصي على لغتنا العريقة وكلماتها الرائعة والتي وللأسف بدأ الابتعاد عنها.
"أعطني كأساً وغانية أسخر لك الشعب المصري برمته"، شعارٌ لطالما تفاخر به نابليون قبل احتلاله لمصر , وبه ادعى انه إذا ما فكر باحتلال هذا البلد لن يحتاج سوى بضع مغنيات عاريات وبعض زجاجاتٍ من النبيذ..! وبالفعل فهذا ما حدث فقد استطاع دخول تلك البلاد ورجال تلك الأمة يثملون ويتمايلون خلف نهد هذه ووراء ساقي تلك ، وصدق نابليون آنذاك، لكن أيعيد التاريخ نفسه الآن وعلى نطاق أوسع ؟ فمعظم أمتنا باتت تتمايل حتى في بيوتها وراء ما يسمى بالموسيقى الحديثة ،وهل يصدق نابليون هذه المرة ايضاً؟ انني أرى أنه ومع مرور الزمن يبتعد الشباب والشابات عن ثقافتهم ولغتهم العربية الأصيلة..ولا أبالغ حينما أقول أنني أرى طلابا أنهوا الدراسة الثانوية،بل أرى جامعيين،لا يجيدون اللغةالعربية الفصحى كتابة وقراءة ،وإن كتبوا فأخطائهم الإملائية عديدة..هذا عدا عن بعدهم الكبير عن قواعد هذه اللغة العريقة،والتي وصفها الشاعر الكبير"حافظ إبراهيم"بقوله: أنا البحر الدر في أحشائه كامن**فهل سألوا الغواص عن صدفاتي ..؟ إن شبابنا اليوم يعرف الكثير عن هيفاء وهبي وإليسا ونانسي عجرم..مع أن كلمات أغانيهن لا معنى لها..بل قمن بتحويل الفن لعرض أزياء وأجساد،فالتي تظهر جسدها أكثر هي الرابحة..يا لسخرية القدر!وقد دفعني هذا النبا لأن استعرض جزءا من فلسفة الشعروالجمال في الغناء العربي المعاصر: لقد ارتبط الشعر العربي عبر مختلف مراحله وعصوره بالغناء والموسيقى والنغم, وليس ادل على ذلك من كتاب "الأغاني"لأبي ألفرج ألأصفهاني,والذي يقلب صفحاته سوف يتحقق من مدى هذا ألتزاوج وألترابط بين ألشعر وألغناء في حياة ألعرب! ولم يبلغ ألغناء ألعربي مستوى ألتقدم في كل العصور, بمعزل عن ألشعر ألعربي,بل ولا أبالغ حينما أقول بأن وجود ألشاعركان محركا لقريحة ألفنان.كذلك كان ألغناء ألعربي رديفا للشعر, معانقا للكلمة ألسحرية ألمبحرة في ألجمال وألخيال,فكان ألغناء هو ألشعر,وكان ألشعر هو ألغناء.ورغم انقضاء مئات ألسنين, فان ألأذن ألعربية ما زالت تلتقط قول ألشاعر ألقديم: " قل للمليحة في ألخمار ألأسود **ماذا فعلت بناسك متعبد", وكذلك قصيدة"ابي فراس ألحمداني" وألتي غنيت كثيرا, وأعاد صياغة لحنها بعبقرية منفردة عملاق ألموسيقى العربية "رياض السنباطي",وتسامت بها,كوكبة ألشرق وسيدة ألغناء ألعربي"أم كلثوم" الى نهاية ألآبداع بعبقرية صوتها وأدائها,بالمعنى ألذي يؤكد ألتزاوج ألعميق بين سحر ألشعر وجمالية ألنغم, بين ألمرجعية ألتراثية ألقديمة وألمرجعية ألتراثية ألمعاصرة." أراك عصي ألدمع شيمتك ألصبر**أما للهوى نهي عليك ولا أمر؟ وقد تواصل هذا ألتزاوج ألعميق وتبلور بصورة جلية مع اطلالة ألنهضة ألعربية, فلا يدهشنا احتضان أمير ألشعراء "أحمد شوقي" للموسيقار ألشاب "محمد عبد ألوهاب", فيخرج من بين هذا ألآحتضان: "يا جارة ألوادي طربت وعادني**ما يشبه ألاحلام من ذكراك" كما لا يدهشنا ألارتباط ألفني ألطويل بين "أم كلثوم" وألشاعر "أحمد رامي" على ألنحو ألذي أنجب للغناء ألعربي ألمعاصر روائع من نوع: "لبست ثوب ألعيش لم أستشر**وحرت فيه بين شتى ألفكر". ولن نتعجب من اقتران أشعر "بشاره ألخوري" بالحان ألموسيقار ألخالد "فريد ألأطرش"فأظهر الى ألوجود أغنيات تطرب لها ألأذن وتهتز لها ألأفئدة,حين يردد مفتخرا بامجاد أمته ألعربية حين وقفت متحدة" في حرب فلسطين عام 1948 ", من قصيدة"زهرة من دمنا": سائل ألعلياء عنا وألزمانا**هل خفرنا ذمة مذ عرفانا؟" وعلى هذا ألنحو ارتقى ألغناء ألعربي, وارتفع بمستوى ألذوق ألفني للمستمع ألعربي, ولم يكن ذلك متاحا لولا ألشعراء وصناع ألكلمة ألشعرية ألمنغمة, وكذلك ألفنان ألملحن وصاحب موهبة حقيقية,كما يمكن أن نلمس هذه ألحقيقة في قصيدة ألشاعر"جورج جرداق" ألتي أبدع في تلحينها ألموسيقار"محمد عبد ألوهاب": "هذه ليلتي وحلم حياتي**بين ماض من ألزمان وات" وقد توسعت موضوعات ألغناء ألعربي ألمعاصر,لتتناول فلسفة ألحب وألجمال, من منظور شفاف تتجلى فيه ألرومانسية ألفنية في ارق معانيها وأبهى صورها, وذلك من تجربة "فيروز" مع بعض نصوص وأشعار" جبران خليل جبران",التي تحولت مع صوت "فيروز" الى لوحات ملونة بالوان ألرومانسية ألحالمة. وقد تغنت فيروز بهذه ألكلمات ألموغلة بالرومانسية ألجبرانية ومن ألحان محمد عبد ألوهاب: "سكن الليل وفي ثوب ألسكون تختبىء ألأحلام وسعى ألبدر وللبدر عيون ترصد ألايام..." ومع مجيء ألشاعر ألعظيم"نزار قباني" الى عالم ألأغنية ألعربية, بقصائده ألمتميزة بلغتها,وألجديدة بموضوعاتها,وألجريئة بأفكارها,عرفت ألأغنية ألعربية نهضة جديدة.وكانت كلمات هذا ألشاعر قد استطاعت ومنذ ألوهلة ألأولى ان تجد لها مكانا خاصا بها بين ذلك الكم ألكبير من ألأشعار وألقصائد ألغنائية ألأخرى,ووجد فيها كل من ألفنان وألمستمع"ألحلقة " ألمفقودة في ألمتن ألشعري ألغنائي ألعربي,سواء على مستوى ألشكل أو ألمضمون. لقد ارتبك امام نصوص "نزار قباني" ألموسيقار ألكبير محمد عبد ألوهاب,عندما تسلم أول مرة قصيدة"ايظن" ليضع لها لحنا من أداء"نجاة ألصغيرة" , وعبر شخصيا عن خوفه وارتباكه من أن ينفر ألناس من هذه ألأغنية, وذلك لتعود ألمستمع على نمط معين من ألمواضيع التي تتناولها ألأغاني, والمتسمة بألروح ألمحافظة التي لا تجرؤ على ترديد كلمات من نوع: "حتى فساتيني التي أهملتها**فرحت به رقصت على قدميه سامحته وسألت عن أخباره**وبكيت ساعات على كتفيه.." ومع أن هذه ألقصيدة كانت نقلة نوعية فريدة في ألأغنية ألعربية من حيث ألفحوى وأللحن,الا أنها نجحت وبصورة رهيبة, لدرجة أنها احتلت المركز ألأول بين ألاغاني التي ظهرت في ألسنة نفسها!! وهناك الكثير من الأغاني وبكلمات الشاعر نزار قباني،والتي لاقت إقبالا واسعا من الجمهور..أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر،"قارئة الفنجان" وقد غناها الفنان الراحل" عبد الحليم حافظ": جلست والخوف بعينيها**تتأمل فنجاني المقلوب ثم يقول: وسترجع يوما يا ولدي**مهزوما مكسور الوجدان... وستعرف بعد رحيل العمر**بأنك كنت تطارد خيط دخان. وفي هذه القصيدة الرائعة،عدة معاني،إذ يجد رجل السياسة فيها ما يعبر عن طموحه السياسي،ويجد المناضل في دلالتها ما يرمز إلى إنكساراته وهزائمه،كما قد يجد فيها الإنسان المتوثب ما يعبر حقيقة عن خيبة أمله في نهاية المطاف بعد سلسلة المحاولات على درب الحياة.ما اروع ان يكتب شاعر عظيم قصيدة عظيمة في كلماتها وان يغنيها ويلحنها مغني وملحن عظيمان؟! هكذا كان الشاعر العربي وهكذا كان المطرب العربي..الشعر له معنى والأغنية لها كلماتها..أما في وقتنا الحاضر فنسمع أغاني لا معنى لها وما يهم الشباب هو الرقص على موسيقى وكأنهم في"ديسكوتيك"يتمايلون ويترنحون وهذا كل ما يعنيهم! بعد كل هذا السرد التاريخي لواقع الشعر العربي والأغنية العربية،أرى نفسي في السنوات الأخيرة وكأن الأغنية العربية قد فقدت معانيها عدا عن بعض الأغنيات! أما القصائد والأشعار فقد حافظت نوعا ما على قيمتها وإن لم ترتقي إلى المستوى الذي كان معهودا سابقا.
لا أحد منا يستطيع إنكار حقيقة أن الموسيقى هي غذاء الروح وأنها تلك التي قد تكون وسيلة لتهدئة الفكر والأعصاب في بعض الأحيان ، وصدق من قال: " إن أردت أن تحكم على شعب ما فاحكم عليه من خلال فنه وموسيقاه" ، فيا حسرتي على شعبنا العربي اليوم فأي حكم نستطيع إطلاقه على فننا الهابط وأغانينا المحوسبة التي تخلوا من كل رقي وحضارة ، فلو كنت قاضياً وكانت هذه الأغاني بشراً ما كنت حكمت عليه بأقل من الإعدام رمياً بالرصاص على مرأى الملايين!
إن الشباب اليوم وبدون تعميم لا يعرفون من هو"أبو الطيب المتنبي"وإذا سألتهم عن نزار قباني وغيره من الشعراء والأدباء الكبار،فكأنك تتكلم معهم باللغة الصينية، لكنهم يعرفون الكثير عن هيفاء ونانسي،بل يفتخرون بذلك! نعم،إن لكل شيء في هذه الحياة ثمن..وأولادنا يدفعون الثمن الان!!
د.صلاح عودة الله-القدس المحتلة
أبدأ مقالي هذا قائلا لأولادنا وشبابنا وشاباتنا:" ويلي منكم وويلي عليكم"..! أكتب هذه الكلمات من باب حرصي على لغتنا العريقة وكلماتها الرائعة والتي وللأسف بدأ الابتعاد عنها.
"أعطني كأساً وغانية أسخر لك الشعب المصري برمته"، شعارٌ لطالما تفاخر به نابليون قبل احتلاله لمصر , وبه ادعى انه إذا ما فكر باحتلال هذا البلد لن يحتاج سوى بضع مغنيات عاريات وبعض زجاجاتٍ من النبيذ..! وبالفعل فهذا ما حدث فقد استطاع دخول تلك البلاد ورجال تلك الأمة يثملون ويتمايلون خلف نهد هذه ووراء ساقي تلك ، وصدق نابليون آنذاك، لكن أيعيد التاريخ نفسه الآن وعلى نطاق أوسع ؟ فمعظم أمتنا باتت تتمايل حتى في بيوتها وراء ما يسمى بالموسيقى الحديثة ،وهل يصدق نابليون هذه المرة ايضاً؟ انني أرى أنه ومع مرور الزمن يبتعد الشباب والشابات عن ثقافتهم ولغتهم العربية الأصيلة..ولا أبالغ حينما أقول أنني أرى طلابا أنهوا الدراسة الثانوية،بل أرى جامعيين،لا يجيدون اللغةالعربية الفصحى كتابة وقراءة ،وإن كتبوا فأخطائهم الإملائية عديدة..هذا عدا عن بعدهم الكبير عن قواعد هذه اللغة العريقة،والتي وصفها الشاعر الكبير"حافظ إبراهيم"بقوله: أنا البحر الدر في أحشائه كامن**فهل سألوا الغواص عن صدفاتي ..؟ إن شبابنا اليوم يعرف الكثير عن هيفاء وهبي وإليسا ونانسي عجرم..مع أن كلمات أغانيهن لا معنى لها..بل قمن بتحويل الفن لعرض أزياء وأجساد،فالتي تظهر جسدها أكثر هي الرابحة..يا لسخرية القدر!وقد دفعني هذا النبا لأن استعرض جزءا من فلسفة الشعروالجمال في الغناء العربي المعاصر: لقد ارتبط الشعر العربي عبر مختلف مراحله وعصوره بالغناء والموسيقى والنغم, وليس ادل على ذلك من كتاب "الأغاني"لأبي ألفرج ألأصفهاني,والذي يقلب صفحاته سوف يتحقق من مدى هذا ألتزاوج وألترابط بين ألشعر وألغناء في حياة ألعرب! ولم يبلغ ألغناء ألعربي مستوى ألتقدم في كل العصور, بمعزل عن ألشعر ألعربي,بل ولا أبالغ حينما أقول بأن وجود ألشاعركان محركا لقريحة ألفنان.كذلك كان ألغناء ألعربي رديفا للشعر, معانقا للكلمة ألسحرية ألمبحرة في ألجمال وألخيال,فكان ألغناء هو ألشعر,وكان ألشعر هو ألغناء.ورغم انقضاء مئات ألسنين, فان ألأذن ألعربية ما زالت تلتقط قول ألشاعر ألقديم: " قل للمليحة في ألخمار ألأسود **ماذا فعلت بناسك متعبد", وكذلك قصيدة"ابي فراس ألحمداني" وألتي غنيت كثيرا, وأعاد صياغة لحنها بعبقرية منفردة عملاق ألموسيقى العربية "رياض السنباطي",وتسامت بها,كوكبة ألشرق وسيدة ألغناء ألعربي"أم كلثوم" الى نهاية ألآبداع بعبقرية صوتها وأدائها,بالمعنى ألذي يؤكد ألتزاوج ألعميق بين سحر ألشعر وجمالية ألنغم, بين ألمرجعية ألتراثية ألقديمة وألمرجعية ألتراثية ألمعاصرة." أراك عصي ألدمع شيمتك ألصبر**أما للهوى نهي عليك ولا أمر؟ وقد تواصل هذا ألتزاوج ألعميق وتبلور بصورة جلية مع اطلالة ألنهضة ألعربية, فلا يدهشنا احتضان أمير ألشعراء "أحمد شوقي" للموسيقار ألشاب "محمد عبد ألوهاب", فيخرج من بين هذا ألآحتضان: "يا جارة ألوادي طربت وعادني**ما يشبه ألاحلام من ذكراك" كما لا يدهشنا ألارتباط ألفني ألطويل بين "أم كلثوم" وألشاعر "أحمد رامي" على ألنحو ألذي أنجب للغناء ألعربي ألمعاصر روائع من نوع: "لبست ثوب ألعيش لم أستشر**وحرت فيه بين شتى ألفكر". ولن نتعجب من اقتران أشعر "بشاره ألخوري" بالحان ألموسيقار ألخالد "فريد ألأطرش"فأظهر الى ألوجود أغنيات تطرب لها ألأذن وتهتز لها ألأفئدة,حين يردد مفتخرا بامجاد أمته ألعربية حين وقفت متحدة" في حرب فلسطين عام 1948 ", من قصيدة"زهرة من دمنا": سائل ألعلياء عنا وألزمانا**هل خفرنا ذمة مذ عرفانا؟" وعلى هذا ألنحو ارتقى ألغناء ألعربي, وارتفع بمستوى ألذوق ألفني للمستمع ألعربي, ولم يكن ذلك متاحا لولا ألشعراء وصناع ألكلمة ألشعرية ألمنغمة, وكذلك ألفنان ألملحن وصاحب موهبة حقيقية,كما يمكن أن نلمس هذه ألحقيقة في قصيدة ألشاعر"جورج جرداق" ألتي أبدع في تلحينها ألموسيقار"محمد عبد ألوهاب": "هذه ليلتي وحلم حياتي**بين ماض من ألزمان وات" وقد توسعت موضوعات ألغناء ألعربي ألمعاصر,لتتناول فلسفة ألحب وألجمال, من منظور شفاف تتجلى فيه ألرومانسية ألفنية في ارق معانيها وأبهى صورها, وذلك من تجربة "فيروز" مع بعض نصوص وأشعار" جبران خليل جبران",التي تحولت مع صوت "فيروز" الى لوحات ملونة بالوان ألرومانسية ألحالمة. وقد تغنت فيروز بهذه ألكلمات ألموغلة بالرومانسية ألجبرانية ومن ألحان محمد عبد ألوهاب: "سكن الليل وفي ثوب ألسكون تختبىء ألأحلام وسعى ألبدر وللبدر عيون ترصد ألايام..." ومع مجيء ألشاعر ألعظيم"نزار قباني" الى عالم ألأغنية ألعربية, بقصائده ألمتميزة بلغتها,وألجديدة بموضوعاتها,وألجريئة بأفكارها,عرفت ألأغنية ألعربية نهضة جديدة.وكانت كلمات هذا ألشاعر قد استطاعت ومنذ ألوهلة ألأولى ان تجد لها مكانا خاصا بها بين ذلك الكم ألكبير من ألأشعار وألقصائد ألغنائية ألأخرى,ووجد فيها كل من ألفنان وألمستمع"ألحلقة " ألمفقودة في ألمتن ألشعري ألغنائي ألعربي,سواء على مستوى ألشكل أو ألمضمون. لقد ارتبك امام نصوص "نزار قباني" ألموسيقار ألكبير محمد عبد ألوهاب,عندما تسلم أول مرة قصيدة"ايظن" ليضع لها لحنا من أداء"نجاة ألصغيرة" , وعبر شخصيا عن خوفه وارتباكه من أن ينفر ألناس من هذه ألأغنية, وذلك لتعود ألمستمع على نمط معين من ألمواضيع التي تتناولها ألأغاني, والمتسمة بألروح ألمحافظة التي لا تجرؤ على ترديد كلمات من نوع: "حتى فساتيني التي أهملتها**فرحت به رقصت على قدميه سامحته وسألت عن أخباره**وبكيت ساعات على كتفيه.." ومع أن هذه ألقصيدة كانت نقلة نوعية فريدة في ألأغنية ألعربية من حيث ألفحوى وأللحن,الا أنها نجحت وبصورة رهيبة, لدرجة أنها احتلت المركز ألأول بين ألاغاني التي ظهرت في ألسنة نفسها!! وهناك الكثير من الأغاني وبكلمات الشاعر نزار قباني،والتي لاقت إقبالا واسعا من الجمهور..أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر،"قارئة الفنجان" وقد غناها الفنان الراحل" عبد الحليم حافظ": جلست والخوف بعينيها**تتأمل فنجاني المقلوب ثم يقول: وسترجع يوما يا ولدي**مهزوما مكسور الوجدان... وستعرف بعد رحيل العمر**بأنك كنت تطارد خيط دخان. وفي هذه القصيدة الرائعة،عدة معاني،إذ يجد رجل السياسة فيها ما يعبر عن طموحه السياسي،ويجد المناضل في دلالتها ما يرمز إلى إنكساراته وهزائمه،كما قد يجد فيها الإنسان المتوثب ما يعبر حقيقة عن خيبة أمله في نهاية المطاف بعد سلسلة المحاولات على درب الحياة.ما اروع ان يكتب شاعر عظيم قصيدة عظيمة في كلماتها وان يغنيها ويلحنها مغني وملحن عظيمان؟! هكذا كان الشاعر العربي وهكذا كان المطرب العربي..الشعر له معنى والأغنية لها كلماتها..أما في وقتنا الحاضر فنسمع أغاني لا معنى لها وما يهم الشباب هو الرقص على موسيقى وكأنهم في"ديسكوتيك"يتمايلون ويترنحون وهذا كل ما يعنيهم! بعد كل هذا السرد التاريخي لواقع الشعر العربي والأغنية العربية،أرى نفسي في السنوات الأخيرة وكأن الأغنية العربية قد فقدت معانيها عدا عن بعض الأغنيات! أما القصائد والأشعار فقد حافظت نوعا ما على قيمتها وإن لم ترتقي إلى المستوى الذي كان معهودا سابقا.
لا أحد منا يستطيع إنكار حقيقة أن الموسيقى هي غذاء الروح وأنها تلك التي قد تكون وسيلة لتهدئة الفكر والأعصاب في بعض الأحيان ، وصدق من قال: " إن أردت أن تحكم على شعب ما فاحكم عليه من خلال فنه وموسيقاه" ، فيا حسرتي على شعبنا العربي اليوم فأي حكم نستطيع إطلاقه على فننا الهابط وأغانينا المحوسبة التي تخلوا من كل رقي وحضارة ، فلو كنت قاضياً وكانت هذه الأغاني بشراً ما كنت حكمت عليه بأقل من الإعدام رمياً بالرصاص على مرأى الملايين!
إن الشباب اليوم وبدون تعميم لا يعرفون من هو"أبو الطيب المتنبي"وإذا سألتهم عن نزار قباني وغيره من الشعراء والأدباء الكبار،فكأنك تتكلم معهم باللغة الصينية، لكنهم يعرفون الكثير عن هيفاء ونانسي،بل يفتخرون بذلك! نعم،إن لكل شيء في هذه الحياة ثمن..وأولادنا يدفعون الثمن الان!!
د.صلاح عودة الله-القدس المحتلة