مروان البرغوثي ومفتاح السجان
بدأت الشمس تغرب .. إنها تودعني من بين فتحات ضيقة لشباك غرفتي كتبت بشعرها الأصفر إلى اللقاء .. أحلام سعيدة .. ثم بدأت تتلاشى شيء فشيء حتى بدأ يتسلل إلى غرفتي زائر كان بالأمس القريب أشكو إليه .. ويونس وحدتي .. آه منك يا ليل .. كم تطول .. كم كنت سعيدا وأنا أنعم بالحرية .. أشعر بدفيء الوطن وحنان الأسرة ومشاكسة الأولاد .. الآن أنت يا ليل مشاكسي والنهار مداعبي .. صفارة العد تنطلق .. ومساء هادئ عدد المساء يكون من خلق الشباك .. فقط ما عليك سوى أن تصلب قامتك حتى يتأكد السجان أنك ما زلت على قيد الحياة كي ينفذ عقابه .. ثم يلتفت هنا وهناك مع ضابط المردوان إنها مجموعة قذرة تحوى ضابط الأمن وطبيب العيادة الخارجية ( المربعاه ) وضابط العدد .. ثم مفتش الغرف ذو العصاه الفولاذية .. يتفقد دائما شباك الدورة وجدار الغرفة .. مكروه .. مكروه من جدار وشبابيك وأسرة الغرفة .. انتهينا .. عدت إلى مضجعي .. أقلب في ذكرياتي عبر عقلي .. لا يستطيع السجان أن يصادرها مني .. لكنه يحاول أن يعدمها لتصبح شريط تالف لا يمكن استعراضه .. صوت خرير المياه في الدورة يزعجني .. كلما أقوم بإصلاحه يعود إلى إفساده مثل المفسدين في الأرض يدعون الإصلاح وهم .. مشربين بالفساد وأن أخذتهم العزة ..لم أعرف كيف نمت ليلتي .. لكنني استيقظت على صوت شاويش العنبر وهو يصرخ .. صباح الخير يا فدائية .. قروان على الباب .. المرضى يحضروا أنفسهم للنزول إلى ( المربعاه ) العيادة الخارجية .. واللي له زيارة محامي اليوم يجهز نفسه .. فجأة .. صراخ يصدر من قسم مختلط لكن أغلبهم من اخوتنا من حماس والجهاد .. ضابط المراقبة يكلم عبر تليفون العنبر قيادة السجن .. وما أن أغلق سماعة الهاتف حتى على صوت صفارة الخطر .. أدخل الشاويش إلى غرفته .. منعنا من فطور الصباح وزيارة المحامين والعيادة الخارجية .. انقلب السجن رأسا على عقب .. اخرجوا كل المعتقلين في القسم المختلط إلى ساحة ( الفورة ) ثم بدأ التفتيش في كل شيء يقع تحت أيدهم في غرفة المعتقلين .. إبادة وإتلاف شامل لكل مقتنيات المعتقلين .. إلى أن سمعنا صوت ضابط يصرخ بأعلى صوته دم.. دم .. دم .. اتصل على العيادة الخارجية وحضور سيارة الإسعاف لتنقل معتقل أمني .. ضرب منشطر في رقبته لكن ما زال على قيد الحياة .. قالوا تم نقله على مستشفى تل ها شومير .. طبعا عقاب جماعي للقسم وتنقلات بين السجون وحبس انفرادي لقادة التنظيم وحرمان من الزيارات لأكثر من زيارة .. مع منع دخول الكنتينة للقسم لمدة ثلاث زيارات بالإضافة إلى مصادرة الراديو والتلفاز والدفاتر والأقلام .. إنهم يصادرون أشياء خاضت الحركة الأسيرة حرب الأمعاء الخاوية أشهر طويلة حتى تحقيق هذه الإنجازات واستشهد مئات المناضلين من أجل تحقيقها في كافة السجون والمعتقلات من غزة السجن المركزي إلى أنصار .. إلى أنصار 3 النقب إلى سجون الضفة .. الجلمة والمجدل و.. و.. و .. الخ
عدت إلى سريري بعد أن انتصبت قامتي طوال الأحداث وأنا أراقبها من زنزانتي الانفرادية .. كانت نتائجها موت مناضل بأيدي مناضل ..
لا أعرف كيف نقتل بعضنا وعدونا يقتلنا كل ثانية مائة مرة يسلبنا حقنا في الحياة والتمتع بالحرية بين أبنائنا وأحبائنا .. هل دماء اليهود وردية ودمائنا بولية ؟! هل جنسيتهم نبوية ونحن عبيدية !!! هل الهواء والماء والشمس والقمر مخصص لهم ونحن أبناء البرية .. نعيش ونحيى بين القبور .. وقفت وأدرت ظهري لباب الزنزانة ونظرت من بين أصابع الشباك الفولاذية على أرى أحد يسير في الشارع .. الحمد لله .. هناك رجل يسير على دراجة وآخر يركب حمار .. يا الله ما أحلى الحرية .. هل من يسيرون في الشارع .. يشعرون بمعاناتنا داخل السجن !! هل يدعون لنا بالفرج القريب ؟! هل يشعرون بمعاناتنا وآلامنا .. وحزننا ؟! والعمر يضيع ساعة وثانية بثانية خلف أسوار السجان اللعين .. الذي لا يرحم سجين مريض كان أم كهل !!!
عدت إلى سريري .. وحمدت الله أني رأيت أناس تسير في شوارع الوطن .. انتهى ...
ويبقى السؤال هل تشعر القيادة والحكومات والشعوب بمعاناة أبنائهم المعتقلين داخل السجون الصهيونية ؟! وماذا فعلوا حتى يسارعوا في تحرير .. أبنائهم من خلف القضبان الشائكة والزنازين القاتلة .. لم يكونوا بغلة تعثرت في العراق .. بل هم أبناء شعب لهم قيادة وحكومة .. اعتقلوا من أجل هدف المسئولين عنهم أدرى به .. فهل يا قيادة ويا حكومات ويا شعوب ويا مسئولين .. ستبقى هذه الصفوة الصادقة داخل الأسوار تأكل الخبر الناشف وأنتم تأكلون الحمام وتشربون المياه المعدنية وأصوات الهواء الباردة تدغدغ أجسادكم لتذهبوا إلى سرير هناك في المبنى .. وغدا إن شاء الله بصير خير .. و اسمحولي أنا أخرج من الغرفة علشان لأني لا أفضل الكونديشين .. ولكم الله أخي مروان البرغوثي وكل المعتقلين في سجون الاحتلال الصهيوني وأدعو الله لكم بالفرج القريب .. آمين ..
قطر- الدوحة 12/6/2008م
[email protected]
بقلم الكاتب والمحلل السياسي
بسام أبو علي شريف
بدأت الشمس تغرب .. إنها تودعني من بين فتحات ضيقة لشباك غرفتي كتبت بشعرها الأصفر إلى اللقاء .. أحلام سعيدة .. ثم بدأت تتلاشى شيء فشيء حتى بدأ يتسلل إلى غرفتي زائر كان بالأمس القريب أشكو إليه .. ويونس وحدتي .. آه منك يا ليل .. كم تطول .. كم كنت سعيدا وأنا أنعم بالحرية .. أشعر بدفيء الوطن وحنان الأسرة ومشاكسة الأولاد .. الآن أنت يا ليل مشاكسي والنهار مداعبي .. صفارة العد تنطلق .. ومساء هادئ عدد المساء يكون من خلق الشباك .. فقط ما عليك سوى أن تصلب قامتك حتى يتأكد السجان أنك ما زلت على قيد الحياة كي ينفذ عقابه .. ثم يلتفت هنا وهناك مع ضابط المردوان إنها مجموعة قذرة تحوى ضابط الأمن وطبيب العيادة الخارجية ( المربعاه ) وضابط العدد .. ثم مفتش الغرف ذو العصاه الفولاذية .. يتفقد دائما شباك الدورة وجدار الغرفة .. مكروه .. مكروه من جدار وشبابيك وأسرة الغرفة .. انتهينا .. عدت إلى مضجعي .. أقلب في ذكرياتي عبر عقلي .. لا يستطيع السجان أن يصادرها مني .. لكنه يحاول أن يعدمها لتصبح شريط تالف لا يمكن استعراضه .. صوت خرير المياه في الدورة يزعجني .. كلما أقوم بإصلاحه يعود إلى إفساده مثل المفسدين في الأرض يدعون الإصلاح وهم .. مشربين بالفساد وأن أخذتهم العزة ..لم أعرف كيف نمت ليلتي .. لكنني استيقظت على صوت شاويش العنبر وهو يصرخ .. صباح الخير يا فدائية .. قروان على الباب .. المرضى يحضروا أنفسهم للنزول إلى ( المربعاه ) العيادة الخارجية .. واللي له زيارة محامي اليوم يجهز نفسه .. فجأة .. صراخ يصدر من قسم مختلط لكن أغلبهم من اخوتنا من حماس والجهاد .. ضابط المراقبة يكلم عبر تليفون العنبر قيادة السجن .. وما أن أغلق سماعة الهاتف حتى على صوت صفارة الخطر .. أدخل الشاويش إلى غرفته .. منعنا من فطور الصباح وزيارة المحامين والعيادة الخارجية .. انقلب السجن رأسا على عقب .. اخرجوا كل المعتقلين في القسم المختلط إلى ساحة ( الفورة ) ثم بدأ التفتيش في كل شيء يقع تحت أيدهم في غرفة المعتقلين .. إبادة وإتلاف شامل لكل مقتنيات المعتقلين .. إلى أن سمعنا صوت ضابط يصرخ بأعلى صوته دم.. دم .. دم .. اتصل على العيادة الخارجية وحضور سيارة الإسعاف لتنقل معتقل أمني .. ضرب منشطر في رقبته لكن ما زال على قيد الحياة .. قالوا تم نقله على مستشفى تل ها شومير .. طبعا عقاب جماعي للقسم وتنقلات بين السجون وحبس انفرادي لقادة التنظيم وحرمان من الزيارات لأكثر من زيارة .. مع منع دخول الكنتينة للقسم لمدة ثلاث زيارات بالإضافة إلى مصادرة الراديو والتلفاز والدفاتر والأقلام .. إنهم يصادرون أشياء خاضت الحركة الأسيرة حرب الأمعاء الخاوية أشهر طويلة حتى تحقيق هذه الإنجازات واستشهد مئات المناضلين من أجل تحقيقها في كافة السجون والمعتقلات من غزة السجن المركزي إلى أنصار .. إلى أنصار 3 النقب إلى سجون الضفة .. الجلمة والمجدل و.. و.. و .. الخ
عدت إلى سريري بعد أن انتصبت قامتي طوال الأحداث وأنا أراقبها من زنزانتي الانفرادية .. كانت نتائجها موت مناضل بأيدي مناضل ..
لا أعرف كيف نقتل بعضنا وعدونا يقتلنا كل ثانية مائة مرة يسلبنا حقنا في الحياة والتمتع بالحرية بين أبنائنا وأحبائنا .. هل دماء اليهود وردية ودمائنا بولية ؟! هل جنسيتهم نبوية ونحن عبيدية !!! هل الهواء والماء والشمس والقمر مخصص لهم ونحن أبناء البرية .. نعيش ونحيى بين القبور .. وقفت وأدرت ظهري لباب الزنزانة ونظرت من بين أصابع الشباك الفولاذية على أرى أحد يسير في الشارع .. الحمد لله .. هناك رجل يسير على دراجة وآخر يركب حمار .. يا الله ما أحلى الحرية .. هل من يسيرون في الشارع .. يشعرون بمعاناتنا داخل السجن !! هل يدعون لنا بالفرج القريب ؟! هل يشعرون بمعاناتنا وآلامنا .. وحزننا ؟! والعمر يضيع ساعة وثانية بثانية خلف أسوار السجان اللعين .. الذي لا يرحم سجين مريض كان أم كهل !!!
عدت إلى سريري .. وحمدت الله أني رأيت أناس تسير في شوارع الوطن .. انتهى ...
ويبقى السؤال هل تشعر القيادة والحكومات والشعوب بمعاناة أبنائهم المعتقلين داخل السجون الصهيونية ؟! وماذا فعلوا حتى يسارعوا في تحرير .. أبنائهم من خلف القضبان الشائكة والزنازين القاتلة .. لم يكونوا بغلة تعثرت في العراق .. بل هم أبناء شعب لهم قيادة وحكومة .. اعتقلوا من أجل هدف المسئولين عنهم أدرى به .. فهل يا قيادة ويا حكومات ويا شعوب ويا مسئولين .. ستبقى هذه الصفوة الصادقة داخل الأسوار تأكل الخبر الناشف وأنتم تأكلون الحمام وتشربون المياه المعدنية وأصوات الهواء الباردة تدغدغ أجسادكم لتذهبوا إلى سرير هناك في المبنى .. وغدا إن شاء الله بصير خير .. و اسمحولي أنا أخرج من الغرفة علشان لأني لا أفضل الكونديشين .. ولكم الله أخي مروان البرغوثي وكل المعتقلين في سجون الاحتلال الصهيوني وأدعو الله لكم بالفرج القريب .. آمين ..
قطر- الدوحة 12/6/2008م
[email protected]
بقلم الكاتب والمحلل السياسي
بسام أبو علي شريف