جمعية الجرابيع! واللبس الشديد بمصنع القوانين
رمضان جربوع
القدس العربي/ لندن 12/6/2008
لا أدري كيف يمكن لأناس يفكرون بعقلية عفي عليها الزمن وكذلك العولمة إيّاها، وغير مواكبة لما حدث ويحدث في ليبيا والعالم، أن يتم تكليفهم بإعداد مسودة لقانون الجمعيات الأهلية أو حسب تعبيرهم منظمات المجتمع المدني!
بداية، وقبل أن أندفع في التجريح والتعديل (علي رأي فقهاء الشريعة قديما)، لا بد أن أعرب عن سروري بأنه صار لدينا عرف عرض مسودات لقوانين قيد الإصدار، هذا دون شك شوط كبير تم قطعه، ولا ينكره إلا جاحد.. ولكن!
السادة الذين أنيط بهم وضع مشروع القانون تعثروا والتبس عليهم الأمر، وإليكم لماذا:
حيث ان العقلية السابقة تتمثل في اختزال إرادة المجتمع ووضعها رديفا مرادفا تابعا لاحقا لإرادة الحكومة، والحكومة أو السلطة التنفيذية مرتهنة أساسا بهاجس الأمن والرقابة والحيطة، ناهيك عن التصنيف والتقييم والتنصيت والتحقيق والتدجين والتمثيل، إلي آخر المنظومة، السادة إياهم اعتقدوا بأن الحكومة تريد إحكام الوثاق علي نشاط المجتمع المدني ووضعه تحت المجهر والتضييق عليه من كل جانب ليصبح مجرد أداة تعرض كدليل علي العالم بأنه صار لدينا حراك في مجتمعاتنا المدنية وصارت لدينا حرية تجمع سلمي مدني وحرية رأي.
كل ذلك لا مبرر له سوي هاجس الأمن وأجهزة الأمن ورجال الأمن وتصوراتهم وتحليلاتهم وكأننا ما زلنا نعيش في عهد الخلافة العثمانية!
فات عليهم، بأن ما يحدث في ليبيا الآن هو حراك حقيقي، حتي وإن شابه شيء وآخر، إلا أن مجرد فتح الباب للنقاش وإبداء الرأي، كان يجب أن يكون لهم إشارة وعلامة بأن هناك شيئاً جادا يحدث في البلاد.
كنت أود أن أقول بالانتظار حتي يدخل الدستور مرحلة الإصدار، ولكن لما كان الدستور يحتاج لإعداد وتشاور ونقاش وجدال، قبل أن يحظي بالاعتماد، ولما كان المتوخي من ميثاق الوطن الجديد إرساء المبادئ الأساسية للحريات وجعلها في مرتبة الحق الذي لا حق لأحد في استلابه، لذا قد يكون من المقبول أن نناقش مسألة منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية غير الحكومية عموما قبل أن تقع الفأس في الرأس!
الحراك المدني، من حق كل فرد، ولا يملك أحد أن يستلب مني هذا الحق بمدونات قوانين ولوائح وقرارات واعتمادات... إلا إذا كنت أنوي الشر أو الرذيلة.
إذا كنت أريد علي سبيل المثال (الافتراضي) تأسيس جمعية لرعاية الجرابيع فلا أري لزوم أي عائق يوضع أمامي يؤدي إلي إعاقة، أو إجباري علي القيام بعمل مدني وفق القائمة التي يضعها غيري عن غير وجه حق...
من حقي وبناتي تأسيس جمعية الجرابيع
لذلك إذا قمت واثنتين من بناتي بالذهاب لمحرر عقود أو محام وأمهرنا تواقيعنا أمامه علي القانون الأساسي الذي وضعه ثلاثتنا وينظم شؤون الجمعية وأهدافها وطريقة عملها وإدارتها، وطلبنا منه بعد التوقيع تسجيل العقد التأسيسي بأرشيف المحكمة ونشر إعلان في الصحيفة المحلية بما يفيد بما فعلنا، ولا مانع لدي بقيده في السجل التجاري، ولما كنت لا أنا ولا بناتي نمتلك المال لاستئجار مقر فلنا أن نتخذ مكتب المحامي أو محرر العقود بمثابة موطن مختار ، حسب ما جري عليه العرف والقانون لدينا عند توكيل محام.
أعتقد حسب مبادئ الحرية والعرف السائد في العالم الآن، ان هذا أكثر من كاف ولا داعي لإشهار غير ما قمت به ولا داعي لتحرير التقارير والاستمارات وفترات الانتظار للموافقة الحكومية، هذه هي الحرية كما أفهمها والتي لا تتوقف إلا عند حاجز استلاب حرية الغير أو الإضرار به ... معنويا أو أخلاقيا أو ماديا.
وإلي هذا الحد، أنا لا أطالب لا بإصدار مرسوم لإضفاء صبغة الصالح العام علي الجمعية ولا يحزنون، ولا أطالب بأموال من خزينة الشعب لتمويلي ولا أطالب بخدمات خاصة أو مزايا، فقط أريد أن أعمل شيئا كما يحلو لي/ أعتقد بأن له جدوي حتي ولو كانت لي ولبناتي... والجدوي حسب ما أعلم، لا تقررها الحكومة بل يقررها من يتفق معي أو يعمل معي في هذا الشأن... بمعني آخر، وباستعمال المصطلحات الحديثة، السوق هو الذي سيحكم، أي سوق المجتمع المدني وتقبله وحكمه ولا شأن لحكومة أو برلمان بي!
وإذا عنّ لبعض أفراد من المجتمع تقديم الدعم لي من أموالهم هم (الحلال إن شاء الله)، ووفقا لشروطي أنا، فما دخل الحكومة بي؟.. بالطبع أتفهم أن أدرج ما استلمت في إقراري الضريبي السنوي ولا شيء غير ذلك، لأن جمعيتي ستكون غير ربحية وبالتالي لا ضرائب ولا رسوم ولا يحزنون.
وإذا رأيت أن في العالم الأوسع، الذي صار قرية حسب تعبير (بيل غيتس امتاع المايكروسوفت)، جمعيات مماثلة لها إمكانيات وترغب في مساعدتي، فلماذا لا؟ إذا كانت قادمة من بلد لسنا في حالة حرب معه وغير مصنف كعدو، فلا أري مانعا في أن أتلقي الدعم منه (معنويا كان أم ماديا) وفق شروط، أو الشروط التي نتوافق عليها. ويحق لي أن ألتحق بأي اتحاد أو أكثر، به جمعيات مماثلة وفقا لما أراه أنا، ولماذا لا؟ ولماذا علي طلب الإذن بذلك؟ وفي نفس الوقت لا أقبل أبدا أن يجبرني أحد علي الالتحاق بأي اتحاد كان إذا لم يطب لي ذلك.
وكذلك الأمر بجمعيات الزيتون والثقافة
ما ورد أعلاه، ينطبق بالتمام والكمال في حالة أن تكون جمعيتي الأهلية المدنية غير الحكومية تؤسس لنشر الوعي بفوائد زيت الزيتون أو التوعية بحقوق الإنسان أو النهي عن المنكر أو الحث علي كتابة مقالات معارضة لسياسات الحكومة أو التحريض علي كشف الرشوة والسرقة أو الاهتمام برعاية المسنين والمسنات أو الدعوة لتناول سبع تمرات كل خمس ساعات.... أو عشاق شكسبير أو إسماعيل ياسين... أو لعب الورق بدون فلوس أو مجرد حركة لمناصرة المسرح الشعبي في بنغازي أو درنه أو للاحتفاء بالفريق الذي أخرج لنا مسرحية المستشفي أو مسرحية العرّاسة ... ما لكم وما لي؟
نفس الشيء ينطبق إذا أردت أن اسمي جمعيتي .. ملتقي أو منتدي أو مقهي أو ناديا أو تجمعا أو فريقا رياضيا أو ساحة أو أي شيء لا يخدش الحياء... وأتفهم وجوب أن أضع في ديباجة القانون الأساسي عبارة: تم التأسيس للعمل في نطاق منظمات المجتمع المدني الحر .
ثلاثة كفاية
ثلاثة أفراد عدد كاف لإنشاء الجمعية وليس خمسين كما يريد مني القانون.
لا أريد من أحد أن يعتمدني، لا أريد مجلس اعتماد، لا أريد أي علاقة بالحكومة سواء بــ (بتاع النهار دة) أو حكومة الغد ... ولا حق لأحد أن يفرض علي الاجتماع عدد مرات معينة ولست ملزما بأن أقول بما دار في اجتماعي إذا لم أرد.. وإذا أردت فأنشرها علي الانترنيت أو الصحافة... وهذا يكفي.
النفع العام.. كيف؟
ولكن، إذا صرت، مع عدد معقول، من الناس، إلي تأسيس جميعة للعمل الميداني لصالح فئات معينة من المواطنين أو القضايا ذات الشأن النفعي سواء في نطاق الثقافة أو التاريخ أو حماية البيئة وغير ذلك واحتجت لأموال عن طريق التبرع العام المفتوح، فلا مانع لدي في أن أحتفظ بسجلات قانونية لما أستلم وأخرج كل عام ميزانية تبين الخفايا، وللحكومة في هذه الحالة، المناط بها افتراضا، منع التدليس، أن تحقق في حساباتي وتسألني عما فعلت بالأموال التي تلقيتها.
وإذا رأيت أنه من حقي أن أطالب بدعم الميزانية فذلك سيكون حقا لي إذا أثبت بالوقائع والحجج والبينات بأني أقوم بخدمة عامة يستفيد منها الناس وأني أقوم بذلك بدون مقابل طوعا تطوعا طامعا فقط في عمل الخير لعلي ألقاه يوم اللقاء... في هذه الحالة، لا مانع من تقديم برنامج عمل مدعم بالمستند والأرقام ومن حقي نيل ما أريد لأني أثبت بأني قادر علي ذلك سابقا ولا بأس من الحساب والتدقيق والمراجعة... وسيكون ذلك بمثابة مرسوم بإضفاء صفة النفع العام علي جميعتي... شريطة أن لا يحد ذلك من استقلاليتي في تلقي أموال من غير الحكومة وفي التعاون مع من أري أنه قادر علي إعانتي سواء إداريا أو علميا أو فنيا.. سواء أكان الطرف الذي سيعاونني من روسيا أو أمريكا أو من بلاد بني يعرب أو حتي من جمهورية خرمبش بشبش...
مقالتي هذه ليست سوي رأي من شخص مطلع لا يزعم لنفسه شيئا علي الإطلاق، اللهم الا إبداء رأي بنية خير... وهذا بالطبع لعلم إخوتنا الأفاضل في أجهزة الأمن العربية جمعاء! (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
نجح ذلك في ليبيا سابقا!
في الخلاصة، أورد لكم بأن ليبيا بنيت كدولة في جانب كبير علي أكتاف وجهود أناس خيريين أسسوا جمعيات أهلية لرعاية الكفيف والأيتام والتعليم الليلي التطوعي المجاني بكافة مراحله وأسسوا الهلال الأحمر الليبي وحركات الكشافة ومدارس محو الأمية وتزويج غير القادرين وإغاثة الملهوفين.
بأربعينيات وخمسينيات القرن الذي ولي.. كان ذلك عندما خرجت ليبيا محطمة مدمرة من الحرب العالمية الثانية التي لم يكن لها فيها لا ناقة ولا جمل.
كانت البلاد تعيش في فقر مدقع ولولا بذل أهل الخير والإعانات من مصر (لوجه الله وبدواعي العروبة والإسلام) وبعض دول الغرب (لمصالحها الذاتية) والأمم المتحدة، لما تمكنت من الوقوف علي قدميها.
الأناس الخيريون لدينا منهم كثير في هذه الأيام أيضا... ويحبون أن يعملوا مجانا لمجتمعهم دون قيد أو شرط ولكنهم لا يجدون كيف ومتي وأين... الحكومة لدينا (بتاع كلّه).
فهل نستجيب ونتيح لهم الفرصة لكي يبذلوا للوطن مقابل ما نالوا منه؟
وفي الختام، المعذرة إذا ظهر مقالي بنبرة ساخرة، معاذ الله، أنا لا أسخر إلا من نفسي، ولكن اليوم عيوني كانت (مغبّشة) فرأيت أن أداعب أهلي قليلا...
[email protected]
رمضان جربوع
القدس العربي/ لندن 12/6/2008
لا أدري كيف يمكن لأناس يفكرون بعقلية عفي عليها الزمن وكذلك العولمة إيّاها، وغير مواكبة لما حدث ويحدث في ليبيا والعالم، أن يتم تكليفهم بإعداد مسودة لقانون الجمعيات الأهلية أو حسب تعبيرهم منظمات المجتمع المدني!
بداية، وقبل أن أندفع في التجريح والتعديل (علي رأي فقهاء الشريعة قديما)، لا بد أن أعرب عن سروري بأنه صار لدينا عرف عرض مسودات لقوانين قيد الإصدار، هذا دون شك شوط كبير تم قطعه، ولا ينكره إلا جاحد.. ولكن!
السادة الذين أنيط بهم وضع مشروع القانون تعثروا والتبس عليهم الأمر، وإليكم لماذا:
حيث ان العقلية السابقة تتمثل في اختزال إرادة المجتمع ووضعها رديفا مرادفا تابعا لاحقا لإرادة الحكومة، والحكومة أو السلطة التنفيذية مرتهنة أساسا بهاجس الأمن والرقابة والحيطة، ناهيك عن التصنيف والتقييم والتنصيت والتحقيق والتدجين والتمثيل، إلي آخر المنظومة، السادة إياهم اعتقدوا بأن الحكومة تريد إحكام الوثاق علي نشاط المجتمع المدني ووضعه تحت المجهر والتضييق عليه من كل جانب ليصبح مجرد أداة تعرض كدليل علي العالم بأنه صار لدينا حراك في مجتمعاتنا المدنية وصارت لدينا حرية تجمع سلمي مدني وحرية رأي.
كل ذلك لا مبرر له سوي هاجس الأمن وأجهزة الأمن ورجال الأمن وتصوراتهم وتحليلاتهم وكأننا ما زلنا نعيش في عهد الخلافة العثمانية!
فات عليهم، بأن ما يحدث في ليبيا الآن هو حراك حقيقي، حتي وإن شابه شيء وآخر، إلا أن مجرد فتح الباب للنقاش وإبداء الرأي، كان يجب أن يكون لهم إشارة وعلامة بأن هناك شيئاً جادا يحدث في البلاد.
كنت أود أن أقول بالانتظار حتي يدخل الدستور مرحلة الإصدار، ولكن لما كان الدستور يحتاج لإعداد وتشاور ونقاش وجدال، قبل أن يحظي بالاعتماد، ولما كان المتوخي من ميثاق الوطن الجديد إرساء المبادئ الأساسية للحريات وجعلها في مرتبة الحق الذي لا حق لأحد في استلابه، لذا قد يكون من المقبول أن نناقش مسألة منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية غير الحكومية عموما قبل أن تقع الفأس في الرأس!
الحراك المدني، من حق كل فرد، ولا يملك أحد أن يستلب مني هذا الحق بمدونات قوانين ولوائح وقرارات واعتمادات... إلا إذا كنت أنوي الشر أو الرذيلة.
إذا كنت أريد علي سبيل المثال (الافتراضي) تأسيس جمعية لرعاية الجرابيع فلا أري لزوم أي عائق يوضع أمامي يؤدي إلي إعاقة، أو إجباري علي القيام بعمل مدني وفق القائمة التي يضعها غيري عن غير وجه حق...
من حقي وبناتي تأسيس جمعية الجرابيع
لذلك إذا قمت واثنتين من بناتي بالذهاب لمحرر عقود أو محام وأمهرنا تواقيعنا أمامه علي القانون الأساسي الذي وضعه ثلاثتنا وينظم شؤون الجمعية وأهدافها وطريقة عملها وإدارتها، وطلبنا منه بعد التوقيع تسجيل العقد التأسيسي بأرشيف المحكمة ونشر إعلان في الصحيفة المحلية بما يفيد بما فعلنا، ولا مانع لدي بقيده في السجل التجاري، ولما كنت لا أنا ولا بناتي نمتلك المال لاستئجار مقر فلنا أن نتخذ مكتب المحامي أو محرر العقود بمثابة موطن مختار ، حسب ما جري عليه العرف والقانون لدينا عند توكيل محام.
أعتقد حسب مبادئ الحرية والعرف السائد في العالم الآن، ان هذا أكثر من كاف ولا داعي لإشهار غير ما قمت به ولا داعي لتحرير التقارير والاستمارات وفترات الانتظار للموافقة الحكومية، هذه هي الحرية كما أفهمها والتي لا تتوقف إلا عند حاجز استلاب حرية الغير أو الإضرار به ... معنويا أو أخلاقيا أو ماديا.
وإلي هذا الحد، أنا لا أطالب لا بإصدار مرسوم لإضفاء صبغة الصالح العام علي الجمعية ولا يحزنون، ولا أطالب بأموال من خزينة الشعب لتمويلي ولا أطالب بخدمات خاصة أو مزايا، فقط أريد أن أعمل شيئا كما يحلو لي/ أعتقد بأن له جدوي حتي ولو كانت لي ولبناتي... والجدوي حسب ما أعلم، لا تقررها الحكومة بل يقررها من يتفق معي أو يعمل معي في هذا الشأن... بمعني آخر، وباستعمال المصطلحات الحديثة، السوق هو الذي سيحكم، أي سوق المجتمع المدني وتقبله وحكمه ولا شأن لحكومة أو برلمان بي!
وإذا عنّ لبعض أفراد من المجتمع تقديم الدعم لي من أموالهم هم (الحلال إن شاء الله)، ووفقا لشروطي أنا، فما دخل الحكومة بي؟.. بالطبع أتفهم أن أدرج ما استلمت في إقراري الضريبي السنوي ولا شيء غير ذلك، لأن جمعيتي ستكون غير ربحية وبالتالي لا ضرائب ولا رسوم ولا يحزنون.
وإذا رأيت أن في العالم الأوسع، الذي صار قرية حسب تعبير (بيل غيتس امتاع المايكروسوفت)، جمعيات مماثلة لها إمكانيات وترغب في مساعدتي، فلماذا لا؟ إذا كانت قادمة من بلد لسنا في حالة حرب معه وغير مصنف كعدو، فلا أري مانعا في أن أتلقي الدعم منه (معنويا كان أم ماديا) وفق شروط، أو الشروط التي نتوافق عليها. ويحق لي أن ألتحق بأي اتحاد أو أكثر، به جمعيات مماثلة وفقا لما أراه أنا، ولماذا لا؟ ولماذا علي طلب الإذن بذلك؟ وفي نفس الوقت لا أقبل أبدا أن يجبرني أحد علي الالتحاق بأي اتحاد كان إذا لم يطب لي ذلك.
وكذلك الأمر بجمعيات الزيتون والثقافة
ما ورد أعلاه، ينطبق بالتمام والكمال في حالة أن تكون جمعيتي الأهلية المدنية غير الحكومية تؤسس لنشر الوعي بفوائد زيت الزيتون أو التوعية بحقوق الإنسان أو النهي عن المنكر أو الحث علي كتابة مقالات معارضة لسياسات الحكومة أو التحريض علي كشف الرشوة والسرقة أو الاهتمام برعاية المسنين والمسنات أو الدعوة لتناول سبع تمرات كل خمس ساعات.... أو عشاق شكسبير أو إسماعيل ياسين... أو لعب الورق بدون فلوس أو مجرد حركة لمناصرة المسرح الشعبي في بنغازي أو درنه أو للاحتفاء بالفريق الذي أخرج لنا مسرحية المستشفي أو مسرحية العرّاسة ... ما لكم وما لي؟
نفس الشيء ينطبق إذا أردت أن اسمي جمعيتي .. ملتقي أو منتدي أو مقهي أو ناديا أو تجمعا أو فريقا رياضيا أو ساحة أو أي شيء لا يخدش الحياء... وأتفهم وجوب أن أضع في ديباجة القانون الأساسي عبارة: تم التأسيس للعمل في نطاق منظمات المجتمع المدني الحر .
ثلاثة كفاية
ثلاثة أفراد عدد كاف لإنشاء الجمعية وليس خمسين كما يريد مني القانون.
لا أريد من أحد أن يعتمدني، لا أريد مجلس اعتماد، لا أريد أي علاقة بالحكومة سواء بــ (بتاع النهار دة) أو حكومة الغد ... ولا حق لأحد أن يفرض علي الاجتماع عدد مرات معينة ولست ملزما بأن أقول بما دار في اجتماعي إذا لم أرد.. وإذا أردت فأنشرها علي الانترنيت أو الصحافة... وهذا يكفي.
النفع العام.. كيف؟
ولكن، إذا صرت، مع عدد معقول، من الناس، إلي تأسيس جميعة للعمل الميداني لصالح فئات معينة من المواطنين أو القضايا ذات الشأن النفعي سواء في نطاق الثقافة أو التاريخ أو حماية البيئة وغير ذلك واحتجت لأموال عن طريق التبرع العام المفتوح، فلا مانع لدي في أن أحتفظ بسجلات قانونية لما أستلم وأخرج كل عام ميزانية تبين الخفايا، وللحكومة في هذه الحالة، المناط بها افتراضا، منع التدليس، أن تحقق في حساباتي وتسألني عما فعلت بالأموال التي تلقيتها.
وإذا رأيت أنه من حقي أن أطالب بدعم الميزانية فذلك سيكون حقا لي إذا أثبت بالوقائع والحجج والبينات بأني أقوم بخدمة عامة يستفيد منها الناس وأني أقوم بذلك بدون مقابل طوعا تطوعا طامعا فقط في عمل الخير لعلي ألقاه يوم اللقاء... في هذه الحالة، لا مانع من تقديم برنامج عمل مدعم بالمستند والأرقام ومن حقي نيل ما أريد لأني أثبت بأني قادر علي ذلك سابقا ولا بأس من الحساب والتدقيق والمراجعة... وسيكون ذلك بمثابة مرسوم بإضفاء صفة النفع العام علي جميعتي... شريطة أن لا يحد ذلك من استقلاليتي في تلقي أموال من غير الحكومة وفي التعاون مع من أري أنه قادر علي إعانتي سواء إداريا أو علميا أو فنيا.. سواء أكان الطرف الذي سيعاونني من روسيا أو أمريكا أو من بلاد بني يعرب أو حتي من جمهورية خرمبش بشبش...
مقالتي هذه ليست سوي رأي من شخص مطلع لا يزعم لنفسه شيئا علي الإطلاق، اللهم الا إبداء رأي بنية خير... وهذا بالطبع لعلم إخوتنا الأفاضل في أجهزة الأمن العربية جمعاء! (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
نجح ذلك في ليبيا سابقا!
في الخلاصة، أورد لكم بأن ليبيا بنيت كدولة في جانب كبير علي أكتاف وجهود أناس خيريين أسسوا جمعيات أهلية لرعاية الكفيف والأيتام والتعليم الليلي التطوعي المجاني بكافة مراحله وأسسوا الهلال الأحمر الليبي وحركات الكشافة ومدارس محو الأمية وتزويج غير القادرين وإغاثة الملهوفين.
بأربعينيات وخمسينيات القرن الذي ولي.. كان ذلك عندما خرجت ليبيا محطمة مدمرة من الحرب العالمية الثانية التي لم يكن لها فيها لا ناقة ولا جمل.
كانت البلاد تعيش في فقر مدقع ولولا بذل أهل الخير والإعانات من مصر (لوجه الله وبدواعي العروبة والإسلام) وبعض دول الغرب (لمصالحها الذاتية) والأمم المتحدة، لما تمكنت من الوقوف علي قدميها.
الأناس الخيريون لدينا منهم كثير في هذه الأيام أيضا... ويحبون أن يعملوا مجانا لمجتمعهم دون قيد أو شرط ولكنهم لا يجدون كيف ومتي وأين... الحكومة لدينا (بتاع كلّه).
فهل نستجيب ونتيح لهم الفرصة لكي يبذلوا للوطن مقابل ما نالوا منه؟
وفي الختام، المعذرة إذا ظهر مقالي بنبرة ساخرة، معاذ الله، أنا لا أسخر إلا من نفسي، ولكن اليوم عيوني كانت (مغبّشة) فرأيت أن أداعب أهلي قليلا...
[email protected]