نظرة موجزة في الرواية وتحليلها
جورج أبو الدنين – فلسطين / [email protected]
السرد
هي الكيفية التي نروي بها القصة عن طريق القناة المتمثلة بالراوي والقصة والمروي له، وما تخضع له من مؤثرات، بعضها متعلق بالراوي والمروي له والبعض الآخر متعلق بالقصة ذاتها.
وهناك نمطان من السرد:
1. السرد الموضوعي.
2. السرد الذاتي.
لكن في هذه الرواية اختارت الراوية السرد الموضوعي، ففي هذا النظام من السرد الموضوعي يكون الكاتب مطلعا على كل شيء، حتى الأفكار السرية للأبطال ولا يتدخل ليفسر الأحداث، وإنما يصفها وصفا محايدا كما يراها أو كما يستنبطها في أذهان الأبطال وهذا يترك الحرية للقارئ ليفسر ما يحكى له ويؤوله.
ففي هذه الراوية تستخدم الراوية كشوفات السرد الروائي الحديث:
أولها: الحكاء "الجدلي" أي البناء الروائي القائم على تعدد الفصول التي تفيد ذات الصلة الواحدة إلى مشاهد متباعدة تتصل وتنقطع تاركة نهاية والصدمة ترقبا لما سيأتي في فضل خادم، بحيث يبقى كل فصل مفتوحا قابلا للتطوير.
وثانيها: البناء الدائري، ويعد إحدى التقنيات البديعة التي تم توظيفها في هذه الرواية، فالأحداث الأولى للسرد بدأت بجلسة فرائحة للفتيات الأربع فكان المكان هو "الرياض"، ومن ثم تتفرق الفتيات فمنهن من انتقلت إلى لندن، ومنهن من أقامت في أمريكا، ومنهن من سافرت إلى الإمارات وفجأة تنهي الأحداث السردية بلقاء ضم الشلة الرباعية في جلسة فرائحية أخرى وكان المكان ذاته "الرياض".
والرواية لا تنطوي على ممانعة التشويق عندما يسلم السرد نفسه راضيا مرضيا إلى المتلقي من أول فصل من فصول الرواية الخمسين لكن طريقة سرد الرواية تشكلك بمصداقية الوقائع التي في الرواية وذلك بسب وجود تلك التفاصيل الدقيقة في الرواية لأنها تحدثت عن وجود أسرار في مجتمع النساء حيث لا وجود للأسرار، فالمرأة غالبا لا تحب الاحتفاظ بالأسرار لسببين؛ أما انها السر تافها لا يستحق الاحتفاظ به أو ترى بأنه كبير جدا اكبر من قدرتها على الاحتفاظ به .
الشخصية الروائية:
الشخصية الروائية ركيزة الروائي الأساسية في الكشف عن القوى التي تحرك الواقع من حولنا وعن ديناميكية الحياة وتفاعلاتها، فالشخصية من المقومات الرئيسة للرواية، ودون الشخصية لا وجود للرواية.
والقصص التقليدي يتوافر على شخصيات لكنها في الأغلب شخصيات غريبة أو تجسد – من حيث ملامحها وصفاتها- المثل الأعلى للفضائل أو الرذائل المتفق عليها في البيئة التي ظهرت فيها. والذي يميز الشخصية الروائية انها شخصية إنسانية بالدرجة الأولى تجسد تجربة فردية خاصة وتمارس نشاطها في بيئة بشرية معينة.
وتعرف الشخصية الروائية من خلال الحوار أي من خلال ما تقوله عن نفسها ومن خلال ما يقوله الآخرون عنها، ونعرفها أكثر من خلال سلوكها ومواقفها وتصرفاتها أي من خلال الحركة أو الإرادة المحركة.
ويجب ان تكون الشخصية الروائية مقنعة، وخلق شخصية روائية مقنعة هي أساس بناء الرواية وسبب هام من أسباب نجاحها، وقد رسمت الرواية الشخصية الروائية في الأغلب باستخدام الأبعاد الأربعة التالية:
1. البُعد المادي:
ويقصد به البعد الجسمي الجسدي والملامح والقسمات والهيئة العامة أي طول الشخصية ولونها وزيها وملامح وجهها وحركة العينين، فسديم ذات الشعر الطويل والجسم الجميل والقامة الطويلة والبشرة الرقيقة، وقمرة قصيرة القامة ذ1ات الجسم النحيف ومشاعل ذات الوجه الأبيض والعينان السوداوان والقامة الطويلة.
وان البعد المادي للشخصية يتضمن دلالات اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية وأحيانا سياسية، فتحديد البعد المادي والمظهر الخارجي للشخصية يشير إلى المكان الذي تنتمي إليه الشخصية أو الوضع الاقتصادي الذي فيه كما يومئ إلى الحالة النفسية، مرحة، مهمومة، كئيبة.
ففي هذه الرواية استطاعت الراوية الكشف عما يختلج في نفس كل شخصية من الشخصيات المطروحة، فقمرة في البداية في غاية السعادة لأنها ستتزوج ومن ثم تصبح كئيبة بسبب طلاقها وخيانة زوجها لها، وسديم كذلك تكون سعيدة مع خطيبها وليد ومن ثم يتركها فتبدأ الحياة بالاسوداد أمامها ومشاعل تكون سعيدة تحب وليد الذي يشعرها بأنه من الممكن ان تجد رجل منفتح ويختلف عن المجتمع الذي تعيش فيه، لكنها تصدم بتأثير أهله عليه وعدم رضاهم عن الزواج منها فتصبح في حالة من اليأس والإحباط وأما لميس تمر بعدد من المراحل التي تكون فيها ما بين سعيدة وكئيبة .
2. البعد الاجتماعي:
ويقصد به انتماء الشخصية إلى فئة أو طبقة اجتماعية أو انتماؤها إلى الريف أو المدينة أو الاحياء الشعبية في المدينة أو الأحياء الثرية. فملامح وهيئة عاملة في مصنع تختلف عن مظهر وهيئة زوجة مسؤول كبير، فالانتماء الاجتماعي للشخصية الروائية ينعكس على هيئتها وحركاتها ولغتها وسلوكها وطموحها، فالشخصيات في رواية بنات الرياض جميعها تنتمي إلى الطبقة المخملية، وجميعها من مدينة الرياض، لكن لكل من هذه الشخصيات صفاتها المختلفة عن الأخرى، فقمرة ساذجة وسطحية ولا تفكر بالمستقبل أما سديم فهي فتاة متعلمة وذكية ولكنها عاطفية وعاطفتها توقعها بمشاكل كثيرة، أما لميس إنسانة قوية وذكية لا تسمح لعواطفها بالتحكم بها، أما مشاعل فهي فتاة تشبه في شخصيتها أهل الغرب ولغتها الانجليزية متقنة. فالبعد الاجتماعي للشخصية له صلة قوية بالقيم السائدة وبصورة النظام السياسي الاقتصادي وربما بقيم المرحلة أو العصر.
3. البعد النفسي:
ويقصد به اللوحة النفسية للشخصية أي ما يدور في أعماقها من مشاعر وانفعالات أو ما يدور في عقلها الباطن وحركة اللاوعي، والروائي ينفرد عن غيره بتصوير هذه الأعماق، فوسيلة الأعماق ماذا يدور فيها؟ ماذا تخفيه هذه النفس في باطنها؟ والشخصية الروائية قد تبوح بما في داخلها وقد تخلو مع نفسها وتطلب إلينا ان ننصت لها بعد ان أولتنا ثقتها وارتاحت إلى حبنا لها، فهي تفضي إلينا بذات متشائمة وهذا كله استطاع الراوية رجاء الصانع طرحه في روايتها فنقلت إلينا تفكير تلم الفتيات الأربع وطموحهن وكل ما يدور في أنفسهن من مشاعر الحب والكره، وقد باحت كل واحدة من هؤلاء الفتيات بما يوجد في داخلها، فسديم لها رجاء واحد وهو ان يكون كل الناس مثلها يتعاملون بعواطفهم، وقمرة ف داخلها مرار وحرة وتود ان تكون في قوة زميلاتها وخصوصا لميس، ومشاعل تقر عما في نفسها بالرغبة في ان يتغير حال المجتمع السعودي ولا يظل على هذا القدر من التأثر بالعادات والتقاليد المتوازنة ولميس عبرت عن نفسها من خلال الصمود في مواجهة مجتمع الرجال بقوة وحزم.
هناك تداخل بين هذه الأبعاد وترابط، فالانتماء الاجتماعي والفكري للشخصية يؤثر في لوحتها النفسية، كما ان البعد المادي للشخصية يؤثر في تشكيل البعد النفسي، فمشكلة معينة مثلا قد تؤثر في نفسية صاحبها فتدفعه إلى الانحراف ورؤية الحياة رؤية سوداوية مثلما حدث مع قمرة*.
4. البعد الأيدولوجي:
هو الانتماء الفكري للشخصية أو عقيدة الشخصية دينية، ماركسية، ليبرالية، قومية، الخ. وهو ما يؤثر في سلوكها ورؤيتها كما قد يحدد وعيها ومواقفها من قضايا عديدة، لكن الروائي قد يرسم هذا البعد ليؤكد الفصام الذي تعيشه الشخصية مثلا بين ما تؤمن به أو ما تقوله من أفكار وبين ممارساتها؛ فالشخصية تدعي انها تؤمن بفكر معين لكنها تمارس عكسه بوعي أو دونه، ولا شك ان هذا البعد يحدد مستوى الشخصية أو حظها من التعليم وثقافتها واهتمامها.
وهذا ينطبق على شخصية وليد خطيب سديم الذي كان يقول لها انه زوجها على سنة الله ورسوله وعندما أعطته ما يريد منها تركها وابتعد عنها لأنه يرى انها ليست الفتاة المناسبة التي سوف تحافظ على بيته].
أنواع الشخصيات الروائية
* الشخصية المسطحة:
وتعني انها بسيطة أو ثابتة أي اننا نرى جانبا واحدا من جوانبها أو تتصف بصفات واحدة لا تتغير طوال الرواية، فهي شخصية لا تؤثر فيها الأحداث ولا نأخذ منها شيئا، والشخصية المسطحة في رواية بنات الرياض في شخصية أم نوري، فهي صاحبة المكان الذي تلتقي فيه الفتيات ويبحن بأسرارهن لها ويتبادلن الأحاديث في حضورها وتقدم لهن النصائح والإرشادات من خلال تجاربها في هذه الحياة، وهي شخصية طيبة وحنونة وتقدم الحب للجميع، ولا يطرأ على شخصيتها أي تغير في الرواية؛ فالشخصية الثابتة لها فائدة كبير، فالكاتب يقيم بناءها بلمسة فنية واحدة، فهي لا تحتاج إلى تقديم وتفسير كما ان القارئ يتذكرها بسهولة.
* الشخصيات النامية:
هي الشخصية التي تبنى خطوة بخطوة وتنكشف بالتدرج وتتفاعل مع الأحداث وتتطور بتطورها، وهذا التفاعل قد يكون ظاهرا أو خفيا وسميت نامية لأنها تنمو وتتغير، ومدورة لأنها تدور فنراها من كل جوانبها، وهذه الشخصية تمثل الفتيات الأربع سديم ولميس ومشاعل وقمرة في رواية بنات الرياض، حيث تحدثت الرواية عن المراحل التي مرت بها الفتيات والتغيرات التي طرأت على حياة كل واحدة منهن والأحداث التي صادفت تلك الفتيات ومثال ذلك عندما تبدأ الرواية بحديثها عن قمرة العروس ومن ثم طلاقها وثم إنجابها لابنها ومن ثم تعمل مع مشاعل في مشروعها لإقامة الحفلات وتنهي حديثها عنها بأنها أصبحت من فتاة ساذجة إلى فتاة تفكر بمنطق وجدية.
والشخصية النامية يجب ان تفاجئنا بطريقة مقنعة فإذا لم تفاجئنا بعمل جديد أو بصفة لا نعرفها فيها فمعنى ذلك انها ثابتة، فرجاء الصانع كانت جميع شخصيات الفتيات الأربع مقنعة ونامية واستطاعت ان تفاجئنا بالتطورات التي حصلت مع كل واحدة منهن .
• من أين استقت الكاتبة شخصيات روايتها؟
هنالك آراء مختلفة فمنهم من رأى انها اختارت الشخصيات من الواقع ومنهم من يرى انها شخصيات خيالية، وكلا الرأيين صحيح لان الدراسات تؤكد ان الشخصية الروائية شخصية فنية مدهشة تبوح لنا بأسرارها الدفينة، كما قد تبعث فينا الرغبة في الاستطلاع، فالكاتب يضفي على الشخصيات أشياء كثيرة من خياله ونتفا من شخصيته هو وقصعا من الشخصيات الواقعية فهو يختار وينفي يحور ويغير يصقل يضيف ولا بد من إعمال الخيال لان الأمانة هنا أي نقل الواقع كما هو لا تحول عمله إلى فن.
الزمان والمكان
الزمان والمكان ليسا مجردين فهما معا يعنيان بيئة الرواية أو المرحلة أو العصر أو الوسط أو المحيط الذي تتحرك به ومن خلاله الشخصيات، فالعصر في رواية بنات الرياض هو عصر الانترنت والشخصيات تعيش في الرياض ويسافرن إلى الخارج حيث لندن ودبي وشيكاغو وجميعهن ينتمي إلى الطبقة المخملية.
فالزمان والمكان يجسدان المناخ الروائي الذي تتنفس فيه الشخصيات وبذلك فإن الزمان والمكان يعنيان الوسط الطبيعي واختلاف الشخصيات وشمائلها وأساليبها في الحياة كما قد يعنيان ويفرضان قيما من نوع ما، أي يجسدان الشرط التاريخي والحضاري والأفق الذي تطمح الشخصية للوصول إليه فمثلا شخصية ميشيل كانت شخصية مختلفة شيئا ما عن باقي صديقاتها حيث ان أسلوبها في التعامل مع الآخرين وأخلاقها وصفاتها أكثر انفتاحا من باقي الفتيات وذلك بسبب عيشها فترة طفولتها في أمريكا، فهذا المكان قد اثر عليها في تلك المرحلة من حياتها وبسبب تأثير هذا المكان عليها أصبحت تطمح لتغير المجتمع الذي تعيش فيه وخصوصا بعد عودتها إلى أمريكا .
والزمان والمكان يرسمان في الرواية كما ترسم الأحداث والشخصيات، فالروائية اختارت بيئة لروايتها وهي الرياض والمجتمع المخملي فيه ورسمته من خلال تجاربها وملاحظاتها ومشاهداتها وقراءاتها وخيالها أيضا. وتحدثت عن فترة معينة بينت فيها أخلاق الناس وعاداتهم في تلك الفترة وأوصاف الملابس وأساليب العيش وكانت على علم بالمشكلات الجوهرية السائدة.
فتحدثت عن العادات الصارمة التقليدية التي لا تتيح أي مجال للحرية في التفكير وحتى الحركة حيث ان العادات لا تسمح للمرأة بالخروج بحرية حتى وهي بكامل التزامها وتحدثت عن الثياب التي ترتديها المرأة في السعودية حيث العباءة والنقاب والزي الذي لا يظهر من المرأة المسلمة أي شيء وكذلك ملابس الرجال، لكن في خارج السعودية وخصوصا في الدول الغربية تخلع كثير من الفتيات العباءة وتلبس ملابس محتشمة وذلك مثلما فعلت سديم وأسلوب العيش في السعودية يختلف عنه في لندن مثلا، ففي السعودية لا يسمح بخروج الفتيات مع الشبان لكن في لندن ذلك شيء عادي.
وبالطبع يلعب الخيال دورا كبيرا في رسم هذه الحقائق الزمانية والمكانية وصياغتها فنيا بحيث تتوافق وتتلاءم وتتنسق مع الأحداث والشخصيات وفعلها وتطلعاتها وهذه الرواية تجسد الصراع بين الإنسان والزمان.
والمكان لا يعني أبدا المكان الجغرافي المحدود المحدد الصامت الثابت، بل هو يشمل البيئة بزمانها وشخوصها وأحداثها وهمومها وعاداتها وتقاليدها وقيمها وتطلعاتها وهو بهذا المعنى ليس صامتا أو ثابتا، فهو يؤثر ويتأثر ويتفاعل مع الشخصيات وأفكارها وطموحاتها، فالمكان له أثره في مشاعر الشخصية وفكرها، أي نراه يسهم في تشكيل لوحتها النفسية ووعيها وأبعادها.
الزمان
للدخول إلى البناء الزمني داخل الرواية لا بد من المرور عند ثلاث مفارقات زمنية:
الأولى: الترتيب والنظام، ويحدث نتيجة الانحراف الزمني بين تتابع الأحداث في القصة أو ما يطلق عليه زمن القصة والنظام الزمني لترتيبها في السرد "زمن القَص".
الثانية: وتحدث بين الديمومة النسبية في القصة وديمومة السرد "أي طوله" أو ما يطلق عليه الإيقاع الروائي، أي سرعة النص وبطؤه.
الثالثة: التواتر، ويحدث بين طاقة التكرار في القصة وطاقة التكرار في السرد.
تفرض طبيعة الكتابة ان يرتب الروائي الوقائع تتابعيا لأنه لا يستطيع ان يروي عددا من الوقائع في ان واحد فإن ثمة مفارقة ما بين زمن الوقائع وزمن سردها ونعني يزمن الوقائع انه زمن ما تحكي عنه الرواية ينفتح باتجاه الماضي فيروي أحداثا تاريخية أو أحداثا ذاتية، أما زمن السرد أو القص فهو زمن الحاضر الروائي أو الزمن الذي ينهض فيه السرد.
يؤدي عدم تطابق زمن القصة مع زمن القص إلى أحداث مفارقات سردية وخلخلة في زمن الحضور يتم بموجبها استرجاع أحداث أو استباقها.
الاسترجاع: هو إيقاف السارد لمجرد تطور أحداثه ليعود لاستحضار أحداث ماضية أي عملية تذكر الماضي وذلك مثلما كان يحدث عندما تجتمع الفتيات ويسترجعن ذكريات الدراسة والمغامرات لتي كانت جمعهن.
الاستباق: هو تداعي الأحداث المستقبلية التي لم تقع واستبقها الراوي في الزمن الحاضر "نقطة الصفر" وفي اللحظة الآنية للسرد، وغالبا ما يستخدم الراوي الصيغ الدالة على المستقبل، لكونه يسرد أحداثا لم تقع بعد وهذا الأسلوب يفسد عنصر التشويق ولكن رجاء الصانع لم تستخدم هذا الأسلوب مما منح الرواية مستوى عالٍ من التشويق.
يعمد السارد أحيانا إلى تكثيف لحظة زمنية وتطويلها من ناحية الكم بينما نراه أحيانا يمر على أزمنة وتواريخ طويلة بسرعة قصوى أو بالقفز عنها، ويعود هذا إلى الناحية النفسية والى اثر تلك اللحظة أو اللحظات داخله ويطلق علي هاتين العمليتين "الإيقاع الروائي"، وقد استخدمت رجاء الصانع في رواية بنات الرياض أربع حالات أساسية للإيقاع الروائي اثنين منهما تختصان بالإبطاء والأخريين بالتسريع، والحالات الأربع هي:
أ. الخلاصة: وهي تلخيص حوادث عدة أيام أو عدة شهور أو سنوات وتقديمها في بضع جمل أو عدد محدد من الأسطر وذلك مثل حديثها عن أم نوري وما حدث لها وكيف عالجت المشكلة التي تعاني منها ولمصاعب التي واجهتها في حياتها، وتكمن أهمية الخلاصة في وظائفها العديدة:
1. المرور السريع على فترات طويلة.
2. تقديم عام للمشاهد والربط بينها.
3. تقديم عام لشخصية جديدة مثل شخصية فراس.
4. عرض الشخصيات الثانوية التي لا يتسع النص لمعالجتها معالجة تفصيلية مثل نوري في الرواية.
5. الإشارة السريعة إلى التغيرات الزمنية وما وقع فيها من أحداث فتحدثت رجاء الصانع عن أيام الدراسة في المدرسة والمغامرات التي كنّ يقمن بها.
ب. الوقفة "الاستراحة": يتوقف الروائي عن سرد الأحداث ليصف منظرا ما فالوصف يقتضي عادة قطع السيرورة الزمنية وتعطل حركتها وظهر ذلك عند وقوفها على قسم الطب في عليشة، فوقفت عند مشهد صغير وتحدثت عنه وجعلته موضوعا كبيرا حيث وصفت احد الأماكن بأنه بعيد عن حركة الطلاب ومخيف وانه سيء المظهر ويحتاج إلى تجديد وتطوير.
ت. المشهد: يتكون المشهد في الرواية على شكل مقطع حواري وينجم عن ذلك تضخم نصي يبرز الحدث في لحظات وقوعه المحددة الكثيفة المشحونة ويعطي القارئ إحساسا بالمشاركة التي كانت تطرح في تلك الجلسات، فكل فتاة كانت تأتي وتشكو همها أو يشاركن لعضهن الفرحة.
ث. القفزة أو القطع أو الحذف: هو أقصى سرعة ممكنة يركبها السرد، وتتمثل في تخطيه للحظات حكائية بأكملها دون الإشارة لما حدث فيها وكأنها ليست جزءا من المتن الحكائي .
جورج أبو الدنين – فلسطين / [email protected]
السرد
هي الكيفية التي نروي بها القصة عن طريق القناة المتمثلة بالراوي والقصة والمروي له، وما تخضع له من مؤثرات، بعضها متعلق بالراوي والمروي له والبعض الآخر متعلق بالقصة ذاتها.
وهناك نمطان من السرد:
1. السرد الموضوعي.
2. السرد الذاتي.
لكن في هذه الرواية اختارت الراوية السرد الموضوعي، ففي هذا النظام من السرد الموضوعي يكون الكاتب مطلعا على كل شيء، حتى الأفكار السرية للأبطال ولا يتدخل ليفسر الأحداث، وإنما يصفها وصفا محايدا كما يراها أو كما يستنبطها في أذهان الأبطال وهذا يترك الحرية للقارئ ليفسر ما يحكى له ويؤوله.
ففي هذه الراوية تستخدم الراوية كشوفات السرد الروائي الحديث:
أولها: الحكاء "الجدلي" أي البناء الروائي القائم على تعدد الفصول التي تفيد ذات الصلة الواحدة إلى مشاهد متباعدة تتصل وتنقطع تاركة نهاية والصدمة ترقبا لما سيأتي في فضل خادم، بحيث يبقى كل فصل مفتوحا قابلا للتطوير.
وثانيها: البناء الدائري، ويعد إحدى التقنيات البديعة التي تم توظيفها في هذه الرواية، فالأحداث الأولى للسرد بدأت بجلسة فرائحة للفتيات الأربع فكان المكان هو "الرياض"، ومن ثم تتفرق الفتيات فمنهن من انتقلت إلى لندن، ومنهن من أقامت في أمريكا، ومنهن من سافرت إلى الإمارات وفجأة تنهي الأحداث السردية بلقاء ضم الشلة الرباعية في جلسة فرائحية أخرى وكان المكان ذاته "الرياض".
والرواية لا تنطوي على ممانعة التشويق عندما يسلم السرد نفسه راضيا مرضيا إلى المتلقي من أول فصل من فصول الرواية الخمسين لكن طريقة سرد الرواية تشكلك بمصداقية الوقائع التي في الرواية وذلك بسب وجود تلك التفاصيل الدقيقة في الرواية لأنها تحدثت عن وجود أسرار في مجتمع النساء حيث لا وجود للأسرار، فالمرأة غالبا لا تحب الاحتفاظ بالأسرار لسببين؛ أما انها السر تافها لا يستحق الاحتفاظ به أو ترى بأنه كبير جدا اكبر من قدرتها على الاحتفاظ به .
الشخصية الروائية:
الشخصية الروائية ركيزة الروائي الأساسية في الكشف عن القوى التي تحرك الواقع من حولنا وعن ديناميكية الحياة وتفاعلاتها، فالشخصية من المقومات الرئيسة للرواية، ودون الشخصية لا وجود للرواية.
والقصص التقليدي يتوافر على شخصيات لكنها في الأغلب شخصيات غريبة أو تجسد – من حيث ملامحها وصفاتها- المثل الأعلى للفضائل أو الرذائل المتفق عليها في البيئة التي ظهرت فيها. والذي يميز الشخصية الروائية انها شخصية إنسانية بالدرجة الأولى تجسد تجربة فردية خاصة وتمارس نشاطها في بيئة بشرية معينة.
وتعرف الشخصية الروائية من خلال الحوار أي من خلال ما تقوله عن نفسها ومن خلال ما يقوله الآخرون عنها، ونعرفها أكثر من خلال سلوكها ومواقفها وتصرفاتها أي من خلال الحركة أو الإرادة المحركة.
ويجب ان تكون الشخصية الروائية مقنعة، وخلق شخصية روائية مقنعة هي أساس بناء الرواية وسبب هام من أسباب نجاحها، وقد رسمت الرواية الشخصية الروائية في الأغلب باستخدام الأبعاد الأربعة التالية:
1. البُعد المادي:
ويقصد به البعد الجسمي الجسدي والملامح والقسمات والهيئة العامة أي طول الشخصية ولونها وزيها وملامح وجهها وحركة العينين، فسديم ذات الشعر الطويل والجسم الجميل والقامة الطويلة والبشرة الرقيقة، وقمرة قصيرة القامة ذ1ات الجسم النحيف ومشاعل ذات الوجه الأبيض والعينان السوداوان والقامة الطويلة.
وان البعد المادي للشخصية يتضمن دلالات اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية وأحيانا سياسية، فتحديد البعد المادي والمظهر الخارجي للشخصية يشير إلى المكان الذي تنتمي إليه الشخصية أو الوضع الاقتصادي الذي فيه كما يومئ إلى الحالة النفسية، مرحة، مهمومة، كئيبة.
ففي هذه الرواية استطاعت الراوية الكشف عما يختلج في نفس كل شخصية من الشخصيات المطروحة، فقمرة في البداية في غاية السعادة لأنها ستتزوج ومن ثم تصبح كئيبة بسبب طلاقها وخيانة زوجها لها، وسديم كذلك تكون سعيدة مع خطيبها وليد ومن ثم يتركها فتبدأ الحياة بالاسوداد أمامها ومشاعل تكون سعيدة تحب وليد الذي يشعرها بأنه من الممكن ان تجد رجل منفتح ويختلف عن المجتمع الذي تعيش فيه، لكنها تصدم بتأثير أهله عليه وعدم رضاهم عن الزواج منها فتصبح في حالة من اليأس والإحباط وأما لميس تمر بعدد من المراحل التي تكون فيها ما بين سعيدة وكئيبة .
2. البعد الاجتماعي:
ويقصد به انتماء الشخصية إلى فئة أو طبقة اجتماعية أو انتماؤها إلى الريف أو المدينة أو الاحياء الشعبية في المدينة أو الأحياء الثرية. فملامح وهيئة عاملة في مصنع تختلف عن مظهر وهيئة زوجة مسؤول كبير، فالانتماء الاجتماعي للشخصية الروائية ينعكس على هيئتها وحركاتها ولغتها وسلوكها وطموحها، فالشخصيات في رواية بنات الرياض جميعها تنتمي إلى الطبقة المخملية، وجميعها من مدينة الرياض، لكن لكل من هذه الشخصيات صفاتها المختلفة عن الأخرى، فقمرة ساذجة وسطحية ولا تفكر بالمستقبل أما سديم فهي فتاة متعلمة وذكية ولكنها عاطفية وعاطفتها توقعها بمشاكل كثيرة، أما لميس إنسانة قوية وذكية لا تسمح لعواطفها بالتحكم بها، أما مشاعل فهي فتاة تشبه في شخصيتها أهل الغرب ولغتها الانجليزية متقنة. فالبعد الاجتماعي للشخصية له صلة قوية بالقيم السائدة وبصورة النظام السياسي الاقتصادي وربما بقيم المرحلة أو العصر.
3. البعد النفسي:
ويقصد به اللوحة النفسية للشخصية أي ما يدور في أعماقها من مشاعر وانفعالات أو ما يدور في عقلها الباطن وحركة اللاوعي، والروائي ينفرد عن غيره بتصوير هذه الأعماق، فوسيلة الأعماق ماذا يدور فيها؟ ماذا تخفيه هذه النفس في باطنها؟ والشخصية الروائية قد تبوح بما في داخلها وقد تخلو مع نفسها وتطلب إلينا ان ننصت لها بعد ان أولتنا ثقتها وارتاحت إلى حبنا لها، فهي تفضي إلينا بذات متشائمة وهذا كله استطاع الراوية رجاء الصانع طرحه في روايتها فنقلت إلينا تفكير تلم الفتيات الأربع وطموحهن وكل ما يدور في أنفسهن من مشاعر الحب والكره، وقد باحت كل واحدة من هؤلاء الفتيات بما يوجد في داخلها، فسديم لها رجاء واحد وهو ان يكون كل الناس مثلها يتعاملون بعواطفهم، وقمرة ف داخلها مرار وحرة وتود ان تكون في قوة زميلاتها وخصوصا لميس، ومشاعل تقر عما في نفسها بالرغبة في ان يتغير حال المجتمع السعودي ولا يظل على هذا القدر من التأثر بالعادات والتقاليد المتوازنة ولميس عبرت عن نفسها من خلال الصمود في مواجهة مجتمع الرجال بقوة وحزم.
هناك تداخل بين هذه الأبعاد وترابط، فالانتماء الاجتماعي والفكري للشخصية يؤثر في لوحتها النفسية، كما ان البعد المادي للشخصية يؤثر في تشكيل البعد النفسي، فمشكلة معينة مثلا قد تؤثر في نفسية صاحبها فتدفعه إلى الانحراف ورؤية الحياة رؤية سوداوية مثلما حدث مع قمرة*.
4. البعد الأيدولوجي:
هو الانتماء الفكري للشخصية أو عقيدة الشخصية دينية، ماركسية، ليبرالية، قومية، الخ. وهو ما يؤثر في سلوكها ورؤيتها كما قد يحدد وعيها ومواقفها من قضايا عديدة، لكن الروائي قد يرسم هذا البعد ليؤكد الفصام الذي تعيشه الشخصية مثلا بين ما تؤمن به أو ما تقوله من أفكار وبين ممارساتها؛ فالشخصية تدعي انها تؤمن بفكر معين لكنها تمارس عكسه بوعي أو دونه، ولا شك ان هذا البعد يحدد مستوى الشخصية أو حظها من التعليم وثقافتها واهتمامها.
وهذا ينطبق على شخصية وليد خطيب سديم الذي كان يقول لها انه زوجها على سنة الله ورسوله وعندما أعطته ما يريد منها تركها وابتعد عنها لأنه يرى انها ليست الفتاة المناسبة التي سوف تحافظ على بيته].
أنواع الشخصيات الروائية
* الشخصية المسطحة:
وتعني انها بسيطة أو ثابتة أي اننا نرى جانبا واحدا من جوانبها أو تتصف بصفات واحدة لا تتغير طوال الرواية، فهي شخصية لا تؤثر فيها الأحداث ولا نأخذ منها شيئا، والشخصية المسطحة في رواية بنات الرياض في شخصية أم نوري، فهي صاحبة المكان الذي تلتقي فيه الفتيات ويبحن بأسرارهن لها ويتبادلن الأحاديث في حضورها وتقدم لهن النصائح والإرشادات من خلال تجاربها في هذه الحياة، وهي شخصية طيبة وحنونة وتقدم الحب للجميع، ولا يطرأ على شخصيتها أي تغير في الرواية؛ فالشخصية الثابتة لها فائدة كبير، فالكاتب يقيم بناءها بلمسة فنية واحدة، فهي لا تحتاج إلى تقديم وتفسير كما ان القارئ يتذكرها بسهولة.
* الشخصيات النامية:
هي الشخصية التي تبنى خطوة بخطوة وتنكشف بالتدرج وتتفاعل مع الأحداث وتتطور بتطورها، وهذا التفاعل قد يكون ظاهرا أو خفيا وسميت نامية لأنها تنمو وتتغير، ومدورة لأنها تدور فنراها من كل جوانبها، وهذه الشخصية تمثل الفتيات الأربع سديم ولميس ومشاعل وقمرة في رواية بنات الرياض، حيث تحدثت الرواية عن المراحل التي مرت بها الفتيات والتغيرات التي طرأت على حياة كل واحدة منهن والأحداث التي صادفت تلك الفتيات ومثال ذلك عندما تبدأ الرواية بحديثها عن قمرة العروس ومن ثم طلاقها وثم إنجابها لابنها ومن ثم تعمل مع مشاعل في مشروعها لإقامة الحفلات وتنهي حديثها عنها بأنها أصبحت من فتاة ساذجة إلى فتاة تفكر بمنطق وجدية.
والشخصية النامية يجب ان تفاجئنا بطريقة مقنعة فإذا لم تفاجئنا بعمل جديد أو بصفة لا نعرفها فيها فمعنى ذلك انها ثابتة، فرجاء الصانع كانت جميع شخصيات الفتيات الأربع مقنعة ونامية واستطاعت ان تفاجئنا بالتطورات التي حصلت مع كل واحدة منهن .
• من أين استقت الكاتبة شخصيات روايتها؟
هنالك آراء مختلفة فمنهم من رأى انها اختارت الشخصيات من الواقع ومنهم من يرى انها شخصيات خيالية، وكلا الرأيين صحيح لان الدراسات تؤكد ان الشخصية الروائية شخصية فنية مدهشة تبوح لنا بأسرارها الدفينة، كما قد تبعث فينا الرغبة في الاستطلاع، فالكاتب يضفي على الشخصيات أشياء كثيرة من خياله ونتفا من شخصيته هو وقصعا من الشخصيات الواقعية فهو يختار وينفي يحور ويغير يصقل يضيف ولا بد من إعمال الخيال لان الأمانة هنا أي نقل الواقع كما هو لا تحول عمله إلى فن.
الزمان والمكان
الزمان والمكان ليسا مجردين فهما معا يعنيان بيئة الرواية أو المرحلة أو العصر أو الوسط أو المحيط الذي تتحرك به ومن خلاله الشخصيات، فالعصر في رواية بنات الرياض هو عصر الانترنت والشخصيات تعيش في الرياض ويسافرن إلى الخارج حيث لندن ودبي وشيكاغو وجميعهن ينتمي إلى الطبقة المخملية.
فالزمان والمكان يجسدان المناخ الروائي الذي تتنفس فيه الشخصيات وبذلك فإن الزمان والمكان يعنيان الوسط الطبيعي واختلاف الشخصيات وشمائلها وأساليبها في الحياة كما قد يعنيان ويفرضان قيما من نوع ما، أي يجسدان الشرط التاريخي والحضاري والأفق الذي تطمح الشخصية للوصول إليه فمثلا شخصية ميشيل كانت شخصية مختلفة شيئا ما عن باقي صديقاتها حيث ان أسلوبها في التعامل مع الآخرين وأخلاقها وصفاتها أكثر انفتاحا من باقي الفتيات وذلك بسبب عيشها فترة طفولتها في أمريكا، فهذا المكان قد اثر عليها في تلك المرحلة من حياتها وبسبب تأثير هذا المكان عليها أصبحت تطمح لتغير المجتمع الذي تعيش فيه وخصوصا بعد عودتها إلى أمريكا .
والزمان والمكان يرسمان في الرواية كما ترسم الأحداث والشخصيات، فالروائية اختارت بيئة لروايتها وهي الرياض والمجتمع المخملي فيه ورسمته من خلال تجاربها وملاحظاتها ومشاهداتها وقراءاتها وخيالها أيضا. وتحدثت عن فترة معينة بينت فيها أخلاق الناس وعاداتهم في تلك الفترة وأوصاف الملابس وأساليب العيش وكانت على علم بالمشكلات الجوهرية السائدة.
فتحدثت عن العادات الصارمة التقليدية التي لا تتيح أي مجال للحرية في التفكير وحتى الحركة حيث ان العادات لا تسمح للمرأة بالخروج بحرية حتى وهي بكامل التزامها وتحدثت عن الثياب التي ترتديها المرأة في السعودية حيث العباءة والنقاب والزي الذي لا يظهر من المرأة المسلمة أي شيء وكذلك ملابس الرجال، لكن في خارج السعودية وخصوصا في الدول الغربية تخلع كثير من الفتيات العباءة وتلبس ملابس محتشمة وذلك مثلما فعلت سديم وأسلوب العيش في السعودية يختلف عنه في لندن مثلا، ففي السعودية لا يسمح بخروج الفتيات مع الشبان لكن في لندن ذلك شيء عادي.
وبالطبع يلعب الخيال دورا كبيرا في رسم هذه الحقائق الزمانية والمكانية وصياغتها فنيا بحيث تتوافق وتتلاءم وتتنسق مع الأحداث والشخصيات وفعلها وتطلعاتها وهذه الرواية تجسد الصراع بين الإنسان والزمان.
والمكان لا يعني أبدا المكان الجغرافي المحدود المحدد الصامت الثابت، بل هو يشمل البيئة بزمانها وشخوصها وأحداثها وهمومها وعاداتها وتقاليدها وقيمها وتطلعاتها وهو بهذا المعنى ليس صامتا أو ثابتا، فهو يؤثر ويتأثر ويتفاعل مع الشخصيات وأفكارها وطموحاتها، فالمكان له أثره في مشاعر الشخصية وفكرها، أي نراه يسهم في تشكيل لوحتها النفسية ووعيها وأبعادها.
الزمان
للدخول إلى البناء الزمني داخل الرواية لا بد من المرور عند ثلاث مفارقات زمنية:
الأولى: الترتيب والنظام، ويحدث نتيجة الانحراف الزمني بين تتابع الأحداث في القصة أو ما يطلق عليه زمن القصة والنظام الزمني لترتيبها في السرد "زمن القَص".
الثانية: وتحدث بين الديمومة النسبية في القصة وديمومة السرد "أي طوله" أو ما يطلق عليه الإيقاع الروائي، أي سرعة النص وبطؤه.
الثالثة: التواتر، ويحدث بين طاقة التكرار في القصة وطاقة التكرار في السرد.
تفرض طبيعة الكتابة ان يرتب الروائي الوقائع تتابعيا لأنه لا يستطيع ان يروي عددا من الوقائع في ان واحد فإن ثمة مفارقة ما بين زمن الوقائع وزمن سردها ونعني يزمن الوقائع انه زمن ما تحكي عنه الرواية ينفتح باتجاه الماضي فيروي أحداثا تاريخية أو أحداثا ذاتية، أما زمن السرد أو القص فهو زمن الحاضر الروائي أو الزمن الذي ينهض فيه السرد.
يؤدي عدم تطابق زمن القصة مع زمن القص إلى أحداث مفارقات سردية وخلخلة في زمن الحضور يتم بموجبها استرجاع أحداث أو استباقها.
الاسترجاع: هو إيقاف السارد لمجرد تطور أحداثه ليعود لاستحضار أحداث ماضية أي عملية تذكر الماضي وذلك مثلما كان يحدث عندما تجتمع الفتيات ويسترجعن ذكريات الدراسة والمغامرات لتي كانت جمعهن.
الاستباق: هو تداعي الأحداث المستقبلية التي لم تقع واستبقها الراوي في الزمن الحاضر "نقطة الصفر" وفي اللحظة الآنية للسرد، وغالبا ما يستخدم الراوي الصيغ الدالة على المستقبل، لكونه يسرد أحداثا لم تقع بعد وهذا الأسلوب يفسد عنصر التشويق ولكن رجاء الصانع لم تستخدم هذا الأسلوب مما منح الرواية مستوى عالٍ من التشويق.
يعمد السارد أحيانا إلى تكثيف لحظة زمنية وتطويلها من ناحية الكم بينما نراه أحيانا يمر على أزمنة وتواريخ طويلة بسرعة قصوى أو بالقفز عنها، ويعود هذا إلى الناحية النفسية والى اثر تلك اللحظة أو اللحظات داخله ويطلق علي هاتين العمليتين "الإيقاع الروائي"، وقد استخدمت رجاء الصانع في رواية بنات الرياض أربع حالات أساسية للإيقاع الروائي اثنين منهما تختصان بالإبطاء والأخريين بالتسريع، والحالات الأربع هي:
أ. الخلاصة: وهي تلخيص حوادث عدة أيام أو عدة شهور أو سنوات وتقديمها في بضع جمل أو عدد محدد من الأسطر وذلك مثل حديثها عن أم نوري وما حدث لها وكيف عالجت المشكلة التي تعاني منها ولمصاعب التي واجهتها في حياتها، وتكمن أهمية الخلاصة في وظائفها العديدة:
1. المرور السريع على فترات طويلة.
2. تقديم عام للمشاهد والربط بينها.
3. تقديم عام لشخصية جديدة مثل شخصية فراس.
4. عرض الشخصيات الثانوية التي لا يتسع النص لمعالجتها معالجة تفصيلية مثل نوري في الرواية.
5. الإشارة السريعة إلى التغيرات الزمنية وما وقع فيها من أحداث فتحدثت رجاء الصانع عن أيام الدراسة في المدرسة والمغامرات التي كنّ يقمن بها.
ب. الوقفة "الاستراحة": يتوقف الروائي عن سرد الأحداث ليصف منظرا ما فالوصف يقتضي عادة قطع السيرورة الزمنية وتعطل حركتها وظهر ذلك عند وقوفها على قسم الطب في عليشة، فوقفت عند مشهد صغير وتحدثت عنه وجعلته موضوعا كبيرا حيث وصفت احد الأماكن بأنه بعيد عن حركة الطلاب ومخيف وانه سيء المظهر ويحتاج إلى تجديد وتطوير.
ت. المشهد: يتكون المشهد في الرواية على شكل مقطع حواري وينجم عن ذلك تضخم نصي يبرز الحدث في لحظات وقوعه المحددة الكثيفة المشحونة ويعطي القارئ إحساسا بالمشاركة التي كانت تطرح في تلك الجلسات، فكل فتاة كانت تأتي وتشكو همها أو يشاركن لعضهن الفرحة.
ث. القفزة أو القطع أو الحذف: هو أقصى سرعة ممكنة يركبها السرد، وتتمثل في تخطيه للحظات حكائية بأكملها دون الإشارة لما حدث فيها وكأنها ليست جزءا من المتن الحكائي .