الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

نم مستريحاً في رقادك السرمدي يا صديقي (محمد أوزون)بقلم:سيامند إبراهيم

تاريخ النشر : 2008-01-18
سيامند إبراهيم


بين آمد واستكهولم ثمة خيط مشدود, أجل خيط مرسوم و بشيء أسمه التحدي, لكن هنا للتحدي عنوان آخر, ويأخذ هذا الخيط شكل آخر مزنر وموشى بخيوط الفجر الأنيق الميزوبوتامي محمد أوزون الذي توقع الكثير موته قبل أشهر ولم يخطر على ذي بال أن يقهر هذا الروائي القدر وقرارات أطباء السويد, وقد أثار هذا الخبر الجدل لهذا التحدي, تحدي الموت الذي قال فيه جرير "بأن الموت لا مفر منه", هنا يمكن التحدي وصلابة وجبروت وقدرة الاستمرار في حياة المثقف الكردي بشكل خاص, فهو تحد من طينة أخرى, يجمع بين الطينة التي جبل عليها هذا المثقف, وبين ما يصاب به فجأة في خضم هذه الحياة المرة, مرة مرارة العلقم المدسوس بسموم السلطة القمعية للمثقف تهميشه وتحطميه بشتى الوسائل؟! ناشراً سماً كسموم العقرب الأسود, فهنا هو جوهر التحدي الذي واجهه في سجون تركيا العسكرية في السبعينيات من القرن الماضي, ثم يواجهه الروائي الكردي بالإصرار على الكتابة باللغة الكردية في جو تركي شوفيني ومناخ كردي متجه نحو التحزب وتأجيل المشروع الثقافي الكردي إلى مراحل بنظرهم هي الأهم, وقد ثبت العكس, وهنا نتذكر قيمة مقول القائد الفييتنامي (هوشي منه) حين قال "لا انتصار لنا على عدونا إلا بالرجوع إلى الثقافة القومية وهو سابق على النضال العسكري" نعم هذا هو السياسي والصحافي محمد أوزون الذي ترك الكتابة الصحافية في جريدته التي أصدرها (رزكاري) واتجه إلى عالم الرواية الفسيح والذي سيعبر عن التراجيديا الكردية باللغة الروائية, وتتالت روايته (ظل الحب, وعفدالي زينيكي, وأنت) التي ترجمت إلى اللغة العربية ونشرت في دمشق, وإلى روايات أخرى وأهمها (استغاثة دجلة) وهي من أضخم روايات الأستاذ محمد أوزون, فيقول في الجزء الأول منها:" أنتم طلبتم , أنا سأقص لكم, أشعلوا القنديل, وأسمعوا لأصوات المنسيين" وبالفعل فإن صوت هذا الروائي وهو يشعل لنا القنديل الأخير, قبل أن ينطفئ في رحلته نحو ميزوبوتامية حيث هناك الإمارة الكردية, الامارة البدرخانية, بكل ما تحمله من أحداث, وتفاعلات, بعد التشبع بروح هذا الطمي الكردستاني الذي يحمل في طياته أسطورة دجلة, ملاحم ونضالات البدرخانيين, الفسيفساء الكردستاني من المسيحيين, الايزيديين, الأرمن وغيرهم.

نعم هو الروائي محمد أوزون الذي أضاء لنا قناديل الإبداع في سماء كردستان , وكما يقول إبراهيم محمود " أوزون الماجلاني يقيم علاقة مع التاريخ, ليس من باب النبش في أوابده ومساءلتها....لكنه صوت التاريخ الذي يتطلب دفعاً إلى الأمام..." وهو يلج عوالم رواياته العديدة باللغة الكردية, وحين زاره الروائي الكردي الأصل يشار كمال قال له وأثنى عليه وقال له "أنت أفضل مني لأنك كتبت بلغتك الكردية وأنا كتبت باللغة التركية", وقد كان منزلة خاصة وعلاقات حميمية مع الروائي التركي الذي فاز بجائزة نوبل (أورهان باموك) وعندما تعرفت على الشاعر الكبير (أدونيس) في دمشق في التسعينيات من القرن الماضي قال لي "إنني أحب الروائي محمد أوزون وهو صديقي وأراه أحياناً في السويد" .

فيا صديقي الحبيب أمسي على تلال ماردين التي أحببتها, ماردين المتلألئة ليل نهار كما رآها أحد ملوك الفرس عندما نصحه الأطباء بأخذ ولده إلى مدينة لا تغيب عنها الشمس ليل نهار, وأنت بنور وجهك الرائع وطلتك الملائكية ستشرق جبال وسهول ماردين, وستغرد البلابل وتأخذ جرعة من حنو قلبك الندي, سيمسي في رقاده الأخير باحتفاء جنائزي لا محال, احتفاء مدوي لريشة مبدع من نوع آخر حمل لواء الرواية الكردية باقتدار, لكنه يبقى إلى وقت قريب في شكل مدهش لا يصدقه أحد, وهو ليس تحد في طرف نزاع شخصي مع أحد الخصوم, لا..لا التحدي في هذه الحياة الرحبة من نوع مميت بحيث يدرك الإنسان المريض أنه ذاهب إلى حتفه ولا مجال ولبس فيه, الروائي محمد أوزون كانت الابتسامة هي عنوان لقاءنا الأخير في هذه السنة من شهر آذار المنصرم, وكان تحديداً في دار الضيافة لبلدية آمد.

فقد كرمته بلدية آمد الكبيرة ومنحته جناح خاص, ووفرت للروائي محمد أوزن كل وسائل الراحة ورعاية كبيرة تليق بهذا الروائي الكبير, أجل إنه صاحب إرادة فولاذية, وهذا المرض الخبيث الذي يلتهم في كل لحظة من اللحظات خلية من خلايا جسده اليانع, كان بقاؤه ضرب من المستحيل, لم يدر بخلد أحد أن هذا الروائي المصاب بمرض السرطان يبقى على قيد الحياة بعد أن نصحه أطباء السويد أن يرحل إلى عاصمته الميزبوتامية, ويموت هناك بين أهله وأحبائه وخلانه وقرائه, وبالفعل عاد إلى ديار بكر وهنا أجتمع حوله مجموعة من أطباء وان وديار بكر ورمموا هذا الجسد العليل لهذا الإنسان الذي لم يبدي أية مخاوف من الموت الذي يهبط فجأة على الإنسان, كانت الابتسامة الرفيعة لا تبارح وجهه البيضاوي الجميل, كان يقول لي أنا أقوى من الموت, روحي جبلت بالعزيمة والتحدي.

كانت نسائم ربيع آمد تهب على وجوهنا ونحن نجتاز الحديقة المحاطة بدار الضيافة في مدينة آمد, ولجت المبنى الكل يعرف أنك في زيارة لهذا الروائي صاحب العزيمة الفولاذية, صعدت إلى الطابق الأول وتوجهت إلى غرفة الروائي الخاصة ونبهني الأطباء إلى عدم تقبيله ولمس يديه أو أي نوع من العناق وهم يعرفون أحاسيس وشعور الكردي بعد فترة طويلة من الفراق, وكم هي لحظات مؤثرة وجميلة ورائعة عندما شاهدني وبكى وقال أهذا أنت يا سيد أيها الإنسان الرائع المخلص, أأنت الذي أخذت موعداً لكي تراني. فقلت له نعم أنا الذي جئت إلى آمد خصوصاً لكي أراك وأطمئن عليك في هذا الوقت وأنت المريض, فبكى مرة ثالثة وأجهش في البكاء وأستغرب زائر آخر كان معي لهذه العلاقة الحميمية التي تربطنا.

وهنا جاءت زوجته الممشوقة القد والمهذبة فسلمت علي وقد عرفني بها وقال هذه هي الإنسانة التي تقف معي منذ اقتراني بها وفي محنتي هذه لايغمض لها جفن, فرحبت بها, وذكرته باللقاء الأول في الثمانينيات من القرن الماضي في منزل أوصمان صبري وسألني كيف أزور السيدة روشن بدرخان, وفي سفري إلى القامشلي وجدته مرة ثانية عند الأستاذ المؤرخ حسن هشيار, وآخر لقاء طويل وممتع كان في مهرجان آمد الخامس حيث اجتمعنا مطولاً وتباحثنا في العديد من المسائل والأحوال الثقافية في سورية

كان الروائي محمد أوزون أتصل بدار النشر الكردية (آفستا) وأهداني المجموعة الكاملة من روايته التي أصدرتها هذه الدار, وقد وعدته [أنني سأعطي هذه الراويات للشباب في سورية بحيث يتناولون فيه دراسات نقدية لروايته وسنمنحه جائزة مجلة آسو للروائي محمد أوزون, وقد فرح كثيراً وبالفعل عدت من آمد واتصلت بجميع الكتاب الأكراد وقد لبى الدعوة كل من الباحث إبراهيم محمود الذي أجرى دراسة نقدية مطولة على روايته (هاوارا دجلة) تحت عنوان (محاكاة الصوت)وقد أصدرها بعد شهرين في كتاب خاص, ثم تناول الأستاذ خالص محمد دراسة قيمة عن روايته بئر القدر وهي تدور حول المرحوم حياة جلادت بدرخان وتنشر قريباً في العدد الرابع عشر من مجلة آسو الثقافية الكردية, ومن ثم قام ألأستاذ إسماعيل كوسا بكتابة نص نقدي حول إحدى روايته, وأشكر الكل على هذا الجهد المبذول منهم.

لكن بالتأكيد فإن محمد أوزن حالة مرضية استثنائية خاصة, هو يمسك بتلابيب القوة وهو يستعد لهذا القادم الذي لا ينتشي إلا بأخذ المزيد والمزيد من ضحاياه, الذي لا يسأل عن الظرف أو الوضع وهذه ما أكده لي الروائي قائلاً أنني واثق أنني سأعيش طويلاً وسأتبع كتابة رواية أخرى فور خروجي من فترة العلاج الصعبة, كم هي جميل تلك اللحظات التي كنت أرى فيها العشرات من المثقفين الكرد الذين كانوا يأتون لزيارة الروائي المريض, ويستفسرون عن صحته وأحواله, والواقع إن هذه الزيارات كانت بمثابة ترياق شاف من نوع آخر. وهو من ناحية ثانية يعطي المريض دفقات حب حميمية خاصة وتنسيه بعض من آلامه, وما أحوجنا اليوم لأن ننسى الخلاقات الشخصية ونهتم يبعضنا البعض ونترفع في النقد الهدام والشخصي الجارح والابتعاد عن الاتهامات الرخيصة من أية مصادر أو أشخاص يشوهون سمعة بعضهم البعض, ولنلتفت إلى الإبداع الأدبي .

--------------------------------------------------------------

محمد أوزون روائي كردي من تركيا, له العديد من الروايات التي كتبها باللغتين الكردية والتركية, وترجمت روايته إلى العديد من اللغات الحية, الانكليزية, العربية الفرنسية السويدية

وكان صديقاُ للروائيين الأكراد مثل يشار كمال, وللروائي التركي أورهان باموق, نعاه رئيس الجمهورية التركية السيد عبد الله غول, توفي قبل عدة أشهر ودفن في مدينة ماردين في تركيا.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف