
نـوهـت في الـحلقات السـابقـة أنني عـدت الى المـانـيـا للمـرة الثـانـيه لـيس عـن طـيب خـاطـر ولكن القـياده كان لها نظرة بعيده لذا طـلـب مـن الـطـلـبه أن يـعـودوا لـمواصـلــة دراســتهـم لأن الـثـورة فـي حـاجـة الـى مشقـفـون لـبـنـاء الـدولـة بـعـد التحـريـر وفـي حـاجـة الى مـن يـنـشـر أبـعـاد القـضيـه فـي المـجـتـمعـات الـغـربـيـه التي لا تـعـرف شيـئـا عـن فـلسطين.
كـان هـذا التـوجـه بـعـد الأنـتصـار الـعـظـيـم الـذي حـقـقـتـه حـركـة فـتـح في مـعـركـة الكـرامـة (21 مارس 1968م) علما بأن ابـنـاء الـحـركـة فـي ذلك الـوقت لـم يتـجـاوزوا الخمسـمايـه ومعظمهم من الطـلبـة وقفوا في وجه خمسة عـشر الـف صهيـوني وعـلى رأسـهـم وزير دفاعهم أعـور الدجال ديـان الذي ربط جـنـوده بالسلاسل داخـل الدبابات حتى لا يهـربـون. أمـا نـحـن فكـان الله مـعـنـا. ولـم أنـسى كـلمـة أخـتـيارنـا الـعـظـيم, عـندمـا اخذ يـخـطط لأدارة المـعـركـة وأبـتـسامـته لم تـفـارق شـفـتـيـه وقـبل أن تـبدا طـائرات بني صـهيون في قصـف الـموقـع, صـرخ وقـال الله أكـبر هـبت ريـاح الجـنـه, خـذوا أمـاكـنـكـم.
أخـذت المـجـمـوعـات تتجـه الى أعـالي الجـبـال المحـيطـه بالقـريـه وأخـرون يتـسلقـون الى أسطـح مـنـازل الطـين بعد أن لـفـوا أجسـادهـم بالمتفـجـرات أسـتـعـدادا للـقـفـز فـوق الـدبـابـات الذي أخـذ هـديـرهـا يـصـم الأذان. ولـكـن سـرعـان مـا صُــدت أذانـُـنـا مـن صـراخ الخـنـازيـر البـريـه تـشـوى داخـل المـجـنـزرات وأخـذت الـرائـحـه الـعـفـنـه تفـوح ونـحـن نـقـفـل أنـوفـنـا وأذ بـدباباتهـم تـديـر مـؤخـراتـهـا وتـتـجـه صـوب الـنـهـر تـاركـة أرض المـعـركـه ليـلاحقـهـا أبـنـاء الفـتح البـواسـل بالقـنـابل اليـدويـه وبـعـض مـن ب 2 (ب2 سلاح سـوفـيتـي الصـنـع مضاض للدبابات يـحـمـل عـلى الكـتف وأقـل فـاعـليـه مـن المعـدل والذي يعـرف اليوم ب 7)
والحق يقال تحرك اللواء مشهور قائد المنطقه وبدون أوامر وقصف الدبابات الهاربه وقد أوقع بهم أصابات جمه وأستشهـد العديد من أخواننـا أبـنـاء الجيش الأردني. اما نحن فقدنا 194 مناضل رحمهم الله.
مـا أن أنـتهـت المـعـركـة وأنـتـشـر الـخـبر لـيـخـرج الملك حسين ليـعـلـن بـانـه فـدائـي.
أصبـحـت قـريـة الكـرامـه الصـغـيره مـزارا مـقـدسـا يـحج اليـه وجـاء الألاف للتـطـوع وكـان الأبـاء والأمـهـات يـبـكون عـنـدمـا كـان يـرفض أبـنـائـهـم وفـلذة أكـبـادهـم لـصـغـر السـن ولـكـنـهـم كـانـوا مصممون أن يجعلوا منهم فـدائيي المستـقبل. هـذا هـو الشـعب المعـطـاء, شـعـب الجـبـارين الـذي لـم ولـن يمـوت وسـوف يـحـرر فلسطين بأذن الله.
عـدت الى المـانـيـا وكلي تشوق لمتابعة دراستي ولكني صعقت عـندمـا عـلمـت بأنني فصلت مـن كـليـة الطـب وهـذا لـتركي الدراسه مـدة طـويله دون أذن. حتى الجامعات الأخـرى لـم تـوافق على أستقبـالي, ومـع ذلك سمح لي بتغيـير الـمـاده.
تـركت الجـنوب لأتـوجـه الى أقصى الغـرب لـوجـود اصـدقـاء هـنـاك. وكـانـت فـرصـة لـزيـارة العـائـلـة الـوحـيده التي كنت قـد تعـرفـت عـليـهـا. ولـهـذه العـائـله قصـة طـريفـه جـدا. أعـتقـد لا بـد أن أسمـعـكـم أيـاهـا.
عنـدمـا بـدأت الـدراسه في كلية الطب وأنـهـيت السنة الأولي كان لـزام عـلي أن أقضـي شهران في مستشفى مـا. ولكني لم أجد مكان في المدينة التي كنت ادرس بها, فسافرت الى الغـرب بعد أن أتصل بي صديقي فتحي أبوطـير من مدينة عبسان/خانيونس لقضاء بعض الوقت. وجدتها فرصه لعلي أجـد مكان في تلك المدينه الصغيره.
ركبت السياره وقطعت مسافة خمسماية كم ولكني لم أوفق. فتحي كان يعمل في مصنع كيماوي لصباغة الأنسجه. صديق تعـرفت عليه في مدينة أخن الجامعيه على الحدود الهولنديه عندما وصلت الى المانيا وقضينا فـتـرة نلتقي كل يوم في شقة صغيره للطلبه المسلمون يتخذونهـا مجمع لتأدية الصلاة.
طلب فتحي أن أصـاحبه الى المصنـع مـن أجل تـكـمـلة أوراقه. هناك سألت أذا كنت أريد العمـل. صـراحة لـم أرغـب لأن لي سابقه كانت ستأدي بمستقبلي وتسوقني الى السجن لأنني كدت ان القي صهيونيا في بيت النار.
كان هذا بين التيرم الأول والثاني عندما أصر اصدقائي أن أرافقهم وأعمل في العطله بدل التسكع وخاصه أن غالبية أصدقاء الدراسه ذهبوا للعمل أو التزحلق على الجليد فـوق سفـوح الجبال. لهذا عـمـلت في مصنع الحديد والصلب والذي كـان يستقبل الطلاب بكل ترحاب. في فترة الراحه كنا نجلس في الكنتين لتناول الأفطار والغذاء. جاء أحد العمال وقال أنـا عـرفت بأنـك عـربي, وأنـا يهـودي. فـقـلت لـه وأنـا عـربي فلسطيني. تهجم علي بكلمات بذيئه ولكن العمـال صرخوا به ولم يتركوني أفعل شيئ.
جائني وأنـا أمـام الفـرن أقذف ببعض الأسلاك وقطع الحديد بداخـله. تفوه بكلمات بذيئة استفزتني لاقبض على خصـره وأحمله بينذراعي علما بأنـه أطول وأثقل ومع ذلك كنت أركض به كمن يحمل دجاجة أتجـاه الفرن وما هي إلا بضع خطوات ليهجموا العمال ويخلصوه من بين يدي وهو يصرخ. هرول مسرع الى الأداره التي سمعت للشهود ويكتفون بفصلي غير أسف. من أجـل هـذا كنت أرفض العمل حتى لا أتورط مرة أخـرى.
لكن مدير المصنع الذي يعمل به فتحي طلب أن أعـمـل مـترجم للعـرب حيث أجلسوني في غرفه وتليفون وسكرتيره حلوه. وافقت وكنت أزور اخواني العرب داخل المصنع وأنا بكامل هندامي بل بكرافته وأحيانا بدله لتليق بالمكانة التي وضعت بهـا.
لم يمضي على عملي اسبوع ليرن الهاتف وجائت السكرتيره وهي تبتسم وتقول, مـدير العمـال يريدك في مـكتبه. ذهبت اليه وأذ بصديقي فتحي يقف أمـامـه وبيده جـردل. وأذا المدير يفاجئني بجملة خرجت من فمه مثل الصاروخ. طلبت منه أن يعيد على مسمعي ما قال. وهنا فاجئني بنفس الجمله لتخرج من فمه فت تات تن وكأنها صليه كلاشن كوف. صــراحه لم افهم شيئ ولم يترك لي المجال أن اسأل فتحي ماذا يريد منه. أحـترت في الأمـر ولم اسـألـه مـرة ثـالثـه حتى لا يهزأ مني, وهو واحد ممن طلب أن أعمل مترجم..
بلا شعوريه قلت صاحبي يتألم من معـدته. لحظة وكان يعطيني كرت طبيب يتعاملون معه ويطلب مني أن أرافقه ولا أعود للمصنع بعد شفائه.
أخذت فتحي من يده وهو لا يعي شيئ وعندما أخـبـرتـه أحـرن وضرب الجردل في قاعة الحمام ولكني أقنعتـه بأن يصحبني قبل أن يكتشفـوا الدجـل ونطـرد من العمل. ركبنا السياره وتوجهنا الى الطبيب. جلسنا في قاعة الأنتظار حتى جاء دورنـا. دخلنا وتفضلـنـا بالجلوس. سأل من المريض ولم نجب, ولكن فتحي أخذ يتجدث ويطلب أن أخلصـه من الورطه. هنا سأل الطبيب, ما هذه اللغـه. وجدتها فرصه ومدخل, فقلت عربيه. أذا أنتم عـرب, ولكن من اية دولـه؟ فقلت مـن فلسطين. هنـا أخـرج علبة السجائر بدون فلتر من ماركة اليد الحمراء, أشعـلـهـا وعزم علينا فشكرناه بأننـا لسنا مدخنون. طلب لنـا قهـوه وأخذ يعطينا درس في السياسه ويشرح لنا دور النازيه في تعاملهم مع قادة اليهود سرا. أخيرا سأل ماذا استطيع أن افعله لكم؟ تشجعت وأخـبـرتـه بمـا حدث. أخذ يضحك بأعلى صوته لتدخل النارس لتضحك هي الأخـرى ودخلت الثانية والثالثه ثم ضغط على زرار لتأتي زوجته وابنته من الفيلا خلف العياده وكل من يدخل يسمع ويضحك ونحن جالسون مثل الطرشان. أخيرا قال, هذه لغة عاميه وتعني ما به أو ماذا يريد؟ وكتب راحه للمرض ثم دعـونـا لتنـاول العشاء.
في المساء كانت المفاجئه, ناولني بطاقه أذهب بها في الصباح الى أحـد المستشفيات. وعندما عرف بأنني أنـام عند فتحي في غرفة صغيره سأل زوجته أن تهيئ لي غرفة الضيوف وفعلت.
كنت أخرج في الصباح الى المستشفي لأعود مع الظهـر أساعد في العياده يفحص المرضى أمامي ويتركني أتحسس الضغط أو نبضات القلب ويقدمني للمرضى بأنني أبنه بالتبني والطبيب الذي سيترك له العياده حالة تخـرجـه وأنـا كنت لم أزل في السنة ألاولى.
كنت فرحان على نفسي وأصبحت أقضي كل الأجازات والعطل وحتى نهاية الأسبوع كانت العائلة تتصل بي وتحثني على الحضور.
وهـكـذا أمضيت وقـتا سعيدا بين عـائلة كـريمه تعلمت على يديه الدكتور شبايشر الكثير حتى بـدأت حـرب الأيـام الستة, وظـهـرت الـنـيجـة الـمـؤلـمـة وقـررت تـرك المـانـيـا. ودعـت الـعـائلـة التي اصـبـحـت واحدا منـهـا وسـال الدمع وهـم يـقـبلونـي ويطـلبون مني عدم ترك المانيا أو أن أعـود بـأسرع مـا يـمكن.
أتـصـلت بـأخي مـحـمـود جـامـع وأبـلغـته قـراري, فصمـم أن أمـرعـليـه قـبل الـرحـيل. وعـنـدمـا وصـلت الـيـه وجـدتـه حـزم مـتـاعـه وضـعـهـا فـي السياره لـيرافقني الى دمشق ثـم الى معـسكـر فـتح فـي الهـامـه, ليسـتـشهـد في أحـدى العـمـليات ويرحمـه الله.
كـان هـذا التـوجـه بـعـد الأنـتصـار الـعـظـيـم الـذي حـقـقـتـه حـركـة فـتـح في مـعـركـة الكـرامـة (21 مارس 1968م) علما بأن ابـنـاء الـحـركـة فـي ذلك الـوقت لـم يتـجـاوزوا الخمسـمايـه ومعظمهم من الطـلبـة وقفوا في وجه خمسة عـشر الـف صهيـوني وعـلى رأسـهـم وزير دفاعهم أعـور الدجال ديـان الذي ربط جـنـوده بالسلاسل داخـل الدبابات حتى لا يهـربـون. أمـا نـحـن فكـان الله مـعـنـا. ولـم أنـسى كـلمـة أخـتـيارنـا الـعـظـيم, عـندمـا اخذ يـخـطط لأدارة المـعـركـة وأبـتـسامـته لم تـفـارق شـفـتـيـه وقـبل أن تـبدا طـائرات بني صـهيون في قصـف الـموقـع, صـرخ وقـال الله أكـبر هـبت ريـاح الجـنـه, خـذوا أمـاكـنـكـم.
أخـذت المـجـمـوعـات تتجـه الى أعـالي الجـبـال المحـيطـه بالقـريـه وأخـرون يتـسلقـون الى أسطـح مـنـازل الطـين بعد أن لـفـوا أجسـادهـم بالمتفـجـرات أسـتـعـدادا للـقـفـز فـوق الـدبـابـات الذي أخـذ هـديـرهـا يـصـم الأذان. ولـكـن سـرعـان مـا صُــدت أذانـُـنـا مـن صـراخ الخـنـازيـر البـريـه تـشـوى داخـل المـجـنـزرات وأخـذت الـرائـحـه الـعـفـنـه تفـوح ونـحـن نـقـفـل أنـوفـنـا وأذ بـدباباتهـم تـديـر مـؤخـراتـهـا وتـتـجـه صـوب الـنـهـر تـاركـة أرض المـعـركـه ليـلاحقـهـا أبـنـاء الفـتح البـواسـل بالقـنـابل اليـدويـه وبـعـض مـن ب 2 (ب2 سلاح سـوفـيتـي الصـنـع مضاض للدبابات يـحـمـل عـلى الكـتف وأقـل فـاعـليـه مـن المعـدل والذي يعـرف اليوم ب 7)
والحق يقال تحرك اللواء مشهور قائد المنطقه وبدون أوامر وقصف الدبابات الهاربه وقد أوقع بهم أصابات جمه وأستشهـد العديد من أخواننـا أبـنـاء الجيش الأردني. اما نحن فقدنا 194 مناضل رحمهم الله.
مـا أن أنـتهـت المـعـركـة وأنـتـشـر الـخـبر لـيـخـرج الملك حسين ليـعـلـن بـانـه فـدائـي.
أصبـحـت قـريـة الكـرامـه الصـغـيره مـزارا مـقـدسـا يـحج اليـه وجـاء الألاف للتـطـوع وكـان الأبـاء والأمـهـات يـبـكون عـنـدمـا كـان يـرفض أبـنـائـهـم وفـلذة أكـبـادهـم لـصـغـر السـن ولـكـنـهـم كـانـوا مصممون أن يجعلوا منهم فـدائيي المستـقبل. هـذا هـو الشـعب المعـطـاء, شـعـب الجـبـارين الـذي لـم ولـن يمـوت وسـوف يـحـرر فلسطين بأذن الله.
عـدت الى المـانـيـا وكلي تشوق لمتابعة دراستي ولكني صعقت عـندمـا عـلمـت بأنني فصلت مـن كـليـة الطـب وهـذا لـتركي الدراسه مـدة طـويله دون أذن. حتى الجامعات الأخـرى لـم تـوافق على أستقبـالي, ومـع ذلك سمح لي بتغيـير الـمـاده.
تـركت الجـنوب لأتـوجـه الى أقصى الغـرب لـوجـود اصـدقـاء هـنـاك. وكـانـت فـرصـة لـزيـارة العـائـلـة الـوحـيده التي كنت قـد تعـرفـت عـليـهـا. ولـهـذه العـائـله قصـة طـريفـه جـدا. أعـتقـد لا بـد أن أسمـعـكـم أيـاهـا.
عنـدمـا بـدأت الـدراسه في كلية الطب وأنـهـيت السنة الأولي كان لـزام عـلي أن أقضـي شهران في مستشفى مـا. ولكني لم أجد مكان في المدينة التي كنت ادرس بها, فسافرت الى الغـرب بعد أن أتصل بي صديقي فتحي أبوطـير من مدينة عبسان/خانيونس لقضاء بعض الوقت. وجدتها فرصه لعلي أجـد مكان في تلك المدينه الصغيره.
ركبت السياره وقطعت مسافة خمسماية كم ولكني لم أوفق. فتحي كان يعمل في مصنع كيماوي لصباغة الأنسجه. صديق تعـرفت عليه في مدينة أخن الجامعيه على الحدود الهولنديه عندما وصلت الى المانيا وقضينا فـتـرة نلتقي كل يوم في شقة صغيره للطلبه المسلمون يتخذونهـا مجمع لتأدية الصلاة.
طلب فتحي أن أصـاحبه الى المصنـع مـن أجل تـكـمـلة أوراقه. هناك سألت أذا كنت أريد العمـل. صـراحة لـم أرغـب لأن لي سابقه كانت ستأدي بمستقبلي وتسوقني الى السجن لأنني كدت ان القي صهيونيا في بيت النار.
كان هذا بين التيرم الأول والثاني عندما أصر اصدقائي أن أرافقهم وأعمل في العطله بدل التسكع وخاصه أن غالبية أصدقاء الدراسه ذهبوا للعمل أو التزحلق على الجليد فـوق سفـوح الجبال. لهذا عـمـلت في مصنع الحديد والصلب والذي كـان يستقبل الطلاب بكل ترحاب. في فترة الراحه كنا نجلس في الكنتين لتناول الأفطار والغذاء. جاء أحد العمال وقال أنـا عـرفت بأنـك عـربي, وأنـا يهـودي. فـقـلت لـه وأنـا عـربي فلسطيني. تهجم علي بكلمات بذيئه ولكن العمـال صرخوا به ولم يتركوني أفعل شيئ.
جائني وأنـا أمـام الفـرن أقذف ببعض الأسلاك وقطع الحديد بداخـله. تفوه بكلمات بذيئة استفزتني لاقبض على خصـره وأحمله بينذراعي علما بأنـه أطول وأثقل ومع ذلك كنت أركض به كمن يحمل دجاجة أتجـاه الفرن وما هي إلا بضع خطوات ليهجموا العمال ويخلصوه من بين يدي وهو يصرخ. هرول مسرع الى الأداره التي سمعت للشهود ويكتفون بفصلي غير أسف. من أجـل هـذا كنت أرفض العمل حتى لا أتورط مرة أخـرى.
لكن مدير المصنع الذي يعمل به فتحي طلب أن أعـمـل مـترجم للعـرب حيث أجلسوني في غرفه وتليفون وسكرتيره حلوه. وافقت وكنت أزور اخواني العرب داخل المصنع وأنا بكامل هندامي بل بكرافته وأحيانا بدله لتليق بالمكانة التي وضعت بهـا.
لم يمضي على عملي اسبوع ليرن الهاتف وجائت السكرتيره وهي تبتسم وتقول, مـدير العمـال يريدك في مـكتبه. ذهبت اليه وأذ بصديقي فتحي يقف أمـامـه وبيده جـردل. وأذا المدير يفاجئني بجملة خرجت من فمه مثل الصاروخ. طلبت منه أن يعيد على مسمعي ما قال. وهنا فاجئني بنفس الجمله لتخرج من فمه فت تات تن وكأنها صليه كلاشن كوف. صــراحه لم افهم شيئ ولم يترك لي المجال أن اسأل فتحي ماذا يريد منه. أحـترت في الأمـر ولم اسـألـه مـرة ثـالثـه حتى لا يهزأ مني, وهو واحد ممن طلب أن أعمل مترجم..
بلا شعوريه قلت صاحبي يتألم من معـدته. لحظة وكان يعطيني كرت طبيب يتعاملون معه ويطلب مني أن أرافقه ولا أعود للمصنع بعد شفائه.
أخذت فتحي من يده وهو لا يعي شيئ وعندما أخـبـرتـه أحـرن وضرب الجردل في قاعة الحمام ولكني أقنعتـه بأن يصحبني قبل أن يكتشفـوا الدجـل ونطـرد من العمل. ركبنا السياره وتوجهنا الى الطبيب. جلسنا في قاعة الأنتظار حتى جاء دورنـا. دخلنا وتفضلـنـا بالجلوس. سأل من المريض ولم نجب, ولكن فتحي أخذ يتجدث ويطلب أن أخلصـه من الورطه. هنا سأل الطبيب, ما هذه اللغـه. وجدتها فرصه ومدخل, فقلت عربيه. أذا أنتم عـرب, ولكن من اية دولـه؟ فقلت مـن فلسطين. هنـا أخـرج علبة السجائر بدون فلتر من ماركة اليد الحمراء, أشعـلـهـا وعزم علينا فشكرناه بأننـا لسنا مدخنون. طلب لنـا قهـوه وأخذ يعطينا درس في السياسه ويشرح لنا دور النازيه في تعاملهم مع قادة اليهود سرا. أخيرا سأل ماذا استطيع أن افعله لكم؟ تشجعت وأخـبـرتـه بمـا حدث. أخذ يضحك بأعلى صوته لتدخل النارس لتضحك هي الأخـرى ودخلت الثانية والثالثه ثم ضغط على زرار لتأتي زوجته وابنته من الفيلا خلف العياده وكل من يدخل يسمع ويضحك ونحن جالسون مثل الطرشان. أخيرا قال, هذه لغة عاميه وتعني ما به أو ماذا يريد؟ وكتب راحه للمرض ثم دعـونـا لتنـاول العشاء.
في المساء كانت المفاجئه, ناولني بطاقه أذهب بها في الصباح الى أحـد المستشفيات. وعندما عرف بأنني أنـام عند فتحي في غرفة صغيره سأل زوجته أن تهيئ لي غرفة الضيوف وفعلت.
كنت أخرج في الصباح الى المستشفي لأعود مع الظهـر أساعد في العياده يفحص المرضى أمامي ويتركني أتحسس الضغط أو نبضات القلب ويقدمني للمرضى بأنني أبنه بالتبني والطبيب الذي سيترك له العياده حالة تخـرجـه وأنـا كنت لم أزل في السنة ألاولى.
كنت فرحان على نفسي وأصبحت أقضي كل الأجازات والعطل وحتى نهاية الأسبوع كانت العائلة تتصل بي وتحثني على الحضور.
وهـكـذا أمضيت وقـتا سعيدا بين عـائلة كـريمه تعلمت على يديه الدكتور شبايشر الكثير حتى بـدأت حـرب الأيـام الستة, وظـهـرت الـنـيجـة الـمـؤلـمـة وقـررت تـرك المـانـيـا. ودعـت الـعـائلـة التي اصـبـحـت واحدا منـهـا وسـال الدمع وهـم يـقـبلونـي ويطـلبون مني عدم ترك المانيا أو أن أعـود بـأسرع مـا يـمكن.
أتـصـلت بـأخي مـحـمـود جـامـع وأبـلغـته قـراري, فصمـم أن أمـرعـليـه قـبل الـرحـيل. وعـنـدمـا وصـلت الـيـه وجـدتـه حـزم مـتـاعـه وضـعـهـا فـي السياره لـيرافقني الى دمشق ثـم الى معـسكـر فـتح فـي الهـامـه, ليسـتـشهـد في أحـدى العـمـليات ويرحمـه الله.