الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

[فلسفة الأخلاق عند كانط] بقلم:الدكتورة إيمان الصّالح

تاريخ النشر : 2007-12-07
[فلسفة الأخلاق عند كانط]

الدكتورة إيمان الصّالح

• تمهيد :

يُعدُّ كانط Immanuel Kant [ 1724م- 1804م ] واحداً من أبرز فلاسفة العصر الحديث ، بل مضى البعض إلى اعتباره أعظم فلاسفة عصره ، فقد عمل على التّصالح بين العلم والدّين بطريقة تبدو أكثر نعومة وأشدّ تأثيراً من ليبنتز [ 1646م _1716م ] ( 1) ، أسّس المثاليّة" النّقديّة أو " المتعالية" ، كما اتّسمت فلسفته الأخلاقيّة بالمثاليّة . عرّف الأخلاق _ عامّةً _ بأنّها : مجال الحريّة البشريّة ، المتميّز من ميدان الضّرورة الخارجيّة والسّببيّة الطّبيعيّة ، فأصبحت بمعنى أكثر ملموسيّة ، مجال اللاّزم ( ما يجب أن يكون) الّذي له طابع كليّ في الأخلاق ( الآمر القطعي) ( 2) . أبدى اندهاشاً كبيراً وشعوراً عارماً حيال أثر عظمة الكون والقانون الأخلاقيّ في عقله ونفسه ، فقد ختم كتابه "نقد العقل العملي" بقوله الشّهير :" شيآن كلّما تأمّلنا فيهما مزيداً فمزيداً من إمعان ، يملآن الذّهن بإعجابٍ ورعبٍ جديدين أبداً ، متزايدين دائماً ، إنّهما السّماوات المرصّعة بالكواكب فوق رأسي ، والقانون الأخلاقيّ في داخلي . وليس عليّ أن أبحث عنهما ، أو أحدس راجماً بالغيب فيهما ، كما لو أنّهما كانا مقنّعين بديجور ، أو كانا في صقع مستشرف يقع ما وراء أفقي . إنّني أراهما أمامي ، وأربطهما مباشرةً ، بإدراكي وجودي ." ( 3) .

و في المضمار السّياسيّ تبرز أهميّة كانط من خلال تقديمه مشروعاً للسّلام العالميّ الدّائم ، ينهي الحروب والعداء بين الدّول ، ويفضّ النّزعات النّاشئة بينها بالطّرق السّلميّة ، فيجنّب النّاس ويلات وكوارث تلك الحروب ، فقد انطوى كتابه الّذي ظهر سنة 1795م " نحو سلام دائم ، محاولة فلسفيّة " على أقسام وملاحق عدّة ، تصوغ شروط السّلام ، والضّمانات الواجب توفّرها لضمان هذا السّلام ، وضرورة إعطاء الفلاسفة الحقّ في تنوير الدّولة والحاكمين فيما يتعلّق بالأمور السّياسيّة ، وتناول علاقة السّياسة بالأخلاق ، فكان مشروعه متّسقاً مع مذهبه كلّه سواء في نظريّة المعرفة ، أو في الأخلاق ، من هنا لا يمكن فهمه أبداً بمعزل عن المبادئ الّتي قرّرها في " نقد العقل المحض" ، و" نقد العقل العملي" و" ميتافيزيقا الأخلاق "، و" فكرة التّاريخ العالميّ من وجهة نظر كونيّة " ( 4) .

لقد استطاع توظيف معارفه الفلسفيّة في مواجهة أخطر التّحدّيات الّتي تتعرّض لها البشريّة ، أعني الحروب وما يرتبط بها من كوارث وويلات ، في مسعىً أخلاقيّ للارتقاء بالإنسانيّة إلى مستويات أكثرَ أخلاقيّة ورقيّاً وتقدّماً . ونظراً لأهميّة الأخلاق في بناء الحياة الإنسانيّة ، ارتأينا تسليط الضّوء على مذهب كانط الأخلاقيّ ، بوصفه أنموذجاً أبرز للفلسفة الأخلاقيّة الحديثة ، الواسعة الذّيوع والانتشار .

• المنهج :

يعتزُّ كانط بأنّهُ أحدث في الفلسفة ثورةً ، تُماثل ثورة (كوبرنيك) في عالم الفلك ، فبعد أن كان الفكر يتبعُ الأشياء ويُسايرُها ، صارت الطّبيعة كلّها هي الّتي تتبع الفكر من حيثُ معرفتنا به على الأقلّ وتسايره . فغدا هو الّذي يصنع العالم ويُملي قوانينه على الكون الحسيّ كذلك . لقد وجد كانط أنَّ العقلَ عقلان : نظريٌّ وعمليّ ، أمّا العقل النّظريّ فيتناول شؤون المعرفة والعلم ، ويحدّد اليقين الحقيقيّ بالتّجربة الإنسانيّة ، ومعطيات العقل معاً ، وأمّا العقل العمليّ فيتناول الجانب العملي من الوجود ، أي السّلوك والأخلاق ، وينقسم بدوره إلى قسمين : العقل العمليّ بالمعنى الصّحيح ، والعقل العمليّ المحض . يقول كانط :" إنَّ وظيفة العقل العمليّة تقوم على توجيه العقل أعمالنا وأفعالنا ، ويتمّ على نحوين : فإمّا أن يفيد العقل العمليّ من معطيات التّجربة ، فيدرك علاقات الحوادث بعضها ببعض ، بغية استثمار ارتباطها وتعاقبها ، وتحقيق هدف مّا عند توافر شروطه وأسبابه "(5) ، وهذا ما يسميه كانط "العقل العملي بالمعنى الصّحيح" ،أمّا " العقل العمليّ المحض " فيقدّم لصاحبه الإطار أو الشّكل العام لما يترتّب عليه فعله من غير أن يستند في ذلك إلى معطيات التّجربة ، بل يُقدّم هذا الإطار بصورة قبليّة سابقة لكلّ تجربة فعليّة . إنّه ينصّ على ضرورة إطاعة الواجب أيّاً كانت مادّته ، وسواء أكانت هذه المادّة سارّة أم مؤلمة . وهذا العقل العمليّ المحض هو في نظر كانط (الوجدان الأخلاقيّ الصّحيح) . " افعل ما يجب عليك وليحدث ما يحدث" (6) .

من هنا يستخدم كانط منهجين مختلفين في بحث ومعالجة المشكلات الأخلاقيّة ، الأوّل : الانطلاق من معطيات التّجربة ، ثمَّ الصّعود بالتّحليل من هذه المعطيات إلى أعمّ ما يُستطاع إيجاده من قضايا ، لكيّ ينسّقها ويُفسّرها . والثّاني : اتّخاذ مبادئ العقل وتصوّراته للنّزول نحو الظّاهرات ، والمعطى والتّجربة .

أ‌- المعطى التّجربة :

ما المعطى الّذي يُعنى كانط بمادة تحليله ؟ إنّه ليس الطّبيعة الإنسانيّة مأخوذة في ذاتها ، بل أحكام النّاس والمعاني الأخلاقيّة الشّائعة بوصفها تجلّيات خارجيّة للعقل في مجال الأخلاق . و هنا تجدر الإشارة إلى استفادة كانط من (منهج تقسيم العمل) الّذي أحرز تقدّماً هائلاً في ميداني الصّناعة والعلم ، ومن منهج ديكارت الّذي يَرُدُّ الوقائع إلى طبائع بسيطة ، مُعْتَبَرَةً على أنّها حقيقة ، فمثلما أنّنا في الرّياضيّات نبدأ من وحدات نُشكّل العلم بتوليفها ، كذلك نستطيع أن نقيم الأخلاق بالجمع والتّوليف بين عناصر معزولة ، بهدف استخراج العنصر الأخلاقيّ الحقيقيّ الكامن فيها ، والعناصر المعزولة ههنا هي الأحكام الأخلاقيّة الشّائعة والمتداولة بين النّاس (7) .

ب‌- منهج الاستنباط الافتراضي :

لم يقنع كانط بالاكتفاء بتحليلٍ شبيهٍ بتحليل الكيميائيّ للمواد الّتي تتكوّن منها العناصر ؟ فابتكر منهجاً شكّلَ إضافةً مهمّةً لمنهج التّحليل البسيط ، اسمه "منهج الاستنباط الافتراضي" ، وهو منهج ينطلق من وضع مبادئ على سبيل الافتراض ، يجري فحصها بمقابلة النّتائج الّتي يتمّ التوصّل إليها مع المعطيات الواقعيّة للتأكّد من صحّتها وصدقيتها ، ثم اعتمادها أساساً في استنباط مبادئ وأفكار جديدة . وهذا المنهج هو المنهج الّذي يُستخدم لاستكشاف القوانين العلميّة (8).

لقد استخدم كانط هذا المنهج اعتقاداً منه أنَّ التّجربة الحسيّة ليست الميدان الوحيد الّذي يُحدّدُ فهمنا ، وينتهي بنا للوقوف على الحقائق العامّة للأفكار ، يقول:" إنَّ التّجربة ليست الميدان الوحيد الّذي يحدّد فهمنا ، لذلك فهي لا تقدّم لنا إطلاقاً حقائق عامّة ، وبذلك فهي تثير عقلنا المهتمّ بهذا النّوع من المعرفة بدل أن تقنعه وترضيه . لذلك لا بدَّ أن تكون الحقائق العامّة الّتي تحمل طابع الضّرورة الدّاخليّة مستقلّة عن التّجربة واضحةً ومؤكِّدةً نفسها ."(9) ، إذ لا بدّ أن تكون حقيقيّة ، بغضّ النّظر عن تجربتنا الأخيرة ، وحقيقيّة حتّى قبل التّجربة " فالمعرفة الرّياضيّة ضروريّة ومؤكّدة ، ولا نستطيع أن نتصوّر ما ينقضها في تجربة المستقبل ، فقد نعتقد أنَّ الشّمس قد تشرق غداً من الغرب ، أو أنَّ النّار لا تحرق العصي الخشبيّة في عالم لا تحرق فيه الأشياء ، ولكنّنا لن نعتقد أو نصدّق طيلة حياتنا أنَّ 2+2 يمكن أن يُسفرا عن عدد غير الأربعة . إنَّ مثل هذه الحقائق حقيقيّة قبل التّجربة ، كونها تستمدّ نوعها الضروريّ من تركيب عقولنا الفطريّ ، من الطّريقة الطّبيعيّة الحتميّة الّتي يجب أن تعمل عليها عقولنا ، لأنَّ عقل الإنسان عضوٌ نشيطٌ ينسّقُ ويسبكُ الاحساسات إلى أفكار ، عضوٌ يحوّلُ ضروب التّجربة الكثيرة المشوّشة وغير المنظّمة إلى وحدة من الفكر المنظّم المرتّب (10) . و المعرفة القائمة على هذا النّوع من الحقائق هي ما يسمّيه كانط بالمعرفة القبليّة ، السّابقة على التّجربة ، وهي معرفةٌ بدهيّةٌ صحيحةٌ ، لا تحتاج إلى فحصٍ بواسطة التّجربة ، للتّأكّد من صحّتها .

• ماهيّة الشّعور:

ما الشّعور وما طبيعته ؟ وهل يصلحُ أساساً لبناء حياة أخلاقيّة صحيحة ؟ ثمَّ ما طبيعة العلاقة بين الشّعور والقانون الأخلاقي ؟ ومتى يُصبحُ الشّعور أخلاقيّاً ؟ ...إلخ .

ينطلق كانط في نظرته للشّعور من بعض المسلّمات ، الّتي تنصّ صراحة على عدم أهليّة الشّعور الطّبيعيّ لجعل أفعال الإنسان أخلاقيّة ، متأثّراً فيما يبدو _ من وجهة نظرنا_ بفكرة الخطيئة والسّقوط في الفلسفة اللاّهوتيّة المسيحيّة ، فالإنسان منذ سقوطه في الخطيئة الأولى ، فقد نقاءَهُ الفطريّ ، وأصبح الفساد متأصّلاً في ذاته ، وفقد الشّعور الطّبيعيّ لديه الأهليّة للقيام بأفعال الخير ، ولم يعد قادراً على فعل شيء ، سوى ما يستجيب لميوله الذّاتيّة ورغباته الحسيّة ومنافعه الشّخصيّة . فتحصيل اللّذة وتحقيق المنفعة الشّخصيّة وإلحاق الأذى بالآخرين ، و(حبّ الذّات "الأنانيّة " ، والشّعور بالرّضى عن الذّات " الغرور" )، أبرز سمتين مميّزتين لهذا الشّعور .

وعليه فقد فَقَدَ كلّ من الإرادة و الشّعور القدرة على جعل أفعالنا أخلاقيّة تتّجه نحو الخير ، وأضحى تعامل الإنسان مع الأشياء المحيطة به تعاملاً خارجيّاً بوصفها وسائل لإرضاء ميوله ورغباته وغرائزه الذّاتيّة ، الأمر الّذي ينزع عنها أيّ غطاءٍ أخلاقيّ باعتبار أنَّ " الأخلاق في صميمها عبارة عن الفعل تحت فكرة قانون كلّيّ ، وعدم معاملة الغير كوسيلةٍ بل كغاية " (11)، لكنّ الصّورةَ الأخلاقيّةَ للإنسان ليست قاتمةً إلى حدٍّ يحول دون إصلاحه وبنائه أخلاقيّاً ، فالإرادة الذّاتيّة المسؤولة عن أفعالنا ، قابلة لأن تكون إرادة ط%
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف