الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

التنمية في فلسطين بين المتطلبات الداخلية والاكراهات الخارجية اعداد الباحث: أحمد سعيد نظام الأغا

تاريخ النشر : 2007-06-01
مقدمـــة

يشكل موضوع التنمية بمختلف مفاهيمه، أهمية بارزة على الصعيد الدولي وخاصة خلال منتصف القرن الماضي، وبدورها تعود هذه الأهمية إلى ما يمكن أن تقدمه التنمية من رقي للفرد والجماعة، وتحديداً بعد سنوات الحرب والدمار التي رافقت البشرية طيلة عقود الاستعمار، منذ الحملات الصليبية مروراً بالحروب الأوروبية البينية.

حيث مرت البشرية وما زالت - وإن بدرجة أقل حدة – بمراحل بالغة الشدة فيما يخص عملية التنمية، فقد عانت الشعوب المستعمَرة في كل من إفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا، من بطش المحتل والنهب المستمر في ثرواتها، بالإضافة إلى الممارسات القمعية والمقيدة للحرية والرأي والإنتاج، وكل ما من شأنه المساهمة في تحقيق رفاهية الفرد بالحد الأدنى.

كذلك فإن الدول المستعمِرة لم تسلم هي الأخرى من أشكال الدمار والتدهور المعيشي، نظراً للتنافس الدائم بينها حول خيرات البلدان الواقعة تحت حكمها، والذي أثمر في بعض الأحيان عن حالات حرب فيما بينها، وما في هذه الأخيرة من دمار وهلاك ليس على المستوى المرافقي والمنشآتي بل على المستوى البشري والتنموي (الاجتماعي والاقتصادي والثقافي).

هذا الوضع أدى إلى تأخر عملية التنمية ردح من الزمن، كان من الممكن تجاوز الكثير من العقبات للوصول في المجتمعات العالمية كافة إلى وضع حضاري أسمى، وإن كان المستفيد من هذه المرحلة البلدان الكبرى التي عملت على استعمار غيرها. بالإضافة إلى التباين الحاصل حول مفاهيم التنمية وأيهما أولى بالاهتمام، الاجتماعي أم الاقتصادي، البشري أم السياسي والثقافي.

وبالانتقال إلى التجربة التنموية الفلسطينية، نجدها كغيرها من التجارب التنموية العالمية، حيث انعكست الإشكالات السابقة على التنمية في فلسطين، ولعل هذه الإشكاليات أسهمت بصورة أساسية في بلورة مفهوم فلسطيني للتنمية، حيث قام بتفكيك هذه الإشكاليات ليعيد تركيبها بما يتواءم مع عدم الإخلال بماهية المفهوم التنموي من جهة، ومراعاة الخصوصية الفلسطينية المعقدة من جهة أخرى.

إن الإطلاع على البيئة التنموية داخل الأراضي الفلسطينية بنظرة تفاؤلية بعض الشيء، تبرز لنا الامكانات المتوفرة والحقيقية لإنجاح التجربة التنموية بشكل كامل، إلا أن جسامة الإشكالات الموجودة أيضاً، ليس على المستوى الداخلي فقط بل الخارجي، تضيف تحدياً ماثلاً أمام أي إنجاز تنموي، يتطلب بالتالي المزيد من التفكير والعمل على تجاوزه.

وعليه فإن خصوصية الحالة الفلسطينية والناتجة عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي، تعطي دائماً مجالاً لبعض المتعاطين مع الشأن التنموي الفلسطيني للتنكر خلف هذا الستار، سواء كان هذا البعض ممن لا يتطرقون لدور السلطة الفلسطينية بالشكل الحقيقي والنقدي، أو من البعض الآخر الغير معني بمآلية العملية التنموية والمنتفع مادياً، وعليه فإن الخصوصية الجديدة للحالة الفلسطينية تتمثل في حالة الفساد بمختلف مكوناته، والتي وصلت بدورها أعلى المراتب في السلطة الفلسطينية، هذا بالإضافة إلى طبيعة العلاقة الموجودة بين مختلف الشرائح والقوى السياسية الفلسطينية، والتي باتت في حالة من التيه تارة، والتناحر تارةً أخرى.

وبالرغم مما سبق فإنه لا يمكن إغفال الدور المحوري للاحتلال الإسرائيلي في تشكل هذه الحالة، والتي كان بالامكان تجاوزها على فترات مختلفة، ناهيك عن الدور اللاموضوعي – لحد ما – التي تقوم به الجهات الدولية المانحة من خلال مساعداتها المقدمة للفلسطينيين.

حيث غالباً ما يتم التذرع بهذه الإشكاليات لتبرير فشل أو تأخر عملية التنمية، إلا أن التجارب التنموية لدول العالم المختلفة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، أبانت أن عوامل النجاح في تحقيق أهداف التنمية، لا يتوقف على الثروات والجغرافيا وعدد السكان، وإنما يعتمد بالأساس على سلامة الرؤية التنموية وصلاح الحكم وحسن الإدارة التنموية ونزاهتها.

وعليه فإن متطلبات تحقيق التنمية في فلسطين لا تمثل تخارجاً عن هذا الإطار، إذا ما تبين أن بعض المعيقات الماثلة أمام تحقيق التنمية هي بالأساس مرتبطة بالوضع المؤسساتي الفلسطيني، سواء كان ذلك على مستوى المؤسسات الرسمية للسلطة الفلسطينية أو مؤسسات المجتمع المدني المختلفة، والتي يشوبها الكثير من الغموض الناجم عن علاقتها بمجتمع المانحين.

على أن البعض الآخر من المعيقات يرتبط بطبيعة المجتمع والأفراد في إطاره والذين يشكلون الداعم الأساسي في إنجاح أي عمل تنموي، كون مشاركتهم تعتبر في منتهى الأهمية من أجل تحقيق تنمية بشرية تتسم بالتكامل والاستدامة، على اعتبار الحاجة الماسة لتطوير مفهوم المشاركة، وتطوير قدرات الناس على المشاركة، والدفاع عن حقوقهم، وتفعيل دورهم في إحداث التغييرات الضرورية على المستوى الوطني في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

لذلك فإن التعبير الأمثل لإنجاز التجربة التنموية في الأراضي الفلسطينية، يرتكز حول ضرورة التوافق الفلسطيني بين السياسي والمدني، للخروج برؤية مشتركة تراعي تجنب الإخفاقات الماثلة أمام عملية التنمية في فلسطين، باتجاه يحفظ المقدرات والامكانات المتوفرة للفلسطينيين بما يناسب خصوصية الوضعية التي يعيشونها من جهة، ومن جهة أخرى مراعاة مقررات الشرعية الدولية والقواعد القانونية الخاصة بهذا الشأن.

من خلال الطرح السابق يتبين لنا أن مسار العملية التنموية في الأراضي الفلسطينية اصطدم بعائقين رئيسيين، تمثل أولهما بوجود مجموعة من العراقيل الحقيقية، سواء تلك المتعلقة بوجود الاحتلال، أو بضعف البناء المؤسساتي الفلسطيني، وتمثل ثانيهما بآفاق وحلول هذه الإشكاليات، فعلى الرغم من جديتها في معالجة معيقات التنمية، إلا أن الطرح المتزايد والمتشعب لها دون معالجة جدية للأمور، أبان في ثناياه عن مثولها كعائق هي الأخرى إلى جانب العوائق الرئيسية المذكورة.

وعلى ضوء هذه العراقيل، وكيفية التعاطي معها، يتبلور لدينا التساؤل الإشكالي الرئيس التالي: إلى أي حد استطاع المجتمع الفلسطيني، بتشكيلاته المختلفة من أفراد وقوى سياسية ومؤسسات رسمية ومدنية، الموائمة بين إكراهات التنمية في شقيها الداخلي والخارجي، وبين متطلبات تحقيقها على الصعيدين الداخلي والخارجي، في سعيه نحو تحقيق التنمية الشاملة والمنشودة؟

وهو التساؤل الذي سيتم مقاربته في قسمين:

القسم الأول: البيئة التنموية في فلسطين: المحددات والعراقيل.

حيث تم تقسيمه إلى فصلين، الأول يتطرق إلى محددات البيئة التنموية في الأراضي الفلسطينية، وذلك بالتطرق إلى الإطار المفاهيمي للتنمية بشكل عام وخصوصيتها في الحالة الفلسطينية. أما الفصل الثاني، فيتطرق إلى العراقيل الحائلة دون تحقيق التنمية سواء على المستوى الداخلي أم الخارجي.

القسم الثاني: متطلبات تحقيق التنمية في فلسطين.

وتم تقسيمه إلى فصلين: الأول، تطرقنا فيه إلى إمكانية بناء أسس جديدة للمساهمة في تحقيق عملية التنمية، وذلك عن طريق تقوية النسيج السياسي والمجتمعي. أما الفصل الثاني، فيتطرق إلى التوافق الفلسطيني كآلية لتجاوز العقبات وتحقيق التنمية المنشودة.

أما المنهج المتبع للإجابة عن التساؤل الرئيسي الذي يطرحه هذا الموضوع، هو المنهج البنيوي الوظيفي، لكون موضوع البحث يتعلق بدراسة دور المؤسسات الفلسطينية المختلفة ووظائفها في إطار سعيها لتحقيق التنمية في الأراضي الفلسطينية، مع الالتزام بالموضوعية والواقعية في التحليل.

وتكمن أهمية هذا الموضوع في وقوفه على إحدى الإشكاليات المهمة التي تواجه المجتمع الفلسطيني، والتي تتداخل فيها بعض الاعتبارات الخارجية.

فعلى الصعيد المجتمعي الفلسطيني، تعتبر التنمية مطلباً شعبياً هاماً، على اعتبار أن تحقيقها بالكامل يعني المساهمة في التخفيف نوعاً ما من المعاناة التي يعايشها الشعب الفلسطيني جراء استمرار الاحتلال، وتنامي حالات الفساد السياسي والمالي، وتحقيق مستويات معيشية أفضل. بالإضافة إلى سعي مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات السلطة الفلسطينية إلى تحقيق التنمية، كأحد أهم المتطلبات المرحلية للشعب والمجتمع في فلسطين.

وفيما يتعلق بالاعتبارات الخارجية، فنجدها في أغلبها تلعب دور المعرقل للعمل التنموي الفلسطيني، فإن لم يكن بصورة مباشرة كممارسات الاحتلال الإسرائيلي، فبصورة غير مباشرة كما يتضح من خلال المشروطية السياسية المقترنة بالمساعدات الدولية المقدمة للفلسطينيين، وإن كان بعضها غير مقترن بهذه المشروطية ويسعى بالفعل إلى إحداث التنمية في فلسطين.

أما الهدف من هذا الموضوع، فهو تقديم مجموعة من الحلول والآليات التي يمكن عبرها للسلطة الفلسطينية معالجة تلك الإشكاليات ببعديها الداخلي والخارجي، كذلك العمل من خلال مؤسسات المجتمع المدني على تطوير أدائها بما يخدم العملية التنموية، وذلك بضرورة تبني أهداف جديدة نابعة من الصميم المجتمعي الفلسطيني، ولا تخضع للاعتبارات الخارجية، وذلك بمشاركة السلطة الفلسطينية والقوى السياسية والفصائل، بالإضافة إلى الأفراد، للخروج برؤية تنموية فلسطينية موحدة. وذلك على الرغم من الصعوبات التي واجهتنا في هذا البحث، لاسيما ندرة المراجع والدراسات الأكاديمية المتعلقة بموضوع التنمية في فلسطين، إلا أن هذه الصعوبات لم تثنينا عن تقديم هذا الإسهام في مجال البحث العلمي والأكاديمي، ليكون مقدمة لأطروحة الدكتوراة، والتي سنهدف من خلالها إلى معالجة إشكالية التنمية في المنطقة العربية بشكل عام.






القسم الأول:

البيئة التنموية في فلسطين: المحددات والعراقيل

القسم الأول

البيئة التنموية في فلسطين: المحددات والعراقيل

شهدت الأراضي الفلسطينية تقلبات عديدة، ناجمة في أغلبها عن ما تعرض له الشعب الفلسطيني من احتلال دام أكثر من خمسة عقود، نتائج هذا الاحتلال انعكست على الوضع المجتمعي برمته وأصابت جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

وقد كان لطول المدة التي عاشها المجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال، الأثر الجلي – سلباً – على عملية التنمية بمفاهيمها ومشروعاتها، حيث تحددت مسبقاً عوامل الدفع بعملية التنمية إلى الأمام، وكذلك عوامل الفشل، وعليه فقد تعددت العراقيل الماثلة أمام عملية تحقيق التنمية في المجتمع الفلسطيني، بالرغم من وجود سلطة فلسطينية على الأرض نشأت بعد اتفاق أوسلو في العام 1993.

فقد تباينت الرؤى حول دور هذه الأخيرة في عملية التنمية، والتي وجدت نفسها بين مطرقة الالتزامات الدولية والمتضمنة بالمساعدات والدعم المالي، والاتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي، وبين سندان الوضع المجتمعي المتأزم في الضفة الغربية وقطاع غزة، نتيجة سنوات الاحتلال الطويلة، وما أعقبه ذلك من تنامي حدة الاستقطاب الشعبي بين التيارات الفلسطينية المختلفة.

وعليه، فإنه يمكننا تحليل هذا القسم من خلال فصلين:

الفصل الأول/ محددات البيئة التنموية في الأراضي الفلسطينية.

الفصل الثاني/ العراقيل الحائلة دون تحقيق التنمية في فلسطين.

الفصل الأول

محددات البيئة التنموية في الأراضي الفلسطينية

يشهد مفهوم التنمية تحديات عديدة طالت الجانب المفاهيمي والعملياتي، سواء كان ذلك في النطاق الفلسطيني أو على المستوى الإقليمي والدولي "المبحث الأول"، ولعل تلازم وجود الاحتلال مع مسيرة الشعب الفلسطيني نحو التنمية والاستقلال أثمر عن نتائج مسبقة لمآل عملية التنمية، وعلى الرغم من وجود عوامل إنجاح أي عمل تنموي في الداخل الفلسطيني، إلا أن هناك أيضاً عوامل فشل "المبحث الثاني"، وقد يتحدد المنظور التنموي الفلسطيني لديمومة ونجاح عملية التنمية بالتوفيق بين هذه العوامل والتحديات.

المبحث الأول

الإطار المفاهيمي للتنمية وتحدياتها

يشكل تحديد المفهوم آلية نحو استنباط المغزى منه والعمل على تحقيق متطلباته، وبوقوفنا أمام مفهوم التنمية نجد تنوعاً كبيراً في تحديده، سواء ضمن المواثيق والأعراف الدولية أو في الحالة الفلسطينية (المطلب الأول). وإذا كان تحديد المفهوم يمثل كتحدي في بعض الحالات إلا أن هناك تحديات عديدة على مستوى تطبيق هذا المفهوم، حيث تتداخل العديد من الاعتبارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المطلب الثاني).


المطلب الأول

في تحديد المفهوم

يعد مفهوم التنمية من أهم المفاهيم العالمية في القرن العشرين، حيث تعود تلك الأهمية إلى ما يقدمه هذا المفهوم من إثراء لواقع الأفراد والمجتمعات نحو خدمة قضاياهم وتحقيق مستويات أفضل لسبل عيشهم على كافة المستويات.

ويعد أيضا من المصطلحات ذات المعاني الواسعة التي يصعب تعريفها بشكل محدد، وذلك لاتساع استخدام المفهوم وتطور دلالاته وتعدد مجالاته، على نحو يمكن معه الاحاطة بمختلف الجوانب التي تهم احتياجات الأفراد والمجتمعات، حيث تبنت المواثيق والأعراف الدولية بعضاً من هذه التعريفات (أولاً)، إلى جانب المفهوم المتبنى من قبل الفلسطينيين نظراً لخصوصية الحالة التي يعيشونها جراء الاحتلال الإسرائيلي (ثانياً).

أولاً// ضمن المواثيق والأعراف الدولية.

برز مفهوم التنميةDevelopment بداية في علم الاقتصاد، حيث استخدم للدلالة على عملية إحداث مجموعة من المتغيرات الجذرية في مجتمع معين، بهدف إكساب ذلك المجتمع القدرة على التطور الذاتي المستمر بمعدل يضمن التحسن المتزايد في نوعية الحياة لكل أفراده فيما يسمى "بعملية التنمية"، وقد ظهر هذا المفهوم بصورة أساسية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث استخدم قبل هذه الفترة للدلالة على حدوث التطور في المجتمع مصطلحي التقدم المادي Material progress أو التقدم الاقتصادي Economic progress.

يتبين أن مفهوم التنمية الذي تبناه الفكر الغربي، يركز على تحقيق نمو مستمر في الناتج القومي الإجمالي، وما ينتج عنه من تحقيق نمو مستمر في دخل الفرد الإجمالي، حيث يلاحظ اختلاط مفهوم التنمية بمفاهيم أخرى كالنمو الاقتصادي والتحديث.

إن تعدد المفاهيم المشار إليه سابقاً، يطرح التساؤل حول ماهيتها بالتحديد وإن كانت تؤدي إلى نفس المضمون، فمن ناحية هناك الاختلاف القائم بين مفهوم التنمية في اللغة العربية عنه في اللغة الإنجليزية، وهناك الاختلاف القائم بين اصطلاحي النمو والتنمية، فاصطلاح النمو يشير إلى عملية الزيادة الثابتة أو المستمرة التي تحدث في جانب معين من جوانب الحياة، أما التنمية فهي عبارة عن تحقيق زيادة سريعة تراكمية ودائمة خلال فترة من الزمن.

ويحدث النمو غالباً عن طريق التطور البطيء والتحول التدريجي، أما التنمية فتحتاج إلى دفعة قوية ليخرج المجتمع من حالة الركود والتخلف إلى حالة التقدم والنمو، كذلك فإن النمو هو عملية تلقائية تحدث دون تدخل الإنسان، بينما التنمية تشير إلى النمو المتعمد الذي يتم عن طريق الجهود المنظمة التي يقوم بها الإنسان لتحقيق أهداف معينة، وفي هذه الحالة تصبح التفرقة بين النمو والتنمية تتحدد بمدى تدخل الإنسان في إحداث التنمية.

هذه الاختلافات المفاهيمية يمكن أن لا تؤثر في الأهداف الحقيقية من وراء عملية التنمية في حال ما إذا تم الالتزام بهذه الأهداف من جانب القوى الفاعلة داخل المجتمع ومشاركة الأفراد بما قد يعود بالمنفعة العامة على الجميع.

وتعتبر التنمية إحدى العمليات التي تهدف إلى تدعيم القدرة الذاتية للمجتمع وتحقيق الأهداف المحلية والقومية بالطرق المنهجية والموضوعة مسبقاًُ من قبل الاختصاصيين والتي تكفل مشاركة جميع الأفراد ومواردهم المادية في تخطيط برامج التنمية وتنفيذها استجابة للاحتياجات المحلية، حيث ترتبط غالباً بمفهوم التنمية الاقتصادية والتي من المفترض أن تكون عملية متعددة الجوانب، ومتضمنة للتغيرات الرئيسية في البنية الاجتماعية والمواقف الشعبية والمؤسسات القومية، الأمر الذي يستهدف تعجيل النمو الاقتصادي وتقليل عدم التساوي في الدخول وتخفيف حدة الفقر.

فالتنمية في جوهرها يجب أن توفق بين الحاجات الأساسية ورغبات الأفراد والمجموعات الاجتماعية من خلال نظام اجتماعي متكامل، والتقدم نحو وضع أفضل للحياة مادياً ومعنوياً.

هذا التداخل والذي يفرض نفسه دائماً بين الاقتصادي والاجتماعي يظهر بعض الحقائق العامة لعملية التنمية، حيث أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية في معناها الحقيقي هي نشاط متصل ومتدفق يهدف إلى إنتاج تراكمات متزايدة من الإنجازات المادية والسلوكية يمكن للمجتمع النامي عن طريق استخدامها أن يتخلص من قيود ومعوقات التخلف، والانطلاق إلى مراحل النمو والتقدم، بالإضافة إلى كونها صورة من صور التغيير المخطط، حيث ترمي في الغالب إلى تحويل أوضاع اقتصادية واجتماعية سائدة إلى أوضاع أخرى أكثر تناسباً مع متطلبات توفير مستويات الإنتاج والاستهلاك المستهدفة.

استناداً إلى ذلك، فإن عملية التنمية الاجتماعية يمكن تعريفها على أنها: "مجموعة من العمليات التي تستهدف إحداث التغيير الاجتماعي المقصود عن طريق تحسين الظروف المعيشية للمواطنين وتوفير مزيد من برامج الرعاية من خلال الجهود البناءة بالاتساق مع نسق التنمية الاقتصادية في المجتمع".

وارتباطاً بهذا التعريف تنبثق عدة مفاهيم مرتبطة بالتنمية الاجتماعية:

 كالمتغير/ حيث يعني مجموعة المحددات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية القابلة للتأثير والتأثر.

 النمو/ وهو ظاهرة تحدث في جميع المجتمعات على اختلاف مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية، حيث يستخدم للدلالة على الزيادة الثابتة نسبياً والمستمرة في جانب من جوانب الحياة.

 التطور/ ويقصد به ذلك التغيير التدريجي والطريقة التي تتغير بها الأشياء من حالة إلى أخرى ببطء.

 التقدم/ وهو التحسن الذي يطرأ على المجتمع والإنسان في انتقاله من حالته الفطرية الأولى إلى حالة أكثر كمالاً، حيث يعتبر الهدف من وراء هذا التقدم إحداث التغير وتوجيهه نحو مستويات حضارية أفضل للأفراد والمجتمع.

 التحديث/ وهو عملية ثقافية تقوم على تبني قيم ومواقف ملائمة للطموح العملي والتجديد العقلاني بدلاً من القيم السائدة في المجتمعات التقليدية، عن طريق نقل الأفكار والابتكارات من الدول المتقدمة ومحاكاة هذه المجتمعات للوصول إلى نموذج مجتمعي حديث ومغاير عن النموذج القائم.

 التبعية/ حيث يمكن النظر إليها على أنها موقف مشروط بمقتضاه يتوقف اقتصاد دولة معينة أو مجموعة من الدول على تطور واتساع الاقتصاد لدولة أخرى أو مجموعة من الدول، وقد تناول هذه النظرية الكثير من المفكرين والباحثين، نظراً لما تشكله من أهمية في فهم طبيعة العلاقة بين دول الشمال والجنوب وتطور مفهوم التنمية.

 التخلف/ هو عملية اجتماعية تاريخية متعددة الأبعاد، تكرست من خلال عوامل متنوعة، حيث نمت في إطارها خصائص تشير إلى اختلاف مكونات المجتمعات المتخلفة وأنماط السلوك والحياة فيها عن تلك السائدة في البلدان المتقدمة، إلا أن هذا التخلف لا يفهم من ورائه أنه أصلاً كافياً في طبيعة المجتمع، ولكنه يرجع إلى نقص في الواقعية وضعف الحوافز المحركة نحو التقدم.

يعد مفهوم التنمية في نظرنا مفهوماً شائكاً ومتنوعاً، حيث لم يعد يقتصر على الشقين الاقتصادي والاجتماعي، ليتعدى الأمر ذلك وصولاً إلى المجالات التي من خلالها يسعى الإنسان لبناء ذاته وتعزيز دوره وخدمة قضايا مجتمعه.

يسعى مفهوم التنمية أيضاً إلى إقحام ذاته في شتى المجالات، فمع تطور وسائل الاتصال والثورة التكنولوجية التي يشهدها العالم، أصبح مفهوم التنمية التكنولوجية والمعلوماتية يفرض نفسه على الأفراد للحاق بهذا الركب المتطور، ومع تنامي حدة الانقسامات الدولية وتعقد العلاقات السياسية في المجتمع الدولي، فإن تنمية الإنسان سياسياً بهذه القضايا يتطلب جهداً ذاتياً بالإضافة إلى دور الدولة في تهيئة الفرد نحو المعرفة التامة بقضاياه وقضايا دولته، بما يسمى بالتنمية السياسية.

حيث يشير مفهوم التنمية السياسية كما يسميه بعض المفكرين بعملية "التحديث السياسي Political Mode
izaion" وهي تلك التغيرات الثقافية والبنائية التي تعتري الأنساق السياسية في المجتمعات المتقدمة ويشمل ذلك المجالات التنظيمية، وتحليل جميع الأنشطة والعمليات والنظم والعقائد التي تتعلق بصنع القرارات السياسية، وتستهدف تحقيق أهداف جميع أفراد المجتمع، وتسير كذلك إلى عملية التباين في البناء السياسي والقدرة على تحسين أداء النسق السياسي في المجتمع.

ولعل هذه الاهتمامات الجديدة والمختلفة بالأفراد تجسدت بعد إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة 1969 قراراً تضمن إعلان الحق في التنمية، حيث يشير في مادته الأولى "إلى أن الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف، وبموجبه يحق لكل إنسان ولجميع الشعوب المشاركة الإسهام في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية نحو التمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها إعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالاً تاماً".

وفي خضم هذه التطورات المتلاحقة فإن مفهوم التنمية البشرية قد استعمل لأول مرة سنة 1990 في التقرير العالمي حول التنمية البشرية الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة (PNUD)، حيث اعتبر هذا التقرير الإنسان مركز التنمية بوصفه العامل المحرك للتنمية والمستفيد الأساسي منها.

وعلى هذا الأساس فإنه يمكن تعريف التنمية البشرية "بأنها عملية توسيع خيارات الأفراد، وكون الإنسان هو محور تركيز جهود التنمية، فإنه ينبغي توجيه هذه الجهود لتوسيع نطاق خيارات كل إنسان في جميع ميادين سعي الإنسان، والتنمية البشرية عملية ومحصلة في الوقت ذاته، فهي تهتم بالعملية التي يجري من خلالها توسيع الخيارات وتركز على النتائج التي تم تعزيزها".

وفي إطار تطوير المفاهيم المتعلقة بالتنمية، نجد التنمية المستدامة والتي يعبر عنها بالعملية التي تلبي احتياجات الحاضر دون الإخلال بمقدرات الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها، لذلك فإنها عملية تغيير حيث يجري استغلال الموارد وتوجيه الاستثمارات وتكييف التنمية التقنية والتطوير المؤسسي بتناسق يعزز الامكانات الحاضرة والمستقبلية في تلبية احتياجات البشر وتطلعاتهم.

ولكن ماذا عن مفهوم التنمية في الحالة الفلسطينية؟.

ثانياً// ضمن الحالة الفلسطينية.

بناءاً على ما تم ذكره من مفاهيم التنمية وتعددها، فإننا نجد في الحالة الفلسطينية خصوصية لهذا التعريف ناجمة عن السياق العام التي تدور خلاله الوضعية المجتمعية الفلسطينية، نتيجة الاحتلال وتعقيدات الوضع الدولي العام.

فقد اتسم المفهوم التنموي الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وفي الشتات لفترة طويلة حول أهمية توظيف التنمية كآلية من آليات تحقيق الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حق تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية واستعادة المبادرة التنموية من سلطات الاحتلال، وعليه فقد نزعت المفاهيم التنموية الفلسطينية إلى اكتساب بعد سياسي يهدف إلى وقف التدهور وإلى مقاومة آليات استلاب التنمية.

هذه الخصوصية بالإضافة إلى غياب الدولة الوطنية، أديا إلى تبلور مفاهيم تنموية عدة، بدأت بنفي وجود تنمية حقيقية في ظل احتلال، ثم ساد نموذج التنمية من أجل بناء قاعدة الدولة، ثم انتقل إلى نموذج التنمية من أجل الصمود، ومع قدوم السلطة تنمية من أجل البناء.

لا شك أن هذه الحالة من النقاش حول جدل العلاقة بين التحرر الوطني، الديمقراطية والتنمية، أثرت بلا شك الواقع التنموي في فلسطين بالمفهوم المتناغم مع الخصوصية الفلسطينية والمعبر عنه بالتنمية الانعتاقية.

حيث تسعى هذه الأخيرة إلى الدمج المحكم والمتوازن بين متطلبات التحرر والتنمية البشرية، وتنظر إليهما كوحدة متكاملة تعتمد عناصرها على بعضها البعض، كما أن التنمية والتحرر هي عمليات مستمرة ذات طابع ديناميكي يتطلب التفكير الخلاق والحركة المستمرة والمترافقة وحفظ التوازن والاتجاه، ويتلخص نهجها للدمج المحكم بين متطلبات المقاومة والتنمية وتفعيل الطاقات الإنسانية من خلال المشاركة المجتمعية والتربية والتعليم ومضاعفة الجهود والسعي للمحافظة على حقوق الأجيال المقبلة في تفعيل دور المرأة وتكريس سيادة القانون.

إن التنمية البشرية الانعتاقية بهذا تنظر للتنمية من منظور شمولي لا يغفل أهمية النمو الاقتصادي ولا جوانب التنمية الإنسانية الأخرى، ولكنها في نفس الوقت تدمج بين متطلبات المقاومة والتنمية، وتعترف بصعوبة إيقاف عملية "اللاتنمية" أو الهدر المتواصل في مقدرات وإمكانيات الشعب الفلسطيني تحت ظل الاحتلال، هذا التوجه التنموي وإن كان يلقي بالمسؤولية الأساسية على الاحتلال، ما زال يؤمن بإمكانية الفعل الإيجابي الفلسطيني.

إن المتعارف عليه أن لكل عمل تنموي هدف قد يختلف باختلاف الظروف التي يعيشها مجتمع ما أو دولة ما، وفي الواقع فإن هدف التنمية في فلسطين قد يختلف طبقاً لأولويات التنمية لكل مجتمع أو شعب، فالهدف هنا لعملية التنمية هو تحرير الإنسان وتعزيز وصيانة النسق الفلسطيني ليقوى على مقاومة النسق الإسرائيلي الذي تحاول إسرائيل فرضه على الشعب الفلسطيني، وبالتالي العمل على تطويره وتوسيع درجة استقلاله باستمرار.

فالتنمية في فلسطين لا تهدف إلى تحقيق الترف للأفراد والمجتمعات، بل تهدف قبل كل شيء إلى تحرير الإنسان الفلسطيني من الاحتلال بكل أشكاله، حيث أن حرية الإنسان هي المعيار الأساسي لتحقيق التنمية الشاملة، لأنه لا يمكن أن يكون الإنسان أسيراً ويطمح إلى تحسين مستوى معيشته ورفاهيته وهو يفقد أعظم أنواع الرفاهية وهي حريته، وبالتالي أصبح الحديث عن التنمية في فلسطين وتعريف أهدافها لا بد أن يتحدد من خلال مسارين:

 المحاولة بكل الطرق لإنهاء الاحتلال بكل أشكاله، والعمل على تحرير الإنسان الذي هو هدف ووسيلة العملية التنموية.

 العمل على خلق آلية لتحقيق التنمية في المجتمع الفلسطيني تراعي العمل على إنهاء حالة التبعية والهيمنة الممارسة من قبل السلطات الإسرائيلية.

في هذا الإطار فإن المفهوم التحرري أو الانعتاقي للتنمية البشرية لا يستقر عند حدود ممارسة حق تقرير المصير أو الاستقلال السياسي، بل يشمل كشرط ضروري إزالة كل أشكال الاستبداد والقهر المحلية، وبتعبير آخر تعني التنمية البشرية توليد بنى ديمقراطية على الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذي يعني الحق في ممارسة حرية التعبير والرأي والتنظيم وممارسة الحق في المساواة ومأسسة العدالة الاجتماعية، ويترتب على المفهوم نمط جديد من علاقات السلطة في المجتمع، داخل مؤسسات الحكم والدولة وبينها وبين المجتمع، وكذلك داخل مؤسسات المجتمع المدني وما يترتب على ذلك من العلاقات الاقتصادية.

ولا شك أن تبلور المفهوم التنموي على المستوى الوطني، يمكن أن يساهم بشكل من الأشكال في التقاء توجهات الأطراف المختلفة كافة كالتنظيمات والأحزاب والقوى السياسية، والذي من شأنه تعزيز التطلعات والأفكار بما يخدم عملية التنمية في الأراضي الفلسطينية.

كذلك فإن الفهم التحرري للتنمية البشرية يتضمن الاهتمام بنوعية الحياة التي تتوفر للأفراد، الأمر الذي يتمثل بقدرتهم والمجتمع ككل على الوصول إلى المصادر الثابتة والخدماتية والاستفادة منها.

وبالعودة إلى طبيعة وكنه مفهوم التنمية البشرية الانعتاقية، فإننا نجده يتبنى دعوة للتفعيل على كافة المستويات، سواء تعلق الأمر بالأفراد أو المؤسسات (حكومية وغير حكومية) وذلك ضمن إطار مفاهيمي موحد.

كذلك نجد أن دعوة المفهوم الفلسطيني للتنمية بدمج متطلبات المقاومة بالتنمية، إنما يسعى إلى تكريس الوعي لدى أفراد المجتمع وتعزيز قدرته على المشاركة وتأمين المستويات المعيشية المناسبة، كون متطلبات المقاومة لا تتمثل إلا في مجتمع كهذا.

وعلى الرغم من خصوصية الحالة الفلسطينية، إلا أن ذلك لا يمنحها تخارجاً عن الإطار العام للتجربة الإنسانية بشموليتها، وعليه فإن أي حديث عن التنمية والتمكين فلسطينياً، لا يعد مكتملاً في حالة عدم استناده على ما تزخر به الأدبيات والتجارب التنموية الإنسانية من جهود نظرية وعملية تشكل منطلقاً لما ينبغي فعله في فلسطين.

ويشير مفهوم التمكين إلى جملة من العمليات والعلاقات التي تهدف إلى تفعيل دور الإنسان وتمتينه، وذلك بهدف تعزيز قدرته من أجل التمتع بالسيادة على حياته. لذلك فإن مفهوم التمكين ضمن الخصوصية الفلسطينية يتطلب تحقيق عدة أبعاد متداخلة، كتوفر الحاجات الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن وتعليم وصحة، وما يتطلبه ذلك من تركيز على الإنفاق الاجتماعي، كذلك توفر مؤسسات لتوليد وتحديد قدرات ومهارات أفراد المجتمع، بالإضافة إلى توسيع مجالات وحدود المشاركة واتخاذ القرار، والوعي بالحقوق والحريات الأساسية والعمل على امتلاكها، وتطوير اقتصاد وطني قادر على تشغيل القوى العاملة والمساهمة في تأهيلها.

هذه المفاهيم- محلياً ودولياً- وعلى الرغم مما تزخر به من أدبيات ترتقي بالوضعية المجتمعية إلى مراتب أعلى، إلا أنها لا تخلو من بعض التحديات، والتي إن تم تجاوزها فسيكون لها بالتأكيد مردوداً أفضل على مجمل الوضع المجتمعي العام محلياً ودولياً.

المطلب الثاني

تحديات التنمية (محلياً، إقليميا ودولياً).

شهد المسار التنموي تحديات عديدة، أسهمت في تأخره عن تحقيق أهدافه أحياناً، وتعطيله نهائياً أحياناً أخرى، فعلى الصعيد الداخلي الفلسطيني ظهرت مؤشرات عديدة عكست التحديات الماثلة أمام تحقيق التنمية (أولاً)، ولعل في هذا انعكاس جلي لتحديات التنمية في المحيطين الإقليمي والدولي (ثانياً)، والتي ما فتئت تزداد بفعل تسارع الأحداث الدولية.

أولاً// على المستوى الداخلي: مؤشرات تعكس الخصوصية الفلسطينية.

لعل أهم التحديات التي واجهت التنمية في المنظور الفلسطيني، هو تطوير مفهوم محلي يحلل ويتفهم جميع جوانب التنمية ومعيقاتها وإمكانياتها في الواقع الفلسطيني. إلا أن التوافق الفلسطيني حول هذه الإشكالية أسهم في تجاوزها، ليتبلور بالتالي مفهوم التنمية البشرية الانعتاقية، والذي واءم بين متطلبات التنمية والتحديات العديدة والمختلفة التي تمثل أمامها.

وقد شكلت القضايا الوطنية الفلسطينية (كاللاجئين، الأرض والمستوطنات، والقدس) تحدياً مستمراً، كون أية تسويات سياسية تتجنب إعطاء حلول مقنعة حول هذه القضايا، تجعل إمكانيات التنمية في المنطقة معرضة للخطر، وعلى الرغم من أهمية هذه الحقوق على المستوى الوطني، إلا أنها تأخذ اهتماماً أكبر وذلك على حساب حقوق الإنسان والحقوق الاجتماعية الأخرى، حيث تستغل هذه الحقوق لتبرير إهمال حقوق الإنسان والحقوق الأخرى أو حتى عدم الاعتراف بها.

ولعل خصوصية الحالة الفلسطينية المتمثلة بالاحتلال الإسرائيلي وممارساته، قد انعكست على بعض المؤشرات في المجتمع الفلسطيني:

فعلى الصعيد الاجتماعي/ تعززت شبكات الحماية العائلية خلال سنوات الانتفاضة، وازداد دور الآليات العشائرية في تقديم المساعدات والدعم للأسر المحتاجة، وإذا كان ينظر لهذا الدور بايجابية إلا أنه يعد تراجعاً في دور مؤسسات السلطة المركزية ومؤشراً على ضعفها.

كذلك فإن تناقص التأييد للاتجاهات العلمانية والديمقراطية اليسارية، وتزايد شعبية التوجهات الدينية المحافظة في المجتمع الفلسطيني وحتى في العالم العربي والغربي بشكل عام، من شأنه إضافة تحديات جديدة لأية سلطة سياسية، ومن المتوقع أن يلقي بظلاله على ما تم تحقيقه من إنجازات في مجالات عديدة على مستوى الممارسات الديمقراطية والحريات الجماعية والشخصية وحقوق النساء والعلاقات الخارجية.

وقد أدى الوضع المتأزم الذي يعيشه الفلسطينيون نتيجة الحصار والممارسات الإسرائيلية المختلفة إلى تكريس مجموعة من المشكلات، كالتزايد السكاني غير المنضبط ضمن أية سياسة وطنية، وارتفاع معدلات الفلتان الأمني والجريمة، وتراجع الوضع البيئي، واستمرار إغراق السوق الفلسطيني بالبضائع الفاسدة، واستمرار احتكار بعض السلع والخدمات.

ومن المتوقع على المدى البعيد أن تتضح الآثار السلبية لهذا الوضع على مؤشرات التنمية البشرية المرتبطة بالتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية الأخرى، كون هذه الآثار لا تتضح مباشرة بل تحتاج إلى وقت لتأخذ مجراها، وبالتالي فإنه من المتوقع أن تنخفض معدلات متوسط الحياة والالتحاق بالتعليم ومعدلات الأمية.

على الصعيد الاقتصادي/ فإن تبعية الاقتصاد الفلسطيني لنظيره الإسرائيلي واعتماده على المساعدات الخارجية، أدى إلى انكشاف الاقتصاد الفلسطيني للعوامل الخارجية مما أسهم في ترسيخ ظاهرتين متناقضتين، هما: الاغناء الفردي والإفقار الجماعي، حيث تمثلت الأولى في تحسين الظروف المعيشية للأسر الفلسطينية كل على حدة، ومن ناحية أخرى فقد تعززت ظاهرة الإفقار الجماعي في سلب قدرة المجتمع الفلسطيني على تأسيس اقتصاد مستقل، وتم تدمير إمكانيات تطوير اقتصاد وطني يستمد عوامل دفعه من قدرات ذاتية، بينما اختلفت هذه الحالة أثناء فترة الانتفاضة أي ما بعد أيلول/ سبتمبر 2000، حيث انتهجت سلطات الاحتلال سياسة أدت إلى كل من الإفقار الفردي والإفقار الجماعي في الوقت ذاته.

أدى هذا الوضع إلى ارتفاع نسبة البطالة والتي تعد أحد الأسباب المؤثرة بشكل ملحوظ في تراجع مستوى المعيشة وارتفاع نسبة الفقر، الأمر الذي ألقى بظلاله سلبياً على المناطق الفلسطينية المختلفة، والتي تعاني من الحرمان وتنتشر فيها أنواع الفقر المختلفة، نظراً لوجود فئات كثيرة من الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة تعاني من أنواع من الهشاشة تجعلها عرضة للفقر المستديم.

ولا شك أن معظم ما يعانيه الفلسطينيون مرتبط بشكل أو بآخر بالاحتلال الإسرائيلي، والسياسات الإسرائيلية القائمة على إفقار الشعب الفلسطيني بالسيطرة التامة على مقدراته، وضرب شتى أنواع الحصار.

لذلك يعتبر القضاء على الفقر من المهام الملقاة على عاتق الفرد والجماعة والدولة، كونه يرتبط بمفهوم التكافل الاجتماعي، وضرورة وضع خطط شاملة لإقرار سياسات واستراتيجيات لمكافحة الفقر على المستوى الوطني.

على الصعيد الإنساني/ فقد خلف الصراع العسكري والاحتلال المستمر، آثاراً سلبية على الوضع الإنساني داخل الأراضي الفلسطينية، حيث أفرز مجموعات حيوية مهمة لا بد من النظر إليها بعناية لفهم طبيعة الوضع الفلسطيني، كاللاجئين والمعتقلين الفلسطينيين:

- اللاجئين الفلسطينيين// حيث يعيش أكثر من أربعة ملايين فلسطيني كلاجئين في وطنهم وفي الشتات، وقد تضاعف عدد اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة مرتين تقريباً، فمن 560 ألف لاجئ تقريباً في العام 1950 إلى مليون و560 ألف لاجئ في العام 2003، حيث يتوزعون داخل المخيمات المعترف بها من وكالة الغوث على النحو التالي: حوالي 176514 لاجئ يعيشون في 19 مخيماً في الضفة الغربية و478854 لاجئ يعيشون في 8 مخيمات في قطاع غزة، أما الباقي والبالغ عددهم 906824 لاجئ فيعيشون في القرى والمدن والمخيمات غير الرسمية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويعيش اللاجئون في المخيمات على بقعة جغرافية من الأرض لا تتجاوز 20 كم مربع، وهذا يعني أن نصيب الفرد اللاجئ من المساحة يبلغ 32،8 متر مربع.

- المعتقلون الفلسطينيون// يبلغ عدد المعتقلين الفلسطينيين لدى سجون الاحتلال الإسرائيلي ما يتجاوز عشرة آلاف أسير، كما تؤكد تقارير وزارة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين، والملاحظ أن حدة الاعتقالات تم أغلبها في الفترة من شباط إلى مايو 2002، هذه الفترة التي شهدت اجتياحاً كاملاً لمدن الضفة الغربية.

وتشير الدراسات إلى أن 95% من المعتقلين تعرضوا للتعذيب والتنكيل والضغوطات النفسية على يد المحققين الإسرائيليين أثناء فترة اعتقالهم واستجوابهم، الأمر الذي قد يفضي في بعض الحالات إلى الموت.

وتعاني أسر المعتقلين من ظروف معيشية صعبة، حيث أن غالبية الأسرى هم من فئة الشباب والذين غالباً ما يشكلون المعيل للأسرة، الأمر الذي يضطر معه إلى زيادة الأعباء الاقتصادية للأسرة، بالإضافة إلى الاجتماعية والنفسية، وفي هذا انعكاس سلبي واضح على عملية التنمية.

هذا وقد لوحظ ضعف في مشاركة النساء في العملية التنموية، الأمر الذي يشكل تحديا جديداً، نظراً للدور القيمي الذي تؤديه النساء في تنمية المجتمع باعتبارهم أصحاب المصلحة الحقيقية والمستفيدين من حدوثها.

وتعتبر المشاركة في التنمية حق من حقوق الإنسان وفق مقررات الأمم المتحدة، حيث يجب أن يشارك جميع الناس في عملية التنمية للاستفادة من ثمارها، وعليه فإن مشاركة النساء في التنمية تكتسب أهمية مزدوجة في العلاقة الجدلية بين المشاركة والتنمية، إذ لا يكون هناك تنمية حقيقية بدون مشاركة المرأة.

ولعل أهم معوقات مشاركة المرأة في التنمية، تتمثل عادة في مسألة العادات والتقاليد الثقافية التي تمارس التمييز ضد مشاركة المرأة في المنظمات المجتمعية والشؤون العامة، وانخفاض مكانتها وعدم الاعتراف بأهمية دورها في التنمية، كذلك سيطرة الذكورية والنظام الأبوي على الأسرة والمجتمع، بالإضافة إلى تأثير وسائل الإعلام والتي تولي تركيزها على دور المرأة كزوجة وأم وربة منزل، مع إغفال شبه كامل لدورها كعاملة ومنتجة ومساهمة في التنمية والعمل السياسي وصنع القرار.

وفي فلسطين، فإن المعطيات تشير إلى ضعف مشاركة المرأة في العملية التنموية الرسمية، سواء في سوق العمل الرسمي أو في صنع القرار في المؤسسات العامة، ورغم تشكيل وزارة خاصة بالمرأة إلا أن ذلك لم يترافق مع التزام شامل وكامل بسياسات وطنية عامة تساهم بالنهوض بحالة النساء.

استكمالاً لهذه التحديات، نجد دور المرافق المحلية في تقديم الخدمات العامة لأفراد المجتمع قد تأثر تأثراً شديداً بالوضعية السياسية والأمنية السائدة في المجتمع الفلسطيني، حيث لم تستكمل هذه المرافق دورها التنموي والتطويري، إما نتيجة لغياب الموازنة العامة، أو لعدم تعاون الأفراد بالشكل المطلوب، وإما نتيجة العنف والتدمير الذي طالها جراء سنوات الانتفاضة.

من جانب آخر، فإن جزء من هذا القصور راجع إلى ما تعانيه مؤسسات الحكم المحلي من عدم الاستقلالية في مهامها، والمركزية الإدارية الفارغة من أي تفويض للصلاحيات، مما حصر دور المشاركة المجتمعية في الحكم المحلي في تلقي القرار دون المشاركة في صنعه.

ويمكن إدراج بعض التحديات التي تواجه عمل هيئات الحكم المحلي والبلديات على الشكل التالي:

o عجز في الأنظمة والقوانين التي تحد من صلاحيات البلديات، لتشمل هذه الصلاحيات الكثير من نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية.

o نقص الوعي بمفهوم التنمية وأهميتها، سواء من العاملين في البلديات أو المشرفين على أعمال البلديات.

o ندرة الموارد المالية اللازمة لتنفيذ مشاريع تطوير البنية التحتية الضرورية والأساسية.

o عدم تفعيل شرطة البلديات لتنفيذ القرارات الصادرة عن المجالس البلدية وإلزام المواطنين الممتنعين عن دفع التزاماتهم المالية تجاه البلديات، مما يساهم في عجزها عن القيام بتنفيذ الخدمات المطلوبة منها.

o من الجدير الذكر أن البلديات في المجتمع الفلسطيني تعتمد بشكل أساسي في عملية التنمية والتطوير والمشاريع على الدعم والمساعدات الخارجية، إلا أنه وبعد إعلان نتائج الانتخابات التشريعية في يناير 2006 وما تبعها من تغيرات سياسية، والتي على إثرها تم فرض الحصار على الشعب الفلسطيني وتوقفت بالتالي المساعدات والدعم المخصص للبلديات، مما انعكس سلبياً على مستوى الخدمات التي تقدمها البلديات وحد من المشاريع التطويرية بشكل كبير.

o انعدام فاعلية العلاقات العامة داخل البلديات لتنظيم العلاقة مع المجتمع المحلي ومؤسساته، وما يقابله ذلك من نظرة سوداوية من قبل المجتمع المحلي للبلديات وانعدام الثقة.

على صعيد آخر، فان مسألة التجارة الخارجية للسلطة الفلسطينية قد حدت دون تطوير الاقتصاد الوطني بالشكل المطلوب والفاعل، نظراً لارتباطاتها بالاتفاقيات الموقعة مع الجانب الاسرائيلي وتحكم هذه الأخيرة بشكل كامل في حركة الاستيراد والتصدير، بالإضافة إلى العوامل الذاتية الناجمة عن الخلل في البناء المؤسساتي، خاصة تلك التي تتعلق بالمالية والاقتصاد.

أضف إلى ذلك دخول السلطة في العديد من النشاطات التجارية التي تعاني من نقص كبير من مسألتي الشفافية والمتابعة والعجز المتكرر في السيولة لدى وزارة المالية، والطريقة السرية التي تدار بها معظم موجودات السلطة ونشاطاتها التجارية.

إن جزء كبير من هذه التحديات مرتبط بالبيئة الخارجية للفلسطينيين، ولكنه لا يعفيهم من تحمل مسؤوليتهم تجاه كمون عملية تنمية المجتمع، هذه التحديات لا ترتبط بالمحيط الإقليمي فقط، إنما أيضا على الصعيد العالمي وما يعانيه مفهوم التنمية من إفراغ في محتواه وصولاً إلى غايات سياسية بعيدة نوعاً ما عن المحتوى القيمي والخدماتي للتنمية.

ثانياً// ضمن الإطار الإقليمي والدولي.

لعل التحديات التي تواجه عملية التنمية في الأراضي الفلسطينية، وبالرغم من كون أغلبها ناجم عن الممارسات الإسرائيلية، إلا أنها تعتبر جزءاً من التحديات التي تواجه البلدان العربية وبلدان العالم الثالث بشكل عام.

حيث أثبتت تجربة العقود الماضية، أن البلاد العربية قد واجهت مشكلات حادة بخصوص بناء تنميتها المستقلة وتحقيق تقدمها الاقتصادي والاجتماعي، وقد تمثلت هذه المشكلات في نوعين: الأول، هو تلك المشكلات الناجمة عن تبني مفاهيم وأنماط وسياسات التنمية التي حاكت نموذج النمو في الدول الرأسمالية الصناعية، الأمر الذي أدى إلى تعثر جهود التنمية ووصولها إلى طريق مسدود. والنوع الثاني من المشكلات، تمثل في تبعات التعامل مع الاقتصاد العالمي في مجال التجارة السلعية، وفي الاستثمار والقروض الخارجية، حيث أدى ذلك إلى ضعف الموقع النسبي لهذه البلاد داخل محيط الاقتصاد العالمي، ودوام تبعيتها للقوى الخارجية.

ولعل الخطط التنموية العربية في مجال تحقيق التنمية المستقلة والفاعلة، اتسمت بسمات مشتركة مولدة للاختلالات الهيكلية، ومن أهمها:

 قصورها في تحقيق التنمية البشرية واستجابة التعليم لحاجات التنمية الشاملة وتكوين المواطن الايجابي.

 افتقاد هذه الخطط للبعد التكاملي الإقليمي والعربي، وكذلك افتقارها إلى آلية واضحة لمتابعة تنفيذها وتقييم الأداء.

 تركيزها على الاستثمار وحجمه بدلاً من التركيز على الحاجات الأساسية للأفراد والمجتمع بما يناسب المرحلة التي يجتازها.

ولعل نمط الإنتاج والبيئة الاقتصادية السائدة في البلدان العربية تشير بوضوح إلى مدى تأثر عملية التنمية بذلك، كضعف الإنتاج في الأنشطة الأولية، حيث يرتكز جزء كبير من النشاط الاقتصادي في العالم العربي على النشاطات الأولية كالزراعة، بالإضافة إلى غلبة المشروعات الصغيرة وغير النظامية التي تتبنى أساليب إنتاج قليلة المعرفة بالمعني الحديث، كذلك ندرة الشركات المتوسطة والكبيرة، وضعف المنافسة.

وارتباطاً بهذه التحديات، نجد القيود السياسية والتي تعد أكثر وطأة وإعاقة لفرص التنمية في البلدان العربية، حيث لا يتعلق الأمر دائماً بعدم تحقيق التنمية في هذه البلدان بالاستعمار والتبعية، وإنما يعود إلى المؤسسات التقليدية التي تتميز بالقدرية والغيبية، والتي تنمي اتجاهات وقيم لا عقلانية لدى الأفراد بما لها من أثر سلبي على عملية التنمية.

إضافة إلى ذلك فإن التحديات المفروضة من الخارج كالاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، والاحتلال العسكري الأمريكي البريطاني للعراق، يشكلان عائقاً أمام تحقيق التنمية في المنطقة، بالإضافة إلى انعدام الحرية في البلاد العربية، حيث يعود سبب ذلك إلى تناقضها مع مصالح القوى المهيمنة عالمياً، وعدم وجود حركات سياسية عربية تناضل من أجل الحرية، ووجود قوانين تصادر الحريات على الرغم من اعتراف الدساتير العربية بتلك الحريات.

وقد أبان تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2004 الكثير من التحديات التي تواجه عملية التنمية في البلدان العربية، فبالإضافة إلى حالة القمع الممارس على الرأي وحرية التعبير والإبداع، هناك في بعض البلدان استدامة لحالة الطواريء والأحكام العرفية، ومعاناة مستمرة للنساء من التمييز وعدم المساواة، وفساداً اقتصادياً ناتج عن الفساد السياسي، وطغيان ظاهرة العصبية في المجتمعات العربية وضعف البنى المؤسسية للدولة. بالإضافة إلى ما تتميز به الحياة الحزبية داخل البلدان العربية، حيث الصراع الفكري والأيديولوجي وكثرة الانشقاقات، وتركيز الكثير من هذه الأحزاب على مواجهة السلطة القائمة وتهميش المجتمع بالرغم من رهانها عليه وادعائها الدفاع عنه.

وربما يكمن الخطأ الذي ارتكبته معظم البلدان العربية في عدم استمرار عملية التنمية للوصول إلى أهدافها، هو تهميشها لدور الفرد في عملية التنمية، وعدم استثمارها لقدراته المختلفة في الوصول إلى مكانة حضارية أعلى سواء له أو للمجتمع.

حيث تسعى التنمية البشرية إلى اعتبار أن العناصر البشرية والمؤسسية هي غايات مباشرة فضلاً عن كونها وسائل، وأن تنمية الفرد كمورد اقتصادي مطلوبة إلى الحد الذي يمكن من زيادة الإنتاج وتطوير إنتاجية هذا المورد.

ولا شك أن السياسة التعليمية التي تشكل الأداة الأساسية للتنمية عبر الارتقاء بالإنسان والمجتمع فكراً وثقافة وسلوكاً، ما زالت تتخبط باستمرار في البلدان العربية، حيث لا تزال بعيدة عن مقاييس السياسات التعليمية النموذجية التي تربط بين التخطيط والتنفيذ، وتترجم المبادئ والأهداف إلى حقائق وإنجازات. باعتبار المعرفة هي معيار الرقي الإنساني في الطور الحالي من تقدم البشرية.

وأيضاً باعتبار الثقافة رافعة أساسية لتجنب الإخفاقات المتتالية في مسلسل التنمية التي تعيشها البلدان العربية، حيث تشكل الثقافة عاملاً أساسياً من عوامل التنمية بكل أبعادها، وتساعد على بلورة التصور الأفضل للأسس التي ينبغي إتباعها بغرض تحقيق التنمية الشاملة.

إن إشكالية التنمية العربية بكل تعريفاتها وأبعادها نابعة أساساً من الطبيعة المعقدة للمسار التاريخي العربي في مراحله المتعددة، قبل الاستعمار، مرحلة الاستعمار، مرحلة الاستقلال والدولة، وهي مرتبطة بقضايا أخرى هيكلية مثل طبيعة السلطة والمجتمع وعلاقتهم بالمجتمعات الغربية، ولعل إنهاء هذه الإشكالات مقترن بضرورة الربط بين التنمية ومفاهيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.

بيد أن هذه التحديات لا تعدو كونها نتاجاً عن تعقيدات الوضع الدولي والتحديات الدولية بشكل عام، ولعل أبرزها ما يفرضه منطق "الحرب على الإرهاب" والعولمة والمشكلات التي يعاني منها معظم ساكنة العالم خاصة النامي، كالفقر والأمية والتلوث البيئي.

هذا بالإضافة إلى التحولات التي شهدها العالم والتي رافقت الثورة الصناعية الثالثة (التكنولوجية والالكترونية)، وأزمة النفط في العام 1973، والتلكؤ في تبني نظام اقتصادي عالمي جديد، بالإضافة إلى الزيادة السكانية السريعة في بلدان العالم الثالث، وضعف التعاون الاقتصادي بين البلدان النامية وما نتج عنه من تعاظم لدور الشركات الاحتكارية العالمية الكبرى، وتقديم النمو الاقتصادي على التنمية الشاملة بما فيه من فقدان للتوازن بين التنمية الاقتصادية من جانب وسائر جوانب التنمية من جانب آخر، وعلى رأسها التنمية الاجتماعية والثقافية والحضارية.

هذه التحولات وغيرها وضعت غالبية دول العالم الثالث أو النامية أمام مجموعة إشكاليات تتطلب مجهودات وطاقات كبيرة للتغلب عليها، ولعل منها:

 الفقر/ حيث يعتبر أهم التحديات التي تواجه مسيرة التنمية في العالم النامي خلال هذا القرن، وتشير الإحصائيات إلى أن نصف سكان العالم فقراء، وأن منهم 1،3 مليار يعيشون تحت وطأة الفقر، وقد تؤثر هذه الأرقام بطبيعة الحال على مسيرة التنمية.

 الأمية/ حيث تشكل خطراً دائماً على شعوب الدول النامية، على اعتبار أن قصور الموارد الضرورية على توفير الاحتياجات الأساسية من مأكل ومشرب وملبس تجعل الموارد المتبقية التي يفترض أن يوجه جزء منها إلى التعليم تكاد تكون منعدمة بالنسبة للاحتياجات الفعلية، بالإضافة إلى عجز نظم التعليم عن مسايرة المهارات اللازمة للاحتياجات الاقتصادية العالمية المتغيرة.

 التلوث البيئي/ يهدد باستمرار صحة شعوب البلدان النامية، خاصة وأن النهضة الصناعية للعالم المتقدم قد ارتبطت بتصدير التلوث إلى البلدان النامية التي تفتقر إلى مفهوم الأمن البيئي المتمثل في توفير أساليب الحياة النظيفة الخالية من الأضرار والتلوث.

 الهجرة/ حيث تعد ظاهرة جديدة بدأت تتطور بشكل كبير في الدول النامية، وتتنوع هذه الهجرة إلى عدة أنواع، منها هجرة الأموال والأدمغة والأفكار والتجارب، وهجرة الطاقات البشرية العاملة، ولا شك أن هذه المكونات تعد أسس تحقيق التنمية البشرية في أي دولة، حيث يعتبر البحث عن الأسباب التي تؤدي إلى هجرة هذه الموارد من بين التحديات الأساسية التي تواجه البلدان التي تعاني من ضعف عملية التنمية.

إن هذه التحديات وإن كانت ناتجة عن حالة التبعية القائمة بين دول الجنوب والشمال، إلا أنها لا تقف عند هذا الحد، فانعكاسات هذه المظاهر بالإضافة إلى الضغط المتواصل من قبل القوى الغربية يساهم في تفكيك وحدة هذه البلدان وإعادة تشكيلها بما يتواءم مع نظام العولمة وبرامجها الهادفة إلى تطبيق نظام الخصخصة وبيع مؤسسات القطاع العام، وتطبيق الحكم الصالح وفق محددات وشروط أدوات العولمة وركائزها الثلاثة: البنك والصندوق الدوليين ومنظمة التجارة العالمية.

حيث تستهدف هذه المحددات، المزيد من تقليص سلطة الدولة وانعكاس قدرتها على رسم السياسات الاقتصادية الوطنية في إطار التحرير المتزايد للاقتصاديات والأسواق الوطنية، والتحول إلى اقتصاد السوق، والتسارع في معدلات النمو الضخم في حركات رؤوس الأموال عبر الحدود الوطنية، بهدف اقتناص فرص الربح السريع من خلال المضاربة تحت نظام الاستثمار، وبروز دور الشركات المتعددة الجنسية، وانتشار أنماط الاستهلاك الشعبي والثقافة الشعبية السائدة في دول الغرب الرأسمالية.

هذه التحديات التي تفرضها العولمة تفرض على البلدان النامية مواجهتها من خلال الدولة ومؤسساتها، عن طريق إعطاء القطاع العام الدور الأكبر في التنمية، مع ضمان دور القطاع الخاص، والتخطيط الجيد في الإدارة الاقتصادية.

ولا شك أن احتلال العراق في العام 2003، ضمن موجة ما يعرف "بالحرب على الإرهاب"، أسهم في وجود بيئة دولية معوقة وذات أثر بالغ السوء على التنمية الإنسانية بشكل عام، ذلك أنه خلال الأعوام القليلة الماضية اتسعت عمليات التضييق على الحريات في العالم أجمع، والتي استهدفت في غالبيتها فئتي "العرب والمسلمين"، تحت ذريعة "الحرب على الإرهاب"، والتي على أساسها انتهكت الحريات المدنية والسياسية.

هذا من شأنه تكبيل عملية التنمية، والذي أصبح تحقيقها في ظل هذه الإشكاليات يعد أمراً صعباً. ولكن ماذا عن البيئة التنموية الفلسطينية، وبالتحديد محددات القوة فيها وعوامل الفشل.


المبحث الثاني

البيئة التنموية في الأراضي الفلسطينية: محددات القوة وعوامل الفشل


إن نجاح عملية التنمية في الأراضي الفلسطينية، يتوقف بالأساس على تحليل أهم نقاط القوة والضعف التي تحيط بالبيئة التنموية الفلسطينية. حيث ينطلق ذلك من تحليل البيئة الداخلية للتنمية في فلسطين (المطلب الأول)، بما تحتويه هذه البيئة من محددات للقوة وعوامل للفشل. وكون البيئة المحيطة والخارجية للتنمية في فلسطين (المطلب الثاني) لاتقل أهمية عن البيئة الداخلية، فإنه يتوجب تحليلها للإطلاع أكثر على فرص إنجاح العملية التنموية، وكذلك المخاطر والتحديات الموجودة.

المطلب الأول

تحليل البيئة الداخلية للتنمية الفلسطينية

عاشت التجربة التنموية الفلسطينية مراحل عديدة من خلال الواقع المتمثل في وجود الاحتلال الإسرائيلي على الأرض، واستمرار ممارساته الهادفة إلى السيطرة على الأراضي ومقدرات الشعب الفلسطيني، وطمس أية معالم من شأنها السير قدماً نحو تحقيق التنمية في فلسطين.

إلا أن الشعب الفلسطيني وبالرغم من هذه الممارسات، أبرز حيوية متنوعة على كافة المجالات، مكنته من مواصلة مشروعه التحرري والتنموي، وذلك من خلال ما يمتلكه من مكامن قوة على هذا الصعيد (أولاً)، بيد أن الأمر لا يخلو من بعض نقاط الضعف (ثانياً) التي أثرت بشكل أو بآخر على المسار التنموي الفلسطيني.

أولاً// مكامن القوة.

يمتلك الشعب الفلسطيني العديد من نقاط القوة التي تمكنه من مواجهة التحديات العديدة التي تمثل أمامه في سبيل تحقيق التنمية والنهوض بالوضع المجتمعي العام، ولعل أهم مكامن القوة هاته تتمثل من خلال الوضعية الديمغرافية الجيدة التي يمتلكها الشعب الفلسطيني، مع ما تحتويه من مخزون للخبرات ورؤوس الأموال، بالإضافة إلى حيوية المجتمع المدني والقطاع الخاص، مع ما يمثله الموقع الجغرافي من أهمية بالإضافة إلى وفرة عناصر الجذب السياحي.

 الديمغرافية كعنصر قوة:

يقدر عدد المواطنين الفلسطينيين في نهاية العام 2006 نحو 3.95 مليون، موزعين على المناطق الفلسطينية التي تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، ويبلغ معدل الزيادة السنوية الصافية نحو 3.3% حيث تعتبر من أعلى النسب في العالم، أما توزيع السكان حسب فئات العمر المختلفة فيبين أن ما دون سن 14 سنة يشكلون نحو 47% من السكان، وبإضافة فئة السكان من 15- 19 سنة فإن نحو 57% من السكان هم في عمر 19 سنة فأقل، بالإضافة إلى السكان في فئة العمر 20- 39 سنة حيث يشكلون ما نسبته 28.5%، فإنه يتبين أن تركيبة الشعب الفلسطيني العمرية يغلب عليها عنصر الشباب، وهذه الميزة لها ارتباط وثيق بتقبل التغيير والقدرة على التعليم واكتساب المهارات، وتشغيل التكنولوجيا الحديثة.

وتتميز قوة العمل الفلسطينية بارتفاع المهارة، حيث تظهر الإحصاءات أن 26% من أفراد القوى العاملة قد أنهوا أكثر من 12 سنة تعليمية، و31% أتموا ما بين 10- 12 سنة تعليمية، و25% أتموا ما بين 7- 9 سنوات تعليمية، وتدل هذه الأرقام أن القوى العاملة الفلسطينية تتمتع بمستوى تعليمي عالي نسبياً يؤهلها للانخراط في الصناعات الجديدة، بما فيها تلك التي تعتمد على التكنولوجيا العصرية.

بالإضافة إلى ذلك فإننا نجد أن مسألة التعليم تحتل مكانة بارزة على صعيد تكوين رأس المال البشري، على اعتبار أن ذلك يشكل مصدر فخر للعائلة وإبراز هويتها أو كاستثمار اقتصادي للمستقبل.

وقد أسهمت التطورات التاريخية التي أحاطت بالقضية الفلسطينية بدور مهم في تشكيل هذا الواقع، إذ أن احتلال فلسطين والسيطرة على ثرواتها وجه الشعب الفلسطيني نحو الاستثمار في التعليم، حيث توجهت معظم الأسر الفلسطينية نحو تعليم أبنائها بصرف النظر عن التغيرات التي شهدتها سوق العمل في الاقتصاد الفلسطيني، والتي لم تكن توفر فرص عمل لاستخدام الكفاءات الفلسطينية، التي اتجهت نحو الهجرة إلى دول الخليج العربي والعديد من الدول الأخرى.

كذلك أسهم تواجد الفلسطينيين في الخارج، سواء بفعل التهجير خلال عامي 1948 و 1967، أو من خلال البحث عن فرص عمل، نقطة قوة أخرى تضاف إلى سابقاتها من حيث تمثله كمصدر هام لدعم التنمية الفلسطينية، من خلال رؤوس الأموال المتوفرة لديهم، حيث يمكن الاستفادة من مخزون الخبرات ورؤوس الأموال المتوفرة لدى الفلسطينيين في الخارج من خلال وضع استراتيجية للعمل على جذبهم نحو الاستثمار في فلسطين، ونقل التكنولوجيا والبحث والتطوير المتوفر لديهم، بما يخدم عملية التنمية والاقتصاد في المجتمع الفلسطيني.

وبالرغم من الجهود المبذولة لاستقدام رؤوس الأموال الفلسطينية في الخارج، إلا أن هناك موانع عدة يتمثل أهمها في ضرورة توفر مناخ آمن ومستقر للاستثمار، وهو ما لا تتوفر عليه البيئة الفلسطينية، فاستمرار الحصار على الحكومة والسلطة، بالإضافة إلى وجود الاحتلال يمثلان عائقاً رئيسياً أمام الاستثمار في فلسطين، والمطلوب في هذه المرحلة تضافر الجهود الفلسطينية من سياسيين واقتصاديين للخروج من الأزمة والعمل على تذليل العقبات أمام حركة الاستثمار في فلسطين.

 حيوية المجتمع المدني والقطاع الخاص:

تميزت وضعية المجتمع المدني الفلسطيني بالحيوية والنشاط خاصة فيما يتعلق بالعمل التنموي وخدمة المجتمع، مما يشكل إمكانيات كبيرة نحو المشاركة المجتمعية على مختلف مستويات التخطيط وتنفيذ الاستراتيجيات والبرامج.

ومما ساهم في ذلك وجود لغة مشتركة للديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي وجدت رواجاً شائعاً في المجتمع ككل حيث أن نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال اخذ عادة أشكال كان من أهمها النضال الذي استند إلى الشرعية الدولية وحقوق الإنسان والمواثيق الدولية، واتخذ من الإعلام والإحراج للاحتلال الإسرائيلي سلاحاً فاعلاً في مواجهته.

وتقوم مؤسسات المجتمع المدني بنشاطات تنموية مباشرة لتحسين نوعية الحياة للمواطنين الفلسطينيين، وخصوصاً الفئات المحتاجة، حيث تشمل نشاطاتهم تقديم الخدمات الصحية والتعليمية والرعاية الاجتماعية، بالإضافة إلى النشاطات الموجهة لخلق فرص العمل ومكافحة الفقر.

وقد ساهم تكون رأس المال الاجتماعي في دعم صمود وتماسك المجتمع الفلسطيني خلال انتفاضة أيلول 2000، حيث تمثل ذلك في المساعدات الاجتماعية والمادية التي تتلقاها الأسر الفلسطينية المتضررة من الاحتلال، فقد احتل الدعم المقدم من الأهالي المركز الأول من حيث عدد مرات تقديم المساعدات بواقع 23.3%، تليها المساعدات المقدمة من نقابات العمال بواقع 21.5%، ووكالة الغوث بواقع 19.5%، ومؤسسات السلطة الفلسطينية بواقع 16.9%، والمؤسسات الخيرية والدينية بما فيها لجان الزكاة بواقع 6.8%، والفصائل والأحزاب السياسية بواقع 2.5%.

أما فيما يتعلق بالقطاع الخاص، فإنه ما زال يلعب دوراً أساسياً في عملية التنمية الفلسطينية، بالرغم من وجود الكثير من المعوقات، أهمها سياسات الاحتلال والاتفاقيات الفلسطينية الإسرائيلية في مجال التجارة الخارجية والمعابر.

وقد برز دور القطاع الخاص في العديد من المجالات، أهمها، الاتصالات والكهرباء والمدن الصناعية وغيرها، ومما زاد في تعزيز دوره هو تطوير عدد من المؤسسات المساندة له كاتحاد الصناعات، وهيئة تشجيع الاستثمار، واتحاد الغرف التجارية والصناعية والزراعية، وبالرغم من الخسائر الفادحة التي تعرض لها القطاع الخاص خلال سنوات الانتفاضة، إلا أنه أظهر قدرة فائقة على التكيف والصمود.

 الموقع الجغرافي ووفرة عناصر الجذب السياحي:

يعتبر الموقع الجغرافي والتنوع المناخي من عناصر قوة الاقتصاد الفلسطيني التي يمكن استغلالها بعد إزالة الاحتلال، حيث تحتل فلسطين موقعا جغرافياً استراتيجياً بالنسبة للعالم، بالإضافة إلى توفرها على مقومات وثروات سياحية فريدة ومتعددة.

حيث تحتوي على مناطق دينية وتاريخية تعتبر من أهم المقدسات للأديان السماوية الرئيسية، وما يميز النشاط السياحي في فلسطين هو تعدد الترابطات الأمامية والخلفية من الأنشطة المكملة التي يخلقها النشاط السياحي، وتشمل خدمات للسياح، بما في ذلك المطاعم والفنادق، ومراكز الترفيه والسياحة، وخدمات السفر، والصناعات التقليدية مثل التحف والخزف والتطريز والمنتجات الجلدية.

وتتميز فلسطين رغم صغر مساحتها، بتعدد النظم المناخية، حيث تمتاز بالمناخ المتنوع على مدار السنة والطقس المعتدل والمشجع على قدوم السياح والحجاج من مختلف الأجناس.

تعتبر هذه أهم نقاط القوة التي يمتلكها الشعب الفلسطيني، والتي تساعده بشكل كبير للإسهام أكثر في تعزيز السبل نحو تحقيق التنمية، إلا أن هناك بعض نقاط الضعف التي يعاني منها المجتمع الفلسطيني يمكن لها أن تعرقل السعي نحو تحقيق التنمية.

ثانياً// مواطن الضعف.

يمكن تلخيص أبرز نقاط الضعف التي يعاني منها الاقتصاد الفلسطيني في ضعف القطاع الحكومي وانحسار قاعدة المصادر، بالإضافة إلى ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وما رافقها من تشوهات هيكلية، وضعف مشاركة المرأة في حقول النشاط الاقتصادي.

 ضعف القطاع الحكومي:

والذي يرجع في أساسه إلى حداثة تجربة السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث تم إنشاء هذه الأخيرة في العام 1994 بناءاً على اتفاق أوسلو الموقع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بالإضافة إلى أن عملية بناء مؤسسات السلطة لم تجر وفق أسس سليمة للبناء المؤسساتي.

وقد أدت الأحداث المتلاحقة في الأراضي الفلسطينية جراء المواجهة المستمرة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى خلق بيئة غير مواتية للاستقرار السياسي والاقتصادي مما أثر سلباً على أداء السلطة الفلسطينية، وأفقدها في كثير من الأحيان القدرة على التعامل بشكل جدي مع قضايا خدمة وتنمية المجتمع.

 انحسار قاعدة المصادر:

تعتبر الضفة الغربية وقطاع غزة من المناطق العربية الفقيرة بمواردها الطبيعية، سواء كان ذلك على مستوى المساحة، أم على ما تحتويه التربة أو الموارد المعدنية.

حيث تعتبر مساحة الأراضي الفلسطينية حوالي ستة آلاف كيلو متر مربع، أي ما يقارب 22% من إجمالي مساحة فلسطين التاريخية، والباقي تسيطر عليه إسرائيل إما بحجة أنها أملاك غائبين أو لأغراض عسكرية وأمنية. والملاحظ أن معظم الأراضي الفلسطينية المصادرة من قبل إسرائيل صودرت بهدف إقامة مستوطنات عليها، أو تم حجزها من أجل إقامة مستوطنات عليها لا حقاً.

كذلك شرعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بإقامة جدار فاصل في أراضي الضفة الغربية منذ منتصف عام 2002، حيث تم مصادرة مساحات شاسعة من الأرض بالإضافة إلى اقتلاع الأشجار وهدم المنازل من أجل تمهيد الطريق لبناء الجدار.

كما تسيطر إسرائيل على الموارد المائية في فلسطين من خلال الإجراءات والسياسات المتنوعة التي تتبعها لسرقة تلك الموارد وتحويلها إلى داخل المستوطنات الإسرائيلية، حيث تقوم بتحويل 85% من موارد المياه الجوفية الفلسطينية إلى إسرائيل.

 ممارسات الاحتلال الإسرائيلي والتشوهات الهيكلية المتراكمة:

أبقت الاتفاقيات الفلسطينية- الإسرائيلية في المرحلة الانتقالية على حوالي 60% من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة تحت السيطرة الإسرائيلية، وكذلك السيطرة على المعابر الدولية مع كل من الأردن ومصر، الأمر الذي يمكن الإسرائيليين من التحكم الكامل بالاقتصاد الفلسطيني وإحباط تطوير المشاريع والقوانين وقطع الصلات مع العالم الخارجي.

وقد عطلت إسرائيل بقدر ما تستطيع كافة المشاريع الفلسطينية الهامة أو أخرتها كما جرى ذلك في مشروع ميناء غزة ومشروع مطار غزة الدولي، وقد زادت حدة الممارسات الإسرائيلية باستخدام وسائل حربية لتدمير المنشآت والمشاريع الفلسطينية، لعل منها ما حصل لشركة كهرباء غزة والتي دمرت بالكامل.

أدت هذه الممارسات إلى تشكيل العديد من التشوهات الهيكلية في الاقتصاد الفلسطيني الذي لم يستطع التكيف مع أزمة الحصار التي فرضت عليه بعد اندلاع "انتفاضة الأقصى" في سبتمبر 2000، حيث يتبين أن هذه الأزمة تشكل أعمق الأزمات التي مر بها الاقتصاد الفلسطيني، والتي شملت جميع نشاطات الحياة وانعكست بشكل واضح على مقدرات الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى أن الإجراءات الإسرائيلية زادت حدةً وعمقاً بعد إعادة احتلال المناطق الفلسطينية، وعزل المحافظات الفلسطينية عن بعضها البعض.

ولاشك أن قطاع البنية التحتية كان من أكثر المتضررين حيث عانى من فترات الإغلاق والحصار التي كانت تفرضه إسرائيل، بما في ذلك تأخر وصول المعدات والمواد الخام اللازمة لتنفيذ كثير من المشاريع التي تمولها الدول المانحة، سواء التي تأتي عن طريق المواني الإسرائيلية أم التي تأتي مباشرة عن طريق المعابر الفلسطينية الدولية.

وبالتالي فإن هذا القطاع الحيوي سيبقى يعاني من نقص وتدهور خلال هذه الفترة، مما سينعكس على القدرة التنافسية للصناعة والاقتصاد الفلسطيني برمته.

بالإضافة إلى اعتماد نسبة كبيرة من الأيدي العاملة الفلسطينية على العمل في السوق الإسرائيلي، حيث وصلت هذه النسبة إلى ما يقارب ربع الأيدي العاملة الفلسطينية في العام 2005، وقد شكلت هذه الاعتمادية بعض أوجه الخلل في الاقتصاد الفلسطيني، كضعف العلاقة بين الإنتاجية وطبيعة الأجور في الاقتصاد الفلسطيني، بالإضافة إلى ضعف التنوع الصناعي وغلبة الصناعات التقليدية على البيئة الصناعية، ونقص خدمات المساعدة الفنية والبحث والتطوير لتلبية احتياجات قطاع الأعمال، حيث تفتقر شركات القطاع الخاص الفلسطيني في غالبها إلى خدمات أساسية لتأهيلها في ولوج السوق الدولية.

 ضعف مشاركة المرأة في حقول النشاط الاقتصادي:

حيث لا تزال مشاركة المرأة في حقول النشاط الإنتاجي منخفضة، فهي لا تتجاوز 14% من النساء في سن العمل بالمقارنة مع 69% نسبة مشاركة الرجل. وتشكل انخفاض نسبة مشاركة المرأة واحدة من نقاط الضعف الرئيسية التي تستوجب المعالجة للنهوض بالتنمية وتحسين نوعية الحياة.

ولاشك أن ارتفاع نسبة البطالة يعمل على تقليص الفرص المتاحة لمشاركة المرأة، إلا أن انخفاض مشاركة المرأة يرجع بالأساس إلى تخلف في المفاهيم السائدة حول عمل المرأة من جهة، وعدم توفير المتطلبات الضرورية للتخفيف من الأعباء المنزلية، كحضانات ورياض الأطفال وتطوير بيئة وشروط العمل بما يسمح بتحقيق الأمان وتحقيق المساواة بين المرأة والرجل.

كذلك فإنه يجب العمل على التخلص من كل أشكال التمييز الموجودة في المجتمع بين المرأة والرجل وذلك في كل البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وضرورة اتخاذ خطوات ايجابية لإصلاح الأوضاع التي ترتبت على أساس التمييز بين الرجل والمرأة.

إن تحليل البيئة الداخلية للتنمية الفلسطينية بالشكل الذي تم، يثير عدة حقائق أهمها، وجود عناصر قوة من شأن الاهتمام بها إثراء عملية التنمية بواقع جديد يمكنها من الاستثمار نحو تحقيق الأهداف المرجوة منها، ولعل في غير ذلك إعطاء الفرصة كاملة لنقاط الضعف والتي من المفترض معالجتها بالطرق الأمثل والمتوفرة لدى الفلسطينيين، بما يساهم أيضا في الانتقال نحو البيئة الخارجية بفرصها وتهديداتها على أساس وجود أرضية قوية ومناسبة يمكن من خلالها السير قدماً في عملية التنمية نحو تحقيق الأهداف.

المطلب الثاني

الفرص والتهديدات في بيئة التنمية الخارجية

شكل المحيط الخارجي لبيئة التنمية الفلسطينية عاملاً أساسياً لتقييم التجربة التنموية الفلسطينية، سواء كان ذلك التقييم محكوماً بفرص النجاح أو الفشل، ولعل تشكل بعض العوامل في إطار إنجاح التجربة التنموية الفلسطينية (أولاً) يمثل إحدى الفرص الهامة في مسيرة التنمية في الأراضي الفلسطينية، إلا أن المخاطر والتحديات تبقى ماثلة أمام مسيرة التنمية الفلسطينية (ثانياً) نظراً للتحولات الجديدة والمستمرة التي يشهدها العالم وتحديداً المحيط الإقليمي.

أولاً// العوامل المساعدة في إنجاز التجربة التنموية الفلسطينية.

إن الارتباط الخارجي لعملية التنمية في الأراضي الفلسطينية يعود بالأساس على ما يمكن أن يضيفه هذا الامتداد الخارجي من فرص لإنجاح التجربة التنموية الفلسطينية، حيث تتمثل هذه الفرص بالعمق العربي والإسلامي لفلسطين، كذلك بالتعاطف الدولي المتزايد للقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى ما تشكله التسهيلات التجارية الدولية الممنوحة للفلسطينيين من فرص إضافية لإنجاح العملية التنموية.

 الامتداد العربي والإسلامي:

فقد شكل الامتداد العربي للفلسطينيين نقطة قوة، نظراً لما تتميز به الأمة العربية و الإسلامية من عدة نواحي، سواء كان ذلك الموقع الجغرافي الإستراتيجي، أو من حيث الثروات والامتداد الحضاري.

بالإضافة إلى ما تمتلكه الدول العربية من إمكانية لعب دور مؤثر في تحسين البيئة التنموية الفلسطينية والإسهام بشكل فعال في دعم حقوق الشعب الفلسطيني وفق مقررات الشرعية الدولية، رغم وجود اعتبارات تتعلق بالعلاقات الدولية تحد من الفعالية السياسية لهذه البلدان.

على الصعيد الاقتصادي، فإنه يمكن دعم التنمية الفلسطينية من خلال فتح الأسواق العربية أمام العمالة الفلسطينية وتعزيز الاستثمار العربي في الأراضي الفلسطينية، حيث يشكل العالم العربي سوقاً واسعة، إذ يبلغ ناتجه المحلي أكثر من 700 مليار دولار، وتبلغ الاستثمارات فيه نحو 150 مليار دولار سنوياً، وهو يصدر أكثر من 270 مليار دولار ويستورد نحو 220 مليار دولار، وتبلغ مساهمة الاقتصاد الفلسطيني في الاقتصاد العربي نحو 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي العربي.

وقد أسهمت الدول العربية بشكل ملموس في المعونات الدولية للسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني التي نظمت من قبل الإدارة الأمريكية والبنك الدولي، في أعقاب توقيع اتفاق أوسلو في سبتمبر 1993.

ولا شك أن الدول العربية بجانب إسهاماتها في دعم السلطة الفلسطينية، إلا أنها تشكل سوقاً حيوية للعمالة الفلسطينية خاصة دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يعمل حوالي ربع مليون عامل فلسطيني، يتركز عملهم في مجالات محددة تشترط مهارات خاصة سواء في القطاع العام أو الخاص.

يتبين مما سبق أن الاقتصاد الفلسطيني يمثل جزءاً صغيراً من الاقتصاد العربي، وبالتالي فإن دعمه وإسناده لا يشكل عبئاً كبيراً على البلدان العربية، وهذا العمق الذي يتوفر للاقتصاد الفلسطيني يشكل نقطة قوة رئيسية تتطلب البحث عن مقومات تدعيمها والاستفادة منها.

حيث أن التوجه التنموي الفلسطيني هو في الغالب توجه تنموي عربي، مع الأخذ بعين الاعتبار المصالح الفلسطينية الخاصة المتعلقة بالعلاقة مع إسرائيل، بالإضافة إلى إمكانية تشكيل لجنة عربية هدفها دعم إدخال المنتجات الفلسطينية إلى الأسواق العربية، وتخصيص مبالغ معينة لإجراء أبحاث خاصة في الأسواق العربية لمدى احتياجاتها للمنتجات الفلسطينية، وما يمكن استحضاره من الأسواق العربية لفلسطين.

مع إمكانية التذكير مجدداً بما يمتلكه العالم العربي من مقومات كبيرة للنمو الاقتصادي، ولمضاعفة إنتاجه واستثماراته وصادراته، وذلك في حال تحديد الرؤية السليمة للتنمية، وتشكيله لإطار متين يمكن من النهوض بالاقتصاد الفلسطيني والعربي عموماً.

 التعاطف الدولي مع نضال الشعب الفلسطيني:

تستقطب القضية الفلسطينية عادةً أنصار ومؤيدين لها، حيث تميزت معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال ومقاومتهم له بأنها حظيت على تأييد دولي في مختلف أنحاء العالم، وقد تم التعبير عن ذلك من خلال مظاهرات التأييد وأشكال المقاطعة لإسرائيل.

فمع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، عملت هذه الأخيرة على إعادة الحيوية إلى الحركة الوطنية الفلسطينية، بالإضافة إلى انتزاعها للتأييد والاعتراف من غالبية دول العالم، بل وذهبت بعض الجهات إلى حد الدعم المالي لها مما أدى إلى استمرارها أبعد من ما كان متوقعاً لها.

وعلى الرغم من تباين الاجتهادات والشكوك حول تأثير العولمة على الدول النامية، إلا أنه يمكن القول بأن العولمة وما واكبها من ثورة المعلومات والاتصال شكلت نقطة قوة لصالح القضية الفلسطينية في الجانب الذي كشف عن ممارسات الاحتلال ضد الفلسطينيين، وبالتالي إظهار المعاناة التي عاشها الفلسطينيون في ظل الاحتلال لكافة دول العالم، مما انعكس على شكل التأييد والدعم للفلسطينيين.

ولكي يبقى هذا الإعلام يؤدي دوره بايجابية، فلا بد من مواكبة كافة المراحل التي تمر بها المنطقة باتجاه تحقيق الأهداف الوطنية بشكل مدروس ودقيق، خاصة ما تعاني منه القضية الفلسطينية، نظراً للدور الفعال الذي يؤديه الإعلام أو ما أصبح يعرف بعولمة الإعلام.

إلا أن الاستفادة من انتشار المعلومات لا تكون تلقائية، كونها تشكل مسؤولية كبيرة تنطلق من ضرورة تبني تصور سليم لنقل الحقائق كما هي، وإبراز الالتزام الثابت بالقيم الإنسانية العامة.

 التسهيلات التجارية الممنوحة للفلسطينيين:

لعل من الأدوار المهمة التي لعبها اتفاق أوسلو، هو تلك التسهيلات التجارية التي وفرها للفلسطينيين في ممارستهم التجارية والاقتصادية، سواء مع إسرائيل أو مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى محيطه الإقليمي والعربي.

فعلى الجانب الإسرائيلي نشير على سبيل المثال إلى الاتفاق الذي تم بين السلطة الفلسطينية والجانب الإسرائيلي، حول إمكانية الفلسطينيين تصدير شحناتهم الزراعية عبر المعابر الفلسطينية إلى إسرائيل والاتحاد الأوروبي. كذلك الاتفاق الذي تم بين القطاع الخاص الفلسطيني ونظيره الإسرائيلي، حول تعزيز النمو الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية.

أما على صعيد الدول العربية، فقد أقرت هذه الأخيرة في قممها (شرم الشيخ 2000 وبيروت 2002) قرارات تقضي بالسماح بدخول السلع الفلسطينية إلى الدول العربية مع إعفاء كامل من دفع الرسوم الجمركية، وقد التزمت بعض الدول العربية بتنفيذ هذا القرار الهام الذي يمكن أن يساعد في مضاعفة الصادرات الفلسطينية إلى الأسواق العربية، وبالتالي فتح المزيد من فرص العمل الجديدة نتيجة زيادة الصادرات.

كذلك يمكن الإشارة إلى التسهيلات الهامة التي منحها الاتحاد الأوروبي للاقتصاد الفلسطيني، والتي كان من أبرزها اتفاقية الشراكة الأوروبية الفلسطينية التي منحت السلع الفلسطينية حرية الدخول بدون ضرائب أو رسوم للأسواق الأوروبية، كذلك سمح الاتفاق للسلطة الفلسطينية بحماية مؤقتة للصناعات التي يتم الاتفاق على أنها صناعات وليدة.

التسهيلات السابقة التي منحها الاتحاد الأوروبي هي نفسها التي منحتها كندا، أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد كانت العلاقة التجارية معها، نفس العلاقة التي تربط السلطة الفلسطينية بالجانب الإسرائيلي.

ثانياً// التحديات والمخاطر.

تتجلى أبرز التحديات والمخاطر التي تحيط البيئة التنموية الفلسطينية والعائدة في أساسها إلى عوامل خارجية، إلى الممارسات الإسرائيلية المتمثلة في الاستمرار ببناء الجدار الفاصل على الأراضي الفلسطينية، وتداعيات خطة الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وبعض مناطق شمال الضفة الغربية، بالإضافة إلى الإهمال المتواصل من قبل المجتمع الدولي لعملية السلام في المنطقة، وما يتبعها من خطورة انخفاض المساعدات الدولية، بالإضافة إلى التخوف من مخاطر انهيار مؤسسات السلطة الفلسطينية.

 الممارسات الإسرائيلية/ الجدار الفاصل- الانسحاب من غزة:

تشكل الممارسات الإسرائيلية المختلفة كالاستمرار في بناء الجدار الفاصل والانسحاب من غزة وشمال الضفة الغربية، تحديات خطيرة على الفلسطينيين وبالتحديد على مشروع التنمية، كون هذه الممارسات في أغلبها تعبر عن طرح أحادي الجانب من قبل إسرائيل، وبالتالي فان النتائج المرجوة ستعود إيجابا على الإسرائيليين وسلباً على ما غيرهم.

لقد أشرنا سابقاً وسنشير لاحقاً بالتفصيل، مخاطر الجدار الفاصل الذي تقوم إسرائيل ببنائه، الذي وإن لن يحقق الأهداف الإسرائيلية في إكراه الفلسطينيين على مغادرة أراضيهم، إلا أنه سيفاقم من معاناتهم وسيزيد من صعوبات العيش للمواطنين الفلسطينيين. إضافة إلى حالة الإحباط التي سيلحقها بالمناخ الاستثماري في الأراضي الفلسطينية.

أما خطة فك الارتباط (الانسحاب من قطاع غزة وبعض مناطق شمال الضفة الغربية)، فإن مخاطرها أشمل كونها تقضي على كل المرجعيات القانونية والسياسية التي كانت تعترف للفلسطينيين بحقوق سياسية، حيث تتجاهل منظمة التحرير والسلطة الوطنية، كما تتجاهل قرارات الشرعية الدولية بما فيها من اعتراف بالحقوق الفلسطينية التاريخية، كالحق بدولة حسب قرار 181، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين حسب قرار 242، وحق تقرير المصير، بالإضافة إلى قرار 242 الذي يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة.

بالإضافة إلى رغبة إسرائيل في التخلص من مواصلة احتلال قطاع غزة الصغير والمكتظ سكانياً، والفقير بموارده الطبيعية، وبالتحديد حماية حدودها مع غزة من جهة، والتوسع في الضفة الغربية من جهة أخرى.

وما زاد من تحديات هذا الأمر هو تخبط السلطة الفلسطينية وعدم تحديدها موقفاً جدياً تجاه مسألة الانسحاب، نتيجة الضغوط الدولية والإقليمية والعربية الداعية للتعامل مع الخطة على اعتبار أن الانسحاب يشكل إنجازاً للنضال الفلسطيني، بالإضافة إلى التباس الموقف حول طبيعة الدور الأمني المقرر لكل من مصر والأردن.

 إهمال المجتمع الدولي لعملية السلام:

إن إهمال المجتمع الدولي لعملية السلام يمثل كأحد أبرز المخاطر التي تهدد العملية السياسية الفلسطينية برمتها بما فيها العملية التنموية، لما فيه من انفراد للاحتلال الإسرائيلي في التعامل مع طبيعة المرحلة بما يتناسب وأهدافه وبرامجه الموضوعة مسبقاً، والهادفة إلى القضاء التام على أية آفاق نحو دولة فلسطينية يمكن قيامها.

ولاشك أن المجتمع الدولي ممثلاً بالولايات المتحدة الأمريكية (وريثة نظام الثنائية القطبية) لم يتمكن إلى غاية اللحظة من إيجاد الحلول الملائمة التي يمكنها معالجة القضايا الخلافية في الصراع العربي الإسرائيلي برمته، حيث يرجع ذلك إلى العلاقة الناشئة بين المنطقة العربية والولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.

حيث أدت أحداث 11 سبتمبر إلى تحول جذري في طبيعة السياسة الخارجية الأمريكية، والتي تعمل في أحد محاورها على اعتبار أن كل ما يحدث في العالم يخص الولايات المتحدة، مما يحتم على هذه الأخيرة التدخل في مختلف القضايا العالمية سواء بالسلب أو بالإيجاب، مع عدم الاهتمام بانتقادات المجتمع الدولي لها. ويشير هذا الأمر إلى الطبيعة المزاجية للسياسة الخارجية الأمريكية في تعاملها مع الأطراف والقوى المختلفة في العالم.

وبالرغم من إبداء الولايات المتحدة ميلاً نحو تخفيف تدخلها في شؤون الصراع العربي الإسرائيلي، بسبب نزعتها للاهتمام بالشؤون الداخلية واستجابةً لضغوط اللوبي الصهيوني، إلا أن أحداث 11 سبتمبر شكلت نقلة نوعية في عودة الاهتمام الأمريكي بالمنطقة، ولكن من جوانب تخدم مصلحتها ومصلحة إسرائيل وبعيد عن التطلعات العربية والفلسطينية نحو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.

إن تصورات الولايات المتحدة لعملية السلام وبالتالي إيجاد حلول للصراع، تنطلق من ضرورة إعادة ترتيب المنطقة سياسياً (بناء شرق أوسط جديد) خاصة بعد احتلال العراق، كون حل الصراع يتطلب بيئة سياسية واقتصادية ملائمة، الأمر الذي أعاق مسألة حل القضية الفلسطينية، أو بالأحرى إيجاد الأرضية الملائمة للحل، على الرغم من طرح خطط وبرامج عمل، كخطة الطريق التي أعدتها اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط.

وعليه فقد كان تخوف الفلسطينيين في محله من قيام إسرائيل بتصعيد عملياتها العسكرية أثناء الحرب الأمريكية على العراق، كما حدث إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى والحملة الدولية ضد العراق في العام 1990. لذلك فإن مواصلة الإدارة الأمريكية تطبيق هذا النهج سيفتح شهية إسرائيل لمواصلة العدوان والاستيطان، وتقويض أية فرصة للعودة إلى طريق المفاوضات.

 مخاطر انخفاض المساعدات الدولية:

بات جلياً أن مخاطر انخفاض هذه المساعدات بما يعكسه ذلك من تأثيرات سلبية على عملية التنمية بدأ بالتزايد، نظراً لتمسك الجهات المانحة بأهدافها السياسية المقترنة بعملية الدعم من جهة، بالإضافة إلى الممارسات الإسرائيلية التي أعادت احتلال المدن والمحافظات الفلسطينية، بما يرتبه ذلك من إعاقة واضحة لعملية التنمية الفلسطينية.

حيث أن سلطة الاحتلال ستكون مسؤولة عن أعمال التنمية والتطوير ورفاه المواطنين الفلسطينيين تحت الاحتلال بموجب اتفاقية جنيف الرابعة. بالإضافة إلى أن الدول المانحة لا تقبل الظهور كمن يتحمل جزءاً من مسؤوليات سلطة الاحتلال.

ولا شك أن أزمة انقطاع المساعدات التي رافقت الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية في كانون الثاني 2006، وفوز حركة حماس بها، سيبقى خير دليل على خطورة الاعتماد الكلي على هذه المساعدات.

إلا أن هذا لا يعني توقف المساعدات بالكامل، نظراً لبقاء تدفق المساعدات الإنسانية المقدمة من قبل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وغيرها من الوكالات الدولية الأخرى. إن هذه الإشكالية تستوجب البحث عن آليات تعاون واستراتيجيات جديدة لمواجهة المخاطر المماثلة التي قد تنشأ مستقبلاً.

 مخاطر انهيار مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية:

يشكل خطر انهيار مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية أحد أبرز التهديدات التي تواجه المشروع الوطني الفلسطيني بشكل عام، وعلى التنمية بشكل خاص. ولعل هذه المخاطر تعود بالأساس إلى عدة عوامل، أهمها طبيعة العلاقة المتكونة بين منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، حيث اتسمت العلاقة بينهما نصاً بأن تشكل منظمة التحرير الفلسطينية المرجعية العليا للسلطة الفلسطينية، والواقع يشير إلى إحلال تدريجي للسلطة محل المنظمة، وبالتالي تهميش هذه الأخيرة كلياً.

هذا التهميش والذي يبقي السلطة الفلسطينية بدون أية مرجعية، يهدد وجودها بشكل حقيقي، نظراً لحداثة وجودها وعدم إلمامها بالواقع المتغير محلياً وإقليمياً ودولياً.

من جهة أخرى، فإن واقع البناء المؤسساتي للسلطة الفلسطينية والذي يفتقر إلى مواصفات الحكم السليم، والممعن في عدم تبنيها، يفرض هو الآخر تحدياً جديداً يزيد من مخاطر انهيار مؤسسات السلطة، نتيجة السخط الشعبي جراء تنامي مسألة الفساد داخل مؤسسات السلطة، والتنديد الدولي بهذه الحالة والمطالب دائماً بضرورة الإصلاح.

بالإضافة إلى استمرار الجانب الإسرائيلي بالتنكر للاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية، ومواصلة إسرائيل احتلال معظم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما يفقد السلطة القدرة على القيام بوظائفها، وبالتالي مصداقيتها ومبرر وجودها.

كما أن تذبذب حركة المساعدات الدولية يزيد من الصعوبات التي تواجهها السلطة في إمكانية توفير إيرادات كافية لتمويل نفقاتها وخدماتها، مما يفقدها السيطرة على أجهزة الأمن، الأمر الذي ينتج معه حالة من الفوضى وازدياد معدلات الانفلات الأمني والجريمة، كذلك مشكلة البطالة التي ستتفاقم جراء إضافة عشرات الآلاف من موظفي السلطة الفلسطينية إلى سوق البطالة.

هذه التحديات والمخاطر التي تحيط عملية التنمية الفلسطينية، والمتمثل أغلبها في البيئة الخارجية، لا يعدو كونه حلقة في إطار أوسع من التحديات والعراقيل التي تقف حائلاً أمام تحقيق التنمية في فلسطين، سواء كانت داخلية أم خارجية.


الفصل الثاني

العراقيل الحائلة دون تحقيق التنمية في فلسطين

إن التنمية المنشودة هي غير التنمية التي يسعى المجتمع إلى تحقيقها، يرجع الأمر إلى العديد من الإشكاليات والتحديات التي قد تعيق وتحرف مسار التنمية نحو التعطيل المؤقت أو النهائي، ولما كانت الحالة الفلسطينية تتميز بخصوصية نتيجة الاحتلال الإسرائيلي والذي ما زال يطال معظم الأراضي الفلسطينية، فإنه يمكن ملاحظة مدى تأخر تحقيق عملية التنمية.

إلا أن العراقيل الحائلة دون تحقيق التنمية في فلسطين جزء كبير منها راجع إلى الوضع الفلسطيني الداخلي (المبحث الأول)، وما تعانيه مؤسسات السلطة والمجتمع المدني من تعدد أوجه الخلل. بيد أن عوامل خارجية أخرى (المبحث الثاني) تساهم مباشرة في عرقلة إجراءات تحقيق التنمية في المجتمع الفلسطيني.

المبحث الأول

معيقات التنمية على المستوى الداخلي

يعود جزء من أسباب تأخر عملية التنمية في فلسطين على الفلسطينيون أنفسهم، ولعل الوضع المؤسساتي للسلطة الفلسطينية وما تعانيه من تعدد أوجه الخلل والفساد (المطلب الأول) يمثل أحد أهم التحديات، بالإضافة على جدلية العلاقة بين التنمية والمقاومة (المطلب الثاني)، وهي معوقات لا يمكن الاستهانة بها.

المطلب الأول

تعدد مظاهر العجز في مؤسسات السلطة الفلسطينية

منذ نشأتها في العام 1994، واجهت السلطة الوطنية الفلسطينية ، الكثير من العوائق والتحديات، لعل أبرزها تلازم وجودها والاحتلال الإسرائيلي ما زال قائماً على معظم الأراضي الفلسطينية ، الأمر الذي انعكس على دور مؤسساتها، والتي افتقدت الكثير من النجاعة المطلوبة لتحقيق مردودية أفضل للمواطن والمجتمع.

وإذا كان للاحتلال الإسرائيلي دور في حدوث هذا الخلل وتزايد مظاهر العجز لدى السلطة، إلا أنها ساهمت وبشكل أساسي في حدوثه، والذي برزت ملامحه بوضوح في ضعف التركيب المؤسساتي والتسيير الإداري في مؤسساتها(أولاً)، وفي إهدار المال العام، ومحدودية تفعيل الاقتصاد الفلسطيني(ثانياً)، بسبب غياب المحاسبة والمساءلة، والسياسة الاحتكارية المتبعة في المجال الاقتصادي.

أولاً// ضعف البناء المؤسساتي والتسيير الإداري.

إن المتتبع لواقع إنشاء السلطة الفلسطينية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، يلحظ مجموعة غير معهودة من العوائق والتحديات التي رافقت إنشائها، ولعل ذلك يتمثل في غياب الكثير من نظم الضبط الإداري التي تحتاجها حكومة حديثة العهد كحكومة السلطة الفلسطينية، وخلق مهارات جديدة، وبيئة جديدة للنظم الناشئة وطبيعة الأنظمة التي تحكم العلاقة فيما بينها.

إلا أن بعضا من جوانب الخلل شابت عملية البناء هذه، تجلت بالأساس في التضخم الوظيفي، وغياب هيكلية واضحة للمؤسسات، والازدواجية والتناقض والتداخل في صلاحياتها. ولعل الحديث عن عملية تحقيق التنمية في المجتمعات، خاصة المجتمع الفلسطيني، يتطلب بالدرجة الأولى، بنية مؤسساتية قادرة على تحويل المبادرات والأفكار التنموية إلى مشاريع حقيقية، تهدف إلى الرقي بالمجتمع والوصول به إلى مرتبة حضارية أسمى. إلا أن الواقع الفلسطيني، وبالتحديد عملية البناء المؤسساتي للسلطة، شابها بعضاً من مظاهر العجز التي أثرت سلباً على تقدم عملية التنمية، ولعل أهمها:

1. التضخم الوظيفي وغياب الهيكلية:

بلغ عدد موظفي السلطة الفلسطينية في العام 1998 ما يقارب 125 ألف موظف، وازداد هذا العدد ليصل في عام 2003 إلى 130 ألف موظف، وهذا العدد لا يتناسب مع إمكانيات السلطة المتواضعة، حيث أبان عن وجود إشكاليات عدة في أداء المؤسسات الحكومية، وكرس مظاهر البيروقراطية والبطالة المقنعة.

وقد تميزت تلك الفترة بكثرة قرارات التوظيف، لغايات الاستيعاب فقط، بغض النظر عن المؤهل العلمي أو الحاجة، حيث غالباً ما كان التوظيف يتم على أسس مصلحية أو عائلية، دونما أية مراعاة للمهنية والكفاءة.

ويلاحظ أن أنماط التوظيف والترقية، كثيراً ما تشوبها الاعتبارات الشخصية والسياسية والعلاقات المميزة لبعض المسئولين الكبار، الأمر الذي يشكل خرقاً لقانون الخدمة المدنية، وانتهاكاً لمعايير الكفاءة. كما أن صلاحية التعيين أو التوظيف أصبحت مصدراً واسع الانتشار لكسب النفوذ السياسي، وشكلاً من الزبائنية العامة.

ويصاحب هذا الكم الكبير من الموظفين، غياب هيكليات واضحة ومقرة من مجلس الوزراء للوزارات والمؤسسات الحكومية، الأمر الذي أدى إلى زيادة عدد الموظفين بشكل غير منتظم، حيث تركز عدد كبير منهم في الرتب والمناصب العليا.

ويلاحظ أن بعض الوزارات قد بادرت إلى تنظيم هيكلتها وأنظمتها الداخلية عن طريق وضع خطط تساعد ولو بشكل بسيط في إضفاء طابع من الشفافية والمرونة على عملها، ولم يتم هذا فقط لتحديد مهام كل وزارة وتنظيم عملها الداخلي، إنما يهدف بالأساس إلى تنظيم علاقتها بالوزارات الأخرى، إلا أن مجلس الوزراء لم يقر هذه الخطط.

من جانب آخر، نلاحظ أن الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، والتي تضم أكبر عدد من موظفى القطاع العام في السلطة، قد غاب عنها تنظيم هيكلي قادر على منحها قوة وشرعية أكبر، حيث بلغ عدد الأجهزة ستة فروع ، هي: الشرطة المدنية ( بما في ذلك شرطة المرور، ومديرية البحث الجنائي، ووحدة مكافحة المخدرات وشرطة مكافحة الشغب)، والأمن العام ( قوات الأمن الوطني، والأمن الوقائي، والأمن الرئاسي)، والمخابرات العامة، والدفاع المدني (خدمات الطوارئ والإنقاذ)، ويشمل الأمن العام ست وحدات أخرى هي: المخابرات (المعروفة بالاستخبارات العسكرية)، والشرطة البحرية، والشرطة الجوية، وشرطة الحدود، وشرطة الجمارك، وشرطة الانضباط (المعروفة بالشرطة العسكرية).

وقد انعكس هذا التضخم في عدد الأجهزة الأمنية سلباً على هيكليتها وأدائها وعلاقتها بالجمهور الفلسطيني، بالإضافة إلى أن هذه المظاهر قد تعيق كثيراً أي عمل من شأنه تنمية المجتمع والمؤسسة، كون هذا التضخم الوظيفي، قد يجتزأ كثيراً من المساعدات المخصصة لإتمام عملية التنمية.

وقد كان من شأن تطبيق قانون الخدمة المدنية أن يشكل مدخلاً إلى إنهاء هذه الفوضى الإدارية والوظيفية في مؤسسات السلطة الفلسطينية، وأن يلعب دوراً مساعداً في إطار إعادة هيكلية المؤسسات، وخطوة باتجاه الإصلاح الإداري، وبداية لتوحيد الجهاز الوظيفي بالضفة الغربية وقطاع غزة، لما يقدمه من آليات لتنظيم الوظيفة الحكومية واستقطاب الكفاءات العلمية والخبرات العملية.

بيد أن هيمنة السلطة التنفيذية على مفاتيح الأمور داخل مؤسسة السلطة، أتاح لها عرقلة سير هذا القانون، بالإضافة إلى عدم الوضوح في آلية تطبيقه، وعدم استكمال الأنظمة اللازمة للشروع في تنفيذه، وغياب الهيكلية الواضحة للوزارات والمؤسسات الحكومية والأجهزة الأمنية.

2. الازدواجية والتناقض وتداخل الصلاحيات:

إن ظاهرة التضخم الوظيفي التي شابت العمل المؤسساتي الفلسطيني، وغياب الرقابة الفعالة والهيكلية الواضحة للوزارات والمؤسسات التابعة لها، أديا إلى طغيان الشخصية كأسلوب ونهج في إدارة وتسيير مؤسسات السلطة، وانتشار ظاهرة الازدواجية وتداخل الصلاحيات ما بين هذه المؤسسات والتي وصلت أحياناً حد التداخل والازدواجية داخل كل وزارة ومؤسسة، الأمر الذي أدى إلى حدوث الكثير من الخلافات وتنازع الصلاحيات.

وبالتالي عجزت العديد من مؤسسات السلطة عن القيام بالمهام المنوطة بها، وقد انعكس ذلك على مستوى ما تقدمه هذه المؤسسات من خدمات للمواطنين.

كما كان لغياب هذه الهيكليات والوصف الوظيفي، أثره في حدوث تداخل في الصلاحيات بين الوزارات والمؤسسات والهيئات المستقلة، خصوصاً تلك التي تعمل في مجالات مشابهة لعمل الوزارات، ففي مجال التربية والثقافة هناك تداخل بين عمل العديد من الوزارات، كوزارة التربية، ووزارة الثقافة، ووزارة التعليم العالي، ووزارة الإعلام.

في مجال الإعلام أيضاً، هناك خلاف بين وزارة الإعلام ومؤسسات الإعلام الحكومية المتخصصة، مثل هيئة الاستعلامات وهيئة الإذاعة والتلفزيون، حيث تعتبر كل واحدة منها إدارة مستقلة لا علاقة لها بالإدارات الأخرى، ولا تخضع لوزارة الإعلام، ولا يقوم مجلس الوزراء بمتابعة أعمالها بالشكل المطلوب.

هناك أيضاًُ خلافات بين وزارة الأشغال العامة ومجلس الإعمار الفلسطيني "بكدار"، حيث تشكو الوزارة من تجاهل مجلس الإعمار المستمر لها، وعدم إعطائها أي دور في المشاريع التي ينفذها.

ويختلف كذلك عدد العاملين والهيكل التنظيمي للوحدات الحكومية من وحدة إلى أخرى، فهناك وزارات تضم آلاف الموظفين، كالتعليم والصحة مثلاً، بينما هناك وزارات لا يتجاوز عدد العاملين فيها بضعة أفراد، بالإضافة إلى الضعف الذي قد يصل درجة الغياب، في العلاقة التنظيمية الواضحة بين الهيئات والسلطات و الوزارات ذات العلاقة، والتي يفترض أن يكون بينها تنسيق وتعاون، ولا توجد أنظمة داخلية واضحة لتنظيم عمل معظم هذه الوحدات الحكومية، والتي تنقسم إلى مؤسسات خدمية مباشرة، وأخرى غير خدمية، ويلاحظ وجود فجوة كبيرة بين ما تقدمه المؤسسات الخدمية واحتياجات الناس، رغم تمتعها بقدرة أكبر نسبياً من المؤسسات غير الخدمية على تحقيق ذلك.

ولعل الأمر راجع إلى ما تعانيه المؤسسات الفلسطينية عامة من التناقض والغياب التام لأي هيكلية ضابطة وناظمة في مجال العمل المؤسساتي، وبالتالي المردود السلبي الذي يعود على عملية التنمية.

كما تتضح هذه الازدواجية وتداخل الصلاحيات بين كل من وزارة الاقتصاد والتجارة، ووزارة العدل ووزارة التموين، ففي حين تقوم وزارة الاقتصاد والتجارة ووزارة التموين بتنظيم الأسواق الداخلية، فإن وزارة الاقتصاد والتجارة ووزارة العدل تقومان معاً بتسجيل الشركات. وبسبب غياب التشريعات وعدم وجود مرجعية واضحة للأجهزة الأمنية، حدث كذلك تداخل في صلاحياتها أدى أحياناً إلى الاشتباك فيما بينها.

وقد انتقل هذا الازدواج والتناقض والتداخل حتى داخل الوزارة نفسها، فبعض الوزارات تعاني من الانقسام ما بين الوزير ووكيل الوزارة، وبعض الأجهزة والمؤسسات تزداد معاناتها بسبب تعدد فروعها، للانقسام الحاصل فيما بين الضفة والقطاع، الأمر الذي أدى إلى التداخل في صلاحيات هذه الأجهزة والمؤسسات في كلا المنطقتين، والذي ازداد بفعل الخلافات الشخصية لرؤساء هذه المؤسسات.

ثانياً // إهدار المال العام ومحدودية تفعيل الاقتصاد الفلسطيني.

تقلدت السلطة الفلسطينية بعد إنشائها المسؤولية عن المالية العامة، حيث تشكلت المصادر الأساسية لوارداتها من الضرائب والرسوم الأخرى المفروضة في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى الواردات التي تحول إليها من قبل إسرائيل حسب اتفاقية العلاقات الاقتصادية ( بروتوكول باريس عام 1994 ).

كذلك تعاطى البنك الدولي والدول المانحة مع المناطق الفلسطينية وفق رؤية محددة لأولويات المرحلة الانتقالية للسلطة الفلسطينية ولشكل النظام السياسي المطلوب.

وقد عانت المالية العامة للسلطة الفلسطينية مشاكل جمة، جراء تأخر تحويل الواردات من إسرائيل، الأمر الذي فاقم من عجز ميزانية السلطة وأدى إلى إرباك في الاقتصاد الفلسطيني برمته.

بيد أن ذلك لا يعد المبرر الوحيد لما تشهده المالية العامة من عجز، وما يتعرض له الاقتصاد الفلسطيني من تدهور، حيث يرجع جزء أساسي منه إلى إهدار المال العام في المؤسسات السلطة الفلسطينية، ومشاركة بعض هذه المؤسسات في قيام عدد من الاحتكارات الاقتصادية التي ساهمت وبشكل مؤثر في الحد من تفعيل الاقتصاد الفلسطيني.


1. إهدار المال العام:

لم يمر على قيام السلطة الفلسطينية إلا ثلاث سنوات فقط، حتى أبان تقرير صادر عن هيئة الرقابة الفلسطينية عن وجود هدراً في الأموال العامة قدر ب 320 مليون دولار، هذا في الوقت الذي يعاني فيه المجتمع الفلسطيني في مناطق النفوذ الفلسطينية من مشاكل معيشية وحالة عوز شديد من جراء فترة الاحتلال، ولا شك أن هذه المرحلة تصدرها الإعلان عن المشروع التنموي للسلطة منذ دخولها، حيث أبان عن إخفاقه منذ السنوات الأولى من عمر السلطة.

وبالرغم من حث المجلس التشريعي على ضرورة الإسراع في مواجهة الفساد المالي الذي يسود مؤسسات السلطة، إلا أن الرئاسة الفلسطينية لم تتخذ أي إجراء جدي في مواجهة ذلك الأمر، حيث شكل المجلس التشريعي لجنة خاصة للتحقيق في ذلك، انتهت إلى أن مشكلة الفساد المالي أعمق، وأن حجمها أوسع نطاقاً مما ورد في تقرير هيئة الرقابة.

لذلك طالبت اللجنة بإجراء تغيير حكومي قبل نهاية أكتوبر 1997، والعمل على إحالة بعض المسئولين والوزراء إلى المحاكمة، كما حذرت اللجنة من أجهزة السلطة التي لا تعمل ضمن هيكلية أو آلية أو سياسة واضحة في المجال المالي، وطالبت بالاعتماد على الكفاءة والخبرة.

مع ذلك، لم يتم محاسبة الأشخاص المتورطين ومحاكمتهم، بل تعدى الأمر ذلك في اجتماع تم بين مؤسسة الرئاسة ونواب حركة فتح في المجلس التشريعي الفلسطيني عام 1998، تم الاتفاق فيه على إغلاق ملف تقرير هيئة الرقابة الفلسطينية، بحجة مبالغة التقرير في بعض القضايا التي تتناولها، حيث أعطيت لمؤسسة الرئاسة صلاحية البث فردياً بشأن مصير الوزراء والتعديل الوزاري الذي طالب به المجلس التشريعي.

من المظاهر الأخرى التي استمر فيها هدر المال العام، هو افتقار السلطة الفلسطينية لآليات تشجيع موظفي الخدمة المدنية على كشف سوء استخدام المال العام والامتياز المالي، وعدم وجود آليات لحمايتهم في حالة الكشف عن ذلك واعتراضهم على التعليمات غير القانونية في هذا الإطار.

كما تم استخدام صناديق التقاعد لأغراض أخرى دون محاسبة حقيقية ودون تأمين الحاجة المستقبلية، لعدم صوغ وزارة المالية لنظام قانوني يتعاطى بجدية مع التجاوزات، بدلاً من الوضع القائم الذي يتم فيه التصرف بعد وقوع المخالفة.

والملاحظ أن هذه المخالفات والتجاوزات المالية يتم القيام بها في إطار استغلال المنصب الحكومي، أو وجود هؤلاء المتجاوزين على رأس مؤسسات السلطة.

وبالرغم من قيام المجلس التشريعي من خلال اللجان المختلفة التي شكلها لكشف هذه التجاوزات، على تقديم توصيات باتخاذ خطوات مساءلة بحق الموظفين المخالفين، إلا أنه لم يتخذ أي إجراء جدي حيال ذلك واكتفى بإجراءات غير رادعة كالنقل إلى مكان أو منصب آخر.

وقد شكل غياب القوانين الهادفة لزجر المخالفات المالية، وضعف المساءلة والمحاسبة داخل مؤسسات السلطة، دافعاً لإهدار الأموال العامة من قبل العاملين في هذه المؤسسات والأجهزة، مع التأكيد على أن الاستمرار في هذه الممارسات دون وجود محاسبة جادة، من شأنه أن يحد يشكل مباشر من إمكانية تطوير مؤسسات السلطة لا سيما المؤسسات الاقتصادية ومن ثم بناء اقتصاد فلسطيني عصري، وإعاقة واضحة لعملية التنمية المنشودة فلسطينياً.

2. الاحتكارات الاقتصادية: التحدي الأكثر تأثير على الاقتصاد الفلسطيني:

منذ تأسيس السلطة الفلسطينية ظهرت عدة شركات يشارك فيها شخصيات عامة في مؤسسات السلطة الفلسطينية وأجهزتها، دون تبيان الصفة القانونية لشراكة هذه الشخصيات فيها، كما أخذت بعض هذه الشركات أبعاد احتكارية دون مسوغ أو مبرر قانوني.

وقد مارست السلطة الفلسطينية سياسة احتكار التجارة في بعض السلع الأساسية، من خلال هيئات وشركات حكومية، ومن أهمها استيراد الاسمنت من إسرائيل إلى المناطق الفلسطينية، وهيئة البترول التي تشرف على استيراد مشتقات النفط، حيث منحت السلطة عبرها احتكار توريد النفط من إسرائيل إلى شركة إسرائيلية.

ومعظم حالات الاحتكار تتم وفق عقد شراكة بين شركتين، إسرائيلية مصدرة، وأخرى فلسطينية مستوردة، هذه الأخيرة التي تقوم بتزويد المناطق الفلسطينية بالسلع والمواد اللازمة. علاوة على ذلك فإن أحد أهم الإشكاليات التي تطرحها هذه الاحتكارات هو عدم إدراج راس المال فيها ضمن الحسابات التي تخضع لإشراف وزارة المالية، وذلك بتحويلها إلى حساب أشخاص ومسئولين في السلطة، وقد بلغت قيمة هذه الاحتكارات ما يقارب 25% من مجموع الواردات العامة، الأمر الذي أصبحت معه السلطة الفلسطينية تواجه مشكلة سيولة، دفعتها بالتالي إلى الاقتراض المحلي والدولي ومراكمة المتأخرات.

إضافة إلى تحكم هذه الاحتكارات بقسط مهم من التجارة الخارجية والداخلية والأسعار في الأسواق المحلية التي ارتفعت وفاقت مثيلاتها في إسرائيل، الأمر الذي أدى إلى زيادة أعباء المواطنين وإغلاق السوق أمام حركة التجارة مع البلدان العربية، لما تفرضه عقود الاحتكار بين الشركات الفلسطينية والإسرائيلية من قيود على حرية التجارة.

وقد انعكس هذا النشاط الاحتكاري على الاقتصاد الفلسطيني برمته، الأمر الذي حرم القطاع الخاص من القدرة على المنافسة العادلة والاستثمار، ومثل عائقاً أمام قيام اقتصاد فلسطيني حر، وأدى إلى ارتباط الاقتصاد الفلسطيني في مناطق الحكم الذاتي بالاقتصاد الإسرائيلي وعمق من تبعيته لهذا الأخير.

وقد بدا واضحا أن السلطة تحاول عمل شيء في مقابل وقف هذا النشاط الذي تغلغل داخل مؤسساتها بشكل ملحوظ، إلا أن إجراءاتها في هذا الإطار لم تشكل آلية حقيقية لتنمية الاقتصاد الفلسطيني والرفع من قدراته الإنتاجية، وبالتالي المساهمة بحظوظ أوفر في عملية التنمية الشاملة و المنشودة، مما يطرح التساؤل حول دور التنظيمات السياسية والاجتماعية في المجتمع الفلسطيني ومدى إسهامها في تحقيق التنمية.

المطلب الثاني

جدلية العلاقة بين التنمية والمقاومة

إن الحديث عن التنمية في المجتمع الفلسطيني، وفي ظل الاكراهات المتزايدة التي يعانيها من احتلال وضعف في الأداء المؤسساتي الفلسطيني، يفرض التساؤل حول دور المجتمع المدني ومكوناته في السعي نحو تحقيق التنمية المنشودة. والملاحظ أن دور منظمات المجتمع المدني – من منظمات أهلية وغير حكومية ونقابات – اتسم بعدة أوجه، كمواجهة الاحتلال، ومواجهة بعض التعديات من السلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى دورها في العمل التنموي (أولاً)، ولا شك أن الانتفاضة الثانية للفلسطينيين، أبانت عن مراكز قوى جديدة، تمثلت في الفصائل والتنظيمات المسلحة، بصورة يبدو فيها انقسام المجتمع بين هذه الفصائل، ونظراً لحجم هذا التأثير والنفوذ، فإننا نتساءل حول مكانة التنمية ضمن الاستراتيجيات التعبوية لهذه الفصائل، لما قد يمثله ذلك من التعرف على طبيعة العمل التنموي في المجتمع الفلسطيني( ثانياً).

أولاً // المنظمات الأهلية وغير الحكومية: أي دور؟

لعب العمل الأهلي في فلسطيني منذ بدايات القرن العشرين، دوراً مؤثراً في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث ارتبط هذا العمل ببدايات الحركة الوطنية الفلسطينية المناهضة للاستعمار البريطاني والمشروع الاستيطاني الصهيوني. وقد نما هذا العمل في ظل غياب سلطة دولة شرعية نابعة من إرادة المجتمع، بل يمكن القول أن احد أسباب انتشاره ونموه يعود إلى محاولة سد النقص الحاصل عن غياب الدولة.

ولعبت المنظمات الأهلية والغير حكومية في الضفة الغربية وقطاع غزة دوراً رئيسياً في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وفي تأكيد الهوية الوطنية الفلسطينية، نظرا للدور المهم الذي اضطلعت به هذه المنظمات على صعيد تقديم بعض الخدمات للجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبالتحديد تلك التي لم تلق أي اهتمام من جانب سلطات الاحتلال، كقطاعات الصحة والإغاثة، والأسرة والعمل الزراعي.

وبعد تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 1994، أصبح العمل الأهلي يأخذ الطابع المهني والتخصصي، بما يستلزمه ذلك من بنى إدارية وهيكلية ومالية تفرضها متطلبات الواقع الجديد، الذي يفترض التعامل مع الممولين ضمن استحقاقات تقنية ومهنية متميزة.

تعمل المنظمات غير الحكومية والأهلية ضمن بيئة عامة ، تشكل حالة انتقالية بين مجتمع يعيش دولة ذات سيادة، وحكماً محدود الصلاحيات على الأرض، حيث تؤثر هذه البيئة على عمل المنظمات، وعلى شكل ومضمون ونطاق علاقاتها، وتتأرجح هذه البيئة ما بين دستورية وسياسية، واقتصادية – اجتماعية:

1. البيئة الدستورية والقانونية/ حيث أرسى قانون الجمعيات الخيرية والمنظمات الأهلية الذي صدر بداية العام 2000 شرعية هذه المنظمات على أساس قانوني، باعتبار هذه المنظمات حقاً من حقوق الإنسان، وتجسيداً لحق الأفراد في الاعتقاد والتنظيم . إن سن هذا القانون جاء في مرحلة كانت السلطة الفلسطينية خلالها تعاني من تداخل في الصلاحيات ما بين السلطات الثلاث – التشريعية والتنفيذية والقضائية – حيث جرى تهميش المجلس التشريعي وتجاهل قراراته، خاصة فيما يتعلق بمجال إصدار القوانين الأساسية المتعلقة بالحكم والقضاء، إلى جانب هيمنة السلطة التنفيذية على عمل السلطتين التشريعية والقضائية. في ظل هذه البيئة، نجد أن القانون المنظم لعمل المنظمات غير الحكومية والأهلية، شكل أرضية ملائمة لبناء علاقة منتظمة بين المنظمات غير الحكومية، وبينها وبين السلطة الوطنية الفلسطينية، لكنه غير كاف بدون توفير الحد الأدنى من البيئة العامة الملائمة، التي تحد من إمكانيات التنفيذ المزاجي للقانون، والذي يخضع بدوره لميزان القوى بين الطرفين، الأمر الذي يدفع المنظمات غير الحكومية للبحث الدائم عن سند لها في ظل غياب جهاز قضائي مستقل يمكن الاحتكام إليه.

2 .البيئة السياسية/ تعمل المنظمات غير الحكومية الفلسطينية في إطار بيئة سياسية غير محددة المعالم، فهي حالة بين الاحتلال والاستقلال، ومع أن إجراءات الاحتلال ضد هذه المنظمات قد خفت حدتها، إلا أن واقع الاحتلال يؤكد استمرار دورها القائم في ظل الاحتلال عبر العقود الثلاثة الماضية، ما يخلق لها إشكالية في علاقتها مع السلطة الوطنية، سواء في أوجه العمل المشترك ضد الاحتلال، أو مراقبة السلطة التنفيذية، إضافة إلى دورها البنائي والتنموي.

ولعل مظاهر الخلل التي سادت مؤسسات السلطة، وهيمنة نظام الحزب الواحد، بالإضافة إلى فعالية التيارات المحسوبة على الإسلام السياسي، وعزوف الجماهير عن العمل الحزبي، سمح في بعض الحالات بتوسيع نشاط هذه المنظمات لتقترب كثيرا من الدور السياسي إلى جانب دورها المهني، ولعل أهم محددات البيئة السياسية التي عملت فيها منظمات المجتمع المدني الفلسطيني تتمثل في:

• اعتماد السلطة على قاعدة تنظيمية واسعة نسبياً بين الجمهور.

• محاولة تهميش السلطة التنفيذية المؤسسات والمنظمات غير الحكومية.

• انحسار الدور التعبوي والقاعدة الجماهيرية للأحزاب السياسية.

• ضعف المؤسسات النقابية والحركات الاجتماعية.

• سيادة خطاب المجتمع المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان، إلى جانب هيمنة لغة تنموية ( بمفاهيم المؤسسات الدولية) فيما يخص دور القطاعين العام والخاص والمنظمات غير الحكومية، ومجالات استخدام المساعدات الدولية، وهي لغة آخذة في التحول إلى أيديولوجية.

3.البيئة الاقتصادية والاجتماعية/ تعمل هذه المنظمات في بيئة تتداخل فيها القيم والبني الاجتماعية التقليدية والحديثة، وتبين المؤشرات الاقتصادية منذ العام 1994، إلى استمرار الوضع الاقتصادي الفلسطيني في التدهور، وشكل انخفاض دخل الأسرة والارتفاع الحاد في البطالة واتساع دائرة الفقر، تحديات جدية لاستمرار الاقتصاد.

في ضوء ذلك، جرت تحولات على البنية الاجتماعية في الضفة الغربية وقطاع غزة، اتسمت بتراجع مستويات المعيشة للمهمشين، ونمو شريحة واسعة نسبياً من الطبقة الوسطى تتمثل في بيروقراطية القطاع العام.

هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية عززت من دور المنظمات غير الحكومية والأهلية، وأكدت بالتالي على ضرورة وجودها، خاصة في ظل عجز السلطة الوطنية عن تلبية الاحتياجات المجتمعية كافة، ولعل أهم الإشكاليات المثارة حول دور هذه المنظمات، يرتبط إما بنطاقها الداخلي، أو بعلاقتها مع الممول بالإضافة إلى تذبذب العلاقة فيما بينها وبين السلطة الوطنية الفلسطينية.

حيث يلاحظ في غالبية هذه المنظمات، غياب تام لأصول الديمقراطية وعدم دورية الانتخابات ونزاهتها، الأمر الذي أدى إلى غياب مبادئ المحاسبة والشفافية وانتشار مظاهر الفساد المالي والإداري، واستشراء نزعات الاستهلاك والإغاثة المؤقتة، في ظل هذا الواقع يمكن القول أن بعض هذه المنظمات تعاني من أمراض عدة تجعل عدد كبير منها غير مؤهل لتأسيس مجتمع مدني أو لعب دور في البناء التنموي المنشود فلسطينياً.

ولعل هذا الأمر راجع بدوره إلى التنافس الغير صحي الموجود بين هذه المنظمات على مسألة التمويل، والضعف كذلك في التنسيق المحلي، والازدواجية في تقديم بعض الخدمات، والخضوع لأولويات المانحين، حيث تتعمق لدى الكثير من هذه المنظمات مسألة التبعية، هذه الأخيرة نجحت وبجدارة في تفريغ مؤسسات المجتمع المدني، وبالتحديد المؤسسيات الأهلية، من محتواها التعبوي والتكويني، حيث تحولت إلى أداة لتشغيل الأجندات الخاصة بسياسة المانحين.

بالإضافة إلى أن أموال الدعم الخارجي تتطلب أنماطاً من المحاسبة والمسائلة فيما يخص تنفيذ المشاريع، وذلك في ظل غياب المساءلة من قبل الجمهور لكيفية صرف أموال الدعم، وكذلك غياب المساءلة من قبل المؤسسات المانحة، طالما أن أجندتها السياسية تسير نحو التطبيق.

إن إشكالية المجتمع المدني ومنظماته الأهلية، غير محصورة بالبعد الفني المتعلق بالحصول على الموارد وتوزيعها، فقد تغافلت هذه المؤسسات والمنظمات عن دورها ومهمتها الأساسية في تعبئة وتمكين الناس للمطالبة باحتياجاتهم وحقوقهم من الهيئات الرسمية، وتغافلت أيضاً عن قضايا الفساد واللامسؤولية التي رافقت سوء إدارة التنمية على المستوى الحكومي.

ولعل الخطر الأكبر الذي يحيط بعمل هذه المنظمات، هو محاولة السلطة الفلسطينية السيطرة عليها كمظهر من مظاهر السيادة الداخلية، وبالتالي فقدانها لاستقلاليتها وقدرتها على صياغة رؤية وبرنامج خاص بها. وذلك في ظل التوتر الذي تشهده علاقة هذه المنظمات بالسلطة الفلسطينية أحيانا، والذي يعود في غالبه إلى:

• التنافس على التمويل/ حيث اعتبر العديد من المنظمات غير الحكومية أن التنافس على التمويل سبباً أساسياً من أسباب توتر العلاقة مع السلطة الفلسطينية، حيث يوجد بعض المصادر التمويلية المشتركة للطرفين، مما يخلق مساحة احتكاك بين الطرفين، وترى السلطة أنها العنوان الصحيح لأشكال معينة من أموال الدعم التي توجه إلى بعض المنظمات غير الحكومية. هذا عدا عن رغبتها في ضبط مصادر التمويل لهذه المنظمات ومعرفة حجمه وأوجه صرفه.

• الدور السياسي الذي تلعبه المنظمات/ فبالإضافة إلى دورها في مواجهة الاحتلال والذي يلقى ترحيب السلطة الفلسطينية إلا أن نشاطها فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان وحرية التعبير والاعتقال السياسي، يخلق مظهر من مظاهر التوتر في العلاقة مع السلطة، أضف إليها غياب رؤية موحدة لعمل هذه المنظمات، من شأنها أن تضع قواعد متعارف عليها في حل التعارضات بين السلطة والمنظمات غير الحكومية، وهذا شكل أرضية ملائمة لاحتكام العلاقة بين الطرفين للأبعاد الشخصية.

• حداثة تجربة السلطة/ فحاجة السلطة إلى مراكمة خبرة تتلاءم مع تحولها إلى دولة، يتطلب التعامل مع هذه المنظمات بدلاً من سحب آلية التعامل التي كانت قائمة بين منظمة التحرير والاتحادات الشعبية والمنظمات غير الحكومية وتطبيقها على هذه العلاقة، الأمر الذي يخلق حالة من الاحتكاك غالباً ما ينجم عنها توتر في العلاقة الذي يرجع للأسباب السالفة الذكر.

إن انطباعاً سلبياً بدأ يتشكل لدى الناس تجاه مؤسسات المجتمع المدني، جراء تلك الاختلالات السابقة ولعل أهم انتقاد وجه من قبل الأفراد، يتعلق في غياب التناغم بين مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني من جهة، والسلطة من جهة أخرى، وضعف الأخيرة وعدم قيامها بمسؤولياتها، وتفشي ظاهرة الفلتان الأمني، مما عطل عمل مؤسسات المجتمع المدني وهز الثقة بها، وكذلك تراجع دورها في ظل السلطة مقارنة بدورها الذي قامت به قبل تلك المرحلة، في ظل حالة التفتت القيمي التي حولت المجتمع الفلسطيني إلى مجتمعات منعزلة.

ثانياً// رؤى التنظيمات السياسية ودورها في عملية التنمية.

تتميز الحالة الفلسطينية بخصوصية فريدة، تتمثل في التقاء كافة التنظيمات والفصائل الفلسطينية نحو مواجهة الاحتلال، بالرغم من الاختلافات الفكرية أحياناً والعقائدية أحياناً أخرى، إلا أنه ومنذ توقيع اتفاق أوسلو أخذ النقاش حول جدل العلاقة بين التحرير الوطني والتنمية يحتدم، نظراً لتعدد الآراء والاتجاهات الفكرية والفصائلية.

وبالرغم من الإقرار المبدئي من قبل معظم التنظيمات السياسية بضرورة الجمع الناجح بينها، مع تأكيد أولوية التحرر الوطني كناظم وحاكم لمجمل الأداء الفلسطيني، ذهبت بعض الآراء إلى حد القول، لا تنمية في ظل الاحتلال، بينما تعاطت آراء أخرى مع مضمون مستحدث للتنمية في السياق الفلسطيني وأطلقت تعبير التنمية الإنعتاقية عليه، والذي يجمع بين كل هذه التعريفات كالتحرر الوطني والاستقلال والاستمرار في عملية التنمية.

- فيما يتعلق بحركة حماس، نجد أن الحركة قد تميزت بمقدرتها الفائقة على العمل بوصفها قوة مقابلة، حيث ظهرت كالفئة الأقدر على توفير الخدمات الملحة، وتنظيم الأنشطة الاجتماعية والأكثر مصداقية وثقة، حيث تدير الحركة شبكة خدمات اجتماعية واسعة، إدراكاً منها أن كسب النفوذ على الأرض يتم أولاً من خلال العمل الاجتماعي، حيث تركز حماس في أنشطتها الاجتماعية والاقتصادية على فئات الشباب والتجار والمهنيين والنساء.

ولعل في هذا التحرك من قبل الحركة، وان كان من ورائه كسب النفوذ على الأرض، إلا أنه يحمل في طياته خدمة جلية لتطور عملية التنمية من خلال تمكين الشرائح المختلفة في المجتمع من الانصهار في خدمة المشروع التنموي.

إن فوز حركة حماس بالانتخابات البلدية والتشريعية، فرض عليها تحد ذو طبيعة اقتصادية واجتماعية، يتضمن تقديم برنامج اقتصادي واجتماعي يجيب على التحديات والهموم والتطلعات التي تحملها مختلف فئات الشعب، بالإضافة إلى القدرة على قيادة حركة المجتمع ونظامه العام من أجل تطويره وتنميته طبقا لاستراتيجية التنمية الموضوعة.

- أما حركة فتح، فقد شكلت منذ تأسيس السلطة قوة كبيرة على الصعيد المجتمعي كونها حزب السلطة أو الحزب الحاكم، ويمكن نسبة الكثير من مظاهر الخلل والفساد الذي ساد مؤسسات السلطة إلى قيادات عدة منها.

حيث انشغلت حركة فتح منذ نشوء السلطة بالاستحواذ على مواقع النفوذ والوظيفة العامة في المؤسسات الوليدة، وتوزيع الغنائم على أعضائها وفق معايير سياسية وفئوية وشخصية، ولم تقدم فتح رؤية متكاملة وبرنامج اجتماعي واقتصادي واضح، حيث فشلت في حماية مشروعها ومنجزها الوطني، كونها لم تعطه الطابع المجتمعي الحقيقي.

فجدارة أي تشكيل سياسي وطني، تتحدد بمدى قدرته على الموائمة بين شروط وآليات ومضمون التنمية مع هدف الاستقلال، بالإضافة إلى عوامل الترهل الداخلي وتعدد مراكز القوى داخلها.

- بينما تؤمن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، بأن بلورة خطة أو سياسة تنموية تفترض الحد الأدنى من السيادة، التي تمكن من السيطرة النسبية على الموارد وتوجيهها باتجاهات محددة، وترى الجبهة أنه مع غياب السيادة، فثمة الكثير يمكن عمله للجم التدهور الاقتصادي وإرساء الأسس التمهيدية لانطلاقة تنموية مستقبلية، أو العمل على إعادة بناء البنية التحتية المدمرة، وتقليص درجة التبعية الاقتصادية لإسرائيل، وامتصاص البطالة ووقف التدهور في مستوى معيشة المواطنين.

- أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فهي تحذر دائماً من التقاء المصالح بين الطبقة المنتفعة من السلطة مع إسرائيل، مما يفاقم من معاناة الشعب، وتدعوا إلى محاربة كل أنواع الفساد داخل المؤسسات الفلسطينية، للوصول إلى صيغة يمكن معها إرساء دعائم التنمية المنشودة.

وبنظرة على مكانة التنمية في استراتيجية الفصائل والتنظيمات الفلسطينية، نجدها لم تحتل المكانة المستحقة كونها أحد أبرز متطلبات المجتمع الفلسطيني في المرحلة الآنية، ويمكن القول أن تراكمات العجز والخلل في تركيبة مؤسسات السلطة وكذلك المجتمع المدني في أغلبها، بالإضافة إلى الخطاب السائد والفضفاض لدى التنظيمات والفصائل الفلسطينية، ساهمت إلى حد كبير في تراجع عملية التنمية المنشودة مجتمعياً، إلا أن هذا لم يكن العائق الوحيد أمام تحقيق التنمية في فلسطين.


المبحث الثاني

العراقيل الخارجية


إن مطالبة المجتمع الدولي وإسرائيل بضرورة تحقيق وضع مجتمعي أفضل للفلسطينيين، كي تتغير وجهتهم عن مواجهة إسرائيل والالتفات إلى الداخل الفلسطيني، والاكتفاء بنوع من الاستقلال الذاتي وحرية العمل والكسب، وبالتالي تحقيق مستويات أفضل للتنمية، كل ذلك يتنافى مع ما تقوم به إسرائيل من ممارسات على الأرض تمثل كعائق أساسي أمام تحقيق التنمية (المطلب الأول)، كذلك فان المشروطية السياسية والتي تكون في بعض الأحيان مجحفة بحق الفلسطينيين، والمقترنة بالدعم الدولي تشكل هي الأخرى عقبة نحو تحقيق التنمية في فلسطين (المطلب الثاني).

المطلب الأول

انعكاس الممارسات الإسرائيلية على عملية التنمية

مثلت الممارسات الإسرائيلية على الأرض عائق رئيسي أمام تقدم عملية التنمية في فلسطين، كون القاعدة العامة أن تحقيق التنمية وتقدمها لا يتم بموازاة احتلال قائم على الأرض ويتميز عن غيره بالتدمير والانتهاكات اليومية لكل مقدرات الحياة، البشر، والأرض، والزرع، والبنية التحتية.

وقد اختلفت درجة هذه الممارسات باختلاف طبيعة المرحلة، والتي كانت تهدف دائماً إلى التصدي لأي محاولات فلسطينية من شأنها الإسهام في تعزيز قدرات المجتمع الفلسطيني للصمود ومواجهة الاحتلال، وكذلك العمل على تنمية المجتمع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. حيث شملت هذه المراحل حقبة مهمة في تاريخ المجتمع الفلسطيني، امتدت من بدايات الانتفاضة الفلسطينية الأولى في العام 1987، مروراً بمرحلة الحكم الذاتي الفلسطيني (اتفاق أوسلو)، وصولاً إلى الانتفاضة الفلسطينية الثانية (سبتمبر 2000)، والممتدة إلى غاية الآن.

أولاً// مرحلة ما قبل أوسلو (الانتفاضة الفلسطينية 1987).

منذ احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967، أقامت إسرائيل أكثر من 150 مستوطنة على الأراضي الفلسطينية التي جرى الاستيلاء عليها، كل ساكنيها من المستوطنين المستقدمين من أقطار عدة في العالم، وعن طريق هذه المستوطنات تستطيع إسرائيل أيضا السيطرة على الموارد البشرية والمادية للمناطق المحتلة.

حيث دأبت السلطات الإسرائيلية على استعمال الموضوع الاقتصادي لتحقيق أهداف سياسية، وذلك عن طريق خلق ظروف اقتصادية في الأراضي المحتلة تساعد في إضعاف حوافز مقاومة الاحتلال، وتوطيد أوضاع اقتصادية تجعل الاستقلال الاقتصادي للأراضي المحتلة عن إسرائيل أمرا مستحيلاً.

وقد كان الهدف الرئيسي من خلال هذه الممارسات، هو إضعاف الاقتصاد الفلسطيني وجعله تابعاً بصورة تامة للاقتصاد الإسرائيلي، وفاقد للقدرة على تكوين اقتصاد ذاتي وعلاقات طبيعية بدول العالم الأخرى.

حيث عملت إسرائيل على السيطرة التامة على الموارد الطبيعية للفلسطينيين، كمصادر المياه والسيطرة على الأراضي الفلسطينية، وقد أسفرت هذه السياسات إزاء الأراضي والمياه، إلى تفكيك الوحدة الجغرافية للأراضي الفلسطينية، على أساس أن الوجود المكثف للمستوطنات الإسرائيلية جعل المدن الفلسطينية عبارة عن جزر معزولة عن بعضها، وتلتف حولها الطرق الجديدة التي تربط بين المستوطنات الإسرائيلية، كذلك الضعف الذي حاق القطاع الزراعي، إذ أن مصادرة الأراضي وتقليص حجم المياه عملا على رفع أسعار الأرض والمياه على نحو زاد في تكاليف الزراعة، الأمر الذي أدى إلى تقليص إمكانية الإنتاج الصناعي.

وقد لوحظ في الإجراءات الإسرائيلية الكثير من التشدد والحدة تجاه الانتفاضة في ديسمبر 1987، حيث اتخذت أشكالا لم يسبق لها مثيل تشمل العقوبات الاقتصادية بهدف القضاء على الانتفاضة.

فقد فرضت السلطات الإسرائيلية قيوداً بالغة الشدة على إنشاء مشاريع جديدة، ورفضت إعطاء الترخيص لعدد من المشاريع الصناعية المقترحة، والتي تهدف من ورائها إلى منع إقامة صناعات من الممكن أن تنافس المنتجات الإسرائيلية المماثلة.

كذلك قامت إسرائيل بإغلاق كافة فروع البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية، باستثناء بعض منها والذي رضخ للمواصفات والقياسات الإسرائيلية، مما أدى إلى حرمان الفلسطينيين من خدمات هذه المؤسسات المالية الضرورية لمتطلبات التطوير والتنمية.

أما الخدمات الاجتماعية، وخصوصاً في مجالي الصحة والتعليم، فقد تراجعت وانخفض مستواها العام خلال الانتفاضة نتيجة الضغط الإسرائيلي على الفلسطينيين لإنهاء انتفاضتهم، فعلى الصعيد التعليمي، استمرت المضايقات الإسرائيلية للمؤسسات التعليمية، من المستوى المتوسط فما فوق، الأمر الذي شكل عدوانا على التراث الثقافي والمؤسسات الفلسطينية، بما في ذلك مراقبة مطبوعات التعليم والمطالعة، إلى جانب الإغلاق الإجباري لبعض من هذه المؤسسات واعتقال الطلبة والمدرسين على حد السواء.

من جانب آخر، فإن وقوع الأراضي المحتلة تحت طائلة الإجراءات القمعية للاحتلال، والتي ليس لديها أي مصلحة في تقديم الخدمات الاجتماعية للمواطنين، كان وراء تردي الأوضاع الاجتماعية بسبب صعوبة الحركة لدى المواطنين، بالإضافة إلى القيود المفروضة على المبادرات الاجتماعية والترويحية.

وقد واصلت السلطات الإسرائيلية وبطرق مختلفة، ملاحقة واعتقال العناصر التي تساهم في النشاطات المجتمعية المحلية، إن كان ذلك في شكل اللجان التطوعية في الأحياء، أو المبادرات الهادفة إلى مواجهة الاحتلال، وفك قبضته في المجالات الصحية والتعليمية والاقتصاد المنزلي والتعبئة السياسية، وغالباً ما كان هؤلاء الأفراد هم القوة المحركة وراء معظم المبادرات المجتمعية ذات الطابع التنموي.

وبالرغم من هذه الإجراءات إلا أن اعتماد الشعب الفلسطيني على موارده البشرية والمادية قد ازداد، حيث بدأ ببناء المؤسسات والاعتماد على الذات، وعمل شيئاً فشيئاً على فك الارتباط مع إسرائيل، ولكن التدابير الإسرائيلية التقييدية المتزايدة أدت إلى إعاقة مبادرات التنمية البشرية.

ولا شك أن هذه الإجراءات ستتخذ منحى آخر بعد الإعلان عن اتفاقية إعلان المبادئ بين الجانبين الفلسطيني – الإسرائيلي، ولكن ما هو شكل هذه الإجراءات، وهل ستزيد من معاناة الفلسطينيين وتشكل عائقاً أمام التنمية، أم أنها ستخفف من وطأتها لإكمال عملية التنمية؟

ثانياً// مرحلة أوسلو.

بعد توقيع "بروتوكول باريس" بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في 29 نيسان/ أبريل 1994، عملت إسرائيل على تغيير سياستها تجاه الفلسطينيين خاصة في الجوانب الأمنية والإجراءات العسكرية المباشرة.

إلا أن هذا الاتفاق لم يتطرق إلى موضوعي السيادة على الأرض والمياه، وتركهما لمفاوضات المرحلة النهائية، وعليه فإن الأراضي التي صودرت خلال فترة الاحتلال وكذلك المستعمرات التي أنشأت بقيت تحت السيطرة الإسرائيلية، كذلك يبقى موضوع المياه على ما كان عليه خلال فترة الاحتلال.

وقد يشير هذا إلى أنه من الصعب خلال الفترة الانتقالية للسلطة انتهاج خطة شاملة للتنمية الاقتصادية وإعادة الإعمار، نتيجة تعنت الإدارة الإسرائيلية في تنفيذ استحقاقاتها بناءاً على الاتفاقيات الموقعة.

إذ ليس بمقدور السلطة الفلسطينية السيطرة على الموارد الرئيسية كالأراضي والمياه وتواصل المناطق الذي يفترض أن يكون خاضعاً لها، وليس لها صلاحية في إصدار التشريعات لترتيب أوضاع السكان الخاضعين لسلطتها، كذلك عدم قدرتها على الوصول بحرية للأسواق الخارجية، بالإضافة إلى أن جزءاً مهما من ميزانيتها يبقى معتمدا على تحويلات الضرائب والمكوس التي تجمعها إسرائيل نيابة عنها، وتبقى استحقاقاتها من هذه الضرائب مرتبطة بالمزاجية الإسرائيلية والتي قد تتعنت إلى أبعد الحدود في حجز هذه المستحقات عن السلطة، وافتعال أزمة اقتصادية خانقة، كالتي حصلت بعد فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية الأخيرة يناير 2006، لذلك فإنه لا يمكن ملاحظة أي تغيير جديد على السياسة الإسرائيلية في اتجاه تخفيف القيود عن الفلسطينيين في مجالات الاقتصاد والتنمية.

بل على العكس، اتسمت سياستها الجديدة بتصاعد وتيرة الاغلاقات المتوالية بدءاً من العام 1996، مما فاقم معاناة الفلسطينيين، والتي كان وما يزال لها الأثر المدمر على جميع نواحي الاقتصاد الفلسطيني، حيث ارتفعت نسبة البطالة إلى 50 – 60%، هذه السياسة التي خلقت تفككاً اقتصادياً في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو ما يسميه البنك الدولي "تفكيك الأرض".

وقد ساعد في هذا شق الطرق الالتفافية بشكل واسع، لربط المستوطنات مباشرة بإسرائيل، وهدم المنازل، ما عمل على تهميش الاقتصاد الفلسطيني وتغيير الملامح الجغرافية والديمغرافية للأراضي الفلسطينية وتفتيت وحدتها الإقليمية.

فقد واصلت إسرائيل ممارساتها التقييدية لحركة الاقتصاد الفلسطيني ولجم تطوره الذاتي وعرقلته، حيث بقيت معظم الواردات الفلسطينية وصادراتها تتم مع إسرائيل أو خلالها، فعلى سبيل المثال بلغت قيمة الصادرات الإسرائيلية المسجلة إلى مناطق السلطة الفلسطينية عام 1999 نحو 1759.3 مليون دولار أمريكي.

هذه العوامل والإجراءات إنما تهدف إسرائيل من خلالها، إلى ترسيخ التبعية الموجودة للاقتصاد الفلسطيني، إضافة إلى تحقيق الأهداف التي فشلت في تحقيقها خلال مرحلة الاحتلال الفعلي قبل دخول السلطة الفلسطينية للأراضي المحتلة.

ولا شك أن جوانب كثيرة تأثرت جراء هذه الممارسات، لعل أهمها سوق العمل، ففي العام 1996 انخفضت نسبة عمل الفلسطينيين في إسرائيل 76%، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدل البطالة، بالإضافة إلى تزايد رقعة الفقر في المجتمع الفلسطيني، حيث أصبح يحدد ب 650 دولاراً للشخص الواحد سنوياً، ففي تقرير للبنك الدولي أصاب الفقر واحداً من كل أربعة فلسطينيين في عام 1998. ويعتبر هذا المستوى عالياً جداً بالمقياس الإقليمي ومقارنة مع أقطار أخرى.

يمكن القول أن سياسات الحصار والاغلاقات التي اتبعتها إسرائيل ابتداء من فبراير 1996، تثبت قدرتها على شل الاقتصاد الفلسطيني في أي وقت، وان بإمكانها قطع أي اتصال بين الفلسطينيين وجيرانهم، وعلى هذا فان السلطة الفلسطينية لم تستطع خلال فترتها الانتقالية انتهاج سياسة تنموية كاملة، لعدم قدرتها على إقامة علاقات تجارية مع جيرانها.

بمعنى، أن بقاء القيود التي تربط الاقتصاد الفلسطيني بالإسرائيلي، والعراقيل المتكررة التي تضعها إسرائيل في طريق بناء اقتصاد دولاني فلسطيني مستقل، ونظام اجتماعي تكاملي، تحول دون انتهاج السلطة والمجتمع الفلسطينيين مسيرة إعادة الاعمار والتنمية، ولعل ازدياد حدة التطورات الميدانية بين الجانبين مع تفجر انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000 ستؤثر بشكل أكثر مما سبق على طبيعة العمل التنموي في فلسطين والعمل على تطويره.


ثالثاً// مرحلة الانتفاضة الثانية (أيلول/ سبتمبر 2000).

مما لا شك فيه أن الانتفاضة الفلسطينية الثانية والتي تفجرت في 28/ أيلول 2000، هي نتيجة حتمية لفشل العملية السياسية في حصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة ضمن أساس التفاوض، التي تقوم على الاعتراف المتبادل بالإنسانية والحقوق، بما في ذلك حقهم في تنمية بشرية مستقلة تمكنهم من التمتع بحياة حرة ودولة مستقلة كباقي الشعوب.

فقد قامت إسرائيل بخلاف الانتفاضة الأولى، بشن حرب اقتصادية لمحاولة إنهاء الانتفاضة، ولم يقتصر الأمر على الأفراد من خلال استهدافهم وخنقهم اقتصاديا، بل تجاوز الأمر ليشمل السلطة الفلسطينية، عن طريق مضايقتها مالياً برفض تحويل عائداتها من الرسوم الجمركية المشتركة كما نصت عليها اتفاقيات أوسلو، حيث بلغت الخسائر الفلسطينية خلال الانتفاضة الثانية ما يتراوح من 8 إلى 20 مليون دولار يومياً، بالإضافة إلى الخسائر الأخرى.

هذا وقد شهدت مؤشرات التنمية البشرية تراجعاً حاداً خلال الانتفاضة:

• فقد أدى تدهور الوضع السياسي إلى تردي غير مسبوق في الوضع الاقتصادي، تمثل في ارتفاع معدلات البطالة والفقر إلى حد أثر على كافة فئات المجتمع، وأصبحت نسب كبيرة من الأسر الفلسطينية دونما معيل، وازدادت معدلات الفقر إلى أكثر من 70%.

• التأثيرات السلبية التي أفرزها الحصار على معدلات الالتحاق بالمدارس، فقد أدت الحواجز المفروضة، إلى صعوبة حركة الطلبة الذين يعيشون في مناطق نائية وبالتالي حرمانهم من حقهم في التعليم، كذلك احتلال العديد من المؤسسات التعليمية وتحويلها إلى مراكز اعتقال أو قصفها، وهو ما أدى إلى ارتفاع معدل التسرب المدرسي وعمالة الأطفال، وارتفاع معدلات الزواج المبكر فيما يخص الفتيات.

• تركت الممارسات القمعية الإسرائيلية آثاراً سلبية على الحالة النفسية للفلسطينيين، أدت إلى تعرض أغلبيتهم لاضطرا بات نفسية وحالات اكتئاب مؤقت ودائم.

• ساهم القصف الإسرائيلي لمنازل المواطنين إلى تشتت عدد كبير من الأسر، التي لم تعد قادرة على الاجتماع حتى في أهم المناسبات الدينية.

وقد أسهم الجدار الفاصل الذي تقوم إسرائيل ببنائه داخل الأراضي الفلسطينية، في أضرار كبيرة على الفلسطينيين وإمكانيتهم في تحقيق التنمية المنشودة، فهناك أضرار بيئية، تمثلت في عزل التجمعات المقامة إلى الشرق من الجدار عن أجزاء أو عن جميع أراضيها الزراعية ومصادر مياهها الواقعة على الجانب الغربي منه، ومنع الوصول إلى كل أو جزء من الأرض ومصادر المياه ومنشآت العمل خلال فترة بناء الجدار، مما ينجم عنه خسارة الثروة والسوق والدخل، بالإضافة إلى الأضرار الاقتصادية والتي شملت تدمير الأراضي الزراعية والمنشآت الإنتاجية، ومنع الناس من الوصول إليها، وأضرار خدماتية خاصة في مجالي الصحة والتعليم وتقييد لحركة النقل.

وقد زادت الممارسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين حدة، في أعقاب فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية التي جرت في يناير 2006، والتي تتبنى موقفاً ثابتاً تجاه إسرائيل.

حيث شددت إسرائيل من الحصار الاقتصادي على الفلسطينيين لدفعهم إلى تغيير قناعتهم وانتخاب حكومة جديدة تحظى بالموافقة من جانب إسرائيل، فقد احتجزت إسرائيل العائدات الضريبية المتعلقة بالصادرات والواردات الفلسطينية، والتي تغطي نصف رواتب الموظفين في السلطة الوطنية، والذين يفوق عددهم 130 ألف موظف. وتكبدت السلطة الفلسطينية عجزاً في الميزانية بقيمة 67 مليون دولار في شهر يناير من العام 2006، فيما لم يتجاوز حجم العائدات الداخلية 13 مليون دولار.

تجاوز الحصار أبعاده السياسية، فمع استمرار إسرائيل في فرض حصارها ومعها المجتمع الدولي، استمرت الحكومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس بالتأكيد على مواقفها، وازداد الوضع المجتمعي تدهوراً وانحطاطاً، الأمر الذي أنذر بكارثة تحيق بالمجتمع الفلسطيني.

وقد كان للقطاع الصحي النصيب الأكبر من التداعيات السلبية للحصار، فعمل المستشفيات مهدد بالتوقف مع نفاذ الوقود اللازم لتشغيل الأجهزة والمعدات الطبية، فأكثر من 200 عملية جراحية تلغى فيها يومياً، و112 ألف مواطن يعانون أمراضاً مزمنة حياتهم مهددة بالخطر.

كما تكبد المزارعون والتجار وأصحاب المصانع الفلسطينيون خسائر فادحة بسبب تكدس منتجاتهم الزراعية والصناعية على المعابر المغلقة، وشهد قطاع الإنشاءات توقفاً كلياً عن العمل، حيث تكبد هو الآخر خسائر فادحة، مع توقف استيراد مواد البناء والمواد اللازمة لمشاريع البنية التحتية، حيث توقف العمل في الكثير من المشاريع التي لها علاقة بالبنية التحتية والطرق، ومشاريع الإسكان الخاصة أو الحكومية.

وفي أعقاب العملية العسكرية التي شنها مسلحون فلسطينيون، قرب معبر كرم أبو سالم جنوب غزة، اتبعت إسرائيل سياسة تدمير ممنهج للبنى التحتية، وخاصة مراكز الخدمات الأساسية كمحطة توليد الطاقة الكهربائية، والجسور، والطرق الرئيسية، والبنية التحتية، وقد خلق هذا الحصار والتدمير أوضاعاً كارثية وغاية في الصعوبة على حياة المدنيين، ففي أعقاب تدمير شبكة توليد الكهرباء في قطاع غزة، لا تزال أكثر من 200 ألف أسرة تعاني انقطاعاً شبه دائم للتيار الكهربائي، فيما تعاني معظم العائلات من انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 16 ساعة يومياً، الأمر الذي أثر على شبكة المياه، فهناك أزيد من 88 ألف أسرة لا تستطيع التزود بمياه نظيفة للشرب، حيث يعتمد الكثير من المواطنين في رفع المياه إلى خزانات فوق أسطح المنازل على الكهرباء.

في هذا الصدد لا يمكن تجاهل الأطراف الأخرى المشاركة في الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني، لا سيما دور هذه الأطراف في تمويل عمليات التنمية، مما قد يدفعنا إلى التساؤل حول الدور الحقيق لعمليات التمويل؟

المطلب الثاني

التمويل الدولي وتأثيره على الحالة الفلسطينية

بعد التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في العام 1993، تعهدت الدول المانحة والمؤلفة من 46 دولة ومؤسسة، بتقديم مساعدة للسلطة الوطنية الفلسطينية.

يأتي ذلك في سياق اقتناع هذه الأطراف، بأن من شان ذلك دعم العملية السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وخلق بيئة جديدة للاستقرار والأمن.

ففي اجتماعها في واشنطن (أكتوبر 1993) تعهدت الدول المانحة بتقديم حوالي 2،4 مليار دولار للفلسطينيين، وخلال الاجتماع الوزاري الذي انعقد في تشرين الثاني 1998 في أعقاب مذكرة واي ريفر (تشرين الأول 1998)، تعهد مندوبو الدول المانحة بتقديم مبلغ إضافي بقيمة ثلاثة مليارات دولار خلال الفترة من 1999 – 2003، حيث ارتفع بذلك مجموع تعهدات تلك الدول في الفترة من 1994 – 2001 لحوالي 6،1 مليار دولار، خصص منها مبلغ 5،162 مليار دولار أمريكي، وذلك من أجل إعادة الاعمار والتنمية في فلسطين، حيث كان 40% من هذا المبلغ من نصيب إدارة البنى التحتية والتنمية ذات العلاقة بالطاقة والبيئة، والإسكان، والبنى التحتية، ومعالجة النفايات، والاتصالات، والمياه والصحة العامة.

وخصص كذلك ما نسبته 24% للقطاع الاجتماعي، و20% لبناء وتعزيز القدرات المؤسساتية، و12% للقطاع الإنتاجي، وقد جاءت 84% من هذه الالتزامات على شكل منح والآخر على شكل قروض، وقد كان نصيب السلطة الوطنية الفلسطينية من مجموع الالتزامات ما نسبته 92%، وحوالي 8% أنفقت من خلال منظمات فلسطينية غير حكومية وأهلية.

تشير هذه الأرقام إلى حجم الاهتمام الذي يوليه المجتمع الدولي من أجل تنفيذ تعهداته بتنمية المجتمع الفلسطيني، إلا أن طبيعة العلاقة بين الممول والمؤسسات الفلسطينية -حكومية وأهلية- (أولاً)، تتخللها بعض الإشكاليات والتي بدورها تؤثر سلباً على عملية التنمية في فلسطين (ثانياً)، وتطرح بالتالي التساؤل حول مدى مساهمة التمويل الدولي في انعتاق المجتمع الفلسطيني؟

أولاً// طبيعة العلاقة بين التمويل والمؤسسات الفلسطينية.

يقصد بالمؤسسات الفلسطينية هنا، المؤسسات الرسمية ضمن إطار السلطة الفلسطينية، والمؤسسات الأهلية والغير حكومية.

1- المؤسسات الرسمية ضمن إطار السلطة الفلسطينية:

حيث يندرج في إطار هذه المؤسسات حوالي 60 مؤسسة أو وزارة، يمكن تقسيمها وفقاً للخدمات التي تقدمها إلى قسمين: المؤسسات التي تقدم خدمات اجتماعية (كالتعليم والصحة، والشؤون الاجتماعية والبرامج الاغاثية)، والمؤسسات التي تقدم خدمات أمنية (كالشرطة وقوات الأمن وحفظ النظام).

ضمن هذه الوزارات برزت وزارة التخطيط والتعاون الدولي، كمشارك أولي ورسمي لجميع التدخلات التنموية من الخارج، حيث باتت هي المسئولة عن ترتيب الأولويات في التنمية الوطنية الفلسطينية، ومن جهة أخرى مراقبة ومتابعة عملية تنسيق المساعدات.

حيث يتم تحديد أولويات التنمية الفلسطينية، من خلال قوائم شراء تقدم للمانحين من خلال العديد من هيئات التنسيق التي تفرزها الوزارة، وذلك للخروج بآلية تخطيط مدروسة ومنهجية طويلة المدى، أصبحت على شكل "خطة التنمية الفلسطينية"، التي أصبحت المرجعية والمعيار لتوجيه المساعدات التنموية الخارجية.

إلا أن دعم المانحين وخطط السلطة للنهوض بعملية التنمية، لم تصل إلى الحد الذي يمكنها من ذلك، حيث تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن مستويات الخدمات التي تقدمها السلطة في تراجع مستمر، ويلاحظ ذلك من خلال انعدام الخدمات البيئية، والصحية الوقائية التي تقدمها السلطة، ويعزى ذلك إلى انقطاع التمويل الخارجي في تلك المجالات.

حيث تعاطى المانحون مع السلطة الفلسطينية وفق رؤية محددة لأولويات المرحلة الانتقالية للسلطة الفلسطينية، ولشكل النظام السياسي المطلوب، حيث يلاحظ أن قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان وتمكين المرأة، حظيت بالدعم أضعاف ما تلقاه قطاع الزراعة والصناعة.

بالإضافة إلى أن الدول المانحة تمارس ضغطا على السلطة الفلسطينية باتجاه تعزيز التعاون الإقليمي، في الوقت الذي يعوز السلطة مقومات سياسة تنموية تستجيب لحاجات المواطنين داخل المجتمع الفلسطيني، كذلك يتدخل المانحون في اختيار نوعية المشروعات التي يمولونها.

وبموازاة أسلوب التعامل هذا من قبل المانحين، نجد أن مؤسسات السلطة الفلسطينية تعاني من تداخل الصلاحيات، وغياب هياكل إدارية، والافتقار إلى وجود جهة تنسيقية للتنسيق فيما بين هذه المؤسسات، لضمان عدم الازدواجية في العمل وهدر الجهد والمال، وبغياب رؤية تنموية أو خطة واضحة المعالم.

ويلاحظ أن عملية التخطيط في السلطة مرت بأربع مراحل: شهدت المرحلة الأولى (1994 – 1997) غياب تام لأي خطة، في حين اتسمت المرحلة الثانية (1998 – 2000) بوجود تخطيط جزئي، فيما انعدم التخطيط مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية (المرحلة الثالثة)، بينما تحاول السلطة خلال المرحلة الحالية (الرابعة) معاودة التخطيط من خلال إعداد خطط تنمية متوسطة المدى.

2- المؤسسات الأهلية والمنظمات غير الحكومية:

يعتبر التمويل الخارجي للمؤسسات الأهلية والمنظمات غير الحكومية المصدر الأول من بين مصادر تمويلها، فقد لعبت المساعدات الدولية دوراً مهماً على صعيد المنظمات الأهلية وغير الحكومية في المجتمع الفلسطيني، بغية تجاوز المتطلبات المالية والإدارية غير المرنة التي تفرضها الأنظمة الحكومية، كذلك ما تعانيه المؤسسات الرسمية للسلطة من فساد وضعف.

ويثير موضوع تمويل المنظمات الغير حكومية والأهلية، كثيراً من الالتباسات فيما يتعلق بالمشروطية السياسية المقترنة دائماً بالممول، خاصة في ظل التطورات التي يشهدها العالم، ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص.

ومع رفض الكثير من المنظمات الغير حكومية والأهلية للتمويل المشروط سياسياً، وفي غياب مبادرة حقيقية باتجاه توفير صندوق أهلي لتقديم الدعم والمساعدة، اتجهت العديد من هذه المنظمات للموافقة على الحصول على التمويل المشروط سياسياً.

وتعتبر مسألة التمويل حساسة كذلك حيث تعني تعزيز وجود ونفوذ شريحة وكلاء محليين للجهات الخارجية الداعمة، وتجعل موقف المنظمات غير الحكومية مرتهن لمواقف ورغبات الجهات الممولة، حيث تستند الجهات المانحة عادةً في دعمها للمنظمات غير الحكومية الفلسطينية إلى عدة معايير:

 المعيار السياسي/ حيث أن عناصر هذا الدعم لا تقتصر على نوع المشاريع، بل تشمل كذلك نوعية الفاعلين القابلين للاستفادة من التمويل، حيث أقصت هذه الجهات بعض المنظمات المحلية "التي لا تدعم عملية السلام" من التمويل، مثل حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بالنسبة للوكالة الكندية للتنمية الدولية (CIDA)، بسبب عدم وضوح موقفها من عملية السلام.

 المعيار القطاعي/ يتيح هذا المعيار هامشاً أوسع للدعم والمساعدة، من خلال تركيزه على قطاعات فضفاضة في غياب تعريف قاطع لقطاع التدخل، مما يسمح لهم التحرك بمرونة أكثر داخل هذا الإطار.

 معيار المهنية/ حيث تتمسك به الهيئات المانحة الكبرى، كما في حالة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والتي تستوجب من المنظمات الأهلية الخضوع لتدقيق داخلي، لضمان موافاة المنظمة بالمعايير الدولية، كذلك يشترط المانحون عادة كتابة مقترحات مشاريع قبل اتخاذ قرار صرف التمويل، ما يفترض وجود ممارسات على مستوى المهنية.

هذه المعايير، على الرغم من كفاءتها في بعض الأحيان، إلا أنها قد تساهم في إعاقة عملية التنمية، كون الاشتراطات السياسية تستثني مشاريع اجتماعية ضخمة أثمرت على الصعيد المجتمعي نتائج ملموسة، كالجمعيات الخيرية المحسوبة على التيار الإسلامي، كذلك غياب التعريف لقطاعات التدخل قد يحرم بعض القطاعات المهمة في المجتمع من أموال الدعم، كمساعدة اللاجئين وتنمية أوضاعهم الحياتية.

كذلك لم تستطيع جل المنظمات الأهلية والغير حكومية من الاستفادة من التمويل، نظراً لافتقارها لرؤية محددة، وانحرافها عن أهدافها، وضعف التنسيق فيما بينها ومع السلطة.

ثانياً// انعكاسات التمويل الدولي على عملية التنمية في فلسطين.

إن التساؤل الأبرز في هذا الموضوع، يتعلق بإخفاق التمويل الدولي في تحقيق تنمية مستدامة في الأراضي الفلسطينية، فلماذا لم يحقق التمويل الدولي هدفه في التنمية؟

إن الإجابة تفترض الاعتماد بالدرجة الأولى على مستوى التطور الذي بلغته الدولة المتلقية للتمويل الدولي، ومدى قدرتها على الموائمة ما بين تدفق الدعم الدولي وخطتها للتنمية.

ولا يخفى أن التمويل الدولي يمثل عائقاً أساسياً أمام تحقيق التنمية، نظراً لاشتراطاته السياسية، وإن كان المعلن دائماً أن الهدف إنساني وأخلاقي، ويرمي إلى تحقيق الأمن والاستقرار، ودعم قضايا الثقافة، إلا أن الهدف المضمر يتمثل في إحداث التغيير الاجتماعي العميق أو التسريع بوقوعه، لتتم بذلك عملية هيكلة جديدة تستطيع من خلاله المجموعات المانحة احتواء أي خطر من قبل الجهات المتلقية للتمويل وتعميق مسألة التبعية.

فيما يتعلق بالحالة الفلسطينية، فإنه ليس من السهل إطلاق حكم إجمالي على تأثير المساعدات الخارجية على البيئة التنموية في مناطق السلطة الفلسطينية، نظراً للحالة الانتقالية للسلطة، ولغياب خطة تنموية مشتركة بين الممولين والسلطة.

فقد بدأت عملية التمويل في مرحلة كانت السلطة الفلسطينية خلالها تسعى إلى بناء دولة وطنية ذات سيادة، إلا أن المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي تعثرت، ما أفضى إلى إجراءات إسرائيلية عقابية جماعية، أغلقت إسرائيل على إثرها سوق العمل لديها وفرضت حظراً على التنقل بين المناطق الفلسطينية.

حيث حولت هذه الإجراءات وظيفة المساعدات الخارجية من وظيفة تنموية إلى وظيفة تعويضية عن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن هذه الإجراءات، التي اتسعت لتصبح مالية وأمنية وإدارية، الأمر الذي أثر سلباً على البيئة الاستثمارية في مناطق السلطة الفلسطينية.

وينبغي الإشارة إلى أن المساعدات الدولية لم تتم وفق خطة تنموية شاملة بمشاركة السلطة، حيث غلب عليها رؤية المانحين لمجالات إنفاق مساعداتهم، وتطبيق برامج تروج لأجندتهم، بدون أي تنسيق مع المؤسسات الرسمية أو المحلية. الأمر الذي يزيد من نفوذ هذه المؤسسات على حساب الهدف الوطني.

وبقيت مسالة الاشتراطات السياسية المقترنة بالتمويل، تمثل العائق الأساسي أمام عملية تحقيق التنمية، حيث أضحى أحد أهم الوسائل المتعلقة بفرض التوجهات الليبرالية الجديدة، وحماية مصالح إسرائيل كونها أداة تنفيذ هذه الوسائل في منطقة الشرق الأوسط. قياساً على ذلك فقد كانت قيمة التعهدات المالية المخصصة في الفترة ما بين 1994- 2003 حوالي 7365 مليون دولار، حصة الولايات المتحدة فيها هي الأكبر بنسبة بلغت 1450 مليون دولار، حيث كانت أموال التنمية الدولية للولايات المتحدة توجه إلى تنفيذ المشاريع التي تحظى بموافقة سلطات الاحتلال فقط.

ويعتبر المثال الأمريكي الأكثر وضوحاً في مجال المساعدات المشروطة، حيث بقيت هذه الأموال رهناً بموافقة "لجنة اعتمادات العمليات الخارجية" في الكونجرس الأمريكي، ويعتمد تدفق هذه الأموال على توفر مجموعة من المتطلبات السياسية والأمنية الضاغطة على الفلسطينيين.

ويبدو واضحاً أن الغاية من المساعدات الأمريكية، ضمن إطار التمويل الدولي، لم تعنى أبدا بتنمية المجتمع الفلسطيني، وكان القصد من وراءها جعل الحياة اليومية للفلسطينيين تحت الاحتلال أكثر استساغة.

عمل التمويل الدولي كذلك، على استقطاب القيادة السياسية والمدنية في إطار تدخلاته التنموية وتكوين قيادات جديدة، باعتبار ذلك بداية العمل من اجل استدامة عملية التنمية وتفعيلها.

ساهم هذا الأمر في انشغال العاملين في المؤسسات التنموية عن أهدافهم الرئيسية في العمل على دفع عجلة التنمية، وتحقيق مستويات أفضل للفرد والمجتمع لتدخل في بوتقة العمل المهني والإجرائي الذي يهدف إلى تقوية العلاقة بين المؤسسات المحلية والدولية دون الإلتفات إلى متطلبات المجتمع وفق المنظور التنموي.

إن أسلوب واشتراطات التمويل الدولي والتي تقضي الالتزام بالتوجهات الليبرالية الجديدة، مقابل استمرار الدعم، يضعه في تناقض بين ما يفرضه وبين ما تفرضه المعطيات الجديدة على أرض الواقع.

ففي حين أن الانتخابات كوسيلة ديمقراطية للوصول إلى السلطة وتعتبر توجها ليبرالياً من بين التوجهات التي يتقيد بتنفيذها برنامج الممولين، إلا أن تطبيقها وبالكيفية المطلوبة قد يأتي بنتائج تعكس حقيقة الأهداف الكامنة في سياسة الممولين. فهو من جهة تعبير عن حالة الرفض الفلسطيني للبرنامج التنموي والسياسي السابق، وأملاً في تحقيق سياسة تنموية جديدة، ومن جهة أخرى، أدى وقف المساعدات والدعم المقدم للفلسطينيين إلى تبيان حقيقة الممول ومساعداته الهادفة إلى الاحتواء المجتمعي في إطار الليبرالية الجديدة.

إن ردة الفعل السلبية هذه تجاه فوز حركة حماس، تبين بجلاء التناقض ما بين الشعار والتنفيذ، وتبين الحاجة الملحة إلى التفرقة ما بين الديمقراطية التي تهدف إلى الاهتمام بحقوق المواطن على حساب الحقوق الوطنية، وأخرى تهدف إلى حماية مصلحة الشعوب وحقها في تقرير المصير.

ذلك أن سياسة التمويل الدولي والمقترنة منذ بداية دخول السلطة، تبقى العامل الأساسي في لعب دور المعيل، خاصة مع حالة الفساد التي تتخلل مؤسسات السلطة، وتفكك الجماعات المحلية المؤسسة على مبادئ العمل الطوعي، وتثير حالة وقف المساعدات هذه عدة نقاط:

 استمرار وقف المساعدات يعني زيادة أعباء المواطنين، كذلك الفقر والبطالة.

 فضح سياسات الممولين، فإن كانت الأهداف المعلنة كنشر الديمقراطية والثقافة وحرية التعبير تغطي الأهداف المضمرة، إلا أن هذا من شأنه رفع الغطاء عنها.

 تأصيل ثقافة مجتمعية "ناقمة" على الوضع العام، وتفجر بالتالي صراعات بين الداخل والخارج لا تنتهي.

وبنظرة مجملة على طبيعة التمويل الدولي، منذ بدايات دخول السلطة، فإنه لا يمكن إلا بالنذر القليل ملاحظة مدى مساهمته في توفير مقومات نجاح العملية التنموية، نظراً لمساهمته في الفترة ما قبل الانتخابات التشريعية الأخيرة، وبالتحديد فترة الانتفاضة، بالعمل على إعادة بناء وترميم ما دمره الاحتلال، والعمل بعد الانتخابات على زيادة نسبة الفقر والبطالة والتدمير المجتمعي من خلال سياسة قطع المساعدات والتمويل.

فيما يتعلق بالمشاركة المجتمعية، ساهمت المساعدات بتعزيز هذا المبدأ بشكل محدود، ولكنها لم تعمل على دمج المفهوم في المشاريع التي تدعمها، بحيث يصبح المستفيدون من المشاريع مشاركين في صياغة واتخاذ القرارات المتعلقة بمجتمعاتهم.

وتشير التقارير إلى أن الناتج القومي الإجمالي للأراضي الفلسطينية، نما بمعدلات سالبة بلغت في العام 1993 (3،5%)، وفي العام 1995 (10،1)، وفي العام 1996 (2،9%)، في حين تحققت معدلات نمو موجبة خلال العام 1998 بنسبة 18%، وكذلك في العام 1999 بنسبة 8،2%.

إن حجم التمويل الدولي خلال الفترة السابقة، لم يخلق ظروفاً بنيوية لتحقيق تنمية بشرية مستدامة، بسبب استمرار الاحتلال والحصار، لذا فإن الاعتماد عليها أصبح كبيراً، مما يفرض استحالة الاستغناء عنه.

فالتنمية البشرية المستدامة، تتطلب بنية تحتية مؤسساتية ومادية تشجع على "الاستثمار في عملية السلام"، من خلال حق الشعب الفلسطيني بالتنمية الذي لا بد وأن يترافق مع الحق في تقرير المصير.

ويمكن الإشارة هنا، إلى أن المساعدات لم توظف وفق خطة تنموية مدروسة وواضحة، ولهذا فإن تراجع حجمها أو توقفها -كما هو جاري منذ فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية- سيترك آثاراً سلبية مباشرة وواسعة على الأوضاع الحياتية للفلسطينيين، وتحديداً على الفئات المهمشة والضعيفة.

الأمر الذي يتطلب العمل على صياغة سياسة فلسطينية داخلية، ترتقي للتعامل مع سياسة التمويل الدولي، وفق متطلبات الداخل الفلسطيني، دون الاكتراث بالأجندات المفروضة من الخارج، وإعادة الاعتبار للبرنامج الوطني الفلسطيني بين مختلف القطاعات والمراكز الفلسطينية وفق أسس مشتركة.





القسم الثاني: متطلبات تحقيق التنمية في فلسطين

القسم الثاني

متطلبات تحقيق التنمية في فلسطين.

يسود الاعتقاد بصعوبة تحقيق التنمية في فلسطين، نظراً للإشكاليات الكثيرة والمتداخلة ما بين خارجية وداخلية والتي تدفع نحو تقليل فرص تحقيق التنمية في المجتمع الفلسطيني، إلا أن تذليل هذه الصعوبات يتوقف بالدرجة الأولى على الوضع الداخلي الفلسطيني، والعمل بالتالي على بناء أسس جديدة تدفع نحو تقوية النسيج السياسي والمجتمعي، لما في ذلك من إسهام مباشر في خدمة عملية التنمية، وبالتالي إمكانية تحقيقها (الفصل الأول). ويبقى التوافق الفلسطيني الداخلي بين مختلف القوى والقطاعات الفاعلة من مؤسسات رسمية وتنظيمات سياسية وجمعيات مجتمع مدني، يمثل آلية فاعلة إذا ما تم، نحو إكمال الحلقة المفقودة، ليس على الصعيد التنموي فقط، بل على صعيد تحقيق الأهداف العليا للشعب الفلسطيني كالاستقلال وتقرير المصير (الفصل الثاني).

الفصل الأول

تقوية النسيج السياسي والمجتمعي: نحو أسس جديدة


لا شك أن التركيبة السياسية والاجتماعية في الأراضي الفلسطينية تتطلب درجة كبيرة من الوعي والعمل نحو بناءها على أسس جديدة، تسترعي بالأساس تحقيق مستويات أفضل من التنمية في المجتمع الفلسطيني، حيث يتطلب ذلك العمل باتجاه تفعيل دور المؤسسات الفلسطينية كافة، سواء الرسمية أو المجتمعية، وذلك لخدمة أغراض التنمية وسبل تحقيقها (المبحث الأول). ويعتبر تطوير علاقة السلطة الفلسطينية بالتشكيلات المجتمعية المختلفة من منظمات مجتمع مدني وتنظيمات سياسية، دافعاً جديداً نحو خدمة عملية التنمية والسعي إلى تحقيق أفضل الدرجات فيها (المبحث الثاني).

المبحث الأول

تفعيل دور المؤسسات الفلسطينية لخدمة أغراض التنمية


لا شك أن تفعيل دور المؤسسات الفلسطينية على اختلافها- رسمية ومدنية- تقتضي بداية الالتزام بالمبادئ القمينة للعمل التنموي على الصعيد العالمي (المطلب الأول). والعمل على إدخال إصلاحات جديدة ومعالجة أوجه الخلل التي تعتري عمل المؤسسات الفلسطينية، سواء كانت رسمية أو تابعة للمجتمع المدني (المطلب الثاني).

المطلب الأول

الالتزام بمبادئ العمل التنموي

إن تحقيق التنمية في مجتمع ما، يتطلب بالأساس وجود بيئة ملائمة، تشكل أساساً لتحقيق هذا المفهوم، ولما كانت البيئة الفلسطينية متأثرة إلى حد كبير بدرجة الفساد الذي تعاني منه السلطة الفلسطينية، وغياب منهجية واضحة من قبل التشكيلات المجتمعية المختلفة للتصدي لأوجه الفساد هذه، ناهيك عن الشكل المتجدد للإعاقة الممارس من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.

إلا أن الالتزام بتجسيد مفهوم التنمية في المجتمع الفلسطيني بات يفرض نفسه بدرجة كبيرة، نظراً لحالة الانكشاف التي يعاني منها هذا المجتمع، وقد تتطلب مسألة الإصلاح وقتاً كي يتمكن المجتمع من مسايرة الوقائع الجديدة التي باتت تفرضها متطلبات التنمية، إلا أن العمل على تطبيق المبادئ الأساسية للتنمية والالتزام بها مؤسساتياً (أولاً)، ومجتمعياً (ثانياً)، قد لا يحتاج إلى وقت، خاصة إذا كانت هذه المبادئ جوهرية في العمل التنموي، وغير خاضعة للمناقشة والتأويل.

أولاً// على المستوى المؤسساتي.

إن الحديث عن دور المؤسسات الفلسطينية الرسمية في إحداث التنمية، عن طريق التزامها بمبادئ العمل التنموي، يتطلب بالدرجة الأولى توفر هذه المؤسسات على نوع من الاستقلالية والقدرة على مواجهة الفساد وتبعاته، فقد بدا واضحاً من خلال ما سبق، ومن خلال ما تعاني منه المؤسسات الرسمية للسلطة الفلسطينية، درجة الفساد التي وصلت إلى حد الإعاقة التامة لأي عمل من شأنه النهوض بهذه المؤسسات نحو إرساء دعائم أصيلة لعملية التنمية المنشودة، والحديث عن الفساد في مؤسسات السلطة، لا يعني الفساد المالي فقط، بل والسياسي منه الذي يقود إلى تحرير خطط سياسية لا تساير الواقع، ولا تستجيب إلى أولويات التنمية.

وقد يكون من شأن إعمال مبادئ الرقابة والمحاسبة والشفافية في مؤسسات السلطة، وقع كبير على تحرير خطط تنموية تستطيع النهوض بالحالة الفلسطينية نحو مستويات أعلى، حيث يعني مبدأ الشفافية، تدفق وعلانية كامل المعلومات التي تتعلق بالتسيير المؤسساتي وإجراءاته في الإدارات الحكومية، أما مبدأ المساءلة فيعني محاسبة المسئولين والموظفين الذين ثبت في حقهم ارتكاب الخروقات والخروج عن مقتضيات القانون المنظم لمهامهم.

إن غياب أي تفعيل لهذه المبادئ، من شأنه إبقاء المسافة على اتساعها ما بين المجتمع وغاياته في تحقيق تنمية تساعده على تحسين متطلبات العيش الكريم في ظل هذا الواقع، وما بين المؤسسات التي من شأنها تقديم كل العون له.

إلا أن الدولة عليها القيام ببعض النشاطات المطلوبة لإحداث التنمية المستدامة، كتوفير السلع العامة، من منافع عامة وطرق وتعليم ورعاية صحية وضمان اجتماعي، كذلك توفير بيئة قانونية تحفز وتحمي الاستثمار، وحماية حرية التنظيم والمشاركة، بالإضافة إلى حريات الرأي والتعبير.

وهذا من شأنه التقليل من وقوع حالات التسيب والخروج عن القوانين، وضبط التسيير الإداري، والحد من مظاهر الاختلاس وهدر المال العام ومكافحة المحسوبية، فهناك في المجتمع الفلسطيني شبه إجماع على أهمية بناء المؤسسات بناءاً رشيداً، يحقق الأرضية والبيئة الملائمة لتنمية بشرية مستدامة، قائمة على التعاون والشراكة التي ينظمها ويضمنها القانون.

ويبرز في هذا الإطار وضمن عمل الدولة لإحداث التنمية، ضرورة الاعتماد على التخطيط كأداة في ذلك، نظراً لأنه الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها تحقيق أفضل تعبئة ممكنة للموارد واستخدامها بأفضل صيغة ممكنة لتحقيق الأهداف التي يجري تحديدها مسبقاً. ولا شك أن التخطيط السليم يعتبر حلقة وصل بين حاجات سكان المجتمع المحلي المستحدثة، وبين الخدمات الاجتماعية التي يفترض أنها تشبع تلك الحاجات. وهذا يتطلب بالدرجة الأولى العمل من قبل مؤسسات الدولة على ضرورة استكمال مهام التحرر الاقتصادي، والذي يزداد يوماً بعد يوم تخلفاً وتبعية وارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي.

وضمن إطار هذا التخطيط، تبرز الحاجة إلى تنمية القطاعات التي تتميز بدرجة عالية من الدينامية والدفع بعملية التنمية وخاصة قطاعي الزراعة والصناعة، وأن يكون توجه هذه التنمية نحو إشباع الحاجات الأساسية لغالبية السكان.

ويبرز في هذا الإطار العديد من السياسات، والتي من شأن إتباعها الإسهام في تعزيز الدعائم الأساسية لتنمية مستدامة، في مجالات عدة، كالاستثمار والادخار والمالية. فسياسة الاستثمار تعني تحديد الأولويات التي يتم بناءاً عليها اختيار المشروعات الاستثمارية في إطار عملية التنمية، بما يتضمنه ذلك من تحديد لحجم الاستثمار وتوزيعه على مجالات مختلفة، لتشكيل حلقة تكاملية لوضع اقتصادي جديد.

حيث يتعين على السلطة إقرار القوانين اللازمة لترسيخ اقتصاد السوق الحر، خصوصاً قانون تشجيع المنافسة وقانون الاستثمار، وإنشاء مجلس مشترك للمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص لاستقطاب الاستثمارات الخارجية، ووضع الخطط الكفيلة بتأهيل القطاع الخاص الفلسطيني للاندماج الاقتصادي والانفتاح التجاري على العالم الخارجي.

كذلك وضع خطط وطنية سنوية للترويج للمنتجات والخدمات الفلسطينية في الأسواق العربية والدولية، مع الأخذ بعين الاعتبار المجالين السياحي والفندقي كونها تعاني من النقص الشديد في الاستثمار فيها.

وفي سياسة الاستثمار يبرز نوعان من السياسات، هما سياسة النمو المتوازن، التي تعني بأن برامج التنمية يجب أن تكون شاملة لكافة القطاعات، نظراً لوجود تشابك بين بعضها البعض، ولأن كل قطاع يمثل سوقاً لناتج القطاع الآخر، ولكن يبقى الاختلاف حول تحقيق الهدف من أجل التنمية المنشودة وإحداث التغيرات الجذرية على المستوى الكلي للاقتصاد الفلسطيني. وسياسة النمو غير المتوازن، التي تعني بتركيز من قبل الدولة على قطاع رئيسي ورائد في المجتمع، بحيث يؤدي هذا القطاع إلى جذب القطاعات الأخرى لمرحلة النمو المتوازن، مما سيؤدي إلى تحقيق التنمية المطلوبة على مستوى القطاعات الأخرى.

وعلى السلطة الفلسطينية والمؤسسات التابعة لها، الاختيار والتوفيق بين هاتين السياستين بما يخدم المواطن والمجتمع في السعي نحو تحقيق التنمية المنشودة. مع الأخذ بعين الاعتبار الركود والجمود الذي يعاني منه الاقتصاد الفلسطيني، نتيجة إغلاق المعابر وإقفال مجالات العمل داخل إسرائيل، وصعوبة تمكن الفلسطينيين من استثمار مواردهم.

فيما يتعلق بسياسة الادخار، فإنها تمثل أهمية كبيرة في عملية التنمية، كونها ترتبط بتمويل هذه العملية أو بتمويل الاستثمارات اللازمة لتحقيق التنمية، وأن التمويل ينبغي أن يتم أساساً بالاعتماد على التمويل المحلي، نظراً لأن التمويل الخارجي يخضع لظروف كثيرة ومتغيرة، الأمر الذي يجعل منه غير ثابت وغير مؤكد، ويرتب على الاقتصاد أعباء سداد الفوائد والأقساط. بالإضافة إلى المشروطية السياسية المرفوقة دائماً بسياسات التمويل خاصة الحالة الفلسطينية، وبالتالي فإن المحاذير التي ترافق الاعتماد على الموارد الخارجية في تمويل عملية التنمية، تستدعي الاعتماد على الموارد المحلية والتي تمثلها الادخارات المحلية من الدخل القومي.

أما السياسة المالية، فتعني مجموعة الإجراءات التي تتخذها الدولة بما يتصل بنفقاتها وإيراداتها، فالعمل على تحديث دور هذه السياسة يرجع إلى كونها ركيزة أساسية للسياسة الاقتصادية، حيث تستطيع الدولة من خلالها استخدام أدوات السياسة المالية للوصول إلى الأهداف الاقتصادية الكلية، المتمثلة بشكل رئيسي في الاستقرار النقدي، واستقرار معدلات التضخم وعمليات التشغيل الكامل، والتوزيع العادل للدخل، وتحقيق النمو الاقتصادي.

إلا أن السياسة المالية للسلطة نجدها تتراوح ما بين الأداء الجيد من عدمه، نظراً لتزايد الطلب على الخدمات الحكومية بفعل النمو السكاني والأوضاع السياسية غير المستقرة، بالإضافة إلى استحداث بند الرعاية الاجتماعية، الأمر الذي أدى إلى تزايد الضغوط الإنفاقية على خزينة السلطة الوطنية الفلسطينية. أضف إلى ذلك مماطلة الجانب الإسرائيلي في تحويل إيرادات المقاصة الشهرية إلى حساب وزارة المالية الفلسطينية، لاعتماد هذه الأخيرة بشكل كبير على هذه التحويلات، وقد تصل إلى درجة الأزمة الخانقة كما هو الحال منذ استلام حركة حماس الحكم في السلطة الفلسطينية، نظراً لانقطاع هذه التحويلات بالكامل.

ولا شك أن مؤسسات السلطة في إطار التزامها بمبادئ العمل التنموي لا ينقصها الكثير سوى العمل على إصلاح ذاتها وفق خطة تنموية يشارك في إعدادها وتنفيذها الجميع، مع التذكير دائماً بحالة الانكشاف التي يعاني منها المجتمع الفلسطيني وخضوعه لهذه اللحظة إلى الاحتلال وتأثير السياسات الدولية المختلفة.

فمؤسسات السلطة تملك جميع الموارد البشرية والمادية والرمزية المطلوبة لرسم السياسات التمكينية المطلوبة، وتمتلك الشرعية لكونها جزءاً من النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي القائم، وكذلك القدرة على التأثير في عدة مجالات كتغيير القوانين بهدف تشجيع خيارات الأفراد وتوسيعها، والتأثير على المنظومة القيمية والثقافية السائدة التي تعيق الانخراط الكامل للأفراد والفئات الاجتماعية المختلفة في العمليات التنموية.

كما أن هذه المؤسسات تمتلك هوامش واسعة لتحسين نوعية الحكم وتكريس المشاركة والإبداع، وتدعيم تقاليد المسائلة والمحاسبة في المجتمع ككل، حيث أن مفهوم التنمية البشرية الانعتاقية في الكيان الفلسطيني، يعني الدمج المحكم بين متطلبات العملية السياسية، ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لذلك فإنه يتعين على المؤسسات القيادية الفلسطينية أن تطرح برنامجاً اقتصادياً واجتماعياً لكل مرحلة، بحيث تأخذ المؤسسات المعنية كمجلس الوزراء، دوره كقائد للعملية التنموية.

إن من شأن ذلك دعم صمود المجتمع في وجه التحديات الممارسة من قبل الاحتلال، كذلك تجسير الهوة بين الشكل الحالي للمؤسسات الفلسطينية، والشكل المرجو منها وفق مقتضيات مبادئ العمل التنموي.


ثانياً// على المستوى الشعبي.

تسعي التنمية البشرية الانعتاقية في الحالة الفلسطينية إلى الدمج بين متطلبات التحرير والتنمية البشرية، حيث تسعى هذه الأخيرة إلى وضع الإنسان وحقوقه في مركز القرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتنظر إلى الحقوق الجماعية كالحق في التنمية وتقرير المصير كجزء لا يتجزأ من عملية حراك مستمرة للوصول للتحرر الإنساني بمفهومه الشمولي.

ولما كان الفرد هو أساس هذه التنمية، فإن السعي إلى تعزيز الحياة الكريمة وتهيئة مناخ ملائم له للاستفادة من قدراته ومشاركته المجتمعية، إنما يفرض بالأساس التعرف على اهتماماته واحتياجاته وتنميتها.

لذلك فإن دور القيم في توجيه سلوك الفرد نحو المساهمة في عملية التنمية مهم، كونه يرتبط بعلاقة وثيقة بالتنشئة الاجتماعية، فالوسط السوسيوثقافي الذي يعيش فيه الفرد بكل ما يتميز به من نظم وتقاليد وأعراف اجتماعية، تمارس عليه تأثيرا مباشراً أو غير مباشر، بشكل يؤدي إلى بلورة قيمه وتوجهاته نحو إسهامه في عملية التنمية.

ولما كان هذا الوسط يتميز بالمواجهة المباشرة مع الاحتلال، فيمكن ملاحظة أن الشغل الشاغل للفلسطينيين خلال هذه المرحلة، تمثل في إعداد خطط المواجهة مع الاحتلال، وتوجه الأفراد من أجل المعيشة نحو ما يشبه الاكتفاء الذاتي في تأمين الغذاء والشراب والملبس، لما يكفي استمرارية العيش والاستقرار العائلي.

وبالرغم من أن هذه المظاهر تعتبر في الحالة الفلسطينية إسهاما كبيراً في المحافظة على ديمومة المجتمع والثقافة والتراث، إلا أنها تجتزأ كثيراً من متطلبات التنمية الساعية إلى مشاركة الأفراد في الحياة السياسية، والتطور الاقتصادي والاجتماعي، لأي مجتمع يسعى إلى النهوض بطاقاته البشرية نحو التمكين والتنمية.

ومن هنا تأتي أهمية الحرية الفردية والمجتمعية، كحرية المشاركة السياسية أو فرص الحصول على التعليم الأساسي أو على الرعاية الصحية، كونها من المكونات التأسيسية للوصول بالتالي إلى التنمية المنشودة.

بشكل عام فإن اهتمام البلدان بمواردها البشرية يعد عنصراً أساسياً في عملية نموها وتقدمها، حيث تشمل تنمية الأفراد عن طريق تعليمهم وتدريبهم، وتطوير التنظيمات التي يعملون من خلالها على تحقيق مصالحهم، والمشاركة في العملية التنموية العامة.

وتعتبر مشاركة الأفراد، العنصر الأهم في المساهمة في تحقيق التنمية داخل المجتمعات، بعد أن كانت مغيبة لحقب طويلة، نظرا للاهتمام المتزايد لتلبية احتياجات الأفراد الأساسية من مأكل وملبس ومسكن وتعليم وصحة، إلا أن هذه الحريات تعد حاجات أساسية، الأمر الذي استرعى إشراك الأفراد في عملية التنمية، كونه أحد المقومات الأساسية في نجاح أي تجربة تنموية.

وقد تعددت تعريفات المشاركة بتعدد الباحثين والدارسين، إلا أن ما نعنيه هنا هو مفهوم المشاركة حول ما يتصل بتنمية المجتمع من خلال تنظيمات محلية تجمعها وحدة الهدف، سواء كانت المشاركة بالجهد أو الوقت أو المال، وأن تتسم بالاختيارية لا بالإجبار.

وهنا يقترب مفهوم المشاركة من مفهوم حق تقرير المصير، على أساس أن المشاركة تعد بمثابة ممارسة حق تقرير المصير، فمن خلالها يتمكن الفرد من تحديد طريقة حياته والعمل على رفع مستوى هذه الحياة بما يتفق وتطلعاته.

ففي ظل الوضع الاجتماعي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، واستمرار الاحتلال وما تعانيه المؤسسات الحكومية من ضعف في الأداء خاصة القانوني، تبرز ضرورة الاهتمام بعناصر تكوين شخصية الإنسان الفلسطيني، بما يؤهله لإقامة مجتمع القانون واحترام حقوق الإنسان وتأكيد النظام كأساس وطريق لتحقيق الأهداف، والحد من التطلعات الذاتية على حساب الصالح العام.

فالمشاركة في تخطيط برامج التنمية للمجتمع تؤكد على فاعلية الفرد في صياغة القرارات التي تحدد رفاهيته، وتدعم بالتالي الديمقراطية داخل المجتمع.

إن المشاركة المعنية هنا، هي المشاركة المنظمة أو التي تتبع منظمات في المجتمع مسئولة عن تحقيق الأهداف، حيث يوجد الكثير منها يشترك في بعض السمات البنائية والوظيفية، ينتمي إليها الفرد لتحقيق اشباعات متعددة، وتهتم هذه الجماعات بمشكلة معينة، أي يمكن أن يجمع بين المشاركين وحدة المشكلة.

لذلك نجد أن حجم مشاركة الأفراد في المجتمع الفلسطيني، قد اخذ يزداد بوتيرة تساير التطورات المتلاحقة، فمن ناحية نجد أن المشاركة اتخذت طابع المواجهة والتحدي لسياسات الاحتلال، ومن ناحية أخرى اتسمت بالوقوف عند بعض ممارسات السلطة الفلسطينية، التي لم تلق قبولاً لدى السواد الأعظم من الشعب الفلسطيني، لتعود مرة أخرى هذه المشاركة وبفاعلية أكبر لمواجهة العدوان المستمر من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

في هذا الإطار تبرز ضرورة القيادة في المشاركة، فتوفر قيادات ذات توجه إنمائي، مصممة وذات رؤية واضحة في جميع مجالات الحياة، يعد معياراً مهماً للانطلاق نحو عملية تنموية شاملة وتكاملية في المجتمع، وينبغي أن يقترن ذلك بضرورة تمتع الشعب بقدر واسع من المشاركة السياسية، والحريات والحقوق الأساسية، وبذلك يكون قادراً على التعبير عن حاجاته واختياراته الحقيقية.

وعلى هذا الأساس فإن وجود قيادات محلية تقود عملية المشاركة، يمثل ضرورة تنموية، حيث يقوموا في الغالب بالتعبير عن حاجات أفراد المجتمع الذين غالباً ما يكونوا غير قادرين على مواجهة مشكلاتهم.

وارتباطاً بمفهوم المشاركة، فإن العمل على تحقيق تنمية بشرية شاملة ومستدامة يتطلب إيجاد آليات فعالة في دمج فئات حيوية لا تستثمر قدراتها على المستوى المطلوب في عملية التنمية، ومن ضمن هذه المجموعات:

1/ اللاجئون الفلسطينيون: حيث لا يمكن تغييب قضية اللاجئين بأبعادها التنموية السياسية عن بال أي مخطط للتنمية في فلسطين، فبالإضافة إلى البعد السياسي والإنساني، فإن أي خطة ناجحة للتنمية لا بد لها أن توازن بين الحقوق الوطنية للاجئين والحقوق الإنسانية لهم، إذ يشكل اللاجئون غالبية سواء على الأرض الفلسطينية أو خارجها، لذلك فإن عملية دمجهم أو دمج طموحاتهم في العملية التنموية بحاجة إلى بحوث وجهود مستفيضة على مستوى القوى الاجتماعية وصناع القرار.

2/ النساء الفلسطينيات: تشكل النساء نصف المجتمع الفلسطيني، وفي الوقت الذي لم تتوانى النساء الفلسطينيات عن المشاركة الفعالة في العمل الوطني والتنموي، لم يتوازن في المقابل حجم هذه المشاركة مع الحقوق التي يتحتم على المجتمع الفلسطيني إقرارها لهم.

3/ القدس ومناطق (ج): تتعرض القدس لحملة تهويد تؤثر على مستقبل سكانها السياسي والتنموي، وتعاني من مشكلات اجتماعية مثير للقلق، لذلك يتعين العمل على التنسيق مع كافة الجهات الدولية للعمل على تحسين مستوى المعيشة لدى غالبية سكانها ودمجهم في الخطة التنموية الفلسطينية، كذلك مناطق (ج) والتي هي بحاجة إلى جهد منظم من السلطة الفلسطينية في مجالات البنية التحتية والبرامج الاجتماعية والعمل على دمجها مع المناطق التي تملك السلطة الفلسطينية السيادة عليها.

4/ الشباب والأطفال: حيث أن المجتمع الفلسطيني هو مجتمع فتي، فإن التعامل مع مسألة التنمية فيه تتطلب حنكة كبيرة في مجال دمج مصالح الأجيال المستقبلية في عملية البناء الجاري، ولا بد أن تصبح مصلحتهم أحد المعايير الأساسية في تقييم مدى تنموية الخطط والمشاريع المختلفة.

وبالتالي قد يساعد هذا الأمر على مواجهة مشكلات أعمق تتصل بالبنية المؤسساتية للدولة كون ذلك يعد الهدف الرئيسي من وراء تمكين الأفراد من المشاركة المجتمعية، وقدرتهم بالتالي على التأثير في مختلف مناحي المجتمع الذي يشكل إطاراً للتعايش السليم والمشترك.

المطلب الثاني

إدخال إصلاحات على الوضع المؤسساتي القائم

إن الوقوف عند حالة المؤسسات الفلسطينية سواء كانت حكومية أو غير حكومية، يتطلب درجة كبيرة من الإمعان فيما تقدمه هذه المؤسسات من خدمات للصالح العام، ونظراً للفساد الذي اعترى مؤسسات السلطة والذي أشرنا إليه سابقاً، فإنه لا يمكن أن نلمس أي تقدم على صعيد تحقيق التنمية في المجتمع الفلسطيني، الأمر الذي يستوجب معالجة كل أوجه الخلل الذي يعتري هذه المؤسسات (أولاً). ولا شك أن دور المؤسسات الأهلية والغير حكومية لا يقل عن دور مؤسسات السلطة، كونه المكمل لعملها في حالة غيابها، إلا أنها في الوقت ذاته لم تسلم من بعض أوجه الخلل الذي طالها، نتيجة استشراء المصالح الشخصية على حساب الصالح العام، مما يتطلب العمل على تحسين أدائها وفق ما يقتضيه الالتزام بتحقيق التنمية في المجتمع (ثانياً).

أولاً// معالجة أوجه الخلل في مؤسسات السلطة.

لا شك أن معالجة أوجه الخلل في مؤسسات السلطة تتطلب الشروع في إجراء إصلاحات جوهرية على الصعيد الإداري والرقابي، لأن من شأن ذلك ضمان التسيير الفعال لهذه المؤسسات، الأمر الذي ينعكس ايجابياً على المالية العامة للسلطة والوضع الاقتصادي والاجتماعي برمته.

فعلى الصعيد الإداري، يجب العمل على إنهاء حالة الازدواجية والتداخل والتضخم الوظيفي داخل الوزارات والمؤسسات التي تتفاعل مباشرة مع الجمهور، من خلال ما يلي:

o ترشيد بنى الإدارات العامة للسلطة بما يتلاءم مع دورها في تمكين المواطن وتوسيع قدراته وخياراته عبر القيام بإعادة الهيكلية الشاملة للإدارة الحكومية، وتحديد المهام والمسئوليات والاختصاصات دون تضارب وحسم النزاع على الصلاحيات.

o إصلاح الهيكل الوزاري، وذلك بدمج الوزارات المتكاملة والمتشابهة في الاختصاصات للرفع من فعاليتها وتدعيم كادرها الفني، والاستفادة بالتالي من النفقات الزائدة وتوجيهها للأنشطة التنموية.

o تطوير العلاقة بين الرئاسة والحكومة والأجهزة الأمنية وبين هذه المؤسسات والمجلس التشريعي، كون ذلك يشكل آلية لإطلاق وإدارة السياسات والمبادرات والتشريعات التمكينية اللازمة لتعزيز صمود الناس على الأرض أمام سياسات الاحتلال.

o الالتزام بما ورد في قانون الخدمة المدنية بشأن ديوان الموظفين واختصاصاته وتطبيق أحكام هذا القانون خاصة الشق الإداري.

o تعزيز القدرة التنافسية للقطاع الحكومي على استقطاب الكفاءات الوظيفية المطلوبة والحفاظ على استمراريتها في العمل، وإخضاع عمليات التوظيف لاحتياجات الهيكل الوظيفي والتنظيمي.

o إعادة تنظيم المؤسسة الأمنية، بما يراعي حماية مصالح الشعب واحتياجاته وإخضاعها بالكامل لوزارة الداخلية.

وفيما يتعلق بالمؤسسات الخدمية، خاصة المعنية بالصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية، ونظراً لإسهامها المباشر في عملية التنمية، فقد كانت أكثر نجاحاً من غيرها من المؤسسات من زاوية تقديم الخدمات، إلا أنه يبقى من الضروري زيادة حجم خدماتها لتشمل جميع المناطق والفئات والمجالات.

 ففي مجال الصحة: لا بد من زيادة عدد المراكز والعيادات والوحدات الصحية المتخصصة وتحسين نوعية خدماتها، مع بذل الجهود في توفير الكفاءات والخبرات التي يعاني القطاع الصحي من النقص فيها، وزيادة الاهتمام بالرعاية الصحية الأولية والوقائية وتحسينها نوعياً.

 في مجال التعليم: لا بد من النهوض بالمستوى العلمي للمؤسسة التعليمية، خاصة فيما يتعلق بنوعية المعارف التي تقدم ومستوى العاملين فيها وأساليب عرضها وتلقيها، وكذلك من زاوية درجة تناسبها مع الطبيعة الخاصة لمتطلبات المجتمع الفلسطيني.

 أما بخصوص وزارة الشؤون الاجتماعية: فإنه ينتظر منها القيام بإعداد الخطط والبرامج المناسبة لمجابهة مشكلتي البطالة والفقر، وتطوير استراتيجية شاملة ليس فقط لمجابهة هاتين المشكلتين، وإنما هبوط مستوى الحياة أيضاً.

 تشكيل لجنة طوارئ من المؤسسات المعنية نوعاً ما بالتنمية كوزارة المالية، ووزارة التخطيط، والزراعة، بحيث يكون هدفها تنسيق جهود هذه الوزارات وتوحيدها في ترتيب أولويات التمويل، حيث بات ملحوظاً حدة التناقض بين برامج التنمية والإغاثة التي يتم تنفيذها وبين الاحتياجات الفعلية للمجتمع.

أما رقابياً، فإنه يجب العمل على إحياء دور هيئة الرقابة العامة، لما في ذلك من ضبط عمل المؤسسات الحكومية، كون الهيئة تشكل نظاماً للمراجعة والمحاسبة والقدرة على متابعة ومساءلة المسئولين عن الانحرافات والخروقات في المؤسسات الحكومية.

إن من شأن إصلاح البنى الإدارية والمؤسساتية وتفعيل دور هيئة الرقابة العامة، أن يسهم في تطوير السياسة المالية للسلطة، حيث تسهم هذه الأخيرة بشكل مباشر في ارتفاع وانخفاض مؤشرات التنمية في المجتمع الفلسطيني.

لذلك فإن تطوير السياسة المالية للسلطة الفلسطينية، ومن ثم تحديث نظامها المالي يتطلب من هذه السلطة العمل على:

- التزام السلطة التنفيذية بتقديم الميزانية التي تعدها وزارة المالية للسلطة التشريعية لمناقشتها والمصادقة عليها، وينبغي أن تحتوي الميزانية كل الواردات والمصروفات العامة.

- التأكيد على أهمية ومركزية عمل وزارة المالية ووضع حد لتعدد مصادر القرار والمرجعيات فيها عبر إعادة النظر في هيكلتها بما يضمن وحدة القرار وتنظيم ورقابة الجباية والموارد والاستثمارات في إطار وزارة المالية.

- توحيد حسابات مالية السلطة في حسابات الخزينة العامة في وزارة المالية، وحصر جميع الإيرادات للممتلكات الحكومية والاستثمارات العائدة للسلطة ومؤسساتها، وعدم السماح بتخصيص أي جزء من أموال الخزينة العامة أو الإنفاق لأي غرض مهما كان نوعه إلا وفق ما يقرره القانون.

- إخضاع موارد جميع المؤسسات الحكومية المستقلة التابعة للسلطة الفلسطينية وجميع موجوداتها وعوائدها وأرباحها لإشراف وزارة المالية.

وتشير معظم المعطيات والتحليلات حول موازنة السلطة الفلسطينية إلى ضرورة إعادة جدولة الموازنة العامة بما يشمل:

 التخلص من عبئ الديون والقروض، خاصة تلك التي تنفق في المجالات غير الإنتاجية ولا يترتب عليها مخرجات تنموية.

 إعطاء وزن أكبر لموضوعات التنمية الاجتماعية، مقابل النفقات الكثيرة وغير المبررة.

 إدراج بنود أساسية في تركيبة الموازنة تأخذ بالاعتبار الآثار الإنسانية الصعبة لحالة المواطنين المتضررين من الأوضاع القائمة على الأرض، بما في ذلك ضحايا جدار الفصل العنصري.

 ربط الموازنة العامة باعتبارات الزيادة السكانية وبمصالح الأجيال القادمة وحقها في التعليم والصحة والخدمات والفرص المناسبة والحياة الكريمة.

 إعادة النظر بقانون الموازنة كإطار قانوني للخطة التنموية الفلسطينية لجعله أكثر انسجاماً مع الغايات التمكينية.

كذلك العمل على ضرورة الفصل الكامل بين السلطات الثلاث، من حيث إعادة الاعتبار للمؤسسة التشريعية، عن طريق عدم التدخل في تنظيم العمل الداخلي للمجلس التشريعي، وأن لا يكون هناك أي تدخل في نشاط المجلس، سواء تعلق الأمر بانتخاب رئيس المجلس أو نائب الرئيس أو تنظيم عمل اللجان داخل المجلس.

ودعم استقلال السلطة القضائية، بما يكفل توليها وحدها مهمة الفصل في المنازعات بين المواطنين أو بينهم وبين السلطات العامة، والتزام السلطة التنفيذية بالعمل بشكل متناسق ومتكامل مع السلطة القضائية، بحيث يكون هناك تنفيذ للأحكام التي تصدر عن القضاء بصورة كاملة. والعمل على تحديد صلاحيات كل من وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى، حيث يسود بينهما الخلاف حول توزيع المهام والمسئوليات.

بيد أن معالجة أوجه القصور والخلل في مؤسسات السلطة الفلسطينية وحدها ليست كفيلة لإتمام عملية التنمية داخل المجتمع، دون أن يترافق معها إصلاح المؤسسات المدنية وجمعيات المجتمع المدني، لما لها من أهمية في إكمال عملية البناء المجتمعي وتحقيق التنمية داخل المجتمع.

ثانياً// تحسين أداء المؤسسات الأهلية والغير حكومية.

لعبت منظمات المجتمع المدني على اختلافها دوراً هاماً في تعزيز التكاتف الاجتماعي داخل المجتمع الفلسطيني، وقد تجلى ذلك بالأساس خلال الفترات التي كانت خلالها المواجهة مباشرة مع سياسات الاحتلال الإسرائيلي القمعية.

ولا شك أن أهمية الدور الملقى على عاتق هذه المنظمات، راجع إلى كونها عملت في إطار غياب سلطة الدولة ومؤسساتها. ومع إنشاء السلطة الفلسطينية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، لم يصبح حال مؤسسات المجتمع المدني بأفضل من حال مؤسسات السلطة، حيث تنامى الفساد داخلها، وغاب عنها هيكليات ضابطة لعملها، مما استوجب العمل على إصلاحها لخدمة أغراض التنمية.

ففي ظل هذا التشتت والخلل في أداء منظمات المجتمع المدني، نجدها مطالبة بالعمل على تشكيل قوة موازية للمجتمع السياسي، والابتعاد عن سياسة المصالح الضيقة والاتجاه نحو التعبير عن مطالب الفئات الاجتماعية التي تمثلها، وبالتالي إيجاد الطرق الملائمة لإعادة تشكيل علاقاتها مع السكان المحليين، عبر إيجاد استراتيجيات جديدة تمكنها من المساهمة بشكل فعال في التغيير الاجتماعي.

إن من شأن تجديد الثقة بين مؤسسات المجتمع المدني والأفراد، أن يدعم من عملها وموقفها في مواجهتها المستمرة مع السلطة الفلسطينية، ولا يمكن اكتساب هذه الثقة إلا عبر المعرفة التامة لاحتياجات الأفراد وإشراكهم في العملية التنموية.

ولمعالجة قصور عمل هذه المؤسسات واستشراء الفساد داخل هياكلها، فهي مطالبة بالالتزام بتفعيل آلية المساءلة داخلها، وكذلك التجديد القيادي من خلال تنظيم انتخابات دورية يتم تنظيمها وفق النظام الداخلي لكل مؤسسة على حدة.

وفي إطار الحديث عن المأسسة والشفافية، فإن متطلبات إصلاح عمل مؤسسات المجتمع المدني وتقليص درجة تشتتها لا يخرج عن هذا الإطار، من خلال:

 تفعيل الاتحادات والشبكات العامة القائمة، أو إقامة تكتلات جديدة، وتفعيل هذه الاتحادات والشبكات باتجاه تعزيز مضامين العضوية فيها، وتخطيط وبرمجة عملها.

 إقامة حوار مستدام بين الاتحادات والشبكات، وتنظيم نشاطات مشتركة، والعمل على الوصول إلى بلورة تقاليد ومعايير موجهة لعمل هذه المنظمات، والتي يجب على الكثير منها أن يدرك أن معظم برامجها لا تأتي بفائدة نتيجة التضارب والازدواجية التي تتصف بها أنشطتها.

 تعزيز وتطوير وتشبيك العلاقة بين مختلف المؤسسات الاجتماعية، وعلى مستويين: الأول يرتبط بالعلاقة بين مؤسسات المجتمع التقليدية ومنظمات المجتمع المدني الحداثية، وذلك للربط بينهما باتجاه تفاعل جدلي للسير في طريق التحديث الرشيد، أما المستوى الثاني فيتعلق بتعزيز التشبيك والتنسيق بين مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني على أسس قطاعية وغير قطاعية وجغرافية لتعزيز دورها التنموي/ التمكيني.

 ضرورة الخروج من حالة الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي تعكس حالة فصل أيضاً بين المنظمات غير الحكومية في كل منطقة، وذلك من خلال خلق وبناء الشبكات والاتحادات العامة والقطاعية على نطاق وطني، والتعاون في مشاريع مشتركة بينها، بحيث يشارك فيها منظمات من الضفة الغربية وقطاع غزة معاً.

 ولا يمكن إغفال عنصر الطوعية، الذي يجب أن تتسم به هذه المنظمات، كونه أحد أهم مقوماتها، والذي انتفى تداوله في الآونة الأخيرة نتيجة تدافع هذه المنظمات للاستفادة من أموال المانحين الدوليين.

 العمل على إكساب مؤسسات المجتمع المدني القدرات المتقدمة في الإدارة الحديثة، مثل تحديد المنظور واستخلاص الأهداف العامة ووضع الإستراتيجيات والبرامج والموازنات.

 على منظمات المجتمع المدني العمل على زيادة استقلالها الذاتي عبر تطوير أشكال من الاستقلال المادي، من خلال خلق مشاريع مدرة للدخل أو ما شابه، لتجنب فرض توجهات المانحين الدوليين، والتي تعمق من حالة الاغتراب في المجتمع الفلسطيني، وتزيد من حالة عدم الثقة بين المؤسسة والفرد.

 الاستفادة من خبرة المنظمات الكبيرة، والتي حققت تراكماً في خبرتها في العمل، وفي نسج العلاقات والتعاون مع المنظمات والأطراف الأخرى.

 بناء بنك معلومات عن المنظمات غير الحكومية الفلسطينية وظروف عملها، يساعدها على تجنب التشابك في البرامج، ويعمل على فتح آفاق التكامل فيما بينها، وبناء بنك المعلومات وفق آلية تتيح فرصة الاستفادة من قواعد بيانات جزئية متوفرة لدى بعض المنظمات والشبكات العاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما يسمح بتسهيل الوصول للمعلومات لجميع المعنيين بأقل التكاليف، ويمكن أن يشمل بنك المعلومات البيانات التالية:

 قاعدة بيانات حول المنظمات غير الحكومية المحلية.

 قاعدة بيانات حول المنظمات الأجنبية العاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة، والجهات الممولة ومشاريعها.

 بيانات وملخصات حول الأدبيات والمؤتمرات وورش العمل المتعلقة بنشاط المنظمات غير الحكومية، وبيانات حول النشاطات المخططة لهذه المنظمات على المدى القريب.

 توفير بيانات عن شبكة علاقات هذه المنظمات العربية والدولية.

 إنشاء مركز تدريب إداري توزع مهامه بين الاتحادات والشبكات العامة، ومركز تدريب فني توزع مهامه بين الشبكات القطاعية، ويمكن للمنظمات الرئيسية أن تلعب دوراً فاعلاً في هذا المجال، والتعاون في ذلك مع مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، حيث تعتبر هذه الأخيرة من أهم الروافد للعلمية التنموية، إلا أن المساءلة الحقيقية لها تأتي من مدى مشاركتها في تنمية المجتمع الفلسطيني.

إن من شأن الالتزام بهذه الصيغ من قبل منظمات المجتمع المدني، الرفع من مردودية أدائها على الصعيد التنموي، وبالتالي القدرة على المساهمة في خلق نظام سياسي فلسطيني ذو مرجعية مجتمعية فاعلة تنأى بالمصالح الشخصية والمحسوبية وأوجه الخلل لتحل محلها مبادئ الشفافية والمساءلة واحترام القانون.

إلا أن ذلك لا يمكن إتمامه دون تطوير علاقة هذه التشكيلات المجتمعية بالإطار الجامع وهو السلطة الفلسطينية، عبر تفعيل أسس الشراكة بين مؤسساتها للإسهام بشكل أكبر في تحقيق التنمية المنشودة.

المبحث الثاني

تطوير علاقة السلطة الفلسطينية بالتشكيلات المجتمعية


يقصد بالتشكيلات المجتمعية كل تجمع فلسطيني يضم خلاله أفراد يسعون إلى تحقيق مصلحة مجتمعية، وتنقسم هذه التشكيلات ما بين مؤسسات المجتمع المدني المختلفة من أهلية وغير حكومية، بالإضافة إلى الأحزاب السياسية. إلا أن تطوير علاقة السلطة الفلسطينية بهذه التشكيلات يتطلب الحديث بدايةً عن مقومات تطوير هذه العلاقة (المطلب الأول)، للوصول بالتالي إلى مردودية هذا التطوير في العلاقة (المطلب الثاني) والذي قد ينعكس ايجابياً على عملية التنمية داخل المجتمع الفلسطيني.

المطلب الأول

مقومات تطوير علاقة السلطة بالتشكيلات المجتمعية

لعل الدور الملقى على عاتق مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات السلطة الفلسطينية هو دور تكاملي، يهدف في النهاية إلى إرساء معالم الديمقراطية والتعددية وبناء أرضية نحو الإسهام في عملية تحقيق التنمية.

إلا أن السلطة الفلسطينية مطالبة أكثر من غيرها بالعمل على تطوير العلاقة بينها وبين التشكيلات المجتمعية المختلفة، من خلال إعطاء هامش أوسع للتحرك لجمعيات ومنظمات المجتمع المدني (أولاً)، بالإضافة إلى العمل على الاقتراب أكثر من التنظيمات السياسية، الأمر الذي يدفع هذه الأخيرة نحو الانفتاح على السلطة الفلسطينية ومؤسساتها (ثانياً)، مما قد يسهم في بلورة صيغة جديدة نحو التقدم في عملية بناء المجتمع نحو أسس جديدة ومتينة.

أولاً// إضفاء هامش من الحرية لعمل المجتمع المدني.

تميز أداء مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني بعد قيام السلطة الفلسطينية، بضعف القدرة والفعالية على القيام بنشاطات موازية لنشاط السلطة الفلسطينية في تدبير شؤون المواطنين وتأطيرهم والتعبير عن مصالحهم، نظراً للتحديات العديدة التي واجهتها مؤسسات المجتمع المدني، والتي حالت دون استقلاليتها كشرط أساسي لقيام مجتمع مدني فاعل.

ومع أن البعض يرى ضرورة التعامل بحذر مع مصطلح المجتمع المدني، إلا أن هذا الأخير اثبت قدرته على البقاء والمواجهة في سعيه نحو إرساء دعائم المفاهيم المتبناة من خلاله كالديمقراطية والتعددية وحرية إنشاء منظمات مختلفة تعمل في إطاره.

وبما أن على السلطة الفلسطينية ممارسة سلطتها على المجتمع الفلسطيني كحق من حقوقها، إلا أن عليها في الوقت نفسه إضفاء صبغة من الحرية لعمل المجتمع المدني، كون التحكم في عمل هذه المؤسسات قد يؤدي إلى تقليص خدماتها الضرورية، التي سيسبب نقصها إلى معاناة أكبر بين الناس، ومطالبات أكثر من السلطة كوسيلة لتوفير هذه الخدمات الضرورية.

لذلك فإن دعم السلطة الفلسطينية لمؤسسات المجتمع المدني عن طريق إعطائه مجالاً أوسع للتحرك، يعتبر مطلباً ليس فقط استجابة لمتطلبات العمل الديمقراطي والحكم السليم، إنما طريقاً نحو السعي لإرساء بنية مجتمعية ومؤسساتية تدعم عملية تحقيق التنمية، وذلك من خلال إتباع عدة آليات:

o سن قانون ينظم عمل منظمات المجتمع المدني، يراعي في الوقت نفسه عدم تدخل السلطة في عمل هذه المنظمات، ويكفل بالتالي إقامة علاقة متوازنة بين مؤسسات المجتمع المدني والسياسي.

o تفعيل دور وزارة شؤون المنظمات الأهلية كمؤسسة حكومية مهمتها ليس فقط الإشراف على المنظمات غير الحكومية، بل كمؤسسة منسقة لعلاقات السلطة الوطنية بهذه المنظمات، وبلورة موقف موحد للسلطة تجاه عمل تلك المنظمات.

o التزام السلطة الفلسطينية برفض الازدواجية الوظيفية للعديد من رؤساء هذه المنظمات وتخييرهم بين العمل في السلطة ومؤسساتها، أو البقاء في مؤسسات المجتمع المدني.

o تشكيل مجالس قطاعية في مجال عمل المنظمات الخدماتية، يكون محورها الوزارة المعنية (كوزارة شؤون المنظمات الأهلية، أو وزارة الحكم المحلي)، وتضم المنظمات غير الحكومية المحلية الفاعلة في هذا المجال، وصولاً إلى معظم المنظمات التي تعمل في المجال نفسه، بالإضافة إلى متابعة الوزارة لأعمال هذه المنظمات.

o إقرار لائحة مرنة لتنفيذ قانون الجمعيات الخيرية والمنظمات الأهلية، تستند إلى روحية القانون، ومشاركة المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني في وضع هذه اللائحة.

o إقامة شراكة بين المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، تستند بالأساس إلى تحقيق الأهداف العليا للشعب الفلسطيني في الاستقلال، وتحقيق التنمية المجتمعية المنشودة كأقرب الآمال.

وكون أن معظم المنظمات الغير حكومية هي امتداد لمنظمات دولية، فإن من شأن إقامة شراكة تجمع القطاع العام بمؤسساته بها، أن يستفيد هذا الأخير من القدرات الإدارية في مجالات التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية لهذه المنظمات.

- على السلطة الفلسطينية أيضاً معالجة قضايا كل منظمة في ضوء القانون على حدة، ودون تعميم كل قضية على باقي المنظمات.

- مساعدة السلطة أيضاً مؤسسات المجتمع المدني في إيجاد مصادر تمويل مجتمعية، ففي مقابل ذلك ستقع السلطة في مواجهة أجندات الممولين الدوليين المقترنة بتمويل بعض هذه المنظمات، والتي تنتقد السلطة في غالب الأحيان على أدائها تجاه مسائل الديمقراطية وحقوق الإنسان، مما يعمق من إشكالية العلاقة بينهما.

- أن تخول السلطة لنفسها فقط مراقبة نشاط ومؤسسات المجتمع المدني في إطار القانون ومن قبل القضاء، بدلاً من تدخل الأجهزة الأمنية في هذه الرقابة التي تعيق في غالب الأحيان نشاط هذه المنظمات، باعتبار أن القضاء هو صاحب الاختصاص في النظم الديمقراطية.

- مأسسة العلاقة بين الاتحادات والشبكات العاملة والمجلس التشريعي خاصة مع لجانه، والاستفادة من خبرات هذه المنظمات في مجال عملها، وإشراكها في المناقشات الأولية للتشريعات ذات العلاقة.

- إيجاد منابر تنسيق (كالمؤتمرات و ورشات العمل) بين السلطة الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني، للمساهمة في تقديم صياغات ورؤى تنموية شاملة، أو تقديم خطط ومعالجات لجوانب تنموية محددة.

- تفعيل دور البلديات والمجالس المحلية، عبر مأسسة علاقتها مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية.

- دعم استقلالية مؤسسات المجتمع المدني، كون هذا المبدأ يشكل أرضية لتحقيق التحول الديمقراطي، على اعتبار أن هذه المؤسسات هي أحد آليات هذا التحول.

في ظل هذه العلاقة الملتبسة بين السلطة ومؤسسات المجتمع المدني، جاءت انتفاضة الأقصى لتكشف ضعف وهشاشة البناء المؤسساتي لكليهما، وعدم قدرتهما تحمل أعباء المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي.

قد بدا واضحاً بعد انتفاضة الأقصى وبالتحديد في بدايات العام 2004، أن هناك شكلاً جديداً للعلاقة بين السلطة الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني بدأ بالتبلور، حيث قامت وزارة الداخلية الفلسطينية بمجموعة من الإجراءات العملية لتجسير العلاقة بين المؤسسات الحكومية و منظمات المجتمع المدني، أهمها:

• عقد اجتماعات دورية (شهرياً) بين وزارة الداخلية ومنظمات المجتمع المدني.

• تشكيل لجنة تنسيقية من مؤسسات المجتمع المدني، تضم تسعة أجسام وشبكات.

• تسهيل إجراءات التسجيل والترخيص لمنظمات المجتمع المدني.

• عدم السماح للأجهزة الأمنية بالدخول إلى منظمات المجتمع المدني، أو التدخل في شؤونها، إلا بقرار من وزير الداخلية، وإصدارها لتعليمات تقضي بعدم التعاطي مع أية مؤسسة استخبارية تحاول جمع المعلومات منها.

• مناقشة وثيقة الإرهاب والتمويل المشروط من قبل المانحين لبلورة موقف مشترك.

• العمل على تحقيق التكامل في عمل منظمات المجتمع المدني مع الوزارات المختصة العاملة في الحقل نفسه.

إن الدعوة إلى التنسيق والتعاون بين المنظمات المدنية ومؤسسات السلطة الفلسطينية ضروري، خصوصاً في مجال استكمال عملية البناء والتنمية والوصول إلى منظور تنموي موحد، وذلك وفق العمل من خلال الآليات السابقة التي قد تدعم وتطور من علاقة المؤسسات المدنية بالسلطة، والوصول بالتالي إلى إرساء أسس النظام الديمقراطي.

إلا أن الأمر يختلف عند الحديث عن العلاقة بين السلطة والتنظيمات السياسية، التي تجد نفسها في موقع المعارضة أحياناً، مما يتوجب على السلطة والتنظيمات السياسية العمل نحو تطوير العلاقة، والذي من شأنه استكمال عملية البناء المجتمعي وتطوير العلاقة بين أطياف المجتمع الفلسطيني للوصول إلى التنمية المنشودة.

ثانياُ// التنظيمات السياسية والسلطة: نحو علاقة جديدة.

شكلت فترة منتصف الستينات منطلقاً نحو بروز أحزاب سياسية وطنية فلسطينية، إلا أن هذه الأحزاب كانت أقرب إلى حركات التحرير منها إلى الأحزاب، حيث شكل هدف التحرير والاستقلال أولوية لهذه الأحزاب، مما أبعدها عن الارتباط المباشر بهموم وقضايا الفئات الاجتماعية المهمشة والعريضة، أي بالقضايا التنموية الشاملة.

وبما أن للأحزاب دور مهم في تحقيق الديمقراطية المطلوبة من أجل التنمية، إلا أن العمل من أجل تعزيز مبدأ التعددية قد يحتاج إلى مزيد من الجهود، وذلك للحد من نفوذ فئة اجتماعية أو تنظيم سياسي يحتكر السلطة.

تدرجت العلاقة بين التنظيمات السياسية والسلطة، حيث كرست السلطة الفلسطينية مبدأ هيمنة تنظيم سياسي واحد وهو "حركة فتح" منذ قيامها في العام 1994، ورغم قيامها بدعوة التنظيمات السياسية المعارضة إلى المشاركة في مؤسساتها، إلا أن هذه الأخيرة أحجمت عن تلك المشاركة، معتبرة أن مشاركتها بمثابة إقرار لاتفاق أوسلو، دون الأخذ بعين الاعتبار أن مشاركتها ضرورية لبناء مؤسسات السلطة، كونها ستصبح الجهة الرسمية المكلفة بإدارة شؤون المواطنين الفلسطينيين في مناطق نفوذها.

ولا شك أن مقاطعة المعارضة للانتخابات الفلسطينية الأولى في العام 1996، ألحق خسائر كبيرة في النظام السياسي الفلسطيني وزاد من إعاقة تطور الديمقراطية في الحياة السياسية، إلا أن هذا الموقف أخذ يتطور فيما بعد باتجاه المطالبة بالمشاركة في بعض مؤسسات السلطة وإدارتها، حيث شاركت بالفعل في الانتخابات البلدية التي جرت في الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 2005، وبالانتخابات التشريعية التي جرت في 25 كانون الثاني 2006.

وبغض النظر عن طبيعة النتائج الحاصلة في الانتخابات وفوز حركة حماس، بما يشكله ذلك من انعطافة تاريخية في مسار الحركة الوطنية الفلسطينية، إلا أن المؤكد أن عهد الحزب الواحد الحاكم والمهيمن انتهى، وهذا كفيل بخلق مجلس تشريعي جديد تندرج في إطاره رؤى وتوجهات جديدة ومختلفة، من شأنها الإسهام في ترتيب الأوضاع داخل المجتمع الفلسطيني.

لقد فرضت نتائج الانتخابات مساراً جديداً لتطوير العلاقة بين حركة حماس والسلطة من جهة، حيث بات التفاعل والتحاور داخل مؤسسات السلطة بين الطرفين سمة بارزة، ومن جهة أخرى بين حماس والتنظيمات الفلسطينية المختلفة في السعي نحو التشاور حول القضايا الجوهرية والتي تمس المصالح العليا للشعب الفلسطيني مباشرة.

إلا أن التركيبة الجديدة التي أصبح عليها النظام السياسي الفلسطيني بتعدد استراتيجيات العمل داخلها، لا توحي في بعض الحالات إلى إمكانية الاستقرار والتعايش وتطوير العلاقة بين أطراف النظام السياسي المختلفة، إلى حد يمكن معه العمل على توفير مناخ ملائم لتحقيق بيئة أفضل سواء للاستقرار السياسي أو للتنمية المجتمعية.

حيث لا يمكن القول بأن تعدد الاستراتيجيات هو في خدمة قضايا الاستقلال والتنمية، مع وجود استراتيجية تنادي بتحرير كامل فلسطين، وأخرى تقتصر على تطبيق مبادئ الشرعية الدولية، وأخرى تنأى بالعمل المسلح لحين خلق بنية مجتمعية تكون قادرة على الصمود وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

لذلك وبعد الشكل الجديد للسلطة الفلسطينية، فإن الأخيرة مطالبة بإتباع الآليات الديمقراطية في علاقتها بالتنظيمات السياسية كافة لتشجيعها على المشاركة في مؤسساتها، وأهم هذه الآليات:

- وضع قانون للأحزاب السياسية، يكفل لها حرية ممارسة نشاطها بعيداً عن تدخل الأجهزة الأمنية والتنفيذية.

- إقرار قانون انتخابي يسمح بالتمثيل العادل لجميع التنظيمات السياسية في المؤسسة التشريعية والمؤسسات الأخرى في السلطة الفلسطينية.

- سن قانون للمنشورات والمطبوعات يضمن للتنظيمات السياسية حرية التعبير، ولا يصادر حقها في طرح برامجها وأفكارها على المواطنين، وهو قانون تحتاجه أيضاً مؤسسات المجتمع المدني لتعزيز علاقتها بالمواطنين.

فإن كانت هذه الآليات معطلة في فترة ما قبل الانتخابات التشريعية الأخيرة في 25 كانون الثاني 2006، إلا أن المنتظر من التركيبة الجديدة للسلطة العمل على تطبيق هذه الآليات وجعلها موضع التنفيذ، كون المتضرر الأكبر من غيابها في المرحلة السابقة أصبح الآن يشكل جسم السلطة والمعبر عن إرادة الشعب، وبالتالي وضع صيغة جديدة للتعامل مع المراحل المقبلة، والابتعاد عن معطلات هذا النسق الجديد، والذي من شانه المساهمة في تحقيق عملية التنمية وفق أسس سليمة.

المطلب الثاني

مردودية تطوير علاقة السلطة بالتشكيلات المجتمعية

إذا كان الهدف من تطوير علاقة السلطة الفلسطينية بالتشكيلات المجتمعية هو إيجاد مجتمع مدني فاعل، وخلق نظام سياسي قائم على التعددية، إلا أن أهمية هذا التطوير تكمن فيما يمكن أن تشكله من دافع لمؤسسات المجتمع المدني والتنظيمات السياسية نحو عملية إصلاح شاملة ومتكاملة لمؤسسات السلطة وتحقيق عملية تنمية شاملة ترتقي بالفرد والمجتمع الفلسطيني، إن كانت ضمن أجندات عمل واستراتيجيات هذه التشكيلات.

وهذه المهمة تتطلب مساهمة مؤسسات المجتمع المدني والتنظيمات السياسية إلى جانب السلطة الفلسطينية، كي تكون أكثر فاعلية، وذلك بحكم دخولها ضمن نشاط ومجالات عمل هذه المؤسسات والتنظيمات، بالإضافة إلى مساهمة مؤسسات المجتمع المدني والتنظيمات السياسية في معالجة إحدى الإشكاليات الأساسية التي ميزت أداء الأجهزة الأمنية، وهي غياب الإدراك والوعي الكامل لدى عناصر هذه الأجهزة بحقوق الإنسان والضمانات القانونية للمواطنين أثناء فترة إيقافهم أو احتجازهم.

كذلك تشارك مؤسسات المجتمع المدني بالضغط على المجلس التشريعي بهدف تبني رؤية قانونية وتشريعية جديدة، وإقرار سياسات عادلة من شأنها الاستجابة لحاجيات المجتمع والتعبير عن طموحاته وأولوياته.

وقد يعطي هامش الحرية الذي تتحرك من خلاله مؤسسات المجتمع المدني، دفعة جديدة نحو تمكين المشاركة للفئات المهمشة والواسعة في المجتمع، ويعيد بالتالي توزيع القوة والسلطة، بحيث يكون الناس ضمن منظومة تعمل في نسق اجتماعي وسياسي جيد، لها سلطة اتخاذ القرار في المجتمع، الأمر الذي يعني توزيعاً عادلاً للقوة، ومشاركة عادلة في ثمار النشاط الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي.

كذلك تلعب مؤسسات المجتمع المدني دوراً هاماً في إيصال الصورة الحقيقية لمتطلبات المجتمع للمجلس التشريعي، ورصد ومتابعة انتهاكات السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية للحريات العامة الأساسية، والحقوق السياسية والمدنية، بالإضافة إلى تزويد المجلس التشريعي بكافة المعلومات التي تسهل عليه مراقبة أداء السلطة التنفيذية.

ولا يمكن إغفال الدور القيمي الذي تؤديه مؤسسات المجتمع المدني في تحقيق الشفافية، وبناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، من خلال ما تتمتع به من حرية في التحرك والعمل من قبل مؤسسات الدولة.

إن انشغال السلطة الفلسطينية بعملية المفاوضات لانتزاع الحقوق العليا للشعب الفلسطيني وأهمها حق تقرير المصير والاستقلال الوطني، يعطي مجالاً لمؤسسات المجتمع المدني للتحرك على صعيد تعزيز الصمود المجتمعي وتوفير متطلبات الأفراد المختلفة، حيث يعد هذا استكمالا للدور الذي لعبته هذه المؤسسات في فترة غياب الدولة أو السلطة، من خلال تصديها للممارسات الإسرائيلية القمعية ضد الشعب الفلسطيني.

بالإضافة إلى ما يمكن أن تلعبه هذه المؤسسات في عملية الإصلاح ومكافحة التسيب والفساد في مؤسسات السلطة، من خلال مراقبتها لالتزام السلطة التنفيذية بالقوانين المقرة، ودفع المجلس التشريعي لاتخاذ الإجراءات والقرارات الملائمة في إطار دوره الرقابي على السلطة التنفيذية ومساءلتها، عبر المشاركة الدائمة لمؤسسات المجتمع المدني في جلسات المجلس ومداولاته.

كما أن من شأن تعزيز حرية عمل المجتمع المدني حماية الأفراد من هيمنة السلطة، وذلك بالمحافظة على الحقوق والحريات الخاصة المكفولة من القانون، بالإضافة إلى بناء المواطن ثقافياً وسياسياً وتفعيل وتخليق الحياة السياسية وصقل الثقافة الوطنية، والتي ما فتئ الاحتلال الإسرائيلي يعمل على تشويهها وطمس معالمها.

من شأن هذه الممارسات لمؤسسات المجتمع المدني، تعزيز ثقة المواطن بها، مما يؤدي إلى انخراط الأفراد بشكل اكبر للتعبير عن احتياجاتهم ومطالبهم التنموية والتي لا تتعدى توفير مقومات الحياة الكريمة، وتحقيق الأمن والاستقرار.

وفيما يخص التنظيمات السياسية، فان دورها في عملية إصلاح مؤسسات السلطة والمجتمع المدني والمساهمة بالتالي في عملية تحقيق التنمية في المجتمع، يكون أكثر جدوى إذا شاركت هذه التنظيمات في العمل السياسي الفلسطيني كالمشاركة في الانتخابات أو المعارضة البناءة.

حيث أن مشاركة هذه التنظيمات السياسية في المجلس التشريعي يعطي لها دوراً ريادياً أكبر في عملية الإصلاح، كون دورها في المجالس النيابية يرتبط عادة بالسعي إلى إظهار كامل الخروقات، ومحاسبة الحكومة عن كل أشكال الفساد، ومراقبة أدائها ومدى تقيدها بالدستور. ولا شك أن عمل هذه التنظيمات على الساحة الفلسطينية، أسهم في إرساء دعائم المجتمع المدني من خلال احتوائها لعدد من مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني منذ بداية تشكلها.

إن تصارع الأحزاب والتنظيمات السياسية فيما بينها، لتمثيل مصالح طبقات أو فئات المجتمع، يعود بالفائدة على طبيعة العمل التنموي، من حيث إشراك الأفراد في صياغة سياسة محددة لعمل هذه التنظيمات تراعي بالتالي مصالحهم وتطلعاتهم.

لذلك يشكل التنافس الحزبي بين التنظيمات والأحزاب السياسية للوصول إلى السلطة، ضمانة لاحترام حقوق المواطن السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كون البرامج السياسية التي على أساسها تخوض هذه التنظيمات والأحزاب الانتخابات تدفع باتجاه تحريك عملية الإصلاح، والتأكيد على أولوية حقوق المواطنين ومراعاة مصالحهم، مما يعني المساهمة في تحقيق عملية تنمية الأفراد والمجتمع.

وتساهم التنظيمات السياسية أيضا من خلال مشاركتها في المجلس التشريعي، في وضع اللوائح والقوانين الكفيلة بمعاقبة المتهمين بقضايا الفساد المالي والإداري، ومراقبة تنفيذ هذه القوانين والالتزام بها من قبل السلطة التنفيذية.

إضافة إلى دور التنظيمات في مساعدة السلطة الفلسطينية في إنهاء حالات الفوضى الأمنية، التي من المرشح أن تبقى في تزايد نتيجة الاحتقان الشعبي المتزايد جراء حالات الحصار والتجويع من قبل إسرائيل من جهة، وحالة عدم الوفاق السائدة بين مختلف القوى السياسية في المجتمع الفلسطيني من جهة أخرى، وبالتالي تعزيز مبدأ سيادة القانون واستقرار الوضع الداخلي، كمقومات أساسية لتهيئة بيئة مواتية للإصلاح والتنمية.

ويبرز دور التنظيمات السياسية في تأطير المواطنين وتوعيتهم، باستخدام الوسائل السلمية للاحتجاج على ممارسات وخروقات مؤسسات السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، بدلاً من الاحتكام للسلاح، كذلك دورها في إطلاع هؤلاء المواطنين على الإصلاحات التي أنجزتها السلطة، للعمل على مساندة هذه التنظيمات في الضغط على السلطة لاستكمال تنفيذ الإصلاحات الأخرى.

كذلك تأطير المواطنين نحو الإسهام في إعداد برامج وخطط العمل التنموية النابعة من الاحتياجات المباشرة للأفراد، وحمل المؤسسات الرسمية المعنية على تنفيذها وفق السياسة العامة للسلطة التي تشارك التنظيمات في وضعها ومراقبة تنفيذها.

والواضح أن برامج التنظيمات السياسية على اختلافها تتضمن رؤى ومواقف متشابهة تجاه المسائل الاجتماعية والاقتصادية، مع تفاوت في المنطلقات النظرية والمسوغات الأيديولوجية. ومع أن هذه الرؤى والبرامج ضعيفة التأثير، إلا أن المرجو هو ممارسة تأثير حقيقي من قبل هذه التنظيمات على مسيرة التنمية وإدارة الاقتصاد، سواء تعلق الأمر بالترتيبات المؤسساتية أو الممارسة العملية، لما في ذلك من خدمة لتطور عملية التنمية.

بشكل عام فإن الأحزاب السياسية تقوم بوظائف عامة تختلف من نسق سياسي لآخر، من خلال مراحل متعددة من التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والعمل على تنظيم الرأي العام وبذل الجهد في عملية الإمداد السياسي واختيار القيادات السياسية.

وبناء على ذلك فإنها تساهم في عملية التنمية السياسية، والتي تتميز بالخصاص في الحالة الفلسطينية، والتي تعني التحرك نحو نسق سياسي يستطيع أن يواجه الأعباء التي تواجهه وتوفير نسق تعليمي قادر على الإبداع، وتوسيع المشاركة السياسية، حيث تعتبر التنظيمات والأحزاب عاملاً هاماً في قياس التنمية السياسية.

وقد يسهم هذا في توفير آليات جديدة للتوافق الفلسطيني الداخلي، التي تدعم عملية التنمية المجتمعية، والتي تتطلب درجة كبيرة من الإحساس بالمصير المشترك والعمل الموحد نحو الإسهام في تحقيق متطلبات التنمية في المجتمع الفلسطيني.









الفصل الثاني

التوافق الفلسطيني كآلية لتحقيق التنمية

يمثل التوافق الفلسطيني الداخلي أحد أهم الآليات الساعية نحو تحقيق التنمية في المجتمع الفلسطيني، إلا أن ذلك يتطلب بالدرجة الأولى اتفاق مختلف القوى والقطاعات الفاعلة في المجتمع الفلسطيني على برنامج وطني مشترك (المبحث الأول)، لما قد يمثله ذلك من أهمية في توفير المقومات الأساسية لعملية تنموية مجتمعية شاملة، حيث يدفع هذا نحو صياغة مبادرات ذاتية تراعي من جهة متطلبات الواقع الفلسطيني، ومن جهة أخرى تقاوم إكراهات التنمية (المبحث الثاني).

المبحث الأول

الاتفاق على برنامج وطني مشترك والتنمية: أية علاقة


إذا كان الاتفاق على برنامج وطني مشترك يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق التنمية في المجتمع الفلسطيني، فإن ذلك مرتبط بقيام هذا البرنامج وفق بعض المرتكزات (المطلب الأول)، التي تشكل الاستجابة لها من قبل القوى والقطاعات الفاعلة في المجتمع الفلسطيني عاملاً رئيسياً في الاتفاق على برنامج يمكن من خلاله المساهمة في تجاوز الاكراهات التي تواجهها عملية التنمية في المجتمع الفلسطيني (المطلب الثاني).

المطلب الأول

مرتكزات البرنامج الوطني المشترك

إن الخصوصية التي تتميز بها القضية الفلسطينية، تفرض عند الحديث عن أي محور من محاورها التداخل والتشبيك، نظراً لوحدانية الهدف المتمثل في التحرر والاستقلال وتطوير المجتمع، الأمر الذي يعني توحد الجميع في الداخل الفلسطيني نحو توفير متطلبات الوحدة والاتفاق، كونه يشكل الركيزة الأساسية لانتزاع الحقوق الشرعية وتحقيق الاستقلال.

ولا شك أن السعي الفلسطيني الداخلي نحو تحقيق الوحدة، والاتفاق على برنامج وطني مشترك يراعي خصوصية الوضع الفلسطيني والإقليمي والدولي، قد مر بمراحل عدة، اتسمت في بعضها بالمرونة وفي بعضها الآخر بالاختلاف والتعطيل، إلا أن المؤشرات الواقعية تلزم الأطراف كافة بالاتجاه نحو تحقيق الوحدة والاتفاق على برنامج وطني مشترك.

فقد تعددت الحوارات الداخلية الفلسطينية منذ أواسط الستينات لتشكيل منظمة التحرير الفلسطينية، والتي أسهمت بدورها في تعبئة القوى السياسية الفلسطينية المسلحة والشعبية خلف ميثاقها الوطني، إلا أن ذلك كله لم ينجح في لجم الصراعات الأيديولوجية للأحزاب المنضوية في إطار المنظمة. وظلت الحوارات البينية الداخلية والعربية الوسيلة الأمثل لحسم الخلافات بين الأحزاب والفصائل الفلسطينية.

إلا أن المشهد العام للعلاقة بين الفصائل والتشكيلات المجتمعية الفلسطينية المختلفة، تغير غداة الانتفاضة الفلسطينية الأولى في العام 1987، ثم بشكل جذري بعد توقيع اتفاقية اوسلو وما نجم عنها من تداعيات، حيث أضحى التباين بين مكونات الجسد السياسي الفلسطيني أشد عمقاً، كون الخصومات الداخلية لم تبق محدودة بالفصائل العلمانية المنضوية في إطار منظمة التحرير، حيث أضحى للتيارات الإسلامية قوة فاعلة على الأرض من خلال تأطير تنظيمي قوي، ومصداقية عالية لخطابها السياسي والنضالي لدى الشارع الفلسطيني، الذي انقسم بين مؤيد ومعارض لاتفاقية أوسلو، حيث جسد هذا الانقسام ازدياد الهوة بين الفريقين، الساعي أحدهما إلى عملية تسوية سياسية مع إسرائيل، والآخر إلى رفضه ورفع شعار التحرير الكامل لفلسطين بالكفاح المسلح.

وبالرغم من أن تعدد البرامج يعد إسهاما ايجابيا في تطوير العلاقة بين مكونات الشعب الفلسطيني المختلفة، إلا انه في مرحلة ما بعد اوسلو مباشرة يشير إلى غير ذلك، حيث يحاول كل طرف إلغاء برنامج الآخر والاعتداد بأن برنامجه هو الصحيح.

ومما لا شك فيه أن مسألة الحوار الفلسطيني الداخلي كانت تطرح نفسها باستمرار في المجتمع الفلسطيني نظراً للتطورات المتلاحقة وما يتخللها من إشكاليات تفرض على الجميع التقارب للحيلولة دون تطور الأمور إلى مستويات لا يمكن معها العودة إلى أرضية موحدة ومشتركة.

ومع أن النمط الشائع للاهتمام كان منصباً على تعقيدات المواجهة الخارجية، ومراجعة المسيرة السياسية برمتها- عند منعطف أوسلو خاصة-، إلا أن هذا لم يمنع دون بروز تصورات جديدة لطبيعة النظام السياسي الفلسطيني في الكيان الوطني المنتظر وفي إطار تكثيف الحوار حول مراجعة شؤون البيت السياسي الفلسطيني، وتفعيله نحو الإسهام في ترسيخ مبادئ الديمقراطية والتعددية السياسية، والبيئة الاجتماعية- الاقتصادية وتداعياتها على الممارسة السياسية.

ويبقى السؤال حول مدى قدرة الفلسطينيين على تبني برنامج وطني مشترك يجمع الفصائل الفلسطينية والسلطة والتشكيلات المجتمعية المختلفة، ومدى حريتهم في تحديد أهداف وآليات هذا البرنامج، أم أن هذه الأهداف والآليات محكومة بضرورة توافقها مع ما أقرته الشرعية الدولية ومقررات القانون الدولي، أم بخصوصية الحالة الفلسطينية التي تفرض نهجاً آخراً يقتضي اعتماد مبدأ الحوار وتوسيع قاعدة المشاركة الجماعية؟

أولاً// توافق أهداف البرنامج مع الشرعية الدولية.

إن الالتزام بقرارات الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي عند الحديث عن برنامج وطني مشترك، يتطلب بالدرجة الأولى معرفة مدى توافق هذه المقررات والقواعد الدولية مع الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني.

فإذا كان السقف السياسي لأهداف البرنامج الوطني الفلسطيني المشترك هو قيام الدولة الفلسطينية ذات السيادة وعاصمتها القدس على كامل الأراضي المحتلة في العام 1967، وضمان حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وتعويض عادل لمن لا يرغب منهم في العودة، فإننا نجد أن هذه الحقوق مكفولة ضمن قرارات الشرعية الدولية كالقرار 242، والقرار 194، والقرار 338.

وتشكل مقررات الشرعية الدولية مرتكزاً رئيسياً في تحديد أهداف البرنامج الوطني المشترك، كون معظم الفصائل والقوى السياسية الفلسطينية تعتبر أن تنفيذ قرارات الشرعية الدولية يشكل الحل العادل للقضية الفلسطينية، والأساس الذي يمكن عبره إقامة تسوية سياسية مقبولة فلسطينياً، مع الاحتفاظ بحقها في مقاومة الاحتلال كحق مكفول لها ضمن مقررات الشرعية الدولية.

كما يمكن الإشارة إلى التحولات الايجابية في موقف الحركة الإسلامية في فلسطين، خاصة حركة حماس، والمعبر عنه ضمن البرنامج الانتخابي الذي على إثره فازت الحركة بالانتخابات التشريعية الأخيرة في كانون الثاني 2006، في أنها مع دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وهو ما يتوافق مع مقررات الشرعية الدولية، إلا أن أدبيات الحركة تشير إلى أن هذه الخطوة تعتبر حد أدنى ومرحلة من مراحل التحرير.

لكن إذا كان تطبيق قرارات الشرعية الدولية يحظى بالقبول لدى السلطة والفصائل والقوى السياسية الفلسطينية المختلفة، لتوافقها مع أهداف أي برنامج وطني يمكن الاتفاق عليه فلسطينياً، إلا أن العائق أمام تطبيق ذلك يكمن في آليات تنفيذ هذا البرنامج، وبالتحديد ما يتعلق بأساليب المقاومة، طالما أن الاحتلال الإسرائيلي لا زال مستمراً والعودة إلى العمل العسكري تبقى احتمالاً قائماً.

ليس ثمة شك أن المقاومة هي حق شرعي ومكفول بموجب القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وفي إطار البرنامج الوطني المشترك فإنه يجب الجمع بين العمل السياسي والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال.

ولا شك أن مشروعية المقاومة ينقسم الرأي بشأنها داخلياً وخارجياً، فعلى الصعيد الداخلي هناك توجه يرى بضرورة ترشيد المقاومة في حال العودة إليها، وذلك باستبعاد بعض الأساليب التي توفر ممارستها مبرراً لوسم المقاومة بالإرهاب. والبعض الآخر يرى أن جميع الوسائل والخيارات مطروحة لمقاومة الاحتلال (كعمليات القصف بالصواريخ والعمليات الاستشهادية)، وتبرير ذلك في نظرهم يتعلق بالمعايير المزدوجة التي يتعامل بها الغرب مع القضية.

ولا شك أنه مع فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية الأخيرة في 25 كانون الثاني 2006 وتقيدها ببرنامج المقاومة، فإنها ستصطدم بتعقيدات الواقع الجديد وصعوبة الالتزام ببرنامجها القاضي بتحرير كامل فلسطين، وفي ظل وجودها في محيط عربي وإقليمي ودولي رافض لاستراتيجية المقاومة المسلحة وخيار التحرير، فالسلام هو الخيار الاستراتيجي الذي تبنته القمم العربية وهو ما أكدت عليه بشدة قمة بيروت 2002.

أما على الصعيد الخارجي، فان المتغيرات التي شهدها العالم بعد أحداث 11 سبتمبر، وما تبعه من "حرب عالمية ضد الإرهاب" بقيادة الولايات المتحدة، انعكس على طبيعة التعاطي الدولي مع القضية الفلسطينية، خاصة في ظل استمرار الانتفاضة واستمرار بعض الفصائل بتنفيذ العمليات التي تستهدف المدنيين الإسرائيليين.

حيث استغلت إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية هذه الوضعية، وقامت الأخيرة بتشبيه هذه العمليات مع ما تعرضت له في اعتداءات 11 سبتمبر 2001، ومارست بالتالي ضغوطاً على العديد من الأطراف الدولية لتصنيف هذه الفصائل ضمن لائحة التنظيمات الإرهابية، كما حدث مع الاتحاد الأوروبي والذي طالب السلطة الفلسطينية بحظر نشاط تلك الفصائل، والتهديد بإيقاف المساعدات الموجهة إليها.

إسرائيلياً، فقد ازدادت حدة القمع والتنكيل والتدمير تجاه الفلسطينيين، في ظل موقف دولي متعاطف مع الولايات المتحدة وبالتالي مع إسرائيل، وفي ظل سياسات فلسطينية تتسم برد الفعل والارتباك، وغياب أفق شامل لاستراتيجية موحدة.

لذلك فإن إعادة النظر من قبل الفصائل والتنظيمات الفلسطينية في ممارسة بعض أساليب المقاومة لتكون أكثر استجابة لقواعد القانون الدولي ومقررات الشرعية الدولية، ومراعية في الوقت ذاته المتغيرات التي طرأت على الواقع الفلسطيني، أصبحت متطلب هام لضمان الالتزام بالعمل في إطار البرنامج الوطني المشترك وتوحيد الاستراتيجية الفلسطينية من خلال تكثيف الحوارات الداخلية الفلسطينية للوصول إلى صيغة أفضل للبرنامج المطلوب.

ثانياُ// اعتماد مبدأ الحوار والمشاركة.

لا شك أن اعتماد مبدأ الحوار وخصوصاً في الحالة الفلسطينية يشكل أهمية بارزة نظراً لما تشكله القوى والتنظيمات السياسية الفلسطينية من وزن وتأثير على الساحة الفلسطينية، والذي يفرض عدم قدرة أحدهما على إبعاد الآخر عن دائرة الفعل والتأثير.

ولعل أولى المطالبات الداعية إلى الحوار الفلسطيني الداخلي، جاءت نتيجة حالات الارتباك في العمل الانتفاضي للفلسطينيين وتباين الاستراتيجيات المتبعة من قبل الفصائل المختلفة، حيث هناك من ينادي بضرورة الاقتصار على انتفاضة سلمية دون الاحتكام للسلاح، وآخرون يرون بضرورة إنهائها، وآخرون مع سياسة السلاح والعمليات الاستشهادية.

وقد كان هذا النهج الأخير هو السمة التي طبعت معظم العمل المقاوم للفلسطينيين خلال الانتفاضة، الأمر الذي اضطر معه إسرائيل لاجتياح كامل لمدن الضفة الغربية وتضييق الحصار المضروب على قطاع غزة، الأمر الذي دعم موقف المنادين بضرورة وقف عسكرة الانتفاضة لما في استمرارها من زيادة في حدة التدمير والبطش من قبل إسرائيل، كما حدث في نيسان 2002.

في هذا الإطار جاء ما يعرف "بحوارات القاهرة" والتي اقتصرت في بدايتها على تنظيمي فتح وحماس، لتتسع بعد ذلك دائرة المتفاوضين وتجمع إلى جانب هؤلاء كل من حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.

جاءت حوارات القاهرة بهدف توحيد الاستراتيجية الفلسطينية في التعامل مع متطلبات الانتفاضة المتلاحقة، حيث اتسعت دائرة هذه المفاوضات لتشمل تناول كافة القضايا الهامة التي تخص الشعب الفلسطيني، ولعل أهمها تفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية، وبناءها من جديد وفق أسس ديمقراطية سليمة تسمح باستيعاب كافة القوى السياسية والفاعلة في الشعب الفلسطيني. وقد كان للظرفية التي عقد خلالها الحوار الفلسطيني دور مهم على صعيد اقتناع الأطراف المتحاورة بضرورة تشكيل قيادة وطنية موحدة، ذات استراتيجية موحدة تجمع ما بين السياسة والمقاومة، في ظل تزايد حدة العدوان الإسرائيلي.

إن هذه الحوارات وإن كان المأمول من وراءها توحيد الصف الفلسطيني وتشكيل القيادة الموحدة، فإنها لم تقدم شيئاً ملموساً، بل زادت من الخلاف نظراً لكثرة القضايا التي تناولتها وتعقيدها، إلى أن جاءت مرحلة الانتخابات الفلسطينية في 25/ كانون الثاني 2006، والتي عمقت فيما بعد هذا الاختلاف الذي انعكس بدوره وبصورة مباشرة على البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الفلسطيني.

أشارت ردود الفعل الدولية على نتائج الانتخابات منذ إعلان النتائج مباشرة، على أن المجتمع الفلسطيني يسير نحو أزمة اقتصادية جراء الإعلان عن وقف المساعدات الدولية إلى الحكومة الفلسطينية.

هذا الوضع الجديد الذي كانت تعيه حركة حماس سابقاً، فرض عليها الالتجاء نحو سياسة الشراكة السياسية مع الفصائل الأخرى، خاصة حركة فتح لتجنب مثل هذه العقوبات، إلا أن هذه الأخيرة ومعها بقية الفصائل رفضت المشاركة، تحت طائلة عدم اعتراف برنامج الحكومة بالإطار المرجعي للشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية وهو منظمة التحرير الفلسطينية، الأمر الذي عمق من مسألة الحصار ووقف المساعدات.

إن نظرة ممعنة على الوضع المجتمعي بعد فوز حماس بالانتخابات التشريعية وتشكيلها وحدها الحكومة الفلسطينية، تبين مدى الأزمة التي حاقت بالمجتمع الفلسطيني، حيث:

- أدت نتائج الانتخابات إلى تفاقم أزمة النظام السياسي الفلسطيني بدلاً من حلها.

- حصار وتجويع الشعب تحت عنوان حصار الحكومة.

- حوارات وطنية داخلية فاشلة، حيث باتت مكونات النظام السياسي عاجزة ليس فقط عن حل الأزمة بل عن إدارة الأزمة.

- تزايد حدة الاقتتال الداخلي، مما أفقد مشروعية المقاومة احترامها لدى الداخل والخارج.

- تفكك وانهيار بنية المجتمع الفلسطيني على كافة المستويات: تفكك أسري، تفشي البطالة والفقر، تفشي المخدرات والانحلال، تراجع في المستوى التعليمي وفي السمات الحضارية، ترسيخ العائلية والعشائرية والجماعات غير الرسمية.

في هذا السياق جاء ما عرف باتفاق مكة، والذي أحدث مجموعة من المتغيرات الايجابية على الساحة الفلسطينية، أهمها:

- وقف الاقتتال الداخلي والتأسيس لمرحلة جديدة أساسها الحوار والاتفاق.

- تعزيز الشراكة السياسية بدلاً عن التفرد والاختزال.

- التوافق بين حركتي فتح وحماس على أساس البرنامج السياسي لحكومة الوحدة.

وكما هو متوقع جاءت ردود الفعل تجاه هذا الاتفاق متباينة، نظراً للوضعية الجديدة التي رتبها الاتفاق على صعيد العمل السياسي الفلسطيني. إلا أن ما يمكن التأكيد عليه هو تيقن كافة القوى والفصائل السياسية الفلسطينية على ضرورة الحوار، كونه يشكل الركيزة الأساسية في محاولات تحقيق المصالح العليا للشعب الفلسطيني.

لكن إذا كان الاتفاق على برنامج وطني مشترك وفق هذه المرتكزات يشكل تحولاً فلسطينياً ايجابياً نحو إعادة هيكلة الحياة الاجتماعية والسياسية نحو خدمة المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وبالتالي خدمة عملية التنمية، فإن السؤال المطروح هو: ما هي الأهمية التي يشكلها الاتفاق على برنامج وطني مشترك لعملية التنمية في المجتمع الفلسطيني، أو بصيغة أخرى: ما هي العلاقة بين البرنامج الوطني المشترك والتنمية في المجتمع الفلسطيني؟

المطلب الثاني

العلاقة بين البرنامج الوطني المشترك والتنمية في المجتمع الفلسطيني

مما لا شك فيه أن أي تقدم على مستوى تطوير العلاقة بين مختلف القوى والتنظيمات السياسية الفلسطينية سوف ينعكس ايجابياً على الوضع المجتمعي برمته، ولما كان هذا التقدم قد وصل إلى درجة الاتفاق على برنامج وطني مشترك وفق صيغة وحدوية من خلال حكومة الوحدة الوطنية التي أعلن عن تشكيلها في 17 مارس 2007، فان المستفيد بلا شك من هذا الوضع هو المجتمع الفلسطيني بكل مكوناته، مما سيخدم عملية التنمية المجتمعية وتحقيقها وفق أسس سليمة وتوافقية.

إن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الوضع هو: كيف ستنعكس مسألة التوافق الوطني الفلسطيني على عملية التنمية المنشودة مجتمعياً؟ ولعل الإجابة عن هذا التساؤل تقتضي الوقوف عند أهم النقاط التي عالجت مسببات تأخر عملية التنمية في البرنامج الوطني المشترك، والكيفية التي تمت من خلالها هذه المعالجة (أولاًُ)، بالإضافة إلى التحول الذي عكسه هذا التوافق على رؤى القوى السياسية في التعامل مع طبيعة المرحلة على صعيد خدمة قضايا المجتمع ومن أهمها التنمية (ثانياً).

أولاً// المساهمة في معالجة معيقات التنمية على المستوى الداخلي.

تتضح أهمية العلاقة بين البرنامج الوطني المشترك وعملية التنمية في الأراضي الفلسطينية من خلال ما يقدمه الاتفاق على هذا البرنامج بين مختلف القوى والتيارات السياسية الفلسطينية والتزام العمل في إطاره، من إسهام في تجاوز أهم العراقيل الحائلة دون استكمال عملية التنمية سواء كان ذلك على الصعيد المؤسساتي أو على الصعيد الاقتصادي، أو على صعيد منظومة القيم الفلسطينية.

فعلى الصعيد المؤسساتي:

شكل الوضع المؤسساتي للسلطة الفلسطينية طيلة فترة وجودها، عائقاً رئيسياً أمام تحقيق عملية التنمية، ولعل ذلك راجع إلى تنامي الفساد والبيروقراطية داخل أجهزتها المختلفة. وقد تعددت المطالبات المنادية بضرورة الإصلاح في مؤسسات السلطة، كونه يشكل دافعاً نحو تقديم الخدمات بصورة أفضل للمواطنين، ويخدم بالتالي عملية التنمية، إلا أن أهم هذه المطالبات تلك التي جاءت في برنامج حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية "الحادية عشر في 17 مارس 2007" ولعل هذه المطالبات ترددت من خلال الحكومات السابقة، إلا أن محور الاهتمام هنا ينعقد حول مطالبة مختلف القوى والفصائل بضرورة الإصلاح، وأهمها حركة فتح والتي يعزى لها الكثير في مسألة الفساد الذي اعترى عمل مؤسسات السلطة في السنوات السابقة.

حيث نجد أن المطالبات المنادية بالإصلاح في برنامج حكومة الوحدة الوطنية، جاءت من الشدة بعض الشيء، ومنها:

o ضرورة العمل على تطوير الهيكليات وأساليب العمل في مختلف الوزارات بما يضمن الفعالية في أدائها.

o وضع خطة شاملة للعمل على ترشيد الإنفاق الحكومي.

o العمل على محاربة أوجه الفساد بكل حزم وما يتطلبه ذلك من ضرورة وضع استراتيجية فلسطينية للتنمية الإدارية.

o مراعاة مسألة التوظيف، على أن يراعى خلالها مبدأي الكفاءة والمهنية والعمل على توزيع المتخرجين على أسواق العمل، حيث لوحظ خلال فترة تواجد السلطة أن مسألة التوظيف لا تقوم وفق أسس سليمة. وعلى الحكومة في هذا المجال العمل على تصحيح الخلل القائم في مؤسسات القطاع العام الذي يتكدس فيها الخريجون الذين يعملون في غير مجال تخصصهم.

على المستوى الاقتصادي:

حيث أصبح هناك إجماع بين مختلف القوى والتيارات السياسية حول مدى الضرر الذي ألحقه اتفاق أوسلو وبالأخص "بروتوكول باريس الاقتصادي" بالاقتصاد الفلسطيني، ووفق الصيغة التوافقية فإنه يجب العمل على:

• إعادة النظر في بروتوكول باريس، مما سيخفف من مسألة تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي.

• إعطاء الأولوية للارتقاء بالاقتصاد الوطني وتشجيع الصادرات الوطنية وتطوير العلاقات التجارية مع دول المحيط الإقليمي والدولي.

• حماية المستهلك والعمل على وضع حد لنشاطات الاحتكار.

• تشجيع التنمية الاقتصادية وفق استراتيجية توافقية بين الوزارات المعنية، وتحقيق العدالة الاجتماعية بما يخدم مصالح الشعب.

• إعادة النظر في قوانين الاستثمار، ودعم القطاع الزراعي والاهتمام أكثر بقطاع العمال والصيادين من خلال تخصيص صندوق خاص للدعم المباشر لهم.

أما فيما يتعلق بمنظومة القيم الفلسطينية:

فقد كان لسنوات الانتفاضة وما رافقها من انتهاكات يومية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك حالات الاقتتال الداخلي في مراحل متقطعة بين بعض القوى السياسية، الأثر الكبير في تعميق الفجوة الاجتماعية، والتي ربما ستنعكس سلباً على تقدم عملية التنمية المنشودة مجتمعياً، إلا أن صيغة التوافق بين مختلف القوى والتيارات السياسية حاولت تحجيم هذه الفجوات في إطار يمكن من خلاله المساهمة في تقدم عملية التنمية، وذلك من خلال ضرورة العمل على:

• ترسيخ مفهوم الوحدة الوطنية والسلم الأهلي واعتماد لغة الحوار والتأكيد على وحدة الشعب الفلسطيني داخلياً وخارجياً.

• ترسيخ وتعميق الوفاق الوطني ومبدأ المواطنة والعدالة الاجتماعية.

• حماية التعددية السياسية وتطوير النظام الانتخابي، وترسيخ مبدأ العدالة والمساواة وحرية التعبير.

• دعم أسر الشهداء والأسرى وتوفير الحياة الكريمة للمواطن والرعاية الاجتماعية، ومعالجة الفقر والبطالة من خلال زيادة المشاريع التنموية والضمان الاجتماعي، والاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة من خلال تطبيق القانون الخاص بهم.

• دعم العمل الأهلي ومؤسسات المجتمع المدني، وتعزيز دور المرأة في المشاركة السياسية وحماية حقوقها.

إن هذه البنود والمطالبات وفق الصيغة التوافقية الجديدة بين القوى والتيارات السياسية الفلسطينية، من شأنها المساهمة في إحداث التغيير المطلوب نحو إيجاد بيئة ملائمة لتحقيق عملية التنمية في المجتمع الفلسطيني. إلا أن المكتسب الحقيق في هذا الأمر هو التحول الذي طرأ على البنية الفكرية والأيديولوجية لمعظم القوى السياسية الفاعلة في المجتمع الفلسطيني، والذي ربما يسهم بشكل من الأشكال في دعم عملية التنمية المنشودة مجتمعياً.

ثانياً// تطور الفكر التنظيمي للقوى السياسية: نحو خدمة أغراض التنمية.

لعل التحول الذي أصاب البنية الفكرية لمختلف القوى والفصائل السياسية الفلسطينية للانخراط في العمل وفق برنامج وطني موحد من خلال حكومة الوحدة الوطنية، ربما يسهم في خدمة قضايا المجتمع الأساسية ولعل أبرزها عملية التنمية.

فبعد سنوات الانتفاضة وما رافقها من مواجهة مستمرة للاحتلال الإسرائيلي، لم تتبن خلالها الفصائل استراتيجية موحدة في التعامل مع متطلبات الانتفاضة ومقاومة الاحتلال. بالإضافة إلى حالات الاقتتال الداخلي بين حركتى فتح وحماس. الأمر الذي عمق من الفجوة الاجتماعية الموجودة، وعزز من التباعد الاجتماعي بين مكونات المجتمع الفلسطيني.

إلا أن صبغة التوافق التي أجمعت عليها مختلف القوى والتيارات السياسية والتي جسدتها حكومة الوحدة الوطنية "17مارس 2007" ربما تعمل على توطيد أواصر العلاقة بين أفراد المجتمع الفلسطيني وتعمل على تعزيز مفهوم السلم الأهلي والاجتماعي كما جاء في برنامجها المطروح.

هذا الأمر قد يعزز من جديد ثقة المواطن بالتيارات والقوى السياسية التي تمثله، بعد المناكفات المتقطعة بين الفصائل التي شهدتها الساحة الفلسطينية، وبالتالي الانخراط بشكل أكبر في هذه الأحزاب، مما قد يسهم في تعزيز دورها في المجتمع، وتبنيها لبرامج عمل تحفظ حقوق المواطنين وتعمل على تحقيقها في إطار من المنافسة الحزبية الديمقراطية.

ولعل الأهم من هذا هو ليونة المواقف المتخذة من قبل التيارات السياسية، فحركة حماس من خلال صيغة الوفاق الوطني عبرت عن قبولها بمقررات الشرعية الدولية والتعامل بمسؤولية مع الاتفاقيات الموقعة، بينما قبلت حركة فتح بمبدأ التوافق والعمل في إطار الشراكة السياسية، وأجمعت الفصائل والتيارات الأخرى على ضرورة الشراكة وصياغة موقف موحد في التعاطي مع الأمور التي تهم مصالح الشعب الفلسطيني.

وربما ينعكس هذا الأمر على طبيعة التعامل الدولي مع الحكومة الفلسطينية، وبالتالي رفع الحصار المالي والسياسي المفروض عليها منذ فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية في 25 كانون الثاني 2006 وتشكيلها للحكومة، الأمر الذي سيسهم في تدفق المساعدات الدولية والعمل على تحسين الأوضاع المتردية جراء فترة الحصار.

إلا أن مسألة التوافق الفلسطيني قد لا تسهم في إحداث عملية التنمية إذا لم يترافق مع ذلك العمل على صياغة مبادرات ذاتية لمواجهة الاكراهات المتعددة التي تعيق عملية التنمية في فلسطين.



المبحث الثاني

صياغة مبادرات ذاتية لمواجهة اكراهات التنمية

تتجلى أهمية صياغة مبادرات ذاتية لمواجهة اكراهات التنمية، كون الأخيرة تتطلب مشاركة ومساهمة جميع الفاعلين بما يعود بالنفع على مجمل العملية التنموية. ولعل أهم هذه المبادرات تتمثل في تبني سياسة جديدة في الداخل الفلسطيني للاستفادة من التمويل (المطلب الأول)، سواء كان ذلك على مستوى مؤسسات السلطة أو على مستوى مؤسسات المجتمع المدني.

ويعد تعزيز القدرات الذاتية للمجتمع الفلسطيني (المطلب الثاني) إسهاما مباشرا في محاولات تحقيق التنمية بما يتطلبه ذلك من تفعيل دور القطاع الخاص، والإسهام في تبني رؤى تدمج مهام التحرر السياسي بمهمات تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

المطلب الأول

تبني سياسة جديدة للاستفادة من التمويل الدولي

لا شك أن التمويل الدولي للأراضي الفلسطينية يعد موردا أساسيا من الموارد التي تعتمد عليها السلطة الفلسطينية وجمعيات المجتمع المدني في تطوير ذاتها وتوفير مقومات التنمية والدعم للمجتمع الفلسطيني، الأمر الذي كرس فكرة ديمومة هذا التمويل دون الاكتراث بإمكانية توقفه وانقطاعه في أية لحظة، وبما يعكسه ذلك من تداعيات سلبية على مسيرة التنمية والتطوير.

وكون التمويل الدولي شكل طيلة الفترة الماضية عائقاً أمام تحقيق التنمية نظراً لاشتراطاته السياسية، والبعيدة عن تطلعات واحتياجات المجتمع، فإن الأمر يتطلب هنا ضرورة تبني سياسة فلسطينية جديدة، نابعة من احتياجات المجتمع للاستفادة من هذا التمويل، سواء على مستوى مؤسسات السلطة الفلسطينية (أولاً)، أو على مستوى مؤسسات المجتمع المدني (ثانياً). حيث أن هناك إمكانية لإحداث توازن بين العامل الخارجي والذاتي في عملية تمويل التنمية في فلسطين، كون هذه السياسة سيكون لها تأثيرات ايجابية على الوضع الفلسطيني العام وعلى حقوق الأجيال المقبلة.

أولاً// على مستوى مؤسسات السلطة الفلسطينية.

إن الدور الملقى على عاتق السلطة الفلسطينية في المساهمة في إحداث التنمية داخل المجتمع الفلسطيني، تعاظمت أهميته بعد الفشل الواضح الذي لحق بالمشروع التنموي للسلطة منذ بداية نشأتها، لذلك فان تصحيح هذا الفشل يعود جزء كبير منه في اعتماد استراتيجية عمل موحدة، تخضع لها كامل مؤسسات السلطة الفلسطينية، للاستفادة من أموال الدعم والمانحين الدوليين.

لذلك فإنه من غير الممكن تبني هذه السياسة في إطار السياق المفروض من الخارج، فمن ناحية هناك انعدام للسيادة الوطنية الفلسطينية بوجود الاحتلال الإسرائيلي، ومن ناحية أخرى هناك القيود الاقتصادية المرتبطة باتفاقية أوسلو وبالتحديد "بروتوكول باريس الاقتصادي".

وفي ظل انعدام الأفق نحو تسوية سياسية شاملة فيما يتعلق بإنهاء الاحتلال، فإنه يمكن اتخاذ العديد من المبادرات فيما يتعلق بمعالجة الأضرار التي يرتبها بروتوكول باريس الاقتصادي، والتي تحد إلى شكل كبير من استقلالية الاقتصاد الفلسطيني وتعمق من تبعيته للاقتصاد الإسرائيلي.

وعلى الرغم من صعوبة إلغاء هذا الاتفاق أو التنصل منه، فان السلطة الفلسطينية مطالبة بالعمل على إلغاء أو تعديل هذا الاتفاق وذلك لعدة اعتبارات، يتمثل أهمها في امتلاك السلطة للموارد المالية اللازمة لتغطية جميع بنود الموازنة الفلسطينية، كون التحكم بحركة وحرية الاستيراد من الخارج تمكن من تأمين ما لا يقل عن 2 مليار دولار سنوياً كإيرادات للخزينة العامة للسلطة الفلسطينية.

وقد تعمل هذه الأموال المحصلة على تخفيف الاعتماد نوعاً ما على المساعدات الدولية، المرفقة دائماً باشتراطات سياسية بعيدة عن تطلعات المجتمع. وفي إطار عدم قدرة السلطة على مخاطبة مجتمع الممولين الدوليين بلغة المجتمع واحتياجاته، تبرز الحاجة نحو إنشاء مجلس وطني للتنمية، وفق أسس تعزيز القدرات الإنسانية والاجتماعية والفكرية لمختلف مكونات المجتمع، وذلك فيما يتعلق بصياغة القرارات التي تخدم عملية التنمية في المجتمع الفلسطيني، وتصميمها وتنفيذها وتقييمها وتوفير أموال الدعم من المصادر الخارجية دون التدخل من طرف الممولين في اختيار المشاريع.

بالإضافة إلى تدعيم هذا المجلس بنظام رقابي يقوم بإخضاع مصادر الدعم للمساءلة، على أن لا تقتصر هذه المساءلة على الجوانب الميكانيكية البحتة، مثل مقارنة المبالغ التي يتم التعهد بها مع ما يتم صرفه، بل تتعدى ذلك لتشمل أمور مثل مدى الالتزام بأهداف التدخل، والإطار الزمني، والنوعية المهنية، ومدى خبرة "الخبراء"، والتأكد من مدى موضوعيتهم ونزاهتهم.

ولعل مرحلة ما بعد الانتفاضة الثانية بما ولدته من وعي جديد، ستملي على السلطة الفلسطينية القيام بدور أكثر مسؤولية في تحديد الاولويات وأوجه توجيه المساعدات الخارجية، وفق خطة تنموية يتم بلورة أولوياتها بمشاركة القطاعات المختلفة من المجتمع الفلسطيني، وفق رؤية ديمقراطية وتنموية لمستقبل الدولة والمجتمع في فلسطين.

لذلك فإن أولى الخطوات التي يمكن أن تتبعها السلطة الفلسطينية ممثلة بحكومة الوحدة الوطنية التي تم تشكيلها في 17 مارس 2007، تتمثل بالتعاون والشراكة الحقيقية مع مؤسسات المجتمع المدني، لتشكيل رؤية وخطاب تنموي جديد، تنتقل بالحالة الفلسطينية من التبعية إلى الاستقلالية، ويمكن بالتالي من تكييف الخطاب الدولي للتنمية بما يتواءم والسياق الوطني والمحلي وثوابته الوطنية والتنموية.

وقد بدأت ملامح هذا الخطاب بالوضوح (نظرياً) فيما طرحه برنامج الحكومة في موقفه من الضغوطات الإسرائيلية والدولية، والسعي لإنهاء الحصار بكافة الوسائل والأشكال، وإعادة النظر في بروتوكول باريس، وترسيخ الوحدة الوطنية وتعميق الوفاق الوطني. مما يدفع نحو تحقيق تنمية مرتكزة على كرامة الإنسان الفلسطيني، باعتبار أن لا تنمية بدون كرامة واحترام للذات ومقدراتها.

كذلك إعادة النظر في جميع العلاقات الاقتصادية والتجارية الفلسطينية الإسرائيلية القائمة، حيث يجب أن ترتكز الاستراتيجية الفلسطينية على فك ارتباط الاقتصاد الفلسطيني وتبعيته للاقتصاد الإسرائيلي تدريجياً، والعمل على دمجه بالمحيط العربي والإقليمي.

كذلك ضرورة قيام الوزارات المعنية في السلطة الفلسطينية، كوزارة المالية ووزارة التخطيط، بإيجاد الآليات المناسبة لضمان دمج الخطط التطويرية المنبثقة عن المجالس والمؤسسات المعنية بتطوير عملية التنمية في فلسطين، ضمن الموازنة العامة السنوية للسلطة الوطنية الفلسطينية، حتى تتحول هذه الخطط إلى برامج عمل تتسق مع سياسات السلطة المالية وتوجهاتها التنموية.

ومن جانب آخر، العمل من قبل هذه المؤسسات والوزارات على تعميم برامج ومشاريع العمل التي تربط بين الإغاثة والتنمية، وذلك بالتركيز على مشاريع البنية التحتية والاستثمار في التعليم، كونهما أساس التنمية الفلسطينية طويلة الأمد.

وربما يكون لإنشاء إدارة مركزية تشرف على كل ما له علاقة بالمساعدات دوراً مهماً على صعيد توزيع هذه المساعدات وفق البرنامج التنموي الذي تقره السلطة.

وينتظر من السلطة العمل على تعزيز المشاركة المجتمعية في رسم السياسات ووضع الخطط التنموية والطارئة، وذلك من خلال إعطاء دور اكبر لوحدات الحكم المحلي في تعميم إدارة مشاريع المساعدات الدولية. إلا أن الأهم من وضع الخطط والسياسات هو الالتزام من قبل السلطة بتطبيقها بما يعود بالنفع المباشر على المجتمع الفلسطيني، والدفع بالتالي باتجاه قيام اقتصاد فلسطيني منتج وقوي.

إن تحقيق التنمية وفق مبدأ المساعدات الدولية وأموال المانحين الدوليين، يمكن أن يأخذ طريقه نحو التطبيق في حالة الاتفاق بين الدول المانحة والدولة المتلقية في الإطار الثقافي والخلفية الحضارية والتقاليد المجتمعية. ويرجع هذا بالأساس على دور الدولة في إبراز هذه التوجهات، وبالتالي لكي تكون عملية التنمية حقيقية، ينبغي أن تكون في الأساس معتمدة على الذات وتتم بواسطة المشاركة الفعلية لأفراد المجتمع.

على أنه يجب التأكيد في هذا الموضع، أن المساعدات الدولية قد لا تستمر إلى الأبد، لذلك فإن الإبقاء على فكرة ديمومتها لا يصب في مصلحة الاستراتيجية الفلسطينية التنموية، والتي عليها العمل باتجاهين، الأول، التخلص تدريجياً من الاعتماد عليها، والثاني، إيجاد البديل المناسب، وبإمكان مؤسسات المجتمع المدني أن تلعب دوراً مهماً في تحقيق ذلك.

ثانياً// على مستوى مؤسسات المجتمع المدني.

تتجلى أهمية مؤسسات المجتمع المدني في تبني سياسة جديدة للاستفادة من أموال المانحين الدوليين، من خلال مدى الاهتمام الكبير الذي تحظى به هذه المؤسسات من قبل الجهات الدولية المانحة، كونها تعتبر في نظر هذه الجهات الأداة المناسبة لإملاء الاشتراطات السياسية وتنفيذ سياساتها، والتي غالبا ما تكون بعيدة عن تطلعات المجتمع.

ولعل هذا راجع بدوره إلى غياب التخطيط والتنسيق بين مختلف هذه المؤسسات في تبني رؤية مشتركة لإدارة أموال المانحين، الأمر الذي أعطى الجهات المانحة هامشاً أوسع في تحديد اولويات إنفاق أموالهم بطريقة تكون أكثر انسجاماً مع أجندتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ولعل هذا التباين والاختلاف الحاصل في رؤية مؤسسات المجتمع المدني، تبرز ملامحه في الموقف من الاشتراطات المقترنة بعملية التمويل، حيث يرى بعض هذه المؤسسات أن هذه الاشتراطات عبارة عن محاولة من طرف المانحين لفرض رؤيتهم على المجتمع. في حين يقر البعض الآخر بالقيمة الايجابية لعملية فرض الشروط كمحرك للتغيير الاجتماعي وتحسين حقوق الإنسان.

يتبين من هذا أن الخطاب الموحد والمأمول من طرف منظمات المجتمع المدني تجاه مجتمع المانحين، ما زال جنينياً، طالما بقي التعاطي مع المانحين منفرداً، ويهدف إلى الاستفادة الذاتية من أكبر دعم ممكن تحصيله من المانحين الدوليين.

إلا أن الدور الملقى على عاتق هذه المنظمات في المرحلة الحالية، هو كيفية إعادة التعبير عن الأفكار العالمية وفك رموزها وإعادة تشكيلها حسب السياق المحلي، بما يتلاءم مع المتطلبات المرحلية للمجتمع الفلسطيني، خاصة في ظل تزايد حجم المعاناة جراء استمرار الاحتلال والحصار الدولي.

كذلك تبرز الحاجة في هذا الإطار، إلى ضرورة تبني نظام تقييم ذاتي للمشاريع التي تقوم بتنفيذها الجهات المانحة، نابع بالتوافق بين منظمات المجتمع المدني وجهة المانحين الدوليين، وذلك على أساس أن الجهات المانحة تلجأ عادة لفاعل خارجي لتقييم مشاريعها التنموية، مما قد يسهم في بعض الاختلالات.

الأمر الذي يتطلب إعادة تعريف العلاقة بين منظمات المجتمع المدني والمانحين، على أساس مبادئ الثقة والاستقلال الذاتي، وضرورة وضع آليات عملية للتغلب على عدم تساوي القوة بين الجهات المانحة ومنظمات المجتمع المدني.

ولعل من المفيد في هذا الموضع التعاون بين السلطة الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني، على تشكيل تجمع للكفاءات الفلسطينية، كبدائل ممكنة للخبراء الأجانب والمساعدة في تطوير هذه الخبرات.

إن عدم قدرة منظمات المجتمع المدني على إعادة تعريف رؤيتها، أو إعادة تنظيم مؤسساتها يجعلها تواجه خطر التحول إلى شكل المانحين، وتعميق حالة الاغتراب بينها وبين مجتمعها. لذلك فمن الضروري لهذه المنظمات أن تخلق روابط مع المانحين من خلال منظور نقدي، ولكي يصبح دعم المانحين لهذه المنظمات فرصة لها للتقدم في عملية التغيير الاجتماعي، فلا بد لها أن تدعم المشاريع بعلاقاتها الأفقية والرأسية المبنية مع القاعدة الشعبية والمنظمات الاجتماعية الأخرى، لذلك فإن هذه المنظمات الفلسطينية بحاجة لتنمية رؤية جديدة لإعادة هيكلة نفسها. والسعي لبناء إطار مشترك وواسع يجمع الممولين والمنظمات غير الحكومية والسلطة الوطنية الفلسطينية لتنسيق الأولويات والمشاريع، أو على الأقل تحديد واضح لآلية تقديم التمويل الخارجي.

فالفكرة الموجهة في هذا المجال هي تقليص الآثار السلبية لعلاقة التبعية التي تربط المنظمات المحلية والممولين، من خلال التعاون المسبق بين السلطة الوطنية ومنظمات المجتمع المدني في مجال تحديد الأولويات، ووضع الخطط التي يمكن أن تطرح على الممولين الخارجيين، وتحديد ضوابط للتمويل الأجنبي وتحديد التمويل المقبول وشروط ذلك وفقاً للقانون، على أن تكون هذه الضوابط وفق إطار الاعتراف بشرعية النضال الفلسطيني والحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.

في ضوء ما تقدم، فإن الضرورة ملحة لتحقيق هذه المتطلبات، والأهم العمل على تحقيق التكاتف والتنسيق الكامل بين مؤسسات المجتمع المدني بهدف محاولات فك الحصار والتشهير بممارسات الاحتلال وإبراز دوره كمعيق لعملية التنمية، من خلال إجراءات الحصار والحواجز واحتجاز التحويلات المالية للسلطة الفلسطينية والتي هي حق من حقوق السلطة والشعب الفلسطيني وفق ما نصت عليه اتفاقية أوسلو وبالتحديد بروتوكول باريس الاقتصادي.

ولعله من المناسب التفكير باستراتيجية تمويلية جديدة تأخذ بعين الاعتبار العمل على بلورة مبادرات، كإنشاء صندوق للعمل الأهلي، يساند المنظمات الصغيرة والناشئة وفق معايير الاحتياج والأولوية وفي إطار السعي الجاد للتحرر من التبعية للممول، كذلك استعادة دور التمويل العربي لمنظمات المجتمع المدني، وإيجاد وسائل لاجتذاب القطاع الخاص المحلي، والفلسطينيين في المهجر نحو تمويل بعض المشاريع.

وقد يكون من الضروري أن تبدأ مكونات المجتمع المدني الفلسطيني في تشكيل إطار تنسيقي، يطرح تصوراتها الموحدة المساندة للسلطة الفلسطينية فيما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية، وتوظيف علاقاتها الجماهيرية والإقليمية والدولية لدعم هذه الحقوق.

المطلب الثاني

تعزيز القدرات الذاتية للمجتمع الفلسطيني

إن مهام تحقيق التنمية في المجتمع الفلسطيني تلقي بالمسؤولية على جميع مكونات المجتمع نحو الإسهام في تهيئة المناخ الملائم لتحقيق التنمية، حيث يتطلب الأمر مشاركة جماعية للنهوض بالوضع المجتمعي، سواء تعلق الأمر بدور القطاع الخاص الفلسطيني (أولاً)، أو بتبني رؤى واستراتيجيات تنموية يشارك فيها الجميع وتكون قادرة على الربط بين مهام التحرر السياسي ومهام التنمية الاقتصادية والاجتماعية (ثانياً).

أولاً// تفعيل دور القطاع الخاص كمحرك لعملية التنمية.

تقاس قوة القطاع الخاص بمعدل مساهمته في الناتج المحلي واستيعابه للقوى العاملة، كما يساهم القطاع الخاص في تعزيز قوة الاقتصاد، حيث يعتبر العمود الفقري للنمو والتنمية، ويختلف دور القطاع الخاص من دولة إلى أخرى تبعاً للفلسفة الاقتصادية والعوامل المحددة والمحيطة بهذا القطاع، كالنظام الاقتصادي والسياسي لهذه الدولة، ومدى توفيرها للبيئة الاستثمارية ومدى جاهزية رأس المال المادي والبشري.

بالنسبة للقطاع الخاص الفلسطيني نجده يلعب دوراً مهماً في عملية تحقيق التنمية الاقتصادية، حيث يساهم بإنتاج الجزء الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي، ويوظف الجزء الأكبر من القوى العاملة الفلسطينية، ويفتح بالتالي المجال أمام حركة الاستثمار بما قد يعود بالفائدة على عملية التنمية والوضع الاقتصادي برمته.

فمنذ نشأة السلطة الفلسطينية أخذ القطاع الخاص دوره كمحرك لعملية التنمية، بالرغم من ضعف الأداء الحكومي للسلطة الناشئة، حيث ساهم في وصول معدلات النمو إلى درجات جيدة، والعمل كذلك على تطوير عدد من المؤسسات المساندة والداعمة، مثل الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية، والاتحادات الصناعية التخصصية، واتحاد الغرف التجارية ومركز التجارة الفلسطيني، وجمعية رجال الأعمال واتحاد البنوك وغيرها، والتي ينظم عملها المجلس التنسيقي للقطاع الخاص.

ولا شك في أن هناك الكثير من عوامل القوة التي تدعم وتقوي من دور القطاع الخاص، يتمثل أهمها في الخصائص الجيدة للسكان، حيث يعتبر المجتمع الفلسطيني مجتمعاً فتياً تغلب عليه فئة الشباب، وتبلغ نسبة قوة العمل للأفراد ما فوق 15 سنة نحو 54% من المجموع الكلي للسكان.

بالإضافة إلى رأس المال المادي، حيث شكل السكان الفلسطينيون الموجودون في الخارج والمقدر عددهم بنحو خمسة ملايين نسمة، امتداداً قوياً للسكان الفلسطينيين في الداخل، مما يعتبر إحدى نقاط القوة والدعم للاقتصاد الفلسطيني، وعلى الرغم من عدم القدرة على اجتذاب رؤوس أموالهم، إلا أن بعضها تم جذبه نظراً للأوضاع السياسية المتردية.

كذلك الشأن بالنسبة لمؤسسات المجتمع المدني والتي تعتبر رافداً هاماً لتقوية القطاع الخاص، لما تقدمه من خدمات سواء على مستوى مشاركتها في وضع الخطط التنموية وإشراك أكبر شريحة من الفلسطينيين للاندماج في عملية التنمية، أو على مستوى مراقبة عمل السلطة الفلسطينية في مجالاتها المختلفة، إضافة إلى الخبرة العملية التي اكتسبها القطاع الخاص نتيجة استحواذه على نسب عالية من التشغيل مقارنة بالقطاع العام.

كذلك لا يمكن إغفال دور السلطة الفلسطينية في القوانين والتشريعات التي أقرتها والتي تمثلت في تنظيم الحياة الاقتصادية وعقد اتفاقيات مختلفة مع العالم الخارجي، وإعطاء الحوافز المختلفة للقطاع الخاص، إلا أن دور القطاع الخاص تراجع مع بدء الانتفاضة الفلسطينية في سبتمبر/ أيلول 2000 بشكل ملحوظ، نتيجة لزيادة الاغلاقات والحصار المفروض على تنقل البضائع والأشخاص من المناطق الفلسطينية للخارج وبين المناطق الفلسطينية.

حيث عرقلت إسرائيل الوصول إلى الأسواق الخارجية من خلال سياستها وإجراءاتها على المعابر والفحص الأمني على البضائع، وتعطيل تنشيط السوق المحلي (ما بين الضفة وقطاع غزة)، وبالتالي عدم استفادة القطاع الخاص من الاتفاقيات الموقعة بين السلطة الفلسطينية والأردن ومصر والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى ضعف الأجهزة الفنية والإدارية القادرة على إيجاد أسواق خارجية، وعدم وجود مؤسسات مالية تدعم قطاع التصدير الخارجي، وذلك لعد رغبة البنوك التجارية في دعم وتمويل عمليات ونشاط القطاع الخاص.

وكما أن هناك نقاط قوة تدفع باتجاه تقوية القطاع الخاص، هناك أيضاً نقاط ضعف تؤثر سلباً على نمو القطاع الخاص، أهمها:

- غياب الاستقرار السياسي: ويعزى ذلك إلى سياسة الحصار والتدمير التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى سياسة الربط الاقتصادي (التبعية للاقتصاد الإسرائيلي).

- التشوهات الهيكلية: والمتمثلة في ضعف البنية التحتية واعتماد الأيدي العاملة الفلسطينية على إسرائيل بدل الاعتماد على القطاع الخاص، وضعف التنوع الإنتاجي وانحسار السيطرة الفلسطينية على مصادر محددة من الأراضي والمياه والموارد الطبيعية.

- ضعف الأداء الحكومي: فبالرغم من إقرار السلطة الفلسطينية العديد من القوانين والتشريعات إلا أنه يؤخذ عليها عدم تطبيق هذه القوانين بالطريقة الصحيحة.

إن الطرح السابق وإن كان جزء كبير منه يسلط الضوء على الاختلالات في أداء القطاع الخاص والمعيقات التي تعترض طريقه نحو تجسيد مفهوم التنمية وخدمة أغراضها، فالملاحظ أن جل هذه المعيقات والاختلالات راجعة إلى أمور تتعلق بالبيئة المحيطة بالقطاع الخاص، فهذا لا ينقص من دور القطاع الخاص في مساهمته الفعلية في خدمة عملية التنمية، إن تطورت البيئة المحيطة وتقلصت نسب العوامل المؤثرة في إعاقة عمله وإكمال دوره.

وتنطلق أبرز التوصيات العامة والمطالبات التي ينادي بها القطاع الخاص للمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة، من خلال:

 ضرورة إصلاح النظام الحكومي والقضاء على الاحتكارات وتبني سياسة بناء مؤسسي صحيح من قبل مجلس الوزراء.

 ضمان البيئة الاستثمارية المناسبة من خلال تطوير أجندة العمل التنموي الفلسطيني ومن الأولويات الاقتصادية التي تعزز القدرة الذاتية للاقتصاد الفلسطيني.

 العمل على إصلاح الأضرار الناجمة عن العدوان الإسرائيلي للبنية التحتية والاقتصادية، وإصلاح المصانع والمزارع والمحلات التجارية ووسائل النقل وكل ما تم تدميره، وتعويض المتضررين جراء العدوان الإسرائيلي لمساعدتهم في إعادة انخراطهم في النشاط الاقتصادي.

 تطوير آليات لإقراض طويل الأمد وإنشاء محاكم تجارية وتفعيل القضاء للفصل في الخلافات التجارية. والعمل على الحد من سياسة الإغراق وحماية المنتجات المحلية.

إن العمل على تحقيق هذه المتطلبات يقتضي ضرورة التعاون والشراكة بين السلطة الفلسطينية والقطاع الخاص على أساس الاحترام المتبادل والتكامل في تطوير وتنمية الاقتصاد الفلسطيني. وهذا يتطلب من القطاع الخاص العمل على:

o الاستفادة من العمق العربي والإسلامي، والذي يختزل عناصر قوة كبيرة تتمثل في سوق استهلاكي مع أهمية الاستفادة من التسهيلات المقدمة من قبل الدول العربية والإسلامية.

o الاهتمام بجذب الاستثمار الخارجي، والتركيز على بناء قاعدة مؤسساتية للقطاع الخاص تشارك في صنع القرار الاقتصادي.

o الاستفادة من الاتفاقيات الموقعة مع الخارج وخاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، ومن التسهيلات المقدمة للصادرات الفلسطينية من هذه الدول.

o أهمية التحول من الطابع العائلي إلى المساهم، حيث يغلب على مؤسسات القطاع الخاص الطابع الفردي أو العائلي، مما يقلل من فرص تطوره وزيادة رأس ماله المستثمر، والاهتمام كذلك بإنشاء مؤسسات استثمارية لتقديم الخدمات في هذا المجال.

إن الالتزام بهذه التوصيات من شأنه المساهمة في خدمة عملية التنمية من جهة، ومن جهة أخرى تدعيم العلاقة بين القطاعين الخاص والعام، حيث شهدت تلك العلاقة تبايناً برزت ملامحه في عدم تقبل القطاع العام سيطرة القطاع الخاص على الدولة، فالقطاع العام يلعب دور المهيء في هذه الحالة للبيئة التنموية، في حين يقود القطاع الخاص عملية التنمية. كذلك الأمر بالنسبة للقطاع الخاص الذي يرفض استخدام النفوذ السياسي لتحقيق احتكارات تعرض الجميع للمخاطر.

وفي ظل غياب استراتيجية أو عدم وضوحها في ما يتعلق بالعلاقة بين القطاعين، فإنه مطلوب من القطاع العام قيادة عملية التنمية لحين وضوح العلاقة، ليس فقط في المجالات الاقتصادية إنما في الوضع السياسي العام.

إلا أن هذا لا يمنع من وجود إجماع حول ضرورة الشراكة بين القطاعين العام والخاص لقيادة عملية التنمية، من خلال تحويل المشاريع الإنتاجية، وتشجيع إحلال الواردات والعمل ضمن توجه شامل يأخذ بالاعتبار الامكانات والأهداف الوطنية.

هذا العمل نحو تفعيل دور القطاع الخاص وتحقيق الشراكة مع القطاع العام لا بد وأن يترافق مع صياغة رؤى واستراتيجيات تراعي الربط بين مهام التحرر السياسي وتحقيق التنمية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.

ثانياً// نحو رؤى واستراتيجيات تنموية: للربط بين مهام التحرر السياسي ومهام التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

إن تحليل البيئة الداخلية والخارجية للوضع في الأراضي الفلسطينية، تبرز بوضوح التعقيدات الخاصة بمرحلة التحرر الوطني التي يعيشها الشعب الفلسطيني، والتي تستوجب تركيز وتوظيف كافة المصادر والجهود لتحقيق التحرر السياسي من الاحتلال الإسرائيلي.

وفي ظل غياب أي أفق نحو تحقيق التحرر، ومطالبة السلطة الفلسطينية بتلبية احتياجات المجتمع الفلسطيني المتنامية، والتشوهات العميقة في البنية الاقتصادية والاجتماعية، وتعدد نقاط الضعف، إلا أن الشعب الفلسطيني يمتلك نقاط قوة هامة يمكن الاعتماد عليها لتحقيق القدرة على مواجهة سياسات الاحتلال من جهة، وتحديات البناء التنموي من جهة أخرى.

إلا أن هذا النجاح يتطلب قيام المجتمع الفلسطيني بكل مكوناته بتوجيه جهوده نحو الاستثمار في المجالات الصحيحة، وضمان استثمار هذه المصادر والجهود بأقصى درجات الفعالية. ولتحقيق ذلك، فإنه من الضروري أن يضع شركاء التنمية الفلسطينية رؤيتهم التنموية، وأن يحددوا أهدافهم الاقتصادية والاجتماعية الرئيسية واستراتيجياتهم لتحقيق تلك الأهداف والرؤية التنموية، بالانسجام مع رؤيتهم السياسية التي حددتها المرجعيات الشرعية للشعب الفلسطيني المتمثلة في قرارات المجلس الوطني الفلسطيني، ووثائق السلطة الوطنية ومنظمة التحرير.

ويمكن أن تقتصر الأهداف الاستراتيجية العامة على المدى القصير، أي مرحلة ما قبل التحرر والاستقلال، على:

 مواجهة مشكلة البطالة والفقر ومنع هجرة الأيدي العاملة وخصوصاً الكفاءات، من خلال فتح فرص عمل وبرامج تشغيل في داخل الوطن العربي، خاصة الكفاءات الإدارية والفنية، والتي ستكون فلسطين في حاجة لها لبناء الاقتصاد الفلسطيني العصري بعد التحرر والاستقلال.

 تقوية ركائز ومتطلبات التحرر من الاحتلال، خصوصاً من خلال تطوير قدرات الشعب الفلسطيني الذاتية السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.

 تطوير رأس المال البشري وتعزيز رأس المال الاجتماعي.

 حماية السلطة الوطنية من التفكك وضمان مواصلتها لتقديم خدماتها الحيوية.

 العمل على إزالة التشوهات في البنية الاقتصادية والاجتماعية.

وكخطوة عملية وأولى للنهوض بالاقتصاد الفلسطيني، يجب العمل على إعطاء الأولوية لإصلاح الأضرار التي أصابت الاقتصاد الفلسطيني نتيجة السياسات والإجراءات الإسرائيلية.

ولعل من بين الأمور التي يجب أن تعطي أهمية خاصة في المدى القريب، ما يلي:

 إصلاح الأضرار التي أصابت البنية التحتية، وبخاصة الطرق والمجاري وشبكات المياه والكهرباء والاتصالات.

 إصلاح الأضرار التي أصابت المؤسسات العامة، بما يتيح لها مواصلة نشاطها وتقديم الخدمات اللازمة للصناعة.

 دعم المؤسسات المساندة للصناعة، وبخاصة البنوك والمؤسسات المالية الأخرى، ومؤسسات التعليم العالي والتدريب وغيرها.

 تعويض المؤسسات التي تضررت مادياً من القصف، سواء بإصلاح الأضرار الفعلية المباشرة، أم من خلال صناديق التعويض التي يمكن أن تقدمها المؤسسات العربية أو الدولية.

كذلك العمل على تهيئة مناخ استثماري، والإسراع بتنفيذ الخطط التي تعهدت السلطة الفلسطينية بتنفيذها لإصلاح الوضع القانوني والتأكيد على استقلالية القضاء وتحسين أداء المحاكم، وتوفير حماية قانونية مناسبة للمستثمرين.

فبالإضافة إلى المشاكل والمعوقات الإسرائيلية في هذا المجال، فإن هناك الكثير من المعوقات الفلسطينية التي يجابهها المستثمر على كافة المستويات، والتي من المنتظر أن تقوم السلطة بتجاوزها، نظراً للدور الكبير الذي يلعبه الاستثمار كمحرك لعملية النمو والتحديث الاقتصادي.

بالإضافة إلى العمل على توفير فرص العمل، كون انعدام هذه الأخيرة يدفع الفلسطينيين للهجرة إلى الخارج، ما يعني تفريغ الأراضي الفلسطينية تدريجياً من عدد كبير من العاملين وأغلبهم من فئة الشباب، الأمر الذي يؤثر بشكل سلبي ومباشر على التطور المستقبلي والتنمية في فلسطين.

ولعل أبرز التوصيات في هذا المجال، العمل على إنشاء صندوق مخصص لإعادة إعمار المشاريع الإنتاجية التي تم تدميرها من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ودعم دور القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية باعتباره المدخل الاستراتيجي للعمل وتخفيض حدة البطالة، ووضع آلية للقضاء على ظاهرة التسرب من المدارس، ما يقلل من تدفق الأفراد نحو سوق العمل، وإحلال سياسة المنتج المحلي بدلاً من سياسة الاستيراد، واعتماد المنتج المحلي في مشتريات القطاع العام، وضرورة الالتزام بالسن القانوني للتقاعد، وعدم السماح بالتمديد لسنوات إضافية، وتشجيع التقاعد المبكر، مما يتيح الفرصة للشباب لكسب الوظانف.

إلى جانب ذلك، فإن العمل على تشجيع المشاريع الصغيرة يعد محوراً مهماً من محاور الاستراتيجية الفلسطينية للتنمية، نظراً لما تتميز به هذه المشاريع من قدرة على استيعاب أعداد كبيرة من الأيدي العاملة، كذلك مرونتها في الاستجابة للتغيرات وكثافة استخدامها للمواد الخام المحلية، وقدرتها على تلبية الاحتياجات الأساسية التي تساعد المواطنين على الصمود.

ومن بين السياسات التي يمكن أن تزيد من كفاءة ونمو المشاريع الصغيرة ما يلي:

• تشكيل مؤسسة عامة أو هيئة وطنية مشتركة من القطاعين العام والخاص لدعم المشاريع الصغيرة، وبخاصة تقديم المساعدة الفنية والتدريب والإدارة والاستشارات المالية والتسويقية التي تفتقر إليها المشاريع الصغيرة في معظم الأحيان.

• تقديم حوافز مالية - وليس فقط إعفاء ضريبي - للمؤسسات الصغيرة التي تستخدم موارد محلية وتنتج بدائل للموارد الإسرائيلية، على أن يرتبط حجم هذه الحوافز بعدد العمال الذين يتم تشغيلهم ومقدار التوفير في الاستيراد.

• مساعدة الصناعات الصغيرة في الحصول على تمويل بشروط ميسرة، سواء من خلال تشجيع البنوك على منح ائتمان للمشاريع الصغيرة لتمويل استثماراتها في الآلات ومشتريات المواد الخامة، أو من خلال صناديق وبرامج إقراض مخصصة للمشاريع الصغيرة لمساعدتها في الاحتفاظ بمخزون كاف من المواد والتجهيزات لمواجهة الحالات الطارئة.

• تشجيع العاطلين عن العمل على إقامة مشاريع إنتاجية مولدة للدخل من خلال المساهمة في إعداد دراسات الجدوى وتقديم تسهيلات مالية وخدمات تسويقية وغيرها.

• بالإضافة إلى توفير ثقافة المشروعات الصغيرة عبر إنشاء وسائل إعلام متخصصة لهذا الشأن، نظراً لأهمية هذه الأخيرة في توعية وإرشاد المواطنين والعمل على الرفع من مردودية العمل التنموي.

حيث لوحظ أن هناك غياب تام لمفهوم التنمية بمفاهيمها العامة عبر وسائل الإعلام، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والبشرية، وعدم إفراد وسائل الإعلام المختلفة مساحات كافية من برامجها وصفحاتها وساعات بثها، لتغطية التنمية وشؤونها المتعددة.

من جانب آخر فإنه يمكن العمل على تطوير الروابط مع العالم العربي وتقويتها، كون ذلك يعزز من القدرة الذاتية للاقتصاد الفلسطيني في مواجهة المحاولات الإسرائيلية المتواصلة لاستلاب الأرض الفلسطينية، واحتكار علاقات فلسطين الخارجية، بالإضافة إلى أنه يعزز من قدرة الدول العربية على التكامل الاقتصادي فيما بينها، حيث يمكن للسلطة الفلسطينية العمل على:

 عقد اتفاقيات ثنائية وبروتوكولات تجارية مع الدول العربية والإسلامية لتشجيع التبادل التجاري، وخاصة تصدير المنتجات الصناعية الفلسطينية إليها، واستيراد السلع الاستهلاكية بهدف تخفيف التبعية للاقتصاد الإسرائيلي.

 تسهيل مشاركة الصناعيين الفلسطينيين في المعارض التجارية الدولية، وبخاصة تلك التي تقام في الدول العربية والإسلامية، مما يساعد المنتجين الفلسطينيين على لقاء رجال الأعمال من تلك الدول وإبرام الصفقات التجارية أو إقامة المشاريع المشتركة معهم.

 تشجيع المستثمرين العرب (وبخاصة فلسطينيي الشتات) على الاستثمار في فلسطين.

أما الأهداف الاستراتيجية التنموية على المدى البعيد، فلا تخرج عن إطار استكمال عملية إعادة بناء مؤسسات السلطة الوطنية على أسس مهنية لبناء دولة القانون والمؤسسات. ومواصلة تطوير رأس المال البشري الفلسطيني بما يحقق الرؤية التنموية الفلسطينية التي تنادي ببناء اقتصاد فلسطيني يقوم على قاعدة معرفية قوية.

بالإضافة إلى تطوير بنية اقتصادية اجتماعية قادرة على امتلاك المعرفة وتوطين التكنولوجيا الحديثة لتلبي خيارات الشعب الفلسطيني في الحفاظ على وجود وحضور اقتصادي قوي، ولعب دور ايجابي واحتلال مكانة اقتصادية مرموقة إقليميا ودولياً، واستكمال إزالة التشوهات في البنية الاقتصادية والاجتماعية.

وعلى الرغم من أن الأولوية سوف تكون لإصلاح الأضرار الناجمة عن استمرار الاحتلال والعمل على تطبيق الرؤى والاستراتيجيات على المديين المتوسط والبعيد، إلا أن هذا لا يمنع من تبني استراتيجية آنية، تتمثل أهم محاورها بالعمل على ربط الجهد الاغاثي بالنشاط التنموي، بحيث توجه نشاطات الإغاثة نحو نشاطات من شأنها تحسين فرص النمو الاقتصادي الذاتي، وتحضير المقدمات والشروط للانتقال بالاقتصاد إلى التنمية المستدامة بعد الاستقلال.

كذلك يمكن الاستثمار في التعليم بمختلف مراحله وخصوصاً في التعليم الأساسي، والعمل على توجيه التعليم الجامعي ليتلاءم مع احتياجات المجتمع، ويتطلب ذلك تأهيل المعلمين وتطوير المناهج وتوفير الأبنية المدرسية، وضرورة تشجيع البحث العلمي في الجامعات وربطه بمتطلبات التنمية.

والاستمرار في مواصلة عملية الإصلاح الشاملة للسلطة الوطنية الفلسطينية، كأفضل الخيارات لتطوير كفاءة القطاع الحكومي، وتأهيله للعب دور فعال في إدارة التنمية وتوجيهها نحو الأهداف الكبرى، ولتحقيق البيئة التنموية التنافسية.

يتضح لنا مما سبق ذكره في هذا القسم، أن متطلبات تحقيق التنمية في المجتمع الفلسطيني هي عملية تكاملية، تلزم الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني إلى جانب السلطة بالعمل كوحدة متكاملة لتجاوز الاكراهات المتتالية، والذي يعود جزء منها إلى التركيبة المؤسساتية والاجتماعية الداخلية، إلى جانب العوامل الخارجية الأخرى.



خاتمـــــــة

يتضح من خلال هذا البحث، أن العمل باتجاه تحقيق التنمية، لا زال محاطاً بالكثير من الإشكالات والعراقيل، والتي تمثل كتحدياً رئيسياً إن تم تجاوزها فستصبح أهداف التنمية المختلفة ركائز أساسية لكافة الشعوب والمجتمعات العالمية.

وعليه فإننا خلصنا باستنتاجات معينة من خلال هذا البحث، وهي كالتالي:

 مراعاة المفهوم الفلسطيني للتنمية المعبر عنه في الأدبيات الفلسطينية بالتنمية الانعتاقية، لكافة محددات وضوابط الشأن التنموي في الأراضي الفلسطينية، من حيث دمجه بين متطلبات التحرر من الاحتلال والتنمية، ومراعاته أيضاً للفرص الداخلية المساعدة على تحقيق التنمية.

 بروز الواقع الفلسطيني كتحدي جديد أمام تحقيق التنمية، فقد شكلت حالات الفساد والخلل المؤسساتي في السلطة الفلسطينية إحدى أبرز هذه التحديات، بالإضافة إلى تدني ثقة الفرد بالمؤسسة، هذه الأخيرة التي عملت على إبعاد الفرد عن المشاركة الحقيقية والبناءة في صناعة التنمية، وتباين العلاقة بين القوى السياسية المختلفة في المجتمع الفلسطيني.

 استمرار التحدي الأبرز أمام الفلسطينيين في سعيهم نحو تحقيق التنمية، وهو الاحتلال الإسرائيلي والممارسات الإسرائيلية المختلفة، والتي كانت وما زالت السبب الرئيسي في عرقلة أية مساعي فلسطينية لتحقيق عملية التنمية، بالإضافة إلى جمود المواقف الدولية المساهمة في الدعم المالي للفلسطينيين، وانحيازها في غالب الأحيان إلى اشتراطاتها السياسية البعيدة عن تطلعات المجتمع الفلسطيني ورغباته.

 إن تجاوز هذه العراقيل مرهون بالفعل الفلسطيني بدايةً، على اعتبار أن إصلاح المؤسسات الفلسطينية سواء كانت تابعة للسلطة الفلسطينية أو للمجتمع المدني، وتمكين الأفراد من المشاركة الفعالة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والذي سيضفي طابعاً جديداً ومنقحاً للعلاقة بين التشكيلات المجتمعية المختلفة والسلطة، سيساهم بشكل رئيسي في تجاوز العراقيل الماثلة أمام التنمية الفلسطينية.

 كذلك فإن الاتفاق على برنامج وطني موحد، يجمع في إطاره مكونات المجتمع الفلسطيني، يعد أمراً جيداً في مواجهة التحديات، فبالإضافة إلى كونه سيخدم عملية التنمية بالشكل المطلوب، فإنه سيخدم المشروع الوطني الفلسطيني برمته، والهادف إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، واستعادة كامل الحقوق الفلسطينية، بما يتوافق مع مقررات الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي.

 إن إنجاز هذه المتطلبات سيخدم بلا شك الأهداف الفلسطينية في تحقيق التنمية، إذا ما اقترن بقيادة حكيمة ورؤية تنموية سليمة، تعمل في ذات الإطار على تعزيز قدرات المجتمع الفلسطيني على كافة القطاعات، الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، والثقافية، بما يساهم في إنهاء حالة التبعية للخارج، والنهوض بالوضع المجتمعي العام نحو مستويات أرقى وأفضل.

لذلك بات على المجتمع الفلسطيني، أفراداً ومؤسسات وسلطةً، أن تقوم بتطوير العلاقة فيما بينها، للخروج برؤية فلسطينية خالصة يمكن من خلالها تجاوز وإنهاء كافة العراقيل والإشكالات، والسير قدماً نحو تنمية شاملة لطالما نشدها الشعب الفلسطيني.

وفي نهاية هذا البحث أختم قولي بمقولة للأصفهاني:

(( إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلا قال في غده، لو غير هذا لكان يستحب، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا أعظم العبر على نقص البشر ))

وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين





قائمة المراجــع

 الكتـــب:

1. إبراهيم أبراش: المجتمع الفلسطيني من منظور علم الاجتماع السياسي، مطبعة دار المنارة، 2004.

2. إبراهيم أبو الهيجاء: جدار الخوف، ضمن سلسلة دراسات فلسطينية، صادر عن مركز الإعلام العربي، القاهرة، الطبعة الأولى، 2004.

3. إبراهيم العيسوي: التنمية في عالم متغير، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الثانية، 2004.

4. أبو الحسن عبد الموجود إبراهيم: التنمية وحقوق الإنسان: نظرة اجتماعية، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 2006.

5. أحمد مصطفى خاطر: التنمية الاجتماعية: المفهومات الأساسية- نماذج ممارسة، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 2002.

6. أسامة الخولي وحسين مختار الجمال: التكنولوجيا والموارد البشرية والاعتماد على الذات، دار الشباب للنشر والترجمة والتوزيع، نيقوسيا- قبرص، الطبعة الأولى، تشرين الأول 1987.

7. الاقتصاد الفلسطيني: تحديات التنمية في ظل احتلال مديد: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، آذار/ مارس 1989.

8. التنمية العربية: الواقع الراهن والمستقبل، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1984.

9. الدستور الفلسطيني ومتطلبات التنمية البشرية (أبحاث وأوراق عمل): برنامج دراسات التنمية، جامعة بيرزيت، رام الله، مايو/ أيار 2004.

10. السياسات الاقتصادية والتنمية البشرية في فلسطين 1994- 1999: برنامج دراسات التنمية، جامعة بيرزيت، رام الله، 2001.

11. السيد محمد الحسيني: التنمية والتخلف: دراسات تاريخية بنائية، سلسلة علم الاجتماع المعاصر، الكتاب 38، الطبعة الأولى، 1980.

12. السيد محمد الحسيني وآخرون: دراسات في التنمية الاجتماعية، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الأولى، 1973.

13. الفاروق زكي يونس: تنمية المجتمع في الدول النامية، مطبعة القاهرة الحديثة، القاهرة، 1992.

14. باسم مكحول: الاستثمار والبيئة الاستثمارية في الضفة الغربية وقطاع غزة، معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، رام الله، كانون الأول، 2002.

15. تأثير الواقع السياسي على عمل المجالس المحلية في فلسطين: دراسة ميدانية، من سلسلة إصدارات المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات، رقم 3، غزة، 2006.

16. ثامر إبراهيم الجهماني: مفهوم الإرهاب في القانون الدولي، دار حوران للطباعة والنشر، دمشق، 1998.

17. جبريل محمد: الولاء المدني مقابل الولاء العضوي: دراسة لحالة الحكم في فلسطين، المركز الفلسطيني لتعميم الديمقراطية وتنمية المجتمع (بانوراما)، فلسطين، الطبعة الأولى، نيسان، 2005.

18. جلال أمين: المشرق العربي والغرب: بحث في دور المؤثرات الخارجية في تطوير النظام الاقتصادي العربي والعلاقات الاقتصادية العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1979.

19. جميل هلال: النظام السياسي الفلسطيني بعد أوسلو: دراسة تحليلية ونقدية، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، بالتعاون مع المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية (مواطن)، رام الله، تموز، 1998.

20. حسن شحاتة سعفان: أسس علم الاجتماع، دار النهضة العربية، القاهرة، 1994.

21. حسن لدادوة وآخرون: علاقات المنظمات غير الحكومية الفلسطينية فيما بينها ومع السلطة الوطنية الفلسطينية والممولين، معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، رام الله، حزيران، 2001.

22. حسين عبد الحميد أحمد رشوان: التغيير الاجتماعي والتنمية السياسية في البلدان النامية، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، الطبعة الثالثة، 2002.

23. حماني أقفلي: الثقافة والتنمية البشرية (فكرة التنمية الثقافية)، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2006.

24. خليل درويش وآخرون: مستقبل الحياة المدنية في مناطق الحكم الذاتي، مركز دراسات الشرق الأوسط، رام الله، الطبعة الأولى، مارس، 1998.

25. رمزي زكي: الاقتصاد العربي تحت الحصار: دراسات في الأزمة الاقتصادية العالمية وتأثيرها في الاقتصاد العربي مع إشارة خاصة عن الدائنية والمديونية العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1989.

26. زياد أبو عمرو: المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في فلسطين، دار الأمين للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 1995.

27. ساري حنفي وليندا طبر: بروز النخبة الفلسطينية المعولمة: المانحون والمنظمات الدولية، والمنظمات غير الحكومية المحلية، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية (مواطن)، رام الله، 2006.

28. سليم تماري: المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، دار الأسوار، عكا، 1990.

29. سمير عبد الله: نحو صياغة رؤية تنموية فلسطينية، معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، رام الله، 2005.

30. صلاح عبد العاطي: دراسة حول الحكم المحلي والهيئات المحلية في فلسطين، مركز الميزان لحقوق الإنسان، غزة، إبريل، 2005.

31. عادل مختار الهواري وعبد الباسط عبد المعطي: علم الاجتماع والتنمية: دراسات وقضايا، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1987.

32. عبد الباسط محمد حسين: التنمية الاجتماعية، مكتبة وهبة، القاهرة، 1977.

33. عبد الكريم الخالدي وآخرون: أوراق عمل: الدور التنموي للبلديات، من ملفات حوار الأربعاء، صادرة عن معهد كنعان التربوي النمائي، غزة، يوليو 2003.

34. عبد الهادي والي: التنظيم الاجتماعي: مدخل لدراسة المفهومات الأساسية، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1982.

35. عزمي بشارة: الانتفاضة والمجتمع الإسرائيلي: تحليل في خضم الأحداث، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، أيلول 2002.

36. علي الجرباوي: البنية القانونية والتحول الديمقراطي في فلسطين، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية (مواطن)، رام الله، الطبعة الأولى 1999.

37. علي علي حبيش: استيعاب التكنولوجيا وتحديات العصر، أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجي، القاهرة، 1992.

38. عماد يونس: انتفاضة الأقصى: تاريخها- جذورها- أسبابها- انعكاساتها على الفلسطينيين وعلى دول الجوار، المؤسسة الحديثة للكتاب، بيروت، 2005.

39. عمر عبد الرزاق ونائل موسى: تقييم خطط التنمية الفلسطينية وبرامج الوزارات المختلفة من زاوية مكافحة الفقر، معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، رام الله، أيار 2001.

40. غازي عبد الرزاق النقاش: التمويل الدولي والعمليات المصرفية الدولية، دار وائل للطباعة والنشر، عمان- الأردن، الطبعة الثانية 2001.

41. فضل النقيب: الاقتصاد الفلسطيني في الضفة والقطاع: مشكلات المرحلة الانتقالية وسياسات المستقبل، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، الطبعة الثانية، كانون الثاني 1999.

42. فليح حسن خلف: التنمية والتخطيط الاقتصادي، عالم الكتب الحديث، الأردن، 2006.

43. فيصل حوراني وآخرون: أوراق عمل: الإصلاح في المجتمع الفلسطيني، من ملفات حوار الأربعاء، صادرة عن معهد كنعان التربوي النمائي، غزة، يناير 2003.

44. قراءة في معاملات المواطنين والخدمات التي تقدمها البلديات: من سلسلة إصدارات المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات، رقم 6، غزة، 2005.

45. قطاع غزة بعد الانسحاب: دراسة تقييمية للواقع ورؤية مستقبلية، برنامج دراسات التنمية، جامعة بير زيت، رام الله، تموز 2006.

46. مجتمع المعرفة وإمكانيات التنمية: قراءات فلسطينية في تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003، صادر عن برنامج دراسات التنمية، جامعة بير زيت، رام الله- فلسطين، 2004.

47. مجد الدين خمش: الدولة والتنمية في إطار العولمة: تحليل سوسيولوجي لأزمة التنمية العربية ودور الدولة في تجاوزها، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان- الأردن، الطبعة الأولى 2004.

48. مجموعة خبراء: تنمية الموارد البشرية في الوطن العربي، دار الرازي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى 1989.

49. محمد إشتية: جغرافيا التنمية والإعمار في فلسطين، صادر عن المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار (بكدار)، غزة، 2003.

50. محمد جاد الله: المعارضة والسلطة الوطنية، مركز البحوث والدراسات الفلسطينية، نابلس- فلسطين، طبعة 1996.

51. محمد خالد الأزعر: الثقافة السياسية الفلسطينية (حقوق الإنسان والديمقراطية)، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، طبعة 1997.

52. محمد خالد الأزعر: النظام السياسي والتحول الديمقراطي في فلسطين، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية (مواطن)، رام الله، الطبعة الأولى، أكتوبر 1996.

53. محمد سيد فهمي: المجتمعات الجديدة بين التنمية والعشوائية، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، طبعة 2005.

54. محمد عبد الفتاح محمد: الجمعيات الأهلية النسائية وتنمية المجتمع، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، طبعة 2006.

55. محمد نصر: دور القطاع الصناعي في التنمية الاقتصادية الفلسطينية، معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، رام الله، 2002.

56. محمود الجعفري، باسم مكحول، دارين لافي، نصر عطياني: قطاع الخدمات الفلسطيني ودوره في عملية التنمية الاقتصادية، معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، رام الله، كانون الأول 2002.

57. محمود الجوهري: علم الاجتماع وقضايا التنمية، دار المعارف، القاهرة، طبعة 1982.

58. مركز غزة للحقوق والقانون: واقع وآفاق الإصلاح في السلطة الوطنية الفلسطينية، مشروع التدريب والتثقيف والتحشيد لإجراء الانتخابات وعمل الإصلاح، الدائرة القانونية، إصدار المركز، غزة، الطبعة الأولى، أكتوبر 2003.

59. منار الشوربجي: الديمقراطية وحقوق المرأة بين النظرية والتطبيق، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية (مواطن)، رام الله، 1996.

60. نجيب بوليف: التطبيع الاقتصادي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1996.

61. نصر عبد الكريم: مراجعة تقييمية لبرنامج الإصلاح المالي في السلطة الوطنية الفلسطينية، الملتقى المدني الفلسطيني، طبعة 2003.

62. نصر محمد عارف: التنمية من منظور متجدد: التحيز- العولمة- ما بعد الحداثة، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، طبعة 2002.

63. وليد سالم: المسألة الوطنية الديمقراطية في فلسطين، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية (مواطن)، رام الله، الطبعة الأولى، 2000.

64. يوسف صايغ: التنمية العصية: من التبعية إلى الاعتماد على النفس في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، طبعة 1992.

65. يوسف صايغ: مقررات التنمية الاقتصادية العربية: الجزء الثالث، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، طبعة 1985.

 كتب أجنبية مترجمة للعربية:

1. أمارتيا صن: التنمية حرية، ترجمة (شوقي جلال)، ضمن سلسلة كتب ثقافية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، عدد 303، مايو 2004.

2. أندرو ويستر: مدخل لسوسيولوجية التنمية، ترجمة (جمدي حميد يوسف)، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1986.

3. تيمونز روبيرتس: من الحداثة إلى العولمة، ترجمة (سمر الشيشكلي)، ضمن سلسلة كتب ثقافية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، عدد 309، نوفمبر 2004.

4. جماعة من الباحثين الفلسطينيين والنرويجيين: المجتمع الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والقدس العربية: بحث في الأوضاع الحياتية، ترجمة (عفيف الرزاز)، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، الطبعة الأولى، تشرين أول/ أكتوبر 1994.

5. خليل نخلة: أسطورة التنمية في فلسطين، ترجمة (ألبرت أغازريان)، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية (مواطن)، رام الله، طبعة 2004.

6. سميح فرسون: فلسطين والفلسطينيون، ترجمة (عطا عبد الوهاب)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، نيسان 2003.

7. سمير أمين: التراكم على الصعيد العالمي: نقد نظرية التخلف، ترجمة (حسب قبيسي)، دار ابن خلدون، بيروت، الطبعة الثانية، 1978.

8. لوتيسيا بوكاي: عنف السلام في غزة، ترجمة (حليم طوسون)، دار العالم الثالث للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 2000.

9. يزيد صايغ، خليل الشقاقي: تقوية مؤسسات السلطة الفلسطينية، تقرير فريق العمل المستقل، برعاية مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، ترجمة وإنتاج مركز البحوث والدراسات الفلسطينية، رام الله، طبعة 1999.

 المجــــلات:

 مجلة الدراسات الفلسطينية: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، ومنها:

1. الأزمة السياسية الفلسطينية والتطورات الراهنة: حوار مع موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، عدد 67، صيف 2005.

2. المنعطف الفلسطيني الراهن بعد إخلاء قطاع غزة: عدد 64، خريف 2005.

3. جورج جقمان: "حماس وفتح": صراع برامج أم صراع على السلطة؟، عدد 68، خريف 2006.

4. فؤاد مغربي: السياسة الأمريكية الجديدة تجاه القضية الفلسطينية: نظرة تحليلية، عدد 53، شتاء 2003.


 مجلة المستقبل العربي: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ومنها:

1. إسماعيل الشطي: الديمقراطية كآلية لمكافحة الفساد والتمكين والحكم الصالح، عدد 310، ديسمبر 2004.

2. أنطوان مسرة: دور مؤسسات المجتمع المدني في مكافحة الفساد، عدد 310، ديسمبر 2004.

3. عبد الخالق عبد الله: التبعية والتبعية الثقافية، عدد 83، 1986.

4. مجيد هادي مسعود: نحو منهجية تخطيط للتقدم الاقتصادي والاجتماعي، عدد 156، 1992.

5. محمد الأطرش: حول تحديات الاتجاه نحو العولمة الاقتصادية، عدد 260، 2000.

6. محمد العابد الجابري: إشكالية الديمقراطية في الوطن العربي، عدد 167، يناير 1993.

 مجلة رؤية: تصدر عن الهيئة الفلسطينية العامة للاستعلامات، رام الله ومنها:

1. إبراهيم أبراش: المجتمع المدني من الثورة إلى الدولة، عدد 6، شباط 2001.

2. الانتفاضة وبرامج العمل التنموي (ندوة): عدد 4، ديسمبر 2006.

3. تيسير محيسن: رؤى التنظيمات السياسية والمنظمات التطوعية في السياق الفلسطيني، عدد 13، تشرين أول 2001.

4. خالد أبو القمصان: تصور السياسات الاقتصادية للدولة الفلسطينية، عدد 5، يناير 2001.

5. عبد الله أحمد حوراني: واقع التنمية الاجتماعية في فلسطين، عدد 29، شباط 2006.

6. عماد لبد: التنمية الاقتصادية في فلسطين، عدد 11، آب 2001.

7. عمر شعبان إسماعيل: عن الانتفاضة والتنمية: تأملات اقتصادية واجتماعية، عدد 15، كانون الثاني 2002.

 مجلة صامد الاقتصادي: تصدر عن مؤسسة صامد" جمعية معامل أبناء شهداء فلسطين"، الأردن، ومنها:

1. التشييد والبناء: العدد 97، السنة 16، تموز- آب- أيلول 1994.

2. التطورات الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية: تقرير الأمين العام للأمم المتحدة للتجارة والتنمية، العدد 93، السنة 15، تموز- آب- أيلول 1993.

3. الرعاية الاجتماعية والترويح: العدد 101، السنة17، تموز- آب- أيلول 1995.

4. سياسات التنمية الصناعية في الأراضي الفلسطينية: العدد 81، السنة 12، تموز- آب- أيلول 1998.

5. نواف الزرو: مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، العدد 80، السنة 12، نيسان- أيار- حزيران 1990.

 مجلة مركز التخطيط الفلسطيني: تصدر عن نفس المركز، رام الله، ومنها:

1. أسامة نوفل:الاقتصاد الفلسطيني بين النمو والركود، العدد العشرون، السنة الخامسة، أكتوبر- ديسمبر 2005.

2. أسامة نوفل: أهمية الحسابات القومية الفلسطينية وتأثير الحصار عليها، العدد التاسع والعاشر، السنة الثالثة، 2000.

3. جميل الخالدي: الاتفاقيات التجارية والتجارة الخارجية الفلسطينية، العدد الحادي عشر والثاني عشر، السنة الثالثة، 2003.

4. وائل قديح: الإصلاحات الاقتصادية والمالية في السلطة الفلسطينية، العدد التاسع والعاشر، السنة الثالثة، 2000.

5. وائل قديح: دور الشركة الفلسطينية للتطوير الاقتصادي في التنمية، العدد العشرون، السنة الخامسة، أكتوبر- ديسمبر 2005.

 مجلة السياسة الدولية: تصدر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، ومنها:

1. أبو بكر الدسوقي: الموقف الدولي واستراتيجية حماس البديلة، العدد 164، أبريل 2006.

2. رياض علي العيلة: خطة الانفصال الشارونية: رؤية فلسطينية، العدد 162، أكتوبر 2005.

3. طارق حسن: فك الارتباط أحادي الجانب ومستقبل عملية السلام، العدد 158، أكتوبر 2004.

4. عماد جاد: القضية الفلسطينية وتداعيات الحادي عشر من سبتمبر، العدد 147، يناير 2002.




 مجلة شؤون عربية: تصدر عن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، القاهرة، ومنها:

1. خليل العناني: السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العالم العربي: رؤية مستقبلية، عدد 123، خريف 2005.

2. ماجد كيالي: تداعيات الغزو الأمريكي للعراق على القضية الفلسطينية، عدد 113، ربيع 2003.

3. محسن محمود خضر: مستقبل العمل التطوعي في المجتمع العربي من منظور تنموي، عدد 117، ربيع 2004.

4. محمد نور فرحات: الدولة والمجتمع المدني العربي، عدد 117، ربيع 2004.

 مجلة علوم التربية: دورية مغربية نصف سنوية، مطبعة النجاح الجديدة، ومنها:

1. أحمد أوزي: التعليم من أجل التنمية المستدامة، العدد 32، أكتوبر 2006.

2. الغالي أحرشاو: السياسة التعليمية وخطط التنمية العربية، العدد 31، سبتمبر 2006.

3. لحسن مادي: التنمية البشرية رهان لتحقيق التنمية المستدامة، العدد 31، سبتمبر 2006.

 مجلة المراقب الاقتصادي والاجتماعي، تصدر عن معهد ابحاث السياسات الاقتصادي الفلسطيني (ماس)، ومنها:

1. العدد الثالث: تشرين أول 2005.

2. العدد الرابع: كانون الثاني 2006.

3. العدد الخامس: أيار 2006.

4. العدد السادس: آب 2006.

 مجلة السياسة الفلسطينية: تصدر عن مركز البحوث والدراسات الفلسطينية، نابلس، ومنها:

1. جميل هلال: المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في فلسطين، العدد التاسع، شتاء 1995.

 مجلة الوطن العربي: ومنها:

1. اتفاق مكة في ميزان تقييم قادة حماس: العدد 1566، مارس 2007.

 مجلة حوار العرب: مجلة فكرية ثقافية شهرية تصدر عن مؤسسة الفكر العربي، بيروت، ومنها:

1. توفيق المديني: حركة حماس من المقاومة إلى السلطة، عدد 16، مارس 2006.

 مجلة رؤى تربوية: تصدر عن مركز القطان للبحث والتطوير التربوي، رام الله، ومنها:

1. يحيى جبر وعبير حمد: العولمة وأثرها على الشعب الفلسطيني، العدد العشرون، كانون الثاني 2006.

 المجلة العربية للعلوم السياسية: صادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ومنها:

1. إبراهيم أبراش: التباس مفهوم وواقع التعددية في النظام السياسي الفلسطيني: العلاقة الملتبسة بين المنظمة والسلطة وحركة حماس، العدد 12، خريف 2006.

 الندوات والمؤتمرات وورشات العمل:

1. اتفاقية أوسلو: النتائج والتطورات، وقائع المؤتمر الخاص المنعقد في بيت لحم بتاريخ 18- 19 أيار 1997، الملتقى الفكري العربي، معهد الأبحاث التطبيقية بالتعاون مع مؤسسة التنمية السويسرية، طبعة 1997.

2. إعادة التأهيل والتنمية في الأراضي الفلسطينية: وقائع ورشة العمل التحضيرية للمنتدى العربي الدولي المنعقد في غزة 4/ 10/ 2004، بإشراف شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية.

3. إعادة ربط الاقتصاد الفلسطيني بمحيطه العربي: مسودة أولى للنقاش الداخلي، مقدمة من طرف سمير عبد الله للمنتدى التشاوري الفلسطيني: نحو رؤية وطنية فلسطينية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، إشراف وزارة التخطيط الفلسطيني في الفترة 21- 22 أبريل 2004، رام الله.

4. الإعلام التنموي في فلسطين: أسباب الغياب ورؤية المستقبل، ورقة عمل مقدمة من طرف عدنان أبو عامر للمؤتمر العلمي الأول المنعقد في كلية التجارة بالجامعة الإسلامية، غزة، تحت عنوان، الاستثمار والتمويل في فلسطين بين آفاق التنمية والتحديات المعاصرة، في الفترة من 8- 9 مايو 2005.

5. الانتفاضة وبرامج العمل الوطني: (ندوة)، مجلة رؤية، عدد 4، ديسمبر 2000.

6. وقائع الندوة الخاصة بمناقشة تقرير هيئة الرقابة العامة الفلسطينية: الملتقى الفكري العربي، القدس، نوفمبر 1997.

7. وقائع الندوة الخاصة بمناقشة واقع المساعدات المقدمة إلى الأراضي الفلسطينية: تحت إشراف قسم إدارة الأعمال بكلية التجارة بالجامعة الإسلامية، غزة، بتاريخ 17/ 12/ 2006.

8. الندوة الدولية حول "تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2004: نحو الحرية في الوطن العربي"، والمنعقدة في مراكش في الفترة 10- 11- 12 نوفمبر 2005، بإشراف مركز الدراسات الدستورية والسياسية بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2006.

9. التنمية المجتمعية في فلسطين: محاولة لرسم إطار مفاهيمي، ورقة عمل مقدمة من طرف، سامي الكيلاني إلى مؤتمر "التنمية المجتمعية في فلسطين"، المنعقد في الفترة 29- 30 أيلول 2001، في رام الله- فلسطين، تحت إشراف مركز تنمية المجتمع.

10. المنعطف الفلسطيني الراهن بعد إخلاء قطاع غزة: (ندوة)، مجلة الدراسات الفلسطينية، عدد 64، خريف 2005.

11. تحقيق صحفي حول: استحقاق الانتخابات الفلسطينية بين متطلبات العملية الديمقراطية والواقع السياسي والأمني، صادر عن المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات، من سلسلة التحقيقات الصحفية رقم 3، غزة 2005.

12. تنمية وتطوير قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي: وقائع المؤتمر المنعقد في غزة، تحت إشراف الجامعة الإسلامية، في الفترة من 13 إلى 15 فبراير 2006.

13. وقائع المؤتمر الخاص المنظم من قبل شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية: تحت عنوان "الحكم السليم في منظمات المجتمع المدني"، غزة، يناير 2003.

14. مؤشرات الحكم السليم في الواقع الفلسطيني: ورقة عمل مقدمة من نادر عزت سعيد إلى ورشة العمل حول: مبادئ وتطبيقات الحكم السليم في مؤسسات المجتمع الفلسطيني، المنعقد في رام الله بتاريخ 24/ 4/ 2003، وغزة بتاريخ 27/ 4/ 2003، إصدار شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، رام الله، 2003.

15. واقع الاقتصاد الفلسطيني: آليات وآفاق الخروج من الأزمة، وقائع المؤتمر الخاص المنعقد في غزة بتاريخ 3/ 5/ 2006، تحت إشراف مركز الميزان لحقوق الإنسان، طبعة مايو 2006.

 التقـــارير:

1. أحمد أبو دية: تقرير حول الإصلاح في مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية: دوافع ومتطلبات الإصلاح وآلياته ومنجزاته، المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمدنية، يناير 2004.

2. التقرير الاقتصادي الفلسطيني 1994- 1999: صادر عن الهيئة الفلسطينية العامة للاستعلامات، رام الله، شباط 2001.

3. تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003: نحو إقامة مجتمع المعرفة، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، عمان: المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2004.

4. تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2004: نحو الحرية في الوطن العربي، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، عمان: المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2005.

5. تقرير التنمية البشرية- فلسطين 1998: صادر عن برنامج دراسات التنمية، جامعة بيرزيت، رام الله، نيسان 2000.

6. تقرير التنمية البشرية- فلسطين 2002: صادر عن برنامج دراسات التنمية، جامعة بيرزيت، رام الله، 2002.

7. تقرير التنمية البشرية- فلسطين 2004: صادر عن برنامج دراسات التنمية، جامعة بيرزيت، رام الله، 2005.

 رسائل وأطروحات، انترنت وصحف:

 رسائل وأطروحات:

1. محمد أبو مطر: السلطة الفلسطينية وإشكالية الإصلاح، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، كلية الحقوق، جامعة محمد الخامس، أكدال، الرباط، مايو 2004.



 انترنت:

1. الإغلاق الإسرائيلي على قطاع غزة: المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان www.pchrgaza.com

2. أحوال المعتقلين الفلسطينيين: التقارير الصادرة عن وزارة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين، من موقع الوزارة على شبكة الانترنت www.mod.gov.ps

3. الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني: www.pcbs.gov.ps

4. القرارات الخاصة بالقضية الفلسطينية: موقع الجزيرة على شبكة الانترنت www.aljazeera.net

5. المركز الفلسطيني للإعلام: www.palestine-info.info/ar

6. المصطفى عبد الحافظ: التنمية المستدامة وتحدياتها العربية، مجلة الحوار المتمدن، العدد 1569، بتاريخ 2/ 6/ 2006 من موقعها على شبكة الانترنت www.rezgar.com/debat/show.art.asp

7. أنس عبد الرحمن: الفلسطينيون على حافة الفقر والبطالة وانعدام الأمن www.al-watan.com

8. شبكة الأخبار العربية: حول اعتراف منظمة المؤتمر الإسلامي بالحكومة الفلسطينية الجديدة بتاريخ 16/ 3/ 2007 www.moheet.com.asp

9. صحيفة الاستقلال الالكترونية: عددها الصادر يوم 11/ 11/ 2006 www.alestqlal.com/news/view.php

10. صحيفة الشعب اليومية: www.arabic.peopledaily.com.cn/31662

11. طارق ديلواني: استراتيجية حماس اقتصادياً، مجلة العصر على شبكة الانترنت www.alasr.ws.com

12. قرار 242: www. ar.wikipedia.org

13. محمد أبو شرخ: خطوة على الطريق: الإصلاحات المالية في السلطة الفلسطينية خلال عام ونصف، منذ منتصف 2002 على نهاية 2003 www.mic-pal.info/public

14. محمد خالد الأزعر: الحوار الفلسطيني: المسار- المحددات- المصير، مقال على شبكة الانترنت www.islamonline.net/arabic/2003/06

15. محمد شريف بشير: التنمية: من الكم إلى الإنسان، www.islamonline.net/iol-arabic/debat/dowalia/namaa.asp

16. محمد كريزم: علاقة السياسات الاقتصادية بالتنمية البشرية في فلسطين، مجلة الحوار المتمدن، العدد 1086، يناير 2005، في موقعها على الانترنت www.rezgar.com/debat/show.art

17. محمود الزهار: الحكومة والحركة لن تعترف بإسرائيل، من على موقع جريدة إيلاف الالكترونية www.elaph.com

18. أساسيات وآليات ربط أعمال الإغاثة بجهود التنمية: مسودة عمل، صادرة عن دائرة التنمية البشرية في وزارة التخطيط الفلسطينية، شباط 2004 www.mop.gov.ps/ar/general-directorate/3.asp

19. مشير المصري: لن نعترف بإسرائيل، موقع حركة الإخوان المسلمين بالأردن www.ikhwan-jor.com

20. مهند عبد الحميد: عقبات أمام الإصلاح، مقال منشور بتاريخ 14/ 1/ 2005 www.amin.org

21. نبيل شعت: حول دور البنك الدولي في عملية التمويل، صحيفة القدس الفلسطينية www.alquds.com

22. موقع الموقع: حول الموقع الجغرافي لفلسطين www.kfshrc.edu.sa

23. نصر محمد عارف: مفهوم التنمية: من سلسلة دراسات التنمية، منشورة على الانترنت www.islamonline.net/ial-arabic/mafaheem.asp

24. وسام عفيفة: المعتقلون الفلسطينيون: التعذيب، قتل آدميتهم ورائحة الموت في كل مكان، مجلة العصر، www.alasr.ws/index.cfm

25. وكالة فلسطين برس للأنباء: حول موقف حكومة النرويج من الحكومة الفلسطينية بتاريخ 17/ 3/ 2005 www.palpress.ps/arabic

26. ياسر الزعاترة: حوارات القاهرة: دوافع الأطراف المختلفة والآفاق المتوقعة www.aljazeera.net.

 صحف:

 القدس العربي:

1. إبراهيم أبراش: حذار من فشل تفاهمات مكة، العدد 5519، الأربعاء 28 شباط 2007.

2. عبد الحكيم عوض: العدد 5523، الاثنين 5 مارس 2007.

 الشرق الأوسط: العدد 10325، الثلاثاء 6 مارس 2007.

 العرب اليوم: إسماعيل هنية، رئيس الوزراء الفلسطيني: لن نعترف بإسرائيل، العدد 3966، 9/ 12/ 2006.

 مراجع أجنبية:

1. Mahmoud Aljafar and Dareen Lafi, Matching higher education graduates with market needs in the west bank and Gaza strip, copyright: Sharek youth from, ram Allah, Palestine, 2006.

2. Mohammed K. Shadid (Israeli policy towards economic development projects in the west bank and Gaza strip) papes presented at the second NGO meeting on the question of Palestine, Geneve, Swaziland, 9- 12 September 1985.

3. William M. Evan dimensions of partieipation in valuntany ass- pciation social forces, vol December 1975.

4. Department of Economic and Social Affaris, pepularpar ticipation in decision Making for development, united nation, N.Y. 1975.

5. Oscar Nudler, The Human Elements as Means and find of Development in: Khadija Haq and Muner Kirdar, Eds, Human development: The neglected Dimension (Islamabad, North south Roundtable), 1986.








الفهــرس

مقدمة ....................................................................... 1

القسم الأول: البيئة التنموية في فلسطين: المحددات والعراقيل ................ 7

الفصل الأول: محددات البيئة التنموية في الأراضي الفلسطينية ................ 8

المبحث الأول: الإطار المفاهيمي للتنمية وتحدياتها ............................ 8

المطلب الأول: في تحديد المفهوم ............................................. 8

أولاً: ضمن المواثيق والأعراف الدولية ....................................... 9

ثانياً: ضمن الحالة الفلسطينية ............................................... 14

المطلب الثاني: تحديات التنمية: محلياً- إقليمياً ودولياً ........................ 18

أولاً: على المستوى الداخلي: مؤشرات تعكس الخصوصية الفلسطينية ........ 18

ثانياً: ضمن الإطار الإقليمي والدولي ........................................ 25

المبحث الثاني: البيئة التنموية في الأراضي الفلسطينية: محددات القوة وعوامل الفشل .......................................... 31

المطلب الأول: تحليل البيئة الداخلية للتنمية الفلسطينية ....................... 32

أولاً: مكامن القوة ........................................................... 32

ثانياً: مواطن الضعف ...................................................... 36

المطلب الثاني: الفرص والتهديدات في بيئة التنمية الخارجية ................. 41

أولاً: العوامل المساعدة في إنجاز التجربة التنموية الفلسطينية ............... 41

ثانياً: التحديات والمخاطر ................................................... 45

الفصل الثاني: العراقيل الحائلة دون تحقيق التنمية في فلسطين ............... 51

المبحث الأول: معيقات التنمية على المستوى الداخلي ........................ 51

المطلب الأول: تعدد مظاهر العجز في مؤسسات السلطة الفلسطينية ...........52

أولاً: ضعف البناء المؤسساتي والتسيير الإداري ............................. 52

ثانياً: إهدار المال العام ومحدودية تفعيل الاقتصاد الفلسطيني ................ 57

المطلب الثاني: جدلية العلاقة بين التنمية والمقاومة .......................... 62

أولاً: المنظمات الأهلية وغير الحكومية: أي دور؟ ........................... 62

ثانياً: رؤى التنظيمات السياسية ودورها في عملية التنمية .................... 68

المبحث الثاني: العراقيل الخارجية .......................................... 70

المطلب الأول: انعكاس الممارسات الإسرائيلية على عملية التنمية ............ 71

أولاً: مرحلة ما قبل أوسلو (الانتفاضة الفلسطينية 1987) .................... 71

ثانياً: مرحلة أوسلو ......................................................... 75

ثالثاً: مرحلة الانتفاضة الفلسطينية (أيلول/ سبتمبر 2000) ................... 77

المطلب الثاني: التمويل الدولي وتأثيره على الحالة الفلسطينية ................ 81

أولاً: طبيعة العلاقة بين التمويل والمؤسسات الفلسطينية ...................... 82

ثانيا: انعكاسات التمويل الدولي على عملية التنمية في فلسطين ............... 86

القسم الثاني: متطلبات تحقيق التنمية في فلسطين .......................... 91

الفصل الأول: تقوية النسيج السياسي والمجتمعي: نحو أسس جديدة ........... 91

المبحث الأول: تفعيل دور المؤسسات الفلسطينية لخدمة أغراض التنمية ................................................ 92

المطلب الأول: الالتزام بمبادئ العمل التنموي ............................... 92

أولاً: على المستوى المؤسساتي ............................................. 92

ثانياً: على المستوى الشعبي ................................................ 97

المطلب الثاني: إدخال إصلاحات على الوضع المؤسساتي القائم ............ 102

أولاً: معالجة أوجه الخلل في مؤسسات السلطة ............................. 102

ثانياً: تحسين أداء المؤسسات الأهلية والغير حكومية ....................... 107

المبحث الثاني: تطوير علاقة السلطة الفلسطينية بالتشكيلات المجتمعية ..... 110

المطلب الأول: مقومات تطوير علاقة السلطة بالتشكيلات المجتمعية ........ 111

أولاً: إضفاء هامش من الحرية لعمل المجتمع المدني ....................... 111

ثانياً: التنظيمات السياسية والسلطة: نحو علاقة جديدة ...................... 116

المطلب الثاني: مردودية تطوير علاقة السلطة بالتشكيلات المجتمعية ....... 119

الفصل الثاني: التوافق الفلسطيني كآلية لتحقيق التنمية ...................... 124

المبحث الأول: الاتفاق على برنامج وطني مشترك والتنمية: أية علاقة ..... 124

المطلب الأول: مرتكزات البرنامج الوطني المشترك ....................... 124

أولاً: توافق أهداف البرنامج مع الشرعية الدولية ........................... 126

ثانياً: اعتماد مبدأ الحوار والمشاركة ....................................... 129

المطلب الثاني: العلاقة بين البرنامج الوطني المشترك والتنمية في المجتمع الفلسطيني ............................................... 133

أولاً: المساهمة في معالجة معيقات التنمية على المستوى الداخلي ........... 133

ثانياً: تطور الفكر التنظيمي للقوي السياسية: نحو خدمة أغراض التنمية .... 137

المبحث الثاني: صياغة مبادرات ذاتية لمواجهة اكراهات التنمية ........... 138

المطلب الأول: تبني سياسة جديدة للاستفادة من التمويل الدولي ............. 139

أولاً: على مستوى مؤسسات السلطة الفلسطينية ............................ 139

ثانياً: على مستوى مؤسسات المجتمع المدني .............................. 143

المطلب الثاني: تعزيز القدرات الذاتية للمجتمع الفلسطيني .................. 146

أولاً: تفعيل دور القطاع الخاص كمحرك لعملية التنمية ..................... 146

ثانياً: نحو رؤية واستراتيجيات تنموية: للربط بين مهام التحرر السياسي ومهام التنمية الاقتصادية والاجتماعية ....................................... 151

الخاتمة .................................................................... 158

قائمة المراجع ............................................................. 161

الفهرس .................................................................. 183

اعداد الباحث: أحمد سعيد نظام الأغا ... باحث مختص في العلاقات الدولية والتنمية
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف