الأخبار
الولايات المتحدة تفرض عقوبات على مقررة الأمم المتحدة الخاصة للأراضي الفلسطينية(أكسيوس) يكشف تفاصيل محادثات قطرية أميركية إسرائيلية في البيت الأبيض بشأن غزةجامعة النجاح تبدأ استقبال طلبات الالتحاق لطلبة الثانوية العامة ابتداءً من الخميسالحوثيون: استهدفنا سفينة متجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي وغرقت بشكل كاملمقررة أممية تطالب ثلاث دول أوروبية بتفسير توفيرها مجالاً جوياً آمناً لنتنياهوالنونو: نبدي مرونة عالية في مفاوضات الدوحة والحديث الآن يدور حول قضيتين أساسيتينالقسام: حاولنا أسر جندي إسرائيلي شرق خانيونسنتنياهو يتحدث عن اتفاق غزة المرتقب وآلية توزيع المساعدات"المالية": ننتظر تحويل عائدات الضرائب خلال هذا الموعد لصرف دفعة من الراتبغزة: 105 شهداء و530 جريحاً وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعةجيش الاحتلال: نفذنا عمليات برية بعدة مناطق في جنوب لبنانصناعة الأبطال: أزمة وعي ومأزق مجتمعالحرب المفتوحة أحدث إستراتيجياً إسرائيلية(حماس): المقاومة هي من ستفرض الشروطلبيد: نتنياهو يعرقل التوصل لاتفاق بغزة ولا فائدة من استمرار الحرب
2025/7/10
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الاعمى و الحفرة بقلم : مجدي السماك

تاريخ النشر : 2007-05-15
الأعمى و الحفرة

بقلم : مجدي السماك

توجهنا لزيارة صديق لنا لم نره منذ فترة طويلة ، ذهبنا دون إخباره بموعد زيارتنا ، و حين وصلنا إلى الحي المقصود ، فوجئنا بانقطاع الكهرباء ، و المنطقة غارقة في ظلام دامس ، شعرت أننا في قبر ، اختلطت علينا الشوارع و الأزقة ، نكاد لا نرى بعضنا البعض ، كأننا عفاريت الصورة أو أشباح . اضطررنا أن نمشي الهوينى ، كأننا نتدرب على المشي ، كانت بطون أقدامنا تطأ الأرض براحة و هدوء و كأننا نخشى الوقوع في مصيدة أو لغم ارضي .

اخترق الظلام و مسامعنا صوت متحشرج لا يخلو من رخامة سائلا : عم تبحثون ؟ أجاب احدنا قائلا : عن بيت السيد خليل . يبدو أن صاحب الصوت اخذ يشير بيديه إلى الطريق المؤدي إلى البيت المقصود ، فبادرت و قلت له : نحن لا نرى شيئا ، فقال : إذن انتم مثلي ، وهو رجل كفيف يجلس وسط الظلمة . قلت له : إن الظلام دامس ، ولا نرى إشارات يديك . فنهض الرجل الكفيف وقال لنا اتبعوني ، سأوصلكم إلى البيت ، فهو ليس بعيد من هنا.

كان الكفيف يمشي بسرعة و ثقة لا مثيل لها في هذه الدرجة من الظلمة ، فقلنا له : رفقا بنا ، نحن لا نستطيع أن نمشي مثلك ، أننا لا نرى شيئا ، نرجو الاتئاد في مسيرك . ثم تابعت الكلام و قلت له برقة أم كلثوم : لا تنسى أن أديم الأرض من أعين ساحرة الاحورار . استجاب الرجل الكفيف لرجائنا و اخذ يمشي بهدوء ، كأنه يجس الأرض بباطن قدمه ، و قال لنا : احذروا ، لقد اقتربنا من حفرة عميقة ، و بعدها بقليل يوجد عمود كهرباء في منتصف هذا الشارع الضيق . ذكرته مرة ثانية بأننا لا نرى شيئا ، كيف سننجو من هذه الحفرة ؟ أو بالأحرى من منا سيقع بها ؟ حيث بات أكيدا أن الرجل الكفيف لن يقع بها و لن يصطدم بعمود الكهرباء .

عجبت ! يا الهي ! لقد اخرج من جيبه مصباح كهربائي صغير ، يعمل بالبطارية ، و اخذ ينير لنا الطريق . لم أتمالك نفسي ، و وجدتني اسأله كمن أصابه مس من الجنون : لماذا تحمل هذا المصباح و أنت رجل كفيف ؟ فأجاب بصوت ملؤه الخيلاء و الود : أنا احمل المصباح كي أنير الطريق للمبصرين أمثالكم ، لعلكم تستطيعون السير مثلي ، و أنت تعلم أننا نعاني من مشاكل الكهرباء بعد أن قصفت إسرائيل محطة الكهرباء ، اثر اختطاف جنديهم .

و صلنا إلى بيت صديقنا ، و لكن للأسف لم نجده في البيت ، فأصر الرجل الكفيف على استضافتنا عنده ، و اقسم على ذلك أغلظ الإيمان ، فقبلنا على مضض و استحياء ، لأننا اعتقدنا أننا لن نجد ما نتحدث به مع رجل كفيف ليست لنا به معرفة مسبقة ، و بذلك سنفقد التواصل معه في الحديث ، و صلنا بيته ، سارع إلى إضاءة مصباح يعمل بالغاز ، ثم أشار علينا بالجلوس حول مائدة خشبية مستطيلة الشكل و قديمة ، لم يكن احد بالبيت سواه ، انتابني شعور أنني جالس في مقبرة فرعونية ، أو معبدا للحرية ، ذهب إلى المطبخ ثم عاد ومعه أكواب الشاي الذي صنعه لنا بنفسه.

جلس معنا حول الطاولة ، كان دمث الخلق و ضحوك ، حيث قص علينا نكتة و اتبعها بقهقهة مجلجلة ، انطلقت من فمه و كأنها جرس يدق في مدرسة الحياة . سألته عن أهل بيته ، فأجاب بصوت كنعاني : لقد ماتوا جميعا في مجزرة صبرا و شاتيلا ، و أنا فقدت عين واحدة و نجوت باعجوبة ، و أهل بيتي لم يحالفهم الحظ بالنجاة و الحياة ، أما أنا فأعيش بسبعة أرواح ، ثم أنني عاهدت نفسي ألا أموت قبل تحرير فلسطين . سألته عن عينه الأخرى و كيف فقد بصره ، فأجاب قائلا و كأنه يمسك بالماضي بين يديه : لقد فقدتها في غزة و أنا جالس على قارعة الطريق . ثم تابع قائلا و كأنه امتلك كل ما لدى الإغريق من حكمة وما لدى العرب من سحر البيان : لا يبقى كما هو إلا هو ، لقد قاتلت في جميع معارك الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها ، و لم تستطع إسرائيل أن تصب مني سوى عين واحدة ، و هنا في فلسطين فقدت عيني الأخرى دون أن أكون مقاتلا .

أخذنا نتجاذب أطراف الحديث بمواضيع شتى ، سألته عن السلام مع إسرائيل ، فأجاب بصوت قادم من صفحات الكتب القديمة : يا بني ، من يبحث عن السلام لا يحصل عليه ، ومن يريد السلام لا يقتل الحياة .

ودعناه و غادرنا ، و بعد عدة أيام قررنا أن نعيد الكرة مرة أخرى ، و نزور صديقنا في وضح النهار ، و هذا ما حصل بالفعل ، حيث كانت الشمس تحاول جاهدة أن تتخذ من قبة السماء عرشا لها ، و في طريقنا إلى بيته و قع احدنا في الحفرة ، و ارتطم الأخر بعمود الكهرباء.

Magdi_ [email protected]
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف