
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مختارات من شعر الشاعر الراحل أحمد سعد الدين أبو رحاب إعداد : السمّاح عبد الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( غيب الموت مساء أمس الجمعة 21 أبريل 2007 الشاعر الكبير والبرلماني البارز الدكتور أحمد سعد الدين أبو رحاب ، عن ثلاثة وستين عاما ، وبهذه المناسبة أنشر على قراء دنيا الوطن هذه المختارات الشعرية له )
( فضلا اقرأ مقال – رحيل صاحب القلب الأبيض في زاوية الثقافة بدنيا الوطن )
القصيدة الأولى
لم يعد عندي سواكم
الي أطفال الحجارة في فلسطين
( 1 )
قد مضت عنى شجون الموعدِ
ودبيب الجهل فى القلب الندى
عد وخذنى
من قفار السرمدِ
من شحوب الأمس .. من شجو الغدِ
من زمان كاسح مفترسِ
من حنينٍ ضائعٍ مبتئسِ
من سنين لم يعد منها سوى محض خيال فى يدى
عد وخذنى
من هناء غاب عنى
ها أنا أجلس وحدى
ها أنا أنشد وحدى
ليس عندى
غير ذكرى لغلام تائه فى الأبدِ
صوته يبدو نحيبا يتغنى بشجىً منفردِ
يعشق النيلَ وموْجَ البحرِ .. يرنو للغدِ
يُسهد البدر المغنّى
يسطر الأحلام فوق الرمل موصول التمنى
ويسوق التوْقَ لحنا ويغنى
عد وخذنى
( 2 )
ضاع عمرى ؟ لن أجادلْ !
خلنى أبكى لأشواق، وأزمانٍ يناجى البدر ضوء النجم فيها ويغازلْ
نغمة الطير المعنّى، ترسل اللحن نزيفا عن بلاد ومروج وسهولٍ ومراعٍ،ومنازلْ
أرسل الشعر بريئا ساذجا،عشقا مصفّى
ناشراً عطراً رقيقاً فوق أجساد الرسائلْ
واهبا عمرى لأحلى طفلة بين صبيّات الخمائلْ
ثغرها المعشوق حُلمُ الثغر .. لكن من يناضل ؟
خصرها الضامر ترجوه الأمانى راعشا تحت الغلائلْ
جيدها المصقول .. آهٍ ثم آهٍ .. والجدائلْ
قُربها لفحةُ أشواقٍ تدكّ الجسمَ , تجتاح الأناملْ
بُعدها جُرح وترح ونزيفٌ .. ومتاهاتُ صحارى..وفيافٍ .. ومجاهلْ
صوتها زقوٌ لعُصفورٍ .. يمامٍ .. كروانٍ يتهادى فى الليالى .. وبلابلْ
ضحكها رنةُ فرحٍ .. وخريرٌ لجداولْ
كفّها يخضرّ منه الكون .. كرْماً .. وقُطوفاً .. وحقولاً .. وثماراً.. وسنابلْ
عد وخذنى
عد وخذنى من نيوب الشيب من كلل المفاصلْ
من قصيد يهرق الآهات لكن لا يحاولْ
لن أجادلْ
فأنا طيرٌ وحيدٌ وفريدٌ , وغداً فى الليلِ راحلْ
لن أجادلْ
( 3 )
فى سنا الأيام يبدو الحلمُ موصولَ التثنى
مُجهداً بين القصائدْ
باعثاً حُلمَ المجاهدْ
ناشراً شوقَ التمنى
عد وخذنى
فاتنى شئٌ كثيرٌ بين أشعارٍ وفنِّ
عد وخذنى
فأنا أعرف كم بعنا كثيراً بالأناشيد وكم قلنا وقلنا
عد وخذنى
فأنا أرغب فى نزف دمائى كشهيدٍ .. بيد أنى
عد وخذنى
كم تغافلتُ , وكم أبديت مثل الأُسدِ غضباتى بقول ليس يُغنى
ضاع عمرى ؟
لم أعد أملك الا ذكريات وحوارٍ ودروسٍ ومسائل
طفلتى صارت تكافح
بالحجارة
بالمرارة
قرّح الدمع خدودا مثل تفاح الخمائل
جرّح الطوب الأناملْ
بين اخوان صغار كعصافير السنابلْ
صرت لا أملك غيرَ الدمعِ، غيرَ الدمعِ، غيرَ الدمعِ،غيرَ الدمعِ،
يا أطفالَ أحلامى خذونى .. أجمع الأحجارَ.. أجنى الطوبَ.. أجنى وأناولْ
لن أجادلْ
فأنا شيخٌ تعيسٌ , لم يعد عندى سواكم
لست أدرى كيف أحميكم وأحمى الحلم من بطش المناجلْ
لست أدرى كيف أحمى الحب من ظلم المعاول
لم يعد عندى سوى عشقى لكم
لم يعد غير اعتذارى وبكائى
لم يعد عندى سوى الحُلم المخاتلْ
فأنا ضيّعت عمرى ..
لم يعد عندى سواكم
لم يعد عندى سواكم
سامحونى ..
لم يعد عندى سواكم
القصيدة الثانية
( تولى زمانك إلا قليلا )
( 1 )
تولى زمانك إلا قليلا
تولت حكاوى الشتاء الدفء
وأفراح قلب برئ
دموع الفراق ..وفرح اللقاء
وأول أغنيةٍ للهناء
تنام وتحلم حلما طويلا
تولى زمانك الا قليلا
تولت ليال تغرد فيها النجوم
وتنشر فيها البدور بريقا
وتمرح فيها الطيوف البديعة
تولت ليالى الغرام الوضيئة
وأيام فرح المشاعر ..
يوم تبدتْ ويوم تغنتْ
ويوم تشكّتْ وجُنّتْ وحنّتْ
وقالت ومالت وجالت وصالت ورقّتْ وغنّتْ
تولت تولت تولت
وغابت طويلا
تولى زمانك الا قليلا
تولى حديث الشقاء
ودمعة عين لفقد الحبيب
وخوف الفناء
وكل حياتك كانت وصارت هباء
سعادة قلب تولت
ونبضة حب تولت
قصيدة شعر تولت
تولت .. تولت
فلا تتباكَ ولا تتباهَ
ولا تتساقَ من الذكريات الكؤوس الدفاق طويلا
ولا تتغنى بنصرٍ مجيدٍ
ولا تتشكَ عذاباً ممضّاً وهمّاً ثقيلا
تولى زمانك الا قليلا
( 2 )
تصير الى حيث تضحى حياتك نبضا صموتا
بقلب زمانٍ غريبٍ ..
نشيجاً , ودمعاً يقرّح جَفناً عليلا
تصير الى حيث يلمع كونك برقاً
يُشعشعُ فيك ضباباً ثقيلاً
وعند نهايات تلك الصحارَى
تبدّل عمرُك رسماً قديماً .. طلولا
بنات القريض .. يقمن مناحات حلم الطفولةِ ..
يعزف مزمارهن العويلا
وحلمك بالفرح يغدو هزيلا
وما يتبقى يصير قليلا
( 3 )
وها أنت بعد الليالى الطويلة
وبعد القصائد والشوق فى الأمسيات الكليلة
يعود شتاءٌ جديدٌ لينشرَ تنميلةَ الخوفِ
فى النبضاتِ العليلةْ
ويبعث رعشة
ودهشة
ووحشة
ويسأل عن ذكريات الليالى الجميلة
شتاءٌ جديدٌ يعود لنفسِ الحوائطِ ..
نفسِ السرير ونفس الوسائدِ ..
نفس التسهّد .. نفس التوجع ..نفس الترقّب ..
نفس الليالى الطويلة
يضيف الى الوجه بعضَ الغضونِ
وبعضَ الخطوطِ , وبعضَ الندوبِ الوبيلة
شتاء جديد يعود برفق بدون ضجيج
وأنت تذوب شحوباً .. تذوب نضوباً ..
تذوب فؤاداً عليلا
تولى زمانك الا قليلا
( 4 )
ألم تك إحدى زهور الخميلة ؟
ألم تك طيرًا يردد كلَ الفخارِ وكلَ المراثى
ويعزف للضيف تحت الكروم الظليلة ؟
ألم تك عشباً تحط عليه الطيورُ لتلقطَ حَبّاً
وترقصَ تحت الشموس الجليلة ؟
ألم تك تكتب شِعراً عن المجد
نوراً يُضئ سماء القبيلة ؟
فمالك أمسيت درباً بلا خطوٍات
وخطواً بدون دروبٍ
وعشقاً يُضيّعُ منه العذابُ سبيلَه ؟
ومالك أمسيت وجهاً هضيماً
يفارق تلك الوجوه الصقيلةْ
ومالك عدتَ كما كنتَ طفلاً هزيلا
تولى زمانك الا قليلا
( 5 )
تظاهرْ بأنك تحيا طويلا
وقلْ لى كلاماً وشعراً جميلاً
فأنت تجيد الكلامَ الجميلا
وغازلْ وداعبْ ورقرقْ حديثاً
ورتّلْ غناءً يُحيل الليالىَ نوراً وضيئاً ..
قل الشعرَ شدواً وعزفاً ونبضاً وشوقاً وحباً
فلم تك يوما بخيلا
تذكر حبيباً , تذكر بلاداً , تذكر عهوداً ..
عسى تستعيض بشِعرك عن كل شئٍ بديلا
تولى زمانك إلا قليلا
وإنى سأُكثر ذاك القليلا
وأحدوه جيلاً فجيلاً فجيلا
القصيدة الثالثة
لو كان حبييى .. ياليت حبيبي
أهوى أن أمشى تحت الأمطار
أعشق صوت الليل يحمحم بين تلافيف الكون
ما أعظم أن ينفرد البحر بنفسه
أن يرتشف الموج رضاب الشطآن
يتسارع كي يخطف أول قبلة
ينكمش الشاطئ تحت حنين اللمساتْ
وبعيدا فى الدور المنطفئةْ
خلف شبابيك الأحلام المكسورةْ
تتناثر أجساد الناس على سرر الوهمْ
وأنا وحدى
وحدى فى قلب البحر
فى حضن الأمواج
ترمقنى الأسماك بدهشة
تضحك
لا تفزع منى
يألفنى الكون الغارق فى لذات الوحدة
يهوانى الليل المتنزل فوق الدور وبين الطرقات وفوق حقول الزهر
أجلس وحدى فوق الشاطئ لايفزع منى
يسمع اشعارى ويروح يهدهدنى
يأخذنى فى الأحضان الرطبة
اغفو فى الليل وحيداً
تكسونى الظلمات بروح النسيان
لكن ...
لو كان حبيبى نجماً ليلياً
لو كان حبيبى خيطاً من ضوْءِ البدرْ
لحنا من الحان الكروان
لو كان ...
لو ...
ما كنت وحيدا فى الليلْ بكيتْ
مثل الطفلِ التائه يشتاق الى البيتْ
ياليْت حبيبى ...
يا ليْت ...
القصيدة الرابعة
إلى فارس جبل صهيون المزيّف
سَتَعْلَم!
أغيبُ أغيبْ
أغيبُ عن الليل نجماً يُنيرُ الصحارى ويهدى الدروب لوطء خطاوى الرجال وصوت الحِداء ووقع سنابكِ خيلِ الكرامةِ تسرى على جنبات الطريقْ
أغيب عن الكون مجداً وعلماً وهدياً يفرّجُ من كربات القلوبِ إذا ما الزمان يضيقْ
اذا ما الجهالة تغشى العقول فلا تستفيقْ
أغيب عن البحر طوق نجاة لكل غريقْ
وحتى جمال الزهور .. الغروب .. الجنان .. البدور ، يصير بدون بريقْ
أغيبُ عن الفرحِ عند المروجِ وحيث الرعاةُ يقيمون حفلاً بكل مساءٍ رقيق الضياء بديع النجوم يرقرق فى الليل حلو الغناءْ
أغيبُ عن الحب حيث البنات يقمن شموساً ونهراً وعمراً يضجّ بلحن الهناء ويزرعن زهراً وحباً ووداً يفيض بكل معانى الوفاءْ
أغيبُ عن الكون فرحةَ نفسٍ وصوتَ أذانٍ وهمسَ صلاةٍ ودعوى صفاءْ
أغيبُ عن العمرِ ، عمرى وعمرِ بلادى وعمر حقولى وأغصان كرمى وزيتونتى .. عن ليالٍ تشعُّ بنور البهاءْ
أغيبُ ولكننى سأعودْ
وأنت ستعلم حين أعودْ
ستعلم أن السنينَ صديقٌ خئونْ
وأن الزمانَ خصيمٌ خصيمْ
ستعلم أن السعادةَ ضيفٌ خفيفٌ وليس يقيمْ
وأنك تبدو صحيحاً وأنت سقيمْ
وانك برقٌ سيذوى وعقلٌ يشيخ وجسمٌ سيهرمْ
ستعلمْ
ستعلم أنىَ أشحذ ثأرىَ ليوم عصيبْ
وأنت ستملك محضَ صراخٍ ومحضَ نحيبْ
وأنت ستلعن جوْرَ الزمانِ وظلمَ الخطوبْ
وسوف تلاقى
نعم ستلاقى
ستعرف طعمَ الدموع لهيباً يحمحمُ فوق الخدودِ ، ومِلحاً يؤجّج نارَ المآقى
وسوف تعانى
نعم ستعانى ، مشاعرَ ذنبٍ تجبّرَ ثم تندّمْ
ستعلمْ
تظن بأن ضناي الذى فد تفتّت مثل الهباءْ
سيجعل قلبى يُجيد فنونَ البكاءْ
هراءْ
ضناى شهيدٌ يعيش مع الأبرياءْ
سعيد مع السعداءْ
وحين (يئون الأوانُ )،
ستعلم أن لكل حديثٍ حديثْ
ستعلم أنك أتفه من خنفساء الخرائبْ
وأنك صعلوك كل المواكبْ
وحين يدوّى صراخُ المعازف ، حين يدوّى صياحُ العساكر ، حين يقول قرينُك أهلاً وسهلاً وكيف وأين ، سيجهل انك ذئبٌ صغيرٌ وان الصفاقةَ بابٌ يؤدى لكل صنوف الحقارةْ
وأنت ضعيفٌ .. ويهديك فيلاً وقوساً لتبدو قوياً عظيماً . ولكن ستعلم أنك عبدٌ لسادة طست الإمارةْ
وهذى الإمارة سوف تزولُ ، وانت كعبدٍ ذليلٍ تزولُ ، وكل ضروب النذالة سوف تزولُ ، وكل المظالم سوف تزولُ تزولُ تزولْ
ومن يجهل الأمرَ ليس كمن يتعلّمْ
ستعلمْ
تبسمْ
قليلاً .. كثيراً .. تبسمْ
تظاهرْ .. تحركْ .. تكلمْ
وحاربْ جمالَ الطفولةِ حاربْ معانى الرجولةْ
وقم باغتصاب الشريفات إن الضعيفَ قويٌ بحمل المعانى النبيلةْ
تبسّمْ
واقتلْ ودمّرْ وحطمْ..
غدا تستقيم الأمورُ .. غدا تتحطمْ
ستعلمْ
سأحيا بثأرى .. أجيجا يحمحم تحت الرمادِ .. صُراخاً يؤجج شجواً تبعثر فى القلبِ .. نبضاً يدوّى بصوتٍ خفيضٍ .. هزيماً تعلّم يا كم تعلّمْ
عروبةُ قلبى ، وتاريخُ عمرى وفرحى وآيات مجدى وشِعرى ،
مآثر قومى ، هوايا وحبى ، وسيفى الذى قد علا وتسنّم
ستعلمْ
سأحيا بثأرى.. كموجٍ تعالى وأرسل مداً رهيباً علامته دمدماتُ البحارِ وشوق المياه لغرقىَ وقتلىَ ولا يتندمْ ستعلمْ
سأحيا بثأرى كجرعةكرهٍ تمزّق كلَ العروقْ
وتنشر دون كلامٍ كمائنَ موتٍ وحقدٍ وكرهٍ كسم أفاعى الشقوقْ
وانى قتيلٌ سأصحو لكي استعيد الحياهْ
أعلّم شعبَ العصاةِ الكريهَ جزاءَ المروقْ
سأحيا بثأرٍ يعشّشُ بين الهشيمِ وتحت الصخورِ وأسفلَ موج البحارْ
يدقّ بقلب الوجودْ
ويلمع كالبرق حين يضجّ الفضاءْ
ويرقد فى الطين ، يرقب كيف تدور السنينْ
ويصنع فى الطين رمحاً وسيفاً وترساً ودرعاً وثأراً مُبينْ
يُحيك الشرانق طيّ الظلامِ ، وحين يئون الأوانُ سيخرج أعظمْ وأعظمْ
وأعظمْ
ستعلمْ
تظن بأنك فى الزعماءْ
وأنت هباءْ
تعيش بقبضةِ طيفٍ مخيفٍ من الثأر يسعى خفياً ويُخفى لظاهْ
يراك وليس تراهْ
يراك وليس تراهْ
تعيش بقبضة كرهٍ عميقٍ تعلّمَ كيف يُذيبُ الحياةْ
يراك وليس تراهْ
يراك وليس تراهْ
تعيش كأنك حرّ وأنت أسيرٌ ولن تستطيعَ النجاهْ
وفى القلب منك .. وفى العرق منك .. وفى الروح منك .. يخيّم موت ٌ ، تمكّن ثم تحكّمْ
ستعلمْ
ستعلم كيف يكون البكاءْ
وكيف تسيل الدماءْ
وتفهم معنى الهموم ومعنى الشقاءْ
وكيف تجوع بقلب العراءْ
ومعنى الوقوف وحيداً ضعيفاً أمام القنابلْ
ومعنى هدير المناجلْ
تبدد كل أمانى السنابلْ
وكيف يُحرّق دمعُ الطفولةِ خدَّ الملائكْ
نموتُ نموتُ .. وأنت غداً ستخوض المهالكْ
ستعرف كيف يحس الضعيفْ
ومعنى اشتهاء الرغيفْ
وذل الأسير ودمع الكسير ولوعة ظلم المعنّى الأسيفْ
تظن بأنك فى الأقوياءْ
وأنك فى العظماءْ
هراءٌ هراءْ
ستعلم أن الجروحَ قصاصْ
وأن المماتَ قصاصْ
وأن صراخَ الثكالى ونوحَ اليتامى وفقدَ الحبيب قصاصْ
وأي قصاصْ
ستعلم ألا مناصْ
ستعلم أنى وإن كنتُ حلوَ الطباعِ رقيقَ السجايا
ولكننى حين يأتى أوانك يا ثأر أضحى رهيباً كحدِّ المنايا
وقتلك سوف يكون هوايا
وكلََّ منايا
ستعلم أنى وإن كنت دوماً رحيمْ
ولكن خلقت لأقتل كل عتلّ زنيمْ
أمات الحياةَ ومعنى الحياةِ وروحَ الحياةِ وأطفأ نورَ الأمانى وأظلمْ
ستعلمْ
ستعلمُ أن الإلهَ لطيفْ
يورّث ذاك النعيمَ لكل ضعيفْ
ويجعل ضعفيَ قوة
لأحفرَ تحتك بئراً عميقاً وجرفاً وحفرةَ نارٍ وهوّةْ
وآخذ ثأرى
ويبسُم عمرى
ويطلع فجرى
والقى جزاءً جميلاً لصبرى وشكرى
الهى أرانى الشقاءَ وبعد الشقاء تكرّمْ
وأنعمْ
وكل شهيدٍ تكلّمْ
ستعلمْ
وكل جريحٍ حكى وتألمْ
ستعلمْ
وكلُ غلامٍ صغيرٍ بكى وتظلمْ
وكل الشقيقات والأمهات بكين .. حكين بما كان ، والله أعلمْ
وأن حبيبى رسولى شفيعى رنا ودعا وتبسّمْ
ستعلمْ
ستعلمْ
ستعلمْ
القصيدة الخامسة
عفاريت الظلمات العربية
( 1 )
يمرق فى طرقات القريةِ .. يتمسح فى الجدران الطينية
يزحف فى صحراء البدوِِ ويسكن بين الكثبان الرملية
يسرى بين الخيمات ويزعق بين بيوت عباد الله
يجرى يلعب فوق الأسطح .. فى الباحات
يبنى ابراجا ومدائن
يشرب نفطا .. يأكل لحما .. يتجشأ
يُطلق عارية تتلوى، ويبيع الجسد المحموم
ليجمع كل قروش الفقراء المثقوبة
يصرخ ويقهقه فى فرح مجنون
يتباهى بالوهم الخاضع
يتدثر بالليل وأضواء النجمات الشاحبة السأمانة
يزهو بهلامية تكوين الجسد المبلول
يقّافز فوق الأغصان يفزّع أطيار الفجر النائمة المنتظرة ضوء الشمس
يفجّرها ريشا يتناثر بحثا عن ملجأ
يتسلل تحت الأجفان الطفلية، يرسم هولا يتصاعدُ يُطبقُ يسلخُ ..
تتحول أحلامُ البهجةِ كابوساً، تتفصّدُ جبهاتُ الأطفالِ بمِلحٍ باردْ
يُضحى الليل كِياناً مقلوبَ السحنةْ
تصفر ريحٌ غامضةٌ فى أغصانِ الجُمْيَزَة
يحتكر البومُ فضاءَ الله
( 2 )
أمشى .. يغمرنى لحن يترسب من جمجمتى فى أذنيَّ،
وأمشى يدفعنى أملٌ مجهولُ السمتِ
وأمشى يجذبنى ضوءٌ لست أراه
-* ماذا تفعل
يا مجنون ...؟
أمشى تتهددنى أجنحةُ الخفّاشِ، وأمشى لا أعرف كيفَ
وأمشى تُنكرُنى أقدامى المندهشة
صرخاتٌ غامضةٌ تنبضُ فى قلبِ الظلمة
ونُباحُ كلابٍ يفترسُ هلالاً مفزوعاً
هل نام الناس
أم غرقوا ؟
عينا العِفريت
كرتان
من
نار
فى وجهى يتصلب منتصبا فى صمت ساخرْ
( 3 )
قال الطيفُ السابحُ فى الأحلامْ
النابضُ فى قلب التاريخ العربي :
من يسلم نبضته للريح
لتدق بلا قلب فى الظلمات
من يعزف للبوم ويسجد للعفريت
لا بد يموت
من يفقأ عين العفريت
أيضا سيموت
لكن قد يسعد أحلام الأطفال
القصيدة السادسة
التاريخ السري للحزن
( 1 )
مهصورا كعجوز يضنيها حمل الأسرار
مفقوء النجمات يكابد حزن التكرار
يبدو الليل ملولا
جسدا يتهدل فى تجويف الكون
يبدو الليل طويلا مثل التاريخ السري لآحزان القلب
يجثم فوق الباحات وفوق الدور
مشنقة يتدلى منها عنق النور
غجريَ الملمح يتنامى الحلم
يتراءى فى أطياف الزمن الوحشي
يذبحنى كل مساء
بسيوف الوحشة والإيغال بلا معنى نحو الجذر
أتسرب عبر التاريخ البشري
أسبح عكس التاريخ
أوغل .. أتغلغل .. أرجع عريانا فى الغابات الحجرية
أقتل رجلا كى أحظى بامرأته
وأموت بطعنة خنجر
يحكمها مجهول فى عمق ظلام الليلات الوثنية
تهزمنى أحلامى
أخلعها وأغوص بقلب النهر الدموي الشطآن
أسبح فى التاريخ البشري وحيدا
مصبوغا باللون الأحمر أرقص تحت الأمطار
تتمدد فى تجويف الصدر طيوف الأحلام
لكن حين يعود الفجر
( هل سيعود ؟ )
سأحس بحزن العالم يجثم فى الأعماق
ينشج كالطفل المحروم من الأم
اذ حين يغيب الليل يغيب الحلم
أتواجه والأيام المكسورة
والأشداق المنتفخة
والحدقات الميتة الحس
( 2 )
يغزلنى الحزن خيوطا بنسيج الزمن الأسود
تتفجر صلواتى لحنا دمويا يشربه النسج المتهرئ
أدفن جذرى فى الأرض أخبّئ أحلامى فى طي عروق الجذر المتشعب فى ألمٍ .. يتشرّب ماء الحزن , عصارات دماء المذبوحين بسيف القهر
أتشعب فى التربة .. أعلو نحو النور لآصنع أعشاشاً لطيور الصبح المنهزمة
الأرض – الأم – تهدهدنى . تسقينى جرعاتٍ من لبنٍ مخلوط بالظلماتِ .. تناجينى كى أبقى داخل رحم الشفقةِ .. أصرخَ .. أعلو نحو النور .. أجاهد كي أكسر قشرتها الصلبة .. تمنعنى .. تجذبنى كي أبقى فى الأعماقِ .. اصارعُ عطفَ الأرض الأزليّ لآصنعَ ثقباً أنفذ منه لأصنع أعشاش طيور الصبح المنتظرة
( 3 )
ألبس تاج الأشواكْ
أبحث عنك بكل مكانٍ ,
لكن لست أراكْ
وطنى يتبدد فى ظلماتى
وأنا اتبدد فى ظلمات بلادى
لست أراكْ
لست أراكْ
( 4 )
تتقطر ظلمات الليل يداخل تجويف الصدر
تتكثف .. تضحى أشباحا وطيوفا ومدائنَ .. تاريخاً مذبوحاً
تهجر أطيارُ الفجرِ الأعشاش
بحثاً عن كونٍ آخرَ .. تهجرُ .. ترحل فى وجه الريح
اصنع من ثبج البحر سفينة
أغزل من نور البدر عباءة
اصنع قيثارا من عبق الزهر
أطلق الحانى فى وجه الظلمة
( 5 )
كسروا سيف المتنبى
صنعوا منه أوانى للسلطان
يشرب فيها دم الجارية الأصفر
صرخ المتنبى ان العيد هباء حين تعم الأحزان
ان العمر هباء حين تسود الظلمات
ان الناس هباء حين يقود الخصيان
ان الشعر هباء فى زمن الغربان
كسروا سيفهْ
صرخ بأن الثعلب لن يشبع أبداً
ان الموت هو الموت ولكن كيف نعيش ؟
كسروا سيفهْ
منفيا داخل أحلامه
يصنع تاريخا خاصا للشعراء الرحل
يسقط م>بوحا فوق الأرض العربية
( 6 )
أيام العشق الأول
طفليا أنسج احزانى كلمات غزلية
أيام العشق الآخر
طفليا أنسج احزانى كلمات دموية
اصنع تاريخا سريا للحزن
يتحدر فى بطء نهرا يحفر مجراه
فى قلب الصخر
( 7 )
يزأر سيف الحجاج بأكباد الأطفال
- ولدى يا مجروح
- يا مقتول
أصرخ ملتاعا .. يقطع رأسى
مرفوعا فوق الرمح الخشبي
يتقطر رأسى شجنا ودما
آباء الأطفال يصيحون بفرحة :
- الخائن
الخائن
يصرخ فى وجه الحجاج ؟
لا يكفى أن يُقطع رأسه
( 8 )
قالت أمى الأرض :
- ياولدى لم تسمع قولى
لم تسمع قولى
ياولدى
( 9 )
ألبس تاج الأشواكْ
أبحث عنك بكل مكانٍ ,
لكن لست أراكْ
وطنى يتبدد فى ظلماتى
وأنا اتبدد فى ظلمات بلادى
لست أراكْ
لست أراكْ
زفرات والهة
القصيدة السابعة
قصائد قصيرة
رحلوا ..
متفاعلن
رحلوا
لم يتركوا اثرا
لم يودعوا سمع الدجى خبرا
لم يتركوا بابا لأفتحه
ولا جرحا لأنكأه
لم يتركوا عمرا يعايشنى , ولا طللا اناجيهِ
ولا قلبا يراودنى وأشقيهِ
ولا امرأة لأهجرها , ولا طفلا اربيهِ
ولا شعرا اردده , ولاعشقا اداريهِ
ولا دمعا افجّره , ولا لحنا اغنيهِ
رحلوا
فلا حزنٌ ولا فرحٌ
ولا شوقٌ
ولا أملٌ اناديهِ
وتنصرفين ..
فعولن
وتنصرفين
فتمضى الحياةُ,
ويغدو المدى لايبين
وأدرك كيف يحس السجينْ
لك الضوء دوما ..
فعولن
واعرف ان عيونك دنيا
وانك حلمٌ
تخلّق فى مقلتيّ ضياءً ونوراً وجنةَ عدنٍ
وانك أحلى ابتسامةْ
وظل غمامةْ
ترطّب قلب الهجيرْ
واعلم انك ابعد من لؤلؤةْ
واقرب من نبضات الفؤادْ
وانك طيف بليل السهادْ
وانك لحن ينام بليل الوترْ
وانك بدرٌ سما
لك الضوء دوماً ...
... وللقلب كل معانى السهرْ
لن يعرفنى الا ..
فعلن
اتجول فوق الدنيا
تبذرنى الريح بكل الأنحاءِ .. تبعثرنى
انبت صبارا .. ريحانا .. شوكا .. وردا
لن يعرفنى الا من يعرفنى
العام القديم ..
مفاعلتن
دع العامَ القديمْ
يسافرْ فى الزمانْ
يهاجرْ فى الضبابْ
ويهوِِِ الى السفوحْ
دع العامَ القديمْ
يُضفْ جرحا الى تلك الجروحْ
بلا جدوى ..
مفاعلتن
وتنتشرين فى عمرى
ويملؤنى اساكى اسىً
يبددنى وريقات خريفيةْ
واشواقا خيالية
حنينك فى شرايينى
يحولنى الى معنى بلا معنى
كيانا عاش فى زمن بلا زمنٍ ..
غناءً شارك الأطيارَ والأزهارَ والأشجارَ ...
... احزاناً وأفراحاً واحلاماً بلا جدوى
بلا جدوى .
ذهبوا ..
متفاعلن
ذهبوا
ذهبوا فلا النجمات تلمع كالمرايا
ذهبوا فلا الأنسام ترقص فى فساتين الصبايا
كلا ولا الأوتار تمرح فى عروقى
ذهبوا بلا صوت كظل كان يسكن فى الثنايا
ذهبوا بلا أثرٍ ولا حتى بقايا
ياويل شِعرى من دموعى
ياويل طرقات المدينة من خُطايا
لا بيت لى ..
فاعلاتن
كلما غرد صوت صحت امى ..
.. وأنا لا أم لى
كلما اورق زهرٌ , صحت حقلى ..
.. وأنا لا حقل لى
كلما غنى غلامٌ , صحت إبنى ..
و أنا لا إبن لى
كلما نوّر بيتٌ , صحت بيتى ..
وأنا لابيت لى
وأنا لابيت لى
وأنا لابيت لى
وتبقى سطور ..
فعولن
وهل بعد تلك العيون عيونْ ؟
وهل بعد شوقى ويأسى وحزنى اسىً وشجونْ ؟
ويبقى السؤال المحالْ
انا من اكونْ
وانتِ ؟
وتلك الليالى
وتلك الحكايا
خيالٌ ؟
ظنونْ ؟؟
القصيدة الثامنة
الفراشة والشرنقة
( 1 )
متشرنقٌ فى أسر ذكرى العمرِ أو ذكرى الفشلْ
متشرنقٌ .. والكونُ حولك بات يخطو فى مللْ
ترنو بلا حزنٍ ولا يأسٍ ولا شوقٍ لأيامٍ وأحزانٍ مضتْ
تشدو بألحانِ الضنى
لا الكونُ أصغى لكْ , ولا الدنيا وَعَتْ
من ذا يصدّقُ أن قلبَك لم يكلِّ من العملْ
ومن العِللْ !
حتى غناؤك لم يعد فيضَ المنى
حتى حياتُك لم تعد قيدَ الرضا
حتى قصائدُك القديمةُ لم تعُدْ تعنى سوى بعضِ الجُمَلْ
بعضِ الحقائقِ ؟ ربما ,
...بعضِ التراكيبِ البديعةِ ؟ ربما ,
... بعض التغنى بالخمائل والأزاهر والمفاتن والعيونِ الناعسات ,
...وربما بعضِ الأمل !
متشرنقٌ فى أغنيات الحبِّ , فى ذكرى فؤادٍ كان يشدو للكفاحِ وللنجاحِ وللشعوب وللقلوب وللحيارى والسهارى .. للغرام وللقبل
متشرنقٌ فى أسر خيطٍ من مراراتِ الشجنْ
من كل أهوالِ الزمنْ
دمعِ التواريخ القديمة .. توقِها .. همّ القصائد للوطنْ
حزن الأزلْ
شوق الأزلْ
ماذا حصدت سوى الكلل ؟
ماذا حصدت سوى الكلل ؟
( 2 )
الغابةُ السوداء تبدو فى الضباب ككتلةٍ توحى بأحزانٍ واحلامٍ دفينةْ
تمتص رعب الناس تبدو كالمدينةْ
حيث الدروب تنام فى ذعر على وقع الخطى
تمتص اوهامَ السكينةْ
وقعُ الخطى
يبدو خفيضَ الصوتِ مهمومَ الصدى
تمشى الجموعُ الى طريقٍ واحدٍ
دوما طريقٍ واحدٍ
عبر المدى
وتسير وحدك عابرا غير الطريق
وتصوغ شعرَك
وينوح لحنُك
دائما غير الطريق
وبلا رفيق
الغابة السوداء تمحو أغنياتك
والظلمة السوداء تسحق أمنياتك
يجتاحها صوت غريب كالصفير
وكأنما نهرٌ يجرّب لاهثا صوت الخرير
وكأنما العصفور قد فقد الغناء
والزهر قد فقد العبير
والأسد قد فقدت نجاحات التصدى و الزئير
تمضى .. تسير بلا أمل
ماذا حصدت سوى الكلل ؟
ماذا حصدت سوى الكلل ؟
( 3 )
الشرنقة
ها أنت فى ذل الجحيم وفى ضرام البوتقة
ها أنت محصورٌ ومضغوطٌ ومشدودٌ لحبل المشنقة
نت
أُثقبْ جدار الشرنقة
كل القصائد قد مضت
لا الكون اصغى لك , ولا الدنيا وعت
اثقب جدار الشرنقة
الحلم مات
والعمر مات
والطفل ذو الدَهَش البرئ الحُلو مات
اثقب جدار الشرنقة
اين الأغانى والمحبة والأمل
ماذا حصدت سوى الكلل
أثقب جدار الشرنقة
أُخرجْ الى الدنيا فراشة
أُخرجْ الى الدنيا فراشة
ذوّبْ ضياء الشمس فى جنحيك وارتشف الأفقْ
لحناً وشِعراً والتماعاً وانتعاشةْ
خلِّ الزهورَ تعش مع النسمات فى أحلى ارتعاشةْ
ارسل الى الدنيا لحونا زانها عذب الصدى
ارسم مدى
واطفئ سعير الأرض بالعشق/الندى
قاوم دخان المحرقة
أُثقبْ جدار الشرنقة
أُثقبْ جدار الشرنقة
متفاعلن
واللـهِ .. واللـهِ
رسالة الى شهيدتيْ بيت حانون : رجاء أبو عودة و أنغام سالم
واللهِ .. واللهِ
لو انى كنت ترابا معجونا بدماء القتلى والمأسورين على مر التاريخ البشري الدامى والمهموم بذل الطغيان وذل الحرمان وذل الترك وذل الحظر ..
لضممتُكْ..
قبلتُكْ ..
وحفظتك فى احضانى المملوءة رعبا وعذابا
واستمطرت سحاباً
ودفعت جذورك للأعماق
وسألت النور
أن يجذب كل غصونك
للأعلى .. للأعلى
واللهِ .. واللهِ
لو أنى كنت نسيما
يجرح خدّ الأزهار ويركب متن الأشجار , ويلهو بين الأنحاء
لحملت العطر الباذخ منك أيا أحلى الشهداء
عطرت جميع الأجواء
ونثرتك فى الأرجاء
لو انى كنت رفيف هواء
لرفعتك عبقا
للأعلى .. للأعلى
واللهِ .. واللهِ
لو كنت كبدر الليل اضئ الظلمة للعشاق
لحملتك أغنية تنشدها الآفاق
وجعلتك نورا يتلألأ فى أحلام البسطاء
يصعد يصعد يصعد
للأعلى .. للأعلى
لكنى
لست سوى عازف مزمارٍ جوّال
ازرع فى التربة شِعرى
انشد للنسمة وجدى
اشكو للبدر حنينا ضاق به صدرى
لكنى أذكر ماكان
وارانى والد ايام مرت فى فرح وهناء
اخشى عليك من الأمراض
واكافح ضد الجوع وضد الحرمان
ابذل عمرى كى أحمى عمرك
نستذكر درس اليوم بجد كل مساء
والأم تصيح كفى .. اتركها للنوم وللأحلام
أيامٌ .. أيامْ
وأرانى أما تضفر شعرك .. تغسل وجهك .. تصنع خبزك .. ترفو ثوبك .. ترقع نعليك .. أرانى أزهو بأرق وأحلى ملاك
وارانى عشقا يتمنى اشواق شبابك
لحنا يتغنى بجمالك
أمشى تحت الشباك, وأهجر شبّاكى
استذكر درسى تحت عمود النور الناهل من عذب ضياكِ
أكتب شعرا مكسورا : إنى أهواكِ .. أهواكِ
ترمين الوردة فى خفَرٍ .. تتوارين وراء الشيش ولكنى بالقلب أراكِ
وارانى زوجا يشرب من انهاركْ
يرضيه غرامك , يرضيه طعامكْ
يشكو بين ذراعيك هموما وخطوبا وصروفا .. تربت رأسى كفاكِ
وتهدهدنى أقوالكْ
وأرانى إبنا يستنشق عطر حنانِكْ
طفلا يتغذى من ثدييك ويرضع حلو أمانِكْ
أكبُرُ فى زهوٍ يدفعنى للعلياء كلامُكِ , كلُ كلامِكْ
انمو كي ابذل عمرى لفلسطين المسلوبة
وديارى المحبوبة
كى ادفع قرصانا مجنونا ولعينا , يتشهى بلدى المرغوبة
ترشدنى كلماتك للموت والاستشهاد , وتزرعنى أحلامك فى قلب حدائق أحلامى
أيامك تصنع أيامى
ما اجمل عمرى فى أحضانكْ
ما أجمل وجهك فى أحلامى
وأرانى
أملك مالا يملكه الكونُ , ولا تعرفه الأحجارُ , ولا يفهمه سوى الأطيارْ
وضفاف النهرِ , ومرج الزهِر , وأغصان الأشجارْ
أملك قلب الشاعرْ
ولذلك يا أمَ حنينى , وحبيبةِ حلمى , وصديقةَ أيامى .. سأغنى
يا" أنغام"*
تهفو اليك أنغامى
و"رجاء "*
كل رجائى
سأصلى لله
وسأبكى لله
وسأدعو لله
أن اضحى مثلكما بين جموع الشهداء
بين أسارى القهر , أسارى الحزن , أسارى الجوع , أسارى الخفاش الناشب فى الوجه الأظفار
سأصلى لله القهار
سأصلى لله القهّار
سأصلى لله القهّار
واللهِ .. واللهِ
يا ضحكات "رجاء"
يا فرحة " أنغام"
ستعود الأيامْ
واللهِ .. واللهِ
* أنغام سالم , ورجاء أبوعودة .. شهيدتان من بيت حانون
مت واقفا
مُتْ واقفا
ستهب ريحْ
ويبعثرُ الجرحُ الجريحْ
وتغيبُ شمسْ
ويدور حولكَ عاشقانْ
يتناجيانْ
همسا بهمسْ
بين الخيام
طفلٌ صغيرٌ ذاهلٌ يرنو إلى وجه الذبيح
مت واقفا
سينام عندك خائفان
يتناحبان
يتسمعان
صوت السكون
يسرى كما يسرى الفحيح
وجه الذبيح ,
هذا صحيح ؟
حُلمى , بلادى , إخوتى ,أمى , أبى , زيتونتى , بيارتى .. قبض الرياح ؟
مت واقفا
رغم الجراح
رغم الذبول
رغم انكسارات الأفول
رغم النواح
سيدور حولك عاشقان
وينام تحتك خائفان
فلتسْتَحِلْ فى الشمس ظلا
واضمم اليك أبا وطفلا
لا تنحنِ
لاتنحن
مت واقفا
كيما يراك القادمون
كيما يراك العائدون
مت واقفا
ليدور حولك عاشقان
وليكتبا اسميهما فوق اللحاء
واضمم اليك المتعبين
كى يضحكوا تحت الظلال
كى ينعسوا فوق الرمال
مت واقفا
كيما تلوذ بك الطيور
وتهبُّ ريح
ويبعثرُ الجرحُ الجريح
وينام تحتك مرهقٌ فقد البراح
والشوق راح
والحلم راح
عطر السنين
فرح ارتعاشات الحنين
صوت الطبول
نبض القلوب .. ندى العقول
الكل راح
المجد راح
الشِعر راح
وأنا .. بلادى .. دهشتى .. عمرى .. اقاصيص النجاح
الكل راح
وتبدد العمر الفسيح
وتلكأ الزمن الكسيح
مت واقفا
كيما يراك الراجعون
مت واقفا
كيما ينام المتعبون
مت واقفا
كيما يغنى العاشقون
لحنا لأنوار الصباح
مت واقفا
كيما يعيش الحلمُ فى وَهَجِ البراح
كيما يراك المعتصمْ
تبدو وجودا سامقا
تبدو شموخا عاصفا
رغم الجراح
مت واقفا
متفاعلن
مختارات من شعر الشاعر الراحل أحمد سعد الدين أبو رحاب إعداد : السمّاح عبد الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( غيب الموت مساء أمس الجمعة 21 أبريل 2007 الشاعر الكبير والبرلماني البارز الدكتور أحمد سعد الدين أبو رحاب ، عن ثلاثة وستين عاما ، وبهذه المناسبة أنشر على قراء دنيا الوطن هذه المختارات الشعرية له )
( فضلا اقرأ مقال – رحيل صاحب القلب الأبيض في زاوية الثقافة بدنيا الوطن )
القصيدة الأولى
لم يعد عندي سواكم
الي أطفال الحجارة في فلسطين
( 1 )
قد مضت عنى شجون الموعدِ
ودبيب الجهل فى القلب الندى
عد وخذنى
من قفار السرمدِ
من شحوب الأمس .. من شجو الغدِ
من زمان كاسح مفترسِ
من حنينٍ ضائعٍ مبتئسِ
من سنين لم يعد منها سوى محض خيال فى يدى
عد وخذنى
من هناء غاب عنى
ها أنا أجلس وحدى
ها أنا أنشد وحدى
ليس عندى
غير ذكرى لغلام تائه فى الأبدِ
صوته يبدو نحيبا يتغنى بشجىً منفردِ
يعشق النيلَ وموْجَ البحرِ .. يرنو للغدِ
يُسهد البدر المغنّى
يسطر الأحلام فوق الرمل موصول التمنى
ويسوق التوْقَ لحنا ويغنى
عد وخذنى
( 2 )
ضاع عمرى ؟ لن أجادلْ !
خلنى أبكى لأشواق، وأزمانٍ يناجى البدر ضوء النجم فيها ويغازلْ
نغمة الطير المعنّى، ترسل اللحن نزيفا عن بلاد ومروج وسهولٍ ومراعٍ،ومنازلْ
أرسل الشعر بريئا ساذجا،عشقا مصفّى
ناشراً عطراً رقيقاً فوق أجساد الرسائلْ
واهبا عمرى لأحلى طفلة بين صبيّات الخمائلْ
ثغرها المعشوق حُلمُ الثغر .. لكن من يناضل ؟
خصرها الضامر ترجوه الأمانى راعشا تحت الغلائلْ
جيدها المصقول .. آهٍ ثم آهٍ .. والجدائلْ
قُربها لفحةُ أشواقٍ تدكّ الجسمَ , تجتاح الأناملْ
بُعدها جُرح وترح ونزيفٌ .. ومتاهاتُ صحارى..وفيافٍ .. ومجاهلْ
صوتها زقوٌ لعُصفورٍ .. يمامٍ .. كروانٍ يتهادى فى الليالى .. وبلابلْ
ضحكها رنةُ فرحٍ .. وخريرٌ لجداولْ
كفّها يخضرّ منه الكون .. كرْماً .. وقُطوفاً .. وحقولاً .. وثماراً.. وسنابلْ
عد وخذنى
عد وخذنى من نيوب الشيب من كلل المفاصلْ
من قصيد يهرق الآهات لكن لا يحاولْ
لن أجادلْ
فأنا طيرٌ وحيدٌ وفريدٌ , وغداً فى الليلِ راحلْ
لن أجادلْ
( 3 )
فى سنا الأيام يبدو الحلمُ موصولَ التثنى
مُجهداً بين القصائدْ
باعثاً حُلمَ المجاهدْ
ناشراً شوقَ التمنى
عد وخذنى
فاتنى شئٌ كثيرٌ بين أشعارٍ وفنِّ
عد وخذنى
فأنا أعرف كم بعنا كثيراً بالأناشيد وكم قلنا وقلنا
عد وخذنى
فأنا أرغب فى نزف دمائى كشهيدٍ .. بيد أنى
عد وخذنى
كم تغافلتُ , وكم أبديت مثل الأُسدِ غضباتى بقول ليس يُغنى
ضاع عمرى ؟
لم أعد أملك الا ذكريات وحوارٍ ودروسٍ ومسائل
طفلتى صارت تكافح
بالحجارة
بالمرارة
قرّح الدمع خدودا مثل تفاح الخمائل
جرّح الطوب الأناملْ
بين اخوان صغار كعصافير السنابلْ
صرت لا أملك غيرَ الدمعِ، غيرَ الدمعِ، غيرَ الدمعِ،غيرَ الدمعِ،
يا أطفالَ أحلامى خذونى .. أجمع الأحجارَ.. أجنى الطوبَ.. أجنى وأناولْ
لن أجادلْ
فأنا شيخٌ تعيسٌ , لم يعد عندى سواكم
لست أدرى كيف أحميكم وأحمى الحلم من بطش المناجلْ
لست أدرى كيف أحمى الحب من ظلم المعاول
لم يعد عندى سوى عشقى لكم
لم يعد غير اعتذارى وبكائى
لم يعد عندى سوى الحُلم المخاتلْ
فأنا ضيّعت عمرى ..
لم يعد عندى سواكم
لم يعد عندى سواكم
سامحونى ..
لم يعد عندى سواكم
القصيدة الثانية
( تولى زمانك إلا قليلا )
( 1 )
تولى زمانك إلا قليلا
تولت حكاوى الشتاء الدفء
وأفراح قلب برئ
دموع الفراق ..وفرح اللقاء
وأول أغنيةٍ للهناء
تنام وتحلم حلما طويلا
تولى زمانك الا قليلا
تولت ليال تغرد فيها النجوم
وتنشر فيها البدور بريقا
وتمرح فيها الطيوف البديعة
تولت ليالى الغرام الوضيئة
وأيام فرح المشاعر ..
يوم تبدتْ ويوم تغنتْ
ويوم تشكّتْ وجُنّتْ وحنّتْ
وقالت ومالت وجالت وصالت ورقّتْ وغنّتْ
تولت تولت تولت
وغابت طويلا
تولى زمانك الا قليلا
تولى حديث الشقاء
ودمعة عين لفقد الحبيب
وخوف الفناء
وكل حياتك كانت وصارت هباء
سعادة قلب تولت
ونبضة حب تولت
قصيدة شعر تولت
تولت .. تولت
فلا تتباكَ ولا تتباهَ
ولا تتساقَ من الذكريات الكؤوس الدفاق طويلا
ولا تتغنى بنصرٍ مجيدٍ
ولا تتشكَ عذاباً ممضّاً وهمّاً ثقيلا
تولى زمانك الا قليلا
( 2 )
تصير الى حيث تضحى حياتك نبضا صموتا
بقلب زمانٍ غريبٍ ..
نشيجاً , ودمعاً يقرّح جَفناً عليلا
تصير الى حيث يلمع كونك برقاً
يُشعشعُ فيك ضباباً ثقيلاً
وعند نهايات تلك الصحارَى
تبدّل عمرُك رسماً قديماً .. طلولا
بنات القريض .. يقمن مناحات حلم الطفولةِ ..
يعزف مزمارهن العويلا
وحلمك بالفرح يغدو هزيلا
وما يتبقى يصير قليلا
( 3 )
وها أنت بعد الليالى الطويلة
وبعد القصائد والشوق فى الأمسيات الكليلة
يعود شتاءٌ جديدٌ لينشرَ تنميلةَ الخوفِ
فى النبضاتِ العليلةْ
ويبعث رعشة
ودهشة
ووحشة
ويسأل عن ذكريات الليالى الجميلة
شتاءٌ جديدٌ يعود لنفسِ الحوائطِ ..
نفسِ السرير ونفس الوسائدِ ..
نفس التسهّد .. نفس التوجع ..نفس الترقّب ..
نفس الليالى الطويلة
يضيف الى الوجه بعضَ الغضونِ
وبعضَ الخطوطِ , وبعضَ الندوبِ الوبيلة
شتاء جديد يعود برفق بدون ضجيج
وأنت تذوب شحوباً .. تذوب نضوباً ..
تذوب فؤاداً عليلا
تولى زمانك الا قليلا
( 4 )
ألم تك إحدى زهور الخميلة ؟
ألم تك طيرًا يردد كلَ الفخارِ وكلَ المراثى
ويعزف للضيف تحت الكروم الظليلة ؟
ألم تك عشباً تحط عليه الطيورُ لتلقطَ حَبّاً
وترقصَ تحت الشموس الجليلة ؟
ألم تك تكتب شِعراً عن المجد
نوراً يُضئ سماء القبيلة ؟
فمالك أمسيت درباً بلا خطوٍات
وخطواً بدون دروبٍ
وعشقاً يُضيّعُ منه العذابُ سبيلَه ؟
ومالك أمسيت وجهاً هضيماً
يفارق تلك الوجوه الصقيلةْ
ومالك عدتَ كما كنتَ طفلاً هزيلا
تولى زمانك الا قليلا
( 5 )
تظاهرْ بأنك تحيا طويلا
وقلْ لى كلاماً وشعراً جميلاً
فأنت تجيد الكلامَ الجميلا
وغازلْ وداعبْ ورقرقْ حديثاً
ورتّلْ غناءً يُحيل الليالىَ نوراً وضيئاً ..
قل الشعرَ شدواً وعزفاً ونبضاً وشوقاً وحباً
فلم تك يوما بخيلا
تذكر حبيباً , تذكر بلاداً , تذكر عهوداً ..
عسى تستعيض بشِعرك عن كل شئٍ بديلا
تولى زمانك إلا قليلا
وإنى سأُكثر ذاك القليلا
وأحدوه جيلاً فجيلاً فجيلا
القصيدة الثالثة
لو كان حبييى .. ياليت حبيبي
أهوى أن أمشى تحت الأمطار
أعشق صوت الليل يحمحم بين تلافيف الكون
ما أعظم أن ينفرد البحر بنفسه
أن يرتشف الموج رضاب الشطآن
يتسارع كي يخطف أول قبلة
ينكمش الشاطئ تحت حنين اللمساتْ
وبعيدا فى الدور المنطفئةْ
خلف شبابيك الأحلام المكسورةْ
تتناثر أجساد الناس على سرر الوهمْ
وأنا وحدى
وحدى فى قلب البحر
فى حضن الأمواج
ترمقنى الأسماك بدهشة
تضحك
لا تفزع منى
يألفنى الكون الغارق فى لذات الوحدة
يهوانى الليل المتنزل فوق الدور وبين الطرقات وفوق حقول الزهر
أجلس وحدى فوق الشاطئ لايفزع منى
يسمع اشعارى ويروح يهدهدنى
يأخذنى فى الأحضان الرطبة
اغفو فى الليل وحيداً
تكسونى الظلمات بروح النسيان
لكن ...
لو كان حبيبى نجماً ليلياً
لو كان حبيبى خيطاً من ضوْءِ البدرْ
لحنا من الحان الكروان
لو كان ...
لو ...
ما كنت وحيدا فى الليلْ بكيتْ
مثل الطفلِ التائه يشتاق الى البيتْ
ياليْت حبيبى ...
يا ليْت ...
القصيدة الرابعة
إلى فارس جبل صهيون المزيّف
سَتَعْلَم!
أغيبُ أغيبْ
أغيبُ عن الليل نجماً يُنيرُ الصحارى ويهدى الدروب لوطء خطاوى الرجال وصوت الحِداء ووقع سنابكِ خيلِ الكرامةِ تسرى على جنبات الطريقْ
أغيب عن الكون مجداً وعلماً وهدياً يفرّجُ من كربات القلوبِ إذا ما الزمان يضيقْ
اذا ما الجهالة تغشى العقول فلا تستفيقْ
أغيب عن البحر طوق نجاة لكل غريقْ
وحتى جمال الزهور .. الغروب .. الجنان .. البدور ، يصير بدون بريقْ
أغيبُ عن الفرحِ عند المروجِ وحيث الرعاةُ يقيمون حفلاً بكل مساءٍ رقيق الضياء بديع النجوم يرقرق فى الليل حلو الغناءْ
أغيبُ عن الحب حيث البنات يقمن شموساً ونهراً وعمراً يضجّ بلحن الهناء ويزرعن زهراً وحباً ووداً يفيض بكل معانى الوفاءْ
أغيبُ عن الكون فرحةَ نفسٍ وصوتَ أذانٍ وهمسَ صلاةٍ ودعوى صفاءْ
أغيبُ عن العمرِ ، عمرى وعمرِ بلادى وعمر حقولى وأغصان كرمى وزيتونتى .. عن ليالٍ تشعُّ بنور البهاءْ
أغيبُ ولكننى سأعودْ
وأنت ستعلم حين أعودْ
ستعلم أن السنينَ صديقٌ خئونْ
وأن الزمانَ خصيمٌ خصيمْ
ستعلم أن السعادةَ ضيفٌ خفيفٌ وليس يقيمْ
وأنك تبدو صحيحاً وأنت سقيمْ
وانك برقٌ سيذوى وعقلٌ يشيخ وجسمٌ سيهرمْ
ستعلمْ
ستعلم أنىَ أشحذ ثأرىَ ليوم عصيبْ
وأنت ستملك محضَ صراخٍ ومحضَ نحيبْ
وأنت ستلعن جوْرَ الزمانِ وظلمَ الخطوبْ
وسوف تلاقى
نعم ستلاقى
ستعرف طعمَ الدموع لهيباً يحمحمُ فوق الخدودِ ، ومِلحاً يؤجّج نارَ المآقى
وسوف تعانى
نعم ستعانى ، مشاعرَ ذنبٍ تجبّرَ ثم تندّمْ
ستعلمْ
تظن بأن ضناي الذى فد تفتّت مثل الهباءْ
سيجعل قلبى يُجيد فنونَ البكاءْ
هراءْ
ضناى شهيدٌ يعيش مع الأبرياءْ
سعيد مع السعداءْ
وحين (يئون الأوانُ )،
ستعلم أن لكل حديثٍ حديثْ
ستعلم أنك أتفه من خنفساء الخرائبْ
وأنك صعلوك كل المواكبْ
وحين يدوّى صراخُ المعازف ، حين يدوّى صياحُ العساكر ، حين يقول قرينُك أهلاً وسهلاً وكيف وأين ، سيجهل انك ذئبٌ صغيرٌ وان الصفاقةَ بابٌ يؤدى لكل صنوف الحقارةْ
وأنت ضعيفٌ .. ويهديك فيلاً وقوساً لتبدو قوياً عظيماً . ولكن ستعلم أنك عبدٌ لسادة طست الإمارةْ
وهذى الإمارة سوف تزولُ ، وانت كعبدٍ ذليلٍ تزولُ ، وكل ضروب النذالة سوف تزولُ ، وكل المظالم سوف تزولُ تزولُ تزولْ
ومن يجهل الأمرَ ليس كمن يتعلّمْ
ستعلمْ
تبسمْ
قليلاً .. كثيراً .. تبسمْ
تظاهرْ .. تحركْ .. تكلمْ
وحاربْ جمالَ الطفولةِ حاربْ معانى الرجولةْ
وقم باغتصاب الشريفات إن الضعيفَ قويٌ بحمل المعانى النبيلةْ
تبسّمْ
واقتلْ ودمّرْ وحطمْ..
غدا تستقيم الأمورُ .. غدا تتحطمْ
ستعلمْ
سأحيا بثأرى .. أجيجا يحمحم تحت الرمادِ .. صُراخاً يؤجج شجواً تبعثر فى القلبِ .. نبضاً يدوّى بصوتٍ خفيضٍ .. هزيماً تعلّم يا كم تعلّمْ
عروبةُ قلبى ، وتاريخُ عمرى وفرحى وآيات مجدى وشِعرى ،
مآثر قومى ، هوايا وحبى ، وسيفى الذى قد علا وتسنّم
ستعلمْ
سأحيا بثأرى.. كموجٍ تعالى وأرسل مداً رهيباً علامته دمدماتُ البحارِ وشوق المياه لغرقىَ وقتلىَ ولا يتندمْ ستعلمْ
سأحيا بثأرى كجرعةكرهٍ تمزّق كلَ العروقْ
وتنشر دون كلامٍ كمائنَ موتٍ وحقدٍ وكرهٍ كسم أفاعى الشقوقْ
وانى قتيلٌ سأصحو لكي استعيد الحياهْ
أعلّم شعبَ العصاةِ الكريهَ جزاءَ المروقْ
سأحيا بثأرٍ يعشّشُ بين الهشيمِ وتحت الصخورِ وأسفلَ موج البحارْ
يدقّ بقلب الوجودْ
ويلمع كالبرق حين يضجّ الفضاءْ
ويرقد فى الطين ، يرقب كيف تدور السنينْ
ويصنع فى الطين رمحاً وسيفاً وترساً ودرعاً وثأراً مُبينْ
يُحيك الشرانق طيّ الظلامِ ، وحين يئون الأوانُ سيخرج أعظمْ وأعظمْ
وأعظمْ
ستعلمْ
تظن بأنك فى الزعماءْ
وأنت هباءْ
تعيش بقبضةِ طيفٍ مخيفٍ من الثأر يسعى خفياً ويُخفى لظاهْ
يراك وليس تراهْ
يراك وليس تراهْ
تعيش بقبضة كرهٍ عميقٍ تعلّمَ كيف يُذيبُ الحياةْ
يراك وليس تراهْ
يراك وليس تراهْ
تعيش كأنك حرّ وأنت أسيرٌ ولن تستطيعَ النجاهْ
وفى القلب منك .. وفى العرق منك .. وفى الروح منك .. يخيّم موت ٌ ، تمكّن ثم تحكّمْ
ستعلمْ
ستعلم كيف يكون البكاءْ
وكيف تسيل الدماءْ
وتفهم معنى الهموم ومعنى الشقاءْ
وكيف تجوع بقلب العراءْ
ومعنى الوقوف وحيداً ضعيفاً أمام القنابلْ
ومعنى هدير المناجلْ
تبدد كل أمانى السنابلْ
وكيف يُحرّق دمعُ الطفولةِ خدَّ الملائكْ
نموتُ نموتُ .. وأنت غداً ستخوض المهالكْ
ستعرف كيف يحس الضعيفْ
ومعنى اشتهاء الرغيفْ
وذل الأسير ودمع الكسير ولوعة ظلم المعنّى الأسيفْ
تظن بأنك فى الأقوياءْ
وأنك فى العظماءْ
هراءٌ هراءْ
ستعلم أن الجروحَ قصاصْ
وأن المماتَ قصاصْ
وأن صراخَ الثكالى ونوحَ اليتامى وفقدَ الحبيب قصاصْ
وأي قصاصْ
ستعلم ألا مناصْ
ستعلم أنى وإن كنتُ حلوَ الطباعِ رقيقَ السجايا
ولكننى حين يأتى أوانك يا ثأر أضحى رهيباً كحدِّ المنايا
وقتلك سوف يكون هوايا
وكلََّ منايا
ستعلم أنى وإن كنت دوماً رحيمْ
ولكن خلقت لأقتل كل عتلّ زنيمْ
أمات الحياةَ ومعنى الحياةِ وروحَ الحياةِ وأطفأ نورَ الأمانى وأظلمْ
ستعلمْ
ستعلمُ أن الإلهَ لطيفْ
يورّث ذاك النعيمَ لكل ضعيفْ
ويجعل ضعفيَ قوة
لأحفرَ تحتك بئراً عميقاً وجرفاً وحفرةَ نارٍ وهوّةْ
وآخذ ثأرى
ويبسُم عمرى
ويطلع فجرى
والقى جزاءً جميلاً لصبرى وشكرى
الهى أرانى الشقاءَ وبعد الشقاء تكرّمْ
وأنعمْ
وكل شهيدٍ تكلّمْ
ستعلمْ
وكل جريحٍ حكى وتألمْ
ستعلمْ
وكلُ غلامٍ صغيرٍ بكى وتظلمْ
وكل الشقيقات والأمهات بكين .. حكين بما كان ، والله أعلمْ
وأن حبيبى رسولى شفيعى رنا ودعا وتبسّمْ
ستعلمْ
ستعلمْ
ستعلمْ
القصيدة الخامسة
عفاريت الظلمات العربية
( 1 )
يمرق فى طرقات القريةِ .. يتمسح فى الجدران الطينية
يزحف فى صحراء البدوِِ ويسكن بين الكثبان الرملية
يسرى بين الخيمات ويزعق بين بيوت عباد الله
يجرى يلعب فوق الأسطح .. فى الباحات
يبنى ابراجا ومدائن
يشرب نفطا .. يأكل لحما .. يتجشأ
يُطلق عارية تتلوى، ويبيع الجسد المحموم
ليجمع كل قروش الفقراء المثقوبة
يصرخ ويقهقه فى فرح مجنون
يتباهى بالوهم الخاضع
يتدثر بالليل وأضواء النجمات الشاحبة السأمانة
يزهو بهلامية تكوين الجسد المبلول
يقّافز فوق الأغصان يفزّع أطيار الفجر النائمة المنتظرة ضوء الشمس
يفجّرها ريشا يتناثر بحثا عن ملجأ
يتسلل تحت الأجفان الطفلية، يرسم هولا يتصاعدُ يُطبقُ يسلخُ ..
تتحول أحلامُ البهجةِ كابوساً، تتفصّدُ جبهاتُ الأطفالِ بمِلحٍ باردْ
يُضحى الليل كِياناً مقلوبَ السحنةْ
تصفر ريحٌ غامضةٌ فى أغصانِ الجُمْيَزَة
يحتكر البومُ فضاءَ الله
( 2 )
أمشى .. يغمرنى لحن يترسب من جمجمتى فى أذنيَّ،
وأمشى يدفعنى أملٌ مجهولُ السمتِ
وأمشى يجذبنى ضوءٌ لست أراه
-* ماذا تفعل
يا مجنون ...؟
أمشى تتهددنى أجنحةُ الخفّاشِ، وأمشى لا أعرف كيفَ
وأمشى تُنكرُنى أقدامى المندهشة
صرخاتٌ غامضةٌ تنبضُ فى قلبِ الظلمة
ونُباحُ كلابٍ يفترسُ هلالاً مفزوعاً
هل نام الناس
أم غرقوا ؟
عينا العِفريت
كرتان
من
نار
فى وجهى يتصلب منتصبا فى صمت ساخرْ
( 3 )
قال الطيفُ السابحُ فى الأحلامْ
النابضُ فى قلب التاريخ العربي :
من يسلم نبضته للريح
لتدق بلا قلب فى الظلمات
من يعزف للبوم ويسجد للعفريت
لا بد يموت
من يفقأ عين العفريت
أيضا سيموت
لكن قد يسعد أحلام الأطفال
القصيدة السادسة
التاريخ السري للحزن
( 1 )
مهصورا كعجوز يضنيها حمل الأسرار
مفقوء النجمات يكابد حزن التكرار
يبدو الليل ملولا
جسدا يتهدل فى تجويف الكون
يبدو الليل طويلا مثل التاريخ السري لآحزان القلب
يجثم فوق الباحات وفوق الدور
مشنقة يتدلى منها عنق النور
غجريَ الملمح يتنامى الحلم
يتراءى فى أطياف الزمن الوحشي
يذبحنى كل مساء
بسيوف الوحشة والإيغال بلا معنى نحو الجذر
أتسرب عبر التاريخ البشري
أسبح عكس التاريخ
أوغل .. أتغلغل .. أرجع عريانا فى الغابات الحجرية
أقتل رجلا كى أحظى بامرأته
وأموت بطعنة خنجر
يحكمها مجهول فى عمق ظلام الليلات الوثنية
تهزمنى أحلامى
أخلعها وأغوص بقلب النهر الدموي الشطآن
أسبح فى التاريخ البشري وحيدا
مصبوغا باللون الأحمر أرقص تحت الأمطار
تتمدد فى تجويف الصدر طيوف الأحلام
لكن حين يعود الفجر
( هل سيعود ؟ )
سأحس بحزن العالم يجثم فى الأعماق
ينشج كالطفل المحروم من الأم
اذ حين يغيب الليل يغيب الحلم
أتواجه والأيام المكسورة
والأشداق المنتفخة
والحدقات الميتة الحس
( 2 )
يغزلنى الحزن خيوطا بنسيج الزمن الأسود
تتفجر صلواتى لحنا دمويا يشربه النسج المتهرئ
أدفن جذرى فى الأرض أخبّئ أحلامى فى طي عروق الجذر المتشعب فى ألمٍ .. يتشرّب ماء الحزن , عصارات دماء المذبوحين بسيف القهر
أتشعب فى التربة .. أعلو نحو النور لآصنع أعشاشاً لطيور الصبح المنهزمة
الأرض – الأم – تهدهدنى . تسقينى جرعاتٍ من لبنٍ مخلوط بالظلماتِ .. تناجينى كى أبقى داخل رحم الشفقةِ .. أصرخَ .. أعلو نحو النور .. أجاهد كي أكسر قشرتها الصلبة .. تمنعنى .. تجذبنى كي أبقى فى الأعماقِ .. اصارعُ عطفَ الأرض الأزليّ لآصنعَ ثقباً أنفذ منه لأصنع أعشاش طيور الصبح المنتظرة
( 3 )
ألبس تاج الأشواكْ
أبحث عنك بكل مكانٍ ,
لكن لست أراكْ
وطنى يتبدد فى ظلماتى
وأنا اتبدد فى ظلمات بلادى
لست أراكْ
لست أراكْ
( 4 )
تتقطر ظلمات الليل يداخل تجويف الصدر
تتكثف .. تضحى أشباحا وطيوفا ومدائنَ .. تاريخاً مذبوحاً
تهجر أطيارُ الفجرِ الأعشاش
بحثاً عن كونٍ آخرَ .. تهجرُ .. ترحل فى وجه الريح
اصنع من ثبج البحر سفينة
أغزل من نور البدر عباءة
اصنع قيثارا من عبق الزهر
أطلق الحانى فى وجه الظلمة
( 5 )
كسروا سيف المتنبى
صنعوا منه أوانى للسلطان
يشرب فيها دم الجارية الأصفر
صرخ المتنبى ان العيد هباء حين تعم الأحزان
ان العمر هباء حين تسود الظلمات
ان الناس هباء حين يقود الخصيان
ان الشعر هباء فى زمن الغربان
كسروا سيفهْ
صرخ بأن الثعلب لن يشبع أبداً
ان الموت هو الموت ولكن كيف نعيش ؟
كسروا سيفهْ
منفيا داخل أحلامه
يصنع تاريخا خاصا للشعراء الرحل
يسقط م>بوحا فوق الأرض العربية
( 6 )
أيام العشق الأول
طفليا أنسج احزانى كلمات غزلية
أيام العشق الآخر
طفليا أنسج احزانى كلمات دموية
اصنع تاريخا سريا للحزن
يتحدر فى بطء نهرا يحفر مجراه
فى قلب الصخر
( 7 )
يزأر سيف الحجاج بأكباد الأطفال
- ولدى يا مجروح
- يا مقتول
أصرخ ملتاعا .. يقطع رأسى
مرفوعا فوق الرمح الخشبي
يتقطر رأسى شجنا ودما
آباء الأطفال يصيحون بفرحة :
- الخائن
الخائن
يصرخ فى وجه الحجاج ؟
لا يكفى أن يُقطع رأسه
( 8 )
قالت أمى الأرض :
- ياولدى لم تسمع قولى
لم تسمع قولى
ياولدى
( 9 )
ألبس تاج الأشواكْ
أبحث عنك بكل مكانٍ ,
لكن لست أراكْ
وطنى يتبدد فى ظلماتى
وأنا اتبدد فى ظلمات بلادى
لست أراكْ
لست أراكْ
زفرات والهة
القصيدة السابعة
قصائد قصيرة
رحلوا ..
متفاعلن
رحلوا
لم يتركوا اثرا
لم يودعوا سمع الدجى خبرا
لم يتركوا بابا لأفتحه
ولا جرحا لأنكأه
لم يتركوا عمرا يعايشنى , ولا طللا اناجيهِ
ولا قلبا يراودنى وأشقيهِ
ولا امرأة لأهجرها , ولا طفلا اربيهِ
ولا شعرا اردده , ولاعشقا اداريهِ
ولا دمعا افجّره , ولا لحنا اغنيهِ
رحلوا
فلا حزنٌ ولا فرحٌ
ولا شوقٌ
ولا أملٌ اناديهِ
وتنصرفين ..
فعولن
وتنصرفين
فتمضى الحياةُ,
ويغدو المدى لايبين
وأدرك كيف يحس السجينْ
لك الضوء دوما ..
فعولن
واعرف ان عيونك دنيا
وانك حلمٌ
تخلّق فى مقلتيّ ضياءً ونوراً وجنةَ عدنٍ
وانك أحلى ابتسامةْ
وظل غمامةْ
ترطّب قلب الهجيرْ
واعلم انك ابعد من لؤلؤةْ
واقرب من نبضات الفؤادْ
وانك طيف بليل السهادْ
وانك لحن ينام بليل الوترْ
وانك بدرٌ سما
لك الضوء دوماً ...
... وللقلب كل معانى السهرْ
لن يعرفنى الا ..
فعلن
اتجول فوق الدنيا
تبذرنى الريح بكل الأنحاءِ .. تبعثرنى
انبت صبارا .. ريحانا .. شوكا .. وردا
لن يعرفنى الا من يعرفنى
العام القديم ..
مفاعلتن
دع العامَ القديمْ
يسافرْ فى الزمانْ
يهاجرْ فى الضبابْ
ويهوِِِ الى السفوحْ
دع العامَ القديمْ
يُضفْ جرحا الى تلك الجروحْ
بلا جدوى ..
مفاعلتن
وتنتشرين فى عمرى
ويملؤنى اساكى اسىً
يبددنى وريقات خريفيةْ
واشواقا خيالية
حنينك فى شرايينى
يحولنى الى معنى بلا معنى
كيانا عاش فى زمن بلا زمنٍ ..
غناءً شارك الأطيارَ والأزهارَ والأشجارَ ...
... احزاناً وأفراحاً واحلاماً بلا جدوى
بلا جدوى .
ذهبوا ..
متفاعلن
ذهبوا
ذهبوا فلا النجمات تلمع كالمرايا
ذهبوا فلا الأنسام ترقص فى فساتين الصبايا
كلا ولا الأوتار تمرح فى عروقى
ذهبوا بلا صوت كظل كان يسكن فى الثنايا
ذهبوا بلا أثرٍ ولا حتى بقايا
ياويل شِعرى من دموعى
ياويل طرقات المدينة من خُطايا
لا بيت لى ..
فاعلاتن
كلما غرد صوت صحت امى ..
.. وأنا لا أم لى
كلما اورق زهرٌ , صحت حقلى ..
.. وأنا لا حقل لى
كلما غنى غلامٌ , صحت إبنى ..
و أنا لا إبن لى
كلما نوّر بيتٌ , صحت بيتى ..
وأنا لابيت لى
وأنا لابيت لى
وأنا لابيت لى
وتبقى سطور ..
فعولن
وهل بعد تلك العيون عيونْ ؟
وهل بعد شوقى ويأسى وحزنى اسىً وشجونْ ؟
ويبقى السؤال المحالْ
انا من اكونْ
وانتِ ؟
وتلك الليالى
وتلك الحكايا
خيالٌ ؟
ظنونْ ؟؟
القصيدة الثامنة
الفراشة والشرنقة
( 1 )
متشرنقٌ فى أسر ذكرى العمرِ أو ذكرى الفشلْ
متشرنقٌ .. والكونُ حولك بات يخطو فى مللْ
ترنو بلا حزنٍ ولا يأسٍ ولا شوقٍ لأيامٍ وأحزانٍ مضتْ
تشدو بألحانِ الضنى
لا الكونُ أصغى لكْ , ولا الدنيا وَعَتْ
من ذا يصدّقُ أن قلبَك لم يكلِّ من العملْ
ومن العِللْ !
حتى غناؤك لم يعد فيضَ المنى
حتى حياتُك لم تعد قيدَ الرضا
حتى قصائدُك القديمةُ لم تعُدْ تعنى سوى بعضِ الجُمَلْ
بعضِ الحقائقِ ؟ ربما ,
...بعضِ التراكيبِ البديعةِ ؟ ربما ,
... بعض التغنى بالخمائل والأزاهر والمفاتن والعيونِ الناعسات ,
...وربما بعضِ الأمل !
متشرنقٌ فى أغنيات الحبِّ , فى ذكرى فؤادٍ كان يشدو للكفاحِ وللنجاحِ وللشعوب وللقلوب وللحيارى والسهارى .. للغرام وللقبل
متشرنقٌ فى أسر خيطٍ من مراراتِ الشجنْ
من كل أهوالِ الزمنْ
دمعِ التواريخ القديمة .. توقِها .. همّ القصائد للوطنْ
حزن الأزلْ
شوق الأزلْ
ماذا حصدت سوى الكلل ؟
ماذا حصدت سوى الكلل ؟
( 2 )
الغابةُ السوداء تبدو فى الضباب ككتلةٍ توحى بأحزانٍ واحلامٍ دفينةْ
تمتص رعب الناس تبدو كالمدينةْ
حيث الدروب تنام فى ذعر على وقع الخطى
تمتص اوهامَ السكينةْ
وقعُ الخطى
يبدو خفيضَ الصوتِ مهمومَ الصدى
تمشى الجموعُ الى طريقٍ واحدٍ
دوما طريقٍ واحدٍ
عبر المدى
وتسير وحدك عابرا غير الطريق
وتصوغ شعرَك
وينوح لحنُك
دائما غير الطريق
وبلا رفيق
الغابة السوداء تمحو أغنياتك
والظلمة السوداء تسحق أمنياتك
يجتاحها صوت غريب كالصفير
وكأنما نهرٌ يجرّب لاهثا صوت الخرير
وكأنما العصفور قد فقد الغناء
والزهر قد فقد العبير
والأسد قد فقدت نجاحات التصدى و الزئير
تمضى .. تسير بلا أمل
ماذا حصدت سوى الكلل ؟
ماذا حصدت سوى الكلل ؟
( 3 )
الشرنقة
ها أنت فى ذل الجحيم وفى ضرام البوتقة
ها أنت محصورٌ ومضغوطٌ ومشدودٌ لحبل المشنقة
نت
أُثقبْ جدار الشرنقة
كل القصائد قد مضت
لا الكون اصغى لك , ولا الدنيا وعت
اثقب جدار الشرنقة
الحلم مات
والعمر مات
والطفل ذو الدَهَش البرئ الحُلو مات
اثقب جدار الشرنقة
اين الأغانى والمحبة والأمل
ماذا حصدت سوى الكلل
أثقب جدار الشرنقة
أُخرجْ الى الدنيا فراشة
أُخرجْ الى الدنيا فراشة
ذوّبْ ضياء الشمس فى جنحيك وارتشف الأفقْ
لحناً وشِعراً والتماعاً وانتعاشةْ
خلِّ الزهورَ تعش مع النسمات فى أحلى ارتعاشةْ
ارسل الى الدنيا لحونا زانها عذب الصدى
ارسم مدى
واطفئ سعير الأرض بالعشق/الندى
قاوم دخان المحرقة
أُثقبْ جدار الشرنقة
أُثقبْ جدار الشرنقة
متفاعلن
واللـهِ .. واللـهِ
رسالة الى شهيدتيْ بيت حانون : رجاء أبو عودة و أنغام سالم
واللهِ .. واللهِ
لو انى كنت ترابا معجونا بدماء القتلى والمأسورين على مر التاريخ البشري الدامى والمهموم بذل الطغيان وذل الحرمان وذل الترك وذل الحظر ..
لضممتُكْ..
قبلتُكْ ..
وحفظتك فى احضانى المملوءة رعبا وعذابا
واستمطرت سحاباً
ودفعت جذورك للأعماق
وسألت النور
أن يجذب كل غصونك
للأعلى .. للأعلى
واللهِ .. واللهِ
لو أنى كنت نسيما
يجرح خدّ الأزهار ويركب متن الأشجار , ويلهو بين الأنحاء
لحملت العطر الباذخ منك أيا أحلى الشهداء
عطرت جميع الأجواء
ونثرتك فى الأرجاء
لو انى كنت رفيف هواء
لرفعتك عبقا
للأعلى .. للأعلى
واللهِ .. واللهِ
لو كنت كبدر الليل اضئ الظلمة للعشاق
لحملتك أغنية تنشدها الآفاق
وجعلتك نورا يتلألأ فى أحلام البسطاء
يصعد يصعد يصعد
للأعلى .. للأعلى
لكنى
لست سوى عازف مزمارٍ جوّال
ازرع فى التربة شِعرى
انشد للنسمة وجدى
اشكو للبدر حنينا ضاق به صدرى
لكنى أذكر ماكان
وارانى والد ايام مرت فى فرح وهناء
اخشى عليك من الأمراض
واكافح ضد الجوع وضد الحرمان
ابذل عمرى كى أحمى عمرك
نستذكر درس اليوم بجد كل مساء
والأم تصيح كفى .. اتركها للنوم وللأحلام
أيامٌ .. أيامْ
وأرانى أما تضفر شعرك .. تغسل وجهك .. تصنع خبزك .. ترفو ثوبك .. ترقع نعليك .. أرانى أزهو بأرق وأحلى ملاك
وارانى عشقا يتمنى اشواق شبابك
لحنا يتغنى بجمالك
أمشى تحت الشباك, وأهجر شبّاكى
استذكر درسى تحت عمود النور الناهل من عذب ضياكِ
أكتب شعرا مكسورا : إنى أهواكِ .. أهواكِ
ترمين الوردة فى خفَرٍ .. تتوارين وراء الشيش ولكنى بالقلب أراكِ
وارانى زوجا يشرب من انهاركْ
يرضيه غرامك , يرضيه طعامكْ
يشكو بين ذراعيك هموما وخطوبا وصروفا .. تربت رأسى كفاكِ
وتهدهدنى أقوالكْ
وأرانى إبنا يستنشق عطر حنانِكْ
طفلا يتغذى من ثدييك ويرضع حلو أمانِكْ
أكبُرُ فى زهوٍ يدفعنى للعلياء كلامُكِ , كلُ كلامِكْ
انمو كي ابذل عمرى لفلسطين المسلوبة
وديارى المحبوبة
كى ادفع قرصانا مجنونا ولعينا , يتشهى بلدى المرغوبة
ترشدنى كلماتك للموت والاستشهاد , وتزرعنى أحلامك فى قلب حدائق أحلامى
أيامك تصنع أيامى
ما اجمل عمرى فى أحضانكْ
ما أجمل وجهك فى أحلامى
وأرانى
أملك مالا يملكه الكونُ , ولا تعرفه الأحجارُ , ولا يفهمه سوى الأطيارْ
وضفاف النهرِ , ومرج الزهِر , وأغصان الأشجارْ
أملك قلب الشاعرْ
ولذلك يا أمَ حنينى , وحبيبةِ حلمى , وصديقةَ أيامى .. سأغنى
يا" أنغام"*
تهفو اليك أنغامى
و"رجاء "*
كل رجائى
سأصلى لله
وسأبكى لله
وسأدعو لله
أن اضحى مثلكما بين جموع الشهداء
بين أسارى القهر , أسارى الحزن , أسارى الجوع , أسارى الخفاش الناشب فى الوجه الأظفار
سأصلى لله القهار
سأصلى لله القهّار
سأصلى لله القهّار
واللهِ .. واللهِ
يا ضحكات "رجاء"
يا فرحة " أنغام"
ستعود الأيامْ
واللهِ .. واللهِ
* أنغام سالم , ورجاء أبوعودة .. شهيدتان من بيت حانون
مت واقفا
مُتْ واقفا
ستهب ريحْ
ويبعثرُ الجرحُ الجريحْ
وتغيبُ شمسْ
ويدور حولكَ عاشقانْ
يتناجيانْ
همسا بهمسْ
بين الخيام
طفلٌ صغيرٌ ذاهلٌ يرنو إلى وجه الذبيح
مت واقفا
سينام عندك خائفان
يتناحبان
يتسمعان
صوت السكون
يسرى كما يسرى الفحيح
وجه الذبيح ,
هذا صحيح ؟
حُلمى , بلادى , إخوتى ,أمى , أبى , زيتونتى , بيارتى .. قبض الرياح ؟
مت واقفا
رغم الجراح
رغم الذبول
رغم انكسارات الأفول
رغم النواح
سيدور حولك عاشقان
وينام تحتك خائفان
فلتسْتَحِلْ فى الشمس ظلا
واضمم اليك أبا وطفلا
لا تنحنِ
لاتنحن
مت واقفا
كيما يراك القادمون
كيما يراك العائدون
مت واقفا
ليدور حولك عاشقان
وليكتبا اسميهما فوق اللحاء
واضمم اليك المتعبين
كى يضحكوا تحت الظلال
كى ينعسوا فوق الرمال
مت واقفا
كيما تلوذ بك الطيور
وتهبُّ ريح
ويبعثرُ الجرحُ الجريح
وينام تحتك مرهقٌ فقد البراح
والشوق راح
والحلم راح
عطر السنين
فرح ارتعاشات الحنين
صوت الطبول
نبض القلوب .. ندى العقول
الكل راح
المجد راح
الشِعر راح
وأنا .. بلادى .. دهشتى .. عمرى .. اقاصيص النجاح
الكل راح
وتبدد العمر الفسيح
وتلكأ الزمن الكسيح
مت واقفا
كيما يراك الراجعون
مت واقفا
كيما ينام المتعبون
مت واقفا
كيما يغنى العاشقون
لحنا لأنوار الصباح
مت واقفا
كيما يعيش الحلمُ فى وَهَجِ البراح
كيما يراك المعتصمْ
تبدو وجودا سامقا
تبدو شموخا عاصفا
رغم الجراح
مت واقفا
متفاعلن