الأخبار
(يسرائيل هيوم): هكذا حاولت حماس اختراق قاعدة سرية إسرائيلية عبر شركة تنظيفجندي إسرائيلي ينتحر حرقاً بعد معاناته النفسية من مشاركته في حرب غزةالهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينية
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مجرد أعلام بقلم:جودت عيد

تاريخ النشر : 2007-04-10
مجـرّد أعــــــلام!

جـودت عيـد



"لقد دخلنا الحجرة الداخلية للمنزل التي تطل على الشارع الرئيسي من نافذة صغيرة جدا، وقد تجمعنا أنا وأمي وخالتي وأولادها الصغار ورحنا نراقب الشارع وكانت شفاه أمي وخالتي تتمتم بالصلاة المريميّة عندما رأينا رئيس البلدية واثنين من رجال الدين وبعض وجهاء البلد يحملون الراية البيضاء ويتقدّمون نحو الجنود الذين اصطفوا قرب دباباتهم عند مدخل الشارع الرئيسي ... لقد سلّموا!! لم يكن باليد حيلة في ال- 48 ، إما ان يُقتل الجميع وإما أن تستسلم البلد دون اقتتال! لقد رفعوا العلم الأبيض". هذا ما روته لنا والدتي في إحدى الليالي الماطرة منذ فترة طويلة حين تجمّعنا حول الشّمع الأبيض الكبير الذي أضاءه والدي بعد انقطاع التيار الكهربائي!

لقد كان العلم باللّون الأبيض سيد الموقف في الشارع المزدحم بالصمت وبالخوف وبدبابات الجنود وهو ذاته الّلون الأبيض الذي يحترق مع الشمع ليستحيل نورا لنا في العتمة.

يشدّ انتباهي هذا اللون الأبيض... فأذكر أول درس تعلمناه ،عندما درست في كلية الفنون، كان عن الألوان ومميّزات كل لون. اللّون الرمادي، مثلا، قد عرّفه المحاضر الفنان بأنه "زانية الألوان" وذلك لأنه يتماشى مع كل الألوان، أما بالنسبة لللّون الأبيض فقال بأنه مزيج كل الألوان الكونية!! كيف من الممكن أن يكون اللون ناصعا وفي داخله تركيبة كاملة من كل ألوان الطيف؟ حالة من "تنافر فكريّ"!! الأبيض هو حالة استثنائية تشمل كل التناقضات، مثير للغاية هذا اللون الابيض... فالموت أبيض والقيامة بيضاء، الزواج أبيض، الفرح أبيض والسلام أبيض، الفناء أبيض والنقاء أبيض، الشتات أبيض، الابداع أبيض، الانتصار أبيض والاستسلام أبيض!!

"تلفت نظري" الأعلام البيضاء لأنها تحتوي كل الألوان... كل الألوان!

* * * *

في وسط الزحام القائظ، كنت أتقدم بسيارتي مترا واحدا كل نصف ساعة في الشارع الضيّق وكان الوقت كافيا لكي أستمع الى حوار دار بين أحد الأصدقاء وابنته راما،في الجهة المقابلة للشارع، كان قد أطفأ محرك سيارته وخرج منها واتّكأ عليها ريثما ينتهي الازدحام المروري..

سألته راما: ما هذه الاعلام الملونة يا أبي؟ وراحت تنظر بإعجاب الى تلك الأعلام التي رُتبت فوق سطح محطة الوقود القريبة.

أجابها: الأعلام الزرقاء والصفراء؟ لم ينتظر الإجابة…. وأكمل حديثه، تلك أعلام الشركة التي تملك محطة الوقود.

قالت: وهذا العلم الذي في الوسط؟

قال: إنه علم إسرائيل.

قالت: اسرائيل لا تحبّنا! لماذا يرفعون علمها هنا؟

قال: لأننا نعيش هنا في دولة اسرائيل.

قالت: لقد سرقت اسرائيل الارض من العرب! علم دولتنا فيه اللون الأحمر والأخضر! هكذا

قالت لنا المعلمة.

قال: العلم الذي فيه الأخضر والأحمر أيضا علم وطننا ونحبه لأنه لأقربائنا وأحبائنا الّذين

في فلسطين!

وصمت الأب وفي رأسه تدور جلبة حوار بين الأعلام !!

سألت راما: متى سنصل الى ماكدونالدز؟ لأني أريد وجبة الأطفال مع الهدية وعلم ملوّن.

تنفّس الأب الصعداء، أشعل سيجارة ليحرقها في رئتيه.

تقدّمتُ قليلا بالسيارة بعدما إنهال عليّ سائق السيارة خلفي بوابل من الشتائم "والزمامير" لأنني لم أتقدم مترا بعدما تحركت السيارة الواقفة أمامي!!

* * * *

أعلام ملوّنة... أذكرها حين "زيّنت" الشوارع وواجهات المحال التجارية في كل مكان، كانت الحركة نشطة خلال النهار فذاك عام "المونديال"... وفي اللّيل، صيحات متفرقة تمزّق سكينة اللّيل عند تحقيق هدف....جووووووووول !! لترى فجأة، من خلال النافذة المطلّة على العتمة والأضواء القليلة في الشارع، السيارات الكثيرة التي تحمل الأعلام الكبيرة وتسمع من بعيد صيحات الفرح يمتزج مع صوت أبواق السيارات !!

في إحدى الصباحات هربتُ من الزحام أنا وسيارتي لأعبر الى الجانب الآخر من المدينة فدخلت زقاقات الحارات الجانبية… لكنها كانت مزدحمة أيضا بأعلام الدول جميعها. وكدت أخال نفسي في شارع الأمم المتحدة!! تابعت السفر في خضم الألوان الكثيرة حتى صرت في مكان يطل على البيوت البيضاء وإذ تتزاحم فوق سطوحها أعلام بكل الأحجام والألوان... الكبيرة والصغيرة والكبيرة جداً ترفرف فوق السطوح أو تغطي واجهات البيوت وأحيانا قد تجد أعلامًا لأكثر من دولة فوق سطح البيت الواحد... للحظات ظننتني في حي السفارات!! لكني ما عرفت تماما معنى الألوان والرموز في كل علم، رغم إدراكي بأنها تتصل مع تجربة قومية، إجتماعية ودينية… أو تجربة ثقافية لشعب معيّن لا نعرفه تماما!!

في اليوم التالي تابعت الهرب في سيارتي من شوارع الزحمة والأعلام وكنت منهمكا في الاستماع للحوار الذي دار في المذياع (الراديو) حول المجزرة التي ارتكبت في الساحل منذ يومين. هناك بعيدًا على الشاطئ، فوق حبات الرمال التي لا تُحصى قُتلت عائلة برصاص الجنود، وامتزج دمها بمياه الأبيض المالحة… فوق الرمال لم يكن غيرعلم واحد باهت اللون فوق برج المنقذ!! ولم ترفع أعلام على امتداد الساحل … لم ترفع أية أعلام فوق الأضرحة! أو في الشوارع المؤدية إليها...

تابعت السفر والحزن بين الأعلام الملونة والضياع في الشوارع المكتظّة بالحالات النفسية وبالآليات الدفاعية أو كما يسمّيها البعض "فشّة الخلق"… بكل اتجاهاتها!!

* * * *

لم يعد هناك متّسع في الشارع لي أولسيارتي فقصدت أحد المقاهي الرصيفية. طلبت فنجان قهوة ورحت أتتبع ازدحام المارّة في الشارع… مرّت وسط الزحام مجموعة حجّاج أجانب تتبع العلم الأزرق الذي يحمله المرشد. ومرّت مجموعة أطفال يحملون الأعلام الملوّنة ويتبعون معلمتهم ... أعمدة الانارة في الشارع مزيّنة بأعلام صغيرة بعضها ممزق… كما يبدو أنها قد نُسيت أو أُهملت بعد مناسبة ما ولم يجد المسؤولون متسعاً من الوقت لإزالتها بعد.

وصلت "الاسبرسو" السوداء… في الفنجان الرخامي الابيض… أحب ارتشاف "الاسبرسو" ذلك الطعم المرّ الأسود الممتزج مع طعم السكر الذي يسترق الانزلاق في الفم من حافة الفنجان الرخامية البيضاء، بينما أستريح من الزحام في هذه الزاوية من المقهى المطلة على الشارع الرئيسي.

يتجمهر في طرف الشارع مجموعة من الناس تحمل الأعلام البنفسجيّة!

أرتشف قهوتي السوداء!

يتجمهر في طرف آخر من الشارع مجموعة من الناس تحمل الأعلام البنيّة!

أرتشف قهوتي السوداء!

يتجمهر في إحدى الأزقة الموصلة للشارع مجموعة من الناس تحمل الأعلام الزهريّة!

أنهيت قهوتي السوداء! خرجتُ من المقهى، خلعتُ حذائي ومشيتُ بين الأعلام المرفرفة في "يوم الأرض" حافي القدمين فوق التراب الأسود!

لقد تمّ قول أحد الأصدقاء في التظاهرات الوطنية!

* * * *

بعد بضعة أيام حلّ عيد الفصح لدى اليهود، الذي يمثّل عيد الحرية والتحرر من العبودية، فرفعت أعلام إسرائيل على أعمدة الإنارة في بعض شوارع المدن اليهودية و"المختلطة"، وبقيت الأعلام حتى يوم الاستقلال فرُفعت الى جانب بعضها أعلام الولايات المتّحدة!

رُفعت الأعلام في كل شوارع البلاد... كلّها، وفوق سطوح البيوت والعمارات الرّسمية وغير الرسمية...

سألت راما: ماذا تعني الأعلام؟

- صمت.

سألت راما: ماذا تعني الأعلام!؟

- مجرد أعلام!

- صمت.

* * * *

دندنة...

سنرفع علم العراق هذا العام، لقد فاز بالجائزة الأولى في "ستار أكاديمي 2007" !!!



جودت عيد - الناصرة
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف